مفهوم الدولة العالمية في كتاب”الفلسفة السياسية” لـ Eric Weil
The concept of the global state in Eric Weil’s “Political Philosophy”
اشريف مزور، باحث في سلك الدكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن طفيل، القنيطرة، المغرب.
Chrif Mezour, PHD research student , Faculty of Letterature and Science Humanities, University Ibn Tofail, Kenitra, Morocco.
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 72 الصفحة 123.
ملخص:
نروم من خلال هذا المقال، الحديث عن فكرة الدولة العالمية عند فايل Weil لاسيما من خلال كتابه “الفلسفة السياسية”(الفصل الأخير)، ولتوضيح ذلك، اخترنا الوقوف على أسباب قيام هذه الدولة العالمية، أي إبراز مشروعيتها والغاية من وجودها من خلال تحقيق مجتمع عالمي يضمن سياسة عادلة اقتصاديا، ويضمن بنفس التوجه الحرية داخل الجماعات الثقافية الوطنية وبين الدول. تحقيق هذه الدولة العالمية لا يعني بأية حال من الأحوال، اختفاء الدول الخاصة وبالقياس نفسه اختفاء الوحدات الثقافية الوطنية.
كلمات مفتاحية: الدولة العالمية/العنف/المشروعية/الدول الخاصة أو الفردية…
Abstract: Through this article, we aim to talk about the idea of the global state according to Weil, especially by his book “Political Philosophy” (last chapter). To clarify this, we chose to find out the reasons for the existence of this global state, that is, to highlight its legitimacy and the purpose of its existence through the realization of a global community that guarantees an economically just policy, and with the same approach guarantees freedom within national cultural groups and between states. The realization of this global state does not in any way mean the disappearance of private states, and by the same measure, the disappearance of national cultural units.
Key words: The Global State / Violence / Legitimacy / Private or Individual States…
تقديم
يهتم هذا المقال بالحديث عن الأطروحتين الأربعين والواحدة والأربعين المندرجتين في الفصل الرابع والأخير من كتاب “الفلسفة السياسية”([1]) لـ Eric Weil.
تقول الأطروحة 40 ما يلي: “من مصلحة الدولة الخاصة(الفردية) أن تعمل على تحقيق منظمة اجتماعية عالمية في أفق الحفاظ على خصوصيتها الأخلاقية (أو الخصوصيات الأخلاقية) التي تجسدها”([2]).
وتقول الأطروحة 41 ما يلي: “إن هدف المنظمة العالمية هو رضا أفراد معقولين داخل دول خاصة حرة”([3]).
يعمل Weil على تحليل كل أطروحة على حدة من خلال تقسيمها إلى عدة أجزاء (a, b, c…). ومن خلال قراءة لمفاصل الأطروحتين بدا لنا أن الإشكال الناظم لهذا الفصل يتمثل في قضية الدولة العالمية كتتويج لمسار التفكير الفلسفي في المجال السياسي، وتكمن أصالة Weil هنا في محاولة إرساء علاقة بين ضرورة تحقيق دولة عالمية وتوافق الدول الخاصة مع مستلزمات الحداثة، بعبارة أخرى إذا كانت السياسة (الفعل السياسي) تروم البحث عن رضا فرد معقول داخل دولة حرة، فإنه من هنا يجب الانطلاق للبحث عن تحقيق دولة عالمية على اعتبار أن استمرار هذا النموذج هو أكبر واجب أخلاقي للدولة الخاصة التي تريد أن تكون حديثة. صحيح أن العنف دائما ما مثل مشكلة عويصة أمام الفلاسفة، وغالبا ما تم تدارسها في ارتباطها بالمجال السياسي لاسيما وأن السياسة كما تم تعريفها هي فن تدبير شؤون الأفراد بعيدا عن العنف. وإذا كانت أغلب جهود الفلاسفة انصبت على مقاربة العنف من زاوية أخلاقية، فإن Weil سيعمل على ربط تحليل هذه المسألة ضمن إشكال أوسع يرتبط بقضية الدولة الحديثة والدولة العالمية، على الرغم من أن الدولة العالمية هنا هي أشبه بخصائص المفهوم في الفلسفة، إذ لا وجود لها أمبريقيا، وإنما هي صورة افتراضية لمواطنة كوسموبوليتية أو مواطنة عابرة للقارات.
جدير بالإشارة أن قضية الدولة العالمية لا تخرج عن نطاق إشكالية الفيلسوف Weil والتي تتمثل في مسألة الفلسفة والعنف، فمهمة الفلسفة هي التفكير من أجل الحد من العنف (عنف الطبيعة: الحاجات والأهواء…) و(عنف التاريخ عندما تتصارع المجتمعات فيما بينها)، وإذا كان لابد للعنف أن يتوقف، فإن ذلك يحتاج إلى فعل سياسي منظم وموجه ضده في أفق تنظيم الدولة والعلاقات بين الدول عبر الدولة العالمية.
في الدولة العالمية لا يكون الهدف هو القضاء على الدول الخاصة أو إلغاء الفروقات والخصوصيات الثقافية (هذا هو هدف الأنظمة التوتاليتارية)، وإنما القضاء على العنف بجميع أشكاله مادام يهدد الحرية الحقيقية للأفراد والجماعات التاريخية. فما السبب إذن من ضرورة قيام دولة عالمية؟ ما الذي يمكن أن يمنحه مجتمع دولي/منظمة عالمية بالنسبة للفرد والدولة الخاصة؟ واضح إذن أن تفكيرنا مع Weil يدور حول مسألتين: السبب من قيام الدولة العالمية، ثم المكاسب من ذلك.
