أقام قسم الدراسات الأدبية والفكرية بمركز جيل البحث العلمي ندوة علمية افتراضية أمسية يوم الجمعة 25 مارس 2022، تكريما لعضو لجنة التحكيم بمجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الناقد العراقي البروفيسور حسين القاصد ،حيث تمت فيها مناقشة كتابيه “الجرم الثقافي وحروف الرصاص” و”النقد الثقافي ـ رؤية جديدة”،من قبل أ.د. فاضل التميمي من جامعة ديالي، ود. سراج محمد من جامعة ميسان في العراق، ومن الجزائر الأستاذ شاهين دواجي من جامعة سيدي بلعباس والأستاذة نصيرة مصابحية من جامعة سوق أهراس .
رحبت رئيسة تحرير المجلة الدكتورة غزلان هاشمي بالمحتفى به والمحاضرين وكل الحضور،وبينت أن هذه الندوة ستكون مختلفة نوعا ما عن سابقاتها ،إذ ستتم فيها مناقشة كتابين بدل كتاب واحد بناءا على طلب السادة المحاضرين، ثم أحالت الكلمة إلى البروفيسور القاصد الذي قدم مختصرا حول محتوى الكتابين.
بين القاصد أن الكتاب الأول يستعرض تاريخ سلطات العراق ،إذ تناول سلطة القبيلة والشعراء ،كما أبرز فصول الكتاب :نشأة السلطة وأنواعها في العراق الحديث ،أدوات السلطة في استقطاب الشاعر،موالاة السلطة ومدحها ،معارضة السلطة ونقدها ،إعلامية النقد الأدبي.
يقول:”أخذت نماذج نقدية تعسفية منها مايوظف النقد الأدبي بخطاب حكومي أو رئيس الدولة ،هنا الناقد كان موظفا وموجها رسالة للشاعر”إذا أردت الاشتهار عليك اتباع السلطة” ،وكان الحديث عن أسباب توجه الشاعر إلى السلطة وأسباب هجائه لها ،ووجدت الجواهري مشتركا في كل الفصول ،مرة كان مع السلطة ،مرة ضدها ومثله السياب والبياتي …،مهرجان الاربد كذلك مؤسسة لدعم السلطة ،أما الكتاب الثاني ،لماذا الصورة الثقافية والتشبيه الثقافي؟ ،أخذت الصورة اللغوية والفلسفية والنفسية وأشكال الصور والتشبيه الثقافي ،ودخلت من باب قلق التسمية ،فالتشبيه الضمني في البلاغة القديمة واضع التسمية في حد ذاته تثار حوله ريبة وكان متعسفا نقديا ،
الجواهري اشتهر بقصائده البائية وعلى منوال هذه القصيدة سار عليه معظم الشعراء الذين حاكوه…”.
قدم أ.د.فاضل عبود التميمي من جامعة ديالي/العراق مداخلة موسومة بـ”من الجرم الثقافي إلى حروف الرصاص:حسين القاصد ناقدا ثقافيا ”.
قال فيها :”إذا كان حسين القاصد أخلص للرؤية الثقافية بوصفها رؤية مراجعة وتفكيك فإنه في النقد الثقافي كان قد أضاف للكتاب أو للنقد الثقافي مباحث جديدة ،وقد خضعت هذه المباحث للمساءلة والتفكيك من مصر والجزائر والعراق ..ليؤكد أن مجال الدراسات الثقافية رحب لمن يدلو بدلوه بشرط أن يكون معنيا بالخطاب شرحا ونقدا وتحليلا ،دخل القاصد إليه مزودا بعدة نقدية تتسع لقراءة النقد العربي من الجاهلية إلى الآن ،فضلا عن كونه شاعرا له حضور شعري معروف ،فميزته في كتبه تتمثل في عنايته بالإجراء النقدي القائم على حضور النصوص الشعرية ثم البحث عن المضمرات …فهو حاضر مع حاضناته الشعرية وقد كانت حاملة رؤاه لا رؤى من سبقوه من النقاد ،هذا مع عنايته بالتاريخ المعاصر فله ارتباط بالمعلن من النسق والمضمر ،إذ لا توجد ظاهرة شعرية عراقية إلا ولها حاضنة تاريخية ،لذلك حينما قدم التاريخ كان ناجحا وأكد حقيقة تتعلق بالتاريخ أولا .
كذلك قضية الجذور ورد الدراسات إلى القديم منها حتى قبل أن نعرف المصطلح، ممثلة في علي الوردي وعلي جواد الطاهر…الجرم الثقافي هو الطبعة الثانية لكتاب الجريمة الثقافية…،حيث أجرى تغييرات مهمة في متنه وهي من حقوق الناقد المؤلف ،والجرم يحيل على الإجرام وهو والجريمة واحد ..”،حاول التميمي أن يقدم قراءة عميقة في العنوان مبرزا الفروق بين العنوان في الكتاب الأول وفي طبعته الثانية ،إذ بين أن العنوان الجديد أكثر دقة وثباتا وإحالة على محتوى الكتاب ،هذا ورصد الفروق بين الطبعتين حتى من ناحية المحتوى ،مبرزا التعديلات والإضافات…
هذا وقدم د. سراج محمد من جامعة ميسان – كلية التربية \ العراق مداخلة تحت عنوان”الخروج من البروكرستية الثقافية في مشروع حسين القاصد النقدي”.
