الإجراءات الجنائية عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأثرها في الفقه الإسلامي
Criminal procedures of Omar bin Al-Khattab and its impact on (Islamic fiqh)
د. محمد راشد العمر أستاذ مساعد في جامعة حران، كلية الإلهيان
Dr. Mohammed Rashed Alomar, Harran University Faculty of Theology
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات المقارنة العدد 12 الصفحة 43.
Abstract:
This research aims to take the jurisprudence of Omar bin Al-Khattab and to define the criminal procedures, then to Determine the development of rules and the collection of evidence and how to treat the accused from the occurrence of the crime until the trial.
It was found that Omar was a brilliant jurist in (the Islamic Fiqh), and he placed the qualities and meals of these rulings and he explain who should take over the judiciary.
In his (fiqh) he focused on justice, good judgment and moderation. He called for the necessity of looking after the rights of the accused. Also, he called for compensation of the accused materially and morally upon the issuance of the acquittal. He indicated that the punishment will not take place until the judge returns to the evidence
he also put an important rule for knowing the status of witnesses, and punishing them if they were fraudulent. In the case of (zina)It also depended on the woman admitting that she had committed adultery and that she was pregnant. And the false claim is false to him, and evidence must be acknowledged until guilt is proven.
It was influenced by the jurisprudence of many scholars of Islamic schools of thought
key words: Omar, judiciary, Justice, criminal procedures, evidences, Islamic Fiqh.
الملخص:
يهدف البحث إلى بيان فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعرفته بالإجراءات الجنائية، والتي تعنى بوضع القواعد وجمع الأدلة ومعاملة المتهم منذ وقوع الجريمة حتى المحاكمة، وقد تبين من خلال البحث أن عمر بن الخطاب لمعرفته في القضاء وعدالته وفراسته وكونه خليفة للمؤمنين، قد قرر كثيراً من هذه الإجراءات؛ فوضع صفات وواجبات من يلي هذه الأمور، وركز فيها على العدالة وحسن التأني والاعتدال، وأقر الخبرة الجنائية، ودعا لرعاية حقوق المتهم من ضرورة عدم اعتبار الاعتراف الصادر عن الإكراه، وتعويض المتهم في حال ظهور براءته مادياً ومعنوياً، وأقر قاعدة مشروعية الدليل الجنائي، ودرء الحد بالشبهة، وأن لا تقام عقوبة القتل إلا بعد الرجوع إليه، ووضع قواعد مهمة لمعرفة حال الشهود، ومعاقبتهم حال التزوير، واعتماده الإثبات بالشهادة والإقرار والحبل في الزنا، وكذلك اعتباره التعريض بالقذف قذفاً، وإقراره للقرائن المادية في الإثبات، ولقد تأثر بفقهه علماء مختلف المذاهب في اجتهاداتهم في هذه القضايا والأحكام.
الكلمات المفتاحية: عمر، العدالة، القضاء، الإجراءات الجنائية، وسائل الإثبات، الفقه الإسلامي.
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وجميع الأنبياء والمرسلين ورضي الله عن صحابته ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وبعد.
فإنه ما أن يذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا وتكون العدالة حاضرة ولا سيما في بابها القضائي، ولعل ما تميز به الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عدل لم يأت من فراغ بل لخصال وجدت فيه أثمرت عن الخصلة العظيمة التي اشتهر بها، وإن أهم ما تعرف به العدالة مواطن القضاء ولا سيما القضاء الجنائي الذي برع عمر رضي الله عنه في إجراءاته مما جعله مؤثراً فيما بعد في كثير من آراء الفقهاء، وإن تحديد مفهوم هذه الإجراءات وبيان معانيها، وكيف كان عمر رضي الله عنه يقررها ويؤكدها ويستخدمها في القضاء، ثم كيف تأثر الفقهاء بها واستفادوا منها، هو ما سيكون محل بحثي الذي جاء موسوماً بــ” الإجراءات الجنائية عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأثرها في الفقه الإسلامي”.
وحتى ينتظم البحث جعلته بعد هذه المقدمة في مبحثين، وخاتمة كما يأتي:
المبحث الأول- التأصيل الشرعي للإجراءات الجنائية والقائمين عليها ومعاملة المتهم، وفيه:
المطلب الأول: عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومؤهلاته.
المطلب الثاني: مشروعية الإجراءات الجنائية ومقاصدها.
المطلب الثالث: واجبات القاضي المحقق في الإجراءات الجنائية.
المطلب الرابع: التعامل مع المتهمين في الإجراءات الجنائية.
المبحث الثاني- الأدلة الجنائية ووسائل إثبات الجرائم، وفيه:
المطلب الأول: اعتماده على الخبرة في الإجراءات الجنائية.
المطلب الثاني: موافقته لقاعدة مشروعية الدليل الجنائي.
المطلب الثالث: تأكيده لقاعدة درء الحدود بالشبهات.
المطلب الرابع: اعتماده وسائل الإثبات الجنائي.
الخاتمة: النتائج والتوصيات.
والذي شجعني لاختيار هذا الموضوع:
- عدم التطرق إليه من قبل في حدود علمي كبحث مستقل ومتكامل.
- بيان مدى معرفة المسلمين منذ الرعيل الأول للإجراءات الجنائية.
- تحديد مدى تأثر الفقه الإسلامي بالإجراءات الجنائية عند عمرt.
هذا بالإضافة لأهميته حيث يبحث في رؤية أحد زعماء العدالة الجنائية في الإسلام، وكيف تجلت هذه العدالة في الإجراءات الجنائية بالرغم من تعقيدها وصعوبة تطبيقها؛ لما فيها من ضرورة رعاية التوازن بين حقوق المجتمع في كشف الجريمة ومعاقبة الفاعل وبين حق المتهم في البراءة حتى تثبت الإدانة.
ولقد نهجت في تتبع المادة العلمية وصياغتها طريقة الاستقراء ثم التحليل، حيث قمت باستقراء كثير من الإجراءات الجنائية، محللاً إياها ومبيناً كيف قررها عمر رضي الله عنه وتعامل معها، ثم ذكرت رأي الفقهاء في تلك الإجراءات ومدى اعتمادها في الفقه الإسلامي.
المبحث الأول- التأصيل الشرعي للإجراءات الجنائية والقائمين عليها ومعاملة المتهم
تميز سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في معرفة كثير من الإجراءات الجنائية وتقريرها، ولعل ما ساعده على ذلك مجموعة من العوامل أهلته لتقرير مثل هذه الإجراءات واعتمادها، فمن هو عمر رضي الله عنه؟ وما هي أهم المؤهلات التي جعلته مميزاً في هذا المجال من الفقه القضائي؟ هذا ما أبينه في المطلب الآتي:
المطلب الأول: عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومؤهلاته
أولاً: ترجمة عمر بن الخطاب([1]):
عمر بن الخطّاب بن عبد العزّى بن رياح بن عبد اللَّه بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤيّ بن غالب القرشي العدوي. أبو حفص، أمّه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومية. كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم، وله السفارة فيهم. ولد قبل المبعث النبوي بثلاثين سنة، أي قبل الهجرة بأربعين سنة، أسلم في السنة السادسة من النبوة، وهو ابن ست وعشرين سنة. وهو أول من لقب بأمير المؤمنين. الشجاع الحازم، صاحب الفتوحات، يضرب بعدله المثل. تسلم الخلافة بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، سنة ثلاث عشرة للهجرة، وهو أول من لقب بأمير المؤمنين.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر ). اتخذ بيت مال المسلمين، أول من دوَّن الدواوين في الإسلام، كان يقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم، له في كتب الحديث 537 حديثاً.
وكان نقش خاتمه: ( كفى بالموت واعظاً يا عمر ). لقَّبه النبي صلى الله عليه وسلم بالفاروق. مات مقتولاً في عام 584 هجري، قتله أبو لؤلؤة فيروز الفارسيّ غيلة، بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح، وعاش بعد الطعنة ثلاث ليال.
