التكوين المستمر بالبحث الإجرائي
Continuous Training with Action Research
د.عبد الحكيم المرابط/المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمراكش، المغرب
- Abdelhakim El Mourabit/ CRMEF MARRAKECH, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 82 الصفحة 19.
ملخص:لقد عمل هذه البحث على تتبع وكشف المميزات الايجابية للبحث التربوي التدخلي، باعتباره خيارا جديدا في منظومة التربية والتكوين وتأهيل الأطر التربوية عموما، ونظرا للحاجة الملحة لتصورات نظرية في هذا الباب، حاولت هنا عرض السياق التاريخي للبحث التدخلي وقدمت تعريفه وبعض خصائصه من أجل عرض إجراءاته وأدواته في بحوث قادمة.
الكلمات المفتاحية: البحث التدخلي- التربية- الممارسة الميدانية – البعد التبصري.Abstract:
This research comes within the framework of tracking and revealing the positive features of interventionist educational research, as it is a new option in the system of education, training and qualification of educational frameworks in general, and given the urgent need for theoretical perceptions in this section, I tried here to present the historical context of the interventionist research and presented its definition and some of its characteristics in order to present its procedures and tools. In future research.
Key words: intervention research – education – field practice – insight.
تقديم :
يعد البحث التربوي الإجرائي وسيلة أساسية، تساهم في تنمية الحس النقدي لدى الممارسين في الميدان التربوي، وذلك بالنظر إلى المهارات التي يرتكز عليها كالتخطیط والتنظیم والبحث ومعالجة البیانات المجمعة والتحلیل والتركیب. وهو وسیلة كذلك للتشجیع على القراءة الذاتیة، وعلى التكوين المستمر والمواكب لتطور المعرفة. كما تشكل هذه البحوث أداة جیدة لمعرفة الواقع، وربط التكوین بالممارسة والتعود على حل المشكلات التي یعج بها الواقع التربوي، والبحث عن حلول مع المتعلمين في المؤسسات التربوية، إنه من أفضل السبل والمسالك للتمرن على الاعتماد على الذات في البحث عن المعارف، وتشكیل المهارات، وفي حسن توظیف المراجع، واكتساب القدرة على الإبداع والخلق والابتكار التي تشكل أحد مرتكزات عملیة التدریس.
1- مسار تطور البحث التدخلي
ظهر البحث التربوي التدخلي، باعتباره طريقة للتكوين بالممارسة الميدانية، في أوائل القرن العشرين، مع جون ديوي حين كان يطلع إلى إنشاء علم خاص بالتربية، يشارك فيه المدرسون عمليا، في صيرورة جديدة لبحث، يجمع بين البحث عن نظريات مفيدة وشكل من الاستثمار المتجذر في الممارسات التطبيقية، وترتكز هذه المقاربة على تصور للتربية يعتبر المنهج العملي أساسا للمعرفة، ويصبح التفكير العلمي عادة عند المربين والمتعلمين. ولعل فشل هذا النموذج الديمقراطي المثالي يعود إلى السرعة التي يهيمن بها ما هو تطبيقي على ما هو نظري[1].
وقد تبنى كورت لوين نموذجا آخر من البحث التربوي التدخلي خلال الأربعينيات، و هو البحث المعتمد على التدخل النفسي-الاجتماعي. وذلك بالتركيز على فكرة اقترحها ديوي مفادها أن: “التدخل يجب أن ينطلق من البحث، والبحث من التدخل”[2]. وكان لوين يدعو إلى تدبير التغيير الاجتماعي، وذلك من خلال تأسيس صيرورة التخطيط: فكرة عامة، وهدف عام، فجمع المعطيات، مع خطة لتحقيق الهدف العام، ثم العملية اللازم القيام بها، وأخيرا تقويم العمليات. وقد وصف لوين نموذج الدورات بأنه لولبي الشكل، بحيث يقود التحليل إلى تشخيص الوقائع، ووضع تصور للبحث، ثم تخطيط برنامج تدخل لتنفيذ مجموعة من الحلول، وينتهي بالتقويم وعلى أثره تظهر مجموعة من المشاكل أو الأسئلة الجديدة[3].
