نقد الشعر في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير
Criticism of poetry in the book al-Kamil fi al-Tarikh by Ibn al-Atheer
الدكتور سليمان إبراهيم عبدالله إبراهيم ـ جامعة الخرطوم- كلية التربية- قسم اللغة العربية ـ السودان
Suleiman Ibrahim Abdalla Ibrahim University of Khartoum – College of Education – Department of Arabic Language ـ Sudan
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 71 الصفحة 57.
Abstract
The study aims at identifying Ibn Al athier views about the poetry that he has mentioned about the historical events he has presented , in addition to its critical value which cannot be separated from the aim of the study . This is due , to the sense that his poetry will be considered as anthology of history although it’s a source of literature. The study ends with many findings ; firstly his critical views in the book of history of Iben Alathier is reactive criticism in which the critic is not digging deeper in the text or reasoning the critical judgment he is claiming the author cannot be blamed because the book is of historical nature. Secondly , most of Iben Alathier views are about the length of poems , their fame or the quality of what he has chosen and in a few words. There are a few opinions that can be entered into deep criticism or reasoning as his views about poetry’s rhythm ,meter or what is concerned with plagiarism.
Keywords: in-depth criticism, influential criticism, plagiarism
مستخلص:
هدفت الدراسة إلى بيان آراء ابن الأثير في الشعر الذي أورده تدليلا على الأحداث التاريخية التي ساقها، وقيمتها النقدية التي لا تنفصل عن أهمية الدراسة في كونها في سفر من أسفار التاريخ، بيد أنّه مصدر من مصادر الأدب. خلصت الدراسة إلى عدة نتائج أهمها: جاءت الآراء النقدية في كتاب الكامل لابن الأثير من قبيل النقد التأثري، الذي لا يُلقِ صاحبه نظرة متعمقة للنص، أو تعليل الحكم النقدي الذي أطلقه. ولا يلام المؤلف في ذلك لأن مؤلفه في التاريخ. معظم آراء ابن الأثير النقدية كانت في طول القصائد أو شهرتها أو جودة ما اختار منها في كلمات مقتضبة. هناك آراء قليلة تدخل في النقد المعمّق كآرائه حول أوزان الشعر وقوافيه ( الإقواء- ضبط الشعر) وما يتعلق بالانتحال؛ أي نسبة أبيات لغير قائلها.
الكلمات المفتاحيّة: النقد المعمّق، النقد التأثريّ، الانتحال.
المقدمة
تعد الكتب التاريخية القديمة مصادر لتاريخ الأدب خاصة الشعر لاهتمام مؤلفيها بإيراد الشعر تدليلاً على ما ساقوه من أحداث تاريخية ولعلّ سير العلوم العربيّة متكاملة ردحًا من الزمان له بالغ الأثر في وجود علوم مختلفة داخل السفر الواحد، وكذا موسوعيّة العلماء الأوائل وإحاطتهم بجملة من العلوم والفنون، وليس كتاب الكامل في التاريخ بدعا من هذه المؤلفات، لذلك جاء عنوان الورقة: نقد الشعر في كتاب الكامل في التأريخ لابن الأثير، حيث أن أهمية الدراسة تنبع من كونها دراسة النقد في كتاب ليس له علاقة بالنقد وتهدف إلى بيان نقد ابن الأثير للشعر الذي أورده في خضم سرده للأحداث التاريخية ومعرفته وتذوقه لها. اتبعت الدراسة المنهج الوصفي بإيراد الأبيات ورأي المؤلف فيها دونما تدخل وصولاً إلى النتائج والتقييم لآرائه النقدية التي وافقت في مجملها رأي القراء المطلعين على تلك الأشعار .
جاءت الورقة في مقدمة ثم تناولت بإيجاز المؤلف وكتابه ثم آراؤه النقدية للشعر الذي أورده في العصر الجاهلي، ثم آراؤه النقدية للشعر الوارد في كتابه في العصور الإسلامية التي شملت عهد البعثة والخلافة الراشدة وعهد الأمويين ثم العصور العباسية حتى نهاية تأليف الكتاب 628ه، ثم خاتمه بها أهم النتائج وثبت بأهم المصادر والمراجع التي استقيت منها معلومات الورقة .
المؤلف وكتابه
اتفق المترجمون في اسم المؤلف وكنيته ولقبه فقالوا: (هو أبوالحسن علي بن أبي الكرم محمد بن عبدالكريم بن عبدالواحد الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري الملقب بعز الدين )( ) مع تقديم وتأخير وتوسط في الكنية واللقب، ينسب إلى بني بكر بن وائل بن ربيعة ( ) ولعل النسب القبليّ واضح، ونجد في نص الذهبيّ نسبته كذلك إلى بلدين (الجزيرة والموصل ) أما الموصل فمدينة معروفة بشمال العراق حيث عاش فيها مع والديه وتلقى تعليمه فيها، أما الجزري فنسبة لجزيرة أبي عمر حيث ولد( ). حفظ ابن الأثير القرآن مبكرًا ثم اتجه لدراسة العلوم الأخرى على عادة أهل عصره، واشتهر بكتابته في التاريخ الذي جمع فيه معظم تآليفه، فمن مؤلفاته اللباب في تهذيب الأنساب، وأُسد الغابة في معرفة الصحابة، والتاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، والكامل في التاريخ الذي منه الموضوع المختار للدراسة وسنفرد له مجال للتعريف به.
ذكر ابن الأثير عدد من شيوخه الذين تتلمذ عليهم بدءًا بأبيه وابن أفضل الزمان( ) وابن روحة الحموي( ) وابن صدقة وابن كليب الحراني وغيرهم ( ) تتلمذ عليه كثيرون لم يؤثرهم بذكر في تواريخه وأغفلتهم كتب التراجم التي لم تحتفظ إلاّ بالأسماء لقلّة منهم، منهم: عبدالله بن محمد الدبيثي، والقوصي شهاب الدين محمد بن هبة الله ابن جرادة، وسنقر القضائي( ) وقد نوّه العلماء بذكر ابن الأثير وعلمه حيث قال عنه الذهبيّ: كان صدراً معظماً كثير الفضائل( )، وقال عنه ابن العماد الحنبلي: كان إماماً مؤرخاً إخباريّا أديباً ننبيلاً محتشماً . اتفق مَن ذكر وفاته وأرخ له من أصحاب التراجم إنه توفي في شعبان سنة 630 ه مع اختلاف في يوم وفاته( ) ومنهم من لم يقيِّن يوماً ولا شهراً لوفاته( ) ومنهم من أرّخ لوفاته في رمضان( ) وواضح من قصر مدى الاختلاف في وفاته شهرته العظيمة التي طبقت الآفاق.
