تحت إشراف رئيسة مركز جيل البحث العلمي أ.د. سرور طالبي أقام قسم الدراسات الأدبية والفكرية ندوة علمية افتراضية أمسية يوم الجمعة 20 ماي 2022، تكريما لعضو لجنة التحكيم بمجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الناقد الجزائري الدكتور سليم سعدلي، حيث تمت فيها مناقشة كتابه “الأدب الساخر في أعمال ركن الدين الوهراني”، من قبل أ.د. آمنة بلعلى من جامعة ملود معمري تيزي زو، ود. وهيبة جراح من جامعة ميلة الجزائر، ومن جامعة البيض الجزائر، الدكتورة وفاء مناصري، د. محمد الأمين لعلاونة جامعة مولود معمري/الجزائر، من جامعة برج بوعريريج، الجزائر، الدكتور البشير عزوزي، والدكتور محمد الصديق بغورة من جامعة مسيلة الجزائر .
بداية رحبت الأستاذة سرور بضيف الندوة ووبأعضاء اللجنة العلمية للمجلة وكل الحضور مذكرة بأهمية هذه الندوات في التعريف بإصدارات لجنته العلمية كعربون شكر وامتنان على تعاونهم العلمي مع المركز ومساهمتهم في رفع من مستوى المجلة التي حصلت مؤخرا على التصنيف العالمي، ثم أحالت الكلمية لرئيسة تحرير المجلة الدكتورة غزلان هاشمي التي رحبت بدورها بالمحتفى به والمحاضرين وكل الحضور، وبينت أن هذه الندوة ستكون مختلفة نوعا ما عن سابقاتها،إذ ستتم فيها مناقشة كتاب في الأدب الساخر يعود إلى مؤلف مغمور من تراث الأدب الجزائري القديم اسمه ابن محرز ركن الدين الوهراني، بناءا على طلب السادة المحاضرين، ثم أحالت الكلمة إلى الدكتور سليم سعدلي الذي قدم مختصرا حول محتوى الكتاب.
بين سليم سعدلي أن الكتاب يستعرض تاريخ الأديب المغربي (الجزائري) ،إذ تناول سلطة القضاة المشارقة والتهميش الذي طال الذات المغربية في غربتها، كما أبرز فصول الكتاب : أركيولوجيا الألم في خطاب الوهراني، آليات اشتغال السخرية في أدب الوهراني، استراتيجية الخطاب الهذياني في أدب الوهراني.
يقول: “إنّ مسألة الإقصاء مع السّرد القائم على أحداث وهمية في التراث العربي القديم، مسألة ضاربة في القدم، وخير مثال: القراءة الرافضة لأدب الوهراني لكونها تندرج ضمن السّرديات السّاخرة. ولقد أشار الصفدي في كتابه “الوافي بالوفايات” إلى عدم قراءة هذا النوع من القصص وقال بأنّ هذا الأدب هو أدب المجون والخلاعة. فهل ترانا سندرس هذا الجنس الأدبي كما كان القدامى يفهمونه؟ أم أننا سنستخلص منه قسماً معيناً يدخل في إطار مفهومنا للمنهج الحفري الذي استند إليه “ميشال فوكو” في استنطاقه للمسكوت عنه؟. البحث يحمل في طياته مجموعة من القراءات، تحتاج إلى من يكشفها أو يحللها بطريقة حفرية، كونها دراسة غير مقيدة بتقنيات منهج محدد، ذلك أن فهم الظاهرة الأدبية لا يكون دون إدراجها في سياقها التاريخي لمعرفة الظروف الحافّة بها والتي توجه في أكثر الأحيان الباحث إلى مواقع الأهمية فيها. الكتابة الساخرة عند ابن محرز ركن الدين الوهراني والتي وضعت في إطار الأدب الهامشي تعانق المستور وتظل تستنطق السلوك اليومي، فيغدو المسطور وشماً يقر بحقيقة الفرد المشرقي من داخله، ويجعله تدويناً لما يعانيه؛ وهذا يعني أن التطرق لكتابة الهامش صراحة يفصح عن هتك لما هو اجتماعي وتمرد على المحظور، وهذا يستدعي تضييقا وردعاً ليبقى السر مصاناً. فليست نصوص الكشف سوى تعرية مستور، وانتهاك وكشف لزيف الوقار الديني والسياسي بتعبير إبراهيم محمود. فالكاتب كما تقرّ كتاباته، ذات تواقة إلى رحابة الإنساني، ومن الخير أن ندرسه كثيرا ونتفهمه طويلا فإنّه قمة من أسمى قِمم الفكر الجزائري الضائعة في عزلتها”.
