استدامة الحقوق التنموية في ظل جائحة كوفيد-19 (نموذج حق الشغل بالوطن العربي)
Sustaining development rights in light of the Covid-19 pandemic (The right to work model in the Arab world)
د. الداودي نورالدين، جامعة عبد المالك السعدي، المغرب.
Daoudi Noureddine, Abdelmalek Saadi University (Morocco)
بحث منشور في كتاب أعمال مؤتمر أزمة حقوق الإنسان في ظل جائحة كوفيد-19 ص 61.
ملخص
جائحة كوفيد-19 شكلت امتحانا حقيقيا للدول في مواجهة اللازمات، و أثبتت أن الدول بصفة عامة والدول العربية بصفة خاصة، التي لم تستثمر في الإنسان و لم ترس له حقوقا ولم تعمل على استدامتها، ولم تجعل من عوائد التنمية الاقتصادية مرتبطا بالحماية الاجتماعية، كيف أنها وقعت فريسة سهلة لتداعيات كوفيد-19 من جراء الحجر الصحي، و كان من أبرز هذه التداعيات تأثر الحقوق الهشة و على رأسها الحق في الشغل .
الكلمات المفتاحية: جائحة كوفيد-19، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التنمية المستدامة، حق الشغل.
Abstract:
Covid-19 constituted a real test for countries in the face of crises, and it proved that countries work in the field of social relations, which did not invest in human rights, and did not make the proceeds of economic development related to social protection, and being an institution, the following picture is easy for the repercussions of Covid-19.
Keywords: Covid-19, economic and social rights, sustainable development, the right to work,
مقدمة
بداية أود أن أشكر المنظمين على الدعوة للمشاركة في هذا مؤتمر المتميز حول موضوع له راهنيته ويشكل محط اهتمام معظم الفعاليات الدولية والوطنية الحكومية أو غير الحكومية التي تهتم بحماية الإنسان وتحصين حقوقه.
أيضا سعيد بتواجدي مع الأساتذة الأفاضل في هذا الملتقى الفكري لملامسة القضايا التي تعنى بتنمية الإنسان وحماية كرامته و الرقي بها خاصة في زمن أصبح منسوب الوعي بتكريس حقوق الإنسان في تزايد مستمر و في سياق مفعم بالرغبة في التمكين من كافة الحقوق من جهة و الحرص على صونها في زمن الأزمات من جهة أخرى.
و تماشيا مع أهداف المؤتمر سأحاول في هذه الورقة أن ألامس تداعيات جائحة كوفيد-19 على الحقوق الاقتصادية، و تأصيل الموضوع من زاوية استدامة الحقوق التنموية في ظل أزمة كوفيد-19 مع تسليط الضوء على استدامة حق الشغل بالوطن العربي كنموذج.
غالبا ما تؤثر الأزمات الدولية على عملية اعادة انتاج المفاهيم، شأنها في ذلك شأن الأزمات الطبيعية التي تعيد تشكيل الطبيعة كحركات الزلازل والبراكين، فمثلا بعد الازمة المالية 1929 ظهر مفهوم الدولة المتدخلة على انقاض الدولة الدركية، و بعد الحرب العالمية الثانية ظهر مفهوم الواقعية الدولية على أنقاض النظرية المثالية. و بعد حرب الخليج ظهر مفهوم العولمة…ايضا مما لاشك فيه أن أزمة كوفيد-19 سوف تدفعنا الى إعادة النظر في مجموعة من المفاهيم ، من بين هذه المفاهيم، المفاهيم المرتبطة بالتنمية و حقوق الإنسان.
