المرأة والمشي في المدينة بين الممارسة وإكراهات التخطيط الحضري:
حالة مدينة سوق السبت أولاد النمة
Woman and walking in the city between practice and compulsions of the urban planning : an example of Souk Sebt Ould Nemma city
توفيق هيبا، باحث في سلك الدكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال،المغرب
Taoufik Hiba, Researcher in PhD, Faculté of Literature and humanities Béni Mellal (Morocco)
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 77 الصفحة 143.
ملخص:تلقي هذه الدراسة الضوء على موضوع المشي لدى المرأة كممارسة حضرية تجدد الإقبال عليها في الآونة الأخيرة، مما استوجب ضرورة تسهيل ولوجية المرأة للفضاءات التي ترتادها مشيا، لتصبح أكثر قوة على التفاعل الإيجابي والفعال مع ترابها عن طريق توفير احتياجاتها المختلفة والتي ينبغي أن تراعى من قبل سياسات التخطيط عند تصميم وتنظيم المجالات الحضرية.
تخلص الدراسة إلى أن المرأة في مدينة سوق السبت أولاد النمة غائبة تماما عن سياسات التخطيط العمراني، وأن النساء عامة في المدينة لا تتوفر لهن احتياجاتهن الخاصة في الفضاءات العمومية التي ترتادها مشيا. وفي النهاية خرجت الدراسة بمجموعة من التوصيات بناء على نتائج المقابلات والمشاهد، بحيث شملت هذه التوصيات خاصة للمسؤولين عن صناعة القرار، وأهمها ضرورة وضع سياسة تخطيطية للمدينة تراعي تمثلات ووجهة نظر المرأة لاستغلال الفضاءات العامة.
الكلمات المفتاحيّة: المرأة، التخطيط الحضري، المشي، سوق السبت أولاد النمة.
Abstract :
This study casts light on the issue of walking among women, as an urban practice in which there has recently been a renewed interest. This calls for the necessity of the ease of women’s access to the places they frequently walk into. With this access, they can get more power to positively and effectively interact with the geographical territories where they live. This can be achieved when planning policies in the city take their different needs into account while designing and organizing urban public spaces.
This study concludes that women in the city of Souk Sebt Oled Nemma are almost absent from urban planning policies in the field of architecture. Their own needs are not met in the public spaces they walk into. Based on the results of the interviews and observations, the study comes up with some recommendations, namely for policy makers The most important one is the urgent need to develop an urban planning policy which takes into consideration the representations and views of women with regard to the use of public spaces in the city .
Keywords: women, urban planning, walking, Souk Sebt Ouled Nemma.
تمهيد:إن الاهتمام بموضوع المشي في الوسط الحضري، لا يخرج عن سياق كوني يتميز بعودة المشي كوسيلة للتنقل إلى الحاضرة المعاصرة، بحيث أصبح المشي شرطا حضريا يضمن استدامة المدينة وجودة حياة السكان الحضريين.
يأتي أيضا هذا الاهتمام تعبيرا عن التمثل السائد اليوم عن المشي في الوسط الحضري، إذ لم يعد في نظر الكثيرين أمام ممارسة ثانوية همشها الاستعمال المكثف لوسائل النقل الميكانيكية، وممارسة مرتبطة بالدرجة الأولى بالفئات الاجتماعية الهشة، بل يتعلق الأمر بممارسة فعالة صحيا وترفيهيا وبيئيا، تساهم في ضمان جودة الحياة في المدينة.
الاهتمام بالمشي كممارسة حضرية لا يقتصر على مبادرات المجتمع المدني، بل هناك أيضا اهتماما من قبل المشرفين على السياسات الحضرية بأسلوب التنقل هذا، باعتباره أنجع الأساليب لتحقيق ولوجية أفضل إلى الفضاءات الحضرية، وذلك من خلال الاهتمام بتوفير تهيئة مناسبة لصالح المشاة من الذكور والإناث على السواء في الوسط الحضري.
إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المرأة في مدينة سوق السبت أولاد النمة، جعلها تخرج من بيتها إلى باقي فضاءات المدينة إما من أجل العمل أو من أجل قضاء أغراضها وتلبية حاجياتها المختلفة، (تسوق، ترفيه، زيارات…)، واعتمدت في ذلك على المشي كوسيلة للتنقل خاصة وأن مدينة سوق السبت أولاد النمة من المدن الصغيرة التي عرفت توسعا مجاليا كبيرا في السنوات الأخيرة، ولكن رغم هذا التوسع تبقى النسبة الأعظم من التنقلات تتم على الأقدام داخل المدينة، ونظرا لكون المدينة تشكل مركزا تجاريا وإداريا بالنسبة لمجموعة من القرى المحيطة بها، فإنها تعرف حركية مكثفة لوسائل النقل في بعض المقاطع خاصة على مستوى الشوارع التي تخترق المدينة كشارع الجيش الملكي، شارع الحسن الثاني وشارع محمد الخامس، مما يجعلها مسرحا للمواجهة اليومية بين الراجلين والعربات العابرة للمدينة.
إن المرأة المحلية في مدينة سوق السبت أولاد النمة وجدت نفسها مجبرة على استخدام الفضاءات العمومية وفق معايير لا تتفق جميعها مع احتياجاتها المادية والمعنوية، مما أدى إلى حرمان المرأة المحلية من حقها في استخدام تلك االفضاءات، والتي ترتادها مشيا، كيف شاءت ومتى شاءت.
ومهما تنوعت الأسباب وتفاقمت المشكلة، لابد من حشد الجهود وتسخيرها لتحسين الوضع القائم حاليا والنهوض بسياسات التخطيط الحضري لتصبح أكثر مراعاة لاحتياجات المرأة المجالية المادية منها والمعنوية.
إشكالية الدراسة:
تتلخص مشكلة الدراسة في كون المرأة المحلية في مدينة سوق السبت أولاد النمة وجدت نفسها على مر الأيام مجبرة على استخدام الفضاءات العامة للمدينة وفق معايير لا تتفق جميعها مع احتياجاتها المادية والمعنوية، مما أدى إلى حرمان المرأة المحلية من حقها في استخدام تلك الفضاءات والتي ترتادها مشيا، كيف شاءت، ومتى شاءت.
إن ممارسة المشي في المدينة من طرف المرأة المحلية، يجعلها لا تشعر بالارتياح والأمان المعنوي، وذلك لوجود عوائق في التخطيط الحضري، وكذلك وجود معايير مجتمعية تحدد سلوكها في المجال العام، والتي إن خرجت عن إطار هذه المعايير الأخيرة تصبح عرضة للاعتداءات المعنوية وحتى الجسدية في بعض الأحيان.