قدمت أ.د.آمنة بلعلى من جامعة مولود معمري/الجزائر مداخلة موسومة بـ”اللغة الواصفة لدى سليم سعدلي في قراءة ركن الدين الوهراني”.
بينت مقولات الخطاب الأدبي واعتبرت أن الخطاب النقدي يتخذ نفس المسار ،فلغة النقد يجب ألا تكون مقتربة من الجانب العاطفي ،أو الانطباعية والمجاز…تحقيقا للعلمية وللدقة المطلوبة ،فاللغة الواصفة تقترن بصرامة المنهج والمنظومة الاصطلاحية …من هذه النقطة دخلت د.آمنة إلى اللغة الواصفة لسليم سعدلي، فقد كانت مختلفة وتنأى عن الصرامة التي كانت تنادي بها، قسمتها مستويين، مستوى علمي أي مستوى التفسير والذي يلتزم جانب الدقة ،والمستوى الايطوسي أي الصورة التي أراد أن يبلغها عن نفسه للمتلقي، تتجلى في الجانب العاطفي والعلمي معا، حيث وجدت ركاما من المعلومات والنصوص التي استعان بها في تحليل النصوص ،وكذا كم من المعلومات الموجودة في الهوامش ،والتي تؤكد على أنه ينقل صورة عن نفسه أي على أنه كاتب موسوعي وفيلسوف …، إن المصطلحات النقدية الجاهزة حسب رأيها لم تتحكم في لغته الواصفة، حيث لاحظت أن حضور الأنا في كتاباته يؤكد على أن الباحث يعيد صياغة النصوص السردية بأسلوبه الخاص،وهذا مايثبت علاقة التماهي التي يفتقر إليها النقد عادة، فالباحث بلغته الواصفة ينحو بها نحو الشعرية ماجعل النص المنامي هو الذي يتكلم ،هذا ولاحظت عنه د.آمنة النزوع من صلابة النقد إلى شفافيته التي يقتضيها الإبداع …
هذا وقدمت د. وهيبة جراح (جامعة ميلة/ الجزائر) مداخلة تحت عنوان: “الأدب السّاخر في التراث الجزائري القديم: سليم سعدلي من غزارة الفكرة إلى دقة الحليل”.
بينت فيها أن ماميز المنهج الحفري لدى سليم سعدلي أنه يدخل في نطاق المناهج الموسوعية أي أنه توليفة من المناهج ،وبينت أنه بحث عن الأنساق المضمرة في كتابات الوهراني،و أنه أعاد خطاب الهامش إلى المركز عبر الاستنطاق والحفر ،هذا وقالت: ” إنّ مثل هذه النصوص الساخرة الثائرة كما يراها الباحث سليم سعدلي تؤكد حقيقة السخرية التي ينتجها الألم، يمكن القول عن غزارة الفكرة الحاضرة عند الباحث بأنها تشتغل على مبدأ تناسل الأفكار، فهو يجعل المقطع السردي دائما يقول شيئاً، وينحت من معناه عبارات أخرى تصاحبها معاني متعددة، فهناك دائما عند الباحث لعب على أوتار الانتقاء. إنّه يريد أن يتغلب على التحليل السطحي الذي تفرضه بعض السياقات عادة بالدقة التي تتعزز فيها شعلة التحليل الهادف أو أنّه يريد أن يحقق قصدية التحليل. إنّها ترسيمة عارمة لمنظومة مصطلحية تضج بالمصطلحات المنحوتة، وربما كان الباحث في بحثه غواصا ماهرا في غابة سردية معقدة، صخّاباً أكثر مما ينبغي ونهاباً للمعاني القارة وراء الكلمات ناقلا لواقع الكاتب، كاشفاً بعبقرية لا متناهية عن جغرافية الفكرة بكل دلالاتها وتشعباتها، إنّ غزارة الفكرة من شروط التحليل الحفري، والتمكن من المنهج الحفري هو فن مباغتة ما يجري في براثين المعنى”.
وقدمت د. وفاء مناصري (جامعة البيض/الجزائر) مداخلة تحت عنوان: “توظيف القراءة الحفرية في أعمال ركن الدين الوهراني: آليات التفكيك عند سليم سعدلي ودورها في تصوير واقع الأدب الجزائري في المشرق”.
