العلوم التّطبيقيّة في الحضارة العربية الإسلاميّة: علمي الكيمياء والفيزياء نموذجًا
Applied sciences in the Arab and Islamic civilization: Chemistry and physics as a model
د. النّاصر الهمّامي/كلّية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس
Dr.Nasser Hammami/ /Faculty of Humanities and Social Sciences/Tunisia
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 79 الصفحة 117.
Abstract:
Through this research, we sought to highlight the status of chemistry and physics in the Arab-Islamic civilization, and we divided it into two main parts: In the first part, we focused on the science of chemistry in the Arab-Islamic civilization. So we showed that the science of chemistry, after the previous civilizations had secret and hidden sciences that are related to magic and sorcery, descended in the Arab-Islamic civilization to the field of craftsmanship, management and workmanship and became an applied science with its own laws and rules, and as a result of this new scientific understanding of chemistry, the chemical scientific achievements were numerous and varied. Of discoveries, inventions and innovations. As for the second part of this research, we were concerned with the science of physics in the Arab-Islamic civilization, showing that Muslims did not stop at the transfer of ancient Greek physical sciences, but rather they assimilated, developed and expanded their scope, until they were able to devise new physical theories, which contributed to the establishment of a scientific understanding The phenomena of light, sound and gravity, and helped to invent modern mechanical machines, will have a great impact in charting the course of the history of human technology.
Key words: applied sciences, chemistry, physics, Arab-Islamic civilization.
ملخّص:
سعينا من خلال هذا البحث إلى إبراز مكانة علمي الكيمياء والفيزياء في الحضارة العربية الإسلامية، وقد قسّمناه إلى قسمين رئيسيّين: ركّزنا في القسم الأوّل منه على علم الكيمياء في الحضارة العربية الإسلامية. فبينا أنّ علم الكيمياء بعد أن كان لدى الحضارات السّابقة من العلوم السرّية الخفيّة التي ترتبط بالسّحر والشّعوذة، تنزّل في الحضارة العربية الإسلامية إلى ميدان الحرفيّة والتّدبير والصّنعة وأصبح علما تطبيقيّا إجرائيّا له قوانينه وقواعده، وكنتيجة لهذا الفهم العلمي الجديد لعلم الكيمياء فقد تعدّدت وتنوّعت الإنجازات العلمية الكيميائيّة من اكتشافات واختراعات وابتكارات. أمّا في القسم الثّاني من هذا البحث فقد اهتممنا بعلم الفيزياء في الحضارة العربية الإسلامية، فبينّا أنّ المسلمين لم يتوقّفوا عند حدّ نقل العلوم الفيزيائيّة اليونانية القديمة، بل قاموا باستيعابها، وتطويرها وتوسيع نطاقها، حتّى تمكّنوا من استنباط نظريّات فيزيائيّة جديدة، ساهمت في إرساء فهم علمي لظواهر الضّوء والصّوت والجاذبية، وساعدت على اختراع آلات ميكانيكيّة حديثة، سيكون لها الأثر البالغ في رسم مسار تاريخ التّقنية البشريّة.
الكلمات المفتاحية: العلوم التّطبيقية- الكيمياء- الفيزياء- الحضارة العربية الإسلامية.
مقدّمة:
أخذت العلوم العربيّة الإسلاميّة منذ القرن الثّالث هجريّا، تنفصل تدريجيّا عن الدّين والفلسفة، وبدأت تتّجه تدريجيّا نحو الجانب العلميّ العمليّ القائم على التّجريب والتّطبيق، فنتج عن ذلك ظهور العديد من العلوم التّطبيقية التي ركّزت على الجانب النّفعيّ للمجتمع، فكانت بالتّالي استجابة للحاجات المستجدّة والطّارئة في المجتمع العربي الإسلامي الآخذ بالنّماء والازدهار،([1]) ومن ضمن هذه العلوم التّطبيقية العمليّة النّاشئة، نجد علمي الكيمياء والفيزياء اللّذان جسّدا بجلاء قدرة الحضارة العربية الإسلامية على الاستيعاب والتّمثل وكذلك على الابتكار والإبداع. فما هي أوجه التّطوير والإضافة التي شملت علمي الكيمياء والفيزياء في الحضارة العربية الإسلامية؟ وما هي أهمّ المنجزات الكيميائيّة والفيزيائية في الحضارة العربية الإسلامية؟ وكيف تجلّت تأثيراتها العمليّة في المجتمع العربي الإسلامي؟ وإلى أيّ مدى سيتّسع نطاق تأثيرها الحضاري ليساهم في تحقيق مثاقفة علميّة فعّالة مع الحضارة الأوروبيّة؟
صلب الموضوع:
I– علم الكيمياء:
يرى الخوارزمي أنّ كلمة الكيمياء من أصل عربي، فيقول: “اسم هذه الصّناعة عربيّ ، واشتقاقه من كَمَى، يَكْمِي، إذا ستر وأخفى.” ([2]) ويقال كذلك: كَمَى الشّهادة، يكميها إذا كتمها وأخفاها. ويرتبط هذا المعنى كذلك بجذور تاريخيّة موغلة في القدم أي “بمفهوم الكيمياء في الزمن القديم، حيث كانت من العلوم السرّية المضنون بها على غير أهلها، وقد أطلق العرب على علم الكيمياء أسماء كثيرة، بعضها راجع إلى طبيعة الموضوع، وبعضها يتّصل بمنهج البحث، ومن ذلك: علم الصّنعة، وعلم التّدبير، وعلم الحجر، وعلم الميزان.” ([3])