وخلال الحرب العالمية الثانية، قاد لوين بحثا يروم تغيير العادات الغذائية للسكان، لمواجهة النقص الحاصل في بعض المواد الغذائية، وقد كانت تلك المرة الأولى التي يعتمد فيها البحث التدخلي لتغيير سلوك الأفراد أو الساكنة وعاداتهم ومواقفهم، ولضمان اندماج أفضل للأفراد في بيئتهم وتحقيق قدر أكبر من النجاعة عند المؤسسات في متابعة أهدافها[4].
ويعتبر العالم ستيفن كوري من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية أول من أدخل البحث التربوي التدخلي فعليا لحقل علوم التربية. وفي هذا الصدد، اقترح ستيفن كوري على الأساتذة اعتماد هذه المقاربة كوسيلة لتحسين تعليمهم: يقول: “إن الدراسات المتعلقة بما ينبغي أن يكون وما ينبغي ألا يكون فيما يخص المدرسة، يتعين إنجازها داخل عدد كبير جدا من الفصول الدراسية يعد بالآلاف، ومثله من المجموعات، وأن يتولاها أولئك الذين يعهد إليهم بتغيير طرقهم في العمل بناءً على هذه الدراسات، وهم المدرسون”[5]. فبالنسبة إلى كوري، الممارسون أنفسهم هم الذين يجب أن يقوموا بالبحث:” لدراسة مشاكلهم دراسة علمية حتى يتسنى توجليه قراراتهم وتدخلاتهم وتصحيحها وتقويمها”.[6]
فالبحث التدخلي بالنسبة إلى هذا الباحث صيرورة يتمكن من خلالها الفاعلون من دراسة ممارستهم لحل المشاكل التي تعترضهم أثناء العمل. وبالرغم من وصف كوري عددا أقل من الانتقادات مقارنة مع لوين، فهما معا يشددان على ضرورة إدراج مسألة العمل بالفريق في صيرورة البحث التدخلي، ويرجع هذا إلى قوة التفاعلات بين أعضاء الفريق التي تؤدي إلى خلق الالتزام والتغيير في المواقف والسلوكات، وتبعا لذلك يعتبر المدرسون باحثين وليس مجرد أفراد تقع عليهم تجارب تكون قيادتها من خارج المدرسة. وهكذا، بدأ البحث التدخلي يعتبر استراتيجية فعالة للإجابة عن الإشكاليات التي يطرحها المدرسون. فسرعان ما بدأ البحث التدخلي بسبب ارتباطه الوطيد بالتدخل يبتعد عن المنهجيات المستخدمة في البحث الوضعي أو الكمي، فقد كان لزاماً على الباحثين أن يظلوا فاعلين، ولم يعد في استطاعتهم ادعاء الموضوعية، ما داموا قد اختاروا العمل داخل فريق، لذلك فهم مطالبون باعتماد مقاربة مرنة من أجلل التكيف مع التغيرات المستمرة التي تعرفها ممارستهم التربوية، فالإشكاليات التي يستكشفونها تبقى معقدة وغامضة، ولصيقة كذلك بوضعيات ملموسة ومتأثرة أيضاً بالتفاعلات بين فاعلين مختلفين تختلف تصوراتهم باختلاف إدراكهم لأوجله المشكل المتعددة والحلول الممكنة[7].
وقد عرفت الفترة ما بين 1953و1957نوعا من التراجع في أهمية البحث التدخلي بسبب هشاشته، وانتقد العديد من الباحثين البحث التدخلي بسبب ضعفه وعدم التتبع والوقت المستهلك ومنهجيته غير العلمية وسطحيته الفكرية، وذلك بالنظر إلى عدم قابلية نتائج هذه البحوث للتعميم، وقد ذهب آخرون إلى عدم امتلاك المدرسين الوقت الكافي للقيام بالبحوث، وإلى أن الوقت المستثمر في البحث يمكن أني عرقل عملهم في التدريس[8].
وحسب دولبيك وكليمنت، استلهم لورانس ستانهاوس من كوراي وثمن دور المدرس الباحث، معززا فكرة مفادها أن التدريس ضرب من البحث اليومي المتواصل، وفي أبحاثه حول إصلاح المناهج الدراسية في انكلترا في سبعينيات القرن الماضي، دعا المدرسين إلى لعب دور الباحث المتأمل باعتباره ذلك الممارس القادر على أن تكون له نظرة نقدية ومنهجية في تحليل تدخلاته التربوية. وعلى غرار لوين، اقترح عليهم العمل ضمن فرق والقيام بتفسير المعطيات جماعيا، تلك المعطيات التي تم حصادها فرديا[9].
