![](https://jilrc.com/wp-content/uploads/2021/11/مجلة-جيل-العلوم-الانسانية-والاجتماعية-العدد-79.png)
أساليب الاستجداء والاستعطاف في البلاد التونسيّة خلال القرن 19: رهانات تشكيل شبكات الولاء
Methods of supplication in the Tunisian countries during the 19th century:
the stakes of forming networks of loyalty
د.محمد البشير رازقي/كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس
Dr. Mohamed Bechir Rezgui/ Faculty of Humanities and Social Sciences in Tunis
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 79 الصفحة 61.
Abstract:
We can situate the study of aspects of the history of supplication within the history of mentalities and representations, as well as the history of mores and social issues. In this research, we relied on documents kept in the Tunisian National Archives, within the historical series, most of which were published during the second half of the 19th century (before 1881).
Through this research, we will seek to answer a fundamental problem: How to apprehend the practices of supplication within the stakes of the social actors to constitute their networks of relations, centers of influence and domination, and to build their social status?
This basic problem includes a number of sub problems such as trying to understand the relationship between the crisis and the exacerbation of supplication practices, the nature of the techniques employed to persuade the holder of authority and the type of demands presented. During supplication.
Keywords: Praying, Tunisia, the 19th century, loyalty networks, social actor.
ملخّص:
يمكن أن نُموضع دراسة جوانب من تاريخ التضرّع ضمن تاريخ الذهنيّات والتمثّلات، وأيضا تاريخ العادات والرهانات الاجتماعيّة. اعتمدنا في هذا البحث على وثائق محفوظة في الأرشيف الوطني التونسي، ضمن السلسلة التاريخيّة، حُرّر أغلبها خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر (قبل 1881)، وهي عبارة عن رسائل تضرّع أرسلها عدد من سكّان البلاد التونسية إلى عدد من أعوان الدولة التونسية طالبين خدمات عاجزين عن تحقيقها. سوف نسعى عبر هذا البحث إلى الإجابة عن إشكاليّة أساسيّة: كيف نفهم ممارسات التضرّع ضمن رهانات الفاعلين الاجتماعيين لتشكيل شبكات علاقاتهم ومراكز نفوذهم وهيمنهم وبناء مكانتهم الاجتماعيّة؟
تشتمل هذا الإشكالية الأساسيّة على عدد من الإشكاليّات الفرعيّة مثل محاولة فهم علاقة الأزمة بتفاقم ممارسات التضرّع، وطبيعة التقنيات المُوظّفة لإقناع صاحب السلطة، ونوع المطالب المُقدّمة عند التضرّع.
الكلمات المفتاحية: الاستجداء، البلاد التونسية، القرن 19، شبكات الولاء، الفاعل الاجتماعي.
مقدّمة:
يبرز لنا بوضوح ندرة الدراسات المتعلّقة بتاريخ التوسّل والاستعطاف والاستجداء. نعثر على بعض لدراسات اللسانيّة[1]، والأدبيّة[2]، والدينيّة[3]. واقتربت بعض الدراسات المتناولة لمسألة التوسّل من حقل الأنثروبولوجيا الدينية[4]. بقي إذا ميدان تاريخ الاستجداء والاستعطاف حقلا بحثيّا يحتاج للغوص والتعمّق فيه لا في تاريخ البلاد التونسية فقط، بل في التاريخ الإنساني. ويُعرّف التوسّل والاستعطاف في المعاجم العربيّة بمعنى “التذلّل والخضوع لطلب الحصول على شيء مُعيّن من طرف أقوى منه”، أو “طلب العون والمساعدة بتذلّل وخُضوع”، أو “طلب ومُساعدة من شخص ما بحال من الضعف والوهن”[5]. ويشتمل الحقل الدلالي لكلمة “استجداء” على مصطلحات أخرى متشابهة المعنى مثل “التماس”، “ضراعة”، “توسّل”، مناشدة”، “استعطاف”.
يمكن أن نُموضع دراسة جوانب من تاريخ الاستجداء والاستعطاف ضمن تاريخ الذهنيّات والتمثّلات، وأيضا تاريخ العادات والرهانات الاجتماعيّة. اعتمدنا في هذا البحث على وثائق محفوظة في الأرشيف الوطني التونسي، ضمن السلسلة التاريخيّة، حُرّر أغلبها خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر (قبل 1881)، وهي عبارة عن رسائل استجداء أرسلها عدد من سكّان البلاد التونسية إلى عدد من أعوان الدولة التونسية (في الأغلب الوزير الأكبر: مصطفى خزنة دار وخير الدين) طالبين خدمات عاجزين عن تحقيقها، أو تفادٍ لمطالب لا طاقة لهم بها.
سوف نسعى عبر هذا البحث إلى الإجابة عن إشكاليّة أساسيّة: كيف نفهم ممارسات الاستجداء والاستعطاف ضمن رهانات الفاعلين الاجتماعيين لتشكيل شبكات علاقاتهم ومراكز نفوذهم وهيمنهم وبناء مكانتهم الاجتماعيّة؟
تشتمل هذا الإشكالية الأساسيّة على عدد من الإشكاليّات الفرعيّة مثل محاولة فهم علاقة الأزمة بتفاقم ممارسات الاستجداء، وطبيعة التقنيات المُوظّفة لإقناع المُستجدَى، ونوع المطالب المُقدّمة عند الاستجداء.
رغبات المستجدي ورهاناته
تتميّز ممارسة استعطاف السلطة واستجداءها بالقدم في البلاد التونسي ولم تكن مرتبطة بزمن مصطفى خزندار. ويحتوي الأرشيف الوطني التونسي على رسائل عديدة موجّهة لأعوان الدولة لاستجدائهم طلبا للإعانة. فقد أرسل الرجل محمد قهواجي رسالة إلى أحد أركان الدولة في 18 ديسمبر 1820 طالبا أن تتكرّم عليه الدولة “بزاوية أعيش ببعضها وأسلك ما عليّ ببعضها، فإنّ الوقت يا أمير المؤمنين صعب عليّ وضاق بي الحال وأنا خديمك وأنت سيّدي”، وقدّ صُدرّت رسالة بمقدّمة من الكاتب تضمّنت مديحا للباي مثل “قصدّت مجدك العالي تحدّثني الأماني بنيل الذي أمّلت مردوده. يا من سما مجده في العالمين ومن بحر الندى منه عذب…”[6]. ولم تكن رسائل الاستجداء موجّهة إلى الباي وخزندار فقط، بل تلقّى العمّال رسائل عديدة مثل حالة إبراهيم الرياحي عامل دريد، تلقّى مكتوبا متضمّنا: “قد حكم الله عليّ بالسجن ولا أظنّ أن الذي له سيّد مثلكم لا يخشى…تتسبّب لنا في التسريح، وهاهم أولادنا صغار يتامى…”[7].
يُحاول عدد من النّاس عبر رسائل الاستجداء التقرّب إلى السلطة من خلال نقل أخبار عشيرته، لنيل الحظوة والتقرّب من السلطة، أو للتمكّن من منصب سياسيّ. أرسل الرجل أحمد بن سليمان بن خالد رسالة إلى مصطفى خزندار بتاريخ نوفمبر 1840 قال له فيها أنّه “بلغنا مشايخ العرب ومواعيدهم أنّهم فاسدين مع القايد وأفسدوا عشرته (كذا: المرجّح عشيرته) ليكون في أشرف علم سيادتكم. المطلوب من فضل سيادتكم تكون منّا ببال في ولايتك عليهم. وأنا منسوب على سيادتكم، والمنسوب محسوب، ونحن في إحسان سيادتكم نُعطي ألف محبوب (عملة رائجة زمن الوثيقة) للحضرة العليّة ونزيد ألفين ريال إليكم، والذي تحكم به سيادتكم وتكلّمنا به يكون العمل عليه، وأنا خادمك ومنسوب إليكم وقريب إليكم، والسيّد لا يغفل عن خادمه”[8]. وأردت وثائق عديدة سعي عدد من النّاس إلى الوصول إلى منصب أو وظيفة مثل حالة الرجل منصور بن محمد الذي طالب من مصطفى خزندار أن “تتوسّط لنا في وظيف أولاد عون ولسيادتكم ولسيّدنا نصره الله ثلاثين ألف”[9].
اشتملت رسائل عديدة عن رغبة المستجدين الانضمام إلى سلك أعوان الدولة مثل حالة رسالة الرجل حسن التطاويني التي طالب فيها أن ينظمّ إلى سلك المدرّسين ويُصنّف “من طلبة العلم وحملة القرآن”[10]. وأرسل بلقاسم بن رمضان الجويني استجداءً إلى خزندار طالبا “الولاية على العروش ولازلت منتظرا…تولّيني على عزيب الغنم الذي طبع بالأمس، جيتك بجاه الله وجاه رسوله…لا تحرمني من الولاية على العزيب المذكور، لأنّ العروش بالدراهم وهذا من غير دراهم، وحالي لا يخفى على السيادة”[11]. ورجل آخر أراد “ولاية وكالة الجامع الأعظم”[12]. وطلب عدد من أعوان الدولة من خزندار تغيير مكان عملهم مثل حالة رجل “الإمام بمسجد قرية المعلقة من عمل مرسى حلق الوادي بيده شهادة بالعدالة من أهل البلد المذكور، يطلب من فضل مولانا…أمر الاشهاد بمحروسة تونس”[13]. واستجدى رجل آخر من خزندار أن يُمكّنه من منزل ولو صغير حيث ذكر: “صرت صاحب عائلة وفي كل سنة أنتقل من دار إلى دار…تتفضّلوا عليّ بدويرة (دار صغيرة) أستقرّ فيها…وجدت دويرة بثلاثة آلاف ريال فالمرجو…الإعانة على شراءها”[14]. وطلب أهل زاوية الشيخ سيدي أحمد التهامي بالكاف من خزندار أن يُجنّب عدد من أتباع ومريدي الزاوية التجنيد “لأنهم أتباع الزاوية ولا قيام بها إلا بهذه الدارين”[15]. كما رغب رجل آخر في تولّي الولاية على عرشه، بعد أخذه التزكية منهم، كما لم يُفوّت الرجل الفرصة في ذمّ العامل الذي يُريد من خزندار إزاحته واتّهمه بالفساد المالي[16]. واستجدى العسكري اليوزباشي الطيّب بن الحاج حسونة من تونس خزندار أن يُوفي بوعده ويُساعده في الترقية “في الرتبة يرجع صاغ قلاسي…من عادتك لا تُخيّب من قصدك”[17]. أرسل رجل حافظ للقرآن الكريم رسالة لخزندار “يُريد أمر الإشهاد”[18]. وأرسل أحد الفقهاء مكتوبا إلى خزندار يُذكّره فيه بوعده إيّاه تعيينه مفتيا بمدينة الكاف بعد وفاة المفتي القديم[19]. نُقل رجل من عمله في عرش الهمامة إلى عمل آخر بعرش السواسي (قبيلة تونسية)، فراسل خير الدين طالبا إعادته إلى عمله الأوّل قائلا: “اشتاقت نفسي لحبّ الوطن والرجوع إليه من أجل ملكي وعدم الفلاحة…ولو كنت في الوطن لسعيت في عمارته بالحرب، لأن فيه مصلحة الدولة…شيخ فرقنا يسعى في مضرّتنا”، وكان ردّ الوزير الأكبر: “لا رخصة في الرجوع لوطن الهمامة”[20].