إن من بين أكبر التحديات الآنية التي تواجهها الدول هو تحدي التنمية، لهذا نجد أن أكثر ما تصبوا اليه الحكومات في مخططاتها هو ايجاد نموذج تنموي تستطيع من خلاله الإجابة على تطلعات مواطنيها. و اذا كانت الحكومات تحرص عبر سياساتها الى تحسين مؤشراتها الاقتصادية و تعتبره مدخلا لتحقيق التنمية عبر التحكم في العجز و نسبة النمو و الرفع من الاستثمارات و محاربة التضخم…
فإنه اليوم تأكد بعد جائحة كوفيد-19 أنه لم يعد مفهوم التنمية يرتبط بالأساس بتدبير الموارد الطبيعية و استثمارها بغرض تحقيق فائض في الانتاج يعود على المجتمع بأرباح اقتصادية، بل أصبح مفهوم التنمية الحديث يتمحور حول الإنسان و يبحث في سبل تمكينه من عائدات التنمية، بهدف دمجه في محيطه السوسيو اقتصادي، و بالشكل الذي تتحقق فيه الكرامة الإنسان ية. لهذا أصبح مفهوم التنمية الحديث لا يقتصر على البعد الاقتصادي فحسب، بل أصبح أيضا يدمج البعد الحقوقي، لتحقيق تنمية مستدامة و للوصول الى المناعة الاجتماعية ضد الأزمات.
و هكذا رأينا أن الحكومات وخاصة الحكومات العربية التي ابتعدت في سياساتها العمومية عن الاستثمار في بعد الحقوق، كيف عانت من آثار كوفيد-19 و وضعت سياساتها على المحك. بل و سرعان ما أميط الغطاء عن هشاشة سياساتها الحقوقية وخاصة تلك المتعلقة بالحقوق الاجتماعية وفي مقدمتها حق الشغل جراء الانكماش الذي خلفته التداعيات الاقتصادية للأزمة.
إن جائحة كوفيد-19 كشفت عن انتكاسة مزدوجة اقتصادية و اجتماعية تسببت في فقدان الكثير من العمال خاصة في صفوف الشباب العربي لوظائفهم نتيجة تدابير الحجر الصحي التي أقدمت عليها بلدانهم. فكوفيد-19 زادت لتأكد ضعف منظومة الحقوق المرتبطة بتنمية الإنسان بالوطن العربي.
هذا الوضع طرح اشكالا لطالما حير كافة الحكومات العربية اشكالا له ارتباط بجسامة الخيارات: هل تختار الحماية من كوفيد-19 على حساب التضييق على سبل العيش، أم تختار عيش حياة طبيعية و تترك مواطنيها يواجهون مصيرهم جراء هذا الوباء اللعين؟ أم هناك امكانية أن تخرج عن هذا الخيار اللعين و أن تواجه كوفيد-19 (الأزمة) و في نفس الوقت تضمن استمرارية سبل العيش؟
هذا الاشكال أعاد إلى اذهاننا أسئلة تقليدية يتجدد طرحها عندما تواجه حكوماتنا الأزمات التي تكون لها تداعيات على حقوق الإنسان كما هو الحال بالنسبة لجائحة كوفيد-19، هذه الأسئلة يمكن إثارتها في سؤالين جوهريين:
السؤال الأول: إذا كان إعمال حقوق الإنسان غايته هي تنمية الإنسان ، فما فائدة منح الإنسان حقوقا مدنية و سياسية دون تمكينه من حقوقه الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية؟
السؤال الثاني: إذا كانت حقوق الإنسان وحدة كاملة غير قابلة للتجزئة فهل حماية الحق في الحياة (جراء اجراءات الحجر الصحي للحماية من وباء كوفيد-19) يبيح انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية و على رأسها الحق في الشغل؟
كل هذه الأسئلة سأحاول الإجابة عنها من مقترب استنباطي انطلق فيه مما هو عام لتدارس أسس استدامة الحقوق التنموية باعتبار حقوق الإنسان وحدة كاملة مترابطة غايتها تحقيق الكرامة الإنسانية، ثم أعرج إلى ما هو خاص عبر الوقوف عند تبيان كيفية استدامة حق الشغل باعتباره جزء من الحقوق التنموية و في ظل تداعيات جائحة كوفيد-19.