وبالنسبة إلى جون اليوت، وهو بريطاني أيضا، فقد اعتمد على أبحاث ستنهاوس مؤيدا وجهة النظر القائلة بأن الممارسين يجب أن يصبحوا مشاركين واعين ومنخرطين في تطوير النظريات المنبثقة من صلب اهتماماتهم[10].
ومنذ الثمانينيات من القرن الماضي، شهد البحث التدخلي في مجال التربية انتعاشا في شعبيته في الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا وكندا، وتم التركيز أساسا على الأبعاد التشاركية والتفاعلية لممارسات المدرسين داخل الفصول الدراسية اعتمادا على التساؤل والاستقصاء.[11]
يتبنى البحث التدخلي إذن مقاربة جدلية سعيا إلى تطوير تفكير نقدي وتحسين ممارسات المدرسين التربوية وبالرغم من أن البحث التدخلي يحظى بقبول واسع، باعتباره وسيلة عملية للقيام بالبحث التربوي الذي يساهم في تحسين الممارسات وإحداث تغيرات في المدرسة، إلا أن الجدل المضاد ما يزال مستمرا.[12]
وقد أشارت كل من كينغ ولونكفيست إلى كون البحوث التي أجريت في بريطانيا أعطت دورا جديدا للبحث في مجال التربية، بحيث يقوم البحث التدخلي بتحليل حاجيات الممارسين في الميدان، فالأبحاث التي قام بها دونالد شون تبين أن البحث التدخلي يمكن من إنتاج معرفة تجريبية لم تحظ سابقا بالاعتراف من قبل الباحثين، وهي بداية انتقال البحث من الوسط الجامعي وتملكه من طرف المربين[13].
2 – تعرف البحث التربوي التدخلي
نجد في الحقل التربوي عدة تسميات لهذا النوع من البحث، ويرجع الاختلاف بينها حسب سياقها وأغراضها وآفاقها العلمية: فالبحث التدخلي (la rechercheintervention) أو البحث الإجرائي (la recherche opérationnelle) أو البحث العملي (larecherche action) أو البحث التطويري (la recherche développement) كلها تتفق حول تدخل الباحث أثناء البحث، بتنظيمات جديدة وإجراءات لتعديل الحالة –الظاهرة، وملاحظة وتحليل آثار ذلك التدخل والتعديل. بمعنى أن الباحث هنا، لا يبقى مكتوف اليدين يلاحظ ويصف مثل الغريب، بل يتدخل وينشط كفاعل ويحدث تغييرات بفضل وضع ترتيبات على الموقف، وتقديم حلول للمشكلة، ودراسة آثارها، أي آثار تلك الترتيبات و الحلول، في الحالة أو الحالات، أو المشكلة التي تعترض عمله اليومي و تعرقله[14].
وحسب الدكتور محمد الدريج فالبحث التدخلي هو نمط من البحوث يمكن الأساتذة وعموم التربويين الممارسين، من دراسة وفحص أدائهم ومواجهة المشكلات التي تعترض عملهم داخل الصفوف والمدارس وحلها[15].
إن البحث التدخلي هو بحث عملي– تطبيقي، يكون فيه الباحث ممارسا أيضا (أستاذ)، ويحاول استخدام البحث كطريقة للتأمل فيما يقوم به من أنشطة واتخاذ القرارات المناسبة بغية تحسين الأداء[16].
إن أهمية الممارسة التربوية للأساتذة وجودتها تزداد حينما تستند إلى بيانات ناتجة عن ملاحظات منظمة وعن أساليب معروفة في جمع البيانات، كما تزداد كلما وظفوا الطرق والأساليب المنتظمة في مشاهداتهم وملاحظاتهم وفي جمع وتنظيم البيانات[17].