ثانياً: مؤهلاته التي ميزته في الإجراءات القضائية:
1-العدالة: التي اتصف بها عمر رضي الله عنه والتي جعلته متميزاً في فقه الإجراءات القضائية، ولعل هذه الخصلة من طبائع معدن عمر الذهبي، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا)([2]).وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا الله قائلاً: ( اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام، فجاء عمر بن الخطاب من الغد بكرة، فأسلم في دار الأرقم )([3]). هذا المعدن الذي انعكس جوهره على عمر جعل عدالته مثالية غير متجزأة، يقيمها على نفسه وأهل بيته قبل أن يطبقها على أحد، ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك في الفقه الجنائي: إقامته حد الشرب على ابنه عبيد الله([4]). وغير ذلك، مما يجعله مهتماً أكثر بالإجراءات لتحقيق العدالة ما أمكن.
2-براعته في علم القضاء وتطبيقاته: ولعل هذا أيضاً ثمرة من ثمرات حرصه على تحقيق العدل ما أمكن، ولقد لوحظ هذا في كثير من المبادئ القضائية والإجراءات التي أقرها، ومن أبرز الأمثلة على ذلك رسالته في القضاء إلى أبي موسى الاشعري: ( أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة, فافهم إذا أدلي إليك بحجة, وأنفذ الحق إذا وضح , فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له , وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا ييأس الضعيف من عدلك ولا يطمع الشريف في حيفك , البينة على من ادعى واليمين على من أنكر , والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا, لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل, الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب أو السنة, اعرف الأمثال والأشباه ثم قس الأمور عند ذلك فاعمد إلى أحبها عند الله وأشبهها بالحق فيما ترى واجعل لمن ادعى بينة أمدا ينتهي إليه, فإن أحضر بينة أخذ بحقه وإلا وجهت القضاء عليه فإن ذلك أجلى للعمى وأبلغ في العذر, المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلود في حد أو مجرب في شهادة زور أو ظنين في ولاء أو قرابة, إن الله تولى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات وإياك والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر ويحسن بها الذخر…)([5]).
3-تقلده لخلافة المؤمنين: فقد أسس كثيراً من المرتكزات والقواعد التي تسهل تطبيق الإجراءات في السياسة الجنائية الإسلامية، وتساعد القضاة في تحقيق العدالة الجنائية ورعاية الحقوق وتمكين الأمن، ويلاحظ ذلك من خلال:
أ-إحداثه لجهاز الشرطة: حيث يمكن القول بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من أدخل نظام العسس أو حراس الليل([6])، بل كان يقوم بهذه المهمة بنفسه وبرفقة بعض الصحابة أحياناً، وكانت الغاية من وضعها في البداية معاونة القاضي في إثبات التهم، وتطبيق الأحكام ([7]).
ب-إحداثه للسجون: فلقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشترى داراً من صفوان بن أمية وجعلها سجناً([8])، ولا شك أنه قد خصص لهذا السجن موظفين مختصين وجعل لهم أرزاقاً، ولو لم يوجد ذلك في مصادر موثوقة ([9]). وذلك يبعد أن يكون مثل هذا المرفق بعيداً عن الإشراف الدقيق، وخاصة من الخليفة العادل عمر رضي الله عنه.
ج-عدم استبداده بالرأي: واستشارته الدائمة والمستمرة لكبار فقهاء الصحابة في القضايا الجنائية بشقيها الموضوعي والإجرائي([10]).
كل هذه المؤهلات التي كانت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه جعلته واعيا وفاهماً ومميزاً للإجراءات الجنائية، بل برع في تقرير كثير منها، وأسس بعضها، وركز على ضرورة رعايتها وفهمها وتطبيقها في القضاء الجنائي بوجه خاص، مما يدل على حسن فقهه في هذا المجال ومعرفته به وسبقه لبيان كثير من الإجراءات، مما أثر على الفقه الإسلامي فيما يتعلق بهذا الباب الدقيق من الفقه القضائي الجنائي الشكلي، فما معنى الإجراءات الجنائية؟ وما مدى مشروعيتها؟ وكيف كان يقررها عمر ويطبقها؟ ثم من تأثر بها من فقهاء المذاهب؟ هذا ما سيكون محل بحثي في المطالب الآتية.
المطلب الثاني: مشروعية الإجراءات الجنائية ومقاصدها
أولاً: تعريف الإجراءات الجنائية:
هي مجموعة القواعد والضوابط والأصول الواجب مراعاتها، من قبل أصحاب الشأن والقاضي في الدعوى، من حين رفعها إلى القاضي إلى حين صدور الحكم فيها([11]).
من هذا التعريف يتبين أن الإجراءات الجنائية إجراءات شكلية، وقد تشارك فيها أكثر من سلطة.
ثانياً: مشروعية الإجراءات الجنائية ومقاصدها:
إن تنظيم الإجراءات الجنائية ومعرفتها يعد من تدابير سياسة التشريع؛ إذ ليس فيها ما يمس العقيدة، وما يخالف أحكام الشريعة الثابتة، لذلك هي ضرورة لا بد منها؛ لأن الإسلام يحتّم على ولاة الأمور التنظيم، واتخاذ قواعد من الأحكام تحفظ للناس مصالحهم العامة، وتؤمن لهم الحاجات([12]).
وأيضاً فإن معرفة الأحكام الفقهية الكلية الموضوعية واجبة على القاضي فيما يفصل فيه من قضائه، ولأنه لا يجوز له الحكم بغير علم فإن معرفة أصول التقاضي واجب؛ فهي الوسيلة التي يتمكن بها من فصل النزاع، وهي كالمقدمة التي عليها مدار العلم بالأحكام([13])، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وهذا ابن فرحون من المالكية يؤكد ضرورة وجود هذه الإجراءات ومعرفتها من قبل القضاة: ” ولا غرابة في امتياز علم القضاء عن فقه فروع المذهب؛ لأن علم القضاء يفتقر إلى معرفة أحكام تجري مجرى المقدمات بين يدي العلم بأحكام الوقائع الجزئيات، وغالبا تلك المقدمات لم يجر لها في دواوين الفقه ذكرا ولا أحاط بها الفقيه خبرا وعليها مدار الأحكام، والجاهل بها يخبط خبط عشواء في الظلام”([14]).
ويتحقق هذا أكثر في مجال القضاء الجنائي لما فيه من خطر على أمن الناس وحياتهم.
وإن من أهم ثمرات ومقاصد الإجراءات الجنائية:
- دفع التهمة عن القاضي.
- تحقيق الوصول إلى العدل.
- ضبط إجراءات التقاضي وإتقانها.
- التعجيل بالفصل في التنفيذ([15]).
المطلب الثالث: واجبات القاضي المحقق في الإجراءات الجنائية:
شدد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أهم واجبات القاضي المحقق من أجل تحقيق العدالة والوصول إلى الحقيقة، ومن أهم هذه الواجبات:
أولاً: التركيز على العدل في الإجراءات القضائية بين الخصوم:
حيث جاء في رسالته إلى أبي موسى الأشعري: ( وآس بين الناس في مجلسك وعدلك، حتى لا ييأس الضعيف من عدلك، ولا يطمع الشريف في حيفك..)([16])؛ لأن “في تخصيص أحد الخصمين بمجلس أو إكرام: مفسدتين، إحداهما: طمعه في أن تكون الحكومة له، فيتقوى قلبه وجنانه، والثانية: أن الآخر ييأس من عدله، ويضعف قلبه، وتنكسر حجته”([17]).
ثانياً: الابتعاد عن الغضب و كل ما يشوش ذهن القاضي:
وجاء في رسالته أيضاً: ( إياك والغضب والقلق والضجر). ويستفاد منها: أنه على القاضي أن يختار أفضل أوقاته التي يتحقق فيها استقراره النفسي، ولا يشغله أي شاغل عن تجميع كل قواه من أجل كشف الحقيقة، وبالتالي الوصول إلى الحكم العادل. يقول الماوردي: ” فيختار للحاكم أن لا يجلس للحكم العام إلا بعد سكون نفسه بالأكل والشرب حتى لا تتوق نفسه إلى واحد منهما…ويستوفي حظه من النوم والدعة، ويقضي وطره من الجماع حتى يغض طرفه عن الحرم، ويلبس ما يستدفع به أذى وقته من حر أو برد ويفرغ من مهمات أشغاله؛ لئلا يهتم بما يشغل خاطره عن الاجتهاد في الأحكام “([18]).