تعاني مدينة سوق السبت أولاد النمة من نقص هام في الشروط المادية والبنيات التحتية المساعدة على ممارسة المشي لجميع ساكنة المدينة خاصة الإناث، فعندما نريد مقاربة فعل المشي عند المرأة المحلية والتخطيط الحضري للمدينة الذي لا يراعي المتطلبات المادية والمعنوية الكفيلة بضمان تفاعل الأفراد داخل المجال العام، وشعورهن بالراحة والأمان والمتعة، تصبح معاناة النساء في المجال العام كبيرة من خلال تعرضها للإقصاء وأنواع عديدة من العنف بجميع ألوانه.
ومن ثم فإشكالية الدراسة، تنحصر في العلاقة بين المشي عند المرأة والفضاء العمومي الحضري، ويمكن صياغة تلك الإشكالية على النحو التالي، كيف تساهم الفضاءات العمومية الحضرية في تحديد ممارسات وسلوكيات الراجلات؟ كيف ولماذا، يستطيع المشي أن يضع ويغير المعنى الأصلي لتلك الفضاءات؟ ما المعيقات التي تحد من ممارسة المشي النسوي في المدينة؟
أهمية ومبررات الدراسة:
تتجلى أهمية الدراسة من خلال:
+ ضرورة تسهيل ولوجية المرأة للفضاءات التي ترتادها مشيا ولن يتحقق ذلك إلا:
– تشجيع النساء المحليات على التعبير عن احتياجاتهن المفقودة داخل المجال الحضري.
– أهمية تخطيط الفضاءات العامة لتلاءم كافة احتياجات مستخدميها خصوصا المرأة على أساس أن لها دور فعال في تطوير المجتمع وتنميته.
– المطالبة بالمشاركة النسوية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتخطيط الحضري.
منهجية الدراسة:
– تشكل دراسة سلوكيات المشائين والمشاءات في الوسط الحضري تحديا كبيرا للباحثين في العلوم الإنسانية سواء من الناحية المفاهيمية والمنهجية، ومن خلال هذه الدراسة حاولنا الاطلاع على العديد من الدراسات والأبحاث خاصة تلك الصادرة باللغة الفرنسية والتي ساعدتنا في بناء الإطار النظري والمنهجي لمقاربة موضوع دراستنا. كما ثم الاعتماد على المقابلات الميدانية والتي أجريناها مع المشاءات في مختلف الفضاءات العمومية للمدينة، بحيث شملت عينة المقابلة خمسين امرأة بصورة عشوائية تتراوح أعمارهن ما بين 16 سنة و ما فوق 50 سنة، مكنتنا هذه المقابلات من تحديد صورة المدينة كما يتمثلناها من حيث جاهزية أو عدم جاهزية فضاءاتها للممارسة فعل المشي، كما سمحت لنا بالوقوف على مختلف الحالات التي تستدعي المشي في مدينة سوق السبت أولاد النمة، مما ساعدنا على تحديد متى يكون فعل المشي استجابة لإكراهات اجتماعية وحضرية مفروضة على المرأة الراجلة، ومتى يكون هذا الفعل اختيار حر بين الإمكانات المتاحة أمام المرأة المحلية الراجلة.
المحور الأول: عودة المشي إلى المدينة: حنين إلى الماضي أم تغيير في البراديغم الحضري؟
- عودة ممارسة المشي في الفضاءات العمومية للوسط الحضري:
لم تكن عودة المشي إلى الحاضرة المعاصرة فقط لكونه يجمع بين الفضائل الصحية والبيئية، بل هناك سبب أعمق يتغلغل في صميم وجودنا البشري، خلف ما يحمله المشي للراجل من ألم وتعب هناك متعة الإرادة والإحساس بالوجود المشترك مع الآخرين، إن ممارسة المشي تضيف قيمة لوجودنا البشري تتمثل في كون تلك الممارسة تسمح لنا بتحقيق الوعي بذواتنا، كذوات قادرة على تملك بيئتها جسديا وحسيا أثناء حركتها.
غالبا ما يتم وصف المشي بأنه أبطء أساليب التنقل على الإطلاق، غير أن هذا البطء له مزايا كثيرة، إنه يسمح لنا بالابتعاد عن السرعة التي أصبحت تسيطر على مجتمعاتنا المعاصرة، والاتجاه نحو اعتبار وقت التنقل مشيا كوقت للحياة، ففي اللحظة التي يتخذ فيها الراجل السرعة التي تسمح له بإعادة صياغة الفضاءات التي يمشي فيها، فإن الوقت في السيارة يكف على أن يكون وقت فعل وممارسة، ليصبح وقت عطالة، لأننا لا ننتقل على متن السيارة بل يتم نقلنا، فأهمية التنقل لا تكمن في المدة الزمنية التي نقضيها أثناء التنقل، بل في غنى وثراء ما نربط بينه “ما هو مهم في المشي، ليس نقطة الوصول، لكن ما نقوم به لأجلها في كل لحظة…هو أن توجد بكل بساطة وتحس بذلك“[1]
“هدف التنقل ليس هو قطع أكبر عدد من الكيلومترات في مدة وجيزة، لكن أكثر من ذلك بكثير الربط بين وقائع اجتماعية، تعكس عمق التجربة الإنسانية في الوجود“. [2]
يعيش الماشي في الوسط الحضري تجربة وجودية تقوم على التوافق بين مختلف حواسه وانفعالاته، لذلك يمكن القول بأن المشي يرسخ القيم النظيفة للحركية الفردية، تلك القيم التي تشكل قاعدة لمجتمعاتنا الحضرية المتمثلة في الهوية، الحرية والمرونة.
عندما نتحدث عن المشي كممارسة حضرية، لا يتعلق الأمر بواحد من أساليب التنقل التي يمكن أن يعتمدها الحضري في إطار حركيته اليومية، بل يتعلق الأمر بنمط في الوجود، أو أسلوب في الحياة نضمن من خلاله حضورنا المادي والرمزي في الفضاءات العمومية الحضرية كشرط لتحقيق الوجود المشترك مع الغير في إطار تلك الفضاءات، هذا الحضور يجد ترجمته الفعلية في المسارات التي يقوم بها المشاة يوميا داخل المدينة. هذا التفاعل القائم بين المدينة والخطوة يعكس دينامية التشكل، وإعادة التشكل اليومي للفضاءات العمومية عندما تجتاحها التدفقات من المشائين. لا يعني القول بعودة المشي إلى المدن، أن هذه الممارسة تعود إلى مسرح المدينة بعد أن انقطعت بشكل كلي، بل المقصود بالعودة إلى ممارسة المشي في الوسط الحضري اليوم هو أولا انبثاق ثقافة لدى مستعملي الفضاءات العمومية بالمزايا الإيكولوجية الصحية والحضرية للمشي، وثانيا انبثاق هندسة بيئية لدى المسؤولين على الحركية داخل المدينة تأخذ المشي كوسيلة للتنقل بعين الاعتبار في المخططات الخاصة بالتهيئة الحضرية.
