بوادر التحول ومظاهر الثبات في القيم الموجهة لعلاقات النوع في المغرب، الجديدة نموذجا
Signs of transformation and Manifestations of persistence in values orienting gender relations in Morocco, El Jadida example
ط.د. محمد خيدون/جامعة ابن طفيل، المغرب
Mohamed Khaidoune/ University of Ibn Tofail, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 83 الصفحة 27.
ملخص:يستند هذا المقال على مجموعة من المعطيات الميدانية التي تم جمعها عبر تقنية الاستمارة خلال فترة 7 أكتوبر 2019 و 13 دجنبر من نفس السنة، وقد خلصنا بناء على نتائجها إلى أن المرأة في قيم عينتنا لازالت مرتبطة بالأدوار التقليدية المتعلقة بإعادة الانتاج، ويتجلى هذا الأمر بشكل أساسي في ضعف أهمية عملها، إضافة إلى التردد الذي يشوب قبول مشاركتها في السياسة، وذلك في مقابل التأكيد على ضرورة اضطلاعها بأدوار الأمومة والأشغال المنزلية، وقد توصلنا أيضا من خلال مقارنة نتائج بحثنا مع دراسات سابقة، إلى أن هذه المواقف ليست خاصة بعينتنا وإنما يتشاركها أغلب المغاربة، الأمر الذي يفسر إلى حد كبير واقع المرأة بالمغرب، لكنه لا ينفي وجود بوادر مهمة للتغير تتمظهر في مجموعة من الاختلافات الملحوظة بين المعطيات التي توصلنا إليها وتلك التي قدمتها بحوث سابقة.
الكلمات المفتاحية: القيم، المواقف، تقسيم العمل، النوع الاجتماعي، التغير.
Abstract:
In this paper I synthesise fieldwork data that I collected in 2019. the object of this research is the values that shape actions and attitudes of people in El-Jadida toward women. I concluded, after comparing my data to other previous researches on the subject, that Moroccans’ values on general give very few importance to women’ work and participation in politics, and they also still associate women with reproduction and traditional roles, which might seems that values on this regard remained the same as before, however I shall demonstrate that this unchanging image holds very interesting mutations that we can see clearly by comparing the data we got with previous researches.
Key words: Values, attitudes, division of labour, gender, change.
تقديم:
تعدّ القيم في أعم تعريفاتها هي كل ما يقدره الأفراد ويرغبون به ويرونه جديرا بالاحترام[1]، إنها بعبارة أخرى، الأفكار الجماعية idéaux collectifs التي تحدد في مجتمع معين ما هو جميل أو قبيح، عادل أو غير عادل، مقبول أو غير مقبول…الخ، وهي مترابطة فيما بينها بحيث تشكل ما يسمى ب”نسق القيم”، والذي يشكل رؤية الأفراد والجماعات للعالم vision du monde.[2] وتتميز القيم بمجموعة من الخصائص من ضمنها أنها معتقدات ترتبط بشكل وثيق بالأحاسيس، وأنها عامة تتجاوز الأفعال والأوضاع الجزئية والخاصة، كما أنها تشكل مقاييس لتقييم الأحداث والأشخاص والأفعال، إضافة إلى أنها مبنية فيما بينها بشكل تراتبي[3].
والواقع أنه من الخطأ اعتبار القيم مجموعة من المواقف التي لا تتمظهر إلا على مستوى الخطاب، فهي تأخذ أشكالا ملموسة في جل سلوكات الأفراد[4]، وبقدر ما تعبر عن نفسها من خلال الخطاب، تعبر عن وجودها أيضا من في الأفعال الملموسة، فنجد أنها تؤطر العلاقات بين الأفراد داخل المجال السياسي والاقتصادي والتربوي….الخ. ومن بين أهم القيم داخل المجتمع، هناك تلك التي تؤطر العلاقة بين الرجل والمرأة، حيث تعمل على رسم الشروط المناسبة لاستمرار العلاقة بينهما، وتحدد السلوكات المثالية التي يجب أن يتسم بها كل منهما تجاه الآخر، كما ترسم الخصال الفضلى التي يجب أن يتحلى بها كل منهما، والأهم من ذلك أنها تهيكل تراتبية هذه العلاقة وتحدد التقسيم المثالي للعمل داخلها.
يندرج بحثنا ضمن هذا الإطار، حيث سنحاول رصد القيم التي توجه مواقف سكان مدينة الجديدة تجاه المرأة وموقعها داخل المجتمع، وبما أن هناك مجموعة من الدراسات في المغرب (سنذكرها لاحقا) قدمت معطيات هامة في هذا السياق، فإننا لن نركز على عرض معطيات بحثنا بشكل تفصيلي بقدر ما سنحاول مناقشتها ومقارنتها بالمعطيات التي قدمتها الدراسات السابقة، وذلك بهدف معرفة مدى اختلاف مواقف عينتنا مع التوجهات العامة التي تكشفها هذه البحوث من جهة، ومن جهة أخرى، بغية تحديد بعض أوجه الثابت والمتغير في قيم النوع الاجتماعي في مجال بحثنا وفي المغرب بشكل عام.
إشكالية البحث:
تتمحور إشكالية بحثنا بشكل عام حول القيم التي تؤطر سلوكات ومواقف سكان مدينة الجديدة تجاه المرأة وطبيعة أدوارها داخل المجتمع، وقد حاولنا رصد هذه القيم من خلال الوقوف عند مجموعة من المؤشرات، أهمها مواقف أفراد العينة من مشاركة المرأة في السياسة وولوجها للعمل، إضافة إلى أهمية أدوار الأمومة والأعمال المنزلية بالنسبة إليها، وبناء على هذه المعطيات حاولنا الإجابة في النهاية عن سؤال مركزي وهو: أين تتجلى بواد التحول ومظاهر الثبات في القيم التي توجه علاقات النوع في الجديدة والمغرب بشكل عام؟
أولا: الإطار المنهجي للدراسة:
- منهج البحث وتقنياته:
تمّ الاعتماد على المنهج الكمّي، وشكلت الاستمارة أداتنا الأساسية لجمع المعطيات. ويأتي اختيارنا لهذا المنهج ولهذه الأداة تحديدا ضمن أسباب متعددة، فهي تتيح قياس أكبر عينة ممكنة، إضافة إلى أنها تمنح الوصول إلى قدر كبير من المعطيات التي يمكن تعميمها إذا توفرت كل الشروط العلمية الضرورية لذلك، كما أنها لا تتضمن اسم المبحوث أو أيا من المعلومات التي تشير إلى هويته، الأمر الذي يمنح السرية ويحفز المستجوب على إعطاء بيانات أكثر دقة[5].