ثالثاً: استشارة أهل العلم والاختصاص والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم في الإجراءات:
من القواعد التي يتبعها القاضي في الإجراءات القضائية استشارة اه العلم والخبرة، وقد أكد هذا المبدأ سيدنا عمر رضي الله عنه في كثير من الوقائع القضائية العملية، ولا سيما فيما يشكل عليه، وقد ظهر جلياً في عدد من الأقضية، منها:
1-عندما قام رضي الله عنه بالتجسس، فرأى بعض الشباب قد اجتمعوا على شرب الخمر فاستشار عبد الرحمن بن عوف في صحة هذا الإجراء في مشروعية الدليل الجنائية ومدى صلاحيته في إثبات التهمة على المجتمعين فلم ير ذلك، وأهمل عمر هذا الدليل بعد أن هم بمعاقبة هؤلاء الشباب([19]).
2-عندما استشار علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الفتاة التي جاءت متعلقة بشاب من الأنصار مدعية عليه تهمة الاغتصاب، فدفع الشاب عن نفسه متهماً الفتاة بالكذب، فكانت هذه الاستشارة قد كشفت كثيراً من التهم الملفقة في مرحلة التحقيق قبل إصدار الحكم([20]).
وعلى ضرورة المشاورة وأهميتها والندب إليها وحضور أهل العلم نص الفقهاء على ذلك، ولا سيما فيما أشكل من القضايا([21]).
رابعاً: متابعة [القضية] بكل جد وإخلاص، وحسن التأني:
من أخطر ما يؤذي المجتمع أن ترتكب جريمة ولا يعرف فاعلها فيبقى طليقاً خطراً على مجتمعه ولا تطوله يد العدالة، لذلك على القاضي المحقق متابعة القضية بكل جدية وبكل إخلاص وعدم ترك وسيلة من الوسائل تساعد في كشف الفاعل إلا وعليه القيام بها، ثم الاستعانة بالله والتضرع إليه لكشف فاعلها، وقد تجلت هذه المعاني في طبيعة سيدنا عمر، فقد: ( أتي عمر بن الخطاب يوماً بفتى أمرد، وقد وجد قتيلاً ملقى على وجه الطريق، فسأل عمر عن أمره واجتهد فلم يقف له على خبر، فشق ذلك عليه؛ فقال: اللهم أظفرني بقاتله، حتى إذا كان على رأس الحول وجد صبي مولود ملقى بموضع القتيل، فأتي به عمر؛ فقال: ظفرت بدم القتيل إن شاء الله تعالى؛ فدفع الصبي إلى امرأة، وقال لها: قومي بشأنه، وخذي منا نفقته، وانظري من يأخذه منك؛ فإذا وجدت امرأة تقبله وتضمه إلى صدرها فأعلميني بمكانها. فلما شب الصبي جاءت جارية، فقالت للمرأة: إن سيدتي بعثتني إليك لتبعثي بالصبي لتراه وترده إليك، قالت: نعم، اذهبي به إليها، وأنا معك. فذهبت بالصبي والمرأة معها، حتى دخلت على سيدتها، فلما رأته أخذته فقبلته وضمته إليها؛ فإذا هي ابنة شيخ من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت عمر فأخبرته، فاشتمل على سيفه، ثم أقبل إلى منزل المرأة. فوجد أباها متكئا على باب داره، فقال له: يا فلان، ما فعلت ابنتك فلانة؟
قال: جزاها الله خيرا يا أمير المؤمنين، هي من أعرف الناس بحق الله وحق أبيها، مع حسن صلاتها وصيامها، والقيام بدينها. فقال عمر: قد أحببت أن أدخل إليها، فأزيدها رغبة في الخير، وأحثها عليه؛ فدخل أبوها، ودخل عمر معه. فأمر عمر من عندها فخرج، وبقي هو والمرأة في البيت، فكشف عمر عن السيف، وقال: أصدقيني، وإلا ضربت عنقك، وكان لا يكذب. فقالت: على رسلك، فو الله لأصدقن: إن عجوزاً كانت تدخل علي فأتخذها أما، وكانت تقوم من أمري بما تقوم به الوالدة. وكنت لها بمنزلة البنت، حتى مضى لذلك حين، ثم إنها قالت: يا بنية، إنه قد عرض لي سفر، ولي ابنة في موضع أتخوف عليها فيه أن تضيع، وقد أحببت أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري، فعمدت إلى ابن لها شاب أمرد، فهيأته كهيئة الجارية، وأتتني به، لا أشك أنه جارية؛ فكان يرى مني ما ترى الجارية من الجارية، حتى اغتفلني يوما وأنا نائمة، فما شعرت حتى علاني وخالطني، فمددت يدي إلى شفرة كانت إلى جانبي فقتلته. ثم أمرت به فألقي حيث رأيت، فاشتملت منه على هذا الصبي، فلما وضعته ألقيته في موضع أبيه. فهذا والله خبرهما على ما أعلمتك. فقال: صدقت، ثم أوصاها، ودعا لها وخرج. وقال لأبيها: نعمت الابنة ابنتك؛ ثم انصرف)([22]).
قال ابن كثير: وفيه فوائد كثيرة منها: حذق عمر رضي الله عنه وحسن تأنيه وجودة فراسته([23]).
المطلب الرابع: التعامل مع المتهمين في الإجراءات الجنائية
وضع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثيراً من الضوابط للتعامل مع المتهمين أثناء التحقيق الجنائي، والتي تؤكد ضرورة احترام الكرامة الإنسانية للوصول إلى الحقيقة بأفضل طريق يحافظ فيه على حقوق المتهم من التعسف. ومن أهم هذه الإجراءات:
أولاً: منع عمر رضي الله عنه ضرب المتهم لحمله على الاعتراف:
- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (جاءت جارية إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالت: إن سيدي اتهمني، فأقعدني على النار حتى احترق، فرجي فقال لها عمر: هل رأى ذلك عليك؟ قالت: لا، قال: فهل اعترفت له بشيء؟ قالت: لا، فقال عمر: علي به، فلما رأى عمر الرجل، قال: أتعذب بعذاب الله؟ قال: يا أمير المؤمنين، اتهمتها في نفسي، قال: رأيت ذلك عليها؟ قال الرجل: لا. قال: فاعترفت به؟ قال: لا. قال: والذي نفسي بيده، لو لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقاد مملوك من مالكه، ولا والد من ولده» لأقدتها منك فبرزه، وضربه مائة سوط، وقال للجارية: اذهبي فأنت حرة لوجه الله، أنت مولاة الله ورسوله)([24]).
- روي عن عمر رضي الله عنه: ( ليس الرجل على نفسه بأمين، إن أجعته أو أخفته أو حبسته)([25]).
ثانياً: إقراره لتعويض المتهم ورد اعتباره إذا ظهرت براءته:
- عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال : ( مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السوق ومعه الدرة، فخفقني بها خفقة، فأصاب طرف ثوبي، فقال: أمط عن الطريق، فلما كان في العام المقبل لقيني فقال: يا سلمة، تريد الحج؟ فقلت: نعم، فأخذ بيدي، فانطلق بي إلى منزله فأعطاني ستمائه درهم، وقال: استعن بها على حجك، واعلم أنها بالخفقة التي خفقتك، قلت: يا أمير المؤمنين ما ذكرتها! قال: وأنا ما نسيتها) ([26]).
فهذا نص صريح في التعويض عن أمر معنوي؛ لأن الخفقة أمر معنوي فيه إهانة للنفس وقد تؤلم بدنه، ومنه تعويض المتهم المحبوس اذا ظهرت براءته من باب أولى.
- تقدم أثر الجارية التي جاءت إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب واشتكت إليه ما فعله بها مولاها من حرق لفرجها بالتهمة دون أن يتثبت من الفاحشة عليها، معترفاً بهذا، فجلده مائة ومنح الجارية حريتها عقاباً لمولاها ورد اعتبار لها لما أصابها من الظلم.
ومن خلال هذين الأثرين يمكن أن يقال أن رأي عمر رضي الله عنه هو تعويض المتهم لما يلحق به من تعذيب وحبس وغيره إذا ظهرت براءته.
