الثقافة السويسرية في أدبِ الرحلة التونسية من خلال مؤَلف “البُرْنُس في باريس” (1913)
Swiss culture in the literature of the Tunisian travel through the book «Al Burnos in Paris» (1913)
د. خالد رمضاني/كلية الآداب والعلوم الإنسانية، القيروان، تونس
Dr.Khaled Romdhani/Faculty of Arts and Humanities , Kairouan ,Tunisia
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 81 الصفحة 143.
ملخص:لقد كانت الرحلات العربية خلال القرن التاسع عشر مدخلا للعرب من أجل اكتشاف تطور الغرب وسطوته الاقتصادية والعسكرية والسياسية على العالم. ولقد انسحبت هذه التجربة الرائدة على المصلحين في الايالة التونسية خلال القرن التاسع عشر قبل انتصاب الحماية، الذين صوروا الغرب في مخيلة الناس على أنه عالم التقدم والتطور وأنّ الاقتداء به وسيلة للارتقاء واللحاق بركب الحضارة. وكانت هذه الخطوات نابعة من رغبة في طلب العلم واستلهام التجارب ومحاولة الأخذ بأسباب التطور واكتشاف ثقافة الغرب، كما تواصلت هذه الخطوات بعد بسط الاستعمار سيطرته على البلاد، مثل كتابات “محمد السنوسي” و”محمد بن الخوجة”، وموضوع مقالنا “محمد مقداد الورتتاني” ومؤلفه “البُرْنس في باريس” وهي رحلة إلى فرنسا وسويسرا. سنعمل من خلال هذا المقال على التركيز على “رحالة” تونسي “شرقي” زار سويسرا في زمن سطوة الغرب المطلقة. سنتبين مميزات الثقافة السويسرية، باعتباره موضوعا مستجدا في الرحلات في ذلك الوقت، وحتى وإن تطرق الرحالة قبل الورتتاني إلى سويسرا، فهو من باب تاريخها ونظام حكمها السياسي وقوتها المالية العسكرية.
الكلمات المفتاحيّة: أدب الرحلة، تونس، سويسرا، ثقافة.Abstract:
Arab travels during the nineteenth century were an introduction for the Arabs to discover the development of the West and its economic, military and political domination over the world. This pioneering experience was applied to the reformers in the Tunisian province during the nineteenth century before the erection of protection, who portrayed the West in the people’s imagination as a world of progress and development and that imitating it is a mean to rise and catch up with civilization. These steps stemmed from a desire to seek knowledge, draw inspiration from experiences, and try to introduce the causes of development and discovery of the West’s culture. These steps also continued after colonialism extending its control over the country, such as the writings of «Muhammad al-Senussi» and «Muhammad ibn al-Khouja», and the subject of our article, «Muhammad Miqdad Al-Ouertetani» and his author «Al Burnos in Paris», a trip to France and Switzerland. In this article, we will focus on an «oriental» Tunisian «traveler» who visited Switzerland at the time of the absolute dominance of the Occident. We will see the characteristics of the Swiss culture, as it is an emerging topic in the trips at that time, and even if the traveler before Al-Ouertetani talked about Switzerland, it is in terms of its history, its political system and its military financial strength.
Keywords: travel literature, Tunisia, Switzerland, culture.
مقدمة :إن الانتماء إلى ثقافة المنهزِم والمستعمَر والمغلوب على أمره، جعل كل شيء تابع للحضارة الغربية هو معيار للتطور والتفوق في كل نواحي الحياة، وهو ما جعل المصلحين العرب يعملون على الأخذ بأسباب ومظاهر التقدم. وفي إطار صحوة القرن التاسع عشر والرغبة لدى العرب للخروج من قوقعة الانغلاق والانفتاح على ما جاءت به الحضارة الغربية، لعبت الرحلة دورا رئيسا في محاولات اكتشاف العرب لأوروبا في ثوبها الجديد. وبدأت بذلك مرحلة شهدت فيها الرحلة العربية نشاطا كبيرا خارج ديارها وحدود العالم الإسلامي.
لقد مرت قرون عديدة ضعفت خلالها الدول العربية وتفككت أوصالها وانطفأت شعلة الحضارة العربية الإسلامية ليوقدها شعب آخر في مكان آخر وهو الأوروبي. لهذا فنحن نرى أن ذهنية الرحّالة والمصلحين العرب والمسلمين إبان هذه الفترة، قد تشكلت في إطار الشعور بالهزيمة السياسية والحضارية والتخوف من الصراع مع الغرب والتي تبدو أنها معركة خاسرة للعرب.
إنّ الصراع الذي يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن الرحلة خلال القرن التاسع عشر والعشرين، ناجم عن الاحتكاك بالغرب من ذهنيات وأفكار أثرت في المجتمع الشرقي. كما أن تغير ذهنية الرحّالة العرب يستتبعه صراع داخلي، فمن جهة تمسكهم بهويتهم العربية الإسلامية، ومن جهة أخرى الصدمة الحضارية التي تلقوها عند احتكاكهم بالغرب. فبدر تساؤل محير في ذهن الرحّالة أو المصلح العربي: أي حد كان تمسكه بموروثه القديم سبب تخلفه عن ركب الحضارة؟ لقد عمل على الاقتباس والتأثر بالحضارة الغربية التي مثلت عنوان التقدم والازدهار، إلا أنه خشي أن يكون التطرف في اقتباسها سببا في فقدان الهوية والأصالة. وتمثل هذه المفارقة “صراعا” من خلال الإحساس بالاختلافات الفكرية والثقافية العميقة بين الأنا والآخر بالإضافة إلى الحيرة في المواقف في كل مناحي الحياة، برز في تونس عديد الرحّالة الذين احتكوا بالغرب سواء قبل الاستعمار أو خلاله. وفي سنة 1913، قام محمد المقداد الورتتاني [1]برحلة إلى فرنسا وسويسرا، انطلاقا من مدينة القيروان ودوّن أحداثها في كتابه “البُرْنس[2]في باريس: رحلة فرنسا وسويسرا 1913“[3]. كان هدف الرحلة استكشافا واستجماما، وقد وجد الرحّالة نفسه مندهشا بالبشر والعمارة والنظام في المدن الأوروبية التي زارها، وربما قد طرح في ذهنه السؤال الذي تكرر طرحه “لماذا تقدم الغرب وتأخر العرب”؟
نسجل توقا من المؤلف طيلة الرحلة إلى التواصل مع أوربا واعيا بتخلف حضارته، بل وصل به الأمر إلى تمن أنّ لو صار البحر المتوسط “كله يبسا أو جعل له نفق تحت الأرض بين إفريقيا وأوربا…لتسريح أمم القارات من ويلاته وأرباب الأسفار من نكباته… وتتعارف الأمم المفرقة ما بينها بحد سيفه…ويرى كل فريق صاحبه عيانا ويتعرف لغته وخلقه وعوائده وتنقشع سبل الوهم من بعض أفكار قوم في احتقار قوم آخرين”[4].
وقد لخص مجالات إعجابه بأووربا في: عمران الأرض وخضرتها وانتشار المعرفة وتعميمها والانكباب على العمل المتواصل وحسن معاملة الغريب وأبدى إعجابه بجنيف ونظافة سويسرا بصفة عامة[5]، ويسجل الورتتاني انتشار الحضارة في كل أنحاء أوربا إذ “لا يخلو بلد من آثار مع مكتب للتعليم ومعبد ديني ومستشفى صحي ومحل للتمثيل ونزل للمسافرين”[6].
ذهب الورتتاني إلى أوروبا، ليستمتع بجمال طبيعتها، وليحكي عن غرائب رحلته، وأيضا فهم المجتمع الغربي والوقوف على أسباب نهضته. وتبدأ الرحلة في تونس من القيروان ثم حلق الوادي. ويتحدد مسارها في أوروبا في دولتين هما فرنسا وسويسرا، وزار فيهما 18 مدينة[7]: منهم ثلاث في سويسرا وهم جنيف Genève وفيفي Vevey ومنترو Montreux. ومن الجدير بالذكر أنّ رحلته إلى سويسرا لم تكن منفصلة عن رحلته إلى فرنسا، فقد قام بزيارة عديد المدن الفرنسية، فبعض المدن السويسرية، ثم عاد إلى فرنسا ومدنها. هل كانت القضايا المثارة في رحلته إلى سويسرا هي نفسها التي تحدث عنها في فرنسا؟ أم أنّ اختلاف المدة الزمنية المقضاة في كل من هذين البلدين جعل لكل رحلة خصوصيتها؟
قد تتطلب الإجابة على هذه الأسئلة دراسة أخرى منفصلة وأخذ عينة من مناطق أخرى على الحدود الفرنسية السويسرية مثلا، فالنهج المقارن سيسمح بتحديد الهوية من ناحية الصور النمطية للطبيعة والمجتمع في كل منطقة، ومن ناحية أخرى تحديد خصوصية كل منهما. لكننا سنكتف في هذا المقال بالتطرق لرحلته إلى سويسرا وما نتج عنها من وصف وانطباع، مثّل، حسب اعتقادنا، مرجعا مهما لرصد تحولات الأفكار في علاقاتها بصيرورة الوعي لفئة تونسية مثقفة متعلمة زمن الاستعمار، رصدت مواضع القوة والضعف في مجتمعها من خلال مقارنته بمجتمعات غربية، كما كانت فرصة للتعريف بطبيعة ومجتمع دولة لا تجمعها بتونس علاقات سياسية أو اقتصادية قوية.