عندما نتحدث عن الفضاء العمومي الحضري كمسرح للمشي، فذلك يعني تجاوز النظر إليه كفضاء محايد، إلى اعتباره مصدر لمحفزات كما لمعيقات المشي والتي تتغير حسب المورفولوجية الحضرية، حيث تفرض البنية المادية للمدينة على المشاة إيقاعات مختلفة في المشي، فتصبح بذلك طريقة المشي وإيقاعه مؤشرا للتمييز بين مختلف الفضاءات العمومية داخل المدينة “يتمايز الزقاق والشارع في جوهرهما من خلال المشي الذي يسمحان به، في الزقاق يكون المشي أكثر اصطداما، أكثر تعرجا، أما في الشارع فهو أكثر انسيابية وأكثر ليونة”[3].
خلف البعد الوظيفي للمشي هناك بعد رمزي يتمثل في مساهمة الراجل في تشكيل وإعادة تشكيل المدينة “يضع المشاة المدينة خلف فعل مشيهم”[4] إذ بفعل المشي تتحدد الدلالة الحضرية لفضاءات المدينة، أو بصيغة أخرى، فهذه الفضاءات لا معنى لها إلا ذلك الذي تأخذه من خلال كونها مسرحا للمشي، فالمسار الخاص بالراجل تعتبر تجربة، تساهم في تحديد هوية المدينة[5] ولأن المشي الحضري ليس فعلا وممارسة انفرادية تتم بمعزل عن الغير، فإن الفضاء العمومي يصير بفعل المشي مجالا للمؤانسة الاجتماعية، فعندما نقبل ولوج الفضاء العمومي، فنحن بذلك نقبل ضمنيا وجود الغير، مما يساهم في تشكيل بصورة دائمة للروابط الاجتماعية، فالمشي يجعل من الفضاء العمومي من جهة أولى مسرحا لتفاعلات بين الأفراد، ومن جهة ثانية المشي يخلق الإحساس بالأمان في الفضاء العمومي، لأن المشاة هي أعين الشارع [6]، يخلقون نوعا من المراقبة والحماية لبعضهم خاصة وأن هناك صيغ أخرى يتخذها المشي في الوسط الحضري وتتمثل في الأحداث المشائية الكبرى مثل الاستعراضات العسكرية، المواكب الدينية، الاحتجاجات، التظاهرات السياسية، الكرنفالات والمناسبات الاحتفالية… كلها طقوس اجتماعية تحول الفضاء العمومي إلى مسرح لدوس غير منقطع بالأقدام مرفوق بأصوات صاخبة منبعثة من مكبرات الصوت [7].
إن التحدي الحقيقي اليوم ليس هو جعل الناس يمشون ولكن جعلهم يداومون المشي ولمدد أطول يوميا، واحدة من الطرق التي يمكن للمدن المواطنة إتباعها بنجاح لتحقيق التحدي هي تصريح المشي، أي جعل المواطنين يستمتعون بالمشي[8].
-إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في سياسة التخطيط الحضري: ضرورة وليست اختيار.
–احتياجات النوع الاجتماعي.
ترتكز مقارنة النوع الاجتماعي على محاربة كل أنواع الإقصاء واللامساواة، لذلك نرى هذه المقاربة أنه لابد من استقلالية المرأة ماديا ومعنويا، بحيث تكون لها القدرة على الفعل والاختيار وأخذ القرار لذاتها ولمجتمعها، لأن بناء الاستقلالية عند المرأة يعتبر عاملا من عوامل خلق التنمية الحقيقية والمنصفة والمستدامة.
إن التفاوت الملحوظ على مستوى أدوار النوع الاجتماعي أدى إلى تباين على مستوى الحاجيات والمصالح والتطلعات، ويولد عن هذه الأدوار مستويات من الاحتياجات[9].
- احتياجات آنية / احتياجات عملية، Besoins pratiques
وهي احتياجات ذات طابع عملي تتعلق بمتطلب الحياة اليومية، وترتبط بتحسين شروط أداء الأدوار وهي الحاجات الأساسية للنوع الاجتماعي وهي ذات طبيعة مادية، إضافة إلى إنجاز المهام المحددة للنوع في إطار تقسيم الأدوار، وتبرز تلك الحاجات عندما يشعرن أن هناك ضرورة لتلبية حاجات آنية وملحة يحددها السياق الذي يتواجدن فيه[10].
- احتياجات استراتيجية : Besoins stratégiques
هي الحاجات العليا للجندر، التي لها علاقة بالعلاقات الاجتماعية ولها طبيعة إيديولوجية تؤثر على السلوك والمواقف والتمثلات والتعامل.
تحدد النساء هذه الحاجات انطلاقا من وعيهن بتدني مكانتهن في علاقتهن بالرجال ووعيهن بضرورة تحدي هذه العلاقة وهذه المكانة والعمل على تغييرها[11].
تخص احتياجات النوع الاجتماعي الاستراتيجية على سبيل المثال:
- الاحتياجات الطبيعية (الأكل، الشرب، اللباس، السكن، الرعاية…).
- الحاجة إلى الأمن وحمايتها من العنف بمختلف أشكاله.
- التقسيم العادل في مجال العمل.
- إزالة جميع أشكال التمييز في المجال المالي والثقافي.
- الحاجة إلى المحبة والانتماء والتقدير.
لا يمكن فصل الاحتياجات العملية من الاحتياجات الاستراتيجية، وسيسمح تخليص المرأة من انشغالاتها اليومية وأعباءها المنزلية بتوسيع آفاقها مما يجعلها تتمتع باحتياجاتها الاستراتيجية، ومن هذه الاحتياجات حقوقها في اتخاذ القرار والمشاركة المعترف بها والمتساوية بينهما وبين الرجل في مجال التنمية، وتنمية جهود الجندر/النوع لتوسيع دائرة الانخراط في اتخاذ القرار[12].
إن ما تحاول مقاربة النوع الاجتماعي إضافته في مجال تحليل المدينة، هو إعادة النظر في تلك التمثلات الجماعية التي تعتقد أن استعمال المجال الحضري في عموميته متساوي بين الرجل والمرأة، وهذا غير صحيح طبعا، لذلك لاحظنا في السنوات الأخيرة بروز أفكار النسوية الحضرية تدعو إلى إنتاج حقل جديد يهتم بالتخطيط الحضري حسب النوع، لأن عملية التخطيط الحضري قد تتأثر في معظم الأحيان بالثقافة السائدة وتقسيم الأدوار التقليدية بين الرجال والنساء في المجتمع. وبالتالي كان ولابد من تغيير الأسلوب التقليدي في تخطيط المدن لتتلاءم مع ثقافة واحتياجات المجتمع المتجددة. فلا يمكن فصل العمران عن الإنسان، على أساس أن المجال والنوع ليسا وحدتان منفصلتان ولكنهما إنتاج اجتماعي، لذلك وجب في مجال تخطيط المدن أخذ بعين الاعتبار تمثلات وتصورات أفكار المرأة، وعلى المسؤولين على التخطيط الحضري أن يدركوا نمط استخدام المرأة الجديد للمدينة وذلك من أجل تلبية احتياجاتها وتسهيل حركيتها في مختلف فضاءات مدينتها[13] حتى تشعر المرأة بالمواطنة والانتماء إلى ثرابها.