- ويستأنس لهذا أيضاً، بما روي عن الحسن، قال: ( أرسل عمر بن الخطاب إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها، فأنكر ذلك، فأرسل إليها، فقيل لها: أجيبي عمر، فقالت: يا ويلها ما لها، ولعمر قال: فبينا هي في الطريق فزعت فضربها الطلق فدخلت دارا، فألقت ولدها، فصاح الصبي صيحتين، ثم مات، فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأشار عليه بعضهم، أن ليس عليك شيء، إنما أنت وال ومؤدب قال: وصمت علي فأقبل عليه، فقال: ما تقول؟ قال: إن كانوا قالوا: برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا: في هواك فلم ينصحوا لك، أرى أن ديته عليك فإنك أنت أفزعتها، وألقت ولدها في سببك قال: فأمر عليا أن يقسم عقله على قريش، يعني يأخذ عقله من قريش لأنه خطأ)([27]).
فهنا يقر عمر بخطئه ويدفع التعويض للمتهم كما أشار عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وبناء عليه قرر الشافعية والحنابلة: أن السلطان إذا بعث لامرأة ذكرت بسوء عنده ففزعت وخافت وألقت جنينها ميتاً فإنه يجب ضمانه([28]).
ثالثاً: تأكيده على أن لا تترك الدعاوى أي أثر سيء في حياة المتهم:
أكدَّ سيدنا عمر رضي الله عنه أنه ينبغي أن لا تحفظ التهم الموجهة إلى إنسان في سجل حياته ويعير بها كأنها أمر ثابت مسلم به، ويمكن أن يستأنس لهذا عندما جاءه رجل يشكو إليه تجاوز أحد ولاته في إقامة الحد عليه لشربه الخمر؛ حيث روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( كنت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حج, أو عمرة, فإذا نحن براكب, فقال عمر رضي الله عنه: أرى هذا يطلبنا, قال: فجاء الرجل فبكى, قال: ما شأنك؟ إن كنت غارما أعناك, وإن كنت خائفا أمناك إلا أن تكون قتلت نفساً فتقتل بها, وإن كنت كرهت جوار قوم حولناك عنهم, قال: إني شربت الخمر, وأنا أحد بني تيم, وإن أبا موسى جلدني, وحلقني, وسود وجهي, وطاف بي في الناس, وقال: لا تجالسوه, ولا تؤاكلوه, فحدثت نفسي بإحدى ثلاث: إما أن أتخذ سيفاً فأضرب به أبا موسى, وإما أن آتيك فتحولني إلى الشام فإنهم لا يعرفونني, وإما أن ألحق بالعدو, وآكل معهم وأشرب, قال: فبكى عمر رضي الله عنه وقال: ما يسرني أنك فعلت وأن لعمر كذا وكذا, وإني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية, وإنها ليست كالزنا, وكتب إلى أبي موسى: سلام عليك, أما بعد, فإن فلان بن فلان التيمي أخبرني بكذا وكذا, وايم الله لئن عدت لأسودن وجهك, ولأطوفن بك في الناس, فإن أردت أن تعلم حق ما أقول لك فعد, فأمر الناس أن يجالسوه ويؤاكلوه, وإن تاب فاقبلوا شهادته, وحمله وأعطاه مائتي درهم)([29]).
فهذا يدل على نسيان ذنبه وعدم حفظه في السجلات وهو شارب خمر، فالتعامل مع المتهم البريء بهذا الشكل من باب أولى.
رابعاً: تأكيده على تأديب من يتهم الصالحين، ويتسبب بحبس الأبرياء:
روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه: ( أنه عزر شاهد الزور ) ([30]).وكتب أيضاً إلى أبي موسى الأشعري: ( إذا رأيت الخصم يتعمد الظلم فأوجع رأسه)([31]).
إذن يمكن القول برد رد اعتبار المتهم البريء بتأديب من يتهمه زوراً وبهتاناً وتعزير مثل هذه الفئة ضروري؛ حتى لا يفتري الأشرار على الأخيار، ولقد نص الفقهاء على تعزير شاهد الزور([32])، وتعزير من يتهم الصالحين([33]).
خامساً: تقريره لقاعدة دفاع المتهم عن نفسه أمام القضاء:
فقد جاء في رسالته في القضاء إلى أبي موسى الاشعري: ( فافهم إذا أدلي إليك )([34]). ففي هذا الأثر إشارة إلى أن الفهم لا يتأتى إلا بعد الإدلاء من قبل الخصوم، وهذا يؤدي بالضرورة أن يكون حكم القاضي مسبوقاً بمرافعتهم وصولاً للفهم الصحيح للأثر وتوطيداً للعدالة([35]). ومما يؤكد هذه القاعدة من القضاء العملي المروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه عندما كان يستجوب المتهمين بحيث يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم؛ لعل ثمة أسباب تعفيهم من العقوبة أو تخففها عنهم، ومنها:
ما رواه النزال بن سبرة قال: ( بينما نحن بمنى مع عمر إذا امرأة ضخمة على حمارة تبكي، قد كاد الناس أن يقتلوها من الزحام، يقولون: زنيت، فلما انتهت إلى عمر، قال: ما يبكيك؟ إن امرأة ربما استكرهت، فقالت: كنت امرأة ثقيلة الرأس وكان الله يرزقني من صلاة الليل فصليت ليلة، ثم نمت فوالله ما أيقظني إلا الرجل قد ركبني فرأيت إليه مقفيا ما أدري من هو من خلق الله، فقال عمر: لو قتلت هذه خشيت على الأخشبين النار، ثم كتب إلى الأمصار: ألا تقتل نفس دونه)([36]).
فهذا الأثر يؤكد أن استجواب المتهمين ومنحهم فرصة الدفاع عن أنفسهم أمام القضاء هو ما كان في القضاء الإسلامي ولا سيما عند عمر رضي الله عنه.
سادساً: تأسيسه لقاعدة أن لا يؤخذ أحد بعقوبة مهلكة إلا بعد موافقة الخليفة:
فقد أوردت في الأثر السابق أن عمر رضي الله عنه لم يقم حد الزنا على المرأة التي اغتصبت، وقال: ( لو قتلت هذه خشيت على الأخشبين النار، ثم كتب إلى الأمصار: ألا تقتل نفس دونه)([37]).
وهذا أثر يؤكد على أن العقوبات التي تزهق فيها الأرواح ينبغي أن ينظر فيها الخليفة خشية أن يستعجل في الحكم فيها فيقع الظلم الذي لا يمكن تصحيحه، وهذا من أعظم ما أثر عن عمر رضي الله عنه في الإجراءات الجنائية.
المبحث الثاني- الأدلة الجنائية ووسائل إثبات الجرائم
وضع سيدنا عمر رضي الله عنه كثيراً من القواعد للتعامل مع الأدلة الجنائية: فأقر الخبرة الجنائية، ومشروعية الدليل الجنائي، وأثر الشبهات في إسقاط الحدود، وبيّن الوسائل المعتبرة في إثبات الجرائم، وبيان ذلك كالآتي:
المطلب الأول: اعتماده على الخبرة في الإجراءات الجنائية:
الخبرة هي: الاستشارة الفنية التي يستعين بها القاضي في تكوين قناعته في المسائل التي يحتاج تقديرها إلى أدوات خاصة لا تتوفر لديه([38]). وتتجلى معرفة عمر للخبرة الجنائية وتطبيقها في كثير من الأمور.
أولاً: معرفته للخبرة الجنائية:
أقدم حادثة خبرة كانت في أيام خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وكان الخبير فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فعن أبي ماجدة السهمي قال: ( قطعت من أذن غلام أو قطع من أذني، فقدم علينا أبو بكر حاجاً فاجتمعنا إليه، فرفعنا إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر: إن هذا قد بلغ القصاص، ادعوا لي حجّاما ليقتص)([39]).
وهنا قام عمر رضي الله عنه بدور الخبير لتحديد نوع الجناية، هل يمكن فيها القصاص أم التعويض.