ارتبطت صنعة الكيمياء في الحضارة العربية الإسلامية، في بداياتها، بالسّعي المحموم إلى تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن شريفة. وقد أورد ابن سينا تعريف الكيمياء الذي كان سائدا – رغم إنكاره له- فقال بأنّه: “سلب الجواهر المعدنية خواصّها، وإفادتها خواصّ غيرها، وإفادة بعضها خواصّ يعض، ليُتوصّل إلى اتّخاذ الذّهب والفضّة من غيرهما من الأجسام.” ([4]) وقد تصدّى ابن خلدون كذلك لإنكار فكرة قدرة الكيمياء على تحويل المعادن الرّخيصة إلى معادن ثمينة، إذ أورد قول الذين يزعمون: ” أنّه يخرج بهذه الصّناعات كلّها جسم طبيعي يسمّونه الأكسير، وأنّه يلقى منه على الجسم المعدنيّ المستعدّ لقبول صورة الذّهب أو الفضّة بالاستعداد القريب من الفعل، مثل الرّصاص والقصدير والنّحاس بعد أن يحمى بالنّار فيعود إبريزا. ويُكنُّون عن ذلك الإكسير إذا ألغزوا اصطلاحاتهم بالرّوح، وعن الجسم الذي يلقى عليه بالجسد. فشرح هذه الاصطلاحات، وصورة هذا العمل الذي يقلب هذه الأجساد المستعدّة إلى صورة الذّهب والفضّة هو علم الكيمياء.” ([5]) وقد أنكر ابن خلدون هذا الزّعم في الفصل الذي ورد في مقدّمته بعنوان: “فصل إنكار ثمرة الكيمياء واستحالة وجودها وما ينشأ من المفاسد عن انتحالها”، معبّرا عن استحالة تحويل صبغة المعادن ومحاكاة الطّبيعة في عملها، واعتبر أنّ ذلك – إن تمّ – فليس من قبيل العلم والصّناعة بل من قبيل السّحر والخوارق. ([6])
II– منجزات علم الكيمياء في الحضارة العربية الإسلامية:
رغم أنّ منشأ الكيمياء في الحضارة العربية الإسلامية، لم يكن منشأ علميّا فإنّ هؤلاء الكيميائيّين، أثناء سعيهم الدّؤوب للتّوصل إلى صنع “ملح الإكسير” الذي يحوّل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة، قد تمكّنوا عبر تجاربهم المتتالية وملاحظاتهم واستنتاجاتهم وخبراتهم المتراكمة من وضع أسس علميّة دقيقة لعلم تجريبيّ تطبيقيّ جديد، لم تعد غايته تحويل المعادن إلى ذهب، بل فهم تركيبات المواد المختلفة، وحذق التّعامل معها، من أجل تسخيرها للتّحكم في المادّة وتحقيق المنفعة للإنسان.
إنّ علم الكيمياء على خلاف العلوم التّطبيقية العربية الإسلامية الأخرى، لم يستفد كثيرا من التّرجمات اليونانية التي حوت في أغلبها أوهاما وخرافات، لا تتماشى مع المنطق العلمي السّليم، بل “إنّ ما ترجم منها، كلّها أو جلّها، منسوبة إلى شخصيّات وهميّة لا وجود لها.”([7]) فقد اعتمد الكيميائيّون المسلمون أساسا على الاختبارات والتّجارب التطبيقيّة من أجل تحصيل المعارف وكشف غوامض الأمور. ويعدّ القرن الثّالث هجريّا عصر ازدهار علم الكيمياء، إذ خطى المسلمون بعلم الكيمياء خطوات كبيرة، أبعدته عن السّحر والشّعوذة وجعلته علما تجريبيا قائما على قواعد علميّة دقيقة، وقد نتج عن ذلك تعدّد وتنوّع الإنجازات العلميّة الكيميائية من اكتشافات واختراعات وابتكارات.([8])
من أجل الإلمام بخصائص المادّة ومختلف تشكّلاتها، درس الكيميائيّون المسلمون خواصّ الموادّ المختلفة وصنّفوها حسب كثافتها إلى صنفين رئيسيّين:
– الأجساد: وهو اسم يطلق على الذّهب والفضّة والحديد والنّحاس والأسرب والرّصاص والخارصين، لأنّها موادّ تثبت وتقوم على النّار.
– الأرواح: وهو اسم يطلق على مادّة الكبريت والزّرنيخ والزّئبق والنّوشادر لأنّها تطير إذا مسّتها النّار.([9])
قام الكيميائيّون المسلمون باختراع آلات متنوّعة لاستخدامها في إجراء تجاربهم الكيميائيّة، منها: البَوْتقة المركّبة، وهي بوتقة مثقوبة من أسفلها، توضع على أخرى ويوصل بينهما بطين، ثمّ يذاب المعدن في البوتقة العليا، فينزل إلى السّفلى صافيا، ويبقى خبثه ووسخه في العليا. ويسمّون هذه العملية: الاستنزال. وكذلك آلتا: القرع والأنبيق، وهما آلتان تستخدمان في تقطير ماء الورد. وكذلك آلة الآثال وتعمل من زجاج أو فخّار على هيئة الطّبق ذي المكبّة، وتستعمل لتصعيد الزّئبق والكبريت ونحوهما. وقد ابتكر الكيميائيّون المسلمون العديد من العمليّات الكيميائيّة الأساسية الجديدة: كالتّقطير والتّصعيد والتّحليل والإلغام والتّصويل والاستنزال والتّكليس والتّرجيم والمعقّد، وأوجدوا طرقا جديدة للحصول على المواد، مثل: التّرشيح والتّبلور. ([10])
يعتبر الكحول والحوامض المعدنيّة من أكثر الاكتشافات أهمّية في العصور الوسطى، وقد كان التّقطير هو مفتاح الوصول إليها، ولما كان المسلمون سادة فنّ التّقطير، فقد حصلوا عليهما معا منذ تاريخ مبكّر، وبالرّجوع إلى أعمال الكيميائيّين العرب الكبار، نجد أنّ الكثير منهم يصف بوضوح تقطير النّبيذ باستخدام جهاز خاص للتّقطير، فقد وصف أبو القاسم الزّهراوي (توفّي سنة: 404ه/1013م) عملية تقطير الخلّ. كما لاحظ الكيميائيّ جابر بن حيّان خصائص الكحول التي لها قابلية للاشتعال بدرجة كبيرة، وستكون لهذه المادّة الكيميائية تطبيقات إجرائيّة متنوّعة في مجال الأبحاث الكيميائيّة العسكرية خاصّة. ويقول جابر بن حيّان واصفا هذه الظّاهرة الكيميائيّة ومستشرفا آفاقها العلميّة الواعدة:” النّار التي تشعل عند فوهة القوارير بسبب. النّبيذ المغلّى والملح وأشياء أخرى بمميّزاتها وخصائصها الجميلة التي يظنّ بعضهم أنّها قليلة الفائدة، هذه الأمور لها أهمّيتها الكبيرة في مثل هذه العلوم.” ([11])