الكامل في التاريخ لابن الأثير
يعد الكامل في التاريخ أحد أهم الحوليات التاريخية والإسلامية؛ وذلك لشموليته فهو يبدأ ببدء الخلق ويختتم بذكر حوادث سنة 628ه حيث تتبع أحداث العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه ولأن حياة بن الأثير (555- 630ه ) قد أرخها بنفسه تعد لحظات فارقة في تاريخ العالم الإسلامي اجتمع فيه غزو الفرنجه لبلاد مصر والشام (الحروب الصليبية) وزحف التتار من أقصى المشرق لغزو العالم وظهرت فيه طائفة من ألمع شخصيات العصور الوسطى أمثال: نور الدين محمود زنكي، وصلاح الدين الايوبي وجنكيز خان . كتب ابن الأثير سفره هذا بأسلوب سلس مرسل مبتعدًا من الزخارف اللفظية والألفاظ الغريبة معتمدًا على الإسلوب الخبري، عباراته موجزة واضحة قال في تقديمه للكتاب (إن كان ومازال محباً لمطالعة كتب التاريخ ومعرفة ما فيها مؤثرا على الجلي من حوادثها وخافيها مائلا إلى المعارف والآداب والتجارب المودعة في مطاويها، فلمّا تأملتُها رأيتُها متباينه في تحصيل الغرض يكاد جوهر المعرفة يستحيل لعرض، فمن بين مطول قد استقصى الطرق والروايات، ومختصر أخلّ بكثير مما هو آت ومع ذلك فقد ترك لهم الكثير من الحادثات والمشهور من الكائنات وسوّد كثير منهم الاوراق بصغائر الإمور التي أعرض عنها الأول، وقد أرخ كل منهم إلى زمانه، وجاء بعده من ذيّل عليه، وأضاف المستجدات بعد تأريخه إليه، والشرقيّ منهم قد أخل بذكر أهل الغرب، والغربيّ قد أهمل أحوال الشرق فكان الطالب إذا أراد أن يطالع تأريخا متصلا إلى وقته يحتاج إلى مجلدات كثيرة وكتب متعدده مع ما فيها من الإخلال والإملال) ولعل النص أعلاه وهو من المقدمة بيّن فيه المؤلف هدفه من تأليف كتابه ومنهجه العلميّ المحايد ثم واصل قائلا (ولما رأيت الأمر كذلك شرعتُ في تأليف تأريخ جامع لأخبار الشرق والغرب وما بينهما ليكون تذكرة لي أراجعه فوق النسيان، وآتي فيه بالحوادث والكائنات من أوّل الزمان متتابعة يتلو بعضها بعضاً إلى وقتنا هذا وسميته اسماً يناسب معناه وهو (الكامل في التاريخ) ولا أقول إني قد أتيت على جميع الحوادث المتعلقة بالتاريخ فإنّ من هو بالموصل لا بد أن يشذ عنه ما هو بأقصى الغرب ولكن أقول إنّني قد جمعتُ في كتابي هذا ما لم يجتمع في كتاب واحد )
اعتمد ابن الأثير في تأليفه لكتاب الكامل على عدة موارد أهمها: تاريخ الطبري، وتاريخ ثابت بن سنان، وتجارب الأمم لابن مسكويه، والتاريخ لهلال بن الحسن بن الحسن ابن أبي اسحق الصابيء، وتكملة تاريخ الطبري لمحمد بن عبد الملك، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي، والملل والنحل للشهرستاني، وأنساب الأشراف للبلاذري، وتاريخ ملوك الأرض والأنبياء لحمزة الأصفهاني، وجذوة المقتبس للحميدي…. الخ
اتبع ابن الاثير المنهج الحولي لكتابه؛ أي يؤرخ لكل عام والمقياس عنده صحة الإسناد ولم يكن ناقلا للتواريخ بل يحلل ويعلق على الأحداث ويذيّل السنة بأسماء من توفى من المشاهير ويترجم للشعراء ترجمة كاملة داخل متن الكتاب، قال طليمات في ذلك ( وجدت ابن الأثير يترجم للشعراء ترجمة كاملة داخل متن الكتاب ثم يضيف بعض الأبيات الناقصة من القصيدة على هامش الكتاب وأيضا يضيف بعض المعلومات المتعلقة بالشاعر ويشرح غامض الكلمات كما جرّد التراجم من المعلومات والتواريخ العامة ورفع الأنساب حتى ألحقها بالقبيلة ) أما تقسيم الكتاب فكان على هذا النحو: افتتح الكتاب بذكر بدء الخليقة وقصص الأنبياء عليهم السلام حتى صعود السيد المسيح عليه السلام، ثم أخبار الهجرات العربية وأيام العرب قبل الإسلام، فالسيرة النبوية منذ البعثة حتى حوادث سنة (11ه) وافتتح المجلد الثاني بذكر مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته حتى حوادث سنة 65ه، ووصل في المجلد الثالث إلى حوادث سنة (168ه) والرابع إلى آخر خلافة المقتدر سنة (295)ه والخامس حتى سنة (312ه) والسادس حتى سنة (327ه) والسابع حتى (389 ه) ، والمجلد الثامن حتى سنة (488ه) والتاسع حتى سنة (561ه) وهو أهم جزء في الكتاب وفيه الكثير من مشاهداته وذكرياته، والعاشر حتى سنة (628ه) وبه ينتهي كتاب الكامل الذي اعتمدتُه للدراسة، وبه مجلد كامل مخصص للفهارس وهو الحادي عشر. وواضح أن التقسيم معتمِد كذلك على كثافة الأحداث في كل جزء لأن السنوات غير متساوية. هذا وقد أثّر كتاب الكامل في التاريخ على كتابات المؤرخين الذين جاءوا بعد ابن الأثير إذ عدوه المرجع أو المصدر الشامل المحيط لما كتبوه من تاريخ، فمن الكتب التي تأثرت به: كتاب تاريخ الإسلام للإمام الذهبيّ، وكتاب مرآة الزمان لابن الجوزي، وسلسلة التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، ودولة السلاجقة لدكتور علي محمد الصلابي، وكتاب في التاريخ العباسي والدولة الفاطمية للدكتور أحمد مختار العبادي ،… الخ
نقد ابن الأثير للشعر في الكامل:
كتاب الكامل في التاريخ كتاب تاريخ وليس كتاب أدب أو نقد أو لغة، بيد أن تكامل المعارف والعلوم خاصة في عصور الأدب العربيّ الزاهية جعلت العلوم متداخلة وأصحاب التآليف مجيدون في ضروبها جميعا، وغنيّ عن القول أن كتب التاريخ في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية مصدرًا من مصادر الأدب وخزانة من خزائن شعره ونثره، فلا غرو أن يكون لمؤلفي هذه الكتب نظرات نقدية غير مقصودة لما أوردوه من أشعار وأقوال مأثورة، استشهاداً على الأحداث التاريخية، وليس ابن الأثير بدعاً في هذا. وسأتناول هنا ما أورده في نقده للشعر، وسأقسّم نقده للشعر إلى قسمين: نقده للشعر الجاهلي، ونقده للشعر في العصور الإسلامية.