1-في ضرورة قيام الدولة العالمية:
يرى ريكور Ricœur أن كتاب الفلسفة السياسة لـ Weil هو تطوير للفصل/ للمقولة 16 المعنونة بالفعل في كتابه العمدة “منطق الفلسفة”([4]). ومعلوم أن مقولة الفعل في الكتاب السابق هي تركيب(synthèse) بين مقولات الثورة(الأثر l’œuvre والمتناهle fini ) ومقولة المطلق(l’absolu) ([5])، بحيث إن الأمر لا يقتصر على فهم العالم، وإنما تغييره، وتغييره يعني الانطلاق من لا رضا الأفراد أي من ثورتهم من أجل الوصول إلى الحرية الكونية، بحيث تصير الثورة ليس فقط غير معقولة، وإنما أساسا مستحيلة([6])، وهذا ربما هو مسعى السياسة التي تهدف إلى كلية النوع البشري، على اعتبار أن الفعل الفلسفي هنا أخلاقي وسياسي، فهو أخلاقي يتوجه للإنسان ذاته من ذاته، وسياسي من حيث إنه الفعل الموجه على مستوى الجماعة ككل لتغييرها، بصيغة أخرى: تهتم الأخلاق بالفعل المعقول الكوني للفرد، أما السياسية فتحتكر الفعل المعقول الكوني للنوع الإنساني([7])، بيد أن الشخص أو الكائن الأخلاقي، لا يكتمل إلا إذا صار كائنا سياسيا، أي مواطنا. ومن أسس ذلك، أن يعيش في فضاء خال من العنف أو يسعى إن وجد إلى القضاء عليه باعتباره علة محركة للتاريخ البشري، والوعي السياسي مهمته تكمن في وجوب البحث عن سبل لإقصاء العنف، وهذه هي علته الغائية. إن اللاعنف في التاريخ وعبر التاريخ صار هو هدف التاريخ لكن لا شيء يضمن بلوغ هذا المسعى من دون استخدام العنف([8]) . يذكرنا هذا النمط من التفكير المرآوي (فكرة تولد من ضدها) بما قاله Weil في الفصل الأول المخصص للأخلاق عندما اعتبر أن الإنسان أخلاقي لأنه ليس أخلاقيا: فلو لم تكن له أهواء يصارعها، فلن يكون للأخلاق مجال تتجسد فيه([9]). ونجد نفس هذا النمط من التأمل عند رواد الفلسفة الحديثة في تأسيسهم لفكرة الحق انطلاقا من الوعي بضده أي العدوان والظلم، فمن دون وعي الإنسان بالظلم الواقع عليه لا سبيل أمامه إلى أن يعي أن له حقوقا (لا معنى لفكرة الحق إذا كان أساس الحياة هو التعاون والتضامن والعدل بما هو إنزال الناس منازلهم).
كيف يكون الإنسان إذن عاقلا وتاريخه يشهد على لحظات عنف لا تذهب إلا عن غافل ولا ينكرها إلا مكابر؟
إن الإنسان حيوان عاقل، لكن الهدف من تعريف الإنسان ليس هو معرفته بل تحقيقه([10]). أي السير من حقل المنطق إلى ميدان الأنطولوجيا والممارسة الواقعية للأفراد عبر تاريخهم لمواجهة العنف السياسي. ونفس الشيء بالنسبة للعقل: “فهو ليس معطى مباشرا، وليس مجرد مجموعة من القواعد والمبادئ التي يكفي اتباعها للوصول إلى الحقيقة، العقل فكر وممارسة أو بعبارة أدق، هو عملية تحقق معقدة للفكر والممارسة”([11]). غاية الفعل السياسي (وهو فعل معقول) هو الاجتهاد في التصدي للعنف لفسح المجال لحياة العقل بكامله، غير أنه لن يمكنه النجاح في ذلك كلية وبشكل مطلق، إذ سيظل الإنسان دائما يجري وراء بقية من حيوانيته”([12])، ولا عجب في ذلك، مادام أن تحقق حياة العقل بشكل تام وكامل يتطلب ملاكا لا إنسانا، على اعتبار أن الأخير ليس بمقدوره نهائيا التحرر من كل غرائزه وميوله، لكن عدم تحقق الفكرة كاملة لا يلغي أهميتها وقيمتها العملية، بحيث تكون مطمحا، كلما اقترب منها الإنسان إلا وارتقى أخلاقيا وسياسيا، أي يصير إنسانا بما هو عقل.
تناصيا، فكرة الدولة العالمية تحضر في تاريخ الفكر والفلسفة تحت عدة مسميات، فالفلسفة الرواقية هي من جسد هذه الفكرة (الدولة الكونية) لأول مرة عبر الكوسموبوليتية، فقد دعت بشكل صريح إلى مدينة عالمية يكون فيها البشر متساوون ومواطنون إخوة تجمعهم حياة واحدة على قاعدة القانون الطبيعي الذي يتسق مع العقل، وهو فوق القوانين الوضعية داخل المدن. وفي الأزمنة الحديثة، وضع الراهب الفرنسي سانت بيير S.Pierre خطاطة قانونية أولية بصدد جعل السلام بين الأمراء والممالك في أوروبا مطلبا كونيا دائما، واقترح ما سماه بفكرة الفيدرالية أو المتحد السياسي الجامع بين الدول ومهمتها:
– عدم تدخل أي دولة في الشؤون الداخلية والسياسية للبلد الآخر.
– إقامة محكمة عليا تلعب دور التحكيم بين الدول وبكل ما يتعلق بالتواصل الدولي والتفكير القانوني في السلام بين الدول([13]).