و بناءً عليه ستقسم هذه الورقة الى قسمين:
أولا. أسس استدامة الحقوق التنموية.
ثانيا. استدامة حق الشغل في ظل تداعيات جائحة كوفيد-19 بالوطن العربي.
أولا. أسس استدامة الحقوق التنموية
لقد اهتم المجتمع الدولي بالإنسان ، و حث على اعتباره الغاية الأسمى في المخططات التنموية، فأفرد له حقوقا مدنية و سياسية و أخرى اقتصادية و اجتماعية و ثقافية وضمنها في اتفاقيات شارعة[1]، و أخرى خاصة ( إما خاصة بفئة معينة أو بحق من الحقوق )، و ألقى على عاتق الدول مسؤولية الالتزام بحمايتها بعد المصادقة عليها. و توج هذا الاهتمام بأن جُعل “الإنسان ” محور الأهداف السبعة عشر لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015 [2].
إلا أنه في الواقع حينما يتعلق الأمر بحماية الحقوق المدنية و السياسية نجد التزام الدول باحترامها وحمايتها[3] هو التزام فوري وحاسم، و الواقع أن ذلك منطقي ومفهوم لأن احترام هذه الطائفة من الحقوق لا يكلف الدولة المعنية اتخاذ إجراءات طويلة أو مكلفة و إنما يقتضي مجرد الامتناع عن انتهاكها أو المبادرة إلى الكف عن الانتهاك في حالة وقوعه، و لذلك فإن أسلوب الحماية يتمثل عادة في توجيه الاتهام و الإدانة إلى الدولة التي تنتهكها .
أما حينما يتعلق الأمر بحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية فإن طبيعتها يستعصى تحقيقها للكافة في ذات الوقت و على نفس المستوى[4]، فهي تتطور و تنمو بناءً على قدرة الدولة.
و لكون الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا تقل أهمية عن الحقوق المدنية و السياسية، فإن السعي لحمايتها يجب أن يكون على قدر السعي لحماية باقي الحقوق أو أكثر لما لها من أثار على صون باقي الحقوق الأخرى، فالإنسان لا يتعلم المدنية الا عندما يطعم و يكسى بشكل لائق. “حسب المقولة الشهيرة للفيلسوف الصيني كونفوشيوس.”
و يندرج على رأس هذه الحقوق الحق في الشغل و الحق في شروط عمل عادلة و مرضية و الحريات النقابية و هذه الحقوق لا يمكن أخذ احداها دون الأخرى استنادا لمبدأ حقوق الإنسان وحدة كاملة غير قابة للتجزئة.
و لكون حق الشغل من أبرز الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية[5] ، فإن عدم توفيره و حمايته للمواطنين، يخلف غالبا شعور بالمهانة و بالمس بالكرامة الإنسانية و بضيق سبل العيش، لذلك كانت المطالبة بالحق في العمل و استدامته من أهم ما تواجهه الحكومات من طرف مواطنيها.
ولكن هذا الحق يتوقف اقبالا أو اعراضا على مستوى التقدم الاقتصادي والاجتماعي للدولة. مما يجعله أكثر الحقوق هشاشة و تأثرا بالمتغيرات. و تمرينا حقيقيا للحكومات في اختبار سياساتها العمومية في حماية الحقوق زمن الازمات.
ثانيا. استدامة حق الشغل في ظل تداعيات جائحة كوفيد-19 بالوطن العربي
رغم المجهودات التي تبذلها الحكومات العربية في مجال حماية الحق في الشغل الا أنها تقع في الكثير من الأحيان أمام رهان الاجابة عن بعض الأسئلة المعقدة التي تطفو على السطح في وقت الازمات، لتكشف عن جوانب قصور الحقوق المرتبطة بالشغل في الوطن العربي، فوباء كوفيد-19 كشف عن مكامن ضعف بنيوية عمقت الجراح التي كنا نعاني منها منذ زمن طويل كالبطالة[6] و الفقر و الهجرة و هشاشة أنظمة الضمان الاجتماعي… الأمر الذي يقتضي معه التفكير في تجديد و اعادة النظر في الكيفية التي نقارب بها الاشكالات الراهنة التي يطرحها موضوع حقوق الإنسان خاصة في المجال التنموي.