ثانياً: استعانته بالخبراء:
يتضح في عدد من القضايا أن عمر رضي الله عنه كان يؤكد على ضرورة الاستعانة بالخبراء لمعرفة الحقيقة الجنائية وتطبيق العدالة، ومن هذه القضايا:
1-أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار، وكانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بيضة فألقت صفارها، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها، ثم جاءت إلى عمر صارخة، فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي، وفضحني في أهلي، وهذا أثر فعاله. فسأل عمر النساء فقلن له: إن ببدنها وثوبها أثر المني. فهم بعقوبة الشاب فجعل يستغيث، ويقول: يا أمير المؤمنين، تثبت في أمري، فوالله ما أتيت فاحشة وما هممت بها، فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما، فنظر علي إلى ما على الثوب. ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصب على الثوب فجمد ذلك البياض، ثم أخذه واشتمه وذاقه، فعرف طعم البيض وزجر المرأة، فاعترفت )([40]).
ففي هذه الحادثة تتضح أعمال الخبرة بشكل واضح؛ لأن القضية فيها مشكلة فنية تتطلب خبرة خاصة لا تتوفر في القاضي لذلك استعان عمر بن الخطاب بخبير وكان علي بن أبي طالب.
2-مافعله رضي الله عنه في دعوى ذم وشتم وقدح تقدم بها الزبرقان ضد الحطيئة الشاعر عندما قال له:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فبعد أن استشكل عمر هل هذا البيت هجاء أو معاتبة؟ فسأل أهل الخبرة في الشعر، وكان حسان بن ثابت عن قوله هذا، فقضى أنه هجو له ـ فألقاه عمر في مطمورة([41]).
3– ( عن عمر أنه وجد من فلان ريح شرب، فزعم أنه شراب الطلاء، فقال عمر: إني سائل عما شرب، فإن كان مسكراً جلدته. فجلده عمر الحد تاماً )([42]).
وفي هذا الأثر دليل على وجوب استشارة أهل الخبرة لبيان: ما إذا كان المشروب مسكراً أم لا ؟ من أجل إقامة الحد أو عدمه.
ثالثاً: الطعن في الخبرة الجنائية:
عُرِف الطعن بالخبرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومما يدلل على ذلك ما جاء في حادثة الفتاة التي اتهمت شاباً من الأنصار باغتصابها، فبعد أن أكدت النساء الخبيرات وجود المني على ثيابها وبين فخذيها، طعن الشاب بهذه الخبرة، فما كان من عمر رضي الله عنه إلا قبول هذا الطعن والاستعانة بخبير آخر وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنها الذي كشف زيف كلام الفتاة، حيث قرر أن آثار السائل الموجود على ثياب الفتاة وجسدها ليس منياً بل هو بياض البيض. فلو لم يسمح سيدنا عمر رضي الله عنه لهذا الخصم أن يطعن بالخبرة الجنائية؛ لما وصل إلى براءة المتهم([43])، مما يؤكد حرصه على تقرير العدالة وتطبيقها ما أمكن حتى لا يظلم بريء أو يفلت مجرم من العقاب، وهذا ما حققه من خلال تقريره للطعن في الخبرة الجنائية.
المطلب الثاني: موافقته لقاعدة مشروعية الدليل الجنائي
معنى القاعدة: أن تكون الإجراءات التي اتبعت للحصول على الدليل مطابقة للأحكام والقواعد ووفقاً للإجراءات الواردة في التشريع، فإذا كان الدليل قد وصل بطريقة غير مشروعة انهار وأصبح لا قيمة له([44]). ولقد اعتمد عمر هذه القاعدة، والدليل على ذلك:
- الأثر الذي رواه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: ( أنه حرس ليلة مع عمر بن الخطاب فبينا هم يمشون شب لهم سراج في بيت, فانطلقوا يؤمونه, حتى إذا دنوا منه إذا باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط, فقال عمر وأخذ بيد عبد الرحمن: «أتدري بيت من هذا؟» قال: قلت: لا , قال: «هو ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب، فما ترى؟» قال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهانا الله عنه، نهانا الله فقال: {ولا تجسسوا}[الحجرات: 12] فقد تجسسنا، فانصرف عنهم عمر وتركهم)([45]).
- وروي أن عمر رضي الله عنه حُدّث: ( أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر في بيته هو وأصحاب له، فانطلق عمر حتى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلا رجل، فقال أبو محجن: يا أمير المؤمنين إن هذا لا يحل لك، قد نهى الله عن التجسس، فقال عمر: ما يقول هذا ؟ فقا له زيد بن ثابت… صدق يا أمير المؤمنين، هذا من التجسس. قال: فخرج عمر وتركه )([46]).
فهذه الآثار عن عمر رضي الله عنه تعد أكبر دليل وأوضح بيان لتطبيق قاعدة مشروعية الدليل الجنائي؛ لأن المتهم قد دفع بأن الدليل في الجريمة لا يجوز أن يتأتى بطريق غير مشروع؛ ولذلك أسقط أمير المؤمنين عمر هذا الدليل ولم يعتمده في العقوبة، وكأنه لم يكن([47]).
لذلك أكد الفقهاء على حرمة التجسس مطلقاً على كل مسلم([48]).
وأكدوا حرمة التجسس للمحتسب([49])، ومنعوه من التسور ودخول البيوت بغير إذن([50]).
المطلب الثالث: تأكيده لقاعدة درء الحدود بالشبهات
وهي قاعدة معروفة في نظام الإجراءات الجنائية في الشريعة، استدل العلماء لها بأدلة من أهمها: ما جاء عن عمر رضي الله عنه:( لئن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات )([51]).
وبناء على هذه القاعدة فقد تفرعت كثير من القواعد والمبادئ في الإجراءات الجنائية، منها: الأصل براءة الذمة، اليقين لا يزول بالشك، والأصل بقاء ما كان على ما كان، وأهمها فيما يخص الإجراءات الجنائية: المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وتعد قاعدة درء الحدود بالشبهات أحد أهم ركائز النظام العقابي الإسلامي.
المطلب الرابع: اعتماده وسائل الإثبات الجنائي
أولاً: تعامله مع الشهادة في الإثبات الجنائي:
- تقريره أن التقادم في الشهادة يؤثر فيها:
فقد روي عن عمر رضي الله عنه : ( أيما رجل شهد على حد لم يكن بحضرته فإنما على ضغن )([52]). وهذا معقول؛ لأن تأخير الشاهد للشهادة في هذه الحالة يدل على التهمة فيدرأ الحد عنه([53]).
ولذلك يرى الحنفية([54])، وابن حامد ورواية انفرد بها ابن أبي موسى عند الحنابلة([55]): أن تقادم الشهادة في الزنا يؤثر عليها، فلا تقبل عند القاضي لحصول الشك فيها.
- تقريره لشرط العدالة في الشهود ووضعه لقواعد معرفة الشهود وأحوالهم:
فقد قرر عمر رضي الله عنه ضرورة العدالة في الشهود ثم بينّ أهم القواعد التي تعرف بها هذه العدالة؛ حيث روي عنه: ( والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول )([56]). أي لا يحبس؛ لأن الأسر حبس([57]). ولهذا ثبت رجوع سيدنا عمر رضي الله عنه عما في رسالته إلى أبي موسى الأشعري في القضاء: ( والمسلمون عدول بعضهم على بعض )([58]).
ثم بعد ذلك يضع قواعد معرفة عدالة الشهود للأخذ بشهادتهم؛ حيث شهد رجل عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشهادة, فقال له: ( لست أعرفك , ولا يضرك أن لا أعرفك, ائت بمن يعرفك, فقال رجل من القوم: أنا أعرفه, قال: بأي شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل, فقال: فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره, ومدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال: فمعاملك بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل على الورع؟ قال: لا، قال: فرفيقك في السفر الذي يستدل على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: لست تعرفه, ثم قال للرجل: ائت بمن يعرفك )([59]).
ففي هذا الأثر يضع عمر رضي الله عنه قواعد معرفة الشهود، وضرورة بيان دقائق الأمر عنهم من أجل الأخذ بشهادتهم. وعدم الاكتفاء بتزكية الشاهد ظاهراً حيث لا يكفي هذا في عدالته بل لا بد من البحث عنه بالسؤال؛ لأنه بشهادتهم سيتم الحكم.