موضوع السلام أو اللاعنف لم يعد موضوع سخرية بدعوى طوباويته وفراغه من أي محتوى نظري أو عملي، بل صار ذا أهمية، ويكون هو الكفيل بالارتقاء بالمواطن في أفق المواطنة الكونية ونحو السلام الدائم.
يراهن كانط في مقالة السلم الدائم (سقف سياسي ذو مرجعية أخلاقية) على كيفية بناء دولة الحق الكوني على مقتضى النظر الأخلاقي، فإقامة السلام بشكل كوني هي الغاية القصوى والعميقة التي يتم فيها تأمين ما أمتلكه ويمتلكه غيري بمقتضى القوانين داخل جماعة من البشر يعيشون مع بعضهم البعض ويوحدهم نظام قانوني. بإجمال، إن مفتاح المبدأ الذي تقوم عليه دولة المواطنة الكونية التي تهدف إلى تحقيق سلم دائم هو مبدأ العمومية (Principe de la publicité) ومفاده “كل الأفعال الخاصة بحق الغير والتي لا تكون قاعدة قابلة لأن تكون عمومية هي أفعال غير عادلة”([14]).
إن الغرض من استحضارنا للنماذج السابقة هو بيان أن فكرة “دولة عالمية” لها تاريخ قبل Weil، والأخير سيعمل على توظيفها بشكل مبتكر، إذ حدد لها وظيفة واضحة في برنامجه السياسي، الذي ينطلق من مسوغات أخلاقية من خلال السعي إلى إرساء عالم يكون فيه اللاعنف واقعيا من دون أن يكون قمعا لأي معنى إيجابي في الحياة البشرية([15]).
طبعا لن ننتظر مع Weil تضافرا أبيقوريا([16]) لنشأة هذه الدولة العالمية، إذ بمجرد التفكير في الوضعية الحالية للعالم حتى تظهر الحاجة لتحقيق مجتمع عالمي. وعلى عكس هابرماس (Après l’Etat-Nation) الذي يرى العولمة والتعدد الثقافي كرهانات تفرض المرور من الدولة الخاصة (Etat-Nation) إلى الدولة العالمية، فإن Weil يبحث عن مصالحة بين الدولة الخاصة التاريخية والدولة العالمية (جسر عبور من الأولى نحو الثانية) بشكل لا يلغي الدولة الخاصة، Weil ممن يؤكد ضرورة الدولة وليس نهايتها، لكن وجب تعديلها وتحويلها إلى المعنى الحقيقي للدولة التي عبر التربية الاجتماعية والقانون والمناقشة المسؤولة تقود البشر نحو حياة كريمة ومعقولة([17]).
للإشارة فكتاب الفلسفة السياسية لفايل يأتي بعد الحرب العالمية الثانية، وتقسيم العالم إلى معسكرين، وخطر نهاية محتملة (apocalypse définitive)، حرب نووية، ولذلك فالدولة العالمية هنا موضوع حقيقي للتأمل الفلسفي في المجال السياسي، وليس يوتوبيا أو نبوءة سياسية (Prophétisme)، قد تكون منظمة الأمم المتحدة كفضاء موحد بمعايير قانونية وأخلاقية شبيهة بما يتحدث عنه Weil، لكن الأخير يذهب أبعد من ذلك، لأن الدولة العالمية هدفها هو إرضاء أفراد معقولين داخل دولة حرة.
في هذه الدولة العالمية (L’Etat des Etats) لن تحتاج الدول إلى سياسة خارجية، لأن هذا الخارج لن يوجد([18])، كما أنها لن تحتاج إلى الولاء (Loyauté) من طرف المواطنين، لأن هؤلاء في وضعية رضا نفسي وعقلي.
من الأشياء المشهورة عن نيتشه قوله إننا لا نأتي إلى الحقيقة إلا مكرهين، فسؤال الحقيقة هو سؤال مخضب بالدم، وبغض النظر عن المعنى القيمي لهذا القول، فإنه من الناحية المعرفية يدل على أنه لا شيء يحدث بشكل هادئ ومسالم، ولربما كان الأصل في محبة الحكمة هو كره الحكمة (Misosophie). قياسا إلى ذلك، نعتقد أنه في فلسفة Weil السياسية إمكانية السلم وواقعيته تأتي من الوضعية المأساوية التي تنجم عن العنف الخالص أي الحرب. لذا لا ينبغي التفكير في العالم فقط، ولكن تحويله، وتغييره من خلال عدم رضا الأفراد وتمردهم للوصول إلى الحرية الكونية، بحيث تصير الثورة ليس فقط غير معقولة، وإنما أساسا مستحيلة([19]). تبعا لذلك، تصير الفردية (individualité) معقولة عبر المراحل التي تقطعها من الأخلاق إلى الدولة وانتهاء بالدولة العالمية التي تجسد الحرية الحقيقية المعقولة([20]).