الآن هناك العديد من الأسئلة تطرح في زمن جائحة كوفيد-19 تحتاج الى إجابة لها علاقة بحق الشغل، سؤال انعكاسات النمو الاقتصادي على التشغيل ، هذا السؤال الذي لطالما عكس جسامة التحديات التي تواجهها الحكومات العربية في ربط القيمة الانتاجية بالتنمية البشرية، سؤال إعمال حقوق الإنسان في زمن الأزمات فوباء كوفيد-19 كشف عن العديد من الاختلالات الناتجة عن تضرر مجموعة من الحقوق جراء الحجر الصحي على رأسها التشغيل، زيادة نسبة البطالة في صفوف حاملي الشواهد، احتجاجات في صفوف الشغيلة… إلخ.
هذه النماذج من الأسئلة تعكس الواقع المرير لحقوق الإنسان المرتبطة بالشغل في الوطن العربي و التي تزداد عمقا في مواجهة الأزمات[7]، و الإجابة عنها لا يكفيها إحداث تشريع قانوني أو الغاء فصل قانوني، بل تتعداها إلى أمر أبعد من ذلك وهو التجديد في مقاربة موضوعات حق الشغل في السياسة العمومية بالشكل الذي يستجيب للتغيرات التي يعرفها المجتمع العربي بما فيها التغيرات الناتجة عن الأزمات من جهة. و جعل مختلف أنواع الحقوق قابلة للتنزيل ودون تمييز ومحط توافق وتعكس ارادة مكونات المجتمعات العربية من جهة ثانية.
وحل هذه المعادلة الصعبة يمر عبر ثلاثة مرتكزات أساسية:
المرتكز الأول: ادراج الحقوق الجماعية في السياسات العمومية، فالحديث عن الحقوق غالبا ما يكون المخاطب بها هو الفرد، و كنا نعتقد لوقت قريب أن حقوق الإنسان هي حقوق فردية، لكن الاشكالات الحديثة التي أصبحت تطرح الأن أفرزت نمطا جديد من الحقوق المتعلقة بالجماعة كالحق في التنمية المستدامة.
فمثلا السياسة العمومية في البلدان العربية في مجال إعمال حق التنمية كانت تقوم على أساس اعتباره حق فردي و المستهدف فيها هو الفرد عبر توفير فرص الشغل، و التحسين من ظروف العيش، و كانت تغفل استدامة هذا الحق في حال انقضاء فرص التنمية للأجيال الحالية (جراء الأزمات الاقتصادية و الوبائية…) و للأجيال القادمة (نتيجة ندرة الموارد الطبيعية). فمثلا مجموعة من الدول تسعى إلى جلب الاستثمارات الأجنبية في المجال الفلاحي لتوفير فرص عمل إضافية، ولكن تتغاضى عن ما تقوم به هذه الشركات الفلاحية الأجنبية من استنزاف للفرشة المائية و للمواد العضوية للتربة الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي على الأجيال المستقبلية من جهة، و من جهة أخرى فإن الاستثمارات الأجنبية الموجهة للتصدير تكون أول المتضررين والأكثر تأثرا عند الأزمات الدولية و تصبح اليد العاملة التي تشتغل في هذا المجال عرضة لفقدان وظائفهم. و لعل هذا و ذاك يطرحان اشكالية استدامة الشغل.
المرتكز الثاني: إعمال مبدأ تكامل الحقوق، إن الغاية الأسمى لإعمال الحقوق هي تحقيق الكرامة الإنسانية، و إعمال أي حق من الحقوق يجب ألا يتعارض مع هذه الغاية الأسمى، فالحقوق متساوية من حيث القيمة ولا وجود للتفضيل بين الحقوق. فانتهاك حق من الحقوق تحت ذريعة حماية حق آخر فإنه سيؤدي لا محال إلى المس بالكرامة الإنسانية، فالأصل في الحقوق أنها غير قابلة للتجزئة متكاملة و متعاضد فيما بينها يخدم بعضها البعض.
