فن قراءة الصورة في المنجز النقدي للدكتور عمر عتيق
الدكتورة إيمان نوري، جامعة الشاذلي بن جديد –الطارف / الجزائر.
The art of reading the picture in the critical achievement of Dr. Omar Ateeq
Iman Nouri, University of Chadli Bendjedid – El Tarf / Algeria.
مقال منشور كتاب أعمال ملتقى المنجز النقدي الفلسطيني وخصوصيته عند عمر عتيق في اصفحة 117.
ملخصيبدو تأثر الناقد عمر عتيق واضحا بفن الصورة في كتاباته النقدية؛ إذ تدور معظم أعماله حول الدراسة النقدية للفن التصويري، وتتنوع الصور في كتاباته بين صور اللوحات المرسومة في الفن التشكيلي، والصورة الكاريكاتيرية وكذا صور أغلفة بعض الأعمال الأدبية مثل الدواوين الشعرية والروايات التي درسها –كعتبة أولى للدراسة السيميائية-، والإشكالية المطروحة في هذه المداخلة هي:
*كيف شكل النقد الفني محور الدراسات النقدية عند الدكتور عمر عتيق؟
*وما الذي أضافته دراسة الصورة إلى مشروعه النقدي؟
Abstract:
The critic Omar Atique seems to have been influenced by the art of picture in his critical writings, most of his works revolve around critical studies of graphic art, the images in his writing vary between pictures of paintings drawn in fine art, and caricature, and also, cover photos of some literary works, which he studied as a first step to his semiotic study.
The problematic issues raised in this presentation are:
*How did art criticism form the focus of critical studies for the critic Omar Atique؟
*And what did picture study added to his criticism project؟أولا: النقد الفني المعاصر وأساسيات قراءة الصورة الفنية
النقد الفني هو مجال نقدي حديث يهتم بقراءة الصورة وكل ما يتعلق بدراسة الفن التشكيلي، وهو يعني ”التبصر العميق والتأمل الواعي بالعمل المبدع (…)وهكذا فإن الحكم يرتبط بأكثر من تلك المقدرة الثقافية التي تهيئ المثقف لفهم العمل الفني، يرتبط بملكة روحية هي الحدس المثقف”[1].
إن النقد الفني هو نافذة نقدية ذوقية مفتوحة على المجال الفني، يقوم فيه الناقد بالتبصر العميق في العمل الفني سواء كان لوحة تشكيلية أو تمثالا أو أي عمل فني آخر، وسواء توفرت للناقد في صورتها الحقيقية مرسومة في لوحة أو متموضعة أمامه كمنحوته، أو إن توفرت لديه في شكل صورة للعمل الفني يوضح كل تفاصيل العمل، ويقوم الناقد الفني بدراسة الحركات الفنية التي ظهرت في فترة معينة، والعوامل التي أدت إلى ظهورها، كما يدرس التغيرات والتطورات التي طرأت عليها، وأهم روادها، كما يقوم أيضا بدراسة الأعمال الفنية المنجزة من قبل الفنانين من أجل الوقوف على ميزاتها وأهم المظاهر الجمالية فيها.
يرتبط الحكم على العمل الفني بعدة عوامل، تتمثل أساسا في ثقافة الناقد ومستواه الفكري، وتوجهه النقدي، وكذا غرضة الأساسي من دراسة العمل الفني؛ لذلك يعد النقد الفني عملا ذاتيا ذوقيا، ”ومما لاشك فيه فإن ألية التذوق أكثر تعقيدا من آلية المعرفة، وأن قوة التذوق هي غير قوة الذكاء، وأن التذوق مرتبط بعوامل مختلفة بعضها نفسي وبعضها اجتماعي وبعضها أخلاقي، وليس من الممكن النظر إلى هذه الآلية من زاوية عامل واحد”[2]، ما يجعل عمل الناقد الفني عملا صعبا للغاية، لأنه لو حكم على العمل وفقا لذوقه الخاص أصبح نقده غير موضوعي، لذلك عليه أن يكون ذا فكر موسوعي، وله اطلاع على الحركات الفنية الجديدة، وله خبرة بخصائص اللون والنغمة وغيرها من المعارف الفنية العامة.
على الناقد الفني أن يقوم بعدة أدوار في مجال النقد الفني هي ثلاث كما يلخصها الناقد عفيف البهنسي في تحديده لعمل الناقد الفني بدء بالدور الأول له وهو ”تصنيفي يربط فيه المدارس والتيارات، ويحدد المدارس والأصول، ويعين خصائص كل اتجاه ويقارنه بالواقع أو بالقواعد الكلاسيكية أو بالفلسفات الشائعة (…) والدور الثاني الذي يقوم به الناقد هو دور تاريخي، فهو يسترجع الاتجاهات (…) والدور الثالث الذي يقوم به الناقد هو دور إرشادي، ليس الناقد معلما، ولكنه في بعض مراحل تكون الفنان، يكون للناقد دور في تغذية اتجاه فني معين، بل وفي توجيهه وتشجيعه”[3]، لأن الناقد يوجه الذوق العام لمتذوقي الأعمال الفنية من خلال تسليط ضوء ساطع على مواطن الجمال فيها، وتظليل ما أخفق فيه الفنان بخافي عيوب يتخفى وراء لغة جميلة لا تتحدث سوى عن الجمال، ما يجعل من الناقد الفني هو المتحكم الحقيقي في توجيه العامة نحو اتجاه فني معين أو فنان أو إبعادهم عنه.