نقد ابن الأثير لما أورده من أشعار جاهليّة:
عند ذكر صاحب الكامل أخبار اردشير بن بابك وملوك الفرس الآخرين بعده قال: انتقلت إياد حينئذ إلى الجزيرة وصارت تغير على السواد فجهّز سابور الجيوش ووجهها نحوهم وكان لقيط الأيادي معهم فكتب إلى إياد:
سلام في الصحيفة من لقيط
بأن الليث كسرى قد أتاكم
أتاكم منهم ستون ألفًا
إلى من بالجزيرة من إياد
فلا يشغلكم سوق النقاد
يزجون الكتائب كالجراد
فلم يعيروا ما قالة اهتمام وداموا على الغارة فكتب إليهم أيضا:
أبلغ إيادا وخلل في سراتهم
إني أرى الرأي إن لم أُعص قد نصعا
فقال ابن الأثير: وهي قصيدة طويلة من أجود ما قيل في صفة الحرب. وأورد ابن الأثير قول أعشى بكر في وقعة ذي قار
أمّا تميم فقد ذاقت عداوتنا
وجند كسرى غداة الحنو صبّحهم
لقوا ململمة شهباء يقدمها
فرعٌ نمته فروعٌ غيرُ ناقصةٍ
فيها فوارس محمود لقاؤهم
لمّا التقينا كشفنا عن جماجمنا
وقيس عيلان مسّ الخزي والأسف
منّاغطاريف تزجي الموت فانصرفوا
للموت لا عاجز فيها ولا خرفُ
موفّق حازم في أمره أنفُ
مثل الأسنّة لا ميل ولا كشفُ
ليعلموا أننا بكرٌ فينصرفوا
قال ابن الأثير: ذكرت هذه الأبيات لأنه فصّل الواقعة حتى كأنّ القارئ حاضرًا. وذلك لتأثره منها في حالتي الاصطدام والغلبة وهي نعم الوثيقة .
وذكر أيضا: لمّا مات امرؤ القيس سار الحارث بن أبي شمر الغساني إلى السموأل بن عادياء وطالبه بأدرع امرئ القيس فلم يعطه، فأخذ الحارث ابناً للسموأل وقال: إمّا أن تسلم الأدرع وإما قتلتُ ابنك فأبى السموأل وقتل الحارث ابنه، فقال الأعشى في هذه الحادثة:
كن كالسّموأل إذ طاف الهمامُ به
قد سامه خطّتي خسف فقال له
فقال ثكل وغدر أنت بينهما
فشكّ غير طويل، ثمّ قال له
في جحفل كسواد الليل جرّار
قل ما بدا لك إني سامع حار
فاختر وما فيهما حظّ لمختار
أقتل أسيرك إنّي مانع جاري
أورد ابن الأثير قول مهلهل كأول شعر قيل في حادثة قتل كليب
كنا نغار على العواتق أن ترى
فخرجن حين ثوى كليبٌ حسرا
فترى الكواعب كالظباء عواطلا
خمشن من أدم الوجوه حواسرا
بالأمس خارجة عن الاوطان
مستيقنات بعده بهوان
إذ حان مصرعه من الأكفان
من بعده ويعدن بالأزمان
قال ابن الاثير البيت الأول غث ساقط يدرك صاحب الذوق الفرق بين ما قبله وبينه وهو مشتمل على ضرورات لا تليق بعربي مطبوع وعلق على البيت الثالث قائلا به تركيب سخيف وهي قصيدة طويلة. وأورد أيضا من قول مهلهل بالقرب من قبر كليب
إنّ تحتَ التراب حزمًا وعزمًا
حية في الوجار أربد لا
وخصيماَ ألدّ ذا مغلاق
ينفع منه السليمَ نفتُ الراقي
قال: هذا هو الشعر الفحل لا ما تقدّم ولعلّ الأوّل منحول. فابن الاثير قارن بين الأبيات الأولى لمهلهل وانتقدها مطوّلا بعض الشئ، وأخّر حكمة بترجيح نحل الأبيات إلى بعد إيراده البيتين الأخيرين. أورد ابن الأثير أشعاراً كثيرة لمهلهل في أخيه كليب راثيا منها قوله:
أهاج قذاء عيني الادّكار
وصار الليل مشتملا علينا
وبت أراقب الجوزاء حتى
أصرّف مقلتي في إثر قوم
وأبكي والنجوم مطلعات
هدوءا فالدموع لها انحدار
كأن الليل ليس له نهار
تقارب من أوائلها انحدار
تباينت البلاد بهم فغاروا
كان لم تحوها عني البحار
ج
-إلى آخر القصيدة- وهي من غرر المرثيات، وقد أثبت فيها قوة إرادته وصدق قوله حتى إنه لم يخلع درعه أربعين سنة، قال صاحب الكامل : ومن شعر مهلهل أيضا في يوم عنيزة
كأنا غدوة وبني أبينا
فلولا الريح أسمع أهل حجر
بجوف عنيزة رحيا مدير
صليل البيض تقرع بالذكور
هذان البيتان من قصيدة طويلة أوردها أبو علي القالي في أماليه، وقد اشتملت على معظم الحروب – يعني معارك حرب البسوس- فهي خير تاريخ لتلك الحروب، وتدل أيضا القصيدة التي منها البيتان إنها آخر قصائده في حرب البسوس؛ لانّ فيها ذكر مقتل بجير وجساس
أورد بن الأثير أيضًا بيتين من قصيدة طويلة قالها علقمة بن عبدة في مدح الحارث بن أبي شمر :
طَحَا بِكَ قَلْبٌ في الحِسَانِ طَرُوبُ
بُعَيْدَ الشَّبَابِ عَصْرَ حانَ مَشِيبُ