- ما هي الرحلة؟
“أدب الرحلات هو نوع أدبي يقوم على وصف الأديب لما شاهده في رحلاته، من عمران وأحداث وأشخاص وعادات وتقاليد وغيرها”[8]. “أدب الرحلات إذن، هو ما يمكن أن يوصف بأدب الرحلة الواقعية، وهي الرحلة التي يقوم بها رحالة إلى بلد من بلدان العالم، ويدون وصفا له، يسجل فيه مشاهداته وانطباعاته بدرجة من الدقة والصدق وجمال الأسلوب[9].
- أدب الرحلة بين الانطباعي والاثنوغرافي
يجد الرحّالة نفسه في معظم الأحيان بمناسبة أو غير مناسبة مجبرا على الخوض في مسائل مختلفة خاصة فيما يتعلق بأمور الدين والفقه والعلوم والأدب على العموم، ويدفعه كل ذلك إلى البحث والتحقيق، وبالتالي فكل إضافة في الكتابة الرحلية هي في نفس الوقت خدمة لفن الرحلة[10]. وبتعدد أهدافها وأساليبها تكون الرحلة أكثر المدارس تثقيفا للإنسان[11]. وكأي رحلة يتطرق الكاتب إلى المجتمع الذي زاره وأحوال الناس وعاداتهم وتقاليدهم، أي أنّ الملاحظة والوصف وربما الدراسة ستكون أدوات الرحّالة في إخراج مؤلفه للعموم. لقد رأينا أنه من الضروري تعريف بعض المصطلحات حتى نبين للقارئ غايتنا ومنهجنا في هذا البحث، واعتقدنا أنّ التفريق بين الانطباعي والاثنوغرافي في أدب الرحلة ضروري.
رغم الحيز الزمني القصير للرحلة إلى سويسرا وتواضع عدد الصفحات التي تحدث فيها الكاتب عن هذا البلد مقارنة بفرنسا، فإنه قام بمعاينة مباشرة لمجتمع سويسرا مع إبراز أفكاره ومعتقداته وأنشطة أهله، ونظم حياتهم دون إصدار أحكام قطعية بناء على ثقافته وخلفيته الدينية. هنا تبرز نقطة منهجية هامة في الدراسات الإثنوغرافية، وهي عدم الحكم على الأشياء من منظور الباحث العقائدي أو الحضاري وإنما ضرورة وصف الأشياء على ما هي عليه. وبمعنى آخر فالإثنوغرافيا لا تسعى إلى التقويم وإنما تسعى إلى تقديم صورة واقعية وتقريرية للأمور الحياتية لمجتمع ما إبان فترة زمنية معينة[12].
ومع أن الرحلة هي الانتقال من موطن إلى أقطار وبلدان بعيدة، وهي متطلب رئيس للدراسة الإثنوغرافية، إلا أن الإثنوغرافي لا يهتم بالرحلة لذاتها وما ينجم عنها من أحداث ومواقف قدر اهتمامه بوصف المكان الذي قصده والناس الذين تعايش معهم لفترة طالت أم قصرت. ذلك على عكس الرحّالة الذي يعتبر الرحلة الموضوع والهدف ويأتي الوصف للمكان والناس في إطار حكاية الرحلة. أي أنّ أدب الرحلات يصور أساسا اتصال الرحلة بثقافة معينة أو عدة ثقافات، وفي المقابل فإن الإثنوغرافيا تهدف أولا إلى وصف وتحليل الثقافة[13].
ومن جهة أخرى وبينما يقوم الإثنوغرافي برحلته قاصدا مجتمعا بعينه لدراسته دراسة مركزة تستدعي منه الإقامة الدراسية مدة لا تقل عن عام، حتى يتسنى له الوقوف على أنشطة اﻟﻤﺠتمع وطبيعة الحياة اليومية وما يصاحبها من تقاليد وعادات وطقوس على مدار الفصول الأربعة. في المقابل فإن الرحّالة غير ملتزم بالبقاء في مكان معين لمدة محددة وهو غير مقيد أيضا بموضوعات معينة يجمع مادته حولها أو يتبع أساليب مقننة ومتعارفا عليها في الحصول على هذه المادة[14]. وهنا نبين أن رحلة الورتتاني لم تكن دراسة اثنوغرافية، فلم يتوفر شرط المدة الزمنية التي تقدر بسنة، أي أنّ كل ما يصفه أو يسرده ليس نابعا من دراسة بل هو في أغلبه انطباعي، إلا أننا نرى الوصف الجيد والمتكامل للبشر ولغتهم وتقاليدهم وعاداتهم وبيئتهم وطبائعهم. وقد يبدع الورتتاني ملا في وصفه لعادات أهل سويسرا، فنجد بذلك موضوع ومنهج الإثنوغرافيا في ثنايا كتابه حتى وإن لم تكن الدراسة الإثنوغرافية هدفه الأساسي. ومع كل ذلك، وحتى إن اشتمل الخطاب الرحلي على معارف متنوعة دينية وتاريخية وجغرافية وإثنوغرافية وأدبية.. إلا أنّ تداخل الأساليب المختلفة مثل الشعر والرسالة والوصف والسرد، فتظل بذلك الرحلة تجربة شخصية يسجل فيها الكاتب انطباعاته حول الآخر ذي الخلفية الاجتماعية والدينية والحضارية والثقافية المختلفة.
2.1. هاجس الأنا والآخر
من الفوائد التي تقدمها الرحلة للكاتب هي النظرة أو الرؤية الخاصة التي تحملها للآخر، وهي نظرة تقدم مشاهداتها وأفكارها بالصورة التي تجعلها تقدم في الآن نفسه رؤيتها لذاتها، كما أنها توفر معطيات مساعدة على بلورة رؤية الآخرين لبعضهم البعض، حيث يتم تبادل المواقع، في معادلة الأنا والآخر.
وتختلف النظرة للآخر في قوة الدولة العربية الإسلامية عن النظرة إليه زمن ضعفها، لأن في مرحلة القوة والازدهار كان”الآخر” موضوعا للإثارة والمتعة من جهة، ومن جهة ثانية للإصلاح والنقد من منطلق الإسلام الكوني. أما في مرحلة الضعف الإسلامي، فإن “الآخر” صار محطّا للدهشة والانبهار، وتتجلى هذه الدهشة في الصناعة والعمران وإخضاع الطبيعة[15].
اختلفت الرحلة العربية في عصر الحضارة الإسلامية عنها في عصر الحضارة الغربية، ففي الفترة الأولى كان الرحّالة العربي أو المسلم ممثلا لحضارة مزدهرة ومسيطرة، أما فيا لفترة الثانية فقد أضحى الرحّالة جزء من حضارة متدنية ومغلوبة على أمرها. وكان يرتحل راغبا في نيل المراد من ثقافة “الغير” الأوروبي بالذات[16] .وخلال بداية القرن وهي ظرفية رحلة الورتتاني، أصبح الغرب المهيمن أمرا واقعا. نحن نفترض أن هذين الوضعين الحضاريين لهما تأثير ولاشك، وبغض النظر عن درجته وتفاوته من شخص إلى آخر، في تشكيل ذهنية الرحّالة وتوجيهها .فيصبح الحديث عن الأنا منطلقه الحديث عن الغير. وبما أنّ الغيرية منطق إنساني قوامه العلاقة بين الأنا والآخر، من خلال أدوار متبادلة ومتشابكة ومتكاملة ومتعاكسة، ولتحديد الأنا بمختلف أبعاده لابد من الآخر، فهو مرآة ينظر إليه أو من خلالها للبحث وتحقيق ذات الأنا من خلال الغير. لقد شكلت الغيرية مفهوما محوريا في فهم الذات الكاتبة والمتكلمة في النصوص، مما أسهم في تفتح عيون المسلمين وتوسيع مداركهم ومد أفقهم، فصار الآخر لا يقدم بوصفه كافرا، أو خائنا للمواثيق وفق نظرة أحادية تكيل التهم جزافا للآخر[17].
لقد نظر الورتتاني من خلال معاينته لسويسرا، وهو العربي المسلم، إلى نفسه من خلال مرآة الأخر. وقد أبرزت لنا رحلة “البرنس في باريس” أهمية البحث في مجال التاريخ والجغرافية والمجتمع والثقافة[18]، إلى جانب دورها في صياغة ملامح الوعي بالذات وبالآخرين وبجغرافيّات التفاوت، في سياق تطور المجتمعات والحضارات وكأنها كانت مدخل للتعرف على شعوب وحضارات غير استعمارية.
3.1. الرحلات إلى أوروبا: الانفتاح على الحضارات الأخرى
ظلت صورة الغرب منذ حقبة الطهطاوي مزارا ومقصدا للدارسين والأدباء على حد السواء، فمنذ ذلك العصر وحتى اليوم، “لا حضور للعالم، غير الغرب، في الذهن العربي إلا بصورة هامشية”[19]. وقد قال محمد الفاضل بن عاشور: “لقد انتشرت الأفكار المبنية على الاعتراف بسبق المدينة الغربية ووجوب الاعتراف بها…وشاع وسط الداعين إليه ومن حولهم حديث الإعجاب برقي الحياة وسلامة نظم الجماعات والدول في أوروبا”[20].إلا أنّ هذه الصورة الناصعة لأوروبا شهدت تباينا في وجهات النظر نحوها، فهناك من انبهر بمنجزات الغرب إلى حد الدعوة إلى التغريب، أي الأخذ بمظاهر حياة المجتمع الغربي ونقل أفكاره ووسائله التقنية. وفي مقابل هذه الدعوة إلى التجديد والأخذ بكل ما هو عصري، كان هناك أنصار التراث الذين يرفضون كل دخيل وغير مألوف ويتخذون من عراقة الماضي درعا يحميهم من كل إغراءات الحداثة والعصرية[21]. إلا أن البعض حاول أن يتخذ موقفا وسطا بين هذا التضاد الفكري في محاولة توفيقية بين أنصار التراث وأصحاب الدعوة إلى التجديد الدائم والتغبير المستمر[22]. أي كان “صراعا” فكريا وثقافيا، اختلفت مظاهره باختلاف الرحّالة وباختلاف الظروف السياسية والثقافية وكل حسب خلفيته وتكوينه التي أثرت فيه.