كما للناقد مواصفات يجب أن يتصف بها، فإن العمل الفني الذي يستحق دراسة نقدية تقام حوله هو عمل يجب أن يثير شيء ما فيه الناقد لدراسته، شيء أكثر من الجمال الشكلي الذي يدرك بالبصر؛ إذ عليه أن يكون أكثر من مجرد عمل فني جميل، فاللوحة الفنية مثلا ”يجب أن تهزنا على نحو أكثر فورية عن طريق مخاطبة الحس مباشرة”[4]، فتجعل الناقد يركز في اللوحة باعتبارها عملا فنيا مجردا؛ بحيث تصبح ”عناصر الخط واللون والكتلة هي كل ما يستولي على اهتمام كل من الفنان والمشاهد على حد سواء، ولذلك فإن الناقد المعاصر يهتم أساسا بدراسة القيم التشكيلية في اللوحة أو التمثال، وبالتالي فهو يركز على تحليل التخطيط الهندسي لتكوين الصورة أو إقامة التمثال. بمعنى آخر يهتم بتوزيع الألوان على المساحة، أو النسب على الكتلة، بصرف النظر عن المادة التي استقى منها مضمونه”[5]
يقوم الناقد الفني بدراسة العمل الفني من الناحية الشكلية أولا؛ حيث ينظر في الخلطة اللونية التي استخدمها الفنان، ويرى نوعها ودرجتها ومدى تنوعها، والأشكال التي اعتمدها، وهل هي قريبة من الواقع المحاكى فنيا أم أنها تتجاوزه، وكيف تصرف في كل ما سبق بطريقته الخاصة أو وفق أسلوب سائد متبع، ثم ينتقل بعد ذلك إلى دراسة دلالات كل ما سبق من الناحية النفسية أو الاجتماعية أو السياسية أو الإبداعية عموما حسب المدرسة التي يسير وفقها في النقد؛ لذلك فإن هناك عدة نظريات حول كيفية قراءة اللوحة قراءة نقدية، أشهرها ثلاث نظريات:
”النظرية الأولى: يقول هنري بيروشو: “أن نقرأ اللوحة في ضوء معرفة حياة الفنان وظروفه النفسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية، ومدى انعكاس ذلك على فنه”[6]؛ فالفنان كما يُقال عنه هو ابن بيئته التي نشأ وكبر فيها، لذلك فإنه بطبيعة الحال سوف يتأثر بالظروف المحيطة به ويجعلها جزءا من عمله الفني، تدخل في تفصيلاته صراحة بصورة واضحة، أو تتسلل إلى جزئياته من خلال التسلل عبر لا وعيه الجمعي.
أما النظرية الثانية فتقول ”بضرورة دراسة الأعمال الفنية لفهم مبدعها، لأنه كما يكون العمل الفني يكون الفنان، وأن الموضوع الجمالي من شأنه أن يفصح لنا عن وجه صاحبه، وأن سيرة الفنان أو حياته ليست هي التي تساعد على التعرف عليه لأن عمله الفني هو الذي يشهد لنا بعبقريته ويدلنا على إنسانيته”[7]
هذه النظرية هي الوجه المقابل للنظرية السابقة؛ ففي حين تؤكد النظرية الأولى على تأثير بيئة الفنان ونشأته في عمله الفني، من خلال التركيز على السياقات المحيطة به، تدعو هذه النظرية إلى البحث عن الفنان من خلال عمله الفني الذي يعطي عادة صورة عن المبدع؛ لذلك يجب التركيز على دراسة تفاصيل العمل الفني حتى نتعرف على صاحبه، وعلى ما يحاول إخفاءه عنا.
تركز النظرية الثالثة على العمل الفني منفصلا عن سياقاته الخارجية وعلى سياقاته الإبداعية؛ حيث ترى أن حقيقة العمل الفني تكمن في هذا العمل الفني نفسه، وأن له وجودا مستقلا وحقيقة واقعية تشغل حيزا في المكان، وتمتاز بالديمومة في صميم الزمان (…) واعتبر شارل لاتو أن العمل الفني شيء فريد ؛ وإن كثيرا من الأعمال الفنية الرائعة أبدعتها شخصيات ذات نفسيات مضطربة مثل فان غوخ، وهناك لوحات رائعة كثيرة لم يُعرف مبدعوها، درست بشكل مستقل”[8]
إن العمل الفني –حسب هذه النظرية- هو عمل إبداعي مستقل عن مبدعه وعن ظروف إبداعه إلى حد كبير؛ حيث أنه منجز فني له صفات وخصائص تصنع تميزه، من خلال تناسق ألوانه ودقه أشكاله التي تعطي بعدا جماليا للعمل.
من خلال النظريات السابقة نجد أن الناقد الفني أثناء دراسته للعمل الفني -اللوحة التشكيلية تحديدا- يجب عليه أن يراعي عددا من العناصر الضرورية لإنجاز دراسته النقدية وهي: أن يولي ”عناصر بناء اللوحة الأهمية الأولى في تناول العمل وقراءته من الخط واللون والمساحة والفراغ والاتزان والتصميم ومن ثمة التكوين، أي مواجهة العمل الفني بتقييمه على مستويات ثلاثة: مستوى الرؤيا، مستوى البناء، ومستوى اللغة التشكيلية. هذه المستويات تتصل بما لدى الفنان من الخاص المميز الذي يفرده عن غيره من حيث أنه يقدم صورة جديدة للعالم الذي يعيش فيه”[9]
يجب على الناقد الفني أن يتصف كذلك بالثقافة الواسعة التي تمكنه من الحكم على العمل الفني بطريقة علمية موضوعية؛ إذ عليه ”التسلح بقيم التعبير النقدي (…) حتى يكون لديه عقلية متحررة، ناقدة، واعية، مميزة الأصل من الزائف، وأن يكون مسؤولا أمام كل إنتاج (…) وينبغي على الناقد أن يستعين بضروب معرفته كلها، ويكتب بروح المبدع لأن النقد في أفضل حالاته عملية إبداع يحركها إبداع آخر، النقد إبداع على إبداع”[10]
بعد أن تعرفنا على النقد الفني وشروطه وتقنياته ننتقل الآن إلى النقد الفني وأساسيات قراءة الصورة عند الناقد الفلسطيني عمر عتيق، من خلال عدد من الكتب النقدية للناقد التي درس فيها الصورة بمختلف أشكالها، سواء الصورة التشكيلية أو الكاريكاتيرية أو صور أغلفة الأعمال الأدبية الإبداعية.
- الصورة التشكيلية من خلال كتاب نوافذ ثقافية ودراسات سيميائية
يفتح كتاب نوافذ ثقافية للكاتب عمر عتيق عشر نوافذ فكرية على مجال النقد الفني؛ حيث طرح عدة قضايا تتعلق بالعلاقة بين الأدب والفن، كانت النافذة الأولى بعنوان: التأثر والتأثير بين اللوحة التشكيلية والنص الأدبي، تحدث فيها الناقد عن العلاقة بين الأدب والفنون المختلفة خاصة مع فن الرسم؛حيث بدأ بالتمهيد لهدفه من إنجاز هذه الدراسة وهو ”رصد تجليات مقولة “تظافر الفنون” استئناسا بوحدة البواعث التي تفضي إلى تشكيل الإبداع الإنساني، وتذهب الدراسة إلى أن ميلاد العمل الإبداعي عامة يسبقه مخاض فكري ونفسي متشابه لدى المبدعين الذين يسعون إلى التعبير عن مشهد إنساني من خلال رؤية ذاتية تنسجم مع الثقافة الجمعية إلى حد ما”[11]
يطرح الناقد الفني عمر عتيق في المقطع السابق فكرة شغلت الكتاب والنقاد منذ زمن بعيد، وهي فكرة العلاقة بين الفنون المختلفة وحقيقة الحدود الفاصلة بينها؛ إذ هناك من نفى العلاقة بين الأدب والرسم –مثلا- مثل الرسام الكبير ليوناردودافينشي الذي قال بتعالي الرسم على الأدب؛ حيث وبعد عقده عدة مقارنات بين هذين الفنين وصل إلى نتيجة مفادها أن ”هناك علاقة من التشابه والاختلاف بين الشعر والتصوير وهي العلاقة نفسها التي تربط بين الظل والجسم المظلل، وبين التخيل والتأثر فالشعر يقدم صورة عبر الحروف والكلمات بينما يضع التصوير أشكاله أمام العين على نحو واقعي؟.
هكذا تستقبل العين الأشكال المشابهة للواقع التي يخلقها التصوير كما لو كانت طبيعية، وهو ما يعجز الشعر عنه، لأن صور الشعر تفتقد إلى التشابهولا تنفذ إلى الوجدان عبر حاسة البصر كما يفعل التصوير”[12]
نفى ليوناردو دافينشي وجود علاقة بين الأدب والرسم بدافع قدرة الرسم على تجسيد المعاني بصورة واقعية أمام المتلقي لأنه يخاطب حاسة البصر، في حين يعجز الشعر عن ذلك وهو الأمر نفسه الذي تحدث عنه الكاتب والمسرحي الألماني ليسينج Gothold Éphraïm Lessing في كتابه Laocoon الذي يقدم مثالا يؤكد من خلاله تميز عمل الفنان وتفوقه على عمل الشاعر، مخصصا حديثه عن اللحظة التي تلتف فيها الأفاعي حول ضحاياها في العمل الفني (منحوتة لاووكون) مُحاوِلةً الفتك بهم مقارنا بين عمل الفنان في اللاووكون وعمل الشاعر فيرجيل، يقول: ”يمتلك الشاعر إمكانات أقل للتعبير عن ثنيات الأفاعي بشكل جديد، والتي تظهر في العمل الفني مُحاصِرة أيدي الضحايا وممسكة بشدة بأرجلهم، هذا التركيب هو أكثر إمتاعا للعين وصورته التي تُرِكت للمخيلة هي أكثر حياةً، إلى جانب أنها أكثر تعبيرية ووضوحا، لكن وصفها بالكلمات هو أقل قليلا من الوصف المادي لها (من خلال الفن)”(25).
هكذا نفى معظم النقاد القدامى فكرة العلاقة بين الأدب والفنون التصويرية بناء على أسس كثيرة أهمها القدرة التصويرية الكبيرة للرسم وتفوقها على الشعر، في حين أن النقاد المعاصرين أكدوا هذه العلاقة من جانب مختلف عن المحاولات السابقة التي حاولت إثبات تفوق أحد الفنون على الآخر؛ إذ ركز النقاد المعاصرون على النقاط المشتركة بين الأدب والفنون البصرية من أجل توضيح القيم الجمالية التي اكتسبها كل منهم من الآخر، والناقد عمر عتيق من هؤلاء؛ إذ أكد في قوله السابق على العلاقة بين الأدب والفنون، وأن الاختلاف الوحيد ”بين المبدعين يظهر في نوع المخرجات الإبداعية، أي في الأدوات المستخدمة لميلاد العمل الإبداعي الذي يتشكل باللغة أو اللون أو اللحن أو غيرها من الأدوات الإبداعية”[13]
يصبح الرسام أديبا يروي لنا بالريشة والألوان قصة حقيقية كانت أو خيالية يجسدها أبطال حقيقيون كانوا أم خياليون يروون جزء من تاريخ أمم خلت؛ إذ يستعير الرسام صفة من صفات الأدباء ألا وهي: رواية القصص فيشترك بذلك كل من الرسام والأديب في رواية قصة قد تكون قصة حرب أو سلم قصة انتصار أو هزيمة، قصة تميُّزٍ لوطن أو شعب ويغدو الاختلاف الوحيد بينهما في الأداة التي يستعملها كل منهما للتعبير عن أفكاره؛ ففي حين يعتمد الأديب كلمات منتقاة مرصوفة جنبا إلى جنب تخبرنا شيئا ما، يَعمَدُ الرسام إلى ريشته وألوانه ليصوِّر أشكالا تقوم هي الأخرى بإخبارنا شيئا ما، قد يكون في كثير من الأحيان شبيها بما أراد أن يخبرنا به الشاعر، وكما استعار الرسام صفة من صفات الأديب ألا وهي رواية القصص، يمكن للأديب أيضا أن يستعير صفة من صفات الرسام إذا ما هو توجه إلى رسم ملامح إنتاجه الأدبي، فكأننا به أحيانا يرسم لوحة تمتزج فيها الألوان المعبرة عن الحياة وتتجسد فيها الصور فيُحس القارئ كأنه يراها مرسومة بريشة رسام، كما أنه يقوم برسم شخصياته مُحدِّدًا ملامحها الشكلية حتى يتصور القارئ أنه يراها مجسدة أمامه.
يمكن تلخيص علاقة الأديب بالرسام في أنه ”لدى الكتاب الفرصة للحديث بشكل أكثر تحديدا ودقة عن الرسم؛ ذلك أنهم يعرفون كيفية إعادة اكتشاف اللوحة بحجة قيامهم بوصفها.. يعرف كل كاتب أن كل نمط تصويري يحمل فكرة أو بمعنى آخر فإن فعل الرسم في حد ذاته هو في ترتيب الفكر نوع من التفكير لا يمكن التعبير عنه من خلال قالب آخر.
باختصار يفكر الرسام- مهما كان الشيء الذي يفكر فيه و يعود الأمر إلى الكاتب كي يشرح هذا النوع من التفكير أو بمعنى أدق أن يمنحه الاستمرارية”[14]
انتقل الناقد عمر عتيق بعدها إلى تقديم أمثلة عن استحضار اللوحات الفنية في بعض الأعمال الروائية الحديثة معتمدا على طريقة موحدة في تحليل هذه اللوحات؛ حيث بدأ برواية أثقل من رضوى للكاتبة رضوى عاشورالتي استحضرت لوحة الجورنيكا لبيكاسو، فبدأ مسار نقده الفني باختيار عنوان مناسب يجمع بين الصورة والمحكي السردي وهو: لوحة الجورنيكا وأحداث ثورة يناير المصرية، ثم انتقل بعد ذلك إلى تفصيل هذا العنوان والغوص في تفاصيله السردية والتشكيلية، متحدثا عن علاقة المتن الروائي باللوحة؛ حيث ”اختارت الكاتبة لوحة (الجرنيكا) التي رسمها بيكاسو للمقاربة بين الأحداث الدموية ومشاهد الدمار الناجمة عن قصف الطائرات الألمانية لقرية الجرنيكا في إقليم الباسك في السادس والعشرين من أبريل عام 1937 فقتلت القنابل النساء والأطفال، ودمرت البيوت، والمباني الأثرية، والأحداث الدموية التي وقعت في ثورة يناير، وخاصة الأحداث المرعبة في شارع محمد محمود في القاهرة”[15]
يشرح الناقد عمر عتيق في المقطع السابق العلاقة السببية التي دفعت بالكاتبة رضوى عاشور إلى استلهام اللوحة الفنية التشكيلية الجورنيكا لبيكاسو في روايتها، وهو التشابه الكبير بين المأساة التي عاشها سكان قرية الجرنيكا بعد تعرضهم للقصف الجوي ما دفع الرسام إلى التعبير عن معاناتهم بالريشة والألوان، والمآسي التي عاشها سكان القاهرة خلال ثورة يناير 2011.
انتقل الناقد -بعد شرح العلاقة السببية التي تجمع النص بالصورة- إلى وصف الصورة التي تمثل لوحة بيكاسو مدققا في تفاصيلها الكثيرة التي ذكرتها الكاتبة بعد أن قسمتها ”إلى ثلاثة مقاطع: مقطعان طوليان في الجانبين، يتوسطهما مقطع أكثر عرضا، وفي يسار اللوحة رأس ثور تظهر أسفله امرأة تحمل ابنها القتيل، ورأسها على خلفية جسد الثور، وتحت المرأة ذراع فارس قتيل تبرز أصابع يده غليظة منتفخة”[16]
بعد الوصف الشكلي للوحة أو ما يعرف في علم سيمياء الصورة بالمسح البصري، يضع صورة اللوحة محل الدراسة، حتى يشرك معه القارئ في تفاصيل تحليله، وحتى يتعرف على اللوحة إن كان لم يرها من قبل.
ثم ينتقل الناقد عمر عتيق بعدها إلى دراسة لوحة ثانية في علاقتها مع نص روائي للكاتبة المصرية السابقة رضوى عاشور، وهي لوحة تروبيكال أمريكا، فبدأ رحلة نقده الفني–كما في المرة السابقة- بإعطاء عنوان لافت للدراسة هو: لوحة تروبيكال أمريكا والبعد القومي في السيرةالذاتية، ثم قام بعد ذلك بالحديث عن العلاقة التي تربط اللوحة الفنية والنص الأدبي قائلا:
”وظفت رضوى عاشور لوحة تروبيكال أمريكا للرسام سكييروس للمقاربة بين فضاء الاستعمار الاستيطاني الذي طمس حضارة الهنود الحمر في أمريكا، والفضاء الاستعماري الاستيطاني الذي يسعى منذ عقود إلى طمس عروبة فلسطين، فلا انفصام بين تفاصيل الحياة الشخصية للكاتبة رضوى عاشور والانتماء القومي لفلسطين المحتلة، وتهدف الكاتبة من المقاربة بين المشهدين إلى إبراز قدرة الفن التشكيلي على إسقاط قناع التزوير الإعلامي والسياسي”[17]؛ حيث أرادت الكاتبة أن تبين أن التاريخ الذي يكتبه القوي دوما، ويحاول أثناء كتابته له تغيير الحقائق لصالحه، يفضحه الإبداع دوما، لأن المبدع-الرسام هنا تحديدا- لا يمكنه أن يرسم تاريخا مزورا.
ثم انتقل بعد ذلك الناقد عمر عتيق إلى وصف اللوحة الفنية كما تبدو من الناحية الشكلية بتفاصيلها الفنية، يقول أن ”اللوحة أو الجدارية تظهرصور عامل من الهنود الحمر مصلوب على صليب مزدوج، صليب يعلوه صليب، ذراعاه ممتدتان مقيدتان على العارضة الخشبية للصليب الأعلى، وساقاه مشدودتان على اتساعهما مربوطتان بالخشبة الأفقية للصليب الأدنى، واللافت في اللوحة شموخ النسر الأمريكي فوق رأس العامل المصلوب”، وبعد الانتهاء من وصف تفاصيل اللوحة من خلال المزاوجة بين كلام الروائية وشرحه، يضع في المنتصف صورة اللوحة التي يقصدها بالدراسة.
ليصل أخيرا إلى الرابط الذي يجمع بين اللوحة والنص الأدبي المدروسين سابقا؛ حيث ”سجلت الكاتبة في سيرتها الذاتية رفضا وإدانة للسياسة الأمريكية حينما تستحضر قرار المسؤولين الأمريكيين الذين سارعوا إلى إخفاء الفضيحة الأخلاقية والحضارية التي أحدثتها لوحة (تروبيكال أمريكا)، فعمدوا إلى طلاء اللوحة باللون الأبيض ليخفوا الفجيعة التي تعبر عنها اللوحة”[18]
استمر بعدها الناقد عمر عتيق في نقد اللوحات الفنية التي أثرت في النص الأدبي بالطريقة السابقة نفسها من خلال التطبيق على مدونات أدبية لكتاب روائيين مختلفين؛ بعنوان لافت يجمع بين اللوحة والنص الأدبي، وانتقالا إلى التمهيد للسبب الذي دفع الكاتب إلى اختيار اللوحة، ثم وصف اللوحة وصفا شكليا دقيقا، ليختم قراءته للصورة التي تمثل اللوحة بتوضيح الإضافة التي حققتها للنص الأدبي، ثم يضع صورة اللوحة الفنية المدروسة في منتصف الدراسة، أو قد يتركها للأخير.
أما في كتابه: دراسات سيميائية، فقد قدم الناقد دراسة للصورة تختلف في طريقتها عن الطريقة السابقة؛ حيث درس الصورة -الممثلة للوحات فنية تشكيلية- من خلال الموضوعات التي تطرحها، فبدأ بدراسة: صورة القدس في اللوحة التشكيلية الفلسطينية؛ حيث مهد لدراسته بالحديث عن علاقة الفنون الأدبية والتشكيلية بعضها ببعض، واشتراكها جميعا في الفكرة المعُبُّر عنها، واختلافهم في الأدوات المستخدمة.
ثم تحدث عن خصوصية اللوحة الفنية التشكيلية الفلسطينية وتميزها ”بأبعاد دلالية إنسانية تحمل رسائل فكرية (سياسية)؛ لأن الصورة لا تقتضي معرفة لغوية للمتلقي، لأنها خطاب مرئي يمكن للمتلقي أن يفهمها ويتفاعل معها بصرف النظر عن العامل اللغوي”؛ بمعنى أن الفنان الفلسطيني يستعمل الريشة والألوان للتعبير عن قضيته، لأن لغة الفن لغة يفهمها العالم أجمع، فهي لغة لا تحتاج إلى ترجمة أو مترجم، إنما تحتاج إلى متلقي يملك حسا إنسانيا يمكنه من فهم معاناة شعب محتل يبحث عن استرداد حقه المشروع.
قام الناقد عمر عتيق بدراسة عدد من الصور التي تمثل لوحات تشكيلية فلسطينية، معتمدا القراءة السيميائية للوحات تمثل صورة القدس في اللوحة التشكيلية الفلسطينية؛ حيث قسم دراسته إلى جزئيات فرعية وفق علاماتها السيميائية معنونا إياها بـ: علامات سيميائية في اللوحة التشكيلية، وقد قسم هذه العلامات إلى عدد من العناصر هي: المرأة، الحصان، التشكيل العنقودي، المرجعيات التاريخية في اللوحة التشكيلية، وحدة المقدسات الإسلامية والمسيحية، التعالق بين القدس وحق العودة، الرؤية الفنية بين الثبات والتحول.
أول العناصر السيميائية في اللوحات التشكيلية المدروسة هي: المرأة، وموضوع المرأة في الفن التشكيلي موضوع قديم ومتجدد في كل عصر؛ حيث تتغير رمزيتها بتغير المراد من وراء توظيفها؛ إذ لطالما كانت المرأة بجسدها الأنثوي المنتهك مادة هامة في الفن التشكيلي باعتبارها موديلا للرسم، يتففن الرسام في إبراز تفاصيله، أو يركز على ملامح الوجه الحالمة التي تعطي بعدا جماليا للوحة الفنية، كما قد يهتم الفنان بالتعبير عن قضايا المرأة كاضطهادها من قبل الرجل، والحالات النفسية التي تمر بها، ثم تغيرت هذه النظرة في العصر الحديث، فمن النظر إليها طيلة قرون كجسد، إلى استخدامها في العصر الحديث كرمز للوطن.
بدأ الدكتور عمر عتيق نقده الفني بصورة للوحة تشكيلية للفنان إسماعيل شموط بعنوان: إرادة الحياة أقوى، قام بوضع الصورة في البداية قبل القيام بتحليلها.
انتقل بعد ذلك الناقد إلى تحليل العنوان؛ حيث عرف بالعلامة السيميائية الأولى وهي المرأة، فتحدث عن دلالتها السيميائية في الفن التشكيلي الفلسطيني، مبينا أنها تتجاوز في الفن التشكيلي الفلسطيني دلالاتها المألوفة لتشمل مفردات الوطن، وتجمع اللوحة التشكيلية بين دلالات الأمومة والخصوبة والديمومة والحياة (…) فالمرأة في وعي الفنان الفلسطيني رمز وطني عام وممتد يتسع للتعبير عن الأرض والإنسان”[19]
يربط الناقد عمر عتيق بعدها الدلالات العامة لصورة المرأة في الفن التشكيلي، ورمزيتها السيميائية في لوحة الفنان اسماعيل شموط الذي لم يخرج في لوحته السابقة عن الدلالات المذكورة آنفا؛ حيث كانت المرأة عنده رمزا للخصوبة والحياة.
يقوم الناقد بعد ذلك بالمسح البصري للصورة عن طريق شرح تفاصيلها وجزئياتها التي تتكون منها؛ حيث نرى صورة ”ثلاث نساء وخلفهن القدس برموزها الدينية، وتحمل المرأة التي تتصدر واجهة اللوحة باقة من شقائق النعمان التي ترمز للشهداء، وتشير بيدها إلى جموع غفيرة من الأطفال والشبان والرجال الذين يرمزون إلى ديمومة الثورة”[20]
ويستمر بعدها الناقد في رصد رموز اللوحة ودلالاتها السيميائية، لينتقل بعد ذلك إلى صورة أخرى لامرأة أخرى عند رسام آخر، هي صورة لوحة العرس للفنان عبد الرحمن المزين ؛ حيث قام –كما في المرة السابقة- بوضع صورة اللوحة التي يريد دراستها ثم انتقل بعد ذلك إلى تحليلها.
إنها صورة تمثل امرأة شابة ترتدي ثوبا أبيضا ناصعا تزينه نقوش كنعانية جميلة، قام الناقد عمر عتيق بنقدها اعتمادا على طريقته السابقة في التحليل؛ حيث بدأ بالمسح البصري للوحة المجسدة في الصورة، من خلال وصف المرأة بثوبها الكنعاني الجميل، وبرج الحمام الذي تحمله على رأسها وتطير منه أسراب الحمام حائمة حول القدس، فتبدو كرمز جميل للسلام العالمي.
انتقل بعدها الناقد إلى استخراج العلامات السيميائية وتحليلها، ليجد في اللوحة علامتين سيميائيتين تنسجمان مع تفاصيل التأويل السابق، الأول: اللون الأحمر في خلفية الصورة الذي يرمز للمخاطر التي تتعرض لها القدس مما يقتضي تلاحما ووحدة وهو ما تحقق في وحدة أسراب الحمام. والثانية: ثوب المرأة الذي يبدو جناحين أو طائرا مما يوحي بأن المرأة هبطت من السماء وكأنها هبة السماء للقدس”[21]
استمر بعدها الدكتور عمر عتيق في دراسة اللوحات اللاحقة بالطريقة السابقة نفسها، بدءا بوضع صورة للوحة في بداية الدراسة، وانتقالا إلى المسح البصري لها، وانتهاء باستخراج العلامات السيميائية ودراستها تباعا.
- قراءة الصورة الكاريكاتيرية من خلال كتاب دراسات سيميائية
بدأ الناقد عمر عتيق دراسته للتناص في فن الكاريكاتير من خلال التعريف بمصطلحات الدراسة الأساسية وهي النص والتناص؛ حيث بدأ بتعريف النص اللغوي، ثم انتقل إلى تعريف الصورة كنص يمكن إخضاعه للقراءة، خاصة الصورة الكاريكاتيرية التي تعد نصا مفتوحا على قراءات عدة؛ ذلك أن الكاريكاتير خطاب فكاهي ساخر، يتناص مع العديد من الخطابات الأدبية والدينية والفكرية والسياسية.
قسم الدكتور عمر عتيق دراسته لفن الكاريكاتير حسب الموضوعات العامة له؛ حيث عنون كل جزئية بعنوان؛ حيث بدأ بـ: التناص في صورة الكاريكاتير، وقام بتقسيمه إلى: التناص التراثي، التناص الرمزي، التناص التقني، الأيقونات الدينية، النار (عود الثقاب)، التناص الديني، التناص التاريخي، الطفل الفلسطيني في صورة الكاريكاتير.