تتضمن الاستمارة التي اعتمدنا حوالي 30 سؤال، موزعة على المحاور الأساسية للبحث وهي مواقف الشباب حول عمل المرأة، حول مشاركتها في السياسة، وحول أهمية دور الأمومة بالنسبة إليها.
- مجال البحث:
مجال بحثنا هو مدينة الجديدة بالمغرب، حيث لم نستهدف أحياء محددة بعينها وإنما ركزنا على نوع السكن، وقد حرصنا على أن تتضمن العينة أفراد منحذرين من أشكال سكن ثلاث أساسية متواجدة بهذه المدينة، وهي السكن العمودي، والذي يتواجد بمجموعة من الأحياء من ضمنها “حي السلام” و”حي المطار”، والسكن الأفقي والذي يتواجد بأحياء مثل “سيدي موسى”، ثم سكن “الفيلا” والذي يتواجد بأحياء عديدة من ضمنها “حي النسيم 4″ و”حي جوهرة”.
- عينة البحث:
يصل عدد أفراد عينتنا إلى 110 أشخاص، تتضمن عددا متساويا من الذكور والإناث تتراوح أعمارهم بين 18 و 59 سنة، كما تتضمن عددا متساويا من الأفراد المنحدرين من كل شكل من أشكال السكن التي استهدفنا (أنظر الجدول أسفله).
الجدول 1: معطيات حول تركيبة العينة المعتمدة | |||
الفئات العمرية | عدد أفراد العينة | النسبة المئوية % | |
من 18 إلى 30 | 37 | 33 | |
من 30 إلى 45 | 37 | 33 | |
من 45 فما فوق | 36 | 32 | |
الجنس | عدد أفراد العينة | النسبة المئوية % | |
أنثى | 55 | 50 | |
ذكر | 55 | 50 | |
نوع السكن والأحياء | عدد أفراد العينة | النسبة المئوية % | |
السكن المغربي | سيدي موسى | 37 | 33 |
حكيمة | |||
الغربة | |||
السكن العمودي | السلام | 37 | 33 |
البستان | |||
المطار | |||
سكن الفيلات | النسيم 4 | 36 | 32 |
جوهرة | |||
الأطر |
المصدر: من إعداد الباحث
ثانيا: الدراسات السابقة حول القيم في المغرب:
قبل التطرق إلى بعض الدراسات السابقة التي أنجزت حول القيم في المغرب، نشير بداية إلى أننا لا نختزل المعطيات التي قدمت في هذا الإطار فيما توصلت إليه الدراسات التي سنشير إليها، ومعنى ذلك أنه قد تكون هناك دراسات هامة حول القيم لم نذكرها، فما قدمنا في هذا المحور هو فقط ما استطعنا الولوج إليه وشملته حدود درايتنا بالموضوع، لذا فعندما نتوقف في عودتنا إلى أوائل الدراسات عند حدود البحث الوطني حول القيم الذي أنجز سنة 2004 فإننا لا ندعي أنه الأول من نوعه، وعندما نتوقف في أواخر الدراسات عند حدود البحث العالمي حول القيم الذي أنجر في المغرب سنة 2011، فإننا لا ندعي أنه الأخير من نوعه، لكننا نشير إلى أن الوقوف عند المعطيات التي يقدمها البحثين يسعف إلى حد كبير في رصد بعض أهم التحولات التي طرأت على القيم في المغرب في السنوات الأخيرة.
- البحث الوطني حول القيم:
يعد البحث الوطني حول القيم الذي أنجر سنة 2004 أهم الدراسات التي أجريت حول القيم في المغرب حتى ذلك الحين، وقد هدف هذا البحث رصد القيم العامة في المغرب، أي القيم التي تلقى التفضيل من قبل أغلب المغاربة، إضافة إلى قيم الأقلية[6].
استهدف البحث عينة من ألف شخص، وهدفت معظم الأسئلة المطروحة من قبل استمارة البحث اختبار الوقائع (سيرورة الديمقراطية مثلا) والمواقف (مع أو ضد سلوك معين) والمؤسسات (الأحزاب، الالبرلمان…) إضافة إلى السلوكات والممارسات أيضا (الصلاة، زيارة الأبوين، التصويت…)[7]. وتوزعت الأسئلة المطروحة على ثلاث محاور أساسية وهي القيم والأسرة؛ الدين والتقليد؛ ثم القيم السياسية؛ بحيث تناول المحور الأول الزواج والعلاقات بين الزوجين والعلاقات بين الأبناء والآباء، أما المحور الثاني فتناول مدى الإرتباط بالتقليد والممارسات الدينية، ومصادر معلومات الأشخاص موضوع الدراسة حول الدين والتدين، أما المحور الأخير فتناول الممارسات السياسية والمعرفة ووسائله المعلومة، ثم أخيرا تقييم المؤسسات السياسية.
أهم نتائج البحث:
توصل البحث إلى مجموعة من النتائج في ما يخص القيم والأسرة والنوع، من ضمنها أن الزواج يحمل أهمية كبيرة بالنسبة للمغاربة، وأنه يرتبط أساسا بالنسبة إليهم بالتناسل وإعادة الانتاج، كما توصل البحث أيضا إلى أنه يفضل للمرأة أن تتزوج باكرا خلافا للرجل، كما يفضل أيضا أن يكون للزوج دخل قار، ويفضل بالنسبة للزوجة أن تتحلى بصفة “الحداكة”، وأن تكون من نسب مشرف، ويفضل في الزوجين معا أن يتحليا بقيمة “المعقول”، ومن ضمن أهم النتائج هناك أيضا استمرار تقسيم الأدوار داخل الأسرة حسب الجنس، وأهمية الطاعة داخل العلاقات الزوجية، خلافا لعلاقة الأبناء والآباء التي يجب أن تتأسس على الحوار، وهناك أيضا استمرار اعتبار الأبناء مصدر تأمين مستقبلي، ومركزية قيمة التضامن الأسري.[8]
من بين أهم الاستنتاجات التي توصل إليها البحث في هذا السياق، هناك التأكيد على وجود اختلال بين المثالي والواقع، ففي حين مثلا تؤكد القيم على أهمية الزواج نجد أن هناك صعوبات متعددة تحول دون تزوج الشباب، وفي حين نجد أن القيم لازالت تؤكد على أهمية التضامن الأسري، تعرف البنيات الاجتماعية تغيرات مهمة تدفع الأسرة بشكل كبير نحو الاستقلالية، وإذا كان هذا المثال مؤشرا على تقدم الواقع على القيم، فإنه ليس الشكل الوحيد للاختلال بين الإثنين، حيث نجد أن هناك شكل آخر للاختلال، وهو تقدم القيم على الواقع، فالقيم تؤكد مثلا على أهمية الاستقلالية، لكن في نفس الوقت نجد أنه لازال للآباء دور كبير في اختيار الشريك، والحقيقة أن الاختلال ليس هو الشكل الوحيد للعلاقة بين المثال والواقع في ما يخص الأسرة في المغرب حسب البحث، بل هناك أيضا توافق بين القيم والواقع، ويتجسد ذلك في عدد الأبناء حسب القيم، حيث أنه هذا الأخير يوافق نسبة الخصوبة في الواقع، ومن بين أشكال العلاقات التي يمكن رصدها في هذا السياق هناك أشكال التوافق والاختلال بين القيم فيما بينها، حيث نجد أن هناك مجموعة من القيم المتناقضة وغير المتكاملة فيما بينها، ومثال على ذلك قيمتي الاستقلال الذاتي والطاعة[9].