لم تكن البلاد التونسية بعيدة عن هذا الصراع، فقد برز بعض المؤلفين أمثال “خير الدين باشا” و”محمد بيرم الخامس”، الذين صوروا الغرب في مخيلة الناس على أنه عالم التقدم والتطور وأنّ الاقتداء به وسيلة للارتقاء واللحاق بركب الحضارة أي أنها كانت “سندا للحركة الإصلاحية”[23]. وكانت هذه الخطوات نابعة من رغبة في طلب العلم واستلهام التجارب ومحاولة الأخذ بأسباب التطور، أي أضحت هذه الرحلات “وعيا بالآخر”[24]. وبما أن موضوع مقالنا حول سويسرا، فسنسرد بعض المعلومات الذي أوردها خير الدين باشا في كتابه أقوم المسالك حول هذا البلد حصرا. ولكن قبل ذلك سنورد اقتباسا يبين غايته في تأليف الكتاب ذا المنحى الإصلاحي فيقول: “وأهم تلك الفوائد عندي التي هي في هذا التأليف مناف قصدي تذكير العلماء الأعلام بما يعينهم على ما يجب اعتباره من حوادث الأيام وإيقاظ الغافلين من رجال السياسة وسائر الخواص والعوام ببيان ما ينبغي أن تكون عليه التصرفات الداخلية والخارجية وذكر ما تتأكد معرفته من أحوال الأمم الإفرنجية خصوصا من لهم بنات مزيد الاختلاط وشديد علقة وارتباط مع ما أولعوا به من صرف الهمم إلى استيعاب سائر الأمم واستسهالهم بذلك بطي مسافات الكرة الذي ألحق شاسعها بالألم”[25].
لقد أورد خير الدين باشا في كتابه أقوم المسالك بعض المعلومات عن دولة سويسرا. وبدأ بذكر تاريخها من زمن سيطرة الرومان قبل الميلاد وحتى وقوعها تحت سيطرة جيوش بونابرت ومن ثم استقلالها، وحدّد موقعها على خطوط الطول والعرض وحدد اتساعها ومساحتها وعدد سكانها. كما وصف طبيعة البلاد والحضور الكبير للجبال والبحيرات والأنهار وأورد احتواءها على العديد من الموارد الطبيعية مثل الحديد والنحاس. وعدّد أهم الأنشطة فيها مثل صناعة الأقمشة والساعات. كما ركّز على تنظيمها السياسي ومكوناته باعتبارها ذات حكم فيدرالي وهي متكونة من كانتونات أي لكل مدينة حكم ذاتي. ولم يغفل قوتها العسكرية من خلال تعداد الجيش المتكون من قوات أساسية وقوات احتياط وذكر ميزانية البلد من مداخيل ومصاريف[26]. كما أنّ كتاب صفوة الاعتبار لمستودع الأمصار والأقطار لكاتبه محمد بيرم الخامس التونسي قد عرّج قليلا في الحديث عن دولة سويسرا وقد ركز على نظامها السياسي[27].
لقد تواصلت الخطوات التي ترى ضرورة الأخذ بأسباب تقدم الغرب حتى بعد سقوط البلاد التونسية في أيدي المستعمر الفرنسي، مثل كتابات “محمد السنوسي” و”محمد بن الخوجة”[28]، وموضوع مقالنا “محمد مقداد الورتتاني” ومؤلَفه “البُرْنس في باريس”. ونبعت هذه الخطوات كلها من تأثر المملكة التونسية بفرنسا، “فالمملكة التونسية أخذت في علوم الحياة واستضاءت الدنيا أمام أبصارهم بكهرباء الاحتكاك بالأمة الفرنساوية”[29]. كما كان للدراسات الاستشراقية دور في تنبيه العرب، ولو بطريقة غير مباشرة، إلى تأخرهم مقارنة بالغرب.
رأينا أنه من الضروري التطرق إلى أمثلة من الرحّالة العرب الذين زامنوا رحلة الورتتاني ولم نجد أفضل من جرجي زيدان. في كتابه الذي ألفه سنة 1912 “رحلة إلى أوروبا” الذي خصصه للحديث عن أوروبا وقد أوضح أهداف رحلته فقال: “قضينا صيف هذا العام في أوربا بين فرنسا وإنكلترا وسويسرا وتنقلنا في أهم مدائنها فزرنا مرسيليا وليون وباريس ولندن وكامبردج ومنشستر وأوكسفورد وجنيف ولوزان وإيفيان. ودرسنا أحوالها وتفقّدنا متاحفها ومكاتبها وآثارها. توخينا النظر على الخصوص فيما يهم قراء العربية من أحوال تلك المدنية التي أخذنا في تقليدها منذ قرن كامل ونحن نتخبط في اختيار ما يلاءم أحوالنا منها”[30].
قسم الكاتب مؤلفه إلى ثلاثة أقسام وفي كل قسم تحدث عن دولة. أطنب الحديث في القسم الأول عن فرنسا وعن نظام حكمها واقتصادها وعمرانها ونهضتها العلمية وآثارها ومتاحفها. ثم كرر نفس الشيء عن إنجلترا. أما البلد الثالث سويسرا، فتحدث عنها بايجاز شديد في صفحة واحدة وركز فيها على الطبيعة وعلى المتاحف والمعارض وتحدث عن تمثال فولتير في جينيف، وذكر لوزان وايفيان[31].
عدّدنا المؤلفين الذين تأثروا بأوروبا في كتبهم، لكن وجب التنويه إلى معطى مهم وهو ضرورة التفريق بين غاية كل هذه المُؤلفات، فصفوة الاعتبار وأقوم المسالك يعتبرا كتابين ذوي برنامج إصلاحي على جميع المستويات، أما كتاب الورتتاني فقد كانا تحصيل حاصل وتوصيفا لواقع أوروبي متقدم، بدت تجلياته تنسحب على جوانب الحياة في البلاد التونسية نتيجة السياسات الفرنسية، وقد بدا الورتتاني راسخا على فكرة التقدم التي أصبحت نسماتها واقعا مفروضا ولم تعد غاية أو أمنية وجب العمل للوصول إليها، كما كان لدى الكتّاب قبل الاستعمار الفرنسي[32].
4.1. غاية الورتتاني من رحلته: “مشاهدة أحوال الممالك”
في مقدمة كتابه استعرض الورتتاني غايته في السفر إلى فرنسا وسويسرا: “وعقدت النية على السفر إلى أروبا أمّ القارات ومعلمة الأمم ومدبرة الممالك ومالكة البحار. وجعلت مقدمة ذلك مملكة فرنسا لما يبلغنا عنها من ملاءمة أخلاق سكانها وغزارة المعارف بها، واستبحار العمران بعواصمها وانتشار الحرية والثروة في أمتها، سيما وهذه الدولة العظيمة والأمة النبيهة هي حامية الحمى ومدبرة القطر ومعلمة أبنائه. فيهم التونسي أن يدرس ويتعرف مملكتها وحضارتها ويسافر إلى وطنها ويستطلع عوائدها ويرى نواياها وآمالها في السير بهذه المملكة في طرق الحضارة والأمن ويشاهد منزلة سكانها الأدبية والمادية من علم ومال، وكل ذلك مما يعود بالفائدة المتعددة في عالم الاجتماع “والإنسان مدني بالطبع”، وقد سهلت لنا أروبا امتطاء البحار والانتفاع بالبخار، والتطلع إلى العلوم والأخبار، والميل إلى مشاهدات نتائج هذا العصر والبحث عن الآثار، سيما والتونسي في فرانسا، وبالأحرى في باريز، محترم وعزيز …ثم مملكة سويسرة لما يقال عن جمال مناظر الجبال والبحيرات بها وأمن قاصدها وراحة بال زائرها، وإنجازا لوعد البعض ممن دعانا لمشاهدة تلك الممالك ممن عرفناه من سكان هاتين المملكتين[33]، وقد قال قبل زيارته لسويسرا: “فقد زادني شوقا على شوق إلى مشاهدة أحوال الممالك وطبائع سكان الأرض وأخلاقهم ومعارفهم، وموازنة حاضرهم بغابرهم وقياس درجة رقيهم وانحطاطهم بالنسبة لغيرهم”[34].
- سويسرا: “الحضارة الصامتة”[35]
- ذكر تاريخ سويسرا:
كأي زائر بسيط أو مهتم بالبلد الذي ينزل فيها، عرّج الورتتاني على تاريخ سويسرا وقدّم لمحة تاريخية بسيطة منذ أن كانت تحت سيطرة الرومان ثم أخذها الفرنسيون ثم الألمان مرورا بالمقاومة التي نظمها الفلاحون[36].