أ-أنثروبولوجيا الحرب عند Weil:
يرفض المجتمع الحديث الحرب لأنه في جوهره مصدر للحرية والتقدم، الحرب عنف خالص ومن ثمة مدمرة للتقدم، بل أكثر من ذلك لأنها تنزع منه جزءا من قوة العمل (اليد العاملة) إلى ساحة المعارك([21]). في هذا السياق، يتحدث Weil عن خطابين متعارضين حول الحرب: خطاب المجتمع(pacifisme de la société) الذي يرى في الحرب مسا بالتقدم وتدمير الخيرات، وخطاب الدولة(bellicisme de l’état) الذي يرى في الحرب بعدا أخلاقيا لأنها ترغم الفرد على الارتفاع إلى مستوى الكوني بعيدا عن حياته الأنانية، بحيث تستطيع أن تقوده إلى حد التضحية بحياته، وهنا له قيمة([22]). يأخذ Weil من الأطروحتين المتعارضتين مسافة ليقر بأن الحرب باتت عنصر مقت من الجميع، فالرأي العالمي يكره الحرب([23]). بيد أنه قبل أن يصل إلى تلك النتيجة نلفيه يعقد مقارنة بين الدول القوية والدول الصغيرة (les petits Etats) بخصوص تعاملها مع الحرب. فلشن الحرب يتطلب الأمر موارد طبيعية وبشرية وتكنولوجية، وهذا شيء يتوفر فقط عند الدول القوية. ومع ذلك، تنفر الأخيرة من الدخول في نزاع مسلح خدمة لمصالحها وحفاظا على سيادتها السياسية والعسكرية، وخاصة عندما يكون الرهان على الحرب لا يساوي الرغبة في تحملها. الدول الصغيرة وهي تنسى أن أي نزاع مسلح هو في غير صالحها، قد تستخدم العنف في حالة الدفاع عن تراثها الثقافي أو مجالها الترابي ضد أي هجوم، لكن التكلفة باهظة والخسائر فادحة. نظريا إذن الحرب ليست مستحيلة، لكنها محتملة بشكل ضعيف. إذ بعد الحروب الكبرى الأخيرة بدأت الدول تتهيب من نتائج الحرب، فالحكومات بدأت من خلال حسابات (عقل حسابي) تخشى قيادة عالم غير منظم وفقير([24])، بحيث ستكون ملزمة حتى في وضعية الانتصار بتدبير عالم من المهزومين وهذا ليس مواتيا لأخلاقيات الفائز.
ارتباطا بذلك، فالقوى العظمى لها دور كبير في البحث عن حل للمشاكل التي يحدثها العنف، لأن لا أحد ينكر دورها في ظهور الدول وتغيير خريطة العالم، وكذا بالنظر إلى توجيهها للاقتصاد والسياسة العالميين، وبدورها هي ليست في مأمن من الحرب داخليا (عدم رضا بعض الأقليات)، وخارجيا من خلال العلاقة مع دول أخرى، حتى الدول القوية ورغم قدرتها على تحمل الحرب فهي تحاول تفاديها([25]).
الحرب مشكل دولي عويص من حيث وسائله وكذا نتائجه، ولذا على الدول القوية أن تعمل جاهدة على تحقيق منظمة دولية كفيلة بانتشال العالم من حرب مدمرة، بالنسبة للدول الصغيرة، والأقل تحديثا، من مصلحتها أكثر من غيرها تحقيق مجتمع دولي لأسباب عدة: داخليا السبب الأول يهم الوحدة الوطنية ضد كل أشكال التمرد من جماعات عرقية، دينية، في المنظمة الدولية الوحدة الوطنية لا تصير (بعد أن كانت في الدولة الخاصة) مشكلا لأن أي فرد يجد إشباعه فيها، السبب الثاني يهم الاستقرار السياسي، ذلك أن التمردات تقود إلى تغيير المؤسسات والمسؤولين مما يجعل أي مشروع لا يكتمل، خارجيا فالدول الصغيرة لا تستطيع تحمل النزاعات المسلحة، كما أنها هي من تكون مسرحا للحروب، حاصل القول إذن، لابد من الوعي بأهمية وجدوى تحقيق منظمة عالمية تعمل على تخليص البشرية من صنوف الحروب والصراعات عبر مراجعة كلية للسياسة الخارجية للدول الخاصة، يجب إقصاء العنف أو الحرب كوسيلة لغاية سياسية أو باعتبارها استئنافا للسياسة بوسائل أخرى ([26]).
الحرب فعل للعنف، ولا حدود لاستخدامها، إنها عنف خالص، وتستهدف تدمير الآخر والقضاء عليه([27]). صحيح أن الحرب قبل العصر الحديث كانت صلة وصل بين الشعوب، ولذلك كثيرا ما عدلت من الخرائط الجغرافية، كما أنها كانت العنصر الذي حرك التقنيات، والمعارف بين الأمم والعصور، لكن هذا العنف في الزمن الحديث يجب أن ينتهي لاسيما وأن التقنية في مجال التسلح وصلت إلى الذروة.
هناك اليوم عدة منظمات دولية سياسية واقتصادية واجتماعية تعمل وتحاول توحيد الأفراد نحو وعي فوق وطني (Super national)، ورغم هذه النية الحسنة، والمجهودات المبذولة، فإن قرارات هذه المنظمات تبقى دون تنفيذ، كما أن هذه القرارات غالبا ما تروم حماية المصالح الخاصة للدول الخاصة، هذه المنظمات تظل إذن أماكن للثرثرة (Bavardage)، وليس لها أن تكون أكثر من ذلك لأن العالم ليس عقلانيا، لكن قيمة هذه الثرثرات كبيرة إذا نظرنا إليها من زاوية أخرى، فهي تربي الدول الخاصة على المناقشة، وتعود الحكام والمحكومين على رؤية المشاكل التي تواجهها من زاوية نظر كونية.