- تقريره لعقوبة شاهد الزور:
وحتى يحمي الشهادة من أن يتجرأ إليها أي إنسان وضع عقوبة لشاهد الزور حماية لها؛ فقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه كتب في شاهد الزور : ( يضرب أربعين سوطاً، ويسخّم وجهه، ويحلق رأسه، ويطال حبسه)([60])، وفي هذا إضفاء مزيد من الضمانات لحماية الشهادة من التلاعب، والحكم على الناس بالباطل وضبط القضاء. وقد اتفقت كلمة الفقهاء على تعزير شاهد الزور بالضرب والحبس والتشهير.
ثانياً: تعامله مع الاعتراف في الإثبات الجنائي:
- تقريره لطرد المعترفين في الحدود الخالصة لله عز وجل:
فقد أكد عمر رضي الله عنه أن الأصل هو طرد المعترفين في الحدود الخالصة لله عز وجل؛ لأن الستر فيها أفضل، حيث قال: ( اطردوا المعترفين )([61]). ولهذا يرى بعض الفقهاء استحباب تلقين الرجوع عن الإقرار للمقر([62]) في حدود الله تعالى احتيالاً للدرء([63]). ولعل ما يؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقن المعترفين الرجوع كما فعل مع ماعز حين أقر بجريمة الزنا أمامه.
- عدم اعتداده بالاعتراف الناتج عن الإكراه:
فقد روي عن عمر رضي الله عنه ما يدل على عدم اعتداده بالاعتراف الناتج عن الإكراه، فقال: ( ليس الرجل على نفسه بأمين، إن أجعته أو أخفته أو حبسته)([64]).
وفي هذا ما يدل على اشتراطه صدور الاعتراف عن إرادة حرة، أي أن يكون المعترف مختاراً لا مكرهاً على الاعتراف؛ لأن الإكراه يشوب الإرادة، والحدود تدرأ بالشبهات، وهذا ما قرره جمهور الفقهاء([65]).
ثالثاً: اعتماده على القرائن في أدلة الإثبات الجنائي:
اعتمد سيدنا عمر رضي الله عنه على الوسائل المادية في إثبات بعض الجرائم، ولوحظ ذلك في اعتماده على ظهور الحبل ممن لا زوج لها كدليل على الزنا، وإثباته حد القذف بالقرائن، وبيان ذلك كما يأتي:
- حكمه بالرجم لمن ظهر بها الحبل ولا زوج لها:
فقد اعتمد على الحبل لمن ظهر بها كدليل لإثبات جريمة الزنا ما لم تدع إكراها أو شبهة: فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال عمر: ( لقد خشيت أن يطول بالناس زمان، حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف- قال سفيان: كذا حفظت- ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده )([66]). ولقد قيدته سابقاً بمن لم تدع الإكراه, لأنه شبهة؛ حيث أعفى المرأة التي استجوبها في جريمة الزنا، فتبين أنها كنت نائمة، فهي مكرهة. وهذا هو رأي الإمام مالك وقول ابن تيمية وابن القيم من الحنابلة، أن الحبل ممكن أن يكون دليلاً لإثبات جريمة الزنا وتحد به المرأة ([67]).
- إثباته لحد القذف بالقرائن:
حيث اعتبر عمر رضي الله عنه أن التعريض بالقذف يعد دليلاً على جريمة القذف، ومما يؤيد ذلك ما روي عن عمرة بنت عبد الرحمن: ( أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب. فقال أحدهما للآخر: والله ما أبي بزان، ولا أمي بزانية. فاستشار في ذلك عمر بن الخطاب، فقال قائل: مدح أباه وأمه. وقال آخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا، نرى أن تجلده الحد. فجلده عمر الحد، ثمانين)([68]).
فعدول الرجل إلى هذا في مقام الاستباب دليل على أنه عرّض بالقذف ([69]).
ولقد قرر المالكية في مذهبهم، وهو إحدى الروايات عن أحمد: بأن التعريض يوجب الحد، واستدلوا لقولهم بفعل سيدنا عمر رضي الله عنه([70]).
الخاتمة- وفيها:
أهم نتائج البحث:
يعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الصحابة الذين برعوا في القضاء بشقيه الموضوعي والشكلي، ولعل ما أهله لذلك قوة شخصيته وحذقه وفراسته وعدالته التي عرف بها واستشارته للآخرين. وظهر ذلك منه جلياً في باب السياسة الجنائية الإسلامية؛ حيث فقه كثيراً من الإجراءات الجنائية، فأقرها وأكدها وأبدع بعضها، ولا سيما في القواعد ومعاملة المتهم ووسائل الإثبات. ومن أهم الإجراءات الجنائية التي أقرها عمر رضي الله عنه: معرفته للخبرة الجنائية وممارستها وإقراره الطعن فيها، وتقريره لتعويض المتهم ورد اعتباره مادياً ومعنوياً، وموافقته على قاعدة مشروعية الدليل الجنائي، وتأكيده على قاعدة درء الحد بالشبهة، وعدم اعتباره للاعتراف الناتج عن الإكراه، وقد وضع قواعد مهمة في معرفة عدالة الشهود، وقرر عقاب شاهد الزور، وقرر اعتماد الشهادة والإقرار والحبل كوسائل لإثبات جريمة الزنا، واعتبر التعريض في القذف جريمة يعاقب عليها بحد القذف.
ولقد تأثر الفقهاء من مختلف المذاهب بآراء عمر رضي الله عنه في الإجراءات واعتمدوها في كثير اجتهاداتهم. ولا أدل على ذلك من اعتبار الحمل ممن لا زوج لها وسيلة لإثبات جريمة الزنا ما لم تدع الإكراه، كما قال بذلك المالكية وبعض الحنابلة، وعدم الاعتداد بالاعتراف الناتج عن الإكراه كما قرر ذلك معظم الفقهاء، وغير ذلك مما في ثنايا البحث.
التوصيات:
– دعوة الباحثين في التاريخ والفقه الإسلامي لتسليط الضوء على سيرة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه والاهتمام بإبراز الجوانب القضائية والفقهية وبيان مدى تأثيرها في الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه واستحضار هذه الآراء عند الترجيح والموازنة في الفقه المقارن.
– دعوة كافة المسؤولين إلى المضي في وضع السياسات الجنائية القائمة على تحقيق العدالة في القضاء والمساهمة في الحد من وقوع الجريمة، كما كان يفعل سيدنا عمر رضي الله عنه.
– ضرورة الاقتداء بسيرة الفاروق رضي الله عنه في سن القوانين والإجراءات التي تساعد في حفظ أمن المجتمع، مع ضرورة رعاية التوازن بين حقوق الضحية وحقوق المتهم.
المصادر والمراجع
- إعلام الموقعين عن رب العالمين: محمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي، ابن قيم الجوزية، (691- 751ﻫ)، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م.
- أوليات الفاروق في الإدارة والقضاء: عمر غالب بن عبد الكافي القرشي، مؤسسة الكتب الثقافية، ط1/1410=1990.
- الأبحاث السامية في المحاكم الإسلامية: محمد المرير، منشورات معهد الجنرال فرنكو للأبحاث العربية، 1952م.
- الأحكام السلطانية والولايات الدينية: علي بن محمد بن حبيب الماوردي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، ط3/ 1393= 1973.
- الاختيار لتعليل المختار: عبد الله بن محمود الموصلي الحنفي، تحقيق: علي عبد الحميد ومحمد وهبي سلمان، دار الخير، ط1/1419=1998.
- الأشباه والنظائر: زين الدين بن إبراهيم، المعروف بابن نجيم، (ت:970ه)، دار الفكر، دمشق، ط1/1403=1983.
- الإصابة في تمييز الصحابة: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي، (773-852ﻫ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط1/ 1412= 1992.
- الأعلام: خير الدين بن محمود بن محمد الزركلي الدمشقي، (ت: 1396هـ)، دار العلم للملايين، ط15/ 2002 م.
- البيان في مذهب الإمام الشافعي شرح كتاب المهذب: يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني، (489-558ه)، اعتنى به: قاسم محمد النوري، دار المنهاج، بيروت، ط1/1421=2000.
- تاريخ الأمم والملوك: محمد بن جرير الطبري، (224-310ﻫ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/ 1407ﻫ.