تعدّدت مناسبات طلب الإعانة من السلطة مثل الزواج والختان والأعياد مثل حالة رجل طلب من خزندار: “تجود علينا بنصيب لوجه الله تعالى لأنّه قادم علينا عيد “[21]. ولهذا تشتمل رسائل الاستجداء على طلبات متنوّعة مثل رغبة المستجدي تجهيز مساعدة في تجهيز ابنته للزواج: “فقد أحاط علم مولانا أيّده الله أني طلبت بزفاف بنيّتي إلى زوجها، ولا يخفى ما عليه عبدكم من ضيق الحال الذي لا يمكن معه القيام بشؤونها”، وقد طلب السائل “الإعانة على هذا الهمّ”، و”تنفيس الكربات (جمع كُربة)”[22]. وطلب رجل آخر إعانة الدولة على ختان ابنه خاصة وأن ابنه كبر في السنّ وعجز عن ختانه بسبب الفقر[23]. وطلب رجل آخر أن يُساعده الوزير على الزواج خاصة مع طول مدّة الخطوبة وتقدّم رجال آخرين إلى خطيبته، و”قالوا لي (أي أهل المرأة) إما ادفع نقدك وتمّم عرسك وإما ارفع يدك عنها…والنقد الذي مطلوب فيه 100 ريال”[24]. وطلب رجل آخر مساعدته على الزواج: “لم يصلح لي التزوّج لأني فقر معدم”[25]، واستجدى رجل آخر من أجل مساعدته على دفع كراء منزله[26]. ورغب شخص آخر في مساعدة الدولة له على ترميم منزله المشرف على الانهيار و”الخراب”[27]. ورغب رجل مسجون أن يُمكّنه خزندار من بعض الدراهم ليستعين بهم في السجن[28]. وطلب مُستجدٍ قطعة أرض لبناء منزل، فقد تضمّنت رسالة الحاج محمد: “طلب…قطعة أرض داخل حلق الوادي قرب الكنيسة القديمة…لنبني بها بيتين للسكن”[29]. واستجدى الحاج مصطفى الوزير خير الدين أن يُمكّن ابنه التلميذ المتميّز بالمدرسة الصادقيّة من لباس الشتاء، فقد عجز عن كسوته لضعف خاله وفقره[30]. واستعطف رجل الوزير الأكبر خير الدين من أجل أن يُسرّحه من السجن بتعلّة فقره وانعدام رزقه خاصّة مع اقتراب زمن حراثة الأرض[31].طلب رجل من خير الدين إنفاذ العدالة في رجال اختطفوا له زوجته[32]. وطلب رجل من خير الدين أن يُساعده ويُساهم في تحرير ابنه المسجون في فرنسا[33].
طلب رجل عدل أن يُعيّن ابنه الفقيه عدلاً مكانه “بأن تجعله عوضا عنّي (عدل)…وقائم مقامي في ذلك لعجزي وهرمي وكبر سنّي”، وأجاب خزندار: “اكتب له مطالبه وأجبه بمحصولها”[34]. يطلب المُستجدون المناصب والمال وأحيانا الغذاء، مثل حالة رجل طلب نصيب قمح “أو غير ذلك”[35]. واشتكى رجل آخر انقطاع مرتّبه وامتيازات كان يتمتّه بها بعد وفاة محمد باي (1859)، ويطلب من خزندار أن ينصفه ويُرجع له ما كان يتمتّع به قائلا: “لي مرتّبا من زاوية سيدي أبي سعيد الباجي…قدره 60 ريال في كل شهر وذلك بمقتضى أوامر المعظّم سيّدنا، لأن مرتبي كان سابقا من المارستان فلما توفّي سيدنا محمد رحمه الله طلبوني في تبديل الأمر…بدّله لي من زاوية سيدي أبي سعيد…ومن يوم تبديله إلى الآن لم نأخذ شيئا…الآن 23 شهرا”[36]. وأبرز رجل آخر حاجته لمورد رزق بسبب عدم إتقانه اللغة العربيّة، مثل حالة الحاج موسى التركي بن عصمان الذي كتب لخزندار: “حالي ضعيف وليس لي صنعة سوى الكتابة بالعجمي”[37]. وتبرز رسائل الاستجداء تنافسا محليّا محتدما بين رجال الدين على احتكار المناصب المهمة سواء الإمامة أو القضاء، فقد تلقّى خير رسالة مهمّة تضمّنت تولّي الشيخ أحمد السنوسي خطّة القضاء ببلد قفصة على حساب الشيخ أحمد بن محمد. وقد استغرب صاحب الرسالة هذا التعيين خاصّة وأنّ أحمد السنوسي رغم تمكّنه وعلمه إلاّ أنه مكروه من السكّان ومن “جميع خلق الله ولا سيما أهل بلدنا”، وهو “حسود صاحب غيبة ونميمة وجور وتلطّ ولا يسعى إلاّ للفساد والهرج للبلاد، مُخالط للمخزن غير موفّق وعالم بلا عمل كشجرة بلا ثمر”، أمّا الشيخ أحمد بن محمد المعزول من الخطّة فهو أقلّ علما من منافسه ولكنّه “صاحب عفّة وديانة…ليّن ومهما أتيته وجدّته تاليا أو ذاكرا”، وحادث عزله “اهتزّت له جميع خلق الله”[38].
كما تظلّم طبّاخ أوروبي لدى خزندار واستجداء أن يُساعده على أخذ أجره من الباي، وكتب في رسالته: “نفقة مطبخ مولانا كانت بيدي منذ دخلت في خدمة مولانا، والآن سيّدي كلّفوا غيري. وكما لا يخفى على جنابكم ما فيها من الخسارة في زمن الشتاء من ارتفاع سعر اللحم وغيره، ولمّا أتى الصيف افتكّوها من يدي…لا يخفى السيادة ارتفاع الأسعار على ما كانت عليه أيّام المرحوم، بل كانت جميع الأسعار بنصف ما هي عليه الآن، خروج هاته الكلفة من يدي يمسّ عرضي…نرغب من سيّدي أن يُجاوبني على خطابي هذا في ظرف يومين أو ثلاثة فإن حصل لي ما نرتضيه وإلا فقسمي (أي الرزق والقسم) على الله، وأنا مسلّما في الخدمة لا محالة”[39].
تُبرز لنا رسائل أخرى صراعا بين العرف والقانون وبين السكّان المحليين وأعوان الدولة، فقد اشتكى رجل إلى خزندار قائلا أنه زوّج ابنته “بوجه صحيح شرعي بصداق معلوم على عادة عرب البادية”، ولكن العامل رفض هذا الزواج وطلب من الأب أن يُقدّم له نصف صداق البنت 450 ريال “جعلا له (أي رشوة)”، فلمّا امتنع من ذلك تعرّض الأب للعنف المادي وبالرصاص و”جعلوا في عنقي غلّ من حديد وسلسلة وبرجلي حديد وبقيت في تلك الحالة نحو ثلاثة أيّام”، وأمر العامل عدلين “أن يُدلّسا له صداق”، بالتواطؤ مع القاضي[40].
تقنيات واستراتيجيّات الاستجداء:
تعتمد عمليات الاستجداء على مجموعة من التقنيات، فكثيرا من يُحاول المُستجدي أن يُقنع خزندار أو خير الدين بأنه عون للدولة ابن عون متحدّر من عائلة مخزنيّة ذات تاريخ عريق في خدمة الدولة، فقد أرسل الرجل حميدة بن الطيّب مكتوبا إلى خزندار ذكر فيه: “أنا خادمك وابن خادمك وكنت وظّفتني في السابق وعطيت (أي عملت) نحو العشرة أشهر وانعزلت وخسرت أربعة ألاف ريال والباقي الدين علينا…أن تراقبني بعين الرحمة وهاهم عرش الزغالمه (قبيلة تونسيّة) التفتوا عليما وخبروا سيادتكم بالواقع وأنا ليس عندي شيء ممّا في علمك لا نقدر حتى على شيء. والزغالمه يعملوا البعض منهم في فريقه والبعض في الغيب يأكل في الذقون. ولكن بشريعة التي معك أن ترد بالك منا وأنا إذا سهّل الله علينا في الوظيف…وأنا انفخرت (أي افتخر) بسيادتك قدام عرش الزغالمه”[41].
ولهذا يسعى المستجدي إلى إبراز ولائه وولاء عائلته التام للدولة مثلما ورد في رسالة موجهة لخزندار: “أنا خادمك وابن خادمك وقد طال انتظارنا لمقابلة السيادة …مع أنني خادم قريب وكلّ الناس يشهدون بذلك”[42]. وأبرزت رسائل أخرى تضحيات أصحابها وحجم خدتهم للدولة، فقد ورد في أحد الرسائل: “كنت سافرت مع المرحوم سيدي فرحات، وأصابني سيدي ضرب الرصاص بيدي وقت موت سيدي فرحات…قعدت أنا وأولادي ضائعين”[43]. يحرص المستجدي على تعداد خدماته المُقدّمة للدولة وأهمّها مساهمته في مجهودها الحربي، المشاركة في المحلّة خاصّة. فقد أرسل رجل رسالة إلى خزندار يطلب فيها تمكينه من وظيفة الإشراف على زاوية سيدي منصور بن جردان، فقد كان “خادم بن خادم” وشارك مع الجنرال سليم في “المحلّة”[44]. وتضمّنت رسالة أن رجلا “مات قتيلا على خدمة الدولة العليّة”، وظروف عائلته صعبة ماديّا[45].
وظّف المستعطف أساليب عديدة لإقناع صاحب السلطة وأهمّها الاعتماد على الإرث والذاكرة الولائيّة، مثل حالة الرجل محمد كربوب أرسل مكتوبا إلى خزندار قائلا: “توسّلت عليك…سيدي عبد القادر الجيلاني، وسيدي أبو الحسن الشاذلي وسيدي محرز بن خلف وجميع أولياء الله الصالحين”، ثم توسّل الرجل بشخصيّات معروفة في تاريخ البيت الحسيني: “دخلت عليك برحمة سيدي مصطفى وسيدي حسين، وثم ابراص (أي برأس) سيدينا نصره الله…ثم ابراص (برأس) قرّة عينيك”[46]. ونجد من يتوسّل بالله ورسله: ” جيتك بجاه الله وجاه رسوله”[47]. وقد كتاب أحد المستجدين: “أننا من القيروان ربنا إن شاء الله يجعلك في حماية سيدنا الصحابي (أبي زمعة البلوي)…وأولياء القيروان كلّهم”[48]. وتوسّل رجل آخر بالصحابة وخاصّة منهم أهل بدر، فقد قُتل أحد الرجال، فاستجدى أحو الضحيّة خير الدّين طلبا للقصاص قائلا: “يا سيّدي بجاه أهل بدر…هؤلاء المفسدين الذين قطعوا الأمان من الدنيا وقتل أخي…”[49].