تمكّن الكيميائيّون المسلمون من اكتشاف وتحضير مركّبات كيميائيّة جديدة، كزيت الزّاج (حامض الكبريت) وماء الفضّة (حامض النّتريك) وماء الذّهب (حامض النّتروهيدروكلوريك) والسّليماني (كلوريد الزّئبق) وحجر جهنّم (نترات الفضّة) وملح البارود (نترات البوتاس) والزّاج الأخضر(كبريتات النّحاس).([12]) وانتقلوا بفضل ذلك بالكيمياء من مرحلة التّجريد التي كانت سائدة في عهد اليونان إلى مرحلة جديدة تعتمد عل التّجريب والتّطبيق العملي في المختبرات ثمّ في المجال الصّناعيّ ” وقد بلغ العرب بعلم الكيمياء مبلغا من الرقيّ، مكّنهم من تطبيق النّتائج التي توصّلوا إليها على الصناعات المختلفة، وهو ما يعرف اليوم بالكيمياء الصّناعية. فاستخدموا خبرتهم الكيمياويّة في صبغ الأقمشة ودبغ الجلود وصناعة المعادن وتركيبها أو تنقيتها وصقلها وفي تركيب العطور. يقول ابن الأثير: “إنّ العرب استعملوا في معركة الزّنج سنة 269 ه أدوية إذا طلي بها الخشب امتنع احتراقه” ممّا يدلّ بوضوح على مدى ما توصّل إليه العرب من مواد كيمياوية عازلة أو مضادّة للحرائق.” ([13])
كما برع المسلمون في صناعة الأواني الزّجاجية والمصابيح الملوّنة وصناعة عجينة الورق من نبتة القنّب، التي أخذوها عن الحضارة الصّينية عندما فتحوا سمرقند سنة 712م، ثمّ سرعان ما استعمل القطن في صناعة الورق، لقلّة تكلفته وكثرة انتشاره ببلاد الشّرق. وقد أنشأ الخليفة هارون الرّشيد أوّل مصنع للورق ببغداد سنة 794م، ممّا ساهم في ازدهار التّرجمة والتّأليف والنّسخ. كما سخّر الكيميائيّون المسلمون علم الكيمياء لخدمة الأغراض الحربيّة والعسكرية، وذلك عبر استغلال القوّة الدّافعة النّاجمة عن انفجار البارود (نيترات البوتاسيوم) لاختراع المدافع المطلقة للقذائف المدمّرة، وقد أنجز هذا الاختراع ببلاد الأندلس. ([14])
أتقن المسلمون فنّ التّعدين والمتمثّل في استخراج المعادن المختلفة وتحويلها وتصنيعها، فقد وضع الكنديّ عددا من الرّسائل عن السّيوف وصناعتها، منها: رسالة في أنواع السّيوف والحديد، وقد توصّل فيها إلى صنع الحديد الذي نسمّيه اليوم بالفولاذ، وتمكّن من تلوين السّيوف بمعالجة الحديد بمحاليل الأعشاب التي تحتوي على مادّة السّيناميد، فتكسبه لونا يتراوح بين الأحمر والأزرق، وقد ذكر طرقا مختلفة لعملية التّلوين. وتوصّل كذلك إلى طريقة مبتكرة لحفظ السّيوف من الصّدأ وذلك بطلائها في أثناء صنعها بمواد تحول دون تأثير الماء والأكسجين فيها. ([15])
كما اهتمّ الكنديّ بدراسة الجواهر الثّمينة والأحجار الكريمة، من حيث أنواعها ومواصفاتها وأماكن وجودها، وصنّف في ذلك عددا من الرّسائل منها: رسالة في أنواع الجواهر الثّمينة وغيرها ورسالة في أنواع الحجارة. ويمكننا في هذا السّياق أن نستشهد بقول للبيرونيّ (توفّي سنة 440ه) في الإشادة بعلم الكندي في هذا الميدان: “لا نريد الآن أن نخوض في تعديد الجواهر والأعلاق النّفيسة المذخورة في الخزائن (…) ولم يقع إليّ من هذا الفنّ غير كتاب أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكنديّ في الجواهر والأشياء، وقد افترع فيها عذرته وظهر ذروته، كاختراعه البدائع في كلّ ما وصلت إليه يده من سائر الفنون.” ([16])
بفضل هذا الزّخم الهائل من الإنجازات الكيميائيّة للحضارة العربية الإسلاميّة، بدأت الكثير من العلوم والمعارف الكيميائيّة، خلال القرون الوسطى، ننتقل إلى أوروبا، وتساهم في تشكيل وعي علميّ جديد، ساهم في قيام نهضتها، وذلك عبر حركة التّرجمة المعاكسة من العربيّة إلى اللّاتينية وغيرها من اللّغات الأوروبية، فالعديد من مصنّفات الكيميائيّين العرب والمسلمين ترجمت إلى اللّاتينية في القرنبن الثّاني عشر والثّالث عشر ميلاديّا، وهذه التّرجمات مازالت موجودة حتّى يومنا هذا في شكل مخطوطات في المكتبات الأوروبية الكبرى.([17])
II– علم الفيزياء:
تعني كلمة فيزياء عند اليونان: علم الحركة “إذ ليس في الطبيعة شيء آكدُ ولا أجلى من الحركة، فالحركة هي الفعل الأساسي للطّبيعة.” ([18]) وقد أخذ المسلمون هذا العلم عن اليونان، وكان من جملة الكتب التي نقلت من اليونانية إلى العربية في المواضيع الفيزيائية، كتاب: “اختلاف المناظر” لإقليدس (Euclide) (ولد سنة 300ق.م) وكتابا:” الآلات المصوّتة المسمّاة بالأرغنن البوقي والأرغنن الزّمريّ” و”آلة مصوّتة تسمع على بعد ستّين ميلا” لمورطس (Mortus) وكتاب: “الإيقاع” لأرسطكاس (Aristoxene) (360ق.م- 300ق.م) وكتاب: “الصّوت” لجالينوس (Claude Galien) (ولد سنة 129م). لكنّ المسلمين لم يكتفوا بنقل هذه المصنّفات فقط بل استوعبوا ما جاء فيها، وصحّحوا أخطاءها، وأضافوا إليها أفكارا جديدة، طوّرت علم الفيزياء ووسّعت نطاقه، حتّى أصبح من العلوم التّطبيقية الرّائدة في الحضارة العربية الإسلامية، ومن المباحث العلميّة الرّئيسية التي اهتم بها علماء الفيزياء المسلمين: الضّوء والصّوت والمغناطيسية أو الجاذبية.([19])