يُكَلِّفُنِي لَيْلَى وقد شَطَّ أهلها
وعادَتْ عَوَادٍ بيننا وخُطُوبُ
وفي ذكر صاحب الكامل لمقتل مالك بن زهير، أورد بعض من أبيات قصيدة للربيع بن زياد في ذلك
منعَ الرقادَ فما أغمضُ ساعة
منْ كان مسروراً بمقتلِ مالكٍ
يجدِ النساءَ حواسراً يندبْنَه
يضربنَ حرّ وجوههنَّ على فتى
قد كنّ يكتمن الوجوه تستّرا
أفبعْد مقتلِ مالكِ بن زهيرٍ
جزعاً من النبأ العظيم الساري
فليأتِ نسوتَنَا بضوءٍ نهارِ
ويقمن قبل تبلج الأسحار
ضخم الدسيعة غير ما خوّار
فاليوم حين برزنَ للنظّار
ترجو النساءُ عواقبَ الأطهارِ
اكتفى ابن الأثير بذكر هذه الأبيات وقال: وهي أطول من ذلك. ونلاحظ ان ابن الأثير في كثير من الحوادث وأيام العرب التي أكثر الشعراء القول شعرًا فيها يذكر بعض الأبيات ويقول: هي طويلة. وفي بعض الأحيان يذكر من القصيدة أبياتًا متفرقة وربما أشار بذلك إلى طول نفس الشاعر ومن ذلك قوله: قال قيس بن زهير في وقعة البوار
أَقَامَ عَلَى الْهَبَاءَةِ خَيْرُ مَيْتٍ
لَقَدْ فُجِعَتْ بِهِ قَيْسٌ جَمِيعًا
وَعُمَّ بِهِ لِمَقْتَلِهِ بَعِيدٌ
وَأَكْرَمُهُ حُذَيْفَةُ لَا يَرِيمُ
مَوَالِي الْقَوْمِ وَالْقَوْمُ الصَّمِيمُ
وَخَصَّ بِهِ لِمَقْتَلِهِ حَمِيمُ
ويعقب ابن الأثير بقوله: إنها طويلة، وإن الشعراء أكثروا من قول الشعر في ذلك اليوم ولم يذكر سوى هذه الأبيات من قصيدة والتعقيب بأنها من أبيات عدة مثل إيراده قول متمم بن نويرة
أَبْلِغْ شِهَابَ بَنِي بَكْرٍ وَسَيِّدَهَا
أُرْوِي الْأَسِنَّةَ مِنْ قَوْمِي فَأُنْهِلُهَا
لا يطيفون إن هبّ النيام ولا
أشجى تميم بن مرة لا مكايدة
هلاّ أسيراً فدتك النفس تطعمه
أعَنِّي بِذَاكَ أَبَا الصَّهْبَاءِ بِسْطَامَا
فَأَصْبَحُوا فِي بَقِيعِ الْأَرْضِ نُوَّامَا
في مرقد يحملون الدهر أحلاما
حتى استعادوا له أسرى وأنعاما
مما أراد وقدماً كنت مطعاما
وذكره لأبيات بشر بن أبي حازم في يوم الجِفار :
غَضِبَتْ تَمِيمٌ أَنْ يُقَتَّلَ عَامِرٌ
كُنَّا إِذَا نَفَرُوا لِحَرْبٍ نَفْرَةً
نَعْلُو الْفَوَارِسَ بِالسُّيُوفِ وَنَعْتَزِي
يَخْرُجْنَ مِنْ خَلَلِ الْغُبَارِ عَوَابِسًا
يَوْمَ النِّسَارِ فَأَعْقَبُوا بِالصَّيْلَمِ
نَشْفِي صُدَاعَهُمْ بِرَأْسٍ صِلْدِمِ
وَالْخَيْلُ مُشْعَلَةُ النُّحُورِ مِنَ الدَّمِ
خَبَبَ السِّبَاعِ بِكُلِّ لَيْثٍ ضَيْغَمِ
وعلّق عليها في نهايتها بأنها عدة أبيات.
وأيضًا ذكر لذات الشاعر أبياتًا في يوم الوقيط يمدح بها أوس بن حارثة :
أَتَعْرِفُ مِنْ هُنَيْدَةَ رَسْمَ دَارٍ
وَمِنْهَا مَنْزِلٌ بِبِرَاقِ خَبْتٍ
بِحَرْجَيْ ذُرْوَةٍ فَإِلَى لِوَاهَا
عَفَتْ حُقُبًا وَغَيَّرَهَا بِلَاهَا
علّق عليها بقوله: وهي قصيدة طويلة ومشهورة، والدليل على ذلك فقد سبق لهذا الشاعر إن هجا طي بخمس قصائد وعوضهم بمثلها، مدحا ورثاءاً.
أيضا من أساليب نقد ابن الأثير للشعر إيراده أبيات تفي بغرضه في الاستشهاد في حادثة ما، والتعليق في نهايتها بذكر معنى أبيات في حادثة أو السبب الذي قيلت من أجله دون إيراد الشعر، ومن ذلك إيراده لقول طريف بن تميم العنبري والتي قيل أنها تسببت في يوم مبايض وذلك قوله
حَولي فوارس مِنْ أُسيْدٍ شِجْعَةٌ
تحتِي الأغرُّ وفوقَ جِلدِي نثرةٌ
وإذَا غَضِبْتُ فَحَوْلَ بيتِي خَضَّمُ
زغف ترد السَّيْف وَهُوَ مثلم
ففي الأبيات لم يأت ذكر اليوم ولعلها من أبيات أخرى لم يذكر في قصيدة طريف العنبري هذه وذكره لأبيات بشر بن حازم في يوم الجفار وعلق في نهايتها بأنها عدة أبيات
يختصر ابن الأثير أبيات الشعر في بعض الأحداث ويعلق عليها كما ذكر آنفا بأنها طويلة مثلا تركناها كراهية التطويل، وفي أحايين أخرى يورد قصائد بكاملها، ومن أمثلة ذلك قصيدة ليحي الذهليّ افتخر بها بأيام قومه، لم يذكر منها صاحب الكامل إلاّ بيتاً واحداً مع تعليقه: فيها آداب السنة ولكن تركناها كراهية التطويل .
أمن عرفان منزلة ودار تعاورها البوارح والسواريّ
فهنا اكتفاء بالمطلع فقط مع التنويه بها.