عموما يمكن القول أن هذه الدراسة حتى اليوم لازالت ذات أهمهية كبيرة، ومرجعا أساسيا لسوسيولوجيا القيم في المغرب، لكنها لم تسلم هي الأخرى من النقص، حيث أنه على الرغم من أهمية النتائج التي قدمتها إلا أنها لم تقدم تصورا عاما حول ديناميات القيم في المغرب، ولم تحاول وضع تصور نظري حول القيم، وهو ما حاولت السوسيولوجية المغربية رحمة بورقية تجاوزه في بحثها سنة 2006، حيث حاولت وضع مجموعة من الفرضيات التي يمكن أن تؤسس لتصور عام حول القيم في المجتمع المغربي، منتقدة في نفس الوقت أطروحة المجتمع المركب لبول باسكون.
- دراسة رحمة بورقية:
حاولت رحمة بورقية، في هذا البحث، بداية إبراز أهمية القيم في تحقيق التنمية البشرية، ثم انتقلت إلى الوقوف عند المفهوم بغية تحديده سوسيولوجيا ورفع اللبس الذي يحيط به، وذلك من خلال إبراز تقاطعاته مع مفاهيم أخرى كالتمثلات الاجتماعية، وأشارت أيضا إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، خلال دراسة القيم، عاملين أسايين، أولهما يتعلق بطبيعة القيم نفسها، وهو أنها تنقسم إلى قيم مبدئية valeurs de principes وقيم عملية، والعامل الثاني هو عامل التغير، حيث أن تاريخ تطور القيم بالمغرب منذ الاستقلال ينقسم إلى ثلاث مراحل أساسية[10].
تكمن أهمية هذه الدراسة في كونها طرحت إشكالية هامة تتعلق بسؤال التغير الاجتماعي وأثره على القيم في المغرب، حيث استحضرت الباحثة المغربية أطروحة المجتمع المركب لبول باسكون، فاعتبرات أنها لا تنطبق فقط على الممارسات التي وصفها باسكون نفسه، وإنما تهم أيضا التمثلات والمعتقدات والقيم، وذلك أن القيم التقليدية في المغرب توجد جنبا إلى جنب مع القيم الحديثة (مثال المكتوب والمسؤولية)، وتشير بورقية أيضا إلى أن التركيب لا يعني أن هذه القيم توجد بشكل متجاور وحسب أو متراكم فهي تتفاعل وتتفاوض باستمرار[11]. وتشير الباحثة في هذه الدراسة أيضا إلى أن التفاعل بين التلقيد والحداثة على مستوى القيم يحدث بأشكال مختلفة، من ضمنها ظهور قيم جديدة هجينة، أو ظهور توجهات استراتيجية يتبناها الأفراد إزاء هذا الإزدواج وفقا للسياقات[12].
أكدت بورقية في نهاية الدراسة أن مفهوم المجتمع المركب الذي طرحه باسكون لم يعد صالحا لوصف الوضع الراهن للقيم في المغرب، وأن الوصف الأدق اليوم هو المجتمع الهجين، والذي يتكشل عبر التفاوض بين القيم التقليدية المحلية والقيم الكونية التي تستمد أصولها من الحداثة[13]، والواقع أن الوضع الهجين للقيم وتفواضها المستمر ليس خصوصية تسم المغرب، حسب بورقية، وإنما هي خاصية عصرنا الحالي المعولم[14].
- البحث العالمي حول القيم:
من بين أهم الدراسات التي أنجزت حول القيم في المغرب هناك البحث العالمي حول القيم World values survey الذي أنجز سنة 2011، حيث تناول هذا البحث عينة من مختلف أرجاء المغرب وصلت إلى 1200 شخص، وتوزعت الأسئلة التي تناولتها الاستمارة المعتمدة من طرفه على مجالات متعددة شملت السياسة والأسرة والنوع الاجتماعي والعمل والشيخوخة…الخ.
توصل هذا البحث إلى مجموعة من النتائج الهامة، من ضمنها أن الأسرة مهمة جدا بالنسبة للمغاربة، حيث أنه في سؤال: ما مدى أهمية الأسرة في حياتك؟ أكد 90,7 % من العينة التي تم تناولها أن الأسرة مهمة جدا في حياتهم[15]، كما أكد 91,3 % أنهم يثقون بشكل كلي في الأسرة، وقد اختلفت هذه النتائج حسب الجنس والسن، حيث بين البحث أن الإناث أكثر ثقة في الأسرة، إذ يبلغ عدد الإناث التي تتقن كليا فالأسرة إلى 93,4 % مقابل 89,3 % من الذكور[16]، وتحظى هذه المؤسسة أيضا بأهمية أكبر لدى الإناث حيث تصل نسبة إجابتهم بأن الأسرة مهمة جدا إلى 91,7 % مقابل 89,6 % من إجابات الذكور[17].
من بين النتائج الهامة التي توصل إليها هذا البحث، هناك أيضا تلك التي تخص علاقات النوع، حيث توصل إلى أن أغلب المبحوثين (60%) يؤكدون على أولوية الذكور على الإناث فيما يتعلق بالعمل، وتتفاوت النتائج في هذا السياق حسب الجنس بحيث أن الإناث التي تتفقن مع هذا التوجه لا تتجاوز 46% مقابل 74% من الذكور[18]، وينطبق هذا الأمر أيضا على سؤال أهمية العمل في تحقيق استقلال المرأة، حيث أن نسبة الإناث التي ترى على أنه مهم من أجل استقلالها تصل إلى 60% مقابل 38% من الذكور[19].