1- الضّوء:
اهتمّ العلماء المسلمون بدراسة الضّوء، وأطلقوا عليه اسم علم المناظر أو البصريّات، وقد استنبطوا نظريّات جديدة ساهمت في تطوّر هذا الاختصاص. ومن أشهر من درس الضوء، وصنّف فيه: الفيلسوف الكنديّ الذي ألّف رسائل عديدة حول هذا الموضوع مثل: “رسالة في اختلاف المناظر” و”رسالة في عمل المرايا المحرقة” و”رسالة في البرهان على الجسم السّائر، وماهية الأضواء والإظلام”. وقد عرّف الكنديّ سير الضّوء وزوايا سقوطه وانعكاسه، وكذلك الخداع البصريّ الذي تحدثه الأجهزة البصرية كالعدسات والمرايا المقعّرة والمحدّبة، أمّا عن سرعة الضّوء فقد اعتبر الكنديّ أنّ الضّوء لا يحتاج إلى زمن لانتقاله، وأنّ رؤيته تتمّ دون حاجة إلى وقت، لأنّ سرعته كبيرة جدّا.([20]) ولعلّ هذا القول إنّما يكشف عن وعي علمي مبكّر بالعلاقات النّسبية الرّابطة بين المادّة والحركة والزّمن.
كما اهتمّ أبو بكر الرّازي كذلك بدراسة الضّوء وعملية الإبصار، وصنّف في ذلك كتابين من أهمّهما:” كتاب في كيفيّة الإبصار”، وقد اهتدى فيه إلى التّفسير الصّحيح لعملية الإبصار التي ستكتمل وتتوضّح فيما بعد، مع العالم الشّهير ابن الهيثم. وقد وصف ابن أبي أصيبعة محتوي هذا الكتاب قائلا:” إنّه بيّن فيه أنّ الإبصار، ليس يكون بشعاع يخرج من العين، وأنّه نقض فيه آراء إقليدس في المناظر.”([21])
يعدّ العالم العربي المسلم الحسن بن الهيثم (965 – 1039م) رائدا في علم البصريّات النّظري والتّجريبي،([22]) إذ مثّل كتابه “كتاب المناظر” ثورة في هذا المجال ومصدر إلهام لتطوّر هذا العلم في الغرب الوسيطيّ حتّى القرن السّابع عشر. “ويرى ابن الهيثم في كتابه بعكس إقليدس، أنّ الأشعّة الضّوئية ننتشر بخطّ مستقيم من الشّيء نحو العين، ووصفه لعضو الرّؤية أدقّ من وصف من سبقه، وكذلك تفسيره لعملية الإبصار. ويمتدّ تحليله فيشمل المناظر والرّؤية المزدوجة الإبصار، وأوهام النّظر ورؤية الألوان، وبعد دراسة ظواهر الانعكاس والانكسار، حاول أن يفسّر القدرة التّكبيرية للعدسات الكرويّة. ولاحظ أنّ زاوية الانكسار لا تتناسب مع زاوية الانحدار. وقد أتاحت له دراسة الانكسار الفضائي أن يشرح تضخّم الشّمس الظّاهر عند الأفق. وحاول أيضا أن يفسّر ظواهر أخرى ميتورولوجية مثل السّراب والهالة، وقوس قزح وطبيعة المذنّبات. ونذكر أخيرا أنّ ابن الهيثم كان أوّل من استعمل الغرفة المظلمة، وأنّه حلّ عن طريق تقاطع الهيبربول مع الدّائرة المسألة المشهورة باسمه: وهي تحديد نقطة تماسّ شعاع ضوئيّ، يجب أن يجمع بين نقطتين خارجيّتين عن دائرة عاكسة وواقعتين ضمن سطحها، بعد انعكاس الشّعاع فوق محيط الدّائرة.”([23])
نقل الأوروبيون هذه الكنوز المعرفيّة، وقاموا بترجمتها إلى اللّغة اللّاتينيّة من أجل استيعابها والاستفادة منها.([24]) لكنّ ذلك احتاج منهم وقتا طويلا، نظر إلى البون الحضاري الشّاسع الذي يفصلهم عن المسلمين. وفي هذا الإطار يرى مؤرّخ العلوم فاسكو رونشي (Vasco ronchi) أنّ الأوروبيين، في بداية عصر النّهضة، لم يتمكّنوا من استيعاب وتمثّل نظريّات المسلمين المتقدّمة في علم البصريّات، وأنّهم شوّهوا وافسدوا نظريات المسلمين، وعادوا إلى نظريات الإغريق الأقلّ تطوّرا وإقناعا، وقد يعزى ذلك إلى أنّ العقلية الأوروبية، باستثناءات قليلة، لم تكن مهيّأة لاستيعاب وفهم نظريّات المسلمين المتقدّمة، ومنها نظرية ابن الهيثم في الإبصار، وقد احتاج ذلك إلى عدّة قرون لاحقة.([25])
2- الصّوت:
يعتبر الصّوت من المباحث اللّطيفة والدّقيقة والخطيرة التي انتبه إليها العلماء المسلمون، ويعدّ الكنديّ أوّل من درس ظاهرة الصّوت وحاول فهمها فهما علميّا، فقد انتبه إلى العلاقة بين الصّوت والضّوء وإلى ارتباط سرعة الصّوت بالزّمان والمكان، مستشرفا بذلك آفاقا علمية مستقبليّة رحيبة في هذا التّخصّص: “إنّ السّماع تدرك محسوساته بزمان، كالذي يرى من الضّارب خشية أو غير ذلك من الأجسام، ممّا يعلو صوته من بعد، يمكن أن ينال السّمع ضرب المضروب منه. فإنّنا ندرك بأبصارنا ضربة الضّارب، ولا نسمع صوتا إلّا بعد ذلك بمدّة بحسب البعد، إن كان كبيرا كان أطول وإن كان قليلا كان أقصر.”([26])
كما درس إخوان الصّفا ( جماعة علمية وفكرية تميّزت بتنوّع مباحثها) ([27]) ظاهرة الصّوت، وقدّموا لها تعريفا يقرب من التّعريف العلمي الحديث الذي يعرّف الصّوت بأنّه موجات صوتيّة تنتشر في الهواء، إذ اعتبروا أنّه: “قرع يحدث في الهواء من تصادم الأجسام بعضها ببعض” ([28]) ثمّ قاموا بتصنيف الأصوات إلى صنفين:
- صنف أوّل: أصوات حيوانية، وتنقسم بدورها إلى قسمين:
- منطقية: كصوت الإنسان الدّالّ (الكلام) وغير الدّالّ (الضحك والبكاء والصّياح).