إن البحث التدخلي عملية يقوم خلالها الأساتذة الممارسون بدراسة وتأمل ممارساتهم، لحل المشكلات الواقعية التي تواجههم في عملهم، بهدف عقلنة وتحسين ممارساتهم التربوية والاجتماعية وفهمهم لطبيعة العملية التعليمية والبيئة والظروف والمواقف التي تنتظم من خلالها[18].
إن كلمة إجرائي نسبة إلى الإجراءات التي سيتبعها الأستاذ -الباحث لدراسة المشكلة، لكن الأهم هي الإجراءات التي سيتخذها لحل المشكلة حلا مبدئيا ومؤقتا في البداية، قبل أن يخلص للحل النهائي، بحيث يتمحور البحث الإجرائي على ملاحظة نتائج تلك الإجراءات –الحلول، إما [19]:
– للإبقاء عليها ودعمها.
– أو تعديلها.
– أو تغييرها واستبدالها بإجراءات – حلول أفضل.
فهو إجرائي بالنسبة إلى الإجراءات العلاجية الأولية للمشكلة وهي إجراءات أولية شبيهة بما يفعله الأطباء معنا، إذ يعطوننا دواء للعلاج بناء على تشخيصهم الأولي وربما تخميناتهم (فرضيات) حتى قبل ظهور نتيجة التحاليل ويلاحظون أولا تأثير ذلك الدواء فينا كما يلاحظون نتيجة التحاليل وبعدها يصفون العلاج النهائي[20].
وهكذا ففي التربية والتعليم، فإن الأستاذ في الفصل هو المعني أساسا بالبحث الإجرائي، الذي يلبي حاجاته ويسهم في حل مشكلاته . أما نتائج البحوث العلمية الأكاديمية (الأساسية أو التطبيقية، الوصفية أو التجريبية …) فعلى الرغم، من أهميتها القصوى في زيادة معرفتنا بالظواهر وما يصيبها من تغيرات وبالقوانين المتحكمة فيها وعلى الرغم من ضرورتها لتطوير العمل التربوي والنظام التعليمي برمته فإن نتائج تلك البحوث ربما قد لا تعني الأستاذ بشكل مباشر عندما تواجهه مشكلة محددة في ظروف خاصة، وقد لا تنطبق شروط تطبيقها على واقع ممارسته اليومية، لذلك فالأستاذ عندما تواجهه مشكلة، يبحثها إجرائيا ويكتشف الحل فيطبقه ويلاحظ نتائج تطبيقه ويحسن بالتالي ممارساته العملية[21].
البحث التدخلي في التربية إذن، هو استقصاء منظم يجريه المدرسون و/أو مديرو المؤسسات و/أو الموجهون أو غيرهم من المعنيين في بيئة التدريس والتعلم، يتضمن جمع معلومات عن الطرق التي تدار بها أقسامهم الدراسية ومدارسهم وكيفيات التدريس وأساليب تعلم التلاميذ؛ وذلك بغية اكتساب فهم عميق يتيح تطوير ممارسات تأملية، تؤدي إلى وضع خطط عملية لتحسين نتائج التلاميذ، وإحداث تغييرات إيجابية في الممارسات التربوية وفي البيئة المدرسية عموما[22].
إنها بحوث يجريها المدرسون أنفسهم، ولا تفرض عليهم بواسطة شخص آخر أو من مصدر خارجي؛ فتشجعهم على أن يكونوا متعلمين دائمين ومنخرطين في سيرورة التكوين الذاتي في صفوفهم المدرسية كباحثين وممارسين في الآن نفسِه؛ إذ الغرض من البحوث التدخلية هو حل المشكلات اليومية في المؤسسات التعليمية، والعمل على تطوير المواقف والسلوكات المهنية وجعل التدريس أكثر نجاعة لتحسين التعلمات[23].
إن البحوث التدخلية تدمج وقفات تأملية مهنية في العمل اليومي للأساتذة وتحث على النظر إلى العملية التعليمية-التعلمية بعين ناقدة؛ وذلك أنها تدفعهم إلى فحص ديناميات الممارسات الصفية، وتأمل أفعال وتفاعلات التلاميذ، وتمحيص المهام المعتادة. وعندما يكتسبون فهما جديدا عن سلوكياتهم وسلوكيات تلاميذهم من خلال البحث التدخلي، تزداد ثقتهم بأنفسهم حين يتخذون قرارات مستندة إلى معلومات عما ينبغي أو لا ينبغي تغييره، وربط المعرفة السابقة بالمعلومات الجديدة، والتعلم من الخبرة المكتسبة عن وعي لكي يكونوا مهنيين في مواجهة المشكلات وملتزمين بتحسين ممارساتهم ونتائج تلاميذهم[24].