ومن آرائه النقدية الأخرى إيراده لشعر صليع في حرب بن سليم وشيبان وعلق على آخر الأبيات بقوله هذا البيت فيه إقواء حيث رفع المجرور والأبيات هي:
نَهَيْتُ بَنِي زَعْلٍ غَدَاةَ لَقِيتُهُمْ
وَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ الْحَرِيبَ وَرَاكِسًا
وَلَكِنَّ فِيهِ الْمَوْتَ يَرْتَعُ سِرْبُهُ
مَتَّى تَأْتِهِ تَلْقَى عَلَى الْمَاءِ حَارِثًا
وَجَيْشَ نَصِيبٍ وَالظُّنُونُ تُطَاعُ
بِهِ نَعَمٌ تَرْعَى الْمُرَارَ رِتَاعُ
وَحُقَّ لَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا وَيُطَاعُوا
وَجَيْشًا لَهُ يُوفِي بِكُلِّ بِقَاعِ
يلحظ في نقد ابن الأثير للأرجاز يذكر أول الأرجوزة ويعلق عليها بقوله : ومنها ، أو يقول وفيها ويأتي بالرجز من ذلك ذكره ليوم الزويرين حيث قال وقد أكثر الشعراء في ذكر هذا اليوم ولا سيما الاغلب العجلي ومن ذلك أرجوزته التي أولها:
إن سرك العز فجحجح بشجم
يقول فيها :
جَاءُوا بِزَوْرَيْهِمْ وَجِئْنَا بِالْأَصَمْ
شَيْخٍ لَنَا كَاللَّيْثِ مِنْ بَاقِي إِرَمْ
شَيْخٌ لَنَا مُعَاوِدٌ ضَرْبَ الْبُهُمْ
يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ إِذَا الرُّمْحُ انْقَصَمْ
هَلْ غَيْرُ غَارٍ صَكَّ غَارًا فَانْهَزَمْ
وبعد ذكره مقطوعته هذه من الارجوزة السابقة قال : وله فيها أرجوزته التي اولها
يا رب حرب ثرة الاخلاق
وهو بيّن أن الراجز ذكر هذا اليوم في أرجوزته التي لم يذكر منها إلاّ هذا البيت الذي جاء خلوا من ذكر الزويريين التي لا شك أنه ذكرها في الأرجوزة بعد هذا البيت
نقد ابن الاثير للشعر في العصور الإسلامية
هنا نتتبتع الآراء النقدية لابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ فيما أورد من شعر في كل العصور الإسلامية منذ البعثة حتى نهاية تاريخه 628ه وتشمل عهد البعثة والخلافة الراشدة والعهد الأُموي والعصور العباسية، ولعلنا نقف عند تعليقاته على أبيات الشعر بعد إيرادها في المناسبات ومناسباتها، ويذكر أحيانا على سبيل الاختيار جزءا كبيرا من أبيات القصيدة ويذيّل بقوله: وهي أكثر من ذلك. قال ابن الأثير في غزوة بدر: كان الأسود بن عبد يغوث قد أصيب له ثلاثة من ولده وذهب بصرة من كثرة البكاء عليهم وبينما هو كذلك سمع امرأة تبكي على بعير لها أضلته، فقال:
أَتَبْكِي أَنْ يَضِلَّ لَهَا بَعِيرٌ
وَلَا تَبْكِي عَلَى بَكْرٍ وَلَكِنْ
عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بَنِي هُصَيْصٍ
وَبَكِّي إِنْ بَكَيْتِ عَلَى عَقِيلٍ
وَبَكِّيهِمْ وَلَا تَسَمِّي جَمِيعًا
أَلَا قَدْ سَادَ بَعْدَهُمْ أُنَاسٌ
وَيَمْنَعَهَا مِنَ النَّوْمِ السُّهُودُ
عَلَى بَدْرٍ تَقَاصَرَتِ الْجُدُودُ
وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبِي الْوَلِيدِ
وَبَكِّي حَارِثًا أَسَدَ الْأُسُودِ
فَمَا لِأَبِي حَكِيمَةَ مِنْ نَدِيدِ
وَلَوْلَا يَوْمُ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا
قال ابن الأثير ناقدًا الأبيات: لهذا البيت والبيتان اللذان بعده -يعني الثالث والرابع والخامس- مجرورات والتي تظهر مدخلة في القصيدة ولا حاجة أن نقول في القصيدة إقواء وهي اختلاف المجرى في كسر وضم فذاك في البيت الواحد، أما وقد اتفقت ثلاثة أبيات فالأظهر إنها وحدها قصيدة وكذلك الثلاثة المرفوعة
أورد ابن الأثير بعض أبيات لعبد الله بن الزبعرى السهمي( ) يعتذر فيها للرسول صلى الله عليه وسلم وهي قوله ( ):
يَا رَسُولَ الْمَلِيكِ إِنَّ لِسَانِي
إِذْ أُبَارِي الشَّيْطَانَ فِي سُنَنِ الْغَيِّ
آمَنَ اللَّحْمُ وَالْعِظَامُ بِرَبِّي
رَاتِقٌ مَا فَتَقْتُ إِذْ أَنَا بُورُ
وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُورُ
ثُمَّ نَفْسِي الشَّهِيدُ أَنْتَ النَّذِيرُ
ثم عقّب قائلاً ( له أشعار كثيرة غير ذلك يعتذر فيها للرسول صلى الله عليه وسلم). وفي حادثة مقتل سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) أورد ابن الأثير أشعارًا كثيرة تنم عن غضبه واستنكاره للفاجعة، وأثبت أشعارًا لحسان بن ثابت، وقال تعليقاً عليها ( وقد زاد أهل الشام هذا البيت ولم أر له وجهاً) يعني ما فيه من ذكر لعلي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) ( )
يَا لَيْتَ شِعْرِي وَلَيْتَ الطَّيْرَ تُخْبِرُنِي مَا كَانَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَابْنِ عَفَّانَا
أورد صاحب الكامل أيضاً أبيات من الشعر لامرأة تبكي ولداها وكانت لا تعقل ولا تصغي ولا تزال تنشدهما في المواسم، وهي زوجة عبيدالله بن عباس وهي قولها ( )
يَا مَنْ أَحَسَّ بُنَيَّيَّ اللَّذَيْنِ هُمَا
يَا مَنْ أَحَسَّ بُنَيَّيَّ اللَّذَيْنِ هُمَا
يَا مَنْ أَحَسَّ بُنَيَّيَّ اللَّذَيْنِ هُمَا
مِنْ ذُلِّ وَالِهَةٍ حَيْرَى مُدَلَّهَةٍ
نُبِّئْتُ بُسْرًا وَمَا صَدَّقْتُ مَا زَعَمُوا
أَحَنَى عَلَى وَدِجَيْ إبْنَيَّ مُرْهَفَةً
كَالدُّرَّتَيْنِ تَشَظَّى عَنْهُمَا الصَّدَفُ
مُخُّ الْعِظَامِ فَمُخِّي الْيَوْمَ مُزْدَهَفُ
قَلْبِي وَسَمْعِي فَقَلْبِي الْيَوْمَ مُخْتَطَفُ
عَلَى صَبِيَّيْنِ ذُلَّا إِذْ غَدَا السَّلَفُ
مِنْ إِفْكِهِمْ وَمِنَ الْقَوْلِ الَّذِي اقْتَرَفُوا
مِنَ الشِّفَارِ، كَذَاكَ الْإِثْمُ يُقْتَرَفُ
أورد ابن الأثير قصيدة طويلة ليزيد بن مفرغ الحميري( ) في هجاء ابن زياد وعلق على بيت واحد وقال: هي من قصيدة طويلة في كتاب الأغاني والبيت هو( )
يَغْسِلُ الْمَاءُ مَا صَنَعْتَ وَقَوْلِي رَاسِخٌ مِنْكَ فِي الْعِظَامِ الْبَوَالِي
من آراء بن الأثير في الشعر عندما يأتي ببعض الأبيات مضبوطة بالشكل يذكر اسم المرجع الذي نقل منه الضبط ومن ذلك عندما أورد ثلاثة أبيات لمروان بن الحكم قالها متمثلاً( )
فَخُذْهَا فَلَيْسَتْ لِلْعَزِيزِ بِخُطَّةٍ
أَعَامِرُ إِنَّ الْقَوْمَ سَامُوكَ خُطَّةً
أَرَاكَ إِذَا مَا كُنْتَ لِلْقَوْمِ نَاصِحًا
وَفِيهَا فِعَالٌ لِامْرِئٍ مُتَذَلِّلٍ
وَذَلِكَ فِي الْجِيرَانِ غَزْلٌ بِمِغْزَلِ
يُقَالُ لَهُ بِالدَّلْوِ أَدْبِرْ وَأَقْبِلِ
فقال: ضبطنا هذه الأبيات الثلاثة من الطبري .