- غير منطقية: كأصوات سائر الحيوانات غير النّاطقة.
- صنف ثان: أصوات غير حيوانيّة، وتنقسم بدورها إلى قسمين:
- طبيعيّة: كصوت الحجر والحديد والخشب والرّعد والرّيح.
- آليّة: كصوت الطّبل والبوق والزّمر.
اعتبر إخوان الصّفا الغناء والموسيقى التي تنتج عن الأصوات، نظاما قائما على التّناسب والتّناسق الرّياضيّ، ممّا يجعلها قادرة على التّأثير الحسّي والرّوحاني في السّامع. “والغناء هو ألحان مؤلّفة، واللّحن هو نغمات متواترة، والنّغمات هي أصوات متّزنة.”([29]) وقد تفطّن إخوان الصّفا إلى العلاقة التّلازميّة الوثيقة للحركة (ويندرج ضمنها الصّوت بوصفه موجات متحرّكة) بالمكان والزّمان، إذ عرّفوا الحركة بأنّها النّقلة من مكان إلى مكان في زمان ثان، بينما السّكون هو الوقوف في المكان الأوّل في الزّمان الثّاني. كما صنّفوا الحركة إلى نوعين: سريعة وبطيئة، فالحركة السّريعة عي التي يقطع المتحرّك بها مسافة بعيدة في زمان قصير، أمّا الحركة البطيئة فهي التي يقطع المتحرّك بها مساقة أقلّ منها في ذلك الزّمان بعينه.([30]) وبناء على هذا التّعريف توصّل إخوان الصّفا إلى ضرورة التّناسب والتّقارب بين الحركة والسّكون في الأنغام الموسيقية حتّى تكون جيّدة ومؤثّرة في السّامع:” لأنّ جودة الذّوق في المسامع، هي معرفة كمّية الأزمان التي ببن النّغمتين، وما بين أزمان السّكونات وبين أزمان الحركات من التّناسب والمقدار.”([31])
1- حركة الأجسام والمغناطيسيّة أو الجاذبيّة:
بحث العلماء المسلمون في موضوع المغناطيسيّة والجاذبيّة وحركة الأجسام، وقدّموا فيه نظريّات علميّة عمليّة جديدة، تقارب في صحّتها النظريّات العلميّة الفيزيائيّة الحديثة. إذ اعتبر الكنديّ أنّ الحركة هي القاعدة الكونيّة السّائدة، فالأجسام تتحرّك بطبيعتها، وهي من أوّل إبداعها متحرّكة، ومازالت حركتها مستمرّة. ويظهر ذلك من خلال كتبه الثّلاثة التي وضعها في الردّ على من قال بتوقّف الأجسام أو سكونها وهي:” كتاب في الرّد على من زعم أنّ للأجرام في هويّتها في الجوّ توقّفات” و”كتاب في بطلان قول من زعم أنّ بين الحركة الطّبيعية والعرضيّة سكون” و”كتاب في أنّ الجسم في أوّل إبداعه لا ساكن ولا متحرّك، ظنّ باطل”.([32])
سار العالم أبو بكر الرّازي على نفس نهج الكنديّ، فأيّد مقولة الكنديّ، وقام بتوضيحها، إذ اعتبر أنّ الحركة المذكورة ليست مرئيّة ولكنّها معلومة. وأنّها حركة ذاتيّة من طبيعة الجسم نفسه. وقد صنّف في هذا الموضوع مؤلّفين هما:” كتاب في الحركة وأنّها ليست مرئيّة بل معلومة” و”كتاب في أنّ الجسم يتحرّك من ذاته، وأنّ الحركة مبدأ طبيعته”.([33]) ويعتبر القول بحركة الجسم الذّاتيّة، نظريّة جديدة مبتكرة، تناقض ما ذهب إليه أرسطو، ويمكن اعتبارها البدايات الحقيقية لعلم الفيزياء الذرّية.