لم يغفل الورتتاني ذكر مشاهير البلاد مثل “فرنسوا بونيفار” François Bonivard[37]الذي تحدث عنه: “كان اسم شيو معروفا هناك من القرن التاسع أما بناؤه الحالي فمن القرن الثالث عشر سجن به بونيفار سنة 1530 ستة أعوام في مقاصد مصلحة بلاده وأطلق. وقد رأيت صورته مقيدا من يديه بسلسلة عظمى مربوطا إلى بعض أعمدة القصر مكشوف الرأس وشعره أشعث وهو واقف بنعله العتيقة، وقد ترك أثر المشي بقدميه على بلاط الساحة المحيطة بتلك السارية مثل الدائرة التي تبقى حفرا في الأرض من سير دابة الطحن، والشمس من كوة القصر رسمت ظله على العمود المربوط به بونيفار وقد اتكأ عليه للاستراحة ورؤية ضوء الشمس التي اشتاقها وحرموه من مشاهدتها فلا يراها إلّا لحظات خفيفة[38].
من ناحية أخرى، عمل الورتتاني في رحلته إلى سويسرا كما فعل في رحلته إلى المدن الفرنسية، استحضار التاريخ الإسلامي وأنها حضارة كان رائدة قديما وأن تقدم الغرب حديثا هو بسبب الاحتكاك بالأمة الإسلامية قبل قرون. وبذلك تأثر الورتتاني بنهج في الكتابة، من مظاهره الإعجاب بالحضارة الغربية دون نقمة تجاهها، لكنه عمل على تخفيف وطأة التفاوت بين “عالمين” مختلفين من خلال ذكر أوجه الشبه بينهما زمن ازدهار الحضارة العربية الإسلامية[39]، ومن خلال التركيز على ما كان للمسلمين من اعتناء بالحرف والفنون والعمران في العديد من مواضع رحلته: “تلقتني السيدة بسيارتها على رصيف فيفي وبعد دخول القرية التي بها من السكان نحو 15 ألفا صعدنا الجبل بالشمال الشرقي إلى منزل إقامتها ببستان “بايل زيو”، وبه قصره الشامخ وبجانبه منزل السيدة مستديرا على شكل صومعة من بناء عربي تحيط به شرفات يسمى “لاتور”، أي الصومعة. وبه طبقات أربع ونوافذ من جميع الجهات، ولما استقريت نظامه، وبرور القرى من كرامه، وشكل هذا التور يشبه منار القصر بسوسة الذي بناه زيادة الله بن الأغلب أول القرن الثالث، وهو أحد أشكال الصوامع العربية والقديم العهد. وكان معروف الاستعمال في الشواطئ لحراستها حسبما يأتي عند ذكر تور بلانش في إيسودان. ثم الشكل المربع كصومعة جامع القيروان ثم كثير الأضلاع، وهذا ظهر في المملكة التونسية من الأندلس والشرق”[40]. وهنا يظهر الورتتاني بطريقة غير مباشرة وكأنه يستحضر التاريخ الإسلامي في وصف الفضاءات والمباني في سويسرا وكأنها فرصة لتمجيد الماضي كنوع من الاعتراف بالإنجاز الحضاري للأمة العربية الإسلامية.
2.2. سويسرا والجاليات الأجنبية
1.2.2. سويسرا وجهة قصرية: مركز لجوء
تعتبر سويسرا دولة عدل ومساواة وفيها حرية التعبير التي أطلق عليها الكاتب مصطلح “حرية القول”، وكانت ملجأ”لأرباب السياسة المضطهدين لحرية القول هناك”[41]، ويبدو أنّ الورتتاني كان على اطلاع أن مدينة جينيف هي “مدينة اللجوء” و”المدينة الدولية”، فالاضطرابات السياسية في أوروبا وتحديدا في إيطاليا خلال القرن التاسع عشر، جعلت من جنيف مركزا للمنفى وقد أطلق عليها أيضا “مستشفى الجرحى السياسيين”[42]، كما ظلت، وحتى بعد الوحدة الايطالية سنة 1860 ملجأ للنقابيين والفوضويين الايطاليين لدرجة أنه في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر كانت جنيف، مع القسطنطينية ومرسيليا والإسكندرية المراكز الأساسية للاجئين الايطاليين، كما أن الهجرة السياسية الروسية موجودة في جنيف منذ ستينيات القرن التاسع عشر. وبفضل استقبالها للعديد من مقرات المنظمات الدولية التي تعنى باللاجئين السياسيين وحقوق الإنسان أضحت جنيف المركز السياسي الأول من حيث اللجوء[43].
2.2.2. سويسرا وجهة طوعية للعديد من الأجناس والأعراق
في كل نص رحلي لا بد من الحديث عن الأجناس والأعراق، ويحيلنا الأمر إلى السجلات الاجتماعية خاصة وأن الهدف من الرحلة هو وصف طبائع الناس وأحوالهم وتقاليدهم. وإلى جانب أنّ مدينة جينيف في نص الورتتاني كانت مقصدا للكثير من اللاجئين حول العالم، فهو يتوقف بنا عند الحضور العربي والأجنبي في هذه المدينة والذي هو حضور طوعي. يجب هنا أن نستحضر أنن بصدد دراسة أحداث دارت سنة 1913، تاريخ زمن الرحلة. وأول ما يلفت الانتباه أنه حضور ملموس لطالبي العلم التونسيين والعرب والأجانب، فيكتب: “سرني التعرف بالتلامذة التونسيين أبناء الوطن وتغربهم لمزاولة علم الطب بقدر ما ساءني عدم وجود تلامذة من أبناء الجنس يأخذون هذا العلم النفيس المفيد لصاحبه والشامل نفعه لكافة أبناء الدنيا. انظر إلى الشبان الذين أخذوا مبادئ عملية في الطب بالمستشفى الصادقي عن الحكيم “برانسفيك” كيف نفعوا في المستشفيات التي أسستها الحكومة ببلدان المملكة التونسية وسدوا فراغا عظيما وقاموا بأعمال مهمة. وجدت إسرائيليا[44] يسمى الكسراوي في وجهة تجارية ببلدان السويس وكنت عرفته قبل في مرسيليا”[45]. “وممن عرفت تلميذا صينيا من شانغاي اسمه أسياسي يحب الحركة دائما ولا يستقر في قيام أو جلوس طويلا، يمثل الجنس الأصفر النشيط الذي لا يهجع إلّا قليلا. ولا ينفك عن العمل ومتى تهذب برز وتقدم سريعا. والحديث عن الجابون وأخبار نهضتهم الفائقة ملأ الصحف والآذان ساريا مع أشعة الشمس من المشرق إلى المغرب”[46].
وبهذا التوسع في وصف مختلف الأعراق والأجناس يتمكن القارئ من معرفة مدى تنوع مادة الرحلة كفعل ونص، كما أنّ التراكم المعرفي يعزز التنوع الثقافي بين البشر، وبين اشتراكهم في رغبتهم في التجمع. إن الكاتب من خلال نصه يظهر لنا كالإثنوغرافي وحتى إن لم تكن غايته دراسة اثنوغرافية.
وبحديثه عن الطلبة والدارسين الأجانب، خصص حيزا لوصف مؤسسات جينيف العلمية من مدارس ومعاهد عليا وجامعات وازدهار ما يسميه بالتعليم الصناعي، إلى جانب التعليم الأدبي والفني والجمالي، بالإضافة إلى ما ترصده الدولة من ميزانيات كبيرة لكل هذه التخصصات. إلا أنه سرعان ما يقرن هذا الوصف بالحضور العربي الإسلامي فيها من خلال استئناسه بآراء بعض المستشرقين: “ففي كل المدارس الأروباوية الكبرى تجد كثيرين من الطلبة المسلمين وهم من فئة المتنورين الذين بواسطتهم تحدث التغييرات الأولى في الإسلام. وهؤلاء الشبان من أهل العالم قد درسوا العلوم الغربية بفروعها نظير خيرة طلبتنا الغربيين. وهم لا يقومون بكل الفرايض المطلوبة من المسلم الحقيقي لأنهم مثلنا في طرائق اللباس والمأكل والمعيشة. وقال: من زمان كان فيه المسلم يعرف أخاه المسلم بألف طريقة مختلفة كأخلاقه وطريقة معيشته ولباسه وأكله، ولكن كل هذه المميزات أخذت تزول بالتدريج بل إن الميزة الوحيدة التي كان بها المسلم يقدر أن يعرف أخاه في الدين سيزيلها التهذيب والتعليم ببقية معروفة من العقيدة الدينية”[47]. فالورتاني هنا، يفسح المجال أمام الأبعاد الدينية والأخلاقية، والبحث عن الخلل وعرضه كسلوك نابع عن سوء الفهم للدين وجسامة حجم الأوضاع المزرية للمسلمين. وبذلك يكون الجانب الديني من الأمور المهمة التي نالت نصيبا من اهتمام الرحّالة، فكونت رصيدا كبيرا من المشاهدات التي تشكلت من خلالها الصورة العامة للآخر، حيث تناول الرحالة هذا الجانب أداء وممارسة وتفاعلا، إيمانا منه بأهمية هذا العامل في زرع نوازع البحث في الماهية الثقافية للآخر.
ما لفت انتباه الورتتاني هو حسن معاملة العاملات الأجانب حتى في استعمال المصطلحات الدالة على مهنهم: “ونساؤهم يجلبن لمنازل الأعيان في سائر الممالك حاضنات ومعينات على القيام بالمنزل. ولا أقول خادمات لأنهم منعوا هاته الكلمة أخيرا “[48].
لقد استعمل الورتتاني في حديثه عن سويسرا وثقافتها لفظ “حرية القول” والعدل والمساواة باعتبارها مفاهيم بدأت تتسلل إلى أدبيات المفكرين والرحّالة الذين عاصروا الحضارة الغربية كما أنّ أدب الرحلة في ذلك الزمن تطرق إلى حرية المرأة باعتبارها مظهرا من مظاهر الحضارة الغربية.