في البحث التدخلي إذن يكتسب الباحثون-الممارسون خبرة ميدانية، ويتملكون كفاءة لمواجهة المشكلات المهنية المستجدة والمستعصية، الأمر الذي يفتح إمكانات نقل الخبرة وتقاسمها للاستفادة منها[25].
وحسب دولبيك وكليمنت، فإن غايات منظومة البحث التدخلي هي التي تحدد نهج التغيير واستراتيجياته. لذا يجب أن تكون الصيرورات الفرعية، أو كما سماها سافوازاك الغاية الثلاثية للبحث التدخلي هي: البحث والفعل والتكوين، في حراك متزامن ومدبر بشكل مواز[26].
- قطب البحث: يمثل استخدام صيرورة منهجية صارمة لتوجليه التدخل وتوضيحه طوال حدوثه ثم تقويم أثره .
- قطب الفعل/التدخل: يمثل الأفعال الموضوعة في وضعية ملموسة لبلوغ الهدف من منظومة البحث التدخلي ولإحداث التغيير .
- قطب التكوين: يمثل التعلمات التي حققها من يريد فهم الوضعية وسياقها ومضمون التدخل ومساهمة صيرورة البحث التدخلي بصفته استراتيجية لإحداث التغيير. ويمثل أيضاً منهجية التكوين المستمر الذي ينخرط فيها لفاعلون.
3- خصائص البحث التدخلي من خلال علاقته بالأنواع الأخرى
عندما نستحضر العلاقة بين البحث التربوي التدخلي وغير منه البحوث الأساسية، حتما سنهتدي إلى مجموعة من الخصائص المميزة للبحث التدخلي باعتباره بحثا عمليا، واقعيا، وظيفيا، وحسب كاي جريوفري أرزيان فما يميز البحث التدخلي الإجرائي هو:[27]
البحوث الإجرائية تكون مقنعة وجديرة بالاعتماد والقبول: إن البحوث التي يجريها المدرسون من أجل المدرسين تتضمن جمع بيانات مقنعة ونظرا لأن المدرسين يكرسون جهدهم في جمع بيانات معترف بها، فإنهم يحددون مصادر البيانات التي تقدم استبصارات مقنعة فيما يتعلق بتأثير تدخل معين في نتائج التلاميذ. ولذا فإن نتائج البحوث الإجرائية وتوصياتها جديرة بأن يعتمدها المدرس ويعمل بها، وفي تنفيذ بحوث إجرائية يقوم المدرسون الباحثون بتطوير حلول لمشكلاتهم، فالمدرسون، وليس الخبراء الخارجيون هم السلطة فيما يصلح في صفوفهم المدرسية.
والبحوث الإجرائية تكون موائمة: إن مواءمة البحوث التربوية المنشورة لواقع للمدرسين تشكل أكثر مصادر القلق الشائعة لديهم عندما يسألون عن التطبيقات العملية للبحوث التربوية. فإما أن تكون المشكلات التي يقوم الباحثون باستقصائها ليست هي المشكلات الواقعية التي لدى المدرسين، أو أن المدارس أو الصفوف المدرسية التي أجري فيها البحث ليست مماثلة لبيئات المدرسين المدرسية، وذلك خلافا للبحوث الإجرائية التي تنطلق من العالم الواقعي للمدرسين.
والبحوث الإجرائية تكون متاحة: يتحدى الباحثون الإجرائيون افتراضاتهم التي اعتادوا عليها فيما يتعلق بالتدريس والتعلم، ونتائج تلك البحوث يكون لها مغزى بالنسبة لك، وذلك لأنك قمت بتحديد مجال التركيز. وكان لديك الرغبة لتحدي الثقافة التقليدية لمهنتك. والخلاصة أنك كباحث إجرائي أدت رغبتك في تأمل وتغيير تفكيرك حول تدريسك إلى أن تصبح عضوا ناجحا ومنتجا في المجتمع المهني.