قالت فيها: ” ناقش الناقد سليم سعدلي في الفصل الأول من كتابه أركيولوجيا الألم وصرح في خضم تحليله بأنها تتجلى في بحثه المعمق في متون الوقائع أو الوثائق التاريخية التي تصور لنا غربة الذات المغربية مع الطابع الإكراهي لهذه الجماعة والتي تجعل الأديب ابن محرز ركن الدين الوهراني في خصام لا ينقطع مع ذاته، ذهب الناقد في تحليله لنصوص المدونة إلى قراءتها برؤية جديدة مختلفة، سواء باستخدام أدوات المنهج الحفري، أو باستحضار الإجراءات النقدية الأخرى، مهارة المقاربة الحفرية تكمن في القدرة الاستيعابية المنفتحة على أفاق النص ومكنوناته، دون الانغلاق على صورة تحليلية واحدة بعيدا عن كل القراءات الموروثة الشائعة، عمد الناقد سليم سعدلي إلى تجاوز النص والسعي إلى ما تتجاوزه القراءات النمطية نحو اللاّمفَكَر، اللامتناهي من أجل البحث في متون الذاكرة السّردية الجزائرية، التي تصور لنا معاناة الذات المنسية ، ليفتح أفق القراءة النصية وهو الجانب الغني الذي تقدمه نتائج التحليل والتي أتت مشعة في إبداعها الخاص، مفاجئة لكل عادات العرض والاستنتاج المنطقي المألوف” .
هذا وقدم د. محمد الأمين لعلاونة (جامعة مولود معمري/الجزائر مداخلة تحت عنوان: “سعدلي سليم يجادل نصوص الوهراني الساخرة ويعيد قراءة تاريخ الثقافة الجزائرية القديمة بروح جديدة”.
قال فيها:”يؤسس سليم سعدلي في كتابه “السخرية في منامات ركن الدين الوهراني” لنوع جديد من الدراسات التي تناولت أعمال مبدعين جزائريين مغمورين رغم ثقلهم الأدبي والمعرفي، فالوهراني في مناماته ومقاماته ورسائله هو وجه آخر للثقافة الجزائرية في القرن الحادي عشر وبالتحديد في نهايات عصر الدولة المرابطية التي عايش الوهراني ايام أفولها رغم استقراره بالمشرق وتأثره بكتابات الهمذاني والحريري وغيرهما من فحول الكتاب العرب، ما جعله يؤسس لفن المنامات في التاريخ الجزائري القديم وهو ما تناوله الدكتور سليم سعدلي بالدراسة عن طريق تطبيق آليات ما بعد الحداثة ونظرتها للباروديا، مستثمرا حفريات فوكو وتفكيكة دريدا، ما أعطى الدراسة بعدا نقديا لم نعرفه في ساحتنا النقدية الجزائرية – في غالبها-، التي أهملت التراث الجزائري القديم وراحت تجوب عوالم الثقافات الأخرى بحثا عن كينونتها. يعتبر كتاب ” السخرية في منامات ركن الدين الوهراني” مساءلةً نقدية جادة لكاتب اتخذ من الواقع مجالا لتعرية الوجود والبوح بما عجز الكتاب والفقهاء عن قوله، ليغوص سليم سعدلي في ذلك البوح معتمدا على حسٍ نقدي يعمد هو الآخر الي تعرية الخطاب والبحث فيه عن المضمر والمختلف”.
وقدم د. البشير عزوزي (جامعة برج بوعريريج/الجزائر) بمداخلة تحت عنوان: “أثر التشبع بالثقافة الغربية في تفكيك النص التراثي:سليم سعدلي محاورا الوهراني”.
قال فيها:” استطاع الباحث سليم سعدلّي أن يكوّن لنفسه قاعدة نقديّة وفلسفيّة تستقي معظم أفكارها من الفلسفة النقدية الغربيّة، كنفسانية فرويد وتفكيكيّة دريدا وحفريّة فوكو وعدمية سيوران، وغيرها من الفلسفات التي جعلت منه قارئا بارعا ومفكّراً واسعاً، لقد استطاع الباحث بحكمه عشقه للتراث أن يسخّر كلّ هذه الآليات لتفكيك النص التراثيّ الذي يزخر بالمعاني الإنسانيّة التي تتطلّب حفرا وتفكيكاً، فجعل كامل همّه في تفكيك مفاهيم: السخرية والجنون واللّذة والألم والغربة التي تعدّ من المفاهيم المحوريّة في تاريخ التفكير الإنسانيّ، فاستطاع أن يخرج ما تخفي نصوص الوهراني من الألم وعدم الرضا، استطاع أن يعرّي المقاصد الكامنة وراء سرد ساخر ظاهره اللّذة وباطنه من قِبله الألم والعذاب.
ثم استخلص بمهارة الفيلسوف ودقة الناقد خلاصة ما كتبه وما قاله الوهراني حول هذه القضايا الإنسانية موظفا باقتدار ومهنية تفكيكية جاك دريدا وحفريات ميشال فوكو التي لا تعني سوى الصبر وتواضع إعادة القراءة مرة بعد مرة علّنا نقبض على أثر من معنى أو طيف من حقيقة. تكمن براعة سعدلي في الاختيار الدقيق لأساطين الفكر أولا، ثم في اختيار المنهج، التفكيك ثانيا، وأخيرا في تأطير ذلك كله بما بعد الحداثية النقدية والفكرية
هذا وقدم د. محمد الصديق بغورة (جامعة المسيلة/الجزائر) بمداخلة تحت عنوان: “صورة المرأة المغربية في المشرق من خلال قراءة سليم سعدلي لأدب الوهراني”.