عموما يمكن القول أن هذا البحث رغم كونه من أهم الدراسات حول القيم في المغرب، إلا أن أهميته تكمن بالأساس في البعد الكمي للنتائج التي يقدمها، حيث إنه لا يقدم فكرة عامة حول القيم في المغرب، ويصعب التنسيق بين مختلف النتائج التي توصل إليها، لكن ذلك لا يقلل من أهميته، وذلك لأنه يستوفي كل الشروط الضرورية للبحث العلمي، ويمكن أن تستثمر نتائجه في تقديم تصور عام حول ديناميات القيم في المغرب.
خلاصة:
قدمت الدراسات السابقة معطيات مهمة جدا بخصوص القيم التي تؤطر علاقات النوع في المغرب، لكنها مع ذلك تبقى غير كافية لصياغة خلاصات عامة حول هذه القيم، وذلك لأنها لم تكن موضوعها الأساسي، وإنما شكلت مجرد محاور داخل البحث، لكن هذا الأمر لا يعني أن هذه الدراسات بخست من أهمية القيم الخاصة بعلاقات النوع، أو أن ما قدمته في هذا الإطار غير مهم، ولا تفوتني الإشارة إلى أنني لا أدعي أن ما سأقدمه في هذا البحث يتجاوز نقص هذه الدراسات، أو أنه يسمح بصياغات خلاصات دقيقة حول واقع هذه القيم، وذلك لأن طموحا مثل ذلك يتطلب معطيات أكبر بكثير مما أمكنني الوصول إليه في بحثني، لكني أشير أيضا إلى أن أهمية هذا البحث تكمن في كونه جزء من ذلك الطموح.
ثلاثا: نتائج البحث:
- العنف والسلطة داخل الأسرة:
من بين الأسئلة المهمة التي تضمنت استمارة بحثنا، هناك سؤال يتعلق بموقف العينة من مشروعية ضرب الزوجة، وقد أشار معظمهم إلى أنهم لا يوافقون على وجود أي مبررات لضرب المرأة، حيث أفاد 76% من بينهم بأنهم لا يتفقون مع هذا الفعل.
مبيان رقم 1: مواقف العينة من مشروعية ضرب المرأة
المصدر: من إعداد الباحث
وتتوافق هذه النتيجة مع ما توصل إليه البحث العالمي حول القيم الذي أجري في المغرب سنة 2011، حيث أشار إلى أن 4,2% فقط يرون أن ضرب الرجل لزوجته فعل مبرر، في مقابل 59% يرون أنه غير مبرر أبدا[20]، والواقع أن هذا الأمر يشير إلى أن العنف تجاه المرأة يحمل قيمة سلبية لدى معظم المبحوثين، لكن هذا الموقف ليس جديدا في المغرب، فمنذ التسعينات من القرن الماضي ظهرت مجموعة من الأشكال الجادة من الصراع ضد هذا الفعل من قبل المجتمع المدني، والتي شكلت بدورها تعبيرا عن تغير في القيم، لكن التغير الملموس في هذا السياق تمظهر سنة 2002، عندما انخرطت السلطات العمومية بشكل فعلي ضمن مقاومة كل أشكال العنف ضد المرأة عبر تشكيل ما سمي ب”الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة”[21]، وهكذا فإن الموقف الذي يبديه الشباب بالجديدة تجاه مشروعية ضرب المرأة ليس إشارة على تغير في قيم النوع الاجتماعي، بقدر ما هو تأكيد على استمرار سيرورة ممتدة منذ سنوات.
تشير معطيات أخرى إلى أن الموقف السابق يندرج ضمن تحول عام في المغرب يتجه نحو تراجع أهمية العنف والسلطة في الرابط الأسري وذلك لصالح قيم التواصل والحوار، حيث يشير البحث الوطني حول الرابط الاجتماعي في المغرب سنة 2012 إلى أن قيمة التوافق تحظى بأهمية أكبر من الطاعة فيما يخص العلاقات الزوجية، حيث أن أكثر من ثلاث أرباع (77%) العينة التي تناولها يشيرون إلى أن التوجه نحو المساواة بين الزوجين يسير في مصلحة رابط الزواج والرابط الأسري بشكل عام[22]، ويؤكدون على أن الزوجة يجب أن تربطها علاقة توافق مع زوجها، كما يفيدون بأن عددا كبيرا من الأمور أصبحت تعتبر محور توافق بين الزوجين وليست حكرا على الرجل، ومثال على ذلك قرار بيع أو شراء عقار أو سكن، حيث أفاد أكثر من 64% ضمنهم بأنه قرار مشترك[23]، ومع أن هذا المعطى قد لا يبدوا مهما جدا، لكنه يصبح كذلك عندما نقارنه بالنتيجة التي توصل إليها البحث الوطني حول القيم سنة 2004 بخصوص نفس السؤال، حيث أفاد 42% من عينته فقط بأن هذا القرار يجب أن يكون مشتركا في حين أشار أغلبهم إلى أنه يخص الرجال بالأساس[24]، ويشير هذا الأمر إلى حصول تغير واضح في القيم خلال هذه الفترة، بحيث أن هذا التغير يسير نحو تراجع مستمر لأهمية قيمة الطاعة في رابط الزواج، الأمر الذي يشير أيضا إلى حصول تغير في طبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة[25].
تشير مواقف عينتنا عند مقارنتها بما توصل إليه البحث الوطني حول القيم (2004) إلى أنها تتضمن تغيرا قيميا ملحوظا، وتشير عند مقارنتها بما توصل إليه البحثين العالمي حول القيم (2011) والبحث الوطني حول الرابط الاجتماعي (2012) إلى أنها تنخرط ضمن سيرورة عامة وليست مؤشرا لتغيرات جديدة، ومع أن هناك اختلافات في الاجابات التي يتضمنها كل من هذه البحوث، لكن المعطيات في البحوث الثلاثة تتفق في التوجهات العامة التي تكشفها، وفي هذا السياق تشير هذه المعطيات إلى وجود تغير ملموس في القيم التي تؤطر العلاقات بين الزوجين، ويتضمن هذا التغير توجه العلاقة بين الرجل والمرأة إلى الحوار والتواصل عوضا عن خضوع الزوجة وطاعتها للزوج.
- أهمية المشاركة السياسية للمرأة:
من ضمن الأسئلة التي طرحنا في هذا البحث، هناك سؤال حول موقف الأفراد موضوع الدراسة من فكرة مفادها أن “مشاركة المرأة في القرارات السياسة ليست ضرورية بالنسبة إليها لتحقق المساواة”، وقد أشار أغلبهم (55%) إلى أنها غير صحيحة، الأمر الذي يدفعنا إلى القول بأهم يرون المشاركة السياسية حق مهم للمرأة.