هذا الأمر طرح بشكل جلي جراء الآثار التي خلفتها جائحة أزمة كوفيد-19 على حقوق الإنسان ، فإن كانت مختلف الدول عملت على فرض حجر صحي لحماية الحق في الحياة، إلا أن هذا الأمر كان له انعكاس سلبي على مجموعة من الحقوق، في العديد من الدول و من بينها الدول العربية، التي لم تتخذ الاجراءات الكافية لتعزز حماية الحقوق المتضررة .
و من أبرز الحقوق التي تضررت جراء الحجر الصحي حق الشغل، فحماية الحق في الحياة لا يجب أن يتعارض مع الحق في الشغل، و إعمال حق الشغل يتأتى عبر تعضيده بحقوق أخرى كحق الضمان الاجتماعي و التأمين الاجتماعي، الحق في الولوج إلى الصحة و إلى التنقل (الحقوق المرتبطة بتخفيض تكلفة العيش)، و حق التمكين من الانترنيت لفتح الأفاق أمام المهن الجديدة التي تعتمد آلية الشغل عن بعد، وحق التعليم و التدريب و الاستفادة من البحث العلمي لمواكبة متطلبات سوق الشغل، و الاعتماد في بناء الاقتصاد الوطني على القطاعات الأساسية التي يكون حجم الضرر فيها ضعيف جراء الأزمات كالقطاع الفلاحي و الصيد البحري، الصناعات الأساسية كصناعة الأدوية والصناعات الغذائية، قطاع الطاقة، قطاع الاتصالات. . . إلخ.
المرتكز الثالث. ارساء ورش للتعاقد الاجتماعي حول مفهوم الشغل: يعرف الوطن العربي في الآونة الأخيرة نقاشات محتدمة حول ممارسة الحريات وحق الاضراب و اصطدامها بمفهوم حماية النظام العام مما يؤدي أحيانا إلى تغليب المقاربة الأمنية على حساب المقاربة الحقوقية، و هذا الأمر يمس بصورة الوطن العربي في مجال الوضع الحقوقي، مما يدعو إلى فتح نقاش حقيقي حول إعادة النظر في الأدوار الوظيفية لمؤسسات الوساطة في مجال الشغل (خاصة في ظل تنامي ظاهرة التنظيمات غير المؤطرة على حساب الهيئات النقابات) ودورها في تأطير الفعل الاحتجاجي من جهة، ومأسسة ثقافة الحوار الاجتماعي بين الحكومات والقطاع الخاص و ممثلين العمال، كسبيل لإرساء تعاقدات اجتماعية متجددة في مجال الشغل و من أجل ضمان السلم الجماعي في مجال العمل.
خاتمة:
ما يمكن أن نؤكد عليه في الختام، هو أن جائحة كوفيد-19 قد أعادت شد انتباهنا إلى ضرورة توجيه بوصلة انتاجنا المعرفي في ما يخص مجال حقوق الإنسان، فالإنتاج الفكري في الوطن العربي يكرس الجدلية التقليدية حول التحرر من قيود السلطة و ينساق في نمطية السعي وراء (الحداثة الحقوقية) و فتح النقاش في مجال الحريات والحقوق المتقدمة (الإجهاض، الموت الرحيم، العلاقات الرضائية…) و يغفل أطروحات سبل تمكين الإنسان العربي من حقوقه الاقتصادية و الاجتماعية بالتوازي مع باقي الحقوق في اطار متكامل و متعاضد، و بالشكل الذي تتحقق فيه كرامة الإنسان العربي.
و عموما ما يمكن أن نخلص إليه من نتائج في هذا الموضوع نشملها في النقط التالية:
_ أكدت جائحة كوفيد-19 على أن مفهوم التنمية له ارتباط بحقوق الإنسان بنفس قدر ارتباطه بالاقتصاد.