تضمّنت رسائل استجداء أخرى أبياتا شعريّة لكسب ودّ خزندار[50]. وركّزت رسائل أخرى عديدة على مسألة السنّ، فقد استجدى عسكري من خزندار أن يُمكّنه من عمل سهل بسبب بلوغه سنّ السبعين[51]. وأبرزت رسالة أخرى موجّهة إلى الجنرال رستم طبيعة التراتبيّة التي يعتمدها المستجدي للإقناع ونيل الطلب، فقد ورد فيها: “ما عندنا إلاّ الله ثم رسول الله…ثم المشايخ سيدي عبد السلام الأسمر الفيتوري وسيدي أبي الحسن الشاذلي…ثم عندنا سيادتك”[52]. وطلب رجل “من أشراف البلد وأخيارها”، من الباي أن يمكّنه من كميّة من القمح وخاروف، ووسّط في ذلك أحد أعوان الدولة النافذين، ضمانا لوصول طلبه إلى الباي[53].وورد في أحد رسائل الاستجداء أن البايات جعلوا صدقة جارية ودائمة لأحد الشرفاء، “جعلوها لشيخ كبير السنّ ضعيف البدن كثير الأولاد شريف الحسب والنسب، فكان أولا سي محمد غريض، ثم من بعده سي محمد البامري ثم من بعده سي محمد الشرفي”، وقد طالب صاحب الرسالة وهو من نسل هذه العائلة أن يُمكّنه الباي من نفس الامتيازات[54].
كما اعتمد عدد من المستجدين على صلاحهم وتقواهم، فقد أرسل “رجل صالح” مكتوبا إلى إسماعيل السنّي متضمّنا دعاء كُتب له خصّيصا ولم يُقرئ سابقا و”لم نُعطه لأحد”، هذا الدعاء مُنجّي من الأمراض والطواعين، ويطلب صاحب الرسالة بعد هذه المقدّمة: “إنّي رجل غريب بهاته الإيالة، وقد أتيت من بلدي عام 1277 (1860)، وكان السبب في قدومي من بلدي وإقامتي في الحاضرة قاصدا حجّ بيت الله…سافرت من بلدي تركت بها والدتي وإخواني وأخواتي نسوة، والآن قد اشتاقت نفسي إلى الرجوع إلى بلدي…ومدفن آبائي وأجدادي…إن حبّ الأوطان من الإيمان…أتاني مكتوب من والدتي…تطلب مني الرجوع لبلدي عاجلا…لم نجد قدرة على ذلك لضعف حالي…وإني رجل من العلماء من العلماء الضعف الفقراء الغرباء”[55].
اعتمد المستجدي على تقنيات عديدة لإقناع الوزير الأكبر منها المرض والفقر وكثرة الأبناء، فقد ورد في أحد الرسائل: “إني رجل ذو عيلة كبيرة ومبتلي بمرض لا أقدر معه على تحصيل المعيشة ولي أربعة من الذكور، ومات منهم ثلاثة وبقي أضعفهم على مرضه هو القائم بتلك العيلة”، وهذا الولد لحقه العار والتعب ف”خاف اللّوم وهرب منه ونزل مملوكا، فزاد عليه المرض وتوقّفت أحوال العيلة”[56]. فقد عُدّ الطفل مصدرا مهمّا لاستجلاب عطف خزندار: “أولادي صغار وقاعدين همّال (أي مُشرّدين)”[57]. وركّز رجل آخر على صعوبة تربية أربعة بنات صغار مع فقره وجوعه، حيث أشار أنّ له “عيال وأربعة بنات صغار، وليس عندهم شيء جوع وعرا(ء)”[58]. أرسل رسالة إلى خير الدين تضمّنت أنّه اضطرّ إلى بيع أملاك والده بسبب فقره وكثرة أفراد عائلته، وطلب من الوزير منحه وظيفة تجنّبا لشماتة السكان وحماية “من الفضيحة على أعين النّاس”[59]. طلب رجل إعانة الوزير الأكبر بسبب فقره، فقد باع ثيابه بسبب الجوع[60]. وركّز عدد من المُستعطفين على تيمة اليُتم لإقناع خير الدّين مثل حالة رجل قال: “أننا أناس فقراء أيتام”[61].
وأوضح مستجدون آخرون عجزهم عن توفير الغذاء والدواء وغطاء، فقد ورد في أحد الرسائل: “دخل علينا الشتاء ونحن وصغارنا لا غطا(ء) ولا وطا(ء) ولا كسوة ولا نعمة”[62]. ويحاول المستجدي أن يضمن عطف الحاكم عبر إظهار مرضه، إلى جانب فقره، والظروف العائلية الصعبة وقلّة الحيلة، فقد أرسل الرجل صالح بن عبد الله استجداء إلى خزندار قائلا: “نحن حينئذ في غاية المرض…ونحن في غاية المحنة تُوفّي أخونا…وخلّف لنا أولاده صغارا ضعفا(ء) …أخونا الثالث في الباطان (مكان خارج مدينة تونس) اليوم ثلاثة أعوام في خدمة زيد المعروف…صرت الآن في تونس غريب فقير محتاج بعدما كنت أعزّ النّاس وأغناهم…صرت حائرا في القوت والملبس وحوّجت أولاد أخي أكثر…المطلوب من السيادة تخدمني في خدمة السيادة في أيّ شيء يكون ولو وقّافا على المرمّة…وأنت أهل الفضل على ساير عباد الله مع أني أولى بالخير منهم لأنّي خادمك سابقا…وها أنا بضريح سيدي علي الحطّاب متوسّلا إلى الله ثمّ إليكم لتجعل لنا تأويلا”[63]. ويُذكّر المستجدي الوزير بكثرة الأبناء وقسوة الزّمن وضعف الحيلة: “ضعف حالي، أساء لي الوقت وكثرة الذريّة”[64]. ويستحلف المُستعطف الوزير بأبنائه داعيا لهم: “تعينني على الدنيا الله يعينك على أولادك”[65].
بيّنت رسائل الاستجداء تشابك ممارسات الوساطة وتنوّعها، فقد توسّط الرجل صالح بن مبارك الورتتانيكاهية (رتبة عسكرية) وجق تونس لدى خزندار لصالح “شيخ فقيه” من أجل يُصبح عدل إشهاد[66]. وكشف عدد من المستعطفين عن حيازتهم على توصيات وازنة مثل حالة رجل أرسل رسالة استجداء إلى محمد الصادق باي قائلا: “وقت الذي جيت (وصلت) إلى تونس جِيت (أي أتيت) بوصاية من طرف الصدارة العظمى خطابا لسيادتكم لأجل تراعوني وتعملوا معي الذي يليق بمقامكم. تفضّلوا علينا بثلاثة آلاف ريال ولكن المبلغ المذكور قبل ما يُوصل ليدنا صرفنا مقابلو مرتين”، وبيّن صاحب الرسالة إلى تعرّضه للظلم، وما التجاءه للباي إلا طلبا للإنصاف: “ثانيا الولد الذي جاء معنا أخذ لي كل الموجود الذي عندي وهرب إلى دار سيادة السيّد مصطفى خزندار والتجأ عنده. …واشتكيت إلى الوزير المشار إليه لم لم يُبيّن لي حقّ وجهّز خصمي وأبطل حقّي وخلاّني (أي تركني) مقطوع في بلاد النّاس، وهذا شيء لم يليق بسيادتكم…والشتاء دخلت علينا وأنا هنا مقطوع، وعائلتي في إسطنبول وأنا راجل من خدام العلية وحائز رتبة الدولة العليّة، وكنت نظنّ تونس تراعي ناس دولتها اليوم (أي بعد الإصلاحات)، راني (أنا) شفت (رأيت) الحقارة (الاحتقار) الذي صارلي لم يقدر يكون أحقر منها”، وطلب من الباي “ترسلوني إلى بلادي”. (والرجل هو: حفيد حسن باشا محمد باي حائز رتبة ثالثة)[67].
استخدم المستجدي أحيانا أساليب طريفة مثل حالة رجل توجّه لخزندار بقوله “أنا تحت صبّاطك (حذائك)” أي تحت حذاءه تذلّلا وطاعة، وأكمل “أنا خادمك وابن خادمك وأنا غريب لم عند لا أب ولا أمّ أنت أبونا وأمّنا…أنا مسجون ولم جاءني حتّى حدّ لا من دار عمّنا ولا من دار مرت أبونا وأنا يا سيدي في أشدّ الكرب الليل نبكي والنّهار نبكي”[68]. وقال آخر “ما تحشّمنيش (أي لا تحرجني ولا تردّ مطلبي) وما تحرمنيش (أي لا تحرمني) من الفرح”[69].وحاول رجل آخر إبرازه ولاءه التّام للمخزن بقوله أنّه رضع لبن الدولة منذ الصّغر، فقد كتب: “إن العبد كما علمتم رضيع لبان (أي لبن) الدولة والحريّ بأن يكون من أبنائها لما له من السابقة في الخدمة…كنا نظنّ أم الخدمة بالأسبقيّة”[70].
ووظّف مستجدون الوزن واللّحن القرآني مثل: “وجّهت وجهي للذي فطرني ثمّ إلى رفيع جناب سيّدي”[71]. وورد في رسالة أخرى: “كبر سنّي ووهن العظم منّي وتضرّرت ببصري…هنّيتني (أي طمأنتني) أن تعمل لنا محلاّ لسكنا عبدكم وأبنائه”[72].وورد في رسالة أخرى “لا أسألكم عليه أحدا إلاّ المودّة في القربى”[73]. تأثّرت مكاتيب استجداء أخرى بالقصص القرآني مثل حالة رجل أرسل رسالة إلى خزندار بغية إطلاق سراحه من السّجن مُسترجعا في الرسالة الصور القرآنيّة لقصّة النبيّ يوسف في السجن: “تتفضّل علينا بالسراح…أضرّني السجن بدنا وقلبا”[74]. وورد في رسالة أخرى: “أقول مقالة إخوة يُوسف لأخيه حين دخلوا عليه: يا أيّها العزيز مسّنا وأهلنا الضرّ وجئنا ببضاعة مجزات فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدّقين”[75].
كما انتهز المستجدي مناسبات معيّنة لتقديم طلبه خاصة خلال شهر رمضان، فقد ورد في أحد الرسائل: “لا يخفى عليكم أمر الحال والوقت، وهذا شهر رمضان قد تعسّر علينا المصروف من قلّة المدخول”[76].ومناسبة عيد الأضحى مثل حالة رجل طلب تمكينه من أضحية العيد، أي “تتفضّلوا عليّ بكبش ضحيّة”[77]. ووظّف المستجدون مصطلحات مهمّة للتملّق من مصطفى خزندار ونيل رغباتهم، فقد وصفهم أحدهم في أحد رسائل الاستعطاف ب”الصدر الأعظم” ولولا “سيدنا مصطفى خزندار لصرنا هباء منثورا أو فراشا مكسورا”[78].