الدور الأساسي للدولة الخاصة هو ضمان الوحدة الوطنية واستقلالية الوطن، وهذا دور لا يمكن الاستغناء عنه، ولا يمكن التضحية بالمصالح الوطنية والفردية لخدمة القضية الكونية، هنا تتدخل الفلسفة لتعقلن وتربي البشرية، لأنه وحده العقل من يجب أن يوجه العالم الحديث في اتجاه خير المجتمع الدولي (الحرية، التقدم، العدالة، الأمن)، فبمجرد ما تختفي الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، تظهر سياسة عالمية ممكنة وأكثر إنسانية، هذه الغاية تبرر وجود مؤسسات وإن كانت غير مكتملة([28]).
يرى Weilأن العلاقات بين الدول (inter-Etatiques) تتأسس على نوع من لا يقين المفاوضات السياسية، بحيث يحاول كل طرف في التفاوض أن يخرج ما أمكن بأكبر عدد من الامتيازات لخدمة مجتمعه سياسيا واقتصاديا، فهو يستخدم فرديته في سياسته الخارجية مثلما يستخدمها في الداخل عندما يجبر الأفراد على الحرب رغما عنهم في النزاع مع دول أخرى، إن فرص حل النزاعات الكبرى سلميا قليلة جدا، وحتى وإن تم حلها، أو لم تحل، فهي مرتبطة بقرارات من حكام ومسؤولي دول خاصة([29]).
ليس من شك في أن التنظيم السيء للسياسة الداخلية والخارجية للحكومات الخاصة يفسر في جزء كبير هذه الوضعية الخطيرة والتي تنذر بالخطر، لذا وجب ترويض الطبيعة البشرية بوسائل عقلية تمكن من تأسيس سياسة تسمح بإمكان الفعل الحر والمعقول. وعليه، فإن إدارة الدول الخاصة لا يمكن إلا أن تكون بواسطة رجال عقلاء، تمت تربيتهم من طرف نخبة الفلسفة. فالفيلسوف وحده من يعمل دوما على جعل العقل يسود على حساب الشهوة والرغبة، لذلك يربي رئيس الدولة كيف يستخدم خطابه بطريقة معقولة، لأن رغبته هي أن يرى العنف يختفي من العالم([30]).
ب-في عدم فعالية المؤسسات الدولية الحالية:
بالنسبة لـ Weil فبعض المؤسسات مثل المحاكم الدولية والمنظمات فوق الوطنية لا تستطيع فرض قراراتها بأن تجعلها منفذة، وغالبا ما يتم استخدامها من طرف الحكومات الخاصة عندما تقتضي مصلحتها ذلك. بالرغم من ذلك فوجود تلك المؤسسات يرمز إلى استشعار العقلاء ضرورة وجود مجتمع عالمي تصير فيه السياسة الخارجية زائدة(فضلة)، إنها تجسيد للوعي الفلسفي والسياسي الذي يجتهد لإقصاء العنف الذي هو نفي لكل معنى، بل إنه المقابل للدولة الخالصة. يجب إذن الانتقال من هذا الوعي إلى تحقيق المنظمة العالمية لإيقاف أي إمكانية للعنف، لا يكفي التفكير في ذلك، بل ينبغي التصرف (l’agir) لتفادي السقوط في نزاعات داخلية وخارجية([31]). في نظر Weilهناك عدة عوائق تحول دون الوصول إلى مطمح الدولة العالمية. ولعل أبرزها هو الطمع السياسي لرئيس أو حاكم الدولة الخاصة، فهو لا يرى في الدول المجاورة إلا خطرا على دولته، وبالتالي يستخدم الحرب كوسيلة للدفاع، يجهل بأن الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في جماعة قد تكون موجودة على صعيد دولي. العنف الخالص هو أداته المفضلة، ومنه ففكرة منظمة دولية كحل شامل كوني للمشاكل في الدول الخاصة مسألة مستبعدة عنده. في هذا الصدد، ما يهمه في الواقع ليس هو التجاوز الآني للعنف الشامل من العالم، وليس هدفه هو الإسهام في تحقيق الدولة العالمية، ما يهمه في الحاضر هو كيف تكون له قيمة في جماعته، كيف يحقق الوحدة الوطنية، كيف يضمن استقلال وطنه ويحافظ عليه، هذه القيم التي يحرص عليها هي القابلة للتحقيق بسهولة مقابل الأحلام الفلسفية للدولة العالمية([32]). كيف السبيل إذن لتحقيق هذه الدولة العالمية إذا كان مسؤولو الحكومات ينشغلون فقط بمقاومة خصومهم؟ كيف السبيل للوصول إلى جعل المجتمعات الخاصة تقبل بأن بقاء أخلاقها الخاصة ليس مضمونا إلا في مجتمع كوني مجسد؟
بحسب Weil توجد دولة المواطنين، أي الدولة القائمة على الحقوق الطبيعية للأفراد، غير أنه لا توجد هيئة قانونية حقيقية تحتكم إليها الدول. بنظرنا ما يسوغ ضرورة تحقيق مجتمع دولي عند Weil مسألتان: الأولى الوعي العمومي بأن الحرب مدمرة. الثانية ترتبط بكون المجتمع الحديث هو عالمي من حيث المبدأ على اعتبار أن كل فرد يتصرف طبقا لمصلحته. بالتصرف طبقا لمصلحته الفردية يفهم الفرد بأن مصلحته الحقيقية هي في تجاوز العنف والرغبات المباشرة لمصالحه الفردية. وفي هذا تتطابق الدولة الحديثة مع الفرد([33]).