أمّا في مجال المغناطيسيّة أو الجاذبية، فقد اكتشف العلماء المسلمون اكتشافات مثيرة وسابقة لعصرها. إذ انتبهوا لتأثير حجر المغناطيس وقدرته على جذب الحديد، وطبّقوا ذلك في تطوير اختراع الإبرة المغناطيسيّة التي تساعد على معرفة الاتّجاهات. وبحثوا في سقوط الأجسام، وأدركوا قوّة التّجاذب التي تربط بينها وبين الأرض، خاصّة عندما تختلف كتلتها، فقد اعتبر العالم ثابت بن قرة أنّ المدرة (القطعة من الطّين اليابس) تعود إلى أسفل إذا قذفت في الهواء لأنّ بينها وبين الأرض مشابهة في الأعراض، أي في البرودة والكثافة، والشّيء ينجذب إلى أعظم منه. كما يذكر العالم ابن خرداذبة عند وصفه لثبات المخلوقات على الأرض بأنّ:” النّسيم جاذب لما في أبدانهم من الخفّة، والأرض جاذبة لما في أبدانهم من الثّقل، لأنّ الأرض بمنزلة الحجر الذي يجذب الحديد.”([34])
أكّد إخوان الصّفا، في عبارة علميّة صريحة، على كرويّة الأرض، وألمحوا إلى قوّة الجاذبيّة التي تمسكها في الفضاء: “والأرض جسم مدوّر مثل الكرة، وهي واقفة في الهواء، بأنّ الله يجمع جبالها وبحارها وبراريها وعماراتها وخرابها.”([35]) كما استنتج إخوان الصّفا اعتمادا على الملاحظة العلمية المنطقية أنّ الإنسان، بفعل قوّة الجاذبية، يكون ثابتا على الأرض، في أيّ جانب كان موضعه منها. “واعلم يا أخي أنّ الإنسان، أيّ موضع وقف على سطح الأرض، من شرقها أوجنوبها أو شمالها، أو من هذا الجانب أو من ذلك الجانب وقوفه حيث كان، فقدمه أبدا يكون فوق الأرض ورأسه إلى فوق ممّا يلي السّماء، ورجلاه أسفل ممّا يلي الأرض.”([36])
يعتبر إخوان الصّفا أنّ “مركز الجذب” أو الجاذبيّة بالمفهوم الحديث، يقع في مركز الأرض وهو الذي شكّل كرويّة الأرض، وحدّد تموضع طبقاتها الجيولوجية ( نواة ثقيلة مكوّنة من الحديد المصهور، ثمّ أغلفة متعدّدة مكوّنة من المعادن والصّخور والمواد الأخفّ وزنا وصولا إلى السّطح ). ويمكن أن نستشفّ من أقوالهم هذه إرهاصات أوّلية بقانون الجاذبية العامّ الذي سيتبلور فيما بعد مع العالم إسحاق نيوتن. يقول إخوان الصّفا: “لأنّه لمّا كان مركز الأرض، مركز الفلك أيضا، وهو مغناطيس الأثقال، وأجزاء الأرض لمّا كانت كلّها ثقيلة، انجذبت إلى المركز، وسبق جزء واحد وحصل في المركز، وقفت باقي الأجزاء حولها، يعني حول النّقط، يطلب كلّ جزء منها المركز، فصارت الأرض بجميع أجزائها كرة واحدة بذلك السّبب.” ([37])
خاتمة:
توصّلنا من خلال هذا البحث إلى جملة من النّتائج لعلّ من أهمّها:
– إنّ علم الكيمياء يمكن أن يعدّ علما عربيا إسلاميا صرفا، إذ بعد أن كان لدى الأمم السّابقة مجالا يختلط فيه السّحر والخرافات والأوهام، أصبح بفضل جهود الكيميائيّين المسلمين، ومنهجهم القائم على التّجارب والملاحظات والاستنتاجات المتراكمة، علما تطبيقيّا تجريبيّا، يقوم على أسس دقيقة، وقواعد صارمة، يسعى إلى تحديد طبيعة مكوّنات المواد المختلفة، وفهم خصائصها، بغية تسخيرها لمنفعة الإنسان. فنتج عن ذلك كمّ هائل من الاكتشافات والاختراعات الكيميائيّة الجديدة، التي وظّفت في المجالات الصّناعية المتعدّدة.
– يعدّ القرن الثّالث هجريّا، عصر ازدهار الكيمياء في الحضارة العربية الإسلامية، ويدلّ على ذلك تعدّد وتنوّع الإنجازات العلمية الكيميائيّة من اكتشافات واختراعات وابتكارات. وقد تمثّلت في دراسة المواد المختلفة وتقسيمها وتصنيفها، وكذلك اختراع آلات متنوّعة من أجل استخدامها في إجراء التّجارب الكيميائيّة، واستنباط العديد من العمليّات الكيميائيّة الأساسية الجديدة التي ساعدت على تحليل المواد وإعادة تركيبها، مثل: التّقطير والتّكليس والتّرشيح والتّبلور.
– تمكّن العلماء المسلمون من تحقيق الانتقال بالكيمياء من مرحلة التّجريد التي كانت سائدة في العصر اليوناني إلى مرحلة جديدة، تعتمد على التّجريب والتّطبيق العملي المختبري ثمّ الصّناعي. وقد تجلّى ذلك في اكتشاف وتحضير مركّبات كيميائيّة جديدة من أهمّها مادّة الكحول وملح البارود وحامض الكبريت ونترات الفضّة وستكون لهذه المركّبات الجديدة تطبيقات عمليّة إجرائيّة في مختلف الأبحاث الكيميائيّة.
– قام الكيميائيّون المسلمون بتطبيق النّتائج التي توصّلوا إليها على الصّناعات المختلفة، وهو ما يعرف اليوم بالكيمياء الصّناعيّة. وقد تجلّى ذلك عمليّا في صبغ الأقمشة ودبغ الجلود وصناعة المعادن، كما استثمرت هذه الاكتشافات الكيميائيّة في المجال العسكري عن طريق استخدام مادّة البارود في تطوير المدافع والقذائف الحربيّة.
– إذا انتقلنا إلى مجال الفيزياء، وجدنا أنّ العلماء المسلمين لم يكتفوا بترجمة المصنّفات اليونانية، والاستفادة منها فقط، بل قاموا بشرحها وتنقيحها وتصحيح أخطائها، ثمّ أضافوا إليها تآليف ومصنّفات جديدة، طوّرت علم الفيزياء، ووسّعت نطاقه، ومكّنته من تحقيق اكتشافات كثيرة ووضع نظريّات رائدة في مجالات فيزيائية عديدة، مثل: الضّوء والصّوت والجاذبية.
– اهتمّ العلماء المسلمون بدراسة الضّوء، وأطلقوا عليه اسم: علم المناظر أو البصريّات، وقد استنبطوا نظريّات فيزيائيّة جديدة ساهمت في تطوير هذا الاختصاص. ومن أشهر العلماء المسلمين الذين درسوا الضّوء: الفيلسوف الكندي وأبو بكر الرّازي والحسن بن الهيثم الذي يعدّ رائد علم البصريّات النظري والتّجريبي، فقد تجاوز النّظرية اليونانية القديمة في الإبصار، وتوصّل إلى نظرية جديدة أثبت من خلالها أنّ عمليّة الإبصار لا تتمّ بشعاع يخرج من العين بل عبر أشعّة ضوئيّة تنطلق من الأشياء نحو العين. وقد درس مختلف أنواع الإبصار مثل: رؤية الألوان وظواهر الانعكاس والانكسار والقدرة التّكبيرية للعدسات واخترع تقنية الغرفة المظلمة التي مهّدت لظهور آلة التّصوير الشّمسي.