الأزمة وسياقات تشكّل سياسات الاستجداء
أشارت رسائل استجداء عديدة إلى صعوبة المعيشة بمدينة تونس: “لا يخفاك الحال بتونس وأسعارها غالية”[79]. وأبرزت رسائل أخرى تضرّر عدد من الناس من الصعوبات الاقتصادية التي عايشتها البلاد التونسيّة، فقد ورد في أحد الوثائق: “لحقنا الدرك الشديد من شدّة هذا العام”[80]. ورد في وثيقة أخرى أنّ “جميع الصناعات كاسدة وخصوصا صناعتنا وهي صنعة الشهادة، ونحن ما قصدنا أحد غيرك لأنّك أقرب الناس إلينا ونحن منسوبون إليك”[81]. وتُبرز لنا رسائل الاستجداء تأثّر مكانة الفاعلين بالظرفيّات الاقتصادية والتحوّلات الاجتماعيّة، فقد أرسل رجل رسالة إلى مصطفى آغة أمير الآلاي قائلا: “كنت سابقا في طرابلس بعد وفاة أهلي مطمئنّ الخاطر ساكن البال إذ كان لي رزق معلوم من كرف (مشقّة) العمل…فلمّا انتقل الحكم ليد الترك مُنع عني ما كنت أستفيد، فألفيت نفسي في حالة لا يرضها حرّ لنفسه خصوصا وأني لست من أصحاب الحرف والصنائع…فاقتضى الحال أني سافرت إلى جزيرة مالطة وها أنا فيها منذ سنة ونصف غير أن مصاريف هذه البلاد يا سيدي كما هو معلوم جنابكم يعجز عنها المتموّلون، فضلا عن كونها بلاد نصارى لا تصلح بأن تكون مقاما للمسلمين…أعرض قضيّتي لعلّكم تنظرون فيها وتشملونني بغيرتكم التي شملت من هو أبعد منّي. وقد قيل من ارتفعت به الدرجات رُفعت إليه الحاجات…فإن تكلّمتم عليّ بتحصيل خدمة في دولة والي النعم في العسكريّة أو غيرها…سنّي هو 24 سنة…تنعموا عليّ بالجواب على يد مبلّغ عريضتي هذه جورجي المركانتي (التاجر)”[82].
تضرّر عدد من أعوان الدولة من فقرهم وظروفهم الاجتماعيّة الصعبة، وقد أرسل عدد منهم طلب استعطاف من الباي، وكل منهم يقدّم مآثره خلال عمله لصالح الدولة مثل حالة رجل أرسل مكتوبا إلى أحمد باي قائلا: “اليوم 30 سنة وأنا نخدم في السلطنة محبوب من الخاصّة، لا من العامّة والسفلا(ء)، والآن صرت مجروحا من الذي أراد قتلي وأنا المسكين كنت قبل هذا في طريق الجهاد والأمور الحكمية والآن صرت كأني مرمي في الغبار. واليوم 4 سنين وأنا في هذه المدينة مصروف بأمور السياسة وغيرها عند جميع القناصل وخصوصا قنصل مملكة فرانسا ولم أطلب شيئا من سيادتك العالية. والآن أريد من كريم فضلك العالي أن تتفضّل عليّ بشيء نسافر به لنُداوي نفسي وأجراحي، وأما عيناي فإنّهما لا يعودان أبدا”[83]. وقال رجل مُستعطف أنه خدم الدولة أكثر من خمسين سنة “ولم تظهر مني خيانة ولا شيء في خدمتي”، وتعرّض الرجل للتفقير و”أضرّ بي الوقت والزمان كثرة العيلة التي هي عشرة رقاب”، وطلب من الوزير أن يجد له عملا يُستعين به على إعالة نفسه وعائلته[84]. واستعطف رجل آخر الوزير من أجل يجد عملا لابنه[85]. وطلب رجل آخر من خزندار أن “يتفضّل على ابني مصطفى وابني محمد بأن يوظّفا بخطّة الآباء والأجداد وهي وظيف خطة الإشهاد”[86]. وأبرزت رسائل أخرى الصعوبات التي يعاني منها بعض العمّال خاصة العساكر، فقد أرسل عسكري رسالة إلى خزندار قائلا أنّه يعمل “كالأسير” واشتغل في العسكرية “مدّة عمري” و”بعد الخمسة وعشرين سنة للخبزة محتاج ومشتاق”[87].
تعدّدت حالات افلاس التجّار والحرفيّين، حيث طلب رجل أوروبي من خزندار أن يُعينه بالمال بسبب إفلاس مشاريعه، فقد “كانت لنا حانوت نشتغل فيها، فأصابنا مرض فذهبت الحانوت ولم يبقى لنا شيء…تتفضّل علينا يشيء نُسافر به إلى بلادنا”[88]. وقد تعرّضت عائلات غنيّة إلى التفقير خلال أزمة القرن التاسع عشر. فقد شملت سياسات الاستجداء عائلات كبيرة وأعوانا للدولة مرموقين مثل أمّ إلياس مصلي التي أرسلت رسالة استعطاف إلى خزندار محتواها: “رميت ببلايا الزمان بعد أن كنت محسوبة من النعم بحياة المرحوم زوجي…ولده إلياس الذي لم يزل غارقا في ساحاتكم الكريمة…ولما كان الزمان دأبه الغدر وتكدير صفو العيش…حالة يرقّ لها قلب الجلمود، فحينئذ طفقت بإرسال تحارير شكوى الفقر”، وقالت المرأة أن ولدها إلياس مصلي لم يقم بواجبه تجاهها “لم يصل ليدي ولا فرنك واحد بل كلام بكلام…قارعة أبواب مراحم دولتكم…تُجبر هذا الظالم (أي ابنها) على طلب من لها عليه حقوق الوالدين والتي أرضعته من لبنها”[89]. وأرسل الحاج إبراهيم المورالي مترجم بقنصلية إنجلترا رسالة إلى خزندار تضمّنت أنّه “منذ خرجت من دار قنصل الانجليز نحو عام ونصف وسبب ذلك مرضت…رجّع القنصل المذكور ترجمان غيري في مكاني وقعدت أنا يا سيّدي من غير مدخول ولا صنعة أعيش بها وأنا صاحب عيلة وأولاد صغار والوقت صعب…تجعلني في بعض الأماكن التي هي لنظر السيادة”[90]. كما أرسلت زوجة فارس الشدياق رسالة إلى خزندار تشتكي فيها حالها: “إني كنت بدولة آل عثمان وتشكّيت لها بزوجي الفارس الشدياق وأخذت منه ما وجب لي نفقة بالحكم الجاري بيننا وكتبت عليه حكما بالنفقة…لما أرسل لي خادمكم ابني سليم ابن الفارس الشدياق في القدوم إلى المحروسة تونس أتيت له كما لا يخفاكم اشتياق الوالدين لأولادها وجدّت مرتّبه يقوم به فالله يجازيكم بالإحسان…والدته…تطلب من فضلكم العلي أن تجعل لها نصيبا من المونة أو علوّا صغيرا مسكنا لها ولابنها المذكور لأنه رجلا فريد”[91].
بيّنت رسائل الاستعطاف المكانة الظروف الاجتماعيّة العشّة لرجال الدّين والمدرّسين، فقد ورد في أحد الرسائل: “أنا شيخ تلاوة…بزاويته…حتى صار العمل المذكور حرفتنا بين النّاس وليس لعبدكم مدخول سوى المرتب من الأحزاب على الرسول المصطفى…إني ذو عيال وأولاد…أطردني السيّد محمد الباجي الكامل صهر سيّدي رحمه الله من الزاوية وأعطى دولة أحزابي تفرقة إلى غيري…نحن طلبة (أي طلبة علم) غرباء طالبين المعيشة بهذه المدينة المعمورة…حفظ الله جهاتها الستّة”[92]. وقد تضرّر عدد من أعوان الدولة ورجال الدّين من مدخولهم الشهري البسيط حالة مدرّس في جامع بسوسة ذكر أنّه “العبد الفقير لمّا حلّ بسوسة واستوطن بها طلبوا منه قراءة الدّرس، فأجابهم لذلك، وصار يقرّي بالجامع الأعظم منها ولم لكن له مرتّب، فهو يطلب من فضل مولانا…يتفضّل عليه بتذكرة بخمسة ريالات من الوقف الكبير وهو وقف السور والجامع المذكور ليستعين بها على العلم الشريف…ضعيف الحال وكثير العيال، والعبد الفقير تونسي التربية، لأني قدمت إلى تونس صغير السنّ وأقمت بها 16 عاما في طلب العلم وصرت مدرس بجامع الزيتونة، وحُسبت من جملة الطلبة المدرسين، ثم بعد المدة المذكورة أتيت للساحل فمكثت به وتزوّجت…فسئلوا عني مشايخي هناك…سيدي الطاهر بن عاشور”[93]. وأرسل خمسة رجال منهم عدلان مكتوب استعطاف إلى رستم وزير العمالة بعد أن “ضاق حالنا من الاحتياج وألجأنا الضرر للسلف”، وتشكّى هؤلاء الرجال أساسا من طبيعة القوانين التي ركّزتها المجالس، فبعد أن تفرّغوا للعمل بمجلس الجنايات والأحكام العرفيّة بالقيروان، أضاعوا رزقهم وتجارتهم وأعمالهم وصنائعهم بسبب هذا التفرّغ لمدة ثلاثة سنوات كاملة[94]. وتظّلم رجل دين وحافظ للقرآن الكريم إلى خير الدّين من جماعة من الرجال اعتدوا عليه بأمر من العامل وخُدّامه والخليفة والشيخ و”أوثقوني كتافا من يدي ورجلي وعرّوا رأسي وتمالوا عليّ بالضرب مع اني حامل لكتاب الله (أي حافظ للقرآن)”[95]. وتعرّض رجل فقيه إلى السرقة والتحيّل ثمّ القتل، فقد ورد في أحد الوثائق أنّ “الفقيه العدل بلقاسم بن الحارق الجريديالتوزري كان قد قدم إلى المحروسة (أي مدينة تونس)…وبيده جانب لفّة ودراهم لأجل التجارة، وتعرّف بالحاج محمد ونزل عنده بفندقه…إلى أن اطّلع على جميع كسبه…وعند حدوث المكر والخديعة استضافه ببيت قريبه محمد بن محمد…وقتلوه ودفنوه في بيت من ذكر…قلعنا الجليز وحفرنا وإذا به مكبوب على وجهه على الجير ومشنوق بعمامته”[96].