يمكن القول بأن الدولة الحديثة (كما الفرد) لا تتخلى عن العنف باقتناع أخلاقي، ولكن تعرف أن المكاسب منه أقل أهمية من الخسائر (العقل الحسابي)، مثلما أن الدولة وصلت إلى توجيه العنف في الفرد وبين الأفراد كبنية فوقية فوق الأعراض الفردية، لزم أن تكون هناك دولة للدول بإدارة قادرة على فرض قرارات تخدم مصلحة الجميع، وتستطيع إخماد العنف الطبيعي الذي يطبع العلاقات الدولية. لكي يكون السلم الدولي واقعيا، يجب أن يظهر مفيدا بالنسبة للدول في منطق مصالحها.
بما أن المجتمع الحديث هو واحد في مناهج عمله، فهذا يعتبر منطقا مناسبا للوصول إلى مجتمع عالمي، بعبارة أخرى إن العقلنة والتنظيم الاقتصادي للمجتمعات هو الذي سوف يفضي إلى ظهور دولة عالمية، إذ إن الدور الأول للدولة الكونية لن يكون غير دعم هذه الوجهة التنظيمية للمجتمعات لكن بطريقة مختلفة عما تقوم به الدولة الوطنية، كما سوف يفضي هذا التنظيم الاقتصادي إلى مهمة اجتماعية تقوم بها الدولة الكونية، وهي مجانسة المستوى المدني للأفراد باعتبارهم ينتمون إلى نفس ظروف العصر ويتبادلون الأدوار في الإنتاج. ويؤكد Weil أن الحرية الفردية والمساواة المدنية والمساواة في الفرص، والحق في المناقشة، ترتبط جميعها ببنية المجتمع الحديث، حقوق الإنسان هي في النهاية أخلاق الإنسان الحديث.
2-المكاسب من قيام الدولة العالمية:
تفرض الوضعية السياسية الحالية تحقيق مجتمع عالمي يضمن سياسة عادلة اقتصاديا، وتضمن بنفس التوجه الحرية داخل الجماعات الثقافية الوطنية وبين الدول، تحقيق هذه الدولة العالمية لا يعني بأية حال من الأحوال، اختفاء الدول الخاصة وبالقياس نفسه اختفاء الوحدات الثقافية الوطنية، المجتمع الدولي إذن هو وحده الحامل للأخلاقية الصورية، فداخل الدول الخاصة ستستمر الأخلاق المشخصة في التواجد ولكنها محررة من المنافسة الشرسة (Rivalité) التي تؤدي إلى صراعات بين الدول. طبعا لا يعني تحقيق الدولة العالمية طمس صورة الدولة الوطنية/ الخاصة، ففي الصفحات الأخيرة من الكتاب نلفي Weil يؤكد وبشكل صريح على ضرورتها باعتبارها الصورة الواعية أو المعقلنة للعيش المشترك([34])
من الواضح أن أية دولة لا يمكن أن تنعزل وتعيش بمعزل عن الآخرين، مثلما أن أي فرد لا يقدر على العيش وحيدا، والعلاقات بين الدول (الدولة الخاصة مدفوعة لمباشرة علاقات مع جيرانها) ليست مطبوعة دائما بالعدالة والصراحة والثقة، بل كثيرا ما نحت صوب الأنانية والخبث والطمع… مشكل العلاقات الدولية مطروح بالنسبة لأية حكومة حديثة([35]). ولحل المشاكل الدولية وتطوير العلاقات الدولية في أفق النظام والعدالة والسلم، لابد من دولة عالمية التي بمقاومتها لأنانية الدول الخاصة، تقوي حرية الشعوب وتحمي الثقافات وتنظم الاقتصاد العالمي([36]).
للقضاء على العنف الخالص (الحرب) هناك حلين:
– حل سلمي غير عنيف يكون نتيجة لقمة حقيقية لرؤساء حكومات جميع الدول. هذا الحل هو الأقل ضمانة بالنظر إلى الجدول الاقتصادي والسياسي الذي يقدمه الواقع الحالي، والمبني على القوة الاقتصادية والعسكرية خاصة لدى القوى العظمى التي لا تريد أن تفقد امتيازاتها في العالم.
– الحل الثاني عنيف: بالحرب نتصدى للحرب. هذا الحل هو الأكثر مقبولية لكنه أقل عقلانية، تحقيق منظمة دولية بعد نزاع مسلح تندرج فيه جميع القوى، هو أكثر مقبولية (plausible) لأن التاريخ يدلنا على أن القرارات الكبرى للسلم أتت بعد حروب مدمرة، وهو أقل عقلانية لأن نتائج الحرب مدمرة للجميع وغير قابلة للتخيل.
تتمثل الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف (تجنب العنف وإنشاء الدولة العالمية) في النقاش السياسي والتخطيط المعقول، إن الوعي بالمخاطر (العقل الحسابي) هو من يدفع إلى البحث عن حلول سلمية. يجب إنقاذ الحضارة، وهذا في مكنة العقل البشري .([37])
إن الأهداف الأساسية لهذه المنظمة الدولية هي إقصاء العنف من العالم، وضمان الحرية والاكتمال بالنسبة للفرد داخل المجتمع. في الدولة الخاصة وضعية الفرد ممزقة، يتحدث Weil في إطار الدولة العالمية عن إكمال parfaire الدولة الخاصة بإرجاعها معقولة كما هو حال أي فرد عضو في مجتمع معقول بحيث يتم الارتقاء بفرديته إلى مستوى الكوني المجسد. في المنظمة العالمية تجد الدولة الخاصة نفسها محمية مما تبقى من نوازع الشر، كما أن الفرد يكتشف معنى وجوده الحقيقي الآمن.