أورد ابن الأثير ليزيد بن معاوية عند ذهابه إلى الحج مخاطباً الحسين بن علي بقوله( )
أَلَا يَا صَاحِ لِلْعَجَبْ
إِلَى الْفَتَيَاتِ وَالشَّهَوَاتِ
بَاطِيَةٌ مُكَلَّلَهْ
وَفِيهِنَّ الَّتِي تَبِلَتْ
دَعْوَتُكَ وَلَمْ تُجِبْ
وَالصَّهْبَاءِ وَالطَّرَبْ
عَلَيْهَا سَادَةُ الْعَرَبْ
فُؤَادَكَ ثُمَّ لَمْ تَثِبْ
علق ابن الأثير بقوله (أعتقد هذه الأبيات مصنوعة منحولة فلم يكن يزيد من البلاهة بحيث يعرض على الحسين شرب الخمر واتباع الشهوات ، وقد أحسن ابن جرير كل الإحسان في إهمالها ولعلها اخترعت بعد زمانه) ( ) . ومن ملاحظاته النقدية عندما يذكر أبيات وبها بيت لم يذكره الطبري، يذكر البيت ويعلق عليه بقوله إنه سقط من ابن جرير، قال ذلك عندما أورد قول سراقه البارقي في مدح إبراهيم بن الأشتر( )
أَتَاكُمْ غُلَامٌ مِنْ عَرَانِينَ مَذْحِجٍ
فَيَا ابْنَ زِيَادٍ بُؤْ بِأَعْظَمِ هالِكٍ
جَزَى اللَّهُ خَيْرًا شُرْطَةَ اللَّهِ إِنَّهُمْ
جَرِيٌّ عَلَى الْأَعْدَاءِ غَيْرُ نَكُولِ
وَذُقْ حَدَّ مَاضِي الشَّفْرَتَيْنِ صَقِيلِ
شَفَوْا مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَمْسِ غَلِيلِي
وقال : (في هذه الأبيات بيت سقط لم يذكره الطبري وهو البيت الثالث الذي يقول فيه: ضربناك بالسيف الحسام بحدة) ( ) وفي خبر بعد ذكر عبدالله بن الحر ومقتله أورد شعره عندما كسر باب السجن وأخرج زوجته ومن معها من نساء الخوارج : قال في ذلك( ) :
أَلَمْ تَعْلَمِي يَا أُمَّ تَوْبَةَ أَنَّنِي
وَأَنِّي صَبَحْتُ السِّجْنَ فِي سَوْرَةِ الضُّحَى
فَمَا إِنْ بَرِحْنَا السَّجْنَ حَتَّى بَدَا
وَخَدٌّ أَسِيلٌ عَنْ فَتَاةٍ حَبِيبَةٍ
أَنَا الْفَارِسُ الْحَامِي حَقَائِقَ مَذْحِجِ
بِكُلِّ فَتًى حَامِي الذِّمَارِ مُدَجَّجِ
لَنَاجَبِينٌ كَقَرْنِ الشَّمْسِ غَيْرُ مُشَنَّجِ
إِلَيْنَا سَقَاهَا كُلُّ دَانٍ مُثجَّجِ
وقال ابن الأثير عقب إيراده للأبيات وهي طويلة وعلق على كلمتي (مشنج ، و ومثجج) قال هي غير مناسبة وغير لائقة ، وإنما اللائق أن يقال : (مثجثج، بمعنى سائل)
قال ابن الأثير: قال الطفيل بن واثلة يذكر قتل عبد ربه الكبير وأصحابه( )
قَدْ مَسَّ مِنَّا عَبَدَ رَبٍّ وَجُنْدَهُ
سَمَا لَهُمْ بِالْجَيْشِ حَتَّى أَزَاحَهُمْ
وَمَا قَطَرِيُّ الْكُفْرِ إِلَّا نَعَامَةٌ
إِذَا فَرَّ مِنَّا هَارِبًا كَانَ وَجْهُهُ
فَلَيْسَ بِمُنْجِيهِ الْفِرَارُ وَإِنَّ جَرَتْ
عِقَابٌ فَأَمْسَى سَبْيُهُمْ فِي الْمَقَاسِمِ
بِكَرْمَانَ عَنْ مَثْوًى مِنَ الْأَرْضِ نَاعِمِ
طَرِيدٌ يُدَوِّي لَيْلَهُ غَيْرَ نَائِمِ
طَرِيقًا سِوَى قَصْدِ الْهُدَى وَالْمَعَالِمِ
بِهِ الْفُلْكُ فِي لُجٍّ مِنَ الْبَحْرِ دَائِمِ
وعقّب على ذلك بقوله : هي أكثر من ذلك تركناها لشهرتها. وأيضاً أورد ابن الأثير قول لقيط بن يعمر الأيادي في صفة أمير الجيش( )
وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمْ لِلَّهِ دَرُّكُمُ
لَا مُتْرَفًا إِنْ رَخَاءُ الْعَيْشِ سَاعَدَهُ
مُسَهَّدَ النَّوْمِ تَعْنِيهِ ثُغُورُكُمُ
مَا انْفَكَّ يَحْلِبُ هَذَا الدَّهْرَ أَشْطُرَهُ
وَلَيْسَ يَشْغَلُهُ مَالٌ يُثَمِّرُهُ
حَتَّى اسْتَمَرَّتْ عَلَى شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ
رَحْبَ الذِّرَاعِ بِأَمْرِ الْحَرْبِ مُضْطَلِعَا
وَلَا إِذَا عَضَّ مَكْرُوهٌ بِهِ خَشَعَا
يَرُومُ مِنْهَا إِلَى الْأَعْدَاءِ مُطَّلَعَا
يَكُونُ مُتَّبِعًا طَوْرًا وَمُتَّبَعَا
عَنْكُمْ وَلَا وَلَدٌ يَبْغِي لَهُ الرَّفَعَا
مُسْتَحْكِمَ السِّنِّ لَا قَحْمًا وَلَا ضَرَعَا
قال: وهي قصيدة طويلة وهذا هو الأجود منها. أي أنه انتقى الأبيات الجيدة منها .