يميز LeFebvre. Henri بين ثلاثة مجالات، المجال المدرك والمجال المعيش والمجال المخطط له، هذا الأخير يعتبره LeFebvre مجالا للسياسيين والمخططين والمعماريين وكل من تحمل استراتيجة مجالية أو ترابية، ويبقى النوع الأول والثاني من المجال هو مجال عامة المجتمع[14].
بالنسبة لمجال المخططين، لا تظهر فعاليتهم الإيجابية على النوع في المجال إلا بعد التحكم في تدبير المدينة وذلك بإنجاز كل ما تحتاجه من مرافق وتجهيزات أساسية، مع الإدماج الفعلي لكل الشرائح الاجتماعية دون إقصاء للمرأة من حقها في الاستفادة من فضاءات مدينتها هذا إن كنا نرغب في الحديث عن مدينة مواطنة، دامجة، مرنة، مستدامة.
تعتبر أبحاث K. Lynch من أشهر الأبحاث في إبراز دور التمثلات السوسيومجالية في الإعداد والتهيئة الحضرية من خلال كتابه الشهير صورة المدينة؛ بحيث قام بدراسة حول مدن بوسطن، لوس أنجلس وجرسي ستي سنة 1960. ويقصد K. Lynch بالصورة الذهنية للمدينة تلك التصورات الذهنية للمدينة من قبل أغلب سكانها والتي تلعب فيها الفضاءات المفتوحة وأحاسيس الحركة والتباينات البصرية دورا هاما في تكوين صورة متكاملة حول المدينة، هذه الصور الذهنية هي التي اعتمدها المهندس K. Lynch في إعداد تصاميم المدن.
لقد اقترح Kevin. L [15] ستة عناصر لفهم الإطار الحضري وهي:
-الممرات (المسارات): وهي الطرق المعروفة التي ينتقل ويتحرك السكان من خلالها من جهة إلى أخرى داخل المدينة، وهي تختلف من مكان لآخر وفق الوظيفة التي تؤديها المدينة.
-الحافات (الحدود): وهي حدود تفصل بين جزئين، بحيث تحدد نهاية جزء وبداية جزء آخر كالتقاء اليابسة مع الماء مثلا، وتكتب الحدود أهميتها وقوتها حينما يسهل تمييزها أو رؤيتها عن بعد.
-الأحياء البصرية: وهي أجزاء صغيرة تشكل في مجموعها المدينة ككل، فالحي البصري في أبسط أشكاله هو منطقة ذات طابع متجانس والتي يمكن تمييزها من خلال استمرارية الشواهد والتي تنتهي بالخروج من الحي. ويمكن تحقيق الاستمرارية والتجانس في الحي البصري من خلال الطابع المعماري ‘التشكيل المجالي، الألوان، الطبوغرافيا، حجم وتفاصيل الواجهات، الإضاءة، المساحات الخضراء…”، فكلما زادت العناصر المنسجمة، كلما ازدادت الصورة الذهنية وضوحا وتأكد الإدراك الذهني لها.
-العلامات المميزة: إن العلاقة المميزة المكانية هي ذلك العنصر الفيزيائي الذي يتفق على تمييزه أكبر عدد ممكن من السكان ويمكن التعرف عليها بسهولة كالمباني معماريا، الأبراج، الجسور، المآذن..إلخ، وقد يأخذ مبنى غير مميز صفة الأهمية، بسبب تميز موقعه وبالتالي يجذب الانتباه إليه.
-الأسماء: فهي تؤكد وضوح العنصر، فالأسماء على وجه التحديد تعتبر ذات أهمية بالغة في بلورة شخصية الأماكن مما يؤدي لسهولة عملية إدراكها الحسي لعناصر التشكيل، أما المعنى سواء أكان اجتماعيا أو تاريخيا أو وظيفيا أو أي معنى خاص فهو يؤثر تأثيرا فعالا في وضوح المكان وسهولة إدراكه.
-نقاط الالتقاء والانتقال: تكتسب شخصيتها من وحدة تكامل واستمرارية عدة عناصر كالأسوار، الإضاءة، النباثات… إضافة إلى تركيز الأنشطة والحركة والتنقل وغيرها.
يمكن اعتبار دراسة k.Lynch، دراسة لفهم علاقة الإنسان بالمجال وذلك خلال الأخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعي في سياسة التصميم العمراني للمدن وضرورة التركيز على رغبة جميع أفراد المجتمع بلا استثناء وتكسير الحواجز التي تمنع المرأة طواعية من استهلاك المدينة مساواة مع الرجل.
المحور الثاني: المرأة المحلية وممارسة المشي
1- مدينة سوق السبت أولاد النمة: موقع جغرافي متفرد
من الناحية الطبوغرافية، تقع مدينة سوق السبت أولاد النمة وسط سهل تادلا والذي يمتد على مساحة 3600 كلم2، ويرتفع عن سطح البحر ب 400 متر يخترق سهل تادلة واد أم الربيع محددا بذلك دائرتين منفصلتين، دائرة بني موسى بالضفة اليسرى ودائرة بني عمير بالضفة اليمنى.
تقع المدينة والتابعة ترابيا إلى إقليم الفقيه بن صالح على الضفة اليسرى لواد أم الربيع ما بين خطي طول 6°30’ و6°45’ وخطي عرض 32°15’ و32°30’، تحدها شمالا مدينة الفقيه بن صالح، جنوبا مدينة أفورار وشرقا مدينة بني ملال، وغربا دار أولاد زيدوح. تبلغ مساحة مدينة سوق السبت أولاد النمة حوالي 15 كلم2.
إن عرض المشهد الطبوغرافي لمدينة سوق السبت أولاد النمة، لا يهدف فقط عرض الأشكال الطبوغرافية على أنها كتل مادية ذات أحجام وانحدارات مختلفة فقط، توفر موارد وإمكانات طبيعية خاصة، لكنها مجالات للفعل الاجتماعي، تحتضن أنشطة اقتصادية وتمثلات اجتماعية نابعة من الواقع المعيش، والتي لا يمكن فهمها وإدراكها إلا بالعودة إلى السياقات التاريخية والإطارات الاجتماعية التي أنتجتها.
رغم ما تمتاز به مدينة سوق السبت أولاد النمة من تكامل مواردها الطبيعية ومكوناتها البشرية، إلا أن هذا المجال الحضري يفرض إكراهات متعددة تتمثل في النمو الديمغرافي السريع، ارتفاع حركة الهجرة القروية، توسع أطراف المدينة على حساب الأراضي المسقية، بالإضافة إلى الوضعية السوسيواقتصادية الصعبة للمهاجرين الوافدين إليها من القرى المجاورة خاصة المرأة، بعد أن اختلت التوازنات السوسيواقتصادية لمجالاتهم القروية.
الخريطة رقم 1: موقع مجال الدراسة في بعديه الجهوي والوطني
المصدر: عمل شخصي أبريل 2021
- وضعيات المشي في مدينة سوق السبت أولاد النمة:
- وضعية المفارقة:
هي وضعية التناقض بين الشروط المادية المتوفرة لصالح المشاءات والمشائين في الفضاء العمومي، ومدى إقبال هؤلاء على ممارسة المشي في ذلك الفضاء، تتجسد هذه الوضعية في وجود فضاءات مهيأة بشكل جيد لصالح المشائين والمشاءات، إذ توفر لهم أرصفة واسعة ومبلطة، إنارة جيدة، مساحات خضراء، كراسي للاستراحة… لكنها رغم ذلك تظل فارغة في أغلب الأوقات باستثناء بعض نهايات الأسبوع المشمسة، أو في بعض المناسبات، أو في بعض الأوقات المعينة من اليوم خاصة في المساء حيث تعرف تردد بعض الأمهات وأبناءهم من أجل ممارسة المشي وإتاحة الفرصة للأطفال للعب.
الصورتان 1 و2: وضعية المفارقة في حديقة المنظر الجميل بمدينة سوق السبت
المصدر: عمل شخصي، شهر مارس 2021
- وضعية التنافر:
تتميز هذه الوضعية في وجود فضاءات لا توفر تهيئتها الحضرية، الشروط المادية الدنيا لممارسة المشي، بحيث يتمثلها من طرف السكان كأماكن غير صالحة لهذه الممارسة لأنها غير آمنة، أو ارتبطت ببعض الممارسات كالدعارة، تعاطي الكحول والمخدرات، العنف والإجرام، لذلك فهي فضاءات شبه فارغة باستمرار من المشائين باستثناء ساكنتها المحلية، أو بعض المارة الذين لهم أهداف معينة تنسجم مع خصوصية المكان.
الصورتان 3 و 4: وضعية التنافر في حي الرجاء بمدينة سوق السبت
المصدر: عمل شخصي، شهر مارس 2021
ما يمكن أن نستخلصه من هذه الوضعية الحضرية المتسمة بالتنافر بين المشي والتهيئة المادية للفضاء العمومي، هو أن ممارسة المشي تكشف لنا أشكال التفاوت الاجتماعي داخل نفس المدينة، يكفي أن نقارن بين الشروط المادية التي وفرتها مخططات التهيئة الحضرية لصالح المشي في وسط المدينة على مستوى شوارع الجيش الملكي، الحسن الثاني ومحمد الخامس، حيث تركز المرافق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية والقريبة من الأحياء السكنية العصرية كحي الحسنية، حي لاسوطا، حي الهدى، حي المنظر الجميل، حي المستقبل…إلخ، مقارنة مع دوار الرواجح أو دوار خالوطة، العلاوة، الخرابشة، الدرانحة حيث مظاهر الهشاشة الاجتماعية والافتقار لأدنى الشروط المادية التي تسمح بممارسة المشي الحضري.
- وضعية التوافق:
تتميز هذه الوضعية بالانسجام بين الشروط المادية للفضاء العمومي وحركية المشائين، بحيث نجد فضاء مهيئا بشكل مناسب لصالح المشائين، تضمن لهم الاختيار بين أكثر من مسار، ويسمح بانسيابية المشي، والقيام بأنشطة أخرى بموازاة فعل المشي نجد هذه الوضعية في مدينة سوق السبت أولاد النمة بشكل واضح وسط المدينة على مستوى الشوارع الكبرى العابرة للمركز كشارع الجيش الملكي، والحسن الثاني وشارع محمد الخامس سواء في اتجاه مدن مراكش، بني ملال أو الفقيه بن صالح وكذلك في اتجاه السوق الأسبوعي للمدينة، تتوفر هذه المقاطع على المقومات المادية للمشي “رصيف واسع ومبلط، الإنارة، كراسي للاستراحة، أشجار، مساحات خضراء، ممرات خاصة بالراجلين.
الصورتان 5 و6: وضعية التوافق في مركز مدينة سوق السبت
المصدر: عمل شخصي، شهر مارس 2021
تتغير هذه العلاقات من نقطة إلى أخرى على مستوى نفس الشارع فمثلا شارع بئر انزران على مستوى حي الأمل وشارع المولى إسماعيل في اتجاه السوق الأسبوعي على مستوى حي الرياض، فابتداء من الساعة الرابعة إلى حدود الساعة مساء نجد هذه الشوارع محتلة من طرف الراجلين وهذا الواقع يعطينا مؤشرا حقيقيا على إفلاس سياسات التنقل القائمة على عزل الراجلين عن باقي وسائل التنقل في غياب ثقافة المشي لسلوك حضاري لدى الساكنة.
خريطة رقم 2 : أهم شوارع وأحياء مدينة سوق السبت اولاد النمة
المصدر:عمل شخصي أبريل2021
3-حالات المشي الحضري في مدينة سوق السبت أولاد النمة حسب تمثلات المستجوبات:
قادتنا المقابلة من عينة الدراسة إلى التمييز بين أسباب مختلفة لممارسة المشي في مدينة سوق السبت أولاد النمة، وقد جاءت النتائج على الشكل الثاني:
الجدول رقم1 :حالات المشي حسب تمثلات المستجوبات بمدينة سوق السبت
حالات المشي في المدينة | المشي لأجل المتعة | المشي لأسباب صحية | المشي كروتين يومي | المشي لكن ليس في أي وقت | المشي لكن ليس في أي مكان | المجموع |
الحصيص | 09 | 07 | 18 | 06 | 10 | 50 |
النسبة | 18% | 14% | 36% | 12% | 20% | 100% |
المصدر: نتائج المقابلات مع الراجلات: 2020-2021.
انطلاقا من المقابلات التي أجريناها، توصلنا إلى التمييز بين خمسة حالات للمشي الحضري حسب الأهداف التي تتوخاها المستجوبات من وراء المشي وكل حالة هي تجسيد لعلاقة خاصة بين المشروع الشخصي للمستجوبة الراجلة والشروط المادية والاجتماعية للفضاءات الحضرية العمومية التي يتحقق في إطارها ذلك المشروع.
-فئة المستجوبات تصل نسبتهن ب36% عبرن عن حالة المشي كروتين يومي، ويتعلق الأمر هنا بالحالة التي يكون فيها المشي ممارسة عادية، تقتضيها الحياة اليومية للمستجوبات بهدف تدبير تنقلاتهم داخل المدينة، لذلك فإن المشي في هذه الحالة لا يكون هو المطلوب في حد ذاته، بل أهداف أخرى كالانتقال إلى العمل، الدراسة، التسوق…إلخ حيث يصبح المشي وسيلة التنقل الأساسية إما لغياب وسائل نقل أخرى، أو لأنه أكثر بخاتمة وفعالية من الوسائل الأخرى.
