جريمة الاتجار بالبشر في ضوء التشريع الجزائري
The crime of human trafficking in light of the Algerian legislation
طورش إيمان، طالبة دكتوراه، تخصص قانون، جامعة قرطاج، تونس
Toureche imane, doctorat Student, Law specialty, Carthage University, Tunisia
بحث منشور في مجلة جيل حقوق الانسان العدد 40 الصفحة 89.
Summary:
In this research we study the crime of human trafficking, through detail in the concept of crime and Determine its scope, elements and pillars, and Given the fact that human trafficking is among the organized crimes transboundary, countries around the world have committed to preventive measures and national legislation to combat it and punish the perpetrators, among the countries that have sought to protect human beings from the crime of human trafficking in their national laws. It is Algeria that set a set of laws to deter this crime, and based on this consideration.
We tried to clarify the position of the Algerian legislator, his legal adaptation to this crime, and how he punishes the perpetrators of this type of crime.
And at the end of this study, I concluded that the Algerian legislator although amending the penal code, and his keenness on the legal texts to combat this crime.
However, the reference to a serious crime such as human trafficking, just in the penal code is not enough to deter this crime in particular and organized crime in general, because such crimes require a special law within the national laws.
Key words: Palermo Protocols, Human trafficking, organized crime, aggravating circumstances, mitigating excuses.
ملخص:
قمنا في هذا البحث بدراسة جريمة الاتجار بالبشر من خلال التفصيل في مفهوم الجريمة وتحديد نطاقها وعناصرها وأركانها ،ونظرا لكون الاتجار بالبشر من الجرائم المنظمة العابرة للحدود فقد التزمت دول العالم بتدابير وقائية وتشريعات وطنية لمكافحتها ومعاقبة مرتكبيها، ومن الدول التي سعت إلى حماية الإنسان من جريمة الاتجار بالبشر في قوانينها الوطنية هي الجزائر التي وضعت مجموعة من القوانين لردع هذه الجريمة ،وانطلاقا من هذا الاعتبار حاولنا توضيح موقف المشرع الجزائري وتكييفه القانوني لهذه الجريمة وكيفية معاقبته لمرتكبي هذا النوع من الجرائم.
وفي نهاية الدراسة توصلنا إلى أن المشرع الجزائري رغم تعديله لقانون العقوبات وحرصه على النصوص القانونية لمكافحة هذه الجريمة، غير أن الإشارة لجريمة خطيرة مثل الاتجار بالبشر فقط في قانون العقوبات لا يكفي لردع هذه الجريمة بصفة خاصة وللجريمة المنظمة بصفة عامة، لان مثل هذه الجرائم تستدعي قانون خاص بها ضمن القوانين الوطنية.
الكلمات المفتاحية: بروتوكول باليرمو. الاتجار بالبشر. الجريمة المنظمة. الظروف المشددة. الأعذار المخففة.
مقدمة:
تشهد جريمة الاتجار بالبشر اليوم ارتفاعا كبيرا، وانتشارا واسعا خاصة بعد التطور العلمي والتكنولوجي الحديث، إضافة إلى توسع بؤر التوتر السياسي في اغلب الدول مما صاحبه ارتفاع معدل البطالة والفقر في العالم، وهو الأمر الذي سهل انتشار هذه الجريمة بشكل سريع وسري باعتبارها فرصة للحصول على موارد مالية متجددة.
واستنادا إلى ذلك فان هذه الجريمة تتسم بطبيعتها الخاصة التي تنصب أساسا على الأشخاص الذين يعانون من الفقر والبطالة والضعف البدني ،خاصة النساء والأطفال وهما يمثلان السلعة المتجددة والمتحركة في هذه التجارة الغير قانونية.
وتعتبر الجزائر من بين الدول التي سعت إلى مكافحة جريمة الاتجار بالبشر في قوانينها الوطنية، وهو الأمر الذي ترجمه تعديل قانون العقوبات سنة 2009 و الذي من خلاله سعينا إلى دراسة الجانب القانوني لهذه الجريمة من خلال تحليل المواد القانونية التي خصها المشرع في الباب الخامس مكرر من قانون العقوبات ،وعلى ضوء ذلك نكون أمام إشكالية جوهرية تتمحور في ما هو نطاق جريمة الاتجار بالبشر وكيف كان موقف المشرع الجزائري جزائيا من هذه الجريمة؟
هذه الإشكالية بدورها تضعنا أمام جملة من التساؤلات تتمثل في:
-ما هي عناصر وأركان جريمة الاتجار بالبشر؟
-ما هو التكييف القانوني لجريمة الاتجار بالبشر في التشريع الجزائري؟
-ما علاقة الظروف القانونية في جريمة الاتجار بالبشر بتخفيف أو تشديد العقوبة وفقا للتشريع الجزائري؟
أهمية الدراسة:
تتمثل أهمية الدراسة في أهمية نظرية وأخرى عملية، أما الأهمية النظرية فتتمثل في مساهمة هذه الدراسة في تسليط الضوء على أكثر الجرائم سرية في العالم وأكثرها خطورة على حياة الأفراد والمجتمعات.
وأما الأهمية العملية لهذا الموضوع فهي تتمثل في دراسة هذه الجريمة من الناحية القانونية من خلال تحليل نصوص المواد القانونية وشرحها تناسبا مع موضوع الدراسة.
أهداف الدراسة:
نهدف من خلال دراستنا لهذا الموضوع إلى التعريف بجريمة الاتجار بالبشر وإبراز مدى خطورتها وتهديدها للأطفال والنساء في جميع دول العالم ،كما تهدف إلى التعرف على موقف المشرع الجزائري من هذه الجريمة ومدى فعالية الآليات القانونية الوطنية المتعلقة بجريمة الاتجار بالبشر في مكافحة الجريمة ومعاقبة مرتكبيها.
منهج الدراسة:
بغية تحقيق هذه الأهداف فقد ارتأينا أن نتبