العجائبيّ وتأويله، في النصوص التأسيسيّة الفرنسيّة والألمانيّة
The fantastic and its interpretation in the French and German foundation texts
عــلي الســـياري، جامعة منوبة، تونس Ali Sayari, University of Manouba, Tunisia
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 73 الصفحة 9.
ملخّص:يعدّ تمثّل العجائبي لدى كُنّاب القصة والرواية نوعا من الفهم والتأويل له أي تحديدا لمعانيه ودلالاته وشروطه وضبطا لحدوده ولعلاقاته بالمفاهيم المجاورة له مثل العجيب والغريب واللامعقول والخرافي والسحري والأسطوري، وذلك دون تقديم نظرية نقديّة متكاملة حوله مثلما يفعل، عادة، النقاد.
ولا يمكن الجزم بأنّ العوالم المفارقة التي يقدّمها الكتّاب في أعمالهم الأدبيّة غايتها فنية بحتة أو أنّها مجرّد تحليقات لخيالاتهم، لأنّ تلك العوالم يمكن أن تطرح قضايا وأسئلة فلسفيّة متعلّقة أساسا بالوجود الإنساني وبرؤية العالم. وبناء على ذلك، يختلف فهم العجائبي من مدرسة إلى أخرى، ومن كاتب إلى آخر، مثلما قد يختلف الفهم لدى الكاتب نفسه من قصة أو رواية إلى أخرى.
الكلمات المفاتيح:
العجائبي، الفهم، التأويل، التأسيس، الأدب الفرنسي، الأدب الألماني
Abstract:
Novelists, Authors and writers think that the miraculous is just an interpretation and understanding to its meanings. It adjusts its limits and shows the relations with other concepts like the absurd, the fabulous, the magic and the legendary without giving a critical theory about it like what critics usually do. In addition, nobody could confirm that the writers aim of what they present in their literature as paradoxical realms is purely artistic or only a reflection of their imagination. This is because those realms could raise philosophical issues related basically to human existence and the world vision. Thus, understanding the miraculous differs from a study to another study or from an author to another the same way a writer understands a story or a novel in different ways.
تمهيد:
تفطّن كُتّاب الرواية في الغرب إلى أهمية اعتمادها على الخيال، وذلك منذ نشأتها، حيث إنّها لم تكتف بتمثيل الواقع ورسمه في حدود العقل والطبيعة، بل اعتمدت على الخيال، وبحثت في الآفاق عن عوالم أخرى مفارقة للواقع والمألوف. ولذلك تزخر المدوّنة الروائية الغربية بالمنزع العجائبيّ منذ النشأة إلى اليوم، غير أن ذلك المنزع يختلف من عصر إلى آخر ومن كاتب إلى آخر. وهنا، يمكن القول إنّ الرواية في الغرب مرّت بمراحل مختلفة ومتعاقبة في علاقتها بالعجائبي، حيث نرصد في كل مرحلة مرجعيّات وروافد تراثيّة وفكرية وفلسفيّة معيّنة ينهل منها الأدب العجائبي.
ولقد كان للروائيّين فهم مخصوص للعجائبي واشتغالاته السرديّة، وهو فهم يختلف من روائيّ إلى آخر بحسب اختلاف الأفكار والرؤى للعالم والزمن، غير أنّ الواضح أنّ تمثلهم للعجائبي وفهمهم له قد تطوّر من زمن إلى آخر، ومن عصر إلى آخر، خاصّة أنّ كلّ ذلك ارتبط بنظريّات فلسفيّة مؤثّرة في مجال الكتابة الأدبيّة. ولعلّ من شأن ذلك أن يؤكّد حيوية مفهوم العجائبي وقابليّته لأنْ يكون متعدّد الأوجه نظرا إلى مرونته وارتباطه بمفاهيم أخرى تكاد تتقاطع معه أحيانا وتكون مرادفة له. ولا يمكن حصر تمثّل العجائبي لدى كتّاب العصر الحديث لأنّ العجائبي كان حاضرا أيضا في آداب العصور القديمة خاصة الأدب الإغريقي الذي يقوم أساسا على توظيف الميثولوجيا، ومن ذلك الإلياذة والأوديسة لرائد الآداب العالمية هوميروس و”الحمار الذهبي” لأبوليوس. وكان حاضرا، أيضا، في العصور اللاحقة سواء في الآداب الغربيّة أو حتى الآداب الشرقية ومنها الأدب العربي القديم، ولذلك فإنّ تحديد فهم كلّ روائيّ للعجائبي وتأويله لمعانيه يمرّ حتما عبر تحديد العصر الذي عاش فيه.
والملاحظ أنّ عددا كبيرا من الأدباء والمبدعين خاصّة في الغرب كانت لهم تمثّلات طريفة للعجائبي، وكان لهم فهمهم المخصوص للسرد العجائبي. ومن هذا المنطلق كانت كتاباتهم وأعمالهم الأدبيّة والإبداعيّة ملهما لغيرهم من المبدعين للاقتداء بهم، والنسج على مناويلهم. وهو ما يعني أنّ بعض كُتّاب العجائبي أسّسوا مدارس أدبية، وكانت لهم تمثّلات ورؤى خاصة لكيفية التعامل مع العجائبي في الأدب. ولقد لاحظنا أنّ تلك المدارس جاءت متعاقبة زمنيا بدءا من القرن الثامن عشر، وهو القرن الذي شهد الميلاد الفعلي والحقيقي للعجائبيّ. وفي هذا السياق سنركّز بحثنا على النصوص العجائبيّة التأسيسيّة في الأدب الفرنسي والأدب الألماني، وذلك لأهميتها وتأثيرها في رسم ملامح التيار العجائبي منذ النشأة إلى اليوم.
1- الرواية الرومنطيقيّة الألمانيّة:
1-1- العجائبيّ الرّومنطيقيّ:
لم يقتصر المذهب الرومنطيقيّ في الأدب على جنس الشعر فحسب، بل إنّ فنّ القصّة نحا بدوره منحى رومنطيقيّا منذ نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. وقد مثّل بعض الروائيين الألمان في تلك الفترة صوتا رافضا للتيارات الأدبية السائدة وأبرزها الكلاسيكية، وقد ساندهم في ذلك أبرز الشعراء في ألمانيا في أواخر القرن الثامن عشر مثل كولريدج Coleridge (ت. 1834)، شليغل Schlegel (ت. 1829)، ووردزوورث Wordsworth (ت. 1850) ونوفاليس Novalis (ت. 1801).
ومن أبرز الروائيين الذين مثّلوا الاتجاه الرومنطيقيّ العجائبيّ في الرّواية الألمانية، آنذاك، نجد لودويغ تياك Ludwig Tieck (1773-1853) وأشيم فون أرمين Achim Von Armin (1781-1831)، فضلا عن الكاتب الذي حقّق شهرة عالميّة واسعة في مجال العجائبي وهو أرنست ثيودور آمادوس هوفمان. وقد حاول هؤلاء التصدّي للكلاسيكية التي ميّزت الأدب قبيْل عصرهم خاصّة في ألمانيا وفرنسا، ومن هنا فإنّ كلمة “رومنتيك” أو رومنطيقي (Romantique) كانت تعني غيرَ الواقعيّ والمحالَ، ومتجاوزَ الحدّ أيْ مضادّا للكلاسيكية[1]. وفي هذا السّياق، تعدّ رواية “حياة السّيد سيب الدوس نوتانكر وأراؤه” للكاتب كريستوف فريديريش وليام نيقولاي (1733-1811)، والتي كتبها سنة 1776، أبرز الروايات التي تمثّل التيار الأدبي السائد آنذاك في ألمانيا وهو التيار الكلاسيكي الذي رسخته فلسفة الأنوار.
وتعني الكلاسيكية في منظور روّاد الرومنطيقية اتّجاها أدبيّا كان قد ساد خاصّة أثناء عصر الأنوار. وهو متمثّل في الأدب الأخلاقي الذي يقدّم مواعظ وتعاليم دينية وتربوية. والمعلوم أنّ فلاسفة الأنوار قد رسّخوا الأدب الأخلاقي والتربوي، ودعوا إلى التقيّد الإبداعي به، حيث إنّهم حاربوا الاهتمام الفنّي بالأساطير والخرافات والأشباح، ونظّروا لأدب يعلي من قيمة العقل والتأمّلات الفلسفيّة، ويقدّم الواقع على ما وراء الواقع كي يركّز، فقط، على المواعظ والإرشاد والتربية الأخلاقية والتفكير المنطقي العقلاني والتجريبي.
ولقد انضافت إلى جهود الكتّاب والشعراء الألمان في التأسيس إلى مذهب معاد للكلاسيكية جهود أخرى بذلها الفلاسفة الذين انتقدوا عصر الأنوار، ورأوا فيه “اغتيالا” للخيال. ومن هؤلاء الفيلسوف الألماني فيشته Fichte (ت. 1814) الذي قام انطلاقا من 1793 بنشر أفكاره المرتكزة حول مثاليّة الإدراك الذاتي واستقلالية الوعي، وذلك في جامعة يينا Université d’Iéna. ولقد استطاع فيشته أن يؤثر في روّاد الرومانسية الذين “وضعوا الروح فوق الواقع، وآمنوا بأن قوى الإبداع الشاعرية والخيال هي التي عليها أن تحدّد معالم الحياة”[2].
وبناء على ذلك، فإنّ الرومنطيقيّة اهتمّت بالخلود وأهواء الإنسان اللامحدودة واللاوعي والحلم، وأعلت من شأن الغيب والشيطان وحطّمت الحواجز بين الإيمان والعلم، وأيضا بين الفنّ والدين، وتطلّعت إلى الشموليّة في الفنّ. ولم تكن الدعوة إلى إعادة القيمة الفنية والأدبية للخيال والأحلام في الأدب الألماني في نهاية القرن الثامن عشر وليدة فراغ أو رغبة في النسج على منوال الأدب البريطاني في تلك الفترة (وهو الذي نحا منحى عجائبيا من خلال الرواية القوطية)، بل إنّ تلك الدعوة هي وليدة تأثّر بكتاب “ألف ليلة وليلة” الذي اطلع عليه الألمان بعد ترجمته إلى لغتهم مباشرة بعد أن ترجمه أنطون قالان إلى الفرنسية عام 1717. و”لقد حمل كتاب ألف ليلة وليلة كثيرا من قضايا الرومنطيقية، ومنها الهروب من واقع الحياة إلى عالم خيالي وسحري، ومنها السخرية من الملوك، ومنها ترجيح العاطفة على العقل في الاهتداء إلى الحقائق الكبرى”[3]. ويعني ذلك أنّ كتاب “ألف ليلة وليلة” كان له الفضل على ظهور الرواية العجائبية الرومنطقيّة في ألمانيا بعد أن كان له الفضل أيضا على ظهور الرواية القوطيّة ببريطانيا.
ويعدّ كل من هوفمان وتياك وأرمين أبرز رواد الاتّجاه الرومنطيقي في الأدب الألماني، بل إنّهم كانوا يمثّلون أعمدة رئيسة للرومنطيقية الأوروبية. ولقد أسهموا بشكل كبير في التأسيس إلى الرواية العجائبية الرومنطيقية والتمهيد للتيار العجائبي الذي ازدهر وأضحى السمة الأبرز للأدب الأوروبي والعالمي في القرن التاسع عشر. وهو ما يعني أنّ الرومنطيقية التي ظهرت في ألمانيا في نهاية القرن الثامن عشر ساهمت في تبلور العجائبي وإرساء قواعده[4]. ولذلك فقد شهدت ألمانيا الميلاد الحقيقيّ لهذا التيار الأدبي (أي العجائبي). ويعود ذلك إلى توفّرها على مناخ فكري أعاد للخيال مكانته المفقودة، وأرجع للأحلام دورها في فهم الواقع والحياة فكان الظهور الفعلي للعجائبي في البيئة التي توفّرت على حركة رومنطيقيّة ذات فاعلية[5]. والملاحظ أنّ شهرة هؤلاء الرواد لم تكن هي نفسها لدى كل واحد منهم، ذلك أنّ هوفمان فاق تياك وأرمين شهرة، وهو يكاد يحتكر لنفسه مجهودات كلّ الرومنطيقيين الأوائل في إرساء اتجاه أدبي جديد مغاير للنمط الكلاسيكي نظرا إلى النجاح الكبير الذي لقيته مؤلفاته الأدبية وتأثيره البالغ في الجيل اللاحق من كتّاب العجائبي.
1-2- تأثير هوفمان في تطوّر العجائبي:
لا يمكن دراسة الأدب العجائبي دون تخصيص حيّز من البحث للكاتب الألماني هوفمان، فهو يُعتبر أعظم أدباء التيار العجائبي، وأكثرهم أهمية على الإطلاق، ليس لغزارة إنتاجه القصصي والروائي فحسب، بل لأهمية ما كتبه ودوره في التأثير في العجائبي الذي انتشر بكثافة في القرن التاسع عشر خاصّة في فرنسا حيث ازدهر العجائبي وأضحى سمة الأدب في ذلك العصر.
ولقد كان لهوفمان، أيضا، تأثير في مجالات مهمّة من العلم والفلسفة، ذلك أنّ كتاباته تتضمّن تأمّلات فلسفية، وهي تنبني على سبر الأغوار الداخلية للذات الإنسانية. ولعلّ ذلك ما جعلها تؤثر تأثيرا بالغا في أهمّ نظريّات علم النفس التحليلي بدءا بنظريّات فرويد Freud (1856- 1939) الذي ألّف كتابه المعروف “الغرابة المقلقة” انطلاقا من نصوص أدبيّة مشهورة منها نصوص الكاتب الأمريكيّ إدقار ألان بو، وكذلك نصوص هوفمان وتحديدا روايته “رجل الرمال” التي مثّلت إحدى الموادّ الأساسيّة لدراسات فرويد ولنظريّاته في علم النفس. ويصنّف فرويد الكاتبَ الألمانيَّ هوفمان ضمن أهمّ أدباء العجائبي على الإطلاق ويصفه بكونه “السيّد الأوّل للغرابة في الأدب العجائبي”[6].
وقد كان هوفمان في سنوات شبابه منجذبا إلى الموسيقى، ومهتمّا بالنقد الموسيقي بين سنوات 1809 و1814 خاصة أنّ له موهبة كبيرة في العزف والغناء، وهو مهتمّ أيضا بكل الفنون التشكيلية من رسم وتخطيط معماري[7]، ولذلك تحفل كتاباته بأنواع من الفنون أبرزها الموسيقى والنحت والتصوير. وكذلك، تحضر في كلّ قصصه، حضورا كثيفا، الشخصياتُ التي تستهلك الكحول والمخدّرات، والشخصيات الهامشية التي تحمل كل المتناقضات والمصابة بالعُقد النفسيّة، والتي يكون لها أحيانا نزعة كبيرة نحو الشرّ وارتكاب العنف وممارسة كل أنواع الشذوذ. وتتظافر هذه المكوّنات لتؤكد نزعة الجنون التي تميّز شخصيات قصص هوفمان، وهي نزعة ميّزت الكاتب في حدّ ذاته باعتباره انتهى إلى الجنون في آخر أيام حياته، حيث إنّه قضّى بقية عمره في مستشفى للأمراض العقلية[8]. ويرتكز العجائبي في قصص هوفمان على طبيعة الجنون والانفصام في الشخصية والذهان والاكتئاب. ونجد في قصص هوفمان وجهة نظر واحدة تتلخّص في الرؤية السوداوية للعالم والتشاؤم، حيث كانت “كلّ قصصه تحفل بالفشل الجنسي والقدرية التراجيدية”[9].
وتعدّ رواية “رجل الرمال” L’homme au sable التي نشرها سنة 1817 أبرز ما كتبه هوفمان. وهي رواية رومنطقيّة تعتمد على ما سمّاه الناقد كولن ولسن “قوّة الظلام” أي حضور كل عناصر الغرابة والإحساس بالخوف والهلع في أحداث الحكاية. وتطرح “رجل الرمال” قضايا فلسفية معقّدة وشائكة تتصل أساسا بالروح الهائمة في المكان وفي العقل والوجدان، وتتصل بفكرة المراودة وظهور الأطياف.
وتتكرّر في رواية “رجل الرمال” معاني الغرابة التي تزيد الحكاية تعقيدا وتمنّعا عن الإلمام بالروابط بين أحداثها: “أدرك أنّ ذلك الطيف الذي أصابه بالرعب الشديد ربما يكون قد ظهر من داخل عقله هو، وأنّ كوبولا هذا قد يكون خبير بصريّات جديرا بالتقدير، ومتخصّصا في الميكانيكا، بارعا في مجاله، وليس بالضرورة أن يكون هو ذلك الطيف العائد بعد غياب أو ذلك القرين المتوهّم للبغيض كوبوليوس”[10]. وتتجسّد في هذا المقطع من رواية “رجل الرمال” فكرة المراودة في أبرز تجلياتها، ذلك أنّ كوبولا الذي يعدّ أبرز شخصيات الرواية تبرز له روح أخرى، ويظهر في أمكنة أخرى رغم أنه يكون في الوقت ذاته في أحد الأماكن يحاور شخصية أخرى أو يقوم معها بفعل ما، ويظهر باسم مشابه للأول وهو “كوبوليوس” فيكون قرينا له ويتوحّد معه في الشخصية إلاّ أنّه لا يظهر معه في المكان نفسه.
والحقّ أنّ فكرة القرين شكّلت سؤالا فلسفيا طرحه عدد من كتّاب الأدب العجائبي بدءا بالرواية الرومنطقية وانتهاء بالخيال العلمي والقوطيّ الحديث. ولقد عالج الناقد الأمريكي أندرو ويبر فكرة القرين في كتابه “القرين: الرؤى المزدوجة في الأدب الألماني” الصادر سنة 2003، حيث طرح ويبر تسع مسلمات يعتبرها ضرورية لفهم جوهر فكرة القرين والازدواجية في الأدب والسينما[11]. وإلى جانب ذلك فإنّ سيقموند فرويد كان، بدوره، قد أطنب في تحليل فكرة القرين في الأدب معتمدا أساسا على رواية هوفمان “رجل الرمال”، فخلص إلى أنّ فكرة القرين هي جوهر الغرابة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالعجائبي. ولقد أشار شاكر عبد الحميد في دراسته الطريفة والمستفيضة لقضيّة “الغرابة” إلى أنّ “نصّ هوفمان (رجل الرمال) سيطر على فرويد وتلبّسه، هيمن عليه، انتابه، تكرر ظهوره لديه، حضر على الرغم من غيابه”[12].
2- الرواية العجائبيّة الفرنسيّة:
عرف العجائبيّ ميلاده الحقيقيّ وأوج ازدهاره في القرن التاسع عشر رغم أنّ القرن الثامن عشر شهد بدوره، خلال نصفه الثاني، كتابات عجائبية ظهرت في بريطانيا، وهي متمثّلة في الاتجاه القوطيّ، وبدرجة أقلّ وبتأخّر زمني (تحديدا عند نهاية ذلك القرن وبداية القرن الموالي) في ألمانيا حيث ظهرت الكتابات العجائبيّة ذات الاتجاه الرومنطيقي.
ولقد كان للفلسفة تأثير مباشر على نوعيّة الكتابة الأدبية في أوروبا، لأنّها قامت بتوجيهها، وفرضت الوصاية عليها. ومن ذلك أنّ فلسفة الأنوار التي ظهرت خاصّة بفرنسا، سعت إلى توجيه الإبداع الأدبي، فحاربت الأسلوب الذي يوظّف الخرافات والأساطير والحكايات الشعبيّة والعقديّة. ولذلك، فإنّ الأدب الفرنسي كان خاضعا إلى سطوة فلسفة الأنوار على امتداد القرن الثامن عشر، وذلك على عكس الأدبين البريطاني والألماني اللذين لم يكن تأثّرهما كبيرا بتلك الفلسفة رغم الصدى المعرفي الذي لقيته في بريطانيا وألمانيا.
ويبدو أنه، بدءا من العقد الأول من القرن التاسع عشر، طرأ على الأدب الفرنسي تغيّر في الأسلوب وفي نوعية المواضيع التي يتناولها، حيث أضحى تأثره واضحا بما يُكتب من روايات وقصص في بريطانيا (التيّار العجائبي القوطي) وفي ألمانيا (التيّار العجائبي الرومنطيقي)، وهي قصص وروايات عجائبية تُعلي من شأن الأساطير والحكايات الشعبية، وتؤمن شخصيّاتها بالقوى الخارقة للطبيعة وتتّصف بالجنون، وتمارس القتل والعنف. ولعلّ ما ضاعف من تأثّرِ الأدب الفرنسي بهذا النوع القصصي الجديد هو ظهور فلسفات جديدة معادية لفلسفة الأنوار التي أضحت محلّ انتقاد شديد باعتبارها تعادي الخيال الأدبيّ وتحارب الإيمان الدينيّ والتفكير الروحانيّ، وكانت أبرزها الفلسفة الانتقائية الروحانية التي ظهرت بفرنسا في بداية القرن التاسع عشر، وقد جاءت باعتبارها “ردّ فعل ضدّ الإيديولوجيا”[13]. وقد رافقت عند ظهورها مرحلة الإصلاح والترميم أي محاولة استرجاع ما قامت الفلسفة التنويرية بإقصائه وإبعاده من الحياة الاجتماعية والأدبية مثل الدّين والتصوّف والاعتقاد والتفكير في الله والغيب ونهاية العالم والبحث عن أسرار الكون خارج دائرة العقل، وهو ما يمكن تسميّته بـ “الميتافيزيقا الروحانيّة التي تبحث عن التقاط الحقائق الروحانيّة الكونيّة وهي الله والنفس، انطلاقا من التأمّل الداخلي”[14].
ويعدّ فكتور كوزان Victor Cousin (1792-1867) المؤسّس الأبرز للفلسفة الانتقائية الروحانية إلى جانب بيار لاروميقيار وبول رويير- كولارد اللذيْن تخصّصا أكثر في فلسفة مشابهة وهي الإشراقيّة.
ولقد عقب الفلسفيّةَ الانتقائية الروحانية، تاريخيّا، ظهورُ الفلسفة الدينية، وهي تعدّ أيضا، نوعا من ردّ الفعل ضد فلسفة الأنوار، حيث نشأت “في شكل حركة نبوئيّة اجتماعية مرتبطة بشكل واضح بالإشراقية التي شهدها القرن الثامن عشر، وهي مرتبطة بالتجديد الدينيّ”[15]. ومن أهمّ المؤسسين لهذه الفلسفة موريس بلانش (1776-1847) ودانواس كيركيغارد (1813-1815).
2-1- المحاولات الأولى:
استرجع التديّن والإغراق في التفكير الروحاني مكانتهما في فرنسا في خضمّ ظهور فلسفات جديدة معادية لفلسفة الأنوار، حيث عاد، من جديد، الاهتمام بالماورائيات والأساطير والحكايات الشعبية العجيبة. وهو ما انعكس بشكل مباشر على الأدب الفرنسي الذي أصبح ينحو منحى عجائبيّا بعد أن كان غارقا في المنحى التعليميّ والتربويّ الأخلاقيّ الذي رسّخته فلسفة الأنوار في فرنسا طوال النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
ويعترف بعض النقاد الفرنسيين أنّ أدبهم لم يكن منشغلا بالخيال، وأنّ أدباءهم لا يمتلكون القدرة اللازمة على التخييل السردي بسبب سيطرة العقلانية على تفكيرهم وتصوّرهم للإبداع[16]، وذلك على عكس أدباء بريطانيا وألمانيا الذين لم يتأثروا بالفلسفات العقلانية، ووجدوا أنفسهم في بيئة اجتماعية وثقافية وأدبيّة تعلي من شأن الخرافات والأساطير والروحانيات (وهنا يخصّ الأمر أكثرَ بريطانيا).
ولقد وجد الأدباء الفرنسيّون أنفسهم متأثّرين بالنوع القصصي الجديد الذي ما يزال ناشئا ببريطانيا متمثّلا في القصص القوطي، وبألمانيا متمثّلا في القصص العجائبي الرومنطيقي، إلاّ أنّ محاولات الكتابة في هذا النوع القصصي الجديد كانت لها خصوصيتها بفرنسا، ولذلك فإنّ فهم أدبائها للعجائبي وتمثّلهم له وتأويلهم لمعانيه وجماليّاته لم يكن هو نفس الفهم والتمثّل الموجود عند كتّاب القصص القوطية البريطانيّة أو القصص العجائبيّة الرومنطقية الألمانيّة.
ومن هذا المنطلق، فإنّ الكتّاب الفرنسيّين ممّن ألّفوا في مجال العجائبي، كتبوا انطلاقا من فهمهم للكون واستجابة لذائقة أدبية معيّنة، وهو ما لم يكن متوفّرا عند نظرائهم البريطانيين والألمان، حيث إنّ الأدباء البريطانيين الذين كتبوا الرواية القوطية لم يعيروا الواقع أيّة أهمّية، ولذلك كان تركيزهم منصبّا على الخيال في كلّيته، وعلى عالم اللامعقول والسحر والشعوذة وعودة الموتى والخراب والرعب، ولا يمكن الظفر بأيّ مرجعيّات واقعيّة داخل قصصهم ورواياتهم، وهو الأمر نفسه لدى الأدباء الألمان الذين كتبوا الرواية الرومنطقيّة في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، باعتبارهم قدّموا عوالم مشابهة، إلى حدّ ما، لعوالم الرواية القوطية، وأضافوا إليها الأساطير والخرافات والحكايات الشعبية ذات الجذور الألمانية.
ويبدو أنّ ذلك قد جعل الأدباء الفرنسيين، لحظة تلقّيهم العجائبيّ البريطانيّ والألمانيّ، يفكّرون في ضرورة منح العجائبيّ الفرنسيّ صبغته الخاصة المتعلقة بالبيئة الاجتماعية والمخيال الجمعي الفرنسيّين، أي أنّهم بحثوا أوّلا عن ضرورة تَبْيِئَتِهِ. ولذلك، اعتبروا أنّ “العجائبي يجب أن لا يكتب اعتمادا على الحبكة التقليدية للقصص الأسطورية ولقصص الجنّيات، بل إنّه لا بدّ أن يعتمد على إقحام السرّ الخفيّ في الحياة الواقعية”[17]، ومن هنا، فإنهم يعتبرون أنّ القصة أو الرواية لا بدّ أن تنطلق من مرجعيّات واقعيّة مهما كانت درجة عجائبيّتها، وهو ما لم يكن معمولا به في التيّارين القوطي والرومنطيقي.
وفي هذا السياق، يمكن اعتبار شارل نوديي Charles Nodier (1780-1844) أوّل الكتّاب الفرنسيين الذين ألّفوا القصص والروايات ذات المنزع اللامعقول. ولم يكن نوديي يسعى إلى ترسيخ العجائبي في الأدب الفرنسي لأنه كان منشغلا بإعادة إحياء التراث الأدبي الشعبي الفرنسي وتوظيفه في الكتابة القصصية[18]. ولقد شرع شارل نوديي في نشر قصصه بداية من 1806 في شكل محاولات إبداعيّة في مجال العجائبي، ثمّ كان نجاحه حين نشر سنة 1821 قصّته “سمارّا” Smarra. ولقد كان نوديي يبحث من خلال مثل هذه الكتابات القصصيّة عن تقديم رؤية جديدة للعالم، وعن معان أخرى للوجود الإنسانيّ مختلفة عن المعاني التي رسّختها فلسفة الأنوار التي تفهم الوجود بواسطة العقل دون غيره.
ورغم أنّ نوديي سعى إلى توظيف التراث الشعبي المحلّي الفرنسي في قصصه، فإنّه لم يكن مخلصا لذلك تماما، لأنّ العجائبي الذي انبنت عليه قصصه كان يضمر بعدا رومنطيقيّا. وهو ما يعني تأثره بالرومنطيقية الألمانية التي ما تزال، آنذاك، نوعا أدبيّا ناشئا وغير معروف خارج ألمانيا. وفي هذا السياق، يعتبر الناقد لويس فاكس أنّ العجائبي عند شارل نوديي ينقصه النضج الفنّي، وهو متأرجح بين أنواع شتى من الأدب الشعبي، وكذلك، يعتبره عجائبيا ممزوجا بقصص الجنّيات، وفاقدا للصلابة التي ميّزت العجائبي الذي ترسّخ بعده بسنوات[19].
ولقد كان شارل نوديي مطلعا خصوصا على الأدب الألماني، حيث أظهر إعجابه بهذا الأدب الذي ينبني على الخيال ويصوّر عوالم مفارقة للطبيعة، ومن خلال تقديمه لمجموعة من قصصه يصف نوديي العجائبي في الأدب الألماني بأنه عجائبيّ شعبيّ ومستمَدّ من عمق المجتمع الألماني[20]. غير أنّ هذا الحكم يبدو بحاجة إلى تمحيصه وتجاوزه، في نظرنا، لأنّ العجائبيّ الذي انبنت عليه الرواية الرومنطقية الألمانية في نهاية القرن الثامن عشر لا يستمدّ جذوره من الموروث الشعبي الألماني فحسب، بل أيضا يستلهم موروثات الشعوب الأخرى. وهو إلى جانب ذلك لا يرتبط كثيرا بالواقع الاجتماعي باعتباره يقدّم عوالم مفارقة لا مكان فيها للمألوف والحدث العاديّ والطبيعيّ.
وقد يكون ما دفع شارل نوديي إلى إطلاق ذلك الحكم هو، في نظرنا، تصوّره الخاص وتمثّله لما يجب أن يكون عليه العجائبي، حيث إنّ نوديي يرى أنّ العجائبي لا بدّ له أن يرتبط بالواقع، وأن يكون مبنيا على إعادة إحياء الحكاية الشعبية والخرافة والأليغورة وتوظيفها في القصة العجائبية. ولعلّ ذلك، فعلا، ما سعى إلى القيام به في جلّ مؤلفاته القصصية والروائية.
ولم يكن العجائبي ذا أهمية في فرنسا إلى حدود نهاية العقد الثاني من القرن التاسع عشر، حيث اقتصرت كتابته على ما ألّفه شارل نوديي. ويمكن القول إنّ ترجمة كتابات هوفمان إلى الفرنسية سنة 1822 كان لها أثر كبير في ترسّخ العجائبي في الأدب الفرنسي بدءا من هذا التاريخ، ذلك أنّ اطّلاع الفرنسيين على أدب هوفمان بلغته الألمانيّة الأصليّة لم يكن كافيا رغم أنّ له الشهرة اللازمة في الوسط الأدبي بباريس. ولقد كانت ترجمة مؤلّفاته إلى الفرنسية حدثا أدبيا وثقافيا بارزا في العاصمة الفرنسية، وقد لعبت مجلة (Le Globe) دورا بارزا في التعريف بهوفمان قبل ترجمته، حيث كانت تكتب عن قصصه وتنشر أجزاء منها بصفة مستمرة[21]. وهو ما يعني أنّ الأدب الفرنسي اتّجه إلى العجائبي تقليدا لاتجاه سائد في بريطانيا وألمانيا وهو اتجاه اللامعقول، ولعلّه من الطريف، هنا، أنّ الأدب الفرنسي لم يتأثّر كثيرا بالأصول الأولى والمراجع الأساسية للاّمعقول وهي أساسا التراث الأسطوري الإغريقي وكذلك “كتاب ألف ليلة وليلة” و”الكوميديا اللإلهية” لدانتي.
إذن، لقد تأثّر الأدب الفرنسي في بدايات القرن التاسع عشر، أساسا، بالألماني هوفمان وبالرواية القوطية البريطانية. والحقّ أنّه لا غرابة في ذلك إذا اعتبرنا أنّ ما كان يشغل أغلب أدباء فرنسا في بداية القرن التاسع عشر هو الخروج عن وصاية الفلسفة التنويرية، والتخلّي عن الأسلوب التعليمي والتربوي الأخلاقي في الكتابة القصصية خاصة أنّ هؤلاء لاحظوا أهمية الاعتماد على الخيال في الأدب لتحقيق النجاح والشهرة الأدبيّة، وهو ما وجدوه عند معاصريهم من أدباء بريطانيا وألمانيا تحديدا.
وفي هذا السياق، قد يبدو أنّه من المفيد القول إنّنا لم نجد في مختلف المراجع النقدية التي اطّلعنا عليها أيّة إشارة إلى تأثر العجائبي الفرنسي بكتاب “ألف ليلة وليلة” -على سبيل المثال- وذلك رغم أهميته في كتابة العجائبي والتدرّب عليه، وهو عكس ما لاحظناه سواء في الأدب البريطاني من خلال التيار القوطيّ أو الأدب الألمانيّ من خلال التيار الرومنطيقي حيث كان التأثر بكتاب الليالي واضحا في كلا التيّارين.
ولكن ممّا لا شكّ فيه أنّه حتى لو قام الأدباء الفرنسيون في القرن التاسع عشر بالاطلاع على كتاب “ألف ليلة وليلة”، وحاولوا كتابة بعض قصصهم عبر استلهام حكاياته والنسج على منوالها، فإنّ ذلك لم يكن تأثرا مباشرا بكتاب الليالي، بل إنّه تأثّر بالنجاح الذي لاقته القصص الرومنطيقية الألمانيّة التي استلهمت بعض حكايات “ألف ليلة وليلة”. وهنا، تعدّ قصة الكاتب الفرنسي تيوفيل قوتيي Théophile Gautier (ت. 1872) “الليلة الثانية بعد الألف” أبرز القصص العجائبية الفرنسية التي حاورت نصوص “الليالي” واستلهمت بعض عوالمها، وهو ما جعلها تُعدّ “عيّنة من عيّنات التفاعل الأدبي والثقافي”[22]، وشكلا من أشكال التفاعل بين الأدب العربي القديم والأدب الفرنسي الحديث.
ولقد انطلق هذا التفاعل، على قلّته، مباشرة بعد ترجمة كتاب “ألف ليلة وليلة” إلى الفرنسية في بداية القرن الثامن عشر، ويظهر ذلك من خلال روايات الحبّ والمغامرات والفروسية التي كتبها الفرنسيون في النصف الأول منه[23]، وهي روايات تختلف عن الروايات العجائبية، ولا تحمل سمة الأدب العجائبي رغم أنّها تحمل سمتيْ التشويق والغموض على مستوى أحداثها وأطرها الزمانية والمكانية.
2-2- خصائص العجائبي في القرن التاسع عشر:
يتأثر العجائبي، عادة، بالبيئة التي يولد فيها. وهو ما يمكن ملاحظته في كل من العجائبي البريطاني والعجائبي الألماني، حيث إنّ البيئة الاجتماعية والثقافية والفكرية في فرنسا مختلفة في الكثير من جوانبها عن نظيرتيها في بريطانيا وألمانيا، وذلك طوال القرن الثامن عشر وحتى في فترة كبيرة من القرن التاسع عشر. وتختلف خصائص العجائبي الفرنسي عن خصائصه في بريطانيا وألمانيا لأنّ العجائبي، عموما، يعكس الثقافة الأدبية والفكرية للبيئة التي يظهر فيها.
ولمّا كانت البيئة الفكرية في فرنسا محكومة خاصة بفلسفة الأنوار ثمّ بالفلسفات الدينية التي ظهرت في بداية القرن التاسع عشر، فإنّ العجائبي قد حمل خصائص هذه الفلسفات. ولذلك كان انتشاره في فرنسا ضعيفا في البدايات، حيث لا يكاد يكتسب سمات محلّية خاصة به، وهو، في هذه المرحلة المبكّرة، يشبه كثيرا العجائبي الرومنطيقي الألماني الذي ظهر مثلما أشرنا إلى ذلك في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. ولعلّ ذلك ما نلاحظه في قصص شارل نوديي التي تعدّ الحلقة الأولى للعجائبي الفرنسي، حيث إنّها جاءت تقليدا لقصص هوفمان وللأدب الألماني في تلك الفترة.
ولم يكتسب العجائبي الفرنسي طابعا خاصا به من خلال قصص شارل نوديي التي غلب عليها الطابع الرومانسي الحالم، وهو طابع يعتمد عناصر الغرابة والدهشة والحلم. ولكن بعد ترجمة مؤلفات هوفمان إلى الفرنسية عام 1822 تبدّل واقع الأدب العجائبي بفرنسا، فتواتر إنتاج النصوص العجائبيّة الفرنسيّة، وأضحت ذات خصائص محدّدة تنهل من تجربة الألماني هوفمان، وتستعير من الأدب القوطيّ بعض مميّزاته. ثمّ ظهرت، لاحقا، التجارب القصصية الفرنسية المتأثرة نسبيّا بكتاب “ألف ليلة وليلة” وبأدب الرحلة العربي.
وفي هذا السياق، يعدّ هونري دي بلزاك Honoré de Balzac (ت. 1850) أبرز رواد العجائبي الفرنسي بعد شارل نوديي رغم أنّ تجربته الأدبيّة كانت متنوّعة، ولم تلتزم باتجاه واحد باعتباره قد كتب في الواقعيّة مثلما كتب في العجائبيّ. ومن أبرز مؤلفات بلزاك ذات المنحى العجائبي روايته “الجلد المسحور” (La peau de Chagrin)، وهي رواية فلسفية تستعير بعض سمات الفلسفة الإشراقيّة التي ظهرت آنذاك بفرنسا ومثلت ردّ فعل ضدّ فلسفة التنوير. وتقوم رواية “الجلد المسحور” على فكرة العَقْد، وهي فكرة موجودة في بعض ديانات الشرق القديم والحديث، وتعتبر هذه الرواية “أحد أجمل استعراضات اللون الأسود في تاريخ الأدب”[24]، وهي فانتازيا خيالية أبدع بلزاك تصوّرها.
ومن روايات بلزاك الأخرى ذات الأهمية القصوى في مجال العجائبي “ملموث المتصالح” (Melmoth réconcilié)، وهي جملة من التأمّلات الفلسفية القائمة على السرد القصصيّ. وقد اقتبس فكرتها من رواية “ملموث أو الإنسان التائه” للكاتب البريطاني شارل روبرت ماثورون (1782-1824). وقد قام بلزاك بتطوير الفكرة لتتّخذ عنده بعدا فلسفيا وإشراقيا. ويعني ذلك أنّ العجائبي الفرنسي سعى، منذ بداياته، إلى اتّخاذ طابع خاصّ به يجعله مختلفا عن العجائبي الذي ظهر قبله في بريطانيا وألمانيا.
وإلى جانب بلزاك، ظهر تيوفيل قوتيي وهو من أبرز كتّاب القصة العجائبية بفرنسا، وقد أثّر تأثيرا عميقا في الجيل الذي عاصره باعتباره يعدّ أكثر الأدباء الفرنسيين غزارة على مستوى الإنتاج الإبداعي، وقد جعل من العجائبي اهتمامه المطلق في كلّ قصصه، وأهمها “أونوفريوس”، “أومفال”، “ساق المومياء”، “ممثلان لدور واحد”، “آريا مارسيلا”، “آفاتار” و”جتاتورا”. ولعلّه من الميزات الأساسية لقصص قوتيي أنها تدور كلها في زمن الليل، وهو ما يضفي على بعدها العجائبيّ سوداويّة وغموضا[25].
وقد تأثر تيوفيل قوتيي كثيرا بهوفمان، وهو ما جعل قصصه شبيهة بعوالم هذا الكاتب الألماني، فاستعارت منها أبرز خصائصها. وكذلك، تأثّر قوتيي بكتاب “ألف ليلة وليلة”، حيث كانت إحدى أهمّ قصصه، وهي “الليلة الثانية بعد الألف”، محاكاة لحكايات “الليالي” واستعارة لعوالمها العجائبية التي تبرز حياة الشرق وسحره في أجواء خيالية. وترتكز قصص قوتيي في جانب مهمّ منها على تقنيات سردية مولّدة للأجواء العجائبية مثل توظيف الحلم والغرابة، وكذلك توظيف عالم المخدّرات والكحول والموت والسحر والجريمة والأسرار واختلاق الأشباح في الحكاية.
وفضلا عن هؤلاء الكتّاب الذين كانوا روّاد العجائبي الفرنسي، نجد أيضا كتّابا آخرين رسّخوا ذلك الأسلوب وطوّروه لاحقا، ومن أبرز هؤلاء قي دي موباسان Guy De Maupassant (1850- 1893) الذي يعتبر أدبه الحلقة الأبرز في تاريخ العجائبي الفرنسي، حيث وجدت كتاباته صدى كبيرا في فرنسا وخارجها.
ولقد فهم موباسان العجائبي، وتمثّله جيّدا، ونهل من الكتابات التي سبقته، وتأثر بها، وحاول تقليد بعضها مثلما حاول التأسيس إلى نمط خاص به في كتابة العجائبي. والملاحظ أنّ موباسان لم يكتف بكتابة الرواية العجائبية باعتباره كتب الرواية الواقعية، وكذلك، حاول المزج بين المدرستين وفق أسلوب مخصوص قلّما نجح فيه كُتّاب العجائبي. وهو ما جعل من كلّ أعماله الروائية والقصصية ذات أهمية سواء في التجربة الواقعية أو التجربة العجائبية[26].
ومن أهمّ أعمال موباسان الروائية ذات المنحى العجائبي رواية “هورلا” Le Horla المنشورة للمرّة الأولى سنة 1887، وهي رواية يقدّم من خلالها الكاتب الفرنسي تمثّله للواقع والخيال معا، فأحداثها تنطلق ممّا هو واقعيّ لتبلغ ما هو خياليّ، وهي تقوم على فكرة القرين حيث تتحوّل الشخصية الرئيسيّة إلى شخصين مزدوجين من خلال تقنيات الانفصام واختلال الشعور بالواقع وبوحدة الشخصيّة. وفي هذه الرواية يتولّد لدى الراوي، وهو الشخصيّة المحوريّة في الحكاية، شعور بالخوف والرعب من المجهول، وتراوده أفكار بـأنّ هناك شخصا آخر موجودا معه، ويتنقّل معه حيثما يتنقّل. ويشعر الراوي أنّ ذلك الشخص المتخيَّل هو صورة منه. وهو يأتي الأفعال نفسها التي يأتيها، ويستبق ما يفكّر فيه ليقوم به قبل أن يقوم به هو نفسه مثل شرب الماء وغلق الباب أو فتحه.
والحق أنّ هذه التقنية القائمة على فكرة القرين هي إحدى أهمّ تقنيات العجائبي وأكثرها تكثيفا للدلالات، غير أنّ موباسان لم يكن سبّاقا إلى ابتداع هذه الفكرة باعتبارها قد ظهرت مع الرواية الرومنطيقية في نهاية القرن الثامن عشر حيث استعملها هوفمان في قصّته “رجل الرمال” مثلما أشرنا إلى ذلك. ولقد أغوت فكرة القرين عددا آخر من كتّاب العجائبي من معاصري قي دي موباسان مثل روبرت لويس ستيفنسون Robert Louis Stevenson (1850- 1894)، وماري شيلي Mary Shelley (ت. 1851) في روايتها “فرانكنشتاين”، وفيودور دوستويفسكي Fiodor Dostoïevski (1821- 1881) في عدد من رواياته مثل “القرين”.
ويمكن القول إنّ هذا التقارب في الأفكار والتوجّهات والرؤية للعالم بين كتّاب الأدب العجائبي من بلدان مختلفة، يثبت أنّ العجائبي، أثناء النصف الثاني من القرن التاسع عشر على وجه التحديد، أضحى أكثر جماهيرية، حيث اجتذب إليه عددا كبيرا من القراء، وبات تيارا مهيمنا في الأوساط الأدبيّة العالميّة حتى أنّ مواضيعه وتقنياته أضحت معلومة ومشاعة. والملاحظ، إذن، أنّ السّمات التي التصقت بالعجائبي في القرن الثامن عشر تغيّرت كثيرا انطلاقا من النصف الثاني للقرن التاسع عشر حين بلغ العجائبي أوج ازدهاره في كل الآداب العالمية وأبرزها الأدب الفرنسي الذي قدّم في تلك الفترة أهمّ كتّاب العجائبي مثل موباسان، دي ليزل آدام، موريس رينارد، جاك يونيت، ليون بول فورقي ومارسال جاهندو فضلا عمّن سبقوقهم بفترة قصيرة مثل بروسبار ميرمي، جون لويس بوكي وتيوفيل قوتيي.
وضِمْنَ هذا الجيل الأدبيّ الفرنسيّ الذي بلغ بالرواية العجائبية أوج مجدها في منتصف القرن التاسع عشر، برز، أيضا، الكاتب الفرنسي جيرار دي نيرفال Gérard de Nerval (ت. 1855) الذي اتخذ العجائبيّ، لديه، طابعا خاصا باعتباره كان ممتزجا بفلسفة الاستشراق (Orientalisme). ولقد عُرف هذا الكاتب خاصة برحلاته إلى الشرق، وبتوظيف تلك الرحلات في قصصه ورواياته وأشعاره ليخلق بذلك عالما غرائبيّا غير مألوف خاصة لدى القارئ الفرنسي الذي لا يعرف الكثير عن حياة الشرق. ولقد كان الشرق من منظور نيرفال هو “عالم أحلام قلقة سيّالة إلى ما نهاية”[27].
وقد جاء نيرفال إلى الشرق بأفكار جاهزة عنه، وكان يبحث فيه عن كل غريب وعجيب. وقد قام بتوظيف كل ذلك في كتابيه “رحلة إلى الشرق” و”الأوهام الخرافيّة” وغيرهما من كتبه. ولذلك فإنّ العجائبي لدى جيرار نيرفال لم يكن عجائبيا خالصا بل كان منطلقا ممّا هو واقعيّ ومألوف ومعقول.
وفي هذا السياق، يرى فرانز هيلينز أنّ نيرفال هو أوّل الكتّاب الفرنسيين الذين كتبوا في ما اِصطلح عليه بـ “العجائبيّ الواقعيّ”(Le fantastique réel) [28]، وهو صنف من العجائبيّ المعتمد على الخطاب الاستشراقيّ، وهو لا يقطع صلته مع الواقع باعتباره يحيا في صلبه. ويبدو الواقع الذي يقدّمه نيرفال في أغلب قصصه، وهو واقع الشرق، زاخرا بكلّ ما هو غريب وعجيب من وجهة نظر القرّاء الفرنسيّين في ذلك الوقت، وهو يتعارض في الكثير من وجوهه مع العالم المألوف لديهم.
خاتمة:
عرف العجائبيّ فترات ازدهار ونكوص حيث إنّ توظيفه الأدبي ارتبط في كلّ مرّة بالنظريّات الفلسفيّة، وهو ما يتجلّى بوضوح في الرواية العجائبية الفرنسية التي يعود ظهورها الفعلي إلى القرن التاسع عشر الذي عرفت فيه أوج انتشارها وتأثيرها في الأدب العالمي. ولقد ظهر العجائبي الفرنسي متأخّرا مقارنة بالعجائبي البريطاني أو الألماني مثلا، بسبب ما مارسته فلسفة الأنوار التي ظهرت بفرنسا في القرن الثامن عشر من وصاية على الأدب والفنّ، حيث إنّها دعت إلى تخليص الإبداع الأدبي من كلّ مظاهر الابتعاد عن الواقع وتجاوز العقل والمنطق. واعتبرت فلسفة الأنوار أنّ القصّ العجائبي هو قرين للتصوّر الأسطوري والغيبي للكون والعالم، وهو يعيق العقل الإنساني على التطوّر والدّخول الفعلي في عصر الأنوار كما يعيقه على القطع مع مظاهر الانشداد إلى التفكير الغيبي والأسطوري واللاهوتي.
ولكنّ ذلك لم يدم طويلا في الإبداع الأدبي الفرنسي، حيث إنّه بحلول القرن التاسع عشر ظهرت فلسفات جديدة منتقدة لفلسفة الأنوار ومتجاوزة لعدد من أطروحاتها، وقد نتج عن ذلك، في فرنسا، نشأة اتجاه الكتابة الروائيّة العجائبيّة ثمّ انتشارها بشكل غير مسبوق في أوروبا خاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
والملاحظ أنّ العجائبيّ قد عرف فهما آخر جديدا، وتمثّلا يكاد يكون مغايرا لما كان عليه، وذلك إثر ظهور تيّارات اللامعقول في القرن العشرين، وإثر نشأة تيّارات أخرى وظّفته وفق أشكال جديدة وتمثّلات مختلفة أبرزها تيّار الواقعيّة السحرية في أمريكا اللاتينيّة، والتيّار القوطيّ ما بعد الحداثي الذي ما تزال ملامحه غير مكتملة في الأدب المعاصر.
المصادر والمراجع:
– مصادر ومراجع باللغة العربية:
1- بلزاك (هونوري دي): الجلد المسحور، ترجمة: فريد أنطونيوس، انظر الطبعة العربية الصادرة عن دار عويدات، لبنان، ط1، 2008
2- ثابت (محمد رشيد): حكايات ألف ليلة وليلة بين الاستئناف وتجديد الإنشاء في قصة تيوفيل قوتيي “الليلة الثانية بعد الألف”، حوليات الجامعة التونسية، عدد 50، 2006
3- شريفي (عبد الواحد): أثر ألف ليلة وليلة في روايات الحب والمغامرات الفرنسية في القرن الثامن عشر، مجلة الآداب الأجنبية، العدد 105، شتاء 2001
4- عبد الحميد (شاكر): الغرابة: المفهوم وتجلّياته في الأدب، عالم المعرفة، الكويت، العدد 384، يناير 2012
5- غنيمي (محمد هلال): الأدب المقارن، دار الثقافة، بيروت لبنان، د ت
– مصادر ومراجع مترجمة للغة العربيّة:
1- روتمان (كورت): تاريخ الأدب الألماني، ترجمة : سليمان عواد، منشورات عويدات، بيروت، ط 1، 1989
2- سعيد (إدوارد): الاستشراق، ترجمة: محمد عناني، دار رؤية، القاهرة، 2006
3- مؤلف جماعي: تاريخ الآداب الأوروبية، ترجمة : صيّاح الجهيم، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، ط 1، 2002
4- هوفمان (إرنست تيودور): رجل الرمال، ترجمة: شاكر عبد الحميد، عالم المعرفة، الكويت، العدد 384، يناير 2012
5- ولسن (كولن): المعقول واللامعقول في الأدب الحديث، ترجمة: أنيس زكي حسن، دار الآداب، لبنان، ط6، 2001
– مصادر ومراجع باللغة الفرنسيّة:
1- Brébier (Emile) : Histoire de la philosophie. Tom VI (XIX siècle), Ed. Cérès, Tunisie, 1994
2- Castex (Pierre-Georges) : Le conte fantastique en France de Nodier à Maupassant, Ed. Librairie José Corti, Paris, 1957
3- Freud (Sigmund) : L’inquiétante étrangeté et autres essais, Ed. Gallimard, Paris, 1985
4- Gautier (Théophile) : Récits fantastiques, Ed. Flammartion. Paris, 1981
5- Hellenz (Franz): Le fantastique réel, Ed. SODI, Bruxelles, 1967
Nodier (Charles): Contes fantastiques, bibliothèque Charpentier, Paris, 1904
6- Ouvrage collectif : Patrimoine littéraire européen, Tom 10, Anthologie en langue française sous la direction de Jean-Claude Polet, Ed. De Boeck université, Paris, Bruxelles, 1998
7- Ponnau (Gwenhoél) : La folie dans la littérature fantastique, Ed. C N R S, Paris, 1990
8- Tiengham (Paul Van) : Le romantisme dans la littérature européenne, Ed. Albin Michel, Paris, 1948
9- Vax (Louis) : L’art et la littérature fantastiques, Ed. Que sais je, PUF, N° 907
10- Viegnes (Michel) : Le fantastique, Ed, Flammarion, Paris 2006
[1]– تاريخ الآداب الأوروبية : مؤلّف جماعي، ترجمة : صيّاح الجهيم، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، ط 1، 2002، ج 3، ص. 196.
[2]– كورث روتمان، تاريخ الأدب الألماني، ترجمة : سليمان عواد، منشورات عويدات، بيروت، ط 1، 1989، ص. 101.
[3]– محمد هلال غنيمي، الأدب المقارن، دار الثقافة، بيروت لبنان، د ت، ص. 222.
[4] – Paul Van Tieghem, Le romantisme dans la littérature européenne, Ed. Albin Michel, Paris, 1948, P. 491.
[5] – Michel Viegnes, Le fantastique, Ed, Flammarion, Paris 2006, P. 83.
[6]– Sigmund Freud, L’inquiétante étrangeté et autres essais, Ed. Gallimard, Paris, 1985, P. 234/ 235
[7] – Patrimoine littéraire européen, Tom 10 (ouvrage collectif), Anthologie en langue française sous la direction de Jean-Claude Polet, Ed. De Boeck université, Paris, Bruxelles, 1998, p 480.
[8]– كولن ولسن : المعقول واللامعقول في الأدب الحديث، ترجمة: أنيس زكي حسن، دار الآداب، لبنان، ط6، 2001، ص. 172
ويمكن الاطلاع أيضا على :
Gwenhaél Ponnau, La folie dans la littérature fantastique, Ed. C N R S, Paris, 1990, P. 35/ 36
[9]– كولن ولسن، المعقول واللامعقول في الأدب الحديث، ص. 173.
[10]– إرنست تيودور هوفمان، رجل الرمال، ترجمة شاكر عبد الحميد، عالم المعرفة، الكويت، العدد 384، يناير 2012، ص. 257
[11]– للمزيد من التوسّع حول فكرة “القرين” في الأدب، ينظر:
شاكر عبد الحميد، “الغرابة : المفهوم وتجلياته في الأدب“، عالم المعرفة، الكويت، العدد 384، يناير 2012، ص. 183
[12]– ينظر المرجع نفسه، ص. 312
[13] – Emile Brébier, Histoire de la philosophie. Tom VI (XIX siècle), Ed. Cérès, Tunisie, 1994, P. 87
[14] – Ibid, P. 87
[15] – Ibid, P. 284
[16] – Franz Hellens, Le fantastique réel, Ed. SODI, Bruxelles, 1967, P. 12
[17] – Pierre – Georges Castex, Le conte fantastique en France de Nodier à Maupassant, Ed. Librairie José Corti, Paris, 1957, P. 8
[18] – Ibid, P. 121
[19] – Louis Vax, L’art et la littérature fantastiques, Ed. Que sais je, PUF, N° 907, P. 108
[20] – Charles Nodier , Contes fantastiques , bibliothèque Charpentier, Paris, 1904, P. 25-28
[21] – P.G. Castex, Le conte fantastique en France, Ed. Librairie José Corti, Paris, 1957, P. 7
[22]– محمد رشيد ثابت، حكايات ألف ليلة وليلة بين الاستئناف وتجديد الإنشاء في قصة تيوفيل قوتيي “الليلة الثانية بعد الألف”، حوليات الجامعة التونسية، عدد 50، 2006، ص. ص. 265/289
[23]– عبد الواحد شريفي، أثر ألف ليلة وليلة في روايات الحب والمغامرات الفرنسية في القرن الثامن عشر، مجلة الآداب الأجنبية، العدد 105، شتاء 2001، ص. 26
[24]– من تقديم أندريه بيار دومانديارغ لرواية:
هونوري دي بلزاك، الجلد المسحور، ترجمة: فريد أنطونيوس، ينظر الطبعة العربية الصادرة عن دار عويدات، لبنان، ط1، 2008، ص. 12
[25] – Théophile Gautier, Récits fantastiques, Ed. Flammartion. Paris, 1981
(راجع المقدّمة التي كتبها مارك إيجلدنجار لهذه المجموعة القصصيّة بلغتها الفرنسيّة الأصليّة، ص. ص. 38/ 39)
[26] – Vax, L’art et la littérature fantastiques, P. 112
[27] – إدوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة: محمد عناني، دار رؤية، القاهرة، 2006
[28]– Franz Hellenz : Le fantastique réel, P. 16