تعرّض عدد كبير من النساء إلى صعوبات عديدة مثل حالة المرأة خدّوجة بنت المرحوم محمد بن مامي التي أرسلت مكتوبا إلى خزندار ذكرت فيه: “أني مرأة بنت بلاد وتوفّي زوجي وخلّف لي ابنة وولد صغار ولا يخفاكم سيّدي حال الضعفاء والمساكين لا سيما عليّ امرأة هجّالة (توفّي زوجها) ضعيفة الحال وأولادها صغار وأضرّني الزمان بعد زوجي واحتجت غاية الاحتياج…وليس لي قدرة لمقابلة حظرتكم فأتيت بهذا المكتوب لسيادتكم…تجود عليّ بنصيب لوجه الله…ففرّحني سيّدي وفرّح أولادي…كثرة شفقتكم على الضعفاء والمساكين”[97]. وتضمّنت الرسائل الواردة على خير الدّين أنواعا متعدّدة من الظلم المُسلّط تجاه المرأة المنبثّ في المجتمع التونسي خلال الفترة قيد الدرس مثل حالة المرأة فجريّة بنت أحمد المزوغي الواقع بينها وبين زوجها “مُنافرة حتى ترافعا للحكم الشرعي وطلبته في جميع متاعها…ادّعت عليه إضراره بها ولأجل ذلك سكنت بدار عدل بسوسة وتشاحنا مُشاحنة لا بقيا يتيسّر بعدها معاشرتهما معاشرة الأزواج”، وحاول زوجها طمأنتها بالرجوع إلى منزلها، و”عندما استقرّت ببيته وظهرت له مخايل اطمئنانها قتلها ليلا ومثّل بقتلتها تمثيلا ما سمع بوقوعه في العاهرات فضلا عمّا هي طاهرة وشريفة في بلدها”[98]. وامرأة مات زوجها و”قد حلّ بها أمر عجيب من تشتيت حالها وضيعة (أي ضياع) مالها”، وخلّف لها زوجها بنتين”[99].
وقد أرسل عدد كبير من الغرباء رسائل استعطاف مثل حالة رجل أخبر أنّه “رجل غريب ولا عنده والي في هاته البلاد…عمري ما قصدتّك إلا بسبب صرت الآن مطلوب…لم عنده زاوية لها الهروب إلا دريبة السيادة”[100]. وطلب رجل آخر قدم من بغداد، وهو غريب عن مدينة تونس ومن مريدي أولياء صالحين مشهورين منهم سيدي القادر الجيلاني، أن تُساعده الدولة التونسية على أجرة السفر والعودة إلى بغداد[101]. وذكر رجل آخر: “إني رجل غريب ومهاجر في سبيل ربّ العالمين وليس عندي عون ولا مصروف…تمنّ وتحنّ علينا بنصيب وماعون عشاء”[102]. ووردت على خزندار رسالة استجداء أخرى من أحد الغرباء: “يا سيّدي إني عبد من بلد بغداد ومن ذريّة جدّنا وشيخنا الشيخ القطب الرباني سيدي عبد القادر الجيلاني ذا مال وعيال وأولاد في بلد المذكورة. كنت أحد أعيان المجلس الكبير وعندي بيدي السند (وثيقة إثبات النسب الشريف) من نقيب الأشراف متاع مدينة إسطنبول…خرجت من البلد المذكور مسلّما في جميع ذلك قاصدا رضاء الله ووجهه الكريم. وأنا الآن قدر خمسة أعوام مكث بوطن فريقه (أي تونس) ولا نعرف إلا بعض قليل من الناس وكثرة إقامتي بالجبال نأكل منها الحشيش ومتوكّل على الله في رزقي…ظهر لي نريد أن نخاطب سيادتكم بعض كلمات قدر درجين نقابلكم إن شاء الله…من غير طمع في أحد”[103]. طلب غريب فقير يقطن في مدينة تونس من خزندار أن يُساعده على الرجوع إلى موطنه بالحجاز[104]. واستجدى رجل غريب آخر لدى خير الدين بقوله “أتوسّل إليك بالله وبرسوله أن تتأمّل شكاية عبد مظلوم…مهاجر من بلاد النصارى إلى بلاد المسلمين…قدمت من بلاد الغرب في العام الماضي فنزّلوني أخوتي ببيت الشريعة بزمام الدولة وأدّيت معهم المجبى وخالص مع مشايخ بيت الشريعة”، ولكنه تعرّض له حمادي بن محمد الشابي “الذي بإفريقية (شمال البلاد التونسيّة)” وسجنه و”هتكوا حريمنا وحدّدوني وبادروني بالضرب والوثاق حتى كادت نفسي تُزهق…وطلبوا مني 5 آلاف ريال خدمة، ففّريت بنفسي إلى جنابكم السعيد وتركت المخزن نازل ببيتي”، وكان تعليق الوزارة الكبرى أنّ “لا بأس بالاعتناء في تحرير أمثال هذه النوازل لأنّ اللذين يقدمون من خارج العمالة إذ يكثر عليهم التلطّي (الظّلم) أو تجاذب العمّال لهم بأنهم يرجعون إلى خارج المملكة، واللذين بقوا هناك ل يقدموا”[105]. وطلب رجل غريب آخر المساعدة من خير الدّين قائلا: “إني رجل تركي غريب الأهل ولي مدّة ساكن في تربة جبّانة بزاوية سيدي شقرون بأطراف ربض باب سويقة هذا من ضعف الاقتدار وإلا لا نكون للموتى جار…إن رضيتم يهمل حريمي وأولادي بأزقّة تونس”[106].
تبرز الرسائل ظلما كبير كان مسلّطا من قبل أعوان الدولة على السكّان، ظلم وصل إلى درجة القتل وافتكاك الأرزاق والاعتداء على الأعراض، وقد مثّل خزندار أملا ورجاء لردّ المظالم وإرجاع الحقوق. أرسل الرجل بوبكر بن عمار الشتيلي مكتوبا إلى خزندار قائلا فيه: “قتل خدّامكم إخواننا المرحومين، وقتل من معهم من الخدّام…ونهب جميع ما يملكونه من أثاثهم ونعمة هناشرهم (حقولهم) وخيلهم وإبلهم…وجميع ما يملكون حريمهم وأطفالهم حتى من ثياب لبسهم وتركوهم حُفاة عُراة، وأن جميع ما صار لهم من نصحهم وخدمتهم للدولة العليّة، وكان جميع عروش افريقيّة وعمّالها كلّهم عاثوا وتبعوا الكلب علي بن غذاهم إلا اخواتنا اختاروا أخذهم وموتهم لأجل خدمة أسيادهم ولوصايتكم فيهم خير من المخالفة. فثبت الآن أن المخالفين عن الدولة المُعلنين للقايمين أصبحوا في عزّ واطمئنان ولهم اليد على من كان معينا لإخواننا في نصح الدولة وتعاطي أكل رزق أخواتنا المقتولين….أصبحنا في أشدّ الذلّة…نطلب من فضلكم الكامل الاذن في الاجتماع معكم”[107]. ولهذا فقد اشتملت رسائل عديدة على تظلّم النّاس ضدّ عدد من أعوان الدولة، طالبين الانصاف من خزندار، فقد اشتكى رجل إلى خزندار من “خادمكم سي علي بن حمّودة قايد بلد ماطر لأنه يا سيّدي تسلّط علينا وهزم جانبنا وأراد قطع أثرنا من مكاننا…أرسل تبّاعه إلى مندرتنا بهنشير (حقل) ماطر زمعوا فلاّحينا من دراسة النعمة”[108]. واشتكى عدد كبير من الأهالي من شيوخهم أو قيّادهم بسبب ظلم أو عسف، فقد اشتكى مثلا قبيلة السواسي “الضرورة من قائدهم”، طالبين من خزندار أن “يُولي عليهم غيره”[109].وتظلّم رجل لدى خير الدّين قائلا: “شيخ بلدنا…طغى علينا وجار علينا وتعدّى الحدود بالمال والأموال ويُبيح في حريمنا وباع أرزاقنا ويحكم علينا بالجلد حتى أنه يجلد الرجل بخمسمائة جلدة حتى صارت أهل البلاد كلها تخاف منه خوفا شديدا”[110]. وطلب رجل آخر إنصافه بعد أن ظُلم ظلما واتّهم بسبّ الدولة والقدح فيها، وقال أن العامل هو الذي سبب الضغينة التي أصبح يحملها تجاهه خير الدّين، نفس العامل الذي هدّد بسجن كامل أفراد الشاكي لو وصلت شكايته إلى خير الدين[111]. وأرسل أمين معاش قفصة رسالة استجداء إلى خير الدين بقصد إنصافه من عامل المدينة قائلا: “لمّا ولّي المدّعي حسين بن السمعي عاملا على قفصة وحلّ بها فطلب مني أن أُعطيه 500 ريال ونبقى في خطّتي وإلاّ يقدّم لها غيري، فأبيت عن ذلك وأجبته…أن أرباب الخطط السياسية لا يمكنهم إعطاء الدراهم عليها فضلا على هاته الخطّة التي نظرها للمجلس الشرعي، ثم أنه في هاته المدّة اتّفق هو والشيخ القاضي بقفصة وأخبروني عن الخدمة…وقدّموا لها رجلا من بلدنا…من غير اتّفاق بقية المجلس وأعيان البلد”[112].
واشتكى جماعة من عاملهم بأنه ظلمهم وتعدّى عليهم هو وأبناءه وأبناء عمّه وسرق أثاثهم وهدّدهم بأن لا يشتكوا للوزير الأكبر[113]. وتشكّى رجل آخر إلى خير الدّين تعدّد الإغارة على عرشه وعائلته، بل تظلّموا من اتّفاق أعوان الدولة وشيوخهم مع المغيرين، فقد “أغاروا علينا دريد وغيرهم ولم يتركوا لنا شيء. ثم أنهم صالحونا دريد على اخوتهم بستة وثلاثين ألف ريال واستولوا خصلاها المشايخ والكبار وصاروا…وأنا لم يصلني شيء عدى ثمن 4 جمال”، وقد تساءل صاحب الرسالة “كيف هو قايد يأكل متاع النّاس وأنا نؤدّي للدولة نصفي من جانب الله”[114]. وتضمّنت وثيقة اتّفاق العامل مع العدول في ظلم النّاس[115]. واشتكى رجل من “أولاد عمّه”، فقد سرقوه وحرقوا رزقه و”أطردوني من بلادي بإغراء من عامل أولاد مهنة ومشايخ أولاد عمران”[116]. وأرسل رجل رسالة استجداء إلى خير الدين متظلّما من المجلس البلدي الذي افتكّ له 2663 متر من أرضه[117].
وردت رسالة تظلّم على خير الدّين مُخبرة أنّ شيخ وخليفة زغوان، مع اقتراب موعد القرعة العسكريّة، أخبرا عددا من الشبّان بالاختباء، ولمّا احتج بعض الآباء على ذلك “جعلا فينا حجّة بأننا شجرنا عليهما…التجأنا بجنابكم”[118]. وعُزل أحد العدول “بثُبوت زوره وباطله”، وثبت أن أحد أعوان الدولة دائم التسلّط “على من هو كبير السنّ ومنسوب للعلم الشريف” بالتشارك و”إغراء كبار البلاد” (سوسة) مع مفتي سوسة، وقد كان المفتي تدخّل في مسألة تعيين نائب جديد على جمعية الأوقاف بسوسة، ولكن “كبار لبلد” توجّسوا من ذلك و”هم لا يُريدون ذلك، بل يريدون إهمال ذلك ليأكله كل مما يبدو له”[119]. وورد في رسالة أخرى إلى خير الدين أنّ “أولادنا مساجين والمخزن نازل علينا ونحن أناس ضعفاء”[120].