_ كشفت جائحة كوفيد-19 عن هشاشة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها حق الشغل بالوطن العربي .
_ عانت الدول التي لم تستثمر في حقوق الإنسان الاجتماعية ( نظام الحماية الاجتماعية، التغطية الصحية، التعويض عن فقدان العمل…) بشكل كبير من تداعيات كوفيد-19.
_ قياس حق الشغل ليس محصورا بمدى توفره بقدر ما هو مرتبط باستدامته و حمايته.
و ما يمكن أن نوصي به في هذا المجال لتحصين الحقوق التنموية من تداعيات الأزمات:
_ التأكيد على أن حقوق الإنسان وحدة كاملة لا تقبل التجزئة؛
_ شد انتباه الباحثين إلى إعطاء المزيد من الاهتمام الفكري للحقوق الهشة التي سرعان ما تتأذى بتداعيات الأزمات و على رأسها الحقوق الاجتماعية؛
_ ربط عوائد التنمية الاقتصادية بالحماية الاجتماعية؛
_ دعوة الحكومات العربية إلى تشجيع البحث العلمي لأنه هو السبيل الوحيد لحل الاشكالات التقليدية و المستجدة، و القادر على مواجهة الأزمات،
_ دعوة الحكومات للاندماج في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي إعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة،
_ خلق مراكز فكرية لرصد و تدبير الأزمات.
لائحة المصادر والمراجع:
- أحمد شرف الدين، الإضراب والحريات النقابية: أحكام و وثائق، دار الخدمات النقابية والعمالية 1996.
- الإصدار الخامس لمنظمة العمل الدولية حول تأثيرات فيروس “كوفيد-19 “على أسواق العمل – 30 يونيو 2020.
- حسن إيما محمد، التطور العالمي والاقليمي لحقوق الإنسان وانعكاساته على المنظمات الحقوقية، الشبكة العربية للمنظمات الحقوقية، دار نوبار للطباعة مصر 2006 .
- خطة التنمية المستدامة عام 2030، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، الدورة 70 بتاريخ 25 شتنبر 2015.
- فاتح سميح عزام، ضمانات الحقوق المدنية و السياسية في الدساتير العربية، مركز القاهرة لدراسة حقوق الإنسان ، دار المستقبل العربي القاهرة 1995.
- منظمة العمل العربية، دراسة حول تأثيرات أزمة كوفيد-19 (كوفيد 19) على قضايا التشغيل و أسواق العمل العربية 2020.
- مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ، المعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان ، الأمم المتحدة نيويورك 2007.
[1] – مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان، المعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الانسان، الأمم المتحدة نيويورك 2007
[2] – خطة التنمية المستدامة عام 2030 ، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، الدورة 70 بتاريخ 25 شتنبر 2015.
[3] – فاتح سميح عزام، ضمانات الحقوق المدنية و السياسية في الدساتير العربية، مركز القاهرة لدراسة حقوق الانسان، دار المستقبل العربي القاهرة 1995، ص30.
[4] – حسن إيما محمد، التطور العالمي و الاقليمي لحقوق الانسان و انعكاساته على المنظمات الحقوقية، الشبكة العربية للمنظمات الحقوقية، دار نوبار للطباعة مصر 2006 ص 125 .
[5] – أحمد شرف الدين، الإضراب و الحريات النقابية: أحكام و وثائق، دار الخدمات النقابية و العمالية 1996 ص 46.
[6] – بلغت خسائر وقت العمل في الربع الثاني من عام 2020 في الدول العربية %13،2 . الإصدار الخامس لمنظمة العمل الدولية حول تأثيرات فيروس “كوفيد-19 “على أسواق العمل – 30 يونيو 2020.
[7] – منظمة العمل العربية، دراسةحول تأثيرات أزمة كورونا (كوفيد 19) على قضايا التشغيل و أسواق العمل العربية 2020، ص 9.