قال فيها: لقد استطاع الناقد سليم سعدلي باستخدامه لآليات الكشف الحفري أن يصور لنا مشاعر كل من المرأة المغربية والرجل المشرقي كما يوضحها كتاب مقامات ومنامات ورسائل الوهراني، وتمكن سليم سعدلي من استبطان الذات الإنسانية ساعيا إلى كشف أدق التفاصيل التي تخفيها كتابات الوهراني ليتوغل في أغوراها المجهولة فلكل ناقد طريقة مختلفة في التحليل، هناك قراءات سطحية تكتفي بالجانب السطحي للنص وهناك قراءات فاحصة للجزء المسكوت عنه والذي يظل في العمق، أو لنقل استطاع أن يفكك منطقة الأسرار التي تمتلكها النصوص التراثية والتي يقبع المعنى في جداولها، لذلك جاءت مقامة شمس الخلافة لتصور لنا أدق التفاصيل اليومية الواصفة لصورة المرأة المغربية الضائعة وسط هذا العنف المؤسساتي، تبقى هذه المقامة حاملة في طياتها رسالة اجتماعية تمثل في عمقها آليات تمثيل عنف الواقع والتي فصل فيها الباحث بتمعن وتساءل كيف يكون العنف عادة تجاه الذات المغربية التي ضاعت منها عالم الهوية الوطنية وسط العالم المشرقي( الآخر). مقامة شمس الخلافة حاول الناقد سليم سعدلي تفكيكها حتى جعلها تلامس فكرنا الوجداني، كما يؤصل الناقد سليم سعدلي لتجربة المرأة المغربية في التجارب الإبداعية التراثية، ليعرفنا بتراثنا وبنموذج المرأة المغربية التي استطاعت بحيلة الحكي والسّرد أن تدفع عنها وعن بنات جنسها القتل والفناء. وليحيلنا إلى مناقشة مطموسات “العنف الأنثوي المغيب في التراث السردي الجزائري القديم”.
فتحت رئيسة الجلسة باب النقاش أمام الحضور ،حيث أحالت الكلمة إلى الشاعر عبد المطلب عريب الذي شكر سليم على الدعوة وثمن هذه المبادرة العلمية التي تعنى بأكاديميينا وتعنى بإصداراتهم ،ركز على إنسانية سليم بغض النظر عن أكاديميته ورتبته العلمية ومنجزاته ،أما د.محمد الصديق بغورة طرح تساؤلا فقال :ربطت بين عصر المرابطين والظروف الصعبة التي تعيشها أمتنا فهل دار في بال سليم هذ التشابه بين العصرين وهذه السخرية التي كتبها الوهراني؟ وهل هناك إسقاط لما كتبه الوهراني على ماحصل اليوم ؟
أما د.وهيبة جراح فتساءلت:حينما اطلعت على مبحث الجنون والهذيان ومبحث الألم وانكسار الذات تبادر إلى ذهني تساؤلات:بالنظر إلى تقارب الفترات والتي نشأ فيها الوهراني و الحلاج وبالنظر إلى مآل الخطابات التي أنتجت في هذه الفترة التي قوبلت بالرفض والتهميش هل نجد تقاربا بين الرؤيتين أو التجربتين عندهما؟
إلى أي مدى يتطابق مفهوم الألم الذي عاشه الوهراني مع تجارب المتصوفة مع المجاهدة والألم والمرض ؟فهل هناك تشابه بينهما؟
هذا وقدمت د.آمنة بلعلى تساؤلا مفاده:هل هناك نزوع ذاتي نرسيسي موجود داخل سليم وهو الذي جعلك تنحو هذا المنحى الجمالي في كتاباتك ؟
أما بدر الدين درارجة فتساءل:في استراتيجية الخطاب الهذياني لماذا ابتعد عن اللغة المألوفة واستعمل لغة الهذيان ،هل هي مقصودة؟ولماذا كل هذه الجرأة في طرح الوهراني رغم رقابة السلطة؟
وبعد أن أجاب د.سليم على الاستفسارات وفي ختام الجلسة شكرت د.غزلان المحاضرين على تلبية دعوتها والمحتفى به على جهوده في المجلة والحضور على التفاعل وضربت موعدا آخر من أجل تكريم أحد أعضاء أسرة المجلة.