وفي حديثه عن أخبار يزيد بن مزيد الشيباني أورد ما مدحه به مسلم بن الوليد وكان مرافقه في الحرب الذي قتل فيه الوليد بن طريف رأس الخوارج، ذكر بن الأثير هذه الأبيات من قصيدته( )
يَفْتَرُّ عِنْدَ افْتِرَارِ الْحَرْبِ
مُوفٍ عَلَى مُهَجٍ فِي يَوْمِ ذِي رَهَجٍ
يَنَالُ بِالرِّفْقِ مَا يَعْيَا الرِّجَالُ بِهِ
مُبْتَسِمًا إِذَا تَغَيَّرَ وَجْهُ الْفَارِسِ الْبَطَلِ
كَأَنَّهُ أَجَلٌ يَسْعَى إِلَى أَمَلِ
كَالْمَوْتِ مُسْتَعْجِلًا يَأْتِي عَلَى مَهَلِ
وقال : وهي حسنة جدا. وأضاف كان يزيد ممدّحا جوادًا كريمًا شجاعاً فأكثر الشعراء من مراثيه، ومن أحسن ما قيل في المراثي ما قاله في رثائه أبو محمد التميميّ وقد أثبتها لجودتها ( )
أَحَقًّا أَنَّهُ أَوْدَى يَزِيدُ؟
أَتَدْرِي مَنْ نَعَيْتَ وَكَيْفَ فَاهَتْ
أَحَامِي الْمَجْدِ وَالْإِسْلَامِ أَوْدَى؟
تَأَمَّلْ، هَلْ تَرَى الْإِسْلَامَ مَالَتْ
وهل شيمت سيوف بني نزار
وهل تسقي البلاد عشار مزن
أما هدّت لمصرعه نزار
وحلّ ضريحه إذ حلّ فيه
أَمَا وَاللَّهِ مَا تَنْفَكُّ عَيْنِي
فَإِنْ تَجْمُدْ دُمُوعُ لَئِيمِ قَوْمٍ
تَبَيَّنْ أَيُّهَا النَّاعِي الْمُشِيدُ
بِهِ شَفَتَاكَ؟ كَأنّ بِهَا الصَّعِيدُ
فَمَا لِلْأَرْضِ وَيْحَكَ لَا تَمِيدُ؟
دَعَائِمُهُ؟ وَهَلْ شَابَ الْوَلِيدُ؟
وهل وضعت عن الخيل اللّبود
بدرتها وهل يخضرّ عود
بلى، وتقوّض المجد المشيد
طريف المجد والمجد التليد
عَلَيْكَ بِدَمْعِهَا أَبَدًا تَجُودُ
فَلَيْسَ لِدَمْعِ ذِي حَسَبٍ جُمُودُ
وفي أخبار الأمين أورد بن الأثير قول بعض شعراء بغداد في ذمه ومن حوله من مستشاريه( )
أَضَاعَ الْخِلَافَةَ غِشُّ الْوَزِيرِ
فَفَضْلٌ وَزِيرٌ، وَبَكْرٌ مُشِيرٌ
وَمَا ذَاكَ إِلَّا طَرِيقُ غُرُورٍ وَفِسْقُ الْأَمِيرِ وَجَهْلُ الْمُشِيرِ
يُرِيدَانِ مَا فِيهِ حَتْفُ الْأَمِيرِ
وَشَرُّ الْمَسَالِكِ طُرُقُ الْغُرُورِ
وعلق ابن الأثير بقوله بعد إيرادها: هي عدة أبيات تركتها لما فيها من الفحش والقذف ولقد عجبت لأبي جعفر كيف ذكرها .
قال ابن الأثير في مقتل الأمين: أكثر الشعراء في مراثيه وهجائه تركنا أكثره لأنه بعد موته خارج التأريخ . وقد أسرف الحسين بن الضحاك في مراثيه ، وذم المامون ومما قيل في ذمه
لِمَ نبكيك؟ لماذا؟ للطرب … يا أبا موسى وترويج اللعب
ولترك الخمس في أوقاتها … حرصًا منك على ماء العنب
وشنيف أنا لا أبكي له … وعلى كوثر لا أخشى العطب
وقال وفيه أكثر من ذلك تركناه خوف الإطالة ( ) في تاريخه لمقتل محمد بن هاني الشاعر الاندلسي( )قال ذلك ما ينسب اليه ولم اجده في ديوانه ( )
حَلَّ بِرِقَّادَةَ الْمَسِيحُ حَلَّ بِهَا آدَمُ وَنُوحُ
حَلَّ بِهَا اللَّهُ ذُو الْمَعَالِي فَكُلُّ شَىْءٍ سِوَاهُ رِيحُ
وعقب ذلك بقوله:هذا البيت غير مستقيم الوزن وفي ذكره مقتل ابن بغية وزير عضد الدولة قال رثاه ابو الحسن الانباري بأبيات حسنة في معناه هي:( )
عُلُوٌّ فِي الْحَيَاةِ وَفِي الْمَمَاتِ لَحَقٌّ تِلْكَ إِحْدَى الْمُعْجِزَاتِ
كَأَنَّ النَّاسَ حَوْلَكَ حِينَ قَامُوا وُفُودُ نَدَاكَ أَيَّامَ الصِّلَاتِ
وقال وهي طويلة.
وفي ذكره لحوادث سنة ثلاثمائة وخمسة وثمانين من الهجرة ذكر وفاة الإمام أبو الحسن علي بن احمد بن مهدي قال:كان منحرفا عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه وكان خبيث اللسان يتقى سفهه ومن جيد شعره ( )
في وجه إنسانةٍ كلفت بها أربعة ما اجتمعت في أحد
الوجه بدر والصدغ غالية والريق خمر والثغر من بَرَد
وفي خبره عن قبض علي أبي القاسم المغربي( )وأبي القاسم سليمان بن فهد من صنائع المغربي حيث قبض عليهما قرواش بن المقلد ( )قال بن الاثير في ذلك يقول الشاعر ابن الزمكدام( )
وَلَيْلٍ كَوَجْهِ الْبَرْقَعِيدِيِّ ظُلْمَةً
سَرَّيْتُ، وَنَوْمِي فِيهِ نَوْمٌ مُشَرَّدٌ
عَلَى أَوْلَقٍ فِيهِ الْتِفَاتٌ كَأَنَّهُ
وَبَرْدِ أَغَانِيهِ، وَطُولِ قُرُونِهِ
كَعَقْلِ سُلَيْمَانَ بْنِ فَهْدٍ وَدِينِهِ
أَبُو جَابِرٍ فِي خَطْبِهِ وَجُنُونِهِ
عقّب ابن الأثير بقوله بعد إيراد هذه الأبيات: هذه الأبيات قد أجمع أهل البيان على أنّها غاية في الجودة لم يقل خير منها.