- تاريخ الخلفاء: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، (ت: 911هـ)، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، ط1/1371=1952.
- تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام: إبراهيم بن محمد بن فرحون المالكي، تعليق: جمال مرعشلي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1422=2001.
- تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، المدينة المنورة، 1384= 1964.
- التنظيم القضائي في الفقه الإسلامي: محمد الزحيلي، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط2/1423= 2002م.
- الجامع: معمر بن راشد الأزدي ، (ت: 151ه) ، مطبوع مع المصنف لعبد الرزاق الصنعاني.
- الجامع الصحيح المختصر (صحيح البخاري): محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، (194- 256ﻫ)، تحقيق وترقيم: مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير , اليمامة، بيروت، ط3/ 1407= 1987.
- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: محمد عرفة الدسوقي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/ 1417= 1996.
- حماية حق المتهم في محاكمة عادلة: حاتم بكار، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1996م.
- الحاوي الكبير شرح مختصر المزني: علي بن محمد بن حبيب الماوردي، تحقيق: علي محمد عوض وعادل أحمد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/ 1414=1994.
- خزانة الفقه وعيون المسائل: نصر بن محمد بن أحمد السمرقندي، تحقيق: صلاح الدين الناهي، شركة الطبع والنشر الأهلية، بغداد، 1385=1965.
- الدليل الجنائي المادي ودوره في إثبات جرائم الحدود والقصاص: أحمد أبو القاسم، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض، 1414=1993.
- الرسالة الفقهية: عبد الله بن أبي زيد القيرواني، (ت: 386ه)، تحقيق: الهادي محمد ومحمد أبو الأجفان، دار الغرب الإسلامي، ط1/1406=1986.
- الروض المربع بشرح زاد المستقنع: منصور بن إدريس البهوتي، تحقيق: محمد عبد الرحمن عوض، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2/1406=1986.
- سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، (202- 275ﻫ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر.
- سنن الدارقطني: علي بن عمر الدارقطني البغدادي، (306-385ﻫ)، تحقيق: عبد الله هاشم يماني المدني، دار المعرفة، بيروت، 1386= 1966.
- السنن الكبرى: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، أبو بكر البيهقي، (384- 458ﻫ)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414= 1994.
- السنن الكبرى: أحمد بن شعيب النسائي، (215-303ﻫ)، تحقيق: الدكتور عبد الغفار البنداري وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/ 1411=1991.
- السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية: ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، تعليق: محمد عبد الله السمان، مكتبة المثنى، بغداد.
- شرح الزرقاني على موطأ مالك: محمد عبد الباقي الزرقاني المصري المالكي، (ت: 1122ﻫ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1411=1990.
- صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج، القشيري النيسابوري، (206-261ﻫ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- الطبقات الكبرى: محمد بن سعد بن منيع المعروف بابن سعد، (ت: 230هـ)، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، ط1/ 1968 م.
- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد بشير عيون، مكتبة دار البيان، بيروت، ط1/1410 1989.
- غذاء الألباب شرح منظومة الآداب: محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، (ت: 1188ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1417=1996.
- كشـاف القنـاع: منصور بـن إدريس البهوتـي، عالـم الكتـب، بيـروت، 1403= 1983.
- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي، (ت:1162ﻫ)، تحقيق: أحمد القلاش، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4/1405ﻫ.
- لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، (630-711ه)، دار صادر، بيروت، ط1.
- مراتب الإجماع: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، دار ابن حزم، بيروت، ط1/1419=1998.
- مسند أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، (ت: 774هـ)، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار الوفاء، المنصورة، ط1/1411=1991.
- موطأ الإمام مالك: مالك بن أنس الأصبحي، (93- 179ﻫ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، مصر.
- المدخل إلى فقه المرافعات: عبد الله بن محمد بن سعد آل خنين، دار العاصمة، الرياض، ط1/1422=2001.
- المستدرك على الصحيحين: محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، (321- 405ﻫ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/ 1411 =1990.
- المصنف: عبد الرزاق بن همام الصنعاني، (126-211ﻫ)، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2/1403ﻫ.
- المصنف في الأحاديث والآثار: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، (159- 235ﻫ)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، ط1/ 1409ﻫ.
- المغني: عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، ( 541-630ه)، دار الفكر، بيروت، ط1/1405ه.
- المقدمات الممهدات: محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الجد، (ت:520ه)، تحقيق: سعيد أحمد، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1/1408=1988.
- المنتقى شرح الموطأ: سليمان بن خلف الباجي، (403-494ه)، مطبعة السعادة، مصر، ط1/1332ه.
- المهذب في فقه الإمام الشافعي: إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، دار الفكر، بيروت.
- نصاب الاحتساب: عمر بن محمد السنامي، تحقيق: مريزن سعيد، مكتبة الطالب الجامعي، مكة المكرمة، ط1/1406=1986.
- نظام القضاء في الشريعة الإسلامية: عبد الكريم زيدان، دار البشير، مؤسسة الرسالة، ط3/1415=1995.
- النظرية العامة للإثبات في المواد الجنائية: هلالي عبد اللاه أحمد، دار النهضة العربية، ط1/1987م.
- النظم الإسلامية نشأتها وتطورها: صبحي الصالح ، دار العلم للملايين، بيروت، ط6/1982م.
[1])) ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت، 1968م، ط1، 3/265؛ ابن حجر، أحمد بن علي، الإصابة في تمييز حياة الصحابة، دار الجيل، بيروت، 1992م، ط1، 4/484؛ الزركلي، خير الدين بن محمود، الأعلام، دار العلم للملايين، 2002 م، ط15، 5/45.
[2])) البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، دار ابن كثير, اليمامة، بيروت، 1987م، ط3، 4/149، رقم(3383)، باب قوله تعالى: لقد كان في يوسف وإخوته؛ مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي، بيروت،4/1958 رقم (2526)، باب خيار الناس.
[3])) الحاكم، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990م، ط1، 3/574، رقم(6129)، وسكت عنه الذهبي.
[4])) ينظر : مالك، ابن أنس، الموطأ، دار إحياء التراث العربي، مصر، 2/842 رقم(1532)، في الأشربة، باب الحد في الخمر؛ البخاري، الجامع الصحيح، 7/107.
[5])) الدارقطني، علي بن عمر، سنن الدارقطني، دار المعرفة، بيروت، 1966م، 4/ 206 رقم(15)؛ البيهقي، أحمد بن الحسين، السنن الكبرى، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1994م، 10/150 رقم ( 20324)؛ وينظر لتصحيح الرسالة: ابن حجر، أحمد بن علي، تلخيص الحبير، المدينة المنورة، 1964م، 4/196.
[6])) السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، تاريخ الخلفاء، المدينة المنورة، 1964م، ص 23. حيث ذكر أنه أول من اتخذ صاحب الشرطة.
[7])) الصالح، صبحي، النظم الإسلاميةنشأتها وتطورها، دار العلم للملايين، بيروت، 1982م، ط6، ص 333.
[8])) البخاري، الجامع الصحيح، 2/853، ذكره معلقا؛ ابن قيم،محمد بن أبي بكر، الطرق الحكمية، مكتبة دار البيان، بيروت، 1989م، ط1، ص 90.
[9])) القرشي، عمر غالب، أوليات الفاروق في الإدارة والقضاء، مؤسسة الكتب الثقافية،ـ 1990م، ط1، 1/212.
[10])) سيمر في ثنايا البحث ما يؤكد هذه الصفة عن سيدنا عمر رضي الله عنه، ينظر : ص9.
[11])) زيدان، عبد الكريم، نظام القضاء في الشريعة الإسلامية، دار البشير، مؤسسة الرسالة، 1995م، ط3، ص 115.
[12])) الزحيلي، محمد، التنظيم القضائي في الفقه الإسلامي، دار الفكر المعاصر، بيروت، 2002م، ط2، ص 162.
[13])) خنين، عبد الله بن محمد، المدخل إلى فقه المرافعات، دار العاصمة، الرياض، 2001م، ط1، ص 61.
[14])) ابن فرحون، إبراهيم بن محمد، تبصرة الحكام، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001م، 1/4.