3.2. المرأة في سويسرا
مثل بقية الرحّالة والمصلحين الذين زاروا أوروبا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، شعر الورتتاني بالفرق الكبير بين المرأة الأوروبية والمرأة في المجتمعات العربية الإسلامية في رحلته إلى فرنسا ومدنها. أورد الكاتب في الكثير من المواضع رأيه في المرأة الفرنسية وما كانت تتمتع به من حرية وتحرر، وقد سجل بإعجاب مشاركتها في مختلف مناحي الحياة وفي هذا الإطار نورد ما قاله: “والمرأة في فرانسا هي كل شيء ولها كل شيء، فالجوهر والحرير والزينة، وإن شئت قلت المال للمرأة، والتقدم للمرأة والفؤاد للمرأة، والمنزل للمرأة ونفوذ الكلمة للمرأة، والحرية للمرأة”[49]. إلا أنّ الهاجس الأهم في تقديرنا حول نظرة الرحّالة العرب نحو المرأة الغربية وهو تفوقها نتيجة تعلمها وما ينتج عن ذلك من حسن تعاملها مع عائلتها ومحيطها: “وليس شغل خاطرها إلّا أن يتصل شغل المرأة بسياسة أولادها وتدبير خدمها وتفقد ما يضمه خدرها من أعمالها”[50]. وقد دخل الورتتاني في حوار مع بعض النساء الفرنسيات في مواضيع تعدد الزوجات، وعدم رؤية المرأة قبل الزواج وقضية الحجاب. وسنورد بعض مما ورد في حواره مع امرأة وابنتها في رحلة القطار بين ليون وباريس: “أما ابنتها فكان بحثها عن العوايد وكيف يتزوج المسلم بأربع وغالبا بامرأة لا يعرفها ثم يطلق بعد ذلك متى شاء، وكيف تكون منازل المسلمين عمرة في الليل والنهار بالنسوة المسجونات بقدر ما خلت أدمغتهن من العلوم والآداب، وهل ذلك من الدين؟”. فأجابها الورتتاني ويبدو أنّ خلفيته الاجتماعية والدينية كانت أساس موقفه الذي ظل تقليديا: “فتعدد الزوجات وإن أجازه الشرع لمصالح كثيرة لكنه لا يوجبه على الرجال وقلما تجد رجلا يفكر في زوجة ثانية ما دامت الأولى تفي بالحاجات، والمصالح المرغوبة في الحياة”. كما أجابها على قضية عدم رؤية الزوج لزوجته قبل الزواج: “أما عدم رؤية المرأة قبل الزواج فهي مسألة من مهمات مسايل الاجتماع وشريعتنا السمحة أباحتها وإن حالت أخيرا دونها العادات في الحواضر لأسباب الشرف وحفظ العرض”. وقد تواصل الحديث مع الفتاة بخصوص الحب قبل الزواج، ” ناولتني تلك الفتاة المهذبة كتابا تطالعه وأوقفتني على فصل منه فيما يتعلق بالتنبه قبل الزواج حتى يكون الزوجان على بينة، وهو يتضمن أن الحب ربما جرى بموجب ظواهر الإنسان التي تنخدع لها النفوس حتى تهيم بحبها والثناء عليها ولكن متى ظهرت خفايا البواطن زالت المحبة”[51].
تحاور الكاتب مع النساء ورغم الحجج الكثيرة التي دافع بها عن موقفه إلا أنه كان متفهما لعدم اقتناعهم بطرحه: “كثيرا ما خاضوا معي في شئون الزواج واستطلعوا رأيي عن درجة المرأة عندنا في المعارف وفي الحرية، ويعنون بها خروجها بدون خمار وزواجها بمن تريد وبمن يراها، وعن تعدد الزوجات، والطلاق. وفي الغالب لا يقنعهم الجواب عن بعض هذه الفصول، ولا سيما كون العصمة بيد الزوج يطلق متى شاء، والحكم على المرأة بحجرها بين الجدران مدة الحياة وجمعها مع عدة زوجات. وأكثر الأسئلة عن مثل هذا الموضوع من النساء اللاتي يهمهن هذا الأمر. وقد تقدم لنا فيما بين ليون وباريز ما دار من الحديث في هذا الغرض بالقطار مع بعض عائلات ليون. وربما كان لمن لم يقنعهن الجواب عذر مقبول لأن هذا في عينهن سلبا للحرية التي اعتدنا والفطام صعب. وكذلك دواعي الغيرة من النسوة توجب عليهن النفرة من الضرة، فكأنهن يقلن كيف الحياة مع الحيات في قفص؟”[52].
ورغم التقدير الكبير التي حظيت به النساء الفرنسيات من طرف المؤلف لم تنسحب هذه الحظوة على كلهن، ففي مدينة تولوز خلفت النساء لديه انطباعا سلبيا جدا خاصة على مستوى الشكل: “وشأن المرأة غريب في طولوز، إن نساء طولوز ممتلئات الأجسام لحما وثيابا… ويظهر العرج فيهن كثيرا فتراهن ظالعات ضليعات، ولهن شوارب كالرجال ولحى يختلفن فيها كثرة وقلة”[53].
أما بالعودة إلى ذكر النساء في سويسرا فلم يكن الحيز كبيرا مثلما كان في فرنسا نظرا لضيق الوقت الذي قضاه هناك. فلم يسجل الكاتب أي حوار، بل أورد وصفا وإطراء للمرأة التي استقبلته في منزلها، ويبدو أنه على معرفة مسبقة بها سواء معرفة شخصية أو عن طريق أصدقاء: “ركبت سفينة بقصد النزول في فيفي بالشمال الشرقي من البحيرة إجابة لدعوة السيدة صاحبة المروءة والأيادي البيضاء التي عرف لها التونسيون الإحسان لبني الإنسان، وهي مدام دوكيو”[54].
لم ينتقد الورتتاني “تحرر” المرأة في سويسرا كما فعل عند الحديث عن المرأة في فرنسا، حيث اعتبر أحيانا أن تحررها كان سببا في انتشار “الفسق والفجور”. ويمكن أن يكون تفهمه، اقتناعا منه أنّ إسهام المرأة في الحياة العملية والاجتماعية اقتضى تحررها من تقاليد المجتمع القديم وتغير المقاييس الأخلاقية. وقد نصص في عديد المواضع في حديثه عن المرأة، ضرورة المحافظة على الأخلاق القديمة حرصا على هوية المجتمع، وبالتالي المحافظة على الأساليب الشرقية في معاملة المرأة. ويبدو أن تردد الرحالة العرب ومن بينهم الورتتاني في “تحرير” المرأة الشرقية لم يكن نتيجة للتصادم بين التربية التقليدية والحياة الحديثة فقط، بل كان ناجما عن دفاعهم على نمط الحياة العربي الإسلامي في وجه القيم الأخلاقية الغربية التي غزت الشرق نتيجة الاستعمار[55].
4.2. وصف المعالم في سويسرا:
لقد خصص الورتتاني حيزا لوصف جينيف ومؤسساتها العلمية من مدارس ومكاتب ومتاحف بالإضافة إلى ما ترصده الدولة من ميزانيات كبيرة لكل هذه التخصصات. وكأن الكاتب يقف ليقارن بين الحياة العلمية في سويسرا وفي تونس. على أنّ “الاعتناء بالتعليم والمعارف في الدرجة الأولى من عواصم أروبا. والمناظر الطبيعية من الجبال والأنهر والبحيرات والأشجار والأزهار حدث ولا حرج. لذلك كانت بلاد النزهة الكاملة والعلم المنتشر يقصدها التلميذ المعتني والغريب المتنزه”[56].
وقام بذكر تفاصيل الحياة العلمية في جينيف: “الجانب الجنوبي من المدينة مزاحم للشرق الشمالي من النهر في الرقي حتى تحسب كل قسم من العدوتين مدينة مستقلة. وبداخل القسم الجنوبي بستان الباستيون وغربية بطحاء تكتنفها ثلاثة بناءات عظمى علمية، فمن جهة الشمال دار التاريخ الطبيعي وبه أنواع الحجارة العتيقة والحيوان والطير من البر والبحر، ترى الواحد منها مصبرا تحسبه حيا صابرا ولكنه بلا روح وأغرب ما يراه التونسي بأروبا في ديار التاريخ الطبيعي، أي الحيوان المبلصم وبساتين الحيوانات الغريبة، حيوان الزرافة الغريب الشكل العظيم الهيكل المختلف الشبه بالحيوانات كما قال ابن خلدون. وفي الصدر غربا محلات التعليم، وفي الجنوب قسم المكتبة العمومية وبها مجلدات نحو 200.000 منها خطية نحو 3.000. أفادني بذلك المكلف بها وأطلعني على عدة كتب عربية بالخط الكوفي والمشرقي والمغربي”[57].
إن المتصفح لرحلة الورتتاني ينتبه إلى ما تحتويه من معارف ومعلومات قيمة استقاها وشاهدها في مختلف الأماكن، لاشك أنه سيتوقف عند الأبعاد والمضامين التي تلفها وتصبغها بالجمال أحيانا كالشوارع والبناءات. وذلك باستخدام الوصف والسرد فيقدم صورة متكاملة تشبه النقل للواقع اليومي المشاهد فيها، والتي تجعل من المدن مرتسمة في منظومات فكرية واجتماعية وثقافية كثيرة تؤثر في الأفراد، ما يجعل من النص الرحلي نصا تعليميا وتوثيقيا، يعمل على تقديم صورة جميلة.