ولأنه المشي في هذه الحالة وسيلة هامة، لذلك فإن المسافات المقطوعة محدد أساسي لفعالية هذا المشي الذي يعتبر سلوك روتيني، أجابت نعيمة 30 سنة وهي ربة بيت “عندي نص ساعة ما بين الدار والسويقة، نقدر نمشي مرتان للسويقة في اليوم”.
-تلي هذه الفئة، فئة أخرى من المستجوبات تصل نسبتهن ب 20% عبرن عن حالة أخرى للمشي ولكن ليس لأي مكان، هذه الحالة تنطلق من مسلمة أساسية وهي أن الفضاءات العمومية داخل المدينة ليست متكافئة فيما بينها من حيث استعمالها من طرف المستجوبات الراجلات، لأنهن غالبا ما يميزن بين أماكن صالحة وأخرى غير صالحة للمشي، وهذا ما صرحت به لطيفة (القاطنة بحي الرجاء، 44 سنة، ربة بيت)” كنشوف أنني نمشي فالبلايص لي فيهم الأمن، كنختار ديما طريق لي عامرة بالناس، بلايص يكونو عامرين وما يكونوش خاوين، كنتجنب المشي فالبلايص لي خاوين ومكنعرفهومش”.
-المشي من أجل المتعة وهي الحالة الأخرى التي عبرت عن فئة من المستجوبات بنسبة 18%، وفي هذه الحالة تمشي الراجلات طلبا لمتعة تتحقق أثناء ممارستها للمشي، إنه مشي مجاني لا ينتظر منه الوصول إلى نقطة محددة، وهذه الممارسة جديدة في مدينة سوق السبت أولاد النمة “حنا خرجنا غير على قبال باش نتمشاو”، تعبير للطالبة الجامعية سعاد، الساكنة بحي الحسنية، 22 سنة، أما أسماء وهي تلميذة مستوى الثانية باكالوريا بثانوية الخوارزمي التأهيلية والساكنة في حي سيدي الحضر، قالت: “الهدف ديالي هو نتمشى، ماشي نقضي شي غراض، حيث ملي كنكون كنبغي نرتاح ونفوج شوية كنتمشى على رجلي، ودايرة الكيت في وذني كنسمع للموسيقى…”
إن المشي في هذه الحالة، غاية في ذاته، لذلك غالبا ما يكون بدون شروط مسبقة، فقط لأن الأمر يجلب المتعة للراجلة.
-فئة أخرى من المستجوبات الراجلات تصل نسبتهن بـ 14% أشرن إلى حالة المشي لأسباب صحية، وفي هذه الحالة تجد الراجلة في المشي كرياضية للوقاية من بعض الأمراض، والحفاظ على اللياقة البدنية، وفي بعض الحالات يكون المشي سبيلا للتخفيف من بعض الأمراض المزمنة.
– خروج النساء مرفوقات بأبنائهن لممارسة الرياضة إما في الملعب البلدي أو على طول الطريق المؤدية إلى أولاد عياد، أو إلى منطقة دار الشمس، على طول قناة السقي، هذه الممارسة حديثة العهد بالمدينة، أملتها مجموعة من الظروف كانتشار بعض الأمراض المزمنة في صفوف النساء (السمنة، السكري، الكوليسترول، الضغط،…) أو بسبب الضغوط النفسية والمسببة للقلق والتوتر، فكان لابد من ممارسة الرياضة للترويح عن النفس.
أما عن فترة النساء المزاولات للرياضة إما في الصباح الباكر بعد شروق الشمس مباشرة أو مساءا بعد صلاة العصر.
“المشي بالنسبة لي ممارسة يومية حيث كنلقا فيه الراحة، خاصة وأنا مريضة بالسكر” (مقابلة 04 مع زهور 48 سنة ربة بيت).
-أما من عبرن من المستجوبات عن حالة المشي لكن ليس في أي وقت وصلت نسبتهن 12%، نتحدث عن هذه الحالة عندما يكون المشي اختيار مشروط بتوفر بعض الظروف التي لا تكون متاحة دائما، فهناك بعض المستجوبات الراجلات، يكون اختيار أوقات المشي بالنسبة لهن مشروط بتحسن الأحوال الجوية “كنتجنب نتمشى على رجلي ملي كاتكون الشتا بزاف ولا الحرارة مرتفعة، خاصة في مدينة سوق السبت المعروفة بالحرارة”. (مقابلة 05 مع فاطمة الزهراء، القاطنة بحي التقدم، 25 سنة، عازبة).
“حيث ما نخرجش ديما، نهار كنفكر نخرج أنا وراجلي نتمشاو، كايكون الجو مناسب ومعتدل” (مقابلة 06 مع حفيظة، 41 سنة، متزوجة، الساكنة بحي النخلة).
وفي بعض الأحيان، يكون وقت المشي مشروطا بالأمن، حيث غالبية النساء في المدينة يتفادين التنقل مشيا في فترة الليل خاصة في الأحياء الهامشية حيث انتشار للعنف والجريمة والمخدرات والسرقة… هذا إضافة إلى وجود أنواعا من المضايقات تعيشها المرأة المحلية دون الرجل في المشي كالمعاكسات والتحرش الجنسي، كما توجد فضاءات غير قابلة للولوج من طرف المرأة لأسباب أمنية وأخلاقية.
انطلاقا من هذه المعطيات والتي كشفت عنها نتائج المقابلات مع عينة الدراسة، ننتهي إلى خلاصة أساسية وهي أن ممارسة المشي عند المرأة في مدينة سوق السبت أولاد النمة يجري في سياقات معينة أي في شروط محددة، هي التي تجعله ممكنا أو مستحيلا، تلك السياقات التي يتخذ في إطارها المشي دلالته كممارسة اجتماعية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالمعاينة المباشرة لممارسات الراجلات وتسليط الضوء على مجموعة من الخصائص الفردية والجماعية التي تتقاطع مع سياقات حضرية للتفاعل الاجتماعي، كشفت عن تعدد أنواع الراجلات “متنزهات، متسولات، عاملات، متشردات، عابرات، متسوقات،…” كلهن مشاءات وراجلات، لكن ما يميز كل واحدة منهن في مسارها هو طبيعة العلاقة التي تقيمها مع الفضاء.
4- سوق السبت أولاد النمة مدينة، لا تخلو من عوائق لممارسة المشي من طرف المرأة المحلية.
من خلال المقابلات التي أجريناها مع عدد من المستجوبات الراجلات في فضاءات عمومية مختلفة داخل المدينة، حرصنا على طرح أسئلة الهدف منها استقصاء تمثلاتهن حول معيقات المشي في المدينة والتي قد تثنيهن عن المشي، فحصلنا على إجابات مختلفة من خلال معطيات الجدول الآتي:
الجدول رقم 2: معيقات المشي حسب تمثلات المستجوبات الراجلات في المدينة
معيقات المشي عند المستجوبات الراجلات | ضعف البنيات التحتية | التحرش الجنسي | ضعف الأمن | احتلال الملك العام | آخر | المجموع |
الحصيص | 18 | 14 | 09 | 06 | 03 |
50 |
النسبة % | 36% | 28% | 18% | 12% | 06% | 100% |
المصدر: نتائج المقابلات مع الراجلات: 2020-2021.