الدولة العالمية ليست هي تركيز القوة في دولة متسلطة، ولكنها حكومة بدون سياسة خارجية، تتحمل على المستوى الدولي وظائف التنسيق الاقتصادي والاجتماعي والقانوني (تضمن حقوق الإنسان) الضرورية من أجل اشتغال جيد للمجتمعات الخاصة، لا شيء يفرض على المجتمع الدولي تنميط (Uniformité) الأخلاق المشخصة لجماعة تاريخية ما، بل بالعكس، فداخل هذا المجتمع الدولي تستطيع الأخلاق المشخصة أن تتطور بشكل حر([38]). الدولة العالمية إذن لا تعني طمس الدول الخاصة، لأن الفرد يولد دائما عنيفا، وهو في حاجة إلى تربية عبر عادات وقوانين بلده. نهاية التاريخ (نهاية الصراع، والحرب في التاريخ) لا تلزم عنها اختفاء الدولة، بل إن نهاية التاريخ على العكس من ذلك هي شرط قيام الدولة العالمية. يؤكد Weil في هذا الاتجاه أن الدولة العالمية ليست هي مملكة الغايات (كانط) حيث يخضع الأفراد للقوانين (واجبات أخلاقية غير مشروطة) ولا يخضعون لأية سلطة خارجية، في الدولة العالمية هناك رقابة من الفرد الذي يعود مباشرة إلى العنف حالما يجد مسا بمعنى وجوده. ولذلك فإداريو الدولة العالمية مراقبون من الفرد حتى لا تزيغ هذه عن مسارها، والهدف من إنشائها([39]).
من البين أن المنافسة بين الدول الخاصة والرغبة الحادة في الاستقواء والثروة تدفع في اتجاه إرساء سياسة خارجية قائمة على العنف، فما يهم هو الهدف وليس الوسائل. المنظمة الدولية مهمتها نفي كل ما يؤدي إلى تثمين دولة خاصة أو ما من شأنه أن يخلق فكرة المنافسة والقوة. ولتفادي ذلك فهي تربي على العقلنة التي تفهم كإمكانية للأخلاق([40]).
تعمل المنظمة العالمية على عقلنة الخيرات، وتقاسمها بشكل عادل ومنصف، فلا أحد سيقبل بمنظمة تفرض أخلاقا مشخصة لدولة خاصة على حساب باقي الدول.
خوف الفرد في الدولة العالمية ينمحي لأنه لا شيء سيدفع به إلى المنافسة والعنف. إنها الإطار لازدهاره واكتماله، الفرد لا يمكن إلا أن يثمن ويريد هذه الدولة، لأنها وعلى خلاف الدولة الخاصة تمكنه من فهم معنى أن يقاوم بدون فائدة في دولة خاصة عنيفة.
في الدولة الخاصة العلاقات بين الدول، بين الفرد والجماعة تتأسس على العنف، الدولة الخاصة هنا والتي باسم الشرعية، والحق الوضعي تتحول إلى إكراه بالنسبة لمواطنيها، الفرد عنفه نابع من تمرده ضد الدولة التي تضعه في خانة تابع. عنف الجماعة التي تنفي حوسبة الشغل(عقلنته إداريا)، وتنفي الحداثة التي أنجزت على حساب أخلاقها التاريخية، ضد هذه الوضعية لا طرف يريد تحقيق هدفه سلميا. الفيلسوف متيقن من أن لا الدولة ولا الفاعلين (أفراد، جماعات)، يستطيعون التفكير في إقصاء العنف، والذي بطبيعته لن يجر إلا إلى خسارة البشرية والحضارة. الفيلسوف يحاول بخطابه أن ينقذ، والوضعية السياسية تساعد، ومن السهل رؤية أنه لا مجال للاعنف إلا في الدولة العالمية التي تنفي العنف الأعمى.
المجتمع الدولي إذن يجد مبرره في إمكانية تطوير جماعات حرة تحت قوانينها الخاصة وهي معقولة من حيث تمكن أفرادها من حياة معقولة، الدولة الخاصة تكسب المعقولية لحياة فرد فيما تحدده من غايات، وبالنظر إلى ذلك فالمنظمة الدولية تمكن الدول الخاصة من لعب أدوارها هذه، وعليه يرفض Weil إمكانية دولة واحدة كوسموبوليتية.
تصير الدولة الخاصة دولة حقيقية في إطار الدولة العالمية، وهي دولة ليست مرغمة بتأسيس انسجام للجماعة تحت سيادة باسم القوة، إنها دولة ليبرالية، وفي هذه الدولة، المفاهيم القديمة للصداقة والفضيلة قد تجد معناها، الصداقة ليست فقط علاقة شخصية وعاطفية، ولكنها علاقة مدنية من خلال تقاسم القيم الجماعية (شعور نجده مثلا عند مناضلي حزب واحد)، الفضيلة بدورها لا تختزل في النفاق الأخلاقي داخل مجتمع غير متكافئ، ولكنها كإمكانية للفرد لتطوير كل قدرات ذكائه([41]). وفي هذه الحالة يشعر بالسعادة والرضا([42]).
خاتمة:
حاصل ما سبق ذكره أن فايل Weil يستلهم الإرث الأفلاطوني(الملك الفيلسوف) في التنظير لقيام دولة عالمية يكون منطلقها القضاء على العنف، ومنتهاها تحقيق الرفاهية والعيش الرغيد كأفق للعيش المشترك بين البشر. وبين هذا وذاك، لاحت لنا في خضم التحليل السابق مجموعة من الملاحظات يمكن أن نجملها في العناصر التالية:
-لابد من القول بأن التصور السياسي لفايل Weil في هذا الكتاب لا يقطع مع الأخلاق نهائيا كما حدث منذ مجيء الأزمنة الحديثة؛ على اعتبار أن الفعل الفلسفي هنا أخلاقي وسياسي، فهو أخلاقي يتوجه للإنسان ذاته من ذاته، وسياسي من حيث إنه الفعل الموجه على مستوى الجماعة ككل لتغييرها، بصيغة أخرى: تهتم الأخلاق بالفعل المعقول الكوني للفرد، أما السياسية فتحتكر الفعل المعقول الكوني للنوع الإنساني، بيد أن الشخص أو الكائن الأخلاقي، لا يكتمل إلا إذا صار كائنا سياسيا، أي مواطنا.