5.2. الطبيعة: هوية سويسرا
تمثل الطبيعة وجمالها الفكرة الأولى التي تتبادر إلى ذهن أي شخص عند الحديث عن سويسرا، فالمروج الخضراء والبحيرات والأنهار علامة مميزة، كما تمثل الجبال عنصرا أساسيا في تكوين المشهد الطبيعي وحتى العمراني للكثير من المدن هناك. ولم يغفل الورتتاني هذا الجانب: “والبحيرة النقية التي جاءت المدينة على طرفها الغربي وعند مصدر نهر الرون منها إلى فرانسا، أما مصبه فهو في الطرف الغربي من البحيرة آتيا من إيطاليا. وكامل المدينة وشمال البحيرة للسويس وجنوبها لدولة فرانسا، فلجمالها اجتمعت الدول حواليها ليأخذ كل حظه من التنعم بمحاسنها”[58]. من جانب آخر تعتبر الجبال من علامات جمال سويسرا، وتصور المدن والجبال في الكثير من المناطق أنهما بنيتان متناقضتان ومتضادتان، إلا أنّ في سويسرا فإنهما يكملان بعضهما البعض فلا وجود لفضاء بري وفضاء حضري. حتى أن الكثيرين يعتبرون أن الجبل في سويسرا هو مدينة لشدة التصاقه بالتركيبة العمرانية والحضرية[59].
أطنب الورتتاني في وصف جمال الطبيعة والجبال تحديدا وخاصة في جينيف: “أخذت مدينة جنيف التي بها نحو 150 ألفا من السكان حظا وافرا من جمال الموقع من بين سائر العواصم، فطرف البحيرة والنهر يقسمانها نصفين شماليا وجنوبيا مدت عليهما قناطر سبعة. وأحدقت بها الجبال متدرجة في الارتفاع، فالقريبة منها ترى دهماء بالأشجار والتي من ورائها تظهر شاهقة بيضاء بالثلوج، يتجلى لك ذلك المنظر البديع من القنطرة الشرقية والشارع العظيم الذي جاء شمالها وكلاهما ينسب إلى مون بلان (Mont Blanc) الجبل الأبيض. فكأنما تلك الجبال التي ابيضت مفارقها قامت من وراء سلاسل الجبال الصغرى الفاحمة الرؤوس”. ويبدو أنّ انتباه الكاتب لجمال هذه الجبال كان له خلفية معرفية من خلال اطلاعه على تاريخ الاهتمام بهذه القمم. فقد عرف هذا الجبل دراسات لافتة من قبل العلماء والمستكشفين منذ القرن الثامن عشر، فتلاشت صورة الجبال المعادية وشهد بداية الولع بجبال الألب على وجه الخصوص وهذه القمة على وجه التحديد. نذكر هنا مثلا عالم الطبيعة “هوراس بينيدكت دو سوسير” Horace Bénédict de Saussure(1740-1799) الذي لعب دورا رائدا من خلال تكريس نفسه منذ سن مبكرة لاستكشاف جبال الألب وذلك برغبته الشديدة في الوصول إلى قمة مونت بلان. وفي 03 أوت 1787 قام بالصعود إلى قمة هذه الجبال “الملعونة” و “المعادية غير المضيافة”[60].
وقد أثار اختفاء العالم التقليدي القائم على كل ما هو طبيعي وظهور التصنيع، شعورا بالحنين إلى الماضي والبحث عن الطبيعة البكر. كما اعتبر الشاعر “ألبرخت فون هالر” Albrecht Von Haller مع قصيدته “جبال الألب”Les Alpes (1729)، و “جون جاك روسو”Jean Jacques Rousseau بروايته معLa Nouvelle Héloïse (1761) والعديد من الفنانين الآخرين ملهمين للأجيال اللاحقة. فساهم بذلك الأدباء في بلورة الخيال حول رموز الحياة التقليدية السويسرية مثل الشاليهات والجبال والشلالات[61].
أما على المستوى الفني، فيعتبر الفنان ومتسلق الجبال “مارك تيودور بوريت”Marc Théodore Bourrit من الأوائل الذين قدموا بأمانة مظهر وجمال جبال الألب من خلال نقوشه النحاسية. وبذلك لم تصور مدينة جينيف في عيون الناس بدون حضور قمة مونت بلان، فالجبل كان حاضرا دائما في رسومات الفنانين وفي وصف السياح والزائرين، مما كوّن انطباعا عاما لم يمح، وهو تشكل جينيف ومونت بلان في نفس الوقت وفي نفس المكان حتى صار مصير المدينة مرتبطا بمصير الجبل[62]. وأصبح اقتران الجبل بالمدينة يمثل الهوية المحلية، وساهم في الترويج السياحي.
من خلال وصفه لمنطقة جينيف وما جاورها، يعطي الورتتاني هوية للمنطقة من خلال وصف الأنهار والبحيرات والجبال الشاهقة التي تعلوها الثلوج ويمكن أن نضع هذا الاقتباس: “وتلك الجبال التي طعنت في السن وشابت رؤوسها هي مطمح أنظار المسافرين”[63].
وبذلك يكون تمثّل هوية المدينة التي تقع في سفح الجبال من خلال وصف الورتتاني لجينيف تحديدا، فرصة للتأكيد على أهمية الصورة السابقة التي صورها الدارسون السويسريون والأوروبيون مع بعض الفروق الدقيقة التي ربما ترتبط بالفصل أو الظروف المناخية، فيساهم كل هذا في تعزيز هذا التصور الشائع والصور النمطية التي تكون معايير الهوية الأساسية المتمثلة في الطبيعة الساحرة، فبين الكاتب بذلك مظاهر الفن ذلك أن المدينة في تشكلاتها وتمثلاتها العمرانية عنده تبدو خاضعة لأبعاد جمالية وذوق فنان واع بفعله، ونحن ندين لمحمد المقداد الورتتاني الذي نقل لنا صورة عن مدينة سويسرية لم تكن معروفة لدى أغلب التونسيين.
خاتمة :
مثلت رحلة الورتتاني إلى سويسرا رحلة وصفية بامتياز، من خلال التركيز على ثقافة هذا البلد الأوروبي التي لا تجمعه بالبلاد التونسية علاقة اقتصادية أو تجارية كبيرة. فمن وراء صورة سويسرا كما وصفها الورتتاني نستشف صورة تونس وكيف يمكن أن تتغير، فلقد سجل قلمه انبهارا بكثير من معالم الحضارة الغربية المهيمنة على العالم والتي تعتبر المرآة العاكسة.
ما يلاحظ في الرحلة إلى سويسرا، أنها مختلفة عن الرحلة إلى فرنسا نظرا للمدة الزمنية التي قضاها هناك والتي لم تتعد يومين أو ثلاثة. فخلال الزيارة إلى فرنسا انبثقت الحاجة إلى كشف الغير والحكم على تقاليده وعاداته دائما، بمقارنتها بثقافة الذات وأحيانا حتى تفضيل الثقافة المحلية على الثقافة الغربية، وقد طغى أيضا “الصراع” الحضاري بين الشرق والغرب من خلال رحلة الورتتاني. أما في رحلته إلى سويسرا فلم نر صدى لهذه الخلفية، ويبدو أنه معطى موضوعي حيث أنّ سويسرا لم تكن دولة استعمارية ولم تتوسع على حساب البلاد التونسية.
ولم نر في رحلة الورتتاني إلى سويسرا التركيز على القضايا التي تحدث عنها في رحلته إلى فرنسا مثل الحاكم ونظام الحكم أو الشريعة والقانون والتطور الاقتصادي والعمل والعدالة الاجتماعية بالإضافة إلى قضية المرأة ومختلف أوجه الثقافة الغربية مثل الفنون الجميلة والمسرح والأدب.
خلال رحلته إلى سويسرا، عبر الورتتاني عن مشاعره أمام جمال الطبيعة هناك. ولقد توفرت للكاتب حرية دمج أنواع مختلفة من الكلام من خلال الجمع بين العلم والسرد الشخصي والعاطفة الفنية والشعر. وقد تمّ استحضار جمال الطبيعة وذكر تاريخ سويسرا وسياستها والحياة الاجتماعية والعلمية فيها، وتم تصوير الحياة من جوانب عديدة من خلال قصة حية عاشها الكاتب، فتحولت رحلة الورتتاني إلى مرجع مهم حول سويسرا. وقد شكلت رحلته الوسيلة الأمثل لتحقيق أواصر التعارف بين الأنا والآخر، والبعـد عـن النفور باكتشاف ما خفي من فكر الآخر وثقافته ومعرفة مواطن الغموض في الصـورة المـأخوذة مسبقا عن طريق المعاينة والوقوف عند أبرز ما يمثله ذلك الآخر.
كانت هذه الرحلة نموذجا للمشرقي الذي يتوق إلى ركب الحضارة الغربية من النواحي الاقتصادية والعلمية. ولعل مسك الختام أن يكون تعليق محمد الفاضل بن عاشور على هذا الكتاب النفيس، إذ اعتبره “مظهرا جليلا لسمو فن التحرير في تسجيل الرحلات الفردية الخاصة في أوربا…وأكمل صورة قلمية لنظر العربي الناهض إلى أوربا لوصف المسالك والمشاهد والتأثرات النفسية والمناظر الطبيعية والحياة الاجتماعية، مع إثارة المقارنات التفصيلية بين الماضي الإسلامي والحاضر الأوربي في كل ناحية من نواحي الحضارة… ولو لا ما شحنت به من الاستطرادات البعيدة لذكر أمور شؤون الحياة العادية بتونس لكان مثالا كاملا لفن الرحلة، على أن هذا لم ينزل بهذا الكتاب عن كونه أرقى مثال وأمثل صورة في كل ما كتب من الرحلات التونسية”[64].