– يعتبر الصّوت من المباحث الفيزيائيّة الدّقيقة التي انتبه إليها العلماء المسلمون، ويعدّ الكندي أوّل من درس ظاهرة الصّوت، وحاول فهمها فهما علميّا، ممّا مكّنه من إدراك العلاقة القائمة بين الصّوت والضّوء والتنبّه إلى ارتباط سرعة الصّوت بالزّمان والمكان، كما درس إخوان الصّفا كذلك الصّوت، وقدّموا له تعريفا يقرب من التّعريف العلمي الحديث. وتفطّنوا إلى العلاقة التّلازميّة الوثيقة بين الحركة والمكان والزّمان.
– بحث العلماء المسلمون في موضوع المغناطيسيّة أو الجاذبيّة، وتوصّلوا في هذا المجال إلى نظريّات جديدة، إذ اعتبر الكندي أنّ الأجسام تتحرّك بطبيعتها، وأنّها من أوّل إبداعها متحرّكة، ويمكن أن يعتبر هذا القول بالحركة الذّاتية للأجسام البداية الحقيقيّة لعلم الفيزياء الذرّية.
– أدرك العلماء المسلمون وجود قوّة جاذبة غير مرئيّة ولكنّها معلومة عبر أفعالها وتأثيراتها. فقد أشار أبو بكر الرّازي إلى قوّة التّجاذب التي تربط بين الأشياء، خاصّة عندما تختلف كتلتها. ولاحظ العالم ثابت بن قرة أنّ القطعة من الطّين تعود إلى أسفل إذا قذفت في الهواء، واستخدم العالم ابن خرداذبة نظريّة الجاذبية لتفسير ثبات المخلوقات على سطح الأرض، وأكّد إخوان الصّفا على كرويّة الأرض، وألمحوا إلى قوّة الجاذبيّة التي تمسكها في الفضاء. ويمكن أن نتبيّن من كلّ هذه الأقوال والملاحظات وعيا علميّا مبكّرا بقانون الجاذبية العام الذي سيتوضّح في العصر الحديث مع العالم إسحاق نيوتن.
– نقل الأوروبيون الكثير من هذه المعارف والمنجزات الكيميائيّة والفيزيائيّة العربية الإسلامية عن طريق التّرجمة أو المعاينة المباشرة، وقاموا باستيعابها وتطويرها، ممّا ساعد على توفير الأسس العلميّة لقيام النّهضة العلمية والصّناعية الأوروبية الحديثة.
قائمة المصادر والمراجع:
- إخوان الصّفا. رسائل إخوان الصّفا وخلّان الوفا، (تحقيق: بطرس البستاني)، بيروت: دار صادر، 1957.
- أرنولد، توماس (وآخرون). تراث الإسلام، (تعريب وتعليق: جرجس فتح الله)، ط 3، بيروت: دار الطّليعة، 1978.
- البيروني، أبو الرّيحان محمّد بن أحمد. الجماهر في معرفة الجواهر، بيروت: عالم الكتب، (د.ت).
- تاتون، رنيه. تاريخ العلوم العام، المجلّد الأوّل، (ترجمة: علي مقلّد)، ط 1، بيروت: المؤسّسة الجامعية للدّراسات والنّشر والتّوزيع، 1988.
- الحسن، أحمد يوسف. و هيل، دونالد. التّقنية في الحضارة الإسلامية، (ترجمة: صالح خالد ساري)، ط 1، الكويت: مكتبة الفلاح للنّشر والتّوزيع، 2001.
- الخوارزمي، محمّد بن أبي يعقوب إسحاق. مفاتيح العلوم، (تحقيق: إبراهيم الأبياري)، بيروت: دار الكتاب العربي، ط 2، المقالة الثّالثة، الفصل التّاسع، 1989.
- ابن خرداذبة، أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله. المسالك والممالك، (تحقيق: ميخائيل دوغويه)، ليدن: المكتبة الجغرافية العربية- مطبعة بريل، 1898.
- الدفّاع، علي عبد الله و شوقي، جلال. أعلام الفيزياء في الإسلام، ط 1، بيروت: مؤسّسة الرّسالة/ ناشرون، 1984.
- زيدان، جرجي. تاريخ التّمدّن الإسلامي، القاهرة: دار الهلال، ج 3، 1922.
- ابن سينا، أبو علي الحسين. تسع رسائل في الحكمة والطّبيعيّات، القاهرة: دار العرب للبستاني، ط 2، (الرّسالة الخامسة في أقسام العلوم العقلية).
- سليمان، مصطفى محمود. تاريخ العلوم والتّكنولوجيا في العصور القديمة والوسطى ومكانة الحضارة الإسلامية فيه، القاهرة: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، ط 2، 2008.
- الطّائي، فاضل أحمد. أعلام العرب في الكيمياء، بغداد: دار الحرية، (د. ط)، 1981.
- عبد الباقي، أحمد. معالم الحضارة العربية في القرن الثّالث الهجري، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، 1991.
- الكندي، أبو يوسف يعقوب بن إسحاق. رسائل الكندي الفلسفية، (تحقيق: محمّد عبد الهادي أبو ريدة)، القاهرة: دار الفكر العربي، ج 2، 1953.
- مرحبا، محمّد عبد الرّحمان. المرجع في تاريخ العلوم، بيروت: دار الجيل للطّبع والنّشر والتّوزيع، ط 1، 1998.
- ابن النّديم. الفهرست في أخبار العلماء المصنّفين من القدماء والمحدثين وأسماء كتبهم، بيروت: دار المعرفة.
- Aldo, Mieli. La science Arabe et son rôle dans l’évolution scientifique mondiale, Leiden : E.J.Brill, 1966.
- Berthelot, Histoire des sciences (la chimie au moyen âge), Tome III, Paris : Imprimerie nationale.