مبيان رقم 2: مواقف العينة من فكرة عدم ضرورة مشاركة المرأة في السياسة
المصدر: من إعداد الباحث
ولا تختلف هذه النتيجة مع ما توصل إليه البحث الوطني حول القيم، حيث أشار إلى أن موقف عموم العينة التي تناولها إيجابي من المشاركة النسوية في السياسة، إذ أجاب أكثر من 82% من عينته بأنهم مستعدون للتصويت لمرأة، لكنه أشار أيضا إلى أن هذا الموقف يختلف حسب المناصب، بحيث أن 40% من العينة أجابوا بأنهم يفضلون التصويت لرجل من أجل منصب وزير مقابل 12% لمرأة، كما أشار 37% إلى أنهم يفضلون نائبا في مقابل 13% يفضلون نائبة[26]، وقد توصل البحث العالمي هو الآخر إلى نتيجة مشابهة في هذا السياق، حيث أشار إلى أن أكثر من 57% يتفقون مع فكرة أن القادة السياسيين الرجال أفضل من القادة النساء[27].
الواقع أن هذه النتائج واضحة من حيث الدلالات التي تحملها فيما يخص قيم النوع الاجتماعي في المجال السياسي، لكن تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن ما توحي به يحمل وجها آخر لابد من الوقوف عنده، فالتردد الذي يسم مواقف المبحوثين من كفاءة المرأة في المجال السياسي لا يرجع إلى اعتقاد منهم بأنها لا تملك ما يؤهلها للولوج إلى هذه المناصب، وإنما يمكن رده إلى ترددهم بشأن استعدادها إلى ولوج مجال جديد بالنسبة إليها، والدليل على ذلك أن الإجابات التي أشار إليها البحث الوطني حول أسبقية أي من الجنسين لمنصب الوزارة، أشارت في معظمها بأن كلا الجنسين يملك ما يؤهله ليشغلها (48% في مقابل 40% أشاروا إلى أنها مهمة ذكورية)، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على وظيفة النائب، حيث أشار 51% إلى أنهم يثقون في الجنسين لتأديتها[28]، والملاحظ في هذا السياق أن الاجابات حول أولوية الجنسين تختلف حسب بنية السؤال، فعندما يكون أمام المبحوثين خيار وضع الجنسين على قدم المساواة يفضلونه على سائر الاختيارات، لكن عندما يكونون أمام اختيار واحد من الجنسين لتولي منصب معين، يميل معظمهم إلى تفضيل الذكور، والواقع أن هذا الأمر يشير إلى أن التمييز على أساس الجنس حاضر بشكل لا شك فيه في قيم المبحوثين الذين تناولهم البحث الوطني حول القيم والبحث العالمي حول القيم في المغرب، إضافة إلى الأفراد الذين تناولهم بحثنا، لكن هذا الأمر يجب ألا يلغي وجود تغيرات ملموسة، وتوجه واضح نحو قبول ولوج المرأة إلى المجال السياسي، والدليل على ذلك هو تأكيد أغلب أفراد عينتنا أن المشاركة في القرارات السياسية أمر ضروري للمرأة من أجل تحقيق المساواة، إضافة إلى النتائج التي توصل إليها البحث الوطني حول القيم.
- أهمية العمل بالنسبة للمرأة:
من بين الأسئلة الهامة التي طرحنا في استمارة بحثنا هناك سؤال حول موقف سكان الجديدة من فكرة أولية الذكور في الشغل، حيث أفاد 60% من عينة البحث بأن فكرة “أسبقية الرجال في العمل في حالة نقص فرص الشغل” صحيحة وعادلة بالنسبة إليهم.
مبيان رقم 3: مواقف العينة من أولوية الذكور في العمل
المصدر: من إعداد الباحث
وتتطابق هذه النسبة مع ما توصل إليه البحث العالمي حول القيم في المغرب بخصوص نفس السؤال، حيث أشار 60,6% من عينته إلى أنهم متفقون مع هذه الفكرة، كما أشار 49% فقط ضمنهم إلى أن العمل هو أحسن وسيلة لتحقيق المرأة لاستقلاليتها[29]، واعتبر أكثر من 59% أن اعتناء المرأة ببيتها مهم لها بنفس أهمية الشغل أو العمل المأجور[30]، الأمر الذي يشير إلى أن أهمية إدماج المرأة في الشغل لا تزال فكرة غير مهمة في قيم أفراد عينتنا قياسا إلى أفكار أخرى، كما يؤكد أيضا أن قيم سكان الجديدة لا تختلف عموما عن التوجهات العامة للقيم داخل المجتمع المغربي في هذا الإطار.
أظهر أفراد عينتنا مجموعة من المواقف الأخرى التي تعزز الفكرة السابقة، من بينها تأكيدهم على أن حصول الزوجة على دخل يفوق زوجها يؤثر بشكل سلبي على الأسرة، حيث أشار 56% من العينة إلى أنهم يتفقون مع هذه الفكرة.
جدول رقم 2: مواقف العينة من انعكاس تفوق دخل المرأة على زوجها | ||||
الاجابات | التكرارات | النسبة المئوية% | ||
عندما يفوق دخل المرأة دخل زوجها فإن ذلك ينتج مشاكل | اتفق | 42 | 39 | |
غير متفق | 29 | 27 | ||
متفق جدا | 19 | 17 | ||
لا أتفق أبدا | 7 | 6 | ||
لا إجابة | 1 | 1 | ||
لا أدري | 11 | 10 |
المصدر: من إعداد الباحث
وقد توصل البحث العالمي هو الآخر إلى نتيجة مشابهة بخصوص نفس السؤال، ومع أن الاجابات داخله لم تكن مركزة على موقف محدد في هذا السياق، لكن النسبة الأكبر اعتبرت أن الفكرة صحيحة (38%)[31]، وفي نفس السياق أفادت نسبة مهمة من عينة بحثنا، بأنها تتفق مع فكرة انعكاس شغل الأم بشكل سلبي على الأبناء، حيث أشار 41% من أفراد العينة بأنهم يتفقون معها، وبخصوص نفس السؤال، أشار البحث العالمي للقيم إلى أن أكثر من 62% يتفقون مع هذه الفكرة[32].
أصر معظم أفراد عينتنا على أن عمل النساء ليس بأهمية العمل المنزلي الذي يقمن به، سواء بالنسبة للزوجة أو الأم، وقد تأكد هذا الموقف بشكل واضح من خلال اتفاقهم مع فكرة أن “العمل المأجور للمرأة يحمل آثار سلبية بالنسبة للعلاقة الزوجية وبالنسبة لتربية الأبناء والأسرة بشكل عام”، كما اتفق أكثر من 61% منهم مع فكرة أن “الزواج الناجح هو الذي يتأسس على اشتغال الرجل خارج البيت واضطلاع المرأة بالمهام المنزلية”.