قال فيها:”ينفتح خطاب الدكتور حسين القاصد النقدي في كتابيه ( النقد الثقافي رؤية جديدة – الصورة الثقافية والتشبيه الثقافي في الشعر العربي ) و ( الجرم الثقافي وحروف الرصاص – المضمر في الشعر والنقد وأوامر السلطة )، على منهجية لافتة بجدتها وحراثتها بأرضية ثقافية غير مسبوقة، من خلال إقامته في الداخل الفني ( النصي ) عبر استضافة المظاهر النقد- أدبية وإحالتها على الدرس الثقافي ، كالصورة والتشبيه والإيقاع وكسر أفق التوقع الثقافي ، وهو بذلك يؤكد على لزومية النقد الأدبي لا إلغائه كما ذهب إلى ذلك الناقد الدكتور عبد الله الغذامي ، ونحن في معاينتنا المتواضعة لتجريبه الجاد والمجدّد، استعرنا مفهوم ( البروكرستية ) من الميثولوجيا اليونانية، المعروفة بكرسي بروكرست، والمفضية لفرض القوالب على الأشياء والأشخاص والنصوص، أو الشروع بلي الحقائق وتشويه المعطيات والقولبة الجبرية، وزعمنا أن الدكتور القاصد كان خارج هذه النيّة المبيّتة في اشتغالاته الثقافية ،عاقدين بذلك جوانب الالتقاء والافتراق بينه وبين الناقد الغذامي محتكمين إلى النظرية بصورتها الكليّة “.
وأما الأستاذ شاهين دواجي من جامعة سيدي بلعباس/ الجزائر فقدم مداخلة موسومة بـ “تأملات في كتاب النقد الثقافي رؤية جديدة لحسين القاصد .”
وفي مداخلته حاول أن يقدّم قراءة مفصّلة للكتاب، فرأى أنّه يحمل الكثير من المغالطات التاريخيّة والمعرفيّة، ففي الأولى حاول تفنيد ماذهب إليه الناقد من كون العراق رائدا للنقد الثّقافي في مرحلة لم يتبلور فيها هذا النوع من النقد حتى في بلد المنشأ، ورأى أنّ لغة الناقد في كثير من تمظهراتها تنأى عن لغة المنطق الأكاديمي الذي يشترط الموضوعيّة كأساس لكلّ ممارساته، ووردّ هذا إلى دخول الناقد عالم النّقد الثّقافي بمرجعيات جاهزة، همها الانتصار لإيديولوجيّة معيّنة .
في الجانب المعرفي للكتاب يرى الأستاذ شاهين دواجي أنّ جلّ التنظيرات التي خصّصها الناقد للصور الشّعريّة ترتكز على تعسّفات منهجيّة، كما أنّها لا تستقيم وأدلّتها، ناهيك عن بعض الشواهد التي لا ترقى لأنّ تكون شواهد في كتاب من المفترض أنّه ذو طابع أكاديميّ نخبويّ يتوخّى الرّفعة، فجاءت بعض الشّواهد خالية من الشّعريّة . كما رأى أنّ الكتاب يفتقر فقرا فادحا إلى خاصّية التّأويل عماد القراءة الثّقافيّة، فجلّ تخريجات الكاتب كانت شرحا بسيطا للشواهد، وأهمّ سؤال لم يجب عنه الكتاب في رأي الأستاذ شاهين : ماذا أضافت هذه التفريعات في الصّورة لنقد الأنساق؟ .
وأبدى الأستاذ شاهين اعتراضه على اجتراح بعض التسميات التي ليست إلا تحصيل حاصل، أو إعادة تسمية المسمّى، فنسق الاتكاء هو الاستدعاء، وهو داخل في باب التّناص مثلا ، ومثله اجتراح نسق القصيدة المستعملة فليس سوى من مباحث التناص المعروفة .
ولم يخف الأستاذ شاهين إعجابه باجتراح الناقد لنسق الإيقاع، غير أنّه يرى أنّ الكاتب مع سبقه في هذه الجزئيّة لم يستطع التدليل عليها كما يجب .
في النهاية رأى الأستاذ أنّ عنوان النقد الثّقافي رؤية جديدة أكبر مما جاء في الكتاب، لأنّ الناقد العربيّ لم يخرج بعد من طور الاستهلاك، لاعتبارات عديدة، فلا يعقل أنّنا لم نخرج بعد من مرحلة ضبط المصطلحات ، وندّعي (رؤية) جديدة .
أما الأستاذة نصيرة مصابحية من جامعة سوق أهراس/الجزائر فقدمت مداخلة موسومة بـ “حسين القاصد من المضمر النسقي إلى النسق المؤدلج”.