- Magnien, Pierre. La science dans la civilisation Arabo-musulmane entre le VIII et le XV siècle.
- Saliba, George. Islamic science and the making of the European renaissance, U.S.A: Massachusetts Institute of Technology, 2007.
)[1]( Voir : Pierre. Magnien. La science dans la civilisation Arabo-musulmane entre le VIII et le XV siècle. http://clea-astro.eu/lunap/histoire-des-sciences-1/1sciences-arabes.pdf
([2]) محمّد بن أبي يعقوب إسحاق، الخوارزمي. مفاتيح العلوم، (تحقيق: إبراهيم الأبياري)، بيروت: دار الكتاب العربي، ط 2، المقالة الثّالثة، الفصل التّاسع، 1989، ص 146.
([3]) محمّد عبد الرّحمان، مرحبا. المرجع في تاريخ العلوم، بيروت: دار الجيل للطّبع والنّشر والتّوزيع، ط 1، 1998 ص 346.
([4]) أبو علي الحسين، ابن سينا. تسع رسائل في الحكمة والطّبيعيّات، القاهرة: دار العرب للبستاني، ط 2، (الرّسالة الخامسة في أقسام العلوم العقلية)، ص 111.
([5]) عبد الرّحمان، ابن خلدون. المقدّمة، تونس: الدّار التونسية للنّشر، ج 4، 1984، ص 1187.
([6]) المصدر نفسه، ج 1، ص ص 302- 305.
([7]) توماس، أرنولد (وآخرون). تراث الإسلام، (تعريب وتعليق: جرجس فتح الله)، ط 3، بيروت: دار الطّليعة، 1978، ص 459.
([8]) ينظر: مصطفى محمود، سليمان. تاريخ العلوم والتّكنولوجيا في العصور القديمة والوسطى ومكانة الحضارة الإسلامية فيه، القاهرة: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، ط 2، 2008، ص ص 241- 247.
([9]) أبو عبد الله محمّد، الخوارزمي. مفاتيح العلوم، ص 147.
([10]) المصدر نفسه، ص ص 149، 150.
([11]) ينظر: أحمد يوسف، الحسن و هيل، دونالد. التّقنية في الحضارة الإسلامية، (ترجمة: صالح خالد ساري)، ط 1، الكويت: مكتبة الفلاح للنّشر والتّوزيع، 2001، ص ص 228- 230.
([12]) جرجي، زيدان. تاريخ التّمدّن الإسلامي، القاهرة: دار الهلال، 1922، ج 3، ص ص 181، 182.
([13]) محمّد عبد الرّحمان، مرحبا. المرجع في تاريخ العلوم، بيروت: دار الجيل للطّبع والنّشر والتّوزيع، 1998، ص 365.
([14]) ينظر: محمّد عبد الرّحمان، مرحبا. المرجع في تاريخ العلوم، ص ص 265، 366.
([15]) فاضل أحمد، الطّائي. أعلام العرب في الكيمياء، بغداد: دار الحرية، (د. ط)، 1981، ص ص 91، 92.
([16]) أبو الرّيحان محمّد بن أحمد، البيروني. الجماهر في معرفة الجواهر، بيروت: عالم الكتب، (د.ت)، ص ص 31، 32.
([17]) Voir: M. Berthelot, Histoire des sciences (la chimie au moyen âge), Tome III, Paris : Imprimerie nationale, P:5.
([18]) محمّد عبد الرّحمان، مرحبا. المرجع في تاريخ العلوم، ص 368.
([19]) ينظر: علي عبد الله، الدفّاع وجلال شوقي. أعلام الفيزياء في الإسلام، ط 1، بيروت: مؤسّسة الرّسالة/ ناشرون، 1984.
([20]) ينظر: أحمد، عبد الباقي. معالم الحضارة العربية في القرن الثّالث الهجري، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، 1991، ص 417.
([21]) ينظر: أحمد، عبد الباقي. معالم الحضارة العربية في القرن الثّالث الهجري ، ص 422.
)[22]) voir: Pierre. Magnien. La science dans la civilisation Arabo-musulmane entre le VIII et le XV siècle. http://clea-astro.eu/lunap/histoire-des-sciences-1/1sciences-arabes.pdf.
([23]) رنيه، تاتون. تاريخ العلوم العام، المجلّد الأوّل، (ترجمة: علي مقلّد)، ط 1، بيروت: المؤسّسة الجامعية للدّراسات والنّشر والتّوزيع، 1988، صص 493، 494.
([24]) Voir: George.Saliba, Islamic science and the making of the European renaissance, U.S.A: Massachusetts Institute of Technology, p: 193, 2007.
([25]) ينظر: مصطفى ، محمود سليمان. تاريخ العلوم والتّكنولوجيا في العصور القديمة والوسطى ومكانة الحضارة الإسلامية فيه، ص 489.
([26]) أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، الكندي. رسائل الكندي الفلسفية، (تحقيق: محمّد عبد الهادي أبو ريدة)، القاهرة: دار الفكر العربي، 1953، ج 2، ص 82.
([27] (Voir: Mieli. Aldo, La science Arabe et son rôle dans l’évolution scientifique mondiale, Leiden : E.J.Brill, 1966, p : 76- 93.
([28]) إخوان الصّفا. رسائل إخوان الصّفا وخلّان الوفا، (تحقيق: بطرس البستاني)، بيروت: دار صادر، 1957، ص67.
([29]) إخوان الصّفا. رسائل إخوان الصّفا وخلّان الوفا، ج 1، ص 67.
([30]) ينظر: المصدر نفسه، ص 73.
([32]) ينظر: ابن النّديم، الفهرست في أخبار العلماء المصنّفين من القدماء والمحدثين وأسماء كتبهم، بيروت: دار المعرفة، صص 376، 377.
([33]) ينظر: ابن النّديم، الفهرست في أخبار العلماء المصنّفين من القدماء والمحدثين وأسماء كتبهم، ص 432.
([34]) أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله، ابن خرداذبة. المسالك والممالك، (تحقيق: ميخائيل دوغويه)، ليدن: المكتبة الجغرافية العربية- مطبعة بريل، 1898، ص 4.