البحوث الإجرائية تتحدى صعوبات إصلاح النظام التعليمي: اقترحت كنيدي في مراجعتها أن الافتقار إلى صلة بين البحوث والممارسة يمكن أن تعزى إلى النظام التعليمي ذاته، وليس إلى البحوث. وذكرت أن النظام التعليمي يمكن أن يفتقر إلى أهداف متفق عليها ومبادئ إرشادية، وليس له سلطة مركزية لحلال خلافات، ويبتلى باستمرار ببدع وأوهام، وعلاوة على ذلك فإن النظام يقدم أدلة محدودة لدعم أو نقض أي فكرة معينة، ويشجع الإصلاحات التي تجرى وتعارض بعضها، ويسمح للمدرسين بوقت قليل لتطوير المناهج والدروس اليومية، وفي ضوء هذه المواصفات لا عجب أنه كلما زاد تغيير الأشياء زاد بقاؤها كما هي، فالإصلاح يعد من الأمور التي يصعب توجيهها أو التحكم فيه: إنه عسير المعالجة. وتتيح البحوث الإجرائية للمدرسين الباحثين الفرصة لتقبل فلسفة حل المشكلات وممارستها كجزء متكامل من ثقافة مدارسهم وتوجه اتهم المهنية، وتحدى عسر معالجة الإصلاح التربوي، وذلك بجعل البحوث الإجرائية جزءا من النظام.
البحوث الإجرائية ليست بدعة: إن البحوث الإجرائية ليست بدعة بلا شك لسبب واحد، هو أن المدرسين ينظرون دائما بانتظام إلى تأثيرات تدريسهم في تعلم التلاميذ، وربما لا يطلقون على هذه الممارسة بحثا إجرائيا وربما لم يعتقدوا أن انعكاساتهم كانت رسمية بدرجة تكفي لتسميتها بحثاً، وإنما هي بحث إجرائي.
4- خطوات البحث التدخلي
يمكن تحديد خطوات البحث التربوي التدخلي في ست خطوات أساسية تبعا للآتي:[28]
4-1- الإحساس بالمشكلة وتحديد مجالها
الدافع الأساس للقيام بالبحث التدخلي هو الشعور بعدم الرضا عن جانب معين من الجوانب المتعلقة بالممارسة الصفية.
4-2- صوغ مشكلة البحث
تصاغ المشكلة بشكل محدد بأحد الأسلوبين الآتيين:
- الصيغة التقريرية للمشكلة: حيث يتم التعبير عن المشكلة بجملة أو عبارة تقريرية.
- الصيغة الاستفهامية: حيث يتم التعبير عن المشكلة بصيغة سؤال يبحث عن إجابة.
4-3- وصف مظاهر مشكلة البحث وتحليلها
يقوم الباحث بالبحث عن مزيد من الأدلة والمؤشرات على وجود المشكلة باستخدام أدوات معينة مثل: الاختبار، المقابلة، السجلات، الاستبانة، اليوميات، الملاحظة، الملفات التعليمية المجموعات البؤرية، التسجيلات السمعية والبصرية، دراسة الحالة…
بعد ذلك يتم تحليل المشكلة وتشخيص أسبابها والعوامل التي تؤثر فيها وحصر المشكلة بعدد محدد من الأسباب المحتملة التي يمكن معالجتها. ويمكن في هذا المجال استخدام بعض التقنيات في تحليل لمشكلة مثل العصف الذهني وشجرة المشاكل.
4-4- صوغ فرضيات العمل اللازمة لحل المشكلة
يقوم الباحث بالبحث عن الطرق والوسائل التي تساعده في تحليل المشكلة من حيث أسبابها ونتائجها، ويتم ذلك بصوغ المقترحات والإجراءات لحل المشكلة على شكل فرضيات تكون: واضحة ومحددة ومختصرة، وقابلة للاختبار، منبثقة من مشكلة البحث. والفرضية هي جملة عامة تعبر عن إجابة محتملة لأسئلة الباحث وتخصص علاقة ما بين متغيرين أو أكثر وتنطبق على مجتمع دراسي معين. وينبغي للفرضية أن تتضمن:
– وصفا للإجراء العملي القابل للتنفيذ الذي يعتزم الباحث القيام به لحل المشكلة والمرتبط بأسبابها.