من خلال الجدول رقم 2 يمكننا أن نستخلص ما يلي:
أن 36% من المستجوبات الراجلات عبرن أن ضعف البنيات التحتية للمدينة من الأسباب الرئيسية التي تعيق ممارسة المشي عند المرأة المحلية بالمدينة رغم أن المدينة ومنذ سنة 2004 عرفت انطلاق مشاريع تجهيزية أهمها توسيع الشوارع، تبليط الأرصفة وبعض الأزقة، توسيع شبكة الإنارة بالشوارع، تهيئة المجالات الخضراء (حديقة الزرقطوني ،حديقة علال بن عبد الله)، تحسين مداخل المدينة وتشجير جوانب الطرقات، والساحات العمومية كساحة المنظر الجميل،…إلخ، إلا أن هذه المنجزات لم تكن كافية ن معظمها تركز في وسط المدينة وبينما باقي الأحياء لم تستفد من هذه المشاريع مما جعلها في عزلة عن الدينامية التي يعرفها مركز المدينة
-التحرش الجنسي يأتي في المرتبة الثانية بنسبة 28% من ضمن المشاكل التي ترى المستجوبات الراجلات أنها تعيق المشي في الفضاءات العمومية للمدينة. هذه الفئة تجد نفسها في مواجهة ممارسات صادرة عن الراجلين أنفسهم، مما يجعل في بعض الحالات المزاج اليومي لهذه الفئة يتأثر سلبا حسب نوعية المضايقات والمعاكسات التي تواجهها، مما جعل بعضهن يتراجع عن فكرة المشي بالمدينة، لأنه حسب المستجوبات قد يتطور الأمر إلى اعتداء جسدي أو لفظي أو هما معا تتعرض له المرأة والفتاة. للإشارة فإن هذه الظاهرة منتشرة في أماكن متعددة من المدينة.
-يعتبر ضعف الأمن أيضا من الأسباب المعيقة لممارسة المشي بالمدينة وذلك حسب رأي 18% من المستجوبات الراجلات، بحيث هناك فضاءات جرى تمثلها باعتبارها آمنة أكثر من غيرها لممارسة المشي خاصة في وسط المدينة وفي الأحياء العصرية كحي المنظر الجميل، حي الحسنية، حي الهدى، وحي الأمان، وحسب هذه الفئة، تعتبر الأزقة الضيقة والهامشية، ومنطقة السوق الأسبوعي ودوار الرواجح ودوار الخرابشة ودوار الدرانحة، ليست آمنة، حتى في النهار مقارنة مع وسط المدينة الذي يعرف حركية دائمة للراجلين والعربات.
الهاجس الأمني بالنسبة للمستجوبة الراجلة يبقى محددا أساسيا في اختيار الفضاءات التي ترعب في ممارسة المشي فيها وفي أوقات خاصة.
-ترى 12% من المستجوبات الراجلات أن مشكل احتلال الملك العام يساهم أيضا في عرقلة ممارسة المشي بالمدينة، فحسب هذه الفئة والتي تشكو من استمرار الاستيلاء غير القانوني للملك العمومي من لدن أرباب المقاهي والمحلات التجارية والباعة المتجولون “الفراشة”، تتركز هذه الظاهرة في شوارع تعرف حركة مرور مكثفة كشارع الجيش الملكي، شارع الحسن الثاني، شارع محمد السادس، وكذلك في منطقة تواجد السوق الأسبوعي للمدينة.
-أكدت المستجوبات الراجلات أن مظاهر استغلال الملك العمومي تجبر المشاة على السير جنبا إلى جنب مع وسائل المواصلات العامة والخاصة وباقي وسائل النقل (لدراجات الهوائية والنارية، والدراجات ثلاثية العجلات، العربات التي تجرها الأحصنة) مما يشكل تهديدا لسلامتهم الصحية والجسدية.
-وفي الأخير 6% من المستجوبات الراجلات عبرت عن أشكال أخرى المعيقة للمشي بالفضاءات العمومية للمدينة، كانتشار ظاهرة التسول والمتسكعين والمتشردين والكلاب الضالة، وهي ظواهر في ازدياد بالمدينة، هذه الظواهر لها تأثير سلبي على نفسية الراجلات يجعلهن لا يشعرن بالأمان والطمأنينة والمتعة أثناء ممارسة المشي بالمدينة.
خلاصة :– انطلاقا من هذه المعطيات التي كشفت عنها أقوال الراجلات، ننتهي إلى خلاصة أساسية وهي عدم وجود تناسبا بين المشي في مدينة سوق السبت أولاد النمة والشروط المادية التي توفرها المدينة، تؤشر هذه التهيئة غير المندمجة والموزعة بشكل متفاوت على فضاءات المدينة على أن وضعها من طرف المسؤولين عن التخطيط الحضري بالمدينة لم تراعي احتياجات المرأة المحلية أثناء استخدامها للفضاء العام، إضافة إلى عدم استطاعة هؤلاء المسؤولين عن التخطيط لترسيخ المشي كسلوك حضري له نتائج إيجابية على صحة الفرد وجودة المدينة.
– ينبغي مراعاة احتياجات المرأة المحلية في عملية التخطيط الحضري للمدينة:
- إن الرهانات المرتبطة اليوم بالمجال الحضري شائكة ومتعددة، فمستقبل المجال الحضري المغربي رهين بمدى قدرة مدنه على الإدماج الفعلي لكل شرائحه الاجتماعية وذلك من خلال تلبية الحاجيات لجميع السكان للاستفادة بدون تمييز وإقصاء من خدمات المدينة، إن ما أبسط مظاهر الديمقراطية الواجب تحقيقها في مجتمع يتألف من الرجال والنساء ويعيشون في مدينة واحدة، أن يراعى في التخطيط الحضري احتياجات كافة فئات المجتمع المختلفة، وأن تراعى المتطلبات المادية والمعنوية الكفيلة بضمان تفاعل الجميع مع المجال تفاعلا إيجابيا.
- إن المرأة في مدينة سوق السبت أولاد النمة وجدت نفسها مجبرة على استخدام الفضاءات العمومية وفق معايير لا تتفق جميعها مع احتياجاتها المادية والمعنوية، مما أدى إلى حرمان المرأة المحلية من حقها في استخدام تلك الفضاءات التي ترتادها.
ومن أجل النهوض بسياسات التخطيط الحضري لتصبح أكثر مراعاة لاحتياجات المرأة المجالية المادية منها والمعنوية نورد التوصيات الآتية :
- ضرورة إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في التخطيط الحضري وفي إعداد المشاريع المتعلقة بالمدينة، فلا تنمية محلية دون إشراك طاقات المدينة.