وضحت فيها أن النقد الثقافي حظي “كاتجاه معرفي نقدي باهتمام كبير من قبل بعض المفكرين والنقاد العرب .الذين حاولو تأصيله تأصيلا معرفيا قائما على محاولة اتخاذه كأداة للكشف عن الأنساق الفكرية السائدة المدفونة تحت ترسبات الجمالي والبلاغي وبالتالي رفض التصنيف المؤسساتي للنصوص والانفتاح المطلق على مشكلات التغيير الاجتماعي والثقافي وقضاياه دون إغفال البعد التاريخي والتركيز على أنظمة الخطاب ومناهج التحليل المعرفية …”.
بينت الأستاذة مصابحية أن تطور النقد وتغير مفاهيمه أدى إلى انقسام الساحة النقدية بين مؤيد ومعارض ،وهذا ماتسبب في ظهور أزمة نقدية على المستوى النظري والتطبيقي معا،تقول:”وبهذا طرح سؤال الهوية النقدية والبديل النقدي كسؤال إشكالي وضع كل المشاريع النقدية العربية تحت طائلة الشك المعرفي الهادم للقبليات والمارق الكافر بكل مقدس معرفي ،وما نلاحظه على كتاب حسين القاصد المعنون بالجرم الثقافي وحروف الرصاص المضمر في الشعر والنقد وأوامر السلطة أنه انخرط في مضمار إعادة قراءة الموقف النقدي ومحاولة تغيير المتجذر معرفيا ومحاولة لفت الانتباه إلى النقد العراقي”. عدت الأستاذة هذا الكتاب محاولة لهدم للقبليات المعرفية وتفكيكها،ومحاولة للنبش عميقا من أجل كشف الأنساق المضمرة،تقول:”وتأتي مقدمة هذا الكتاب شارحة ملخصة للموقف الإيديولوجي ،إذ تحولت إلى نسق دافع للتغيير مقوض لكل أنواع السلطة،ولعلنا نذهب مذهب هذا المفكر أن النقد الثقافي كنشاط أو اتجاه فكري لم يتبلور بصفته النهائية عند الغذامي ،وإنما كممارسة نقدية معرفية تأصلت في الكتابات المناهضة للسلطة والثائرة عليها أو الموالية لها”،هذا ووجهت لمشروعه جملة انتقادات،حيث قالت:”إن ما يؤخذ على هذا المفكر ليس محاولاته الجادة في هدم المقدس المعرفي وكسر السياج الذي يحيط به ،وإنما ما يؤخذ عليه جملة الرسائل الإيديولوجية من خلال اللغة وبعض المواقف ،ففي الفصل الأول من الكتاب يتحول إلى مؤرخ سياسي وسياسي محنك يختال بين دهاليز المعاني مدججا إياها بموقفه الإيديولوجي ،إذ وقع فيما وقع فيه الغذامي من نقد النسق إلى السقوط الحر في شباكه”.
فتحت رئيسة الجلسة باب النقاش أمام الحضور ،حيث قدم باحث الدكتوراه بدر الدين درارجة من الجزائر جملة تساؤلات منها :
هل يمكن أن نختزل الثقافة العربية والنقد الثقافي في الشعر فقط دون الأجناس الأخرى ؟ ألا يعتقد أن الشعر العربي جنى على الشخصية العربية خاصة وقد ركز على كتاب الغذامي الذي كان ينطلق من النتائج الذي أعدها مسبقا مما سبب تشويها للحقائق ؟،فالشعر لا يعكس مايحصل ،إذ جعل الشعر المصدر الوحيد للقيم والأنساق الثقافية ..وهذا فيه إيهام للقارئ وفيه اختزال ..
إشكالية تلقي النقد الثقافي عند الغذامي هل نجد له مبررا في التربة العربية؟ لماذا نطالب الغذامي باستخدام عدة إجرائية النقد الثقافي كماهي في الثقافة العربية؟ هل مارس حقا النقد الثقافي ؟”.
وأما د.عبد الواحد الدحمني من المغرب فقدم ملاحظة وتساؤلا ،حيث قال:”نحن أمام ناقد ثقافي لا ينكر له السابقة لذلك يدخل في تناظر مع الغذامي ،فنحن أمام قامة نقدية تؤصل وتضيف ،أعرف بأنه شاعر إضافة إلى أنه ناقد ،في مجال ممارسة النقد الثقافي وتحديدا في الصورة الثقافية ماحدود التباعد والتناقض بين ذات الناقد وذات المبدع عندك؟.
هذا وتدخلت أ.د.رائدة العامري من العراق وقالت:”هذه محاضرة مهمة للنقد الثقافي ،تقوم بفك الشفرات والرموز الثقافية كنسق مضمر وفق منظومة ثقافية….،فهل النسق الثقافي هو من المرجعيات التراثية الأدبية أي يمكن عده إرثا اجتماعيا؟هل يقتصر عمل الأنساق المضمرة على النص الأدبي؟السلطة والهيمنة يمكن إسنادها إلى أنساق وقيم مهيمنة أو أنساق ثقافية ،ما الموقف من النقد الأدبي وموته؟”.
بعد أن رد القاصد على تساؤلات الجميع وتعقيباتهم ،ختمت د.غزلان الجلسة شاكرة للمحاضرين والمحتفى به وللحضور هذه الندوة العلمية الماتعة.