[15])) خنين، المدخل إلى فقه المرافعات، ص 96.
[16])) سبق ذكر الرسالة وتخريجها في البحث، ينظر : ص3.
[17])) ابن قيم، محمد بن أبي بكر، إعلام الموقعين، دار الجيل، بيروت، 1973م، 1/89.
[18])) الماوردي، علي بن محمد، الحاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1994م، ط1، 16/34.
[19])) ستأتي هذه القضية في ثنايا البحث، ينظر : ص 14 .
[20])) ابن قيم، الطرق الحكمية، ص 44؛ وسيأتي في البحث ذكر القضية وتفصيلها، ينظر : ص14.
[21])) الماوردي، الحاوي، 16/ 48؛ ابن رشد، أحمد، المقدمات الممهدات، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1988م، ط1، 2/259؛ البهوتي، منصور ابن إدريس، الروض المربع بشرح زاد المستقنع، دار الكتاب العربي، بيروت، 1986م، ط2، ص540.
[22]))ابن قيم، الطرق الحكمية، ص 27؛ ابن كثير، إسماعيل بن عمر، مسند أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، دار الوفاء، المنصورة، 1991م، ط1، 2/456. وقال عنه ابن كثير: هذا أثر غريب، وفيه انقطاع بل معضل.
[23]))المصدر السابق.
[24])) الحاكم، المستدرك، 2/234 رقم(2856)، وقال عنه: هذا حيث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، لكن تعقبه الذهبي وقال: بل عمر بن عيسى منكر الحديث؛ البيهقي، السنن الكبرى، 8/36 رقم (26 157).
[25])) ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد، المصنف في الأحاديث والآثار، مكتبة الرشد، الرياض، 1409ﻫ، ط1، 5/493 رقم( 28303).
[26])) الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407ﻫ، ط1، 2/578.
[27])) عبد الرزاق، المصنف ، 9/458-459 رقم (18010).
[28])) الشيرازي، إبراهيم بن علي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، دار الفكر، بيروت، 2/192؛ البهوتي، منصور بن إدريس، كشاف القناع، عالـم الكتـب، بيـروت، 1983م، 6/17.
[29])) البيهقي، السنن الكبرى، 10/ 2124 رقم( 2073) .
[30])) خرج البيهقي أربع روايات عن سيدنا عمر في تعزير شاهد الزور لكن وصفها بالضعف والانقطاع، واثنين منها بالوصل إلا أنه يوجد فيها من لا يحتج فيه، ينظر : السنن الكبرى، 10/ 141،142.
[31])) الأزدي، معمر بن راشد، الجامع، المكتب الإسلامي، بيروت، 1403ﻫ، ط2، 11/328 رقم ( 20676).
[32])) ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، السياسة الشرعية، مكتبة المثنى، بغداد، ص 113؛ ابن قدامة، عبد الله بن أحمد، المغني، دار الفكر، بيروت، 1405ه، ط1، 10/234؛ الماوردي، الحاوي، 16/320؛ المرير، محمد، الأبحاث السامية في المحاكم الإسلامية، منشورات معهد الجنرال فرنكو للأبحاث العربية، 1952م، 2/67.
[33])) ابن قيم، الطرق الحكمية، ص 88.
[34])) سبق تخريجها، ينظر : ص 3 من البحث.
[35])) بكار، حماية حق المتهم في محاكمة عادلة، ص 262.
[36]))ابن أبي شيبة، المصنف،5/512 رقم ( 28501).
[37])) المصدر السابق.
[38]))بكار، حاتم، حماية حق المتهم في محاكمة عادلة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1996م، ص 222.
[39]))أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، دار الفكر، 3/267 رقم (3430)، في الإجارة، باب في الصائغ.
[40]))ابن قيم، الطرق الحكمية، ص44.
[41]))ينظر : ابن حجر، الإصابة، 2/177.
[42])) مالك، الموطأ، 2/842، رقم (1532)، في الأشربة، باب الحد في الخمر.
[43])) ينظر : ص 13 من البحث حيث وردت الحادثة بالتفصيل.
[44])) أحمد، هلالي عبد الله، النظرية العامة للإثبات في المواد الجنائية دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، ص 601.
[45]))عبد الرزاق، ابن الهمام، المصنف، المكتب الإسلامي، بيروت، 1403ﻫ، ط2، 10/231 رقم (18943)؛ الحاكم، المستدرك، 4/419 رقم(8136)، وقال عنه: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ؛ البيهقي، السنن الكبرى، 8/333 رقم (17403).
[46]))عبد الرزاق، المصنف، 10/231 رقم (18944) عن أبي قلابة.
[47])) أبو القاسم، أحمد، الدليل الجنائي، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض،1993م، 1/313؛ أحمد هلالي، النظرية العامة للإثبات، ص 602.
[48]))السفاريني، محمد بن أحمد، غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، دار الكتب العلمية، بيروت، 1996م، ط1، 1/201.
[49]))السنامي، عمر بن محمد، نصاب الاحتساب، مكتبة الطالب الجامعي، مكة المكرمة، 1986م، ط1، ص340؛ الماوردي، علي بن محمد، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، 1973م، ط3، ص405.
[50])) السنامي، نصاب الاحتساب، ص 340.
[51])) ابن أبي شيبة، المصنف، 5/511 رقم ( 28493).
[52])) عبد الرزاق، المصنف،7/432 رقم ( 13760)؛ البيهقي، السنن الكبرى، 10/159 رقم( 20384)، وقال عنه: هذا منقطع.
[53])) ابن قدامة، المغني، 9/70.
[54])) ابن نجيم، زين الدين بن إبراهيم، الأشباه والنظائر، دار الفكر، دمشق، 1983م، ط1، ص494.
[55])) ابن قدامة، المغني، 9/70.
[56])) مالك،الموطأ،2/720 رقم( 1402)، في الأقضية، باب ما جاء في الشهادات.
[57])) الباجي، سليمان بن خلف، المنتقى شرح الموطأ، مطبعة السعادة، مصر، 1332ه، ط1، 5/190.
[58])) ينظر : ابن فرحون، تبصرة الحكام، 1/25.
[59])) البيهقي السنن الكبرى، 10/125 رقم(20187)؛ العجلوني، إسماعيل بن محمد، كشف الخفاء ومزيل الإلباس، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405ﻫ، ط4، 1/549، حيث ذكره عند البغوي بإسناد حسن.
[60])) ابن أبي شيبة، المصنف، 5/526 رقم (28643) ؛ البيهقي، السنن الكبرى، 10/142 رقم(20281)، وحكم عليه بالضعف.
[61])) البيهقي، السنن الكبرى، 8/276 رقم (117056).
[62])) الموصلي، عبد الله بن محمود، الاختيار لتعليل المختار، دار الخير، 1998م، ط1، 4/367؛ العمراني، يحيى بن أبي الخير، البيان، دار المنهاج، بيروت، 2000م، ط1، 12/375.
[63])) الموصلي، الاختيار، 4/367.
[64])) سبق تخريجه، ينظر : ص 8، حاشية رقم 25.
[65])) السمرقندي، نصر بن محمد، خزانة الفقه، شركة الطبع والنشر الأهلية، بغداد، 1965م، ص408؛ العمراني، البيان، 13/418؛ البهوتي، الروض المربع، ص 556؛ ابن حزم، علي بن أحمد، مراتب الإجماع، دار ابن حزم، بيروت، 1998م، ط1، ص94.
[66])) البخاري، الجامع الصحيح، 6/2504 رقم(6441)، في المحاربين، باب الاعتراف بالزنا.
[67])) القيرواني، عبد الله بن أبي زيد، الرسالة الفقهية، دار الغرب الإسلامي، 1986م، ط1، ص242؛ ابن رشد، المقدمات الممهدات، 3/254؛ ابن قيم، الطرق الحكمية، ص6.
[68])) مالك، الموطأ،2/829 رقم(1515)، في الحدود، باب الحد في القذف والنفي والتعريض.
[69])) الزرقاني، محمد عبد الباقي، شرح الزرقاني على الموطأ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990م، ط1، 4/187.
[70])) الدسوقي، محمد عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار الكتب العلمية، بيروت، 1996م،ط1، 2/465؛ ابن قدامة، المغني، 9/81.