تُبرز لنا رسائل أخرى الصراعات السياسيّة التي ميّزت الإيالة التونسية خلال النصف الثاني من القرن 19، فقد تظلّم الحاج سعيد الزغلامي عامل الزغالمة لخزندار بسبب عزله من وظيفه بعد مكيدة كادها له أحمد بن أبي الضياف، الذي وُصف في الرسالة ب”الكاره الكذّاب”، وأردف الرجل قائلا أنّه مطلوبا في رأسه وأولاده وإخوانه[121]. واشتكى رجل آخر إلى خزندار ظُلم الدولة له حيث “نزل عليّ المخزن وأخذ من والدي 500 ريال وأنا مسجون”[122]. وأرسل رجل رسالة إلى خير الدين تضمّنت تعرّضه لظلم من قبل عائلة كثيرة الأولاد وقويّة “العصبيّة”، حيث مُنع من أرضه[123].
الاستجداء والاستعطاف: السلطة وتشكيل شبكات الولاء
اعتمدت السلطة التونسية على أساليب عديدة لكسب الحلفاء والأعوان والموالين، ومن أهمّها أسلوب “العوائد”، أي تمتّع شخص أو مجموعة أو مؤسسة بامتيازات مالية أو غذائيّة بصفة دوريّة، مثل تمتّع بعض أعوان الدولة بأنواع عديدة من الحلويّات خلال شهر رمضان. احتوت رسائل عديدة على تذمّر عدد من الأعوان من انقطاع “العوائد” عليهم، مستعطفين الوزير أن يُرجع لهم ما اعتادوا عليه، مثل عادة الجامع الحنفي بالقيروان التمتّع السنوي بقفيزين فمح كلّ صائفة[124]. وورد في وثيقة أخرى استجداء العادة “الجاري على يدكم الكريمة من مصالح العامّة في الخيرات للأشراف والصلحاء وغيرهم في كل سنة”[125]. وتوسّل رجل آخر من خزندار أن “لا تقطع علينا العادة في الأكباش والدراهم ربّنا لا يقطع لك عاده”[126]. وورد في رسالة أخرى: “أننا سيدي مشايخ العرف بالقيروان ولنا عادة جارية من الحضرة العلية…في كل عام قمح وشعير ودراهم”[127].
سعى عدد من المستجدين إبراز ولاءهم التّام للوزير الأكبر (المُرسل إليه رسالة الاستجداء)، لا لبقيّة أعوان الدولة ومن ضمنهم الباي، ويُبيّن أن كل النّاس تعلم طبيعة هذا الولاء، فقد أرسل مثلا الرجل محمد السبوعي رسالة إلى خزندار ذاكرا أنّ “جميع أعيان افريقيّة (الإيالة التونسيّة) تعلم أنني خادمكم…ننتظر الخير منكم”[128]. ولهذا يلتجئ عدد كبير من المستجدين إلى الوزير الأكبر دفعا لظم تعرّضوا له من الباي نفسه مثل حالة الرجل إبراهيم التركي العلام الذي استجدى خزندار ذاكرا أنّه باع مخرطة إلى الباي وبقي يُماطله في الثمن، “سألت بجاه شيخك سيدي علي أبي الحسن الشاذلي أن تخلصني منه أو تشير عليّ برأي…”[129]. والتجأ رجل آخر لخزندار متشكّيا من القايد نسيم شمامة بسبب عدم أخذ أجره الشهري لعشرين شهرا كاملا[130]. وقد استغلّ عدد من المستجدين انتماء مصطفى خزندار لفئة المماليك لاستدرار عطفه، فقد ورد في رسالة من مصطفى بن أحمد ورديان باشا إلى خزندار: “أنّك تعرف حقائق أبناءك المماليك على التفصيل ونجابة خدمتهم ونصحهم للدولة”[131]. وذكر مملوك آخر أنّه فقير جدا لدرجة عجزنه عن حلق رأسه و”ضُعْتُ بين النّاس”، وقد حرص السائل على إبراز قرابته الرمزيّة بخزندار ذاكرا أنّ “عار عليك تخدم غيرك من أهل تونس وأنا منسوب عليك (أي مملوك) والمنسوب يكون محسوب”[132]. كما حاول عدد من المستجدين تبيان تشابه سيرهم الحياتية مع سيرة خزندار خاصة زمن الطفولة، وهم محتاجون للمساعدة مثلما تلقّى خزندار المساعدة زمن طفولته، فقد أرسل الرجل علي المورالي رسالة استعطاف إلى خزندار ذكر فيها: “قدمت لهذا البلد صحبة والدي وعمري إذ ذاك خمس سنين، وخدمت هذا الوجق بجميع أنواع الخدمة وأسفار البرّ والبحر وسفر وهران وغير ذلك، وخدمت النظام نيف وعشرين سنة إلى أن عفا علينا سيدنا…وإني الآن نطلب من فضله وإحسانه وعظيم امتنانه أن يتفضّل عليّ بمرسى المنستير نكون رئيسها لأني خدمت الوجق كثيرا ووهن جسدي واستولى عليّ الكبر…الرجل الذي مستقرّ بها الآن يُقال له الحاج عمر السخيري فإنه في غنيّة عنها وأن محصول هذا المكان عند أمثاله لا يزيد فيه ولا ينقص”[133]. وطلب رجل آخر أن “يكون ناظرا على زاويتي الشيخين المزارين”[134]، وعرض الرجل مُقابل ذلك ولاءه التام مستقبلا لخزندار.
حاول عدد من المستجدين الاستعانة بمصطفى خزندار من أجل مراجعة أحد قرارات الباي ضدّه مثل حالة رجل عزله الباي عن كهاية (منصب الكاهية) وجق القيروان قائلا “لم يصدر منا ذنب وأنا خادمكم ومنسوب عليكم…”[135]. وأراد الرجل حمّودة الجلّولي مراجعة قرار الباي بتعيينه بوزارة الحرب قائلا أنّه “لحقني فيها غاية الضرر الذي يعجز عن جمعه المعبّر وذلك لا من حيث الكتيبة بل من بعض أناس بها، ولا وجدت لذلك وجه خلاص سوى اعلام جنابكم…أنا خادمكم ولي سلف في الخدمة أب عن جد، فلا ترضوا لي الإهانة”[136]. ورغب عسكري مُصاب، أي “سقاط”، أن يتمتّع بأجرة الجنود المسرّحين من العسكر للإصابة[137]. وتعدّدت الأسباب المقدّمة لخزندار في رسائل الاستجداء، فقد أراد عسكري تمكينه من التسريح من العسكريّة “لعذر انفراده لوالده الذي هو شيخ عاجز عن خدمة نفسه”[138]. وتظلّم أحد شلبي اللواتي لدى الجنرال رستم وزير العمالة قائلا سُجن بدون سبب وهو “مظلوم في الباطل”، وهو ضحيّة كذب ومكائد أحد أعوان الجنرال رستم نفسه، فقد افتكّ له خمّاسته (فلاّح يُؤجر خُمس المنتوج) عقب ثورة 1864[139]. واستجدى رجل آخر من خزندار أن يُنصفه من الباي بعد أن نفاه أي “غرّبه” عن “الأهل والوطن” ويطلب أن “يشفع” له لدى الباي[140].
وتشكّى رجل آخر من ظلم الدولة له وعدم الاعتراف بخدماته المقدّمة وتضحياته، فقد تظلّم رجل كونه “مُسحت فيه العيوب وتتالت عليه الكروب وجفاه الصديق”، وقال الرجل أنّه تعرّض لمكيدة ومؤامرة وعُزل من عمله لدى الدولة ظلما، وأضاف: “كيف سيّدي أخدم الدولة أزيد من ثلاثين سنة ونُهمل ونُترك…ليس لي ذنب أستحقّ به ما ذكر سوى أقاويل النّاس…يا رسول الله أخدم بالدريبة (مركز الشرطة) ثلاثة سنين خدمة الموت منهم عام لم أخذت فيه لا مرتّب ولا غيره، وأخرج على فضيحة من غير عيب…وأهلك في مالي وعرضي. ومن بعد ذلك الآن خمس سنين وأنا قاعد من غير خدمة ولا مرتّب أبيع في ثيابي ونأكل، وبأولاد…نسبتي إلى المرحومة السيدة بيّة…لوجه المرحومة في القبر صهرتنا”[141]. وتُبرز لنا رسالة أخرى علاقة التوجّس بين بعض علاقة أعوان الدولة والبايليك. فقد اشتكى الشيخ أحمد زرّوق في رسالة استعطافه إلى خزندار، عكس بقية الرسائل، بالعنت والتعب والظّلم التي لحقه جرّاء عمله لصالح الدولة خاصة خلال ثورة 1864 قائلا “تعب في خدمة الدولة العلية حين وقع الهرج بين العروش”، رغم أنّه “شاع عند كل الناس وتحقّق أن كل من انتسب إليكم نال المراد”، ولكنّه خاب أمله حيث “لحقنا العنا(ء) والبؤس”، وعُيّن هذا الرجل بُعيد ثورة 1864 في خطّة شرعيّة ثمّ “أتانا الخبر بأن خادمكم (صاحب الرسالة) عُزل من الخطة الشرعيّة من غير ذنب فعله يستوجب به ذلك”، وتولّى مكانه في القضاء عدل يُسمّى علي، دفع رشوة من أجل نيل هذا المنصب، “فأساءني في ذلك وتحيّرت حيرة طويلة، ولازلت إل الآن معزول وأن علي القاضي المذكور أساء إلينا ولحقنا منه المقت الذي لا طاقة لنا على حمله، ففرت منه إلى المحروسة والآن بها نحو 15 شهرا…هذه الخطة لأباءنا السبق فيها من قبلنا وقبل غيرنا وأنت والدنا المرحوم مكث متولّي للخطّة نحو 42 عاما متّصف بالعلم والصلاح…ومن السبق لأباءه في ذلك لا يكون متطفّلا على هاته الخطّة…المتولّي أجهل الورى ولا أحد من أوائله سبق في تولّي الخطّة وإنما هم تجّار بتبرسق…تعلق بأذيالكم لا يُذلّ بين الناس مع كبر سني وقلّة ذات اليد…من بلغ السبعين يصعب عليه كل شيء…تتفضّل علينا برجوع الخطّة لنستعين بمرتّبها”[142]. كما تظلّم رجل آخر لدى خزندار بسبب توقّف عمليّة تعيينه قاضيا بعد أن شرعت السلطة في ذلك وخاصة بعد أن زكّى أهله وعرشه تعيينه و” انشرح لذلك صدري”، وقد تفاجأ الرجل من تراجع السلطة عن تعييه و”لا ندري السبب”، وقد خاف العار والمعرّة و”كسوف النفس بعد سرورها” بعد “أن سمع كلّ الناس بذلك”[143].