– وصفا للأثر الذي يتوقعه نتيجة للإجراء المطبق في حل المشكلة وتحسين الممارسات المتصلة بها.
4-5- تصميم خطة إجرائية لتنفيذ البحث واختبار فرضياته
ويتم ذلك بجمع المعلومات والبيانات المناسبة المتعلقة بالمشكلة وبالفرضيات التي وضعها الباحث، وتتضمن هذه الخطة توفير الموارد اللازمة للإجراءات والتسهيلات المادية والبشرية وتحديد الأدوات المناسبة لجمع المعلومات وتصميمها وتحديد الطريقة التي ستتبع في اختبار الفرضية ومحاكمة نتائجها، ويتم وضع خطة زمنية متكاملة تبين مراحل التطبيق والتنفيذ.
والمقصود باختبار الفرضية هو سعي الباحث إلى جمع معلومات مناسبة وتنظيمها وتحليلها والاستدلال منها على مقبولية الفرضية أم لا، والباحث يحاول في اختباره للفرضية استنطاق الواقع ومقابلة الفرضية بالواقع، ويجدر بالذكر أن الفرضية البحثية ضرورية حتى نستطيع معرفة المعلومات التي نريد جمعها وكيفية تنظيمها وتحليلها.
ويتطلب تطبيق الإجراءات والقيام بالأعمال التي تتضمنها الفرضيات تصميم خطة إجرائية تشتمل على ما يأتي:
- تحديد الطرائق التي ستتبع في تطبيق الإجراءات مثل: التجريب، المقابلة، دراسة الحالة، العمل في مجموعات، العمل الميداني.
- تحديد المصادر البشرية التي يمكن الاستعانة بها لتنفيذ البحث مثل باحثين مشاركين، أو مدير المدرسة، أو أساتذة زملاء، أو من المجتمع المحلي، وكذلك تحديد المصادر المادية مثل الأدوات المناسبة واللازمة لجمع البيانات مثل :السجلات، الإحصاءات، الاختبارات، المواد التعليمية.
- تحديد الصعوبات التي يتوقع أن تعترض تنفيذ الإجراءات وكذلك تحديد البدائل التي يمكن اللجوء إليها للتغلب على الصعوبات وتذليلها .
- جدول زمني يبين مراحل التخطيط والإعداد لتنفيذ الخطة الإجرائية والمدة المخصصة للإجراءات ولجمع المعلومات، ويقرر الباحث المدة اللازمة حسب طبيعة المشكلة وحجمها وحجم الإجراءات المقترحة وتوفير التسهيلات اللازمة.
4-6- استئناف دورة البحث
الانطلاق من النتائج المتوصل إليها والمشكلات الجديدة التي تم رصدها من أجل استئناف دورة بحث تدخلي جديد. لذلك، فمهما كانت نقطة الانطلاق بسيطة وتفصيلية، فإن المهم هو الشروع في سيرورة التدخل وتطوير الواقع، من خلال التبصر الفردي والتداول الجماعي المتواتر في الأعمال المنجَزة والمعارف المحصلة حولها، واستشراف آفاق العمل لمعالجة الاختلالات والبناء على النجاحات.
خلاصة :
عموما، يتضح أن البحث التربوي التدخلي، هو بمثابة مشروع تكويني ذاتي مستمر وتطويري، يجعل من الممارس التربوي مواكبا للتطور المعرفي الحاصل في حقله المهني، كما يمكنه من القدرة على معالجة المشكلات التربوية الواقعية التي تعترضه في محيطه التربوي، بالاستناد إلى الوسائل المتاحة له، وبعيدا عن الوصفات الجاهزة التي تقدمها له البحوث الأساسية، التي لا تملك الخبرة الميدانية الكافية من أجل اقتراح قرارات لمعالجة مشكلة تربوية محددة في الزمان والمكان، وتحيط بها ظروف تختلف كليا عن الظروف التي تحيط بمشكلة مثلها.
قائمة المراجع:
- أطر المختبر الجهوي للبحث التربوي (2014) إضاءات حول البحث التربوي التدخلي، مجلة البيداغوجي، العدد1، الرباط.