-صحيح أن قيام دولة عالمية أمر يفرضه واقع الحال لاسيما بعد الجروح التي خلفتها الحربين العالميتين، بيد أن ذلك لايعني بأية حال من الأحوال التضحية بالخاص والجزئي في سبيل العام والكلي؛ إذ الهدف من وراء قيامها ليس هو القضاء على الدول الخاصة أو إلغاء الفروقات والخصوصيات الثقافية (وهذا هو هدف الأنظمة التوتاليتارية)، وإنما القضاء على العنف بجميع أشكاله مادام يهدد الحرية الحقيقية للأفراد والجماعات التاريخية، وهنا يتم الارتقاء بفردية الشخص إلى مستوى الكوني المجسد حيث يشعر بالسعادة والرضا.
لائحة المراجع
بالفرنسية:
– Eric Weil, La Philosophie politique, J. Vrin, 4ième Ed, paris, 1984.
– Eric Weil, logique de philosophie, J.Vrin .1996.
– P. Ricœur, la philosophie politique d’Eric Weil in : Paul Ricœur, Lecture 1, Edition du Seuil, 1991.
– Carl Von Clausewitz, de la guerre, livre 1, Edition de Minuit, 1959.
– Jean Ferrari et Simone Goyard-Fabre, l’Année 1796 sur la paix perpétuelle, de Leibniz aux héritiers de Kant, Librairie. J. vrin, Paris, 1998.
– http//www.philopsis.fr.
بالعربية:
– مصطفى كاك، الفلسفة والمعرفة، مقالات في تاريخ الفلسفة، منشورات Top Edition، ط 1، 2009.
المترجمة:
– كانط، مشروع للسلام الدائم، ترجمة وتقديم عثمان أمين، مكتبة الأسرة، مطابع الهيئة العامة للكتب، القاهرة، 2000.
[1]– Eric Weil, La Philosophie politique, Vrin, 4ième Edition, paris, 1984.
[2]– Idem, p 225.
[3]– Idem, p 240.
[4]– P. Ricœur, la philosophie politique d’Eric Weil in : Paul Ricoeur, Lecture 1, Edition du Seuil, 1991, p 96.
[5]– J.F.Robinet, l’état selon Eric Weil, http//www.philopsis.fr.
[6]– J.F.Robinet, l’état selon Eric Weil, http//www.philopsis.fr.
[7]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. p 12.
[8]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. p 233.
[9]– Idem. p 30.
[10]– مصطفى كاك، الفلسفة والمعرفة، مقالات في تاريخ الفلسفة، منشورات Top Edition، ط 1، 2009، ص 129.
[11] – المرجع نفسه، ص 131.
[12] – المرجع نفسه، ص 134.
[13]– Simone Goyard Fabre, l’optimisme juridique de l’Abbé de Saint Pierre, in: l’Année 1796 sur la paix perpétuelle, de Leibniz aux héritiers de Kant, Librairie. J. vrin, Paris, 1998, p 86.
[14] – كانط، مشروع للسلام الدائم، ترجمة وتقديم عثمان أمين، مكتبة الأسرة، مطابع الهيئة العامة للكتب، القاهرة، 2000، ص 25.
[15]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. p 234.
[16] – التضافر الأبيقوري: ينشأ العالم حسب الأبيقوريين من تصادم الذرات، فليس هناك غائية وراء انسجام مكونات الطبيعة، ووفق هذ التحديد ينبغي أن ننتظر عددا لا نهائيا من المحاولات حتى تؤدي مصادفة ما إلى اتحاد الدول في جمعية كوسموبوليتية.
[17]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. pp 252-253.
[18]– Idem. p 240.
[19]– Eric Weil, logique de philosophie, J.Vrin 1996, p 397.
[20]– Ricœur, la philosophie politique d’Eric Weil, op cit, p 99.
[21]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. p 231.
[22]– Ibidem.
[23]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. p 239.
[24]– Idem. p 230.
[25]– Ibidem.
[26]– Clausewitz, de la guerre, livre 1, Edition de Minuit, 1959, p 65.
[27]– Idem, p 66.
[28]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. p 228.
[29]– Idem. p 225.
[30]– Weil, logique de la philosophie, op. cit, p 20.
[31]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. p 233.
[32]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. p 235.
[33]– Idem. p 226.
[34]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. p 252. :يقول بهذا الصدد « Nécessité d’un Etat mondial qui, d’une part, organise l’économie de la terre comme unité et qui, de l’autre part, garantisse la plus grande liberté à tous les groupes ethniques, définis par la communauté de langue et de tradition culturelle, et à toutes les associations à l’intérieur des nations, à moins qu’elles ne se tournent vers la violence ». Ibidem.
[35]– Idem. p 225.
[36]– Weil, essais et conférences, op cit, p 110.
[37]– Weil, Essais et conférences, op cit, p 111.
[38]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. p 244.
[39]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. p 249.
[40]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. p 241.
[41]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. pp 245-246.
[42]– Idem. pp 259-260.