الخاتمة:
بعد ايراد الاراء النقدية لصاحب الكامل تعليقًا على بعض الابيات التي استدل بها على الاحداث التاريخيّة حتى نهاية عصره الذي عاش فيه 628ه نخلص الى هذه النتائج:
أولا: جل الآراء النقدية لابن الأثير في كتابه الكامل من قبيل النقد التأثري الذي لا يلق صاحبه نظرة معمقة للنص او تعليل للحكم النقدي الذي أطلقه، ولا يلام المؤلف في ذلك رغم أنه عاش في عصر خطا النقد فيه خطوات نحو التعليل أو نضج لاأنّ الكتاب في التاريخ.
ثانيا: جاءت معظم آراء ابن الأثير النقدية في الشعر الذي أورده في طول القصائد أو شهرتها أو جودة من نختاره من أبيات في كلمات مقتبضة.
ثالثا: اهتم المؤلف يإيراد أسباب الشعر ومناسبته توافقا مع احداثه؛ أي ما يسميه النقاد حول النص وهي مفاتيح مهمة لفهم الشعر وانتقاده.
رابعا:هناك اراء قليلة حول أوزان الشعر وقوافيه كالإغواء وضبط الشعر وما يتعلق بالانتحال؛ اي نسبة الأبيات الى غير قائلها، وغير ذلك مما يدخل في النقد العميق للأبيات.
المصادر والمراجع
1- إبراهيم شمس الدين، مجموع إيام العرب في الجاهلية والإسلام، دار الكتب العلميّة، بيروت لبنان، 1422ه 2002م.
2- ابن الأثير، أُسد الغابة في معرفة الصحابة، ت/ خالد طرطوسيّ، دار الكتاب العربيّ، بيروت، لبنان، 1427ه.
3- ابن الأثير، التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، ت/ عبدالقادر طليمات، دار الكتب الحديثة مصر 1332ه.
4- ابن الأثير، عز الدين الجزري، الكامل في التأريخ، ت/ أبو الفداء عبدالله ، الدار الكتب العلمية، بيروت لبنان.
5- ابن حزم الأندلسي، جمهرة أنساب العرب، دار الكتب العلمية، بيروت.
6- أبو الفلاح عبدالحيّ بن العماد الحنبليّ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، المكتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت.
7- أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب ابن الكلبي، نسب معدّ واليمن الكبير، ت: د. ناجي حسن، مكتبة النهضة العربية 1408ه 1998م.
8- أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ت/ إحسان عباس، دار صادر، بيروت، لبنان 1972م.
9- أحمد بن محمد بن عبد ربه، العقد الفريد، ت: مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
10- الإمام أبي محمد عبدالله بن أسعد الشافعيّ، مرآة الجنان وعبرة اليقظان، وضع حواشيه خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت 1417ه- 1997م
11- الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبيّ، سير أعلام النبلاء، ت/ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة 1402ه.
12- امتثال النقيب، بغداد في كتب المؤرخين ( القرن السابع الهجري نموذجا) مجلة التراث العربي، فصليّة علميّة محكمة، العدد الأول 2016م، مركز إحياء التراث العلمي العربيّ.
13- الآمدي، سيف الدين أبو القاسم الحسن بن بشر، المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء، ت: كرنكو، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان 1411ه.
14- الباخرزي، أبو الحسن علي بن الحسن بن علي الشافعي، دمية القصر وعصرة أهل العصر، ت: محمد التنونجي.
15- تاج الدين أبي نصر عبدالوهاب بن عبدالرازق السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، ت/ عبدالفتاح محمد الحلو، دار إحياء الكتب العلمية، بيروت لبنان 1972م.
16- الجاحظ، عمرو بن بحر بن محبوب، البيان والتبيين، ت: عبدالسلام محمد هرون، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1947م.
17- الخطيب التبريزي، شرح حماسة أبي تمام، ت، غريد الشيخ، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، 1421ه.
18- خير الدين الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت لبنان 2002م
19- السيّد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ت: الأمين حسن، دار التعاون للمطبوعات، بيروت 1430ه.
20- شمس الدين أبو عبدالله بن أحمد الذهبي، تذكرة الحفاظ، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان 1419ه – 1998م.
21- صلاح الدين خليل بن أيبك الصفديّ، الوافي بالوفيات، ت/ علي بن محمد بن رستم وعمر بن عبد النصير فراندستونافرت 1411ه- 1991م.
22- عادل الفريحات، القبيلة في شعر بشر بن أبي حازم الأسدي، مجلة التراث العربي العدد العاشر، يناير 1983م.
23- عبدالقادر أحمد طليمات، ابن الأثير الجزري المؤرخ، دار الكتاب العربيّ، مصر، القاهرة 1969م
24- عبدالكريم محمد بن منصور التميميّ السمعانيّ، ( ت 572)، الأنساب، ت/ عبدالرحمن العلمي، مركز الخدمات والأبحاث الثقافية، عمان، الأردن 1382ه.
25- فاضل جابر، مصادر التاريخ الإسلامي وكيفية الاعتماد عليها، العدد الرابع ديسمبر 2006م
26- كمال الدين بن عبدالرازق القوطي، مجمع الآداب في مجمع الألقاب، ت/ محمد الكاظم، مؤسسة الطباعة والنشر، إيران 1416ه.
27- محمد بن سعد، الطبقات (الكبرى) مطبعة نشر الثقافة الإسلامية، 1939.
28- محمد جاد المولى، أيّام العرب في الجاهلية، مكتبة عيسى البابي الحلبي 1942.
29- المرزباني، محمد بن عمران بن موسى، معجم الشعراء، ت: كرنكو، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان 1402ه.
30- المفضّل، محمد بن يعلى بن عامر بن العباس التميميّ، المفضّليات، ت: عمر فروخ، دار الأرقم بن الأرقم، بيروت 1998م.
31- منير البعلبكي، معجم أعلام المورد، دار العلم للملايين، بيروت.