أنتجت العلاقة الزبونيّة التي أوجدتها رسائل الاستعطاف والاستجداء خدمات الوشاية ونقل الأخبار. فقد تلقّى خير الدين رسالة من أحد الرجال تضمّنت معلومات عن اجتماعات دوريّة تُعقد بين مجموعة من النّاس وهم رجل والده “إمام جامع الزيتونة” و”يعقوب ستروك الذي يدّعي معرفة المقاطع”، ورجل دلاّل بالبركة، ورجل صبّاغ، و”يعقوب سعدون الذي يدّعي معرفة الكيمياء والاطّلاع على الغيب من رعايا دولة النمسة، ورجل من رعايا قنصل فرنسا و”إبراهيم شملة الذي دأبه الكلام في أحوال الدولة وموظّفيها وله الآن مدّة أعوام يسعى في ذلك بما يجلب به الدراهم لنفسه بسبب هذه الحرفة وهو من رعايا دولة إٍسبانيا”، ورجل يهودي”الذي كان طبيبا لضبطيّة الحاضرة وهو من رعايا دولة إٍسبانيا ويدّعي معرفة خطّ الرمل”، وهذا الرجل الأخير “له حانوت بدريبة (مركز الشرطة) الشّوك يبيع الأدوية”، وبقية الأنفار دأبوا على الاجتماع عنده في سائر الأيّام و”دأبهم الكلام في الأمور السياسيّة بما يقع منه التشويش”. وقد أمر خير الدين رئيس الضبطيّة أن يتتبّع”أقوال المذكورين ويُعرّف الوزارة بحقيقة الواقعة”[144].
ووردت رسالة أخرى على خير الدين تضمّنت معلومات عن رجل دائم الذمّ في تصرّفات الدولة وهو يهوديّ “يسمّى ابراهم شملة محتمي منذ سنتين بحماية إسبانيا لا حرفة له سوى التكلّف بأحوال المخلوقات من أي جنس كان. تعاطى الآن الطعن في مأموريّات خادمك وصار يُنادي كل من كانت له دعوى قائلا له بأنّه قادر على ما يُريده حيث الوزير الأكبر رخّص في ذلك…يطعن في كبراء دبنه وأمراء الدولة العليّة، وكان جُلد وسُجن مرارا بسبب ذلك…ثمّ لمّا اكتسب نصيبا من الدراهم اشترى بها حماية إسبانيا وصار يحترف الطعن كعادته، ومن يخاف على عرضه يُقاطع مع بجانب من المال”[145].
تضمّنت رسائل الاستجداء منبعا مهمّا للأخبار والمعلومات عن الأهالي والفاعلين الاجتماعيين المحليّين، بل كثيرا ما يتحوّل المُستجدي إلى مُخبر وجاسوس في محاولة لكسب عطف المُرسل إليه الرسالة (أساسا الوزير الأكبر). أرسل أمير الآلاي أحمد الجويني كاهية وجق الحاضرة تقرير إلى الوزير الأكبر خير الدين ذكر فيه أنّ “الشيخ باش مفتي بقفصة تداخل في أحوال البلاد في خدمة السياسة”، وصار يدا واحدة مع ابن عامل قفصة، فقد تمّ إخفاء العدد الحقيقي لعدد السكان الدافعين للضريبة، و”بعض أملاك أربابها غائبين، وفقرا(ء) يشتغلون بيهم العامل والمشايخ والشيخ باش مفتي المذكور ويبقونهم بغابة لمّا يقع الطلب كم الدولة العليّة، الحاضر يُقيموا فيه حجّة مُعدم والغائب يذكروا ملكه (أي أشجاره وأرضه) لم يأت بالغلّة لا زيتون ولا نخيل ولا غلّة أرض، وهذا دأبهم”، وأخذوا يُشوّهون سمعة كلّ من يُشكّك في أفعالهم”، وقد قامت الدولة بإرسال “شاوش وصحبته أربعة عساكر ينبه على البلد وعن جبالها في تحضير البغايا”، و”الشيخ المذكور” يعتقد أنّه “مهما يأتي عامل فإنّ نهج السبيل الذي يتمّ به غرضه…بجعل له مكاتيب وشكايات ويشغبه (أي يُلهيه) عن خدمته”[146].
نلاحظ من خلال فحصنا لرسائل الاستجداء المُرسلة للوزير الأكبر، دون باقي أعوان الدولة وفي مقدّمتهم الباي، سعيا ومحاولة لتشكيل نفوذ موازٍ لسلطة الباي مُمثّلا في الوزير الأكبر، وتأسيسا لشبكة نفوذ ومنبع للمعلومات والتجسّس لبّ رحاها الوزير الأكبر. ولهذا تُساعدنا رسائل الاستجداء على تبيّن خُطاطة نشأة علاقة زبونيّةتجمع بين الوزير الأكبر وعدد من الحلفاء المستفيدين من الخدمات والمنح التي يُقدّمها. ولهذا تُصبح الأزمة واحتياج الناس إلى خدمات عوان الدولة وسيلة لتشكيل المكانة والنفوذ. وقد ورد في أحد رسائل الاستعطاف مصطلحات مهمّة ودالّة وموحية، حيث أرسل رجل مكتوبا إلى الوزير الأكبر خير الدين قائلا “نحن عبيد الله ثمّ عبيدكم وأنتم أهل رأفة وحنانة”، طالبا إنصافه من “المخزن” الذي نزل عليه وعلى أهله ومنزله[147]. وقال رجل آخر لخير الدين أنّه “خادم” له ابن “خادم”، وعُرف عن عائلته الطاعة للمخزن و”خدمة ركابكم وتقبيل أياديكم”[148].
خاتمة :
استند الفاعل الاجتماعي في البلاد التونسية خلال الفترة قيد الدرس على أساليب عديدة لتشكيل شبكات نفوذه مثل المُصاهرة[149]، والوجاهة الدينيّة والاجتماعيّة (الشرف مثلا)[150]،والأعيانيّة[151]، والمكانة السياسيّة والثروة العقاريّة والماديّة[152]، والهيبة الاجتماعيّة والحضور الكاريزمي والكرم والجُود والأعطيات[153]، وطبيعة المهنة كعون للدولة (خاصة العسكريّة)[154]. كما اعتمدت السلطة أساسا على الصدقة والإحسان لتشكيل شبكة حلفاء متينة[155].
تبيّن لنا خلال هذا المقال أهميّة الاستجداء كاستراتيجيّة لجذب شبكة من الموالين لعدد مهمّ لأعوان الدولة المتنفّذين. والمثير أن الاستجداء ساهم في تواجد منابع عديدة للنفوذ والهيمنة ضمن السلطة الواحدة الحاكمة. فقد أبرزت لنا رسائل الاستعطاف اعتماد عدد من المستجدين على خزندار لمراجعة قرار للباي، وبيّنا تضمّن عدد من الرسائل مُبايعة لخزندار أو خير الدين في تجاهل تامّ للباي. وهذا ما حثّنا على التأكيد على استنتاج مهمّ: استفاد منصب الوزير الأكبر من الأزمة الاقتصادية والاجتماعيّة التي عاشتها البلاد التونسيّة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر (قبل 1881)، فلم يكن من مصلحة خير الدين وخاصة خزندار غياب مظاهر الأزمة، فغياب الأزمة يؤسّس لاختفاء المستجدين والمستعطفين، وبالتالي فقدان شبكة مهمّة من حلفاء والمُبايعين ومقدّمي الخدمات.
اشتملت رسائل الاستجداء المُرسلة أساسا إلى الوزير الأكبر على منابع غاية في الأهميّة للمعلومات، فقد كان المُستجدي مُخبرا وجاسوسا عند الضرورة. كما سعى المُستعطف إلى عرض خدماته على الوزير الأكبر لدون قيد أو شرط. ولهذا مثّل الاستجداء وسيلة غاية في الذّكاء والطرافة لتشكيل المكانة الاجتماعيّة والسياسيّة وتأسيس مثاليّ لشبكات علاقات متينة.
يُعبّر إذا تجذّر ممارسات الاستجداء والاستعطاف حرص المُستجدي على تواجد نمط مُعيّن للدولة بعيد كلّ البعد عن الدولة القوميّة ذات السيادة. مثّل نموذج الدولة الحديثة انتقال نظام الحكم من الدولة الراعية القادرة على المساومة والمفاوضة والقابلة للتنازل واقتسام المنافع، إلى دولة تطبيق قانون صارمة. دولة ما قبل الدولة القومية ذات السيادة هي دولة ذات علاقة حميمية مع رعاياها، فاتحة دائما الباب أم الصلح والحلول الوسط ومُقدّمة للإحسان والأُعطيات[156]. من هنا تبرز أهمّية سياسات الولاء والوفاء التي ارتكزت عليها الدولة ما قبل الحديثة، ولهذا اعتمد السكّان على رسائل الاستجداء والاستعطاف لوعيهم باعتماد الدولة على العطايا والمنح لتشكيل شبكات تحالف ونفوذ وولاءات. ونفهم أيضا من خلال دراستنا لرهانات الاستجداء تشبّث الفاعل الاجتماعي بالعلاقات الاجتماعيّة ذات البعد التراحمي (الدولة الأمّ الراعية) مقابل توجّسه من العلاقات التعاقديّة (الدولة المُحايدة: مواطن/سلطة).وقد استثمر عدد من أعوان الدولة هذا الأمر من أجل تأسيس شبكة علاقات ونفوذ ومصالح على حساب أطراف أخرى في السلطة. (الوزير الأكبر على حساب الباي).
وقد أبرزت لنا رسائل الاستجداء اعتماد السكّان على نمط للحكم مُشابه للعائلة الكبيرة المتكوّنة من الراعي (الأب) والرعيّة (الأبناء)، وقد تصادم هذا النمط مع مؤسسة الدولة القومية ذات السيادة المراهنة على العلاقات المحايدة المرتكزة على القانون والتنظيمات. وهذا ما ساهم، حسب رأينا، في فشل سياسات الإصلاح التي اتّبعتها السلطة التونسيّة مع تأسيس المجالس في ستينات القرن التاسع عشر (عهد الأمان: 1857/ المجلس البلدي: 1858/ المجلس الأكبر والضبطية: 1860/ الدستور: 1861)، فلم يتقبّل السكّان منطق الدولة الحديثة، وبقوا يتمثّلون الدولة وينظرون لها باعتبارها أمّا لا مؤسّسة.
قائمة المصادر والمراجع:
- الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46- 52
- هندريك سبروت، الدولة ذات السيادة ومنافسوها: تحليل لتغيير الأنظمة، ترجمة: خالد بن مهدي، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، 2018.
- وائل حلاّق، الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة: عمرو عثمان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت/الدوحة، الطبعة الرابعة، 2016.
- Abdelhamid Hénia(Sous la direction), Être notable au Maghreb : Dynamique des configuration notabiliaires, Institut de recherche sur le Maghreb contemporain, Maisonneuve et Larose, Paris, 2006
- Denis Slakta. « L’acte de « demander » dans les « Cahiers de doléances ». In: Langue française, n°9, 1971. Linguistique et société.
- Étienne Grieu, « Prier à l’école des « suppliants » de l’Évangile », In: Revue Lumen Vitae, 2016/1, (Volume LXXI).Fatma Ben Slimane, « Bâtir, fonder, restaurer… : De la bienfaisance comme stratégie de pouvoir dans la régence (17- 19 siècles) », in, Itinéraire d’un historien et d’une historiographie : Mélanges de DIRASET offerts a Mohamed Hédi Cherif, Sous la direction de : Abdelhamid Henia, Centre de publication universitaire, Laboratoire de recherche DIRASET, 2008.