مبيان رقم 4: مواقف العينة من فكرة “عمل الزوج خارج البيت والزوجة داخله هو التقسيم المثالي للعمل”
المصدر: من إعداد الباحث
يشير هذا الأمر إلى أن تقسيم العمل بين الجنسين في قيم عينتنا لازال تقليديا إلى حد كبير. والواقع أن الاحصاءات الوطنية تظهر أن هذا التصور ليس منحصرا على سكان الجديدة فقط، كما تظهر أنه ليس منحصرا في حدود القيم وإنما يأخذ أشكالا واقعية ملموسة، إذ أن إدماج المرأة في القطاع الاقتصادي لا زال ضعيفا، وذلك أن المعدل الخام للأنشطة عند النساء في المغرب لا يتجاوز 24% في مقابل 52% في صفوف الرجال، أي أن 33% فقط من الفئة النشيطة في صفوف الإناث هي التي تشتغل وذلك في مقابل 79% من الذكور، وتؤكد هذه الإحصاءات أيضا ما أشارت إليه التصورات النسوية بخصوص التقسيم الجنسي للعمل، حيث أن أغلب الأشغال التي تحظى بها المرأة هي وظيفة المساعدة الأسرية (41%).[33] وتكمن أهمية هذه المعطيات بالنسبة إلى بحثنا في كونها تؤكد بأن مواقف أفراد عينتنا لا تختلف عن التوجه العام للقيم في المغرب في هذا السياق.
من بين التمظهرات الملموسة للمواقف السابقة، هناك أيضا التأثيرات التي تحدثها على الحياة المهنية للمرأة، حيث أشارت دراسة أجريت حول الشغل عند النساء في كل من المغرب وتونس وتركيا إلى أن التوفيق بين المجال المهني والمجال الأسري صعب جدا بالنسبة للمرأة، وذلك لكونها تضطر إلى تخصيص وقت كاف لكل منهما، الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي على أدائها في المجال المهني[34]، وهكذا فإنه يمكن القول أن ضعف أهمية عمل المرأة في قيم الأفراد بالجديدة يساهم في الإبقاء على المرأة في المجال المنزلي، ونتيجة لهذا نجد أن معدل البطالة في صفوف الإناث في هذه المدينة يفوق الذكور، بحيث أن 28% من الإناث عاطلات عن العمل في مقابل 13% من الذكور[35]، ويشير هذا الأمر ليس فقط إلى الأثر الملموس الذي تحدثه هذه القيم على رابط المشاركة العضوية[36] للإناث، ولكن أيضا على بنية الرابط الأسري أيضا في الجديدة والمغرب بشكل عام، حيث تنتج عن هذه القيم علاقة غير متكافئة داخل رابط الزواج بحيث تكون المرأة تابعة للرجل وخاضعة لسلطته[37].
- المرأة والمجال الخاص:
أشار 57% من عينتنا إلى أنهم يتفقون مع فكرة مفادها أن “الأم هي المسؤول الأكبر في تربية الأبناء”، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى بأنهم يتبنون التقسيم التقليدي للعمل بين الجنسين.
مبيان رقم 4: مواقف العينة من فكرة “أولوية الأم في مسؤولية التربية”
المصدر: من إعداد الباحث
ويشير البحث الوطني في هذا السياق إلى أن الشؤون المتعلقة بالتربية، كعدد الأبناء مثلا والقرارات المتعلقة بتعليمهم، وحدها المشتركة بين الزوجين، خلافا لمجموعة من القرارات الأخرى، التي تعد حكرا على الرجال[38]، الأمر الذي يؤكد بالفعل بأن المرأة في قيم المغاربة عموما، وليس بمدينة الجديدة فقط، هي المسؤول الأساسي عن المنزل وتربية الأبناء، والواقع أن هذه الوضعية مرتبطة بالمرأة حتى عندما يكون لديها عمل مأجور، إذ أشارت دراسة أجريت في المغرب حول أسر الموظفين إلى أن نسبة الموظفات اللاتي يقمن بأشغال المنزل بعد العمل تصل إلى 50% في مقابل 8% فقط من الذكور، وتشير هذه الدراسة أيضا إلى أن الإناث هن اللواتي تتولين مسؤولية الأبناء بشكل أكبر،[39] وقد أشارت دراسة أخرى في هذا السياق أجريت حول الصور النمطية (Stréotypes) حول النساء في المغرب إلى أن الأمومة يتم تصويرها على أنها أهم إنجاز للمرأة، حيث أشارت مجموعة من المبحوثات ضمنه إلى أنهن رغم حصولهن على شواهد عليا إلا أنهن لازلن يسمعن مجموعة من العبارات من آبائهن وأمهاتهن مثل “نريد أن نراك في مطبخك”، “بم ستنفعك الشهادة إذا لم تتزوجي”، ويشير هذا البحث أيضا إلى أن دور الأم يصور من قبل هذه الأفكار على أنه هو الدور المقدس الذي يتمنى كل الآباء رؤية بناتهم داخله، فالمرأة يمكن أن تحصل على وظيفة، ولها الحق في ذلك، لكن قيمتها كمرأة تقاس بالأمومة وبالمهام الأسرية، التي تعد دورها “الطبيعي”[40].
تؤثر هذه المواقف بشكل كبير على بنية العلاقات داخل الرابط الأسري في المغرب، فإذا كانت قيم النوع الخاصة بالعمل تعمل على تقليل أهمية العمل الانتاجي للمرأة، وذلك حتى تقبل هذه الأخيرة الاكتفاء بدور الزوجة والأم، فإن قيم النوع الاجتماعي الخاصة بالمجال المنزلي تهدف إلى منح هذا المجال أهمية وقيمة كافية لتجعل المرأة تقبله كدور أساسي لها. وتعمل هذه القيم أيضا على جعل المرأة تتقبل أدوار الأمومة والزوجية على أنها أدوارها “الطبيعية” داخل المجتمع، وهكذا فإنها (أي القيم) تشكل بنية العلاقات داخل الرابط الأسري من خلال تحديد موقع كل من الجنسين داخل المجتمع وداخل الأسرة بشكل خاص، بحيث تتولى المرأة أدوار الاعتناء بالشؤون والمهام المنزلية، ويتولى الرجال أدوار الانتاج.