بدأ الدكتور عمر عتيق دراسته للتناص في الصورة الكاريكاتيرية بالتناص التراثي؛ حيث اختار عددا من رسومات الكاريكاتير التي توظف بعض الأمثلة التراثية، مثل: المعتقد الشعبي الذي يقول بأن ”النعام يدفن رأسه في الرمال كي لا يرى الخطر الذي يحيط به، ليعقد موازنة بين صمت الرأي العام وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قتل وتنكيل وحصار”[22]
درس الدكتور عمر عتيق التناص التراثي في فن الكاريكاتير، فبدأ بالمعتقدات الشعبية العربية والفلسطينية التي وُظِّفَت بكثرة في الصور الكاريكاتيرية، انطلق الناقد في تحليله بوضع صورة للكاريكاتير، ثم درسها من الناحية البصرية، كما تبدو للمتلقي/ المشاهد مع تحليلها من الناحية الدلالية؛ حيث تنقسم اللوحة إلى قسمين:
”الأول: الأسرة الدولية التي تمثلها خمس نعامات ترمز إلى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وتبدو النعامات وهي تدفن رأسها في الرمال تجسيدا للاعتقاد الشعبي الذي يظن أن النعامة تفعل ذلك هروبا من رؤية الخطر، فمجلس الأمن الذي تمثله النعامات يغض النظر عما يحدث من ويلات للشعب الفلسطيني.
والثاني: الأسرة الفلسطينية التي تنهمر عليها القنابل الإسرائيلية، وظهور شعار الأمم المتحدة واللون الأزرق يدلان على مسؤولية المجتمع الدولي في حماية المدنيين الفلسطينيين من قصف القنابل الإسرائيلية”[23]
حلل بعدها الناقد عمر عتيق عددا من صور الرسومات الكاريكاتيرية التي وظفت التراث، مثل الأمثال الشعبية التي نجدها بكثرة في فن الكاريكاتيرإما مكتوبة بلفظها أو مرسومة حسب معناها، وقد خصصت الكثير من الصور مساحة للمثل الشهير (لا تحاول تغطية الشمس بالغربال)
استمر الناقد عمر عتيق بعدها بدراسة التناص في الصور الكاريكاتيرية بالطريقة نفسها، من خلال وضع صورة الكاريكاتير، ثم وصفه مع تحليل العنصر التراثي الذي ورد فيه، لينتقل بعدها إلى دراسة جزئية هامة شغلت الكثير من الرسوم الكاريكاتيرية الفلسطينية والعربية والعالمية أيضا، وهي صورة الطفل الفلسطيني في شجاعته ومقاومته السلاح والدبابات بالحجر، وكذا استشهاده على صغر سنه من أجل وطنه.
يقدم لنا الناقد رؤيته التي ينوي السير وفقها في تحليل صورة الطفل الفلسطيني في صورة الكاريكاتير وهي محاولة الكشف ”عن الأبعاد الفكرية والفنية والنفسية، وتتوزع الدراسة على ستة محاور متكاملة؛ فالمحور الأول يرصد التعالق بين الطفل الفلسطيني اللاجيء وحق العودة، إلى الوطن، الثاني يسجل مظاهر تحدي الطفل للجدار العازل بين شطري الوطن، ومعاناته من الحصار القاتل، والثالث يخلد الأطفال الشهداء (…) والرابع يحلل البعد النفسي للأطفال المحرومين من رؤية آبائهم الأسرى، والخامس يعاين المفاصل الرئيسية للخطاب السياسي عند الطفل، والسادس يكشف عن عن عجز مؤسسات حقوق الطفل في حماية الأطفال، ويُظهِر التفاوت المؤلم بين الطفل الفلسطيني وأطفال العالم في يوم الطفل العالمي”[24]، وبهذا يكون عمر عتيق قد استوفى كل عناصر الصورة الكاريكاتيرية التي وُضِع فيها الطفل الفلسطيني، وقام بتحليلها وفق طريقته المعتادة في التحليل، للوقوف على كيفية تصوير رسامي الكاريكاتير العالميين للطفل الفلسطيني، وكيف يمكن لهذه الصور أن تنقل حقيقة طفل صغير يعاني من الاضطهاد والتهميش والحرمان.
3.قراءة صورة غلاف الروايات عند الناقد عمر عتيق
اهتم الناقد عمر عتيق بدراسة صور أغلفة عدد من الأعمال الأدبية الشعرية منها والنثرية، وذلك لأهمية الغلاف كعتبة أولى من عتبات النص تساعد في الدراسة السيميائية له؛ حيث ”تختزل صورة غلاف العمل الأدبي جينات الدفعات الإبداعية لأبرز الخلايا الدلالية في جسد العمل الأدبي، و (…) الفضاء النفسي الذي أحاط بالمبدع في لحظة اختيار صورة الغلاف دون غيرها من الصور التي لامست تفكيره وداعبت وجدانه، هو الفضاء النفسي والوجداني الذي انسابت فيه الدفعات في زمن الإبداع؛ إذ لاانفصام بين مسوغات اختيار صورة الغلاف، وتجليات ميلاد القصيدة أو النص النثري”[25]
بدأ الناقد عمر عتيق تحليل أغلفة الأعمال الأدبية بغلاف ديوان تلاوة الطائر الراحل للشاعر سامي مهنا، فقام بتحليله ودراسته سيميائيا، بالبحث عن العناصر الدلالية التي تربط بين محتوى الديوان والموضوعات المعالجة فيه، وبين صورة الغلاف التي اختارها الشاعر له؛ حيث اختار الشاعر سامي مهنا لوحة الرسام الإنجليزي (جون مارتن) لتكون غلافا لديوانه.