- Flavio Ribeiro de Oliveira. « La supplication chez Homère : geste concret et abstraction ». In: Gaia : revue interdisciplinaire sur la Grèce Archaïque, numéro 14, 2011.
- Jean Verdon, « Prier », In: Être chrétien au Moyen Âge, Perrin, Paris, 2018.
- Leila Blili Temimi, Histoire de familles, mariages, répudiations et vie quotidienne à Tunis (1875- 1930), Script, 1999.
- M’hamedOualdi, « Acteurs et objets de procédures d’identification : les mamelouks au service des beys de Tunis (XVIIe – XIXe siècles) », Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée, 127, juillet 2010
- Mohamed El Aziz Ben Achour. «Les signes extérieurs de la notabilité citadine au début du siècle à Tunis ». In: Cahiers de la Méditerranée, n°45, 1, 1992. Bourgeoisies et notables dans le monde arabe (XIXe et XXe siècles) [Actes des colloques mai 1990 et mai 1991 à Grasse.
- Sami Bargaoui « Le baldi, entre histoire et droit », in, Itinéraire d’un historien et d’une historiographie : Mélanges de DIRASET offerts à Mohamed Hédi Cherif, Sous la direction de Abdelhamid Hénia, Université de Tunis, C.P.U, Tunis, 2008.
- Sophie Ferchiou (sous la direction de), Hasab wa nasab : Parenté, alliance et patrimoine en Tunisie, éditions du CNRS, Paris, 1992.
[1]Denis Slakta. « L’acte de « demander » dans les « Cahiers de doléances ». In: Langue française, n°9, 1971. Linguistique et société. pp. 58-73.
[2] Flavio Ribeiro de Oliveira. « La supplication chez Homère : geste concret et abstraction ». In: Gaia : revue interdisciplinaire sur la Grèce Archaïque, numéro 14, 2011. pp. 67-72
[3]Étienne Grieu, « Prier à l’école des « suppliants » de l’Évangile », In: Revue Lumen Vitae, 2016/1, (Volume LXXI), pp.57- 60.
[4] Jean Verdon, « Prier », In: Être chrétien au Moyen Âge, Perrin, Paris, 2018, pp. 217- 238.
[5]https://ontology.birzeit.edu/term/%D8%A7%D9%90%D8%B3%D9%92%D8%AA%D9%90%D8%AC%D9%92%D8%AF%D9%8E%D8%A7%D8%A1%D9%8C
[6]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80366.
[7]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 88 (30 جوان 1865).
[8]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80373.
[9]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80376 (جويلية 1841).
[10]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80380 (أكتوبر 1845).
[11]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80384 (26 ماي 1847).
[12]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80530 .
[13]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80522 (10 أكتوبر 1861).
[14]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80444.
[15]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80429 (25 فيفري 1860).
[16]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 57 (14 ديسمبر 1864).
[17]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 81 (8 ماي 1865).
[18]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 151.
[19]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 48، وثيقة عدد: 4.
[20]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 132 (2 سبتمبر 1878).
[21]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80496 (12 جوان 1861).
[22]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80389.
[23]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80515 (أوت 1861).
[24]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80509.
[25]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 18 (فيفري 1864).
[26]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 20 (28 ماي 1864).
[27]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة غير مرقّمة (جوان 1864).
[28]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 46 (19 أكتوبر 1864).
[29]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 99 (12 أكتوبر 1865).
[30]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 125 (17 سبتمبر 1876).
[31]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 126 (24 أوت 1876).
[32]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 135 (15 جانفي 1867).
[33]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 137 (29 سبتمبر 1876).
[34]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80392 (20 جوان 1849).
[35]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80518 (10 أكتوبر 1861).
[36]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80516 (15 سبتمبر 1861).
[37]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 78 (14 أفريل 1865).
[38]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 59 (مارس 1876).
[39]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 83 (3 جوان 1865).
[40]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 106 (جوان 1876).
[41]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80377 (1841).
[42]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80521 (2 أكتوبر 1861).
[43]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 95 (جويلية 1865).
[44]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 105 (أكتوبر 1865).
[45]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 65 (3 ماي 1876).
[46]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80383 (6 أفريل 1846).
[47]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80384 (26 ماي 1847).
[48]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 249 (1877).
[49]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 286 (23 أفريل 1877).
[50]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 12 (5 ديسمبر 1863)
[51]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 165.
[52]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 167.
[53]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 171.
[54]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 172 (18 أفريل 1867).
[55]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 48، وثيقة عدد: 11 (23 جوان 1870).
[56]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80473 (20 نوفمبر 1860).
[57]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80419.
[58]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 155 (22 أكتوبر 1866).
[59]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 52 (13 أفريل 1876).
[60]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 107 (29 جويلية 1876).
[61]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 300 (29 أفريل 1877).
[62]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80523 (13 أكتوبر 1861).
[63]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80385 (4 رجب 1263).
[64]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80518 (13 ربيع الأول 1278).
[65]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80518 (13 ربيع الأول 1278).
[66]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة غير مرقّمة (25 محرم 1281).
[67]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 13 (جمادى الثانية 1280).
[68]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 46 (18 جمادى الأوّل 1281).
[69]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 57 (رجب 1281).
[70]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 270 (ربيع الثاني 1294).
[71]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 56 (8 رجب 1281).
[72]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 85.
[73]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 124.
[74]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 153.
[75]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 48، وثيقة عدد: 8.
[76]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 66 (8 رمضان 1281).
[77]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 80 (3 ذي الحجة 1281).
[78]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 106 (جمادى الثانية 1282).
[79]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80425 (16 ربيع الأول 1276).
[80]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 48، وثيقة عدد: 23 (جمادى الثانية 1284).
[81]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 4 (28 ربيع الثاني 1280).
[82]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80378(1 جمادى الثانية 1259).
[83]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80381 (6 شوال 1262).
[84]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80507 (محرم 1278).
[85]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80506.
[86]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80494.
[87]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80483.
[88]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 84 (25 محرم 1282).
[89]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80607 (سنة 1279).
[90]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80599 (12 شوال 1279).
[91]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 89 (صفر 1282).
[92]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 19 (15 شوال 1280).
[93]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80578 (آخر ربيع الثاني 1279).
[94]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 116 (9 شعبان 1282).
[95]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 220 (محرّم 1294).
[96]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 273 (3 ربيع الثاني 1294).
[97]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80566 (صفر 1279).
[98]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 258 (ربيع الأول 1294).
[99]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 267 (ربيع الثاني 1294).
[100]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80565 (صفر 1272).
[101]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80511 (29 محرم 1278).
[102]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 6 (1 جمادى الأول 1280).
[103]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 78 (8 ذي القعدة 1281).
[104]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 48، وثيقة عدد: 19.
[105]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 72 (ربيع الثاني 1293).
[106]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 210 (ذي الحجة 1293).
[107]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 69 (4 شوال 1281).
[108]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 8 (9 جمادى الأولى 1280).
[109]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 40 (17 ربيع الأول 1281).
[110]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 206 (ذي الحجة 1293).
[111]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 207 (ذي الحجة 1293).
[112]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 219 (محرّم 1294).
[113]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 13 (محرم 1293).
[114]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 17 (محرم 1293).
[115]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 22 (1 صفر 1293).
[116]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 34 (23 صفر 1293).
[117]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 41 (صفر 1293).
[118]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 48 (3 ربيع الأول 1293).
[119]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 176 (22 ذي القعدة 1293).
[120]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 184 (ذي القعدة 1293).
[121]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 103 (جمادى الثانية 1282).
[122]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 100 (جمادى الثانية 1282).
[123]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 156 (17 شوال 1293).
[124]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80503.
[125]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80495.
[126]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80447 (ذي القعدة 1276).
[127]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 13 (5 رجب 1280).
[128]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80471 (ربيع الثاني 1277).
[129]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80469.
[130]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80455 (16 محرّم 1277).
[131]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80454 (6 محرم 1277).
[132]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80431 (14 شعبان 1276).
[133]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80448 (ذي القعدة 1276).
[134]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 2.
[135]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80527 (16 جمادى الأولى 1278).
[136]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80524 (19 ربيع الثاني 1278).
[137]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 46، وثيقة عدد: 80513.
[138]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة غير مرقّمة (30 محرم 1281).
[139]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 148 (ربيع الثاني 1283).
[140]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 161 (رجب 1283).
[141]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 133 (24 ذي الحدة 1282).
[142]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 130 (ذي الحجة 1282).
[143]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 47، وثيقة عدد: 143 (صفر 1283).
[144]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 5 (3 محرم 1293).
[145]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 8 (18 محرم 1293).
[146]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 169 (13 ذي القعدة 1293).
[147]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 3 (7 محرم 1293).
[148]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 55، الملف: 602، الملف الفرعي: 52، وثيقة عدد: 141 (20 رمضان 1293).
[149]Leila Blili Temimi, Histoire de familles, mariages, répudiations et vie quotidienne à Tunis (1875- 1930), Script, 1999
[150] Mohamed El Aziz Ben Achour. «Les signes extérieurs de la notabilité citadine au début du siècle à Tunis ». In: Cahiers de la Méditerranée, n°45, 1, 1992. Bourgeoisies et notables dans le monde arabe (XIXe et XXe siècles) [Actes des colloques mai 1990 et mai 1991 à Grasse, 105-116
[151] Sami Bargaoui« Le baldi, entre histoire et droit », in, Itinéraire d’un historien et d’une historiographie : Mélanges de DIRASET offerts à Mohamed Hédi Cherif, Sous la direction de Abdelhamid Hénia, Université de Tunis, C.P.U, Tunis, 2008, 105- 123
[152] Sophie FERCHIOU(sous la direction de), Hasab wa nasab : Parenté, alliance et patrimoine en Tunisie, éditions du CNRS, Paris, 1992
[153]Abdelhamid Hénia(Sous la direction), Être notable au Maghreb : Dynamique des configuration notabiliaires, Institut de recherche sur le Maghreb contemporain, Maisonneuve et Larose, Paris, 2006
[154] M’hamedOualdi, « Acteurs et objets de procédures d’identification : les mamelouks au service des beys de Tunis (XVIIe – XIXe siècles) », Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée, 127, juillet 2010
[155] Fatma Ben Slimane, « Bâtir, fonder, restaurer… : De la bienfaisance comme stratégie de pouvoir dans la régence (17- 19 siècles) », in, Itinéraire d’un historien et d’une historiographie : Mélanges de DIRASET offerts a Mohamed Hédi Cherif, Sous la direction de : Abdelhamid Hénia, Centre de publication universitaire, Laboratoire de recherche DIRASET, 2008, p.125- 135
[156] وائل حلاّق، الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة: عمرو عثمان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت/الدوحة، الطبعة الرابعة، 2016؛هندريك سبروت، الدولة ذات السيادة ومنافسوها: تحليل لتغيير الأنظمة، ترجمة: خالد بن مهدي، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، 2018.