- تمكين المرأة من مناصب قيادية لتدبير الشأن المحلي وإعطاءها الفرصة لإثبات الذات والاستفادة من مهاراتها وقدراتها.
- يتوجب على المخططين التعاون مع الفعاليات النسوية بالمدينة، لأن إشراكهن في التخطيط تصبح فضاءات المدينة أكثر أمنا.
- اختيار منتخبين ذوي كفاءات وقدرات علمية عالية قادرين على التدبير الرشيد والمعقلن لموارد المدينة الاقتصادية والاجتماعية، ولهم تكوين عال في معالجة قضايا المرأة على أساس الإنصاف والمساواة.
- الاستفادة من تجارب وطنية ودولية ناجحة في مجال إدماج النوع الاجتماعي في صلب التخطيط الحضري.
- توفير جميع التجهيزات والمرافق والخدمات التي يحتاجها المواطن وتعميمها بشكل متكافئ في مختلف أحياء المدينة.
- تشجيع الاستثمار العمومي المراعي للنوع الاجتماعي في عملية التخطيط الحضري.
- أهمية إعادة التفكير في استراتيجية تخطيط المدينة وفقا لمعايير حديثة تأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر المرأة في استهلاك الفضاءات العامة في كل الأوقات ودون الشعور بخطر.
- تحسين الوضعية الأمنية بالمدينة من خلال الزيادة في عدد رجال الأمن وتنظيم دوريات أمنية تجوب مختلف أنحاء المدينة للتقليل من العنف والجريمة والاعتداءات خاصة تلك التي تتعرض لها المرأة المحلية.
- إشراك فعاليات المجتمع المدني في عملية تدبير شأن المدينة من خلال القيام بحملات تحسيسية موجهة للساكنة، باعتبارهم ركيزة أساسية في تحسين وضعية المدينة، وتوجيهها بأهمية الحفاظ على المشهد البيئي للمدينة والرفع من مردوديتها.
- ينبغي على التخطيط الحضري أن لا يركز فقط أن تكون مجالات لا تراعي مسألة خصوصية الاحتياجات النسائية، أي أن تكون وكأنها تبدو ذكورية، فالأماكن العامة لكلا الجنسين، ومفروض أن تتوفر على مواصفات تراعي الاختلاف بينهما.
- الاهتمام بالمشي كممارسة حضرية يجب أن لا يقتصر على مبادرات المجتمع المدني، بل ينبغي أن يكون هناك اهتماما من قبل المخططين والمشرفين على السياسات الحضرية بأسلوب التنقل هذا، باعتباره أنجع الأساليب لتحقيق ولوجية أفضل إلى الفضاءات الحضرية، وذلك من خلال الاهتمام بتوفير تهيئة مناسبة لصالح المشاة خاصة من النساء.
- –DECERTEAS, Michel (1990) « L’invention du quotidien » Tome 1 : Arts de faire, Paris : Gallimard « Follio essais », n° 146).
- –DEMERS, Marie (2006) « Pour une ville qui marche : Aménagement urbain et santé, traduit de l’anglais par FOREST Françoise, Montréal, Eco société.
- -Jean, Martin (2006) « Une géographie critique de l’espace du quotidien : L’actualité mondialisée de la pensée spatial d’Henri Lefebvre » : http://articulo.revues.org/897.Do
- L (1999) “L’image de la cite” DUNOD Paris, ISBN 2100037161. France.
- –LAVADINHO, Sonia (2011) « Réenchanter la marche, ludifier la ville : Bonnes pratiques et actions innovantes » les cahiers nouveaux, N° 80.
- -Le Breton, David (2012) « Eloge des chemins de la lenteur ». Paris, Métailié.
- -LEVY Jacques (2008) « Ville pédestre, ville rapide » Urbanisme, n° 359. Anthropologie, Paris : PUF.
- -Sandra, Huning et traduit par Alice Delarbre (2013) « Intégrer le genre à la planification urbaine », metropolitique.eu.html.
- -SANSOT, Pierre (1996) « Marcher, marcher dans la ville… » pp. 138-145. In : Poétique de la ville, Paris, Armand colin (1ère édition 1971).
- -THIBAUD, Paul (2007) « La fabrique de la rue en marche : essai sur l’altération des ambiances urbaines » Flux, n° 66/67.
- العربي الوافي (2008) “مقاربة النوع والتنمية”، مطبعة النجاح الجديدة.
- وزارة المالية المغربية (2005) “دليل إصلاح الميزانية، المقاربة “جديدة لتدبير المرتكز على النتائج والمدمجة لمقاربة النوع الاجتماعي.
[1]-Le Breton, David (2012) « Eloge des chemins de la lenteur ». Paris, Métailié, p.167.
[2] -LEVY Jacques (2008) « Ville pédestre, ville rapide » Urbanisme, n° 359. Anthropologie, Paris : PUF, pp. 57-59.
[3] -SANSOT, Pierre (1996) « Marcher, marcher dans la ville… » pp. 138-145. In : Poétique de la ville, Paris, Armand colin (1ère édition 1971).
[4] -DECERTEAS, Michel (1990) « L’invention du quotidien » Tome 1 : Arts de faire, Paris : Gallimard « Follio essais », n° 146), p 461.
[5] -SANSOT, Pierre (1996) « Marcher, marcher dans la ville… » pp. 138-145. In : Poétique de la ville, Paris, Armand colin (1ère édition 1971).
[6] -DEMERS, Marie (2006) « Pour une ville qui marche : Aménagement urbain et santé, traduit de l’anglais par FOREST Françoise, Montréal, Eco société, p 288.
[7] -THIBAUD, Paul (2007) « La fabrique de la rue en marche : essai sur l’altération des ambiances urbaines » Flux, n° 66/67, pp 111-119.
[8]-LAVADINHO, Sonia (2011) « Réenchanter la marche, ludifier la ville : Bonnes pratiques et actions innovantes » les cahiers nouveaux, N° 80, pp 14-24.
[9] -وزارة المالية المغربية (2005) “دليل إصلاح الميزانية، المقاربة “جديدة لتدبير المرتكز على النتائج والمدمجة لمقاربة النوع الاجتماعي” ص 44.
[10] – العربي الوافي (2008) “مقاربة النوع والتنمية” مطبعة النجاح الجديدة، ص 91.
[11] – العربي الوافي (2008) مرجع سابق، ص 92.
[12] – المرجع نفسه، ص 95.
[13] -Sandra Huning et traduit par Alice Delarbre (2013) « Intégrer le genre à la planification urbaine ».
www.metropolitique.eu.html.
[14] -Jean Marlin (2006) « Une géographie critique de l’espace du quotidien : L’actualité mondialisée de la pensée spatial d’Henri Lefebvre » : http://artoicle, revues.org/897.Dol.10.4000
[15] Kevin. L (1999) “L’image de la cite” DUNOD Paris, ISBN 2100037161. France. pp53-70