درس الناقد الديوان السابق، وبحث في العناصر التي تجمع بين محتواه الشعري وبين صورة غلافه، فوجد أن ”العلو الشاهق للصخور يناظر محور الصعود والارتقاء والسمو الذي يشكل مفصلا رئيسيا في الديوان؛ إذ يحرص الشاعر على تجسيد فكرة الارتقاء وتجاوز الواقع المؤلم، والشخص الذي يقف على قمة الصخور يناظر قدرة الإنسان على الصعود إلى القمة، والخلاص من “هاوية السقوط”، والملامح الإنسانية المنحوتة في أسفل الصخور تناظر حياة الإنسان العاجز عن تجاوز محنة الواقع، ومعاناته في حياة الحضيض والسقوط”[26]
انتقل بعد ذلك الناقد عمر عتيق من المستوى الأفقي للدراسة، من خلال تحليل عناصر الصورة الموجودة فيها، إلى المستوى العمودي، الذي يقوم فيه بتحليل ما وراء الصورة، والبحث عن السمات المميزة التي تحتاج إلى دراسة وتحليل، فوجد أن هناك عنصرا في صورة لوحة جون مارتن يشبه لوحة أسطورة إيكاروس*؛ حيث هناك ”مقاربة بصرية بين لوحة غلاف الديوان، واللوحة التي تجسد الأسطورة ليسهل الربط بين دلالات الطائر والقلعة والماء في صورة الغلاف والمفاصل الدلالية في قصائد الديوان”[27]، قام الناقد باستخراجها ودراستها واحدة بعد الأخرى.
انتقل بعدها الناقد عمر عتيق إلى تحليل عناصر الديوان في ارتباطها مع صورة الغلاف، فقام بتحليل بعض مقاطع القصائد وربطها بعناصر اللوحة، من خلال الربط بين العناصر اللغوية في النص الشعري، والعناصر الفنية في اللوحة، وكذا العناصر المعرفية التي تربط بينهما مثل: الأسطورة أو المعارف العامة، عن طريق دراسة سيميائية معمقة ومثيرة للاهتمام.
قائمة المصادر والمراجع
- عفيف البهنسي، النقد الفني وقراءة الصورة، المركز الثقافي العربي، القاهرة، مصر/ دمشق، سوريا، د.ت
- عمر عتيق، -نوافذ ثقافية، دار دجلة ناشرون وموزعون، عمان، الأردن، 2018.
-دراسات سيميائية في الفن التشكيلي، دار دجلة ناشرون وموزعون، عمان، الأردن، 2017.
-قضايا نقدية معاصرة في القصة والرواية، دار دجلة ناشرون وموزعون، عمان، الأردن، 2016.
- كلود عبيد، الفن التشكيلي (نقد الإبداع وإبداع النقد)، دار الفكر اللبناني للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2005.
- ليوناردو دافنشي، نظرية التصوير، ت: عادل السيوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1991.
- نبيل راغب، النقد الفني، مطبوعات مكتبة مصر، القاهرة، مصر، د.ت
- Schneller (Dora), Ecrire La Peinture, Schoneller ( Dora), Ecrire La Peinture : La Doctrine De ‘L’ut Pictura Poesis’ Dans La Littérature Française De La Première Moitié Du 20e Siècle, Revue D’études Françaises, No=12, 2007.
عفيف البهنسي، النقد الفني وقراءة الصورة، المركز الثقافي العربي، القاهرة، مصر/ دمشق، سوريا، د.ت، ص: 23.[1]
عفيف البهنسي، النقد الفني وقراءة الصورة، ص: 23.[2]
نبيل راغب، النقد الفني، مطبوعات مكتبة مصر، القاهرة، مصر، د.ت، ص: 65[4]
نبيل راغب، النقد الفني، ص: 67.[5]
كلود عبيد، الفن التشكيلي (نقد الإبداع وإبداع النقد)، دار الفكر اللبناني للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2005، ص: 148.[6]
كلود عبيد، الفن التشكيلي (نقد الإبداع وإبداع النقد)، ص: 148.[7]
عمر عتيق، نوافذ ثقافية، دار دجلة ناشرون وموزعون، عمان، الأردن، 2018، ص: 06، 07.[11]
ليوناردو دافنشي، نظرية التصوير، ت: عادل السيوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1991، ص: 46..[12]
(25)– المرجع السابق، ص: 98.
عمر عتيق، نوافذ ثقافية، ص: 08.[13]
[14] Schneller (Dora), Ecrire La Peinture : La Doctrine De ‘L’ut Pictura Poesis’ Dans La Littérature Française De La Première Moitié Du 20e Siècle, Revue D’études Françaises, No=12, 2007, P : 147.
عمر عتيق، نوافذ ثقافية، ص: 08.[15]
عمر عتيق، دراسات سيميائية في الفن التشكيلي، دار دجلة ناشرون وموزعون، عمان، الأردن، 2017، ص: 19. [19]
عمر عتيق، دراسات سيميائية، ص: 20. [20]
عمر عتيق، نوافذ ثقافية، ص: 19، 20.[25]
*أسطورة إيكاروس: ”تتحدث عن إيكاروس وأبيه ديدالوس اللذين كانا سجينين في قلعة “كريت”، فصمم الأب جناحين من الريش وألصقهما بالشمع ليطير ابنه خلاصا من السجن والظلم، وأوصى الأب ابنه ألا يقترب من الشمس كيلا يذوب الشمع فيهوي إلى الأرض صريعا، ولكن متعة التحليق شجعت إيكاروس للارتفاع نحو الشمس فذاب الشمع، وسقط صريعا على الأرض، فأضحى إيكاروس رمزا للإنسان العاشق للصعود والارتقاء والتحليق، والمغامر في سبيل طموحه ورغبتهفي الاستكشاف..” (المرجع نفسه، ص: 21.)