قائمة المصادر والمراجع:
- إميلي عقوب: سيام حركة، ميشيخاني، قاموس المصطلحات اللغوية والأدبية، عربي- إنجليزي- فرنسي، ط1، دار العلم للملايين، بيروت، 1997.
- إنجيل بطرس، “الرحلات في الأدب الإنجليزي”، مجلة الهلال، ع7، السنة 83، يوليو، 1975.
- جرجي زيدان، رحلة إلى أوروبا، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 45 عمارات الفتح، حي السفارات، مدينة نصر 11471، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 2012.
- جميلة روباش، أدب الرحلة في المغرب العربي، رسالة لنيل شهادة دكتوراه العلوم في الأدب الجزائري القديم، اشراف إمحمد لخضر فورار، جامعة محمد خيضر بسكرة، السنة الجامعية 2014-2015.
- حسين محمد فهيم، أدب الرحلات، عالم المعرفة، العدد 138، سنة 1990.
- محمد بيرم الخامس التونسي، صفوة الاعتبار لمستودع الأمصار والأقطار، دار صادر بيروت، 1309 ه.
- خير الدين التونسي، أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، تقديم محمد الحداد، دار الكتاب المصري، القاهرة، 2012.
- خالد رمضاني ، الاستشراق معكوسا وتمثّل الآثار الأوروبيّة في أدب الرحلة التونسية: رحلة “البُرْنس في باريس” لمحمد المقداد الورتتاني أنموذجا، مجلة دراسات استشراقية، نسخة الكترونية، العدد 27، 2021.
- ستيفن كونرمان، “من الاستشراق إلى العلوم الاجتماعية”، ترجمة: محمد أحمد السيد، الثقافة العالمية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مارس- أفريل 2016، العدد 182.
- سعيد بن سعيد العلوي، أوروبا في مرآة الرحلة، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، 1995.
- سميرة أنساعد، الرحلة إلى المشرق في الأدب الجزائري، دراسة في النشأة والتطور والبنية، دارالهدى، عين مليلة، الجزائر، 2009.
- سيد أحمد النساج، مشوار كتب الرحلة قديما وحديثا، مكتبة غريب للطباعة، القاهرة.
- الطاهر لبيب، تقديم لكتاب: صورة الآخر العربي ناظرا ومنظورا إليه، تحرير: الطاهر لبيب، مركز دراسات الوحدة العربيّة/ الجمعيّة العربيّة لعلم الاجتماع، بيروت، الطبعة الثانية، 2008، ص ص 19-41.
- عبد الجليل حليم، “الفلاّحون المغاربة في الإثنولوجيا الكولونياليّة: بين الجمود وقابليّة التحسّن”، ضمن: صورة الآخر العربي ناظرا ومنظورا إليه، تحرير: الطاهر لبيب، مركز دراسات الوحدة العربيّة/ الجمعيّة العربيّة لعلم الاجتماع، بيروت، الطبعة الثانية، 2008.
- عبد الرحمن فهمي، رحلات السندباد، دار الشروق، القاهرة، 1971
- فؤاد زكريا، “المراهقة الثقافية”، مجلة العربي، الكويت، عدد فيفري،
- محمد الفاضل بن عاشور، الحركة الأدبية في تونس، الدار التونسية للنشر، 1972.
- محمد المقداد الورتتاني، البُرْنس في باريس: رحلة فرنسا وسويسرا 1913، حررها وقدم لها سعيد الفاضلي، دار السويدي للنشر والتوزيع أبو ظبي، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، 2004.
- محمد بن الأصفر، أدب الرحلات في القرن التاسع عشر: سند للحركة الاصلاحية العربية، دار الإتحاف للنشر، دار سنابل للنشر والتوزيع، 2006.
- محمود لواساني، سويسرا الحضارة الصامتة، مؤسسة دار الريحاني للطباعة والنشر، المكتبة العربية للنشر والتوزيع، 1991.
- منذر كيلاني، اختلاق الآخر: في طبيعة الخطاب الأنثروبولوجي، ترجمة: نور الدين العلوي، المركز الوطني للترجمة: دار سيناترا، تونس، 2015.
- نازك سابا يارد، الرحالون العرب وحضارة الغرب في النهضة العربية الحديثة، دار نوفل، الطبعة الثالثة، مصححة ومنقحة، 1992.
-
«Regards sur la Suisse : Voyage du XVIème au XXème siècle», exposition bibliothèque Grand-rue, Du 27 juin au 3 octobre 2015, Dépôt légal 2ème trimestre 2015, sous le numéro LP Per : 5042, Directeur de la publication : MAIRIE DE MULHOUSE.
- Camisa Carlo, « Genève italienne. La « cité de refuge » de l’Unité à la veille de la première Guerre mondiale ». In:L’émigration politique en Europe aux XIXe et XXe siècles. Actes du colloque de Rome (3-5 mars 1988) Rome : ÉcoleFrançaise de Rome, 1991. (Publications de l’École française de Rome, 146);https://www.persee.fr/doc/efr_0000-0000_1991_act_146_1_4146.
-
Debarbieux Bernard, « Figures combinées de la ville et de la montagne. Réflexion sur les catégories de la connaissancegéographique », In: Revue de géographie alpine, tome 87, n°1, 1999. pp. 33-49; https://www.persee.fr/doc/rga_0035-1121_1999_num_87_1_2917
- Dubbini Renzo, « La montagne comme modèle esthétique entre le XVIIIe et le XIXe siècle », In: Revue degéographie alpine,tome 87, n°1, 1999. pp. 61-69; https://www.persee.fr/doc/rga_0035-1121_1999_num_87_1_2919
- Fornara Livio, «Genève et le Mont-Blanc – La pérennité d’un couple en vue». In: Revue de géographiealpine, tome 87, n°1, 1999.https://www.persee.fr/doc/rga_0035-1121_1999_num_87_1_2920
-
Guyot Alain, « La ville dans la montagne, la montagne comme une ville : analogies architecturales et urbaines dans lareprésentation des Alpes chez les écrivains voyageurs aux XVIIIe et XIXe siècles », In: Revue de géographie alpine, tome 87,n°1, 1999. pp. 51-60; https://www.persee.fr/doc/rga_0035-1121_1999_num_87_1_2918
- Mévillot E « Une image identitaire alpine à travers les récits de voyages, XVIIIe-XIXe siècles. L’exemple du Valais (Suisse)», In: Revue de géographie alpine, tome 83, n°1, 1995.;https://www.persee.fr/doc/rga_0035-1121_1995_num_83_1_3791.
27. Fiorenza Gamba,Sandro Cattacin, « Urbans rituals as spaces of memory and belonging: A Geneva case study», City, Culture and Society,Volume 24, Institut de Recherches Sociologiques, Université de Genève, Switzerland, 2021. https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S1877916621000151
[1]– ولد محمد المقداد بن نصر بن عمّار الورتتاني سنة 1875 وتوفي سنة 1950 في منازل ورتتان القبيلة البربرية المتعربة بجنوبي الكاف قرب مدينة أبّة وهو كاتب وشاعر ومؤرّخ. وقد اشتغل في عديد المناصب في العاصمة تونس أو في الجهات. ويعتبر الورتتاني أول من أرّخ لتاريخ الطريقة الصوفية “الشابية” في القيروان والتي استلهم منها المراقب المدني في المدينة “شارل مونشيكور” Charles Manchicourt مادة دراسته “القيروان والشابية (1450- 1592)”. وله عدة مؤلفات أخرى منها “المفيد السنوي” و “النفحة الندية في الرحلة الأحمدية”.
[2]– لقد استعمل الكاتب لفظ البُرْنس في عنوان كتابه لأنه لباس مشهور في البلد وقد برر ذلك في فصل اللباس “لما كان هو الوحيد شهرة في المملكة عنونت به كتاب الرحلة ليعلم بمجرد سماع الإسم مرجع جنسية ووطن صاحب الرحلة”، ص 309.
[3]– محمد المقداد الورتتاني، البُرْنس في باريس: رحلة فرنسا وسويسرا 1913، حررها وقدم لها سعيد الفاضلي، دار السويدي للنشر والتوزيع أبو ظبي، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، 2004.
[4]– نفس المصدر، ص 60-61.
[5]– محقق كتاب البرنس في باريس، ص 23.
[6]– محمد المقداد الورتتاني، البُرْنس في باريس، ص 176.
[7]– محقق كتاب البرنس في باريس، ص 34
[8]– إميلي عقوب: سيام حركة، ميشيخاني، قاموس المصطلحات اللغوية والأدبية، عربي- إنجليزي- فرنسي، ط1، دار العلم للملايين، بيروت، 1997، ص25.
[9]– إنجيل بطرس، “الرحلات في الأدب الإنجليزي”، مجلة الهلال، ع7، السنة 83، يوليو، 1975، ص52.
[10]– سميرة أنساعد، الرحلة إلى المشرق في الأدب الجزائري، دراسة في النشأة والتطور والبنية، دار الهدى، عين مليلة، الجزائر، 2009، ص 39.
[11]– سيد أحمد النساج، مشوار كتب الرحلة قديما وحديثا، مكتبة غريب للطباعة، القاهرة، ص 8.
[12]– حسين محمد فهيم، أدب الرحلات، عالم المعرفة، العدد 138، سنة 1990، ص 63.
[13]– نفس المرجع، ص 63.
[14]– نفس المرجع، ص 63.