من بين الأسئلة المهمة التي طرحنا في هذا المحور هناك سؤال حول موقف أفراد العينة من فكرة مفادها أن الزواج مهم للمرأة أكثر من الرجل، وقد أفاد أغلبهم بأنهم غير متفقين مع هذه الفكرة، حيث أشار 49% إلى أنها غير صحيحة، في مقابل 39% أشاروا إلى أنها صحيحة، كما أشار 54% ضمن العينة إلى أنهم لا يتفقون مع فكرة أن الإنجاب مهم للإناث أكثر من الذكور، في مقابل 34% أشاروا إلى أنها صحيحة. والواقع أن هذه النتائج تبدو مخالفة لمعظم الصور النمطية حول المرأة في المغرب، والتي تفيد بأنها أكثر اهتماما بالزواج والإنجاب[41]. لكن تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن أفراد عينتنا يقدمون مواقف متناقضة بخصوص تصورهم لمكان المرأة في المجتمع، ففي نفس الوقت الذي يشيرون فيه إلى أن المجال المنزلي والأمومة هما المكان الطبيعي للمرأة، يشيرون أيضا إلى أنه من غير الصواب اعتبار أن الزواج والإنجاب مهمان للإناث أكثر من الذكور، ويمكن تفسير هذا الأمر باختلاف السياقات وبنية السؤال نفسها، كما يمكن الافتراض بهم يتبنون الصور النمطية حول المرأة لكنهم في نفس الوقت يعتقدون أنها غير صائبة، أو على الأقل يحملون تصورا نقديا إزاءها، وهكذا فإنه كلما كانت الفكرة المتضمنة في السؤال تحمل دلالات واضحة حول التمييز بين الجنسين كلما اتجهت إجابات المبحوثين نحو عدم الاتفاق مع مضمونها.
عموما يمكن القول أنه رغم اختلاف بعض المعطيات، فإن المرأة في قيم الأفراد بمدينة الجديدة، على غرار التوجهات العامة في المغرب كما تكشفها بحوث أخرى، لازالت بشكل عام مرتبطة بالإنجاب والأمومة، ويشير هذا الأمر إلى أن القيم تسير بوثيرة بطيئة في هذا السياق رغم التغيرات الإيجابية العديدة التي عرفتها وضعية المرأة في المغرب منذ الاستقلال، حيث تم إنجاز مجموعة من التحولات في ما يخص ولوجها إلى التعليم والشغل إضافة إلى مجموعة من الحقوق[42]، لكن يبدو أن هذه الإنجازات لم يصاحبها تغير حقيقي في موقف القيم من دور المرأة ومكانها داخل المجتمع.
استنتاجات:
– لا تختلف قيم أفراد العينة على المواقف العامة التي تكشفها بحوث أخرى في المغرب، فهي تتضمن بوادر التحول حيث هناك سيرورة عامة للتغير، وتتضمن ملامح الثبات حيث تغيب هذه البوادر.
– ضعف أهمية عمل المرأة في قيم الأفراد بالجديدة والمغرب عامة يتمظهر بشكل ملموس في ارتفاع معدل البطالة في صفوف لإناث مقارنة بالذكور داخل هذه المدينة.
– على غرار قيم النوع الخاصة بالشغل، تأخذ القيم الخاصة بالزواج والأمومة أشكالا ملموسة داخل الممارسات الاجتماعية، تتمثل في تقسيم العمل بين الزوجين داخل الرابط الأسري بالجديدة والمغرب عامة.
– تشير قيم النوع عند الشباب بالجديدة والمغرب عامة، إلى أن الإنجازات التي حصلت بخصوص تحسين وضع المرأة لم يصاحبها تغير حقيقي في موقف القيم من دور المرأة ومكانها داخل المجتمع.
– يتبنى أفراد عينتنا الأفكار المبتذلة حول المرأة بخصوص أهمية العمل والإنجاب، لكنهم في نفس الوقت يحملون تصورا نقديا إزاءها.
– بطء تحولات قيم النوع الاجتماعي في الجديدة لا يلغي وجود تغيرات مهمة في طبيعة العلاقات داخل رابط الزواج.
خاتمة:
تتضمن القيم الخاصة بعلاقات النوع الاجتماعي أفراد عينتنا مجموعة من بوادر التحول في الرابط الأسري، فقد أشار أغلبهم إلى أن المرأة لا تحظى بنفس الحقوق التي يحظى بها الرجل في المغرب، وأفاد أغلبهم أيضا بأن المشاركة السياسية ضرورية للمرأة لتحقق المساواة. ويشير هذا الأمر إلى أن أفراد عينتنا لديهم وعي بلاتوازن العلاقات بين الزوجين، كما يعتبرون أن تحرر المرأة يحصل من خلال مشاركتها في المزيد من القرارات واقتحام مجموعة من المجالات من ضمنها المجال السياسي، وقد توصلنا أيضا على غرار البحث الوطني حول الرابط الاجتماعي إلى أن العلاقة بين الزوجين تتجه بشكل أكبر نحو التكافؤ والتساوي، حيث يشير هذا البحث إلى أن أغلب الأشخاص الذي استجوبهم يعتبرون أن العلاقة بين الزوجين يجب أن تكون مبنية على توزيع متكافئ في اتخاذ القرارات وليس على سيطرة الزوج وتفرده في اتخاذها[43].
ويعد هذا الأمر تأكيدا على أن هناك بوادر لتغير بنية العلاقات داخل هذا الرابط، لكن هذا التغير (كما أشرنا سابقا) بطيء ويصعب حصوله بشكل كامل، لاسيما أن مواقف معظم المغاربة، كما تشير بحوث مختلفة من عمل المرأة و من أهمية دور الأمومة لاتزال المقاوم الأكبر لهذه السيرورة، لكن من الضروري في هذا السياق عدم اعتبار هذا الأمر بالتحديد مؤشرا على بطء ديناميات تغير القيم داخل المغرب، فحتى في مجموعة من البلدان التي يبدو أنها قطعت أشواطا طويلة في هذا الباب، تُظهر مجموعة من البحوث أنه لازال هناك تقسيم غير متكافئ للعمل والأدوار على أساس النوع الاجتماعي، فالدراسات حول الأسر النووية في الولايات المتحدة الأمريكية تكشف أن تقسيم العمل المنزلي لا زال غير متساو بين الزوجين رغم توفر النساء على عمل مأجور، ما يعني أنه حتى بعد تحرر المرأة في أمريكا واقتحامها لسوق الشغل بقيت مرتبطة بالأعمال المنزلية[44]، الأمر الذي يشير إلى أنه من الصعب عد المواقف التي يبديها أفراد عينتنا في سياقات مختلفة انعكاسا لتحولات قريبة في توازن العلاقات داخل رابط الزواج، لكن في نفس الوقت من غير الممكن القول أن الرابط الأسري اليوم لم يعرف أي تغير، ولازال عما كان عليه في السابق، والدليل على ذلك هو تزايد أهمية مشاركة القرارات بين الزوجين في المغرب منذ سنة 2004 إلى اليوم.