- الدريج محمد: )2007 (البحث الإجرائي تحسين للممارسات التربوية للمعلمين، مجلة رسالة التربية، العدد16، سلطنة عمان.
- دليل البحث التدخلي في التربية، ترجمة إلى العربية، الوحدة المركزية للبحث التربوي، الرباط، مارس 2014.
- كاي جريوفري أرزيان، البحث التربوي: كفايات للتحليل والتطبيقات.
- المجزوءة المستعرضة لدعم التكوين من أجل تعليم فعال، 4 البحث الإجرائي، الوحدة المركزية لتكوين الأطر، الرباط، 2012.
- Corey, S. M. (1949). Action research to improve school practice. New York: Teachers College, Columbia University Bureau of Publication.
- Dolbec, A. et J. Clément (2000). La recherche-action. Dans T. Karsenti et L. Savoie-Zajc (dir.). Introduction à la recherche en éducation. Montréal/Ottawa : editions du CRP.
- M (2007) Action Research is an improvement in the edicational practice of teachers. Journal of Education mission. Issue 16. Sultanat of Oman.
- Lewin (1946). « Action Research and Minority Problems », Journal of Social Issues, Vol. Réédité in Lewin K. (1997), Resolving Social Conflicts & Field Theory in Social /Science, Washington: American Psychological Association.
- The Regional Laboratory for Educational Reseaech Frameworks (2014) Highlights on interventional Educational Research , Al-Badagouji magazine, Issue1 , Rabat.
[1] – دليل البحث التدخلي في التربية، ترجمة إلى العربية، الوحدة المركزية للبحث التربوي، الرباط، مارس 2014، ص4-5.
[2] – Lewin K. (1946). « Action Research and Minority Problems », Journal of Social Issues, Vol. 2, p. 34-46. Réédité in Lewin K. (1997), Resolving Social Conflicts & Field Theory in Social
Science, Washington: American Psychological Association, p. 143-152.
نقلا عن دليل البحث التدخلي في التربية، 2014.
[3] – دليل البحث التدخلي في التربية، ص5.
[4] – نفسه.
[5] –Corey, S. M. (1949). Action research to improve school practice. New York: Teachers College, Columbia University Bureau of Publication.
نقلا عن دليل البحث التدخلي في التربية، 2014، ص 5.
[6] – نفسه.
[7] – دليل البحث التدخلي في التربية، ص5-6.
[8] – نفسه، ص6.
[9] – دليل البحث التدخلي في التربية، ص6.
[10] – نفسه.
[11] – نفسه.
[12] – نفسه.
[13] – نفسه.
[14] – إضاءات حول البحث التربوي التدخلي، انتقاء وإعداد: أطر المختبر الجهوي للبحث التربوي، مجلة البيداغوجي، العدد 1، أكتوبر 2014، ص 23.
[15] – محمد الدريج: البحث الإجرائي تحسين للممارسات التربوية للمعلمين، مجلة رسالة التربية، العدد16، سلطنة عمان، 2007، ص 76 وما بعدها.
[16] – نفسه.
[17] – نفسه.
[18] – نفسه.
[19] – نفسه.
[20] – نفسه.
[21] – نفسه.
[22] – إضاءات حول البحث التربوي التدخلي، انتقاء وإعداد: أطر المختبر الجهوي للبحث التربوي، مجلة البيداغوجي / العدد 1، أكتوبر 2014، ص 23.
[23] – نفسه.
[24] – نفسه.
[25] – إضاءات حول البحث التربوي التدخلي، ص 23.
[26] – Dolbec, A. et J. Clément (2000). La recherche-action. Dans T. Karsenti et L. Savoie-Zajc (dir.). Introduction à la recherche en éducation. Montréal/Ottawa : Éditions du CRP.
نقلا عن دليل البحث التدخلي في التربية، ص8.
[27] – كاي جريوفري أرزيان، البحث التربوي: كفايات للتحليل والتطبيقات، ص 703-702 نقلا عن المجزوءة المستعرضة لدعم التكوين، 4 البحث الإجرائي ، الوحدة المركزية لتكوين الأطر، الرباط، 2012، ص 41.
[28] – انظر إضاءات حول البحث التربوي التدخلي، ص 25 و المجزوءة المستعرضة لدعم التكوين، 4 البحث الإجرائي، ص 55-56.