[15]– جميلة روباش، أدب الرحلة في المغرب العربي، رسالة لنيل شهادة دكتوراه العلوم في الأدب الجزائري القديم، إشراف إمحمد لخضر فورار، جامعة محمد خيضر بسكرة، السنة الجامعية 2014-2015 ، ص 281.
[16]– حسين محمد فهيم، أدب الرحلات، عالم المعرفة، العدد 138، سنة 1990، ص 63.
[17]– جميلة روباش، أدب الرحلة في المغرب العربي، مرجع سابق، ص 282.
[18]– خالد رمضاني ، الاستشراق معكوسا وتمثّل الآثار الأوروبيّة في أدب الرحلة التونسية: رحلة “البُرْنس في باريس” لمحمد المقداد الورتتاني أنموذجا، مجلة دراسات استشراقية، نسخة الكترونية، العدد 27، 2021.
[19]– عبد الرحمن فهمي، رحلات السندباد، دار الشروق، القاهرة، 1971.
[20]– محمد الفاضل بن عاشور، الحركة الأدبية في تونس، الدار التونسية للنشر، 1972، ص 33-34.
[21]– فؤاد زكريا، “المراهقة الثقافية”، مجلة العربي، الكويت، عدد فيفري، 1988، ص 19.
[22]– نفس المرجع، ص 19 .
[23]– أنظر: محمد بن الأصفر، أدب الرحلات في القرن التاسع عشر: سند للحركة الاصلاحية العربية، دار الاتحاف للنشر، دار سنابل للنشر والتوزيع، 2006.
[24]– للتوسع في مسألة اختلاق الاستشراق لصورة الآخر الغريب أو الآخر المختلف أنظر:
الطاهر لبيب، تقديم لكتاب: صورة الآخر العربي ناظرا ومنظورا إليه، تحرير: الطاهر لبيب، مركز دراسات الوحدة العربيّة/ الجمعيّة العربيّة لعلم الاجتماع، بيروت، الطبعة الثانية، 2008، ص ص 19-41.
-عبد الجليل حليم، “الفلاّحون المغاربة في الإثنولوجيا الكولونياليّة: بين الجمود وقابليّة التحسّن”، ضمن: صورة الآخر العربي ناظرا ومنظورا إليه، تحرير: الطاهر لبيب، مركز دراسات الوحدة العربيّة/ الجمعيّة العربيّة لعلم الاجتماع، بيروت، الطبعة الثانية، 2008، ص ص449-462.
-ستيفن كونرمان، “من الاستشراق إلى العلوم الاجتماعية”، ترجمة: محمد أحمد السيد، الثقافة العالمية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مارس- أفريل 2016، العدد 182، ص ص128-143.
-منذر كيلاني، اختلاق الآخر: في طبيعة الخطاب الأنثروبولوجي، ترجمة: نور الدين العلوي، المركز الوطني للترجمة: دار سيناترا، تونس، 2015.
[25]– خير الدين التونسي، أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، تقديم محمد الحداد، دار الكتاب المصري، القاهرة، 2012، ص 06.
[26]– للمزيد من المعلومات حول سويسرا أنظر:
خير الدين التونسي، أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، تقديم محمد الحداد، دار الكتاب المصري، القاهرة، 2012.
[27]– محمد بيرم الخامس التونسي، صفوة الاعتبار لمستودع الأمصار والأقطار، دار صادر بيروت، 1309 ه، ص 48.
[28]-يذكر الورتتاني فضل محمد بن الخوجة الذي سرد رحلة الرئيس الفرنسي فاليار الذي زار المملكة التونسية سنة1911 .
وقد وثق لها في كتاب “الرحلة الفليارية” وكذلك وثق لرحلة الناصر باي إلى فرنسا سنة 1912في كتاب “الرحلة الناصرية”: “وقد تكفل قلم الكاتب البليغ والمؤرخ الخبير سيدي محمد بن الخوجة ببسط القول على تلك الرحلات بما جلى في كتاباته وتحاريره على كل سابق وسن الطريق في أساليب التآليف لكل لاحق”، ص 84.
[29]– محمد المقداد الورتتاني، البُرْنس في باريس: رحلة فرنسا وسويسرا 1913، حررها وقدم لها سعيد الفاضلي، دار السويدي للنشر والتوزيع أبو ظبي، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، 2004، ص 171.
[30]– جرجي زيدان، رحلة إلى أوروبا، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 45 عمارات الفتح،حي السفارات، مدينة نصر 11471، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 2012، ص 08.
[31]– نفس المصدر، ص 123.
[32]– خالد رمضاني، الاستشراق معكوسا وتمثّل الآثار الأوروبيّة في أدب الرحلة التونسية: رحلة “البُرْنس في باريس” لمحمد المقداد الورتتاني أنموذجا، مجلة دراسات استشراقية، نسخة الكترونية، العدد 27، 2021.
[33]– محمد المقداد الورتتاني، البُرْنس في باريس، ص 17.
[34]– نفس المصدر، ص 37.
[35]– استعملنا هذا المصطلح استئناسا بعنوان مؤلف محمود لواساني، سويسرا الحضارة الصامتة، مؤسسة دار الريحاني للطباعة والنشر، المكتبة العربية للنشر والتوزيع، 1991.
[36]– نفس المصدر، ص 150.
[37]– فرانسوا بونيفار (1493-1570)، هو رجل سياسة ومؤرخ من جينيف تم سجنه في قصر شيلون château de Chillon أثناء الحرب استقلال جينيف خلال النصف الأول من القرن السادس عشر أي فترة “الاصلاح البروتستانتي”.
[38]– نفس المصدر، ص 158.
[39]– سعيد بن سعيد العلوي، أوروبا في مرآة الرحلة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1995، ص 9.
[40]– محمد المقداد الورتتاني، البُرْنس في باريس، ص 157.
[41]– نفس المصدر، ص 149.
[42]– أنظر:
–Fiorenza Gamba,Sandro Cattacin, « Urbans rituals as spaces of memory and belonging: A Geneva case study», City, Culture and Society,Volume 24, Institut de Recherches Sociologiques, Université de Genève, Switzerland, 2021.
-Camisa Carlo, « Genève italienne. La « cité de refuge » de l’Unité à la veille de la première Guerre mondiale ». In:L’émigration politique en Europe aux XIXe et XXe siècles. Actes du colloque de Rome (3-5 mars 1988) Rome : ÉcoleFrançaise de Rome, 1991. pp. 327-344. (Publications de l’École française de Rome, 146); https://www.persee.fr/doc/efr_0000-0000_1991_act_146_1_4146 p 327.
[43]– نفس المرجع، ص 329.
[44]– كانت كلمة “اسرائيلي” تعني في تلك الفترة يهودي.
[45]– محمد المقداد الورتتاني، البُرْنس في باريس، ص 153.
[46]– نفس المصدر.
[47]– نفس المصدر.
[48]– نفس المصدر، ص 150.
[49]– نفس المصدر، ص 199.
[50]– نفس المصدر، ص 171.
[51]– نفس المصدر، ص 170-171.
[52]– نفس المصدر، ص 323.
[53]– نفس المصدر، ص 236.
[54]– نفس المصدر، ص 157.
[55]– نازك سابا يارد، الرحالون العرب وحضارة الغرب في النهضة العربية الحديثة، دار نوفل، الطبعة الثالثة، مصححة ومنقحة، 1992، ص 221.
[56]– نفس المصدر، ص 155.
[57]– نفس المصدر، ص 154.
[58]– نفس المصدر، ص 150
[59]– أنظر:
– Guyot Alain, « La ville dans la montagne, la montagne comme une ville : analogies architecturales et urbaines dans la représentation des Alpes chez les écrivains voyageurs aux XVIIIe et XIXe siècles », In: Revue de géographie alpine, tome 87,n°1, 1999. pp. 51-60; https://www.persee.fr/doc/rga_0035-1121_1999_num_87_1_2918
-Debarbieux Bernard, « Figures combinées de la ville et de la montagne. Réflexion sur les catégories de la connaissance géographique », In: Revue de géographie alpine, tome 87, n°1, 1999. pp. 33-49; https://www.persee.fr/doc/rga_0035-1121_1999_num_87_1_2917
-Dubbini Renzo, « La montagne comme modèle esthétique entre le XVIIIe et le XIXe siècle », In: Revue de géographie alpine, tome 87, n°1, 1999. pp. 61-69;
https://www.persee.fr/doc/rga_0035-1121_1999_num_87_1_2919.
[60]-«Regards sur la Suisse : Voyage du XVIème au XXème siècle», exposition bibliothèque Grand-rue, Du 27 juin au 3 octobre 2015, Dépôt légal 2ème trimestre 2015, sous le numéro LP Per : 5042, Directeur de la publication : MAIRIE DE MULHOUSE, p 06.
[61]– Mévillot E « Une image identitaire alpine à travers les récits de voyages, XVIIIe-XIXe siècles. L’exemple du Valais (Suisse)», In: Revue de géographie alpine, tome 83, n°1, 1995. pp. 67-87;https://www.persee.fr/doc/rga_0035-1121_1995_num_83_1_3791 p 69.
[62]– Fornara Livio, «Genève et le Mont-Blanc – La pérennité d’un couple en vue». In: Revue de géographie alpine, tome 87, n°1, 1999.pp. 71-80
https://www.persee.fr/doc/rga_0035-1121_1999_num_87_1_2920p 75.
[63]– محمد المقداد الورتتاني، البُرْنس في باريس، ص 152.
[64]– محمد الفاضل بن عاشور، الحركة الأدبية في تونس، الدار التونسية للنشر، 1972، ص 124.