قائمة المراجع:
- فايز جمعه صالح النجار، ماجد راضي الزغبي ، نبيل جمعة النجار، أساليب البحث العلمي: منظور تطبيقي، عمان: دار الحامد :2008.
- Bakass F, Mellakh K, & Ouchrahou M. Etude sur les stéréotypes de genre répandus au Maroc. Verone, Rabat, Progetto mondo Mlal, Amnesty International Maroc, 2013.
- Chaouai, Abdeltif. « Genre et promotion des femmes » in Haut Commissariat au Plan . Population et développement au Maroc. Maroc: 2005.
- de Bellaing, Moreau, Louis Jean Étienne, François Bloess, …[et al.]. Dictionnaire de sociologie: les notions, les mécanismes, les auteurs. Paris, Hatier, 1997.
- Institut Royal des Etudes Stratégiques. Rapport de l’enquête nationale sur le lien social au Maroc. 21 Mars 2012.
- Ministère de la Fonction Publique et de la Modernisation de l’Administration, ONU-Femme, GIZ. Conciliation travail- famille des femmes et des hommes fonctionnaires au Maroc. Rabat : Juin 2011.
- Moisseron, Jean-Yves. « L’accès et le maintien des femmes à l’emploi de qualité au Maroc, en Tunisie et en Turquie » Notes techniques. n. 32 (Juillet 2017)
- Paugam, Serge. Le lien social. Paris, PUF, 2008.
- Rachik, Hassan. et al. (eds.). « Rapport de synthèse de l’enquête nationale sur les valeurs » Cinquantenaire de l’indépendance du Royaume du Maroc (Rabat : 2005)
- Rahma, Bourquia. « Les valeurs, Changements et perspectives » Rapport sur le développement humain. Rabat, 2006.
- Rame, Ali. « La Strategie Nationale de Lutte Contre la Violence a L’égard des Femmes au Maroc » Querétaro: ICPC’s Eighth Annual Colloquium (2008).
- Rezsohazy, Rudolf. Sociologie des valeurs. Paris: Armand Colin, 2006.
- Schwartz, Shalom H. «Les valeurs de base de la personne: théorie, mesures et applications » Hammer et Monique Wach (trad.). Revue française de sociologie. vol. 47, no. 4 (2006)
- World Value Survey. WV6_Results: Morocco 2011_v20180912 (Mai 2011)
- www.hcp.ma
[1] Rudolf Rezsohazy, Sociologie des valeurs (Paris: Armand Colin, 2006), p 5
[2] Moreau de Bellaing, Louis Jean Étienne, François Bloess, …[et al.], Dictionnaire de sociologie: les notions, les mécanismes, les auteurs (Paris : Hatier, 1997). p 609
[3] Shalom H. Schwartz, «Les valeurs de base de la personne: théorie, mesures et applications » Hammer et Monique Wach (trad.) Revue française de sociologie, vol. 47, no. 4 (2006), pp. 929-968
[4] Hassan Rachik, Rahma Bourqia, Abedellatif Bencherifa…[et al.], « Rapport de synthèse de l’enquête nationale sur les valeurs » Cinquantenaire de l’indépendance du Royaume du Maroc (Rabat : 2005), p9
[5] فايز جمعه صالح النجار، ماجد راضي الزغبي ، نبيل جمعة النجار، أساليب البحث العلمي: منظور تطبيقي، عمان: دار الحامد، 2008، ص 63.
[6] Rachik, p11
[7] Ibid., p13
[8] Ibid., p27-28
[9] Ibid., p 28-29
[10] Rahma Bourquia, « Les valeurs, Changements et perspectives » Rapport sur le développement humain (Rabat, 2006), p65
[11] Ibid., p73
[12] Ibid., p74
[13] Ibid., p99
[14] Ibid., p101
[15] World Value Survey. WV6_Results: Morocco 2011_v20180912 (Mai 2011), p 1
[16] Ibid., p 48
[17] Ibid., p 1
[18] Ibid., p17
[19] Ibid., p18
[20] Ibid., p 110
[21] Ali Rame, « La Strategie Nationale de Lutte Contre la Violence a L’égard des Femmes au Maroc » Querétaro: ICPC’s Eighth Annual Colloquium (2008), pp 1-2
[22] Institut Royal des Etudes Stratégiques, Rapport de l’enquête nationale sur le lien social au Maroc (21 Mars 2012), p 23
[23] Ibid., p 17.
[24] Ibid., p18
[25] Ibid., p24
[26] Rachik, p51-52.
[27] World Values Survey, p19
[28] Institut Royal des Etudes Stratégiques, p 51-52
[29] World Values Survey, p 17-18
[30] Ibid., p 21
[31] Ibid., p 18
[32] Ibid., p 19
[33] Abdeltif Chaouai, Genre et promotion des femmes, in Haut Commissariat au Plan, Population et développement au Maroc (Maroc: 2005), p145-169, p 151
[34] Jean-Yves Moisseron, « L’accès et le maintien des femmes à l’emploi de qualité au Maroc, en Tunisie et en Turquie » Notes techniques, n. 32 (Juillet 2017), p 66
[35] www.hcp.ma consulté en 13/04/2019
[36] Voir : Serge Paugam, Le lien social (Presses universitaires de France, 2008).
[37] Isabelle Clair, Sociologie du genre (Paris : Armand Colin, 2012), p 21
[38] Rachik, p 27
[39] Ministère de la Fonction Publique et de la Modernisation de l’Administration, ONU-Femme, GIZ, Conciliation travail- famille des femmes et des hommes fonctionnaires au Maroc, (Rabat : Juin 2011), p 43
[40] Ibid., p 14
[41] Bakass F, Mellakh K, & Ouchrahou M, Etude sur les stéréotypes de genre répandus au Maroc (Verone, Rabat, Progetto mondo Mlal, Amnesty International Maroc, 2013), p 20
[42] Ibid., p 14
[43] Institut Royal des Etudes Stratégiques, p 24
[44] Bride Murry Velma Mc, Mayberry Satterwhite Lindsay, Berkel Cady, Gender and family relations, In Gary W. Peterson. Kevin R. Bush (dir), Handbook of Marriage and the Family (New York: 2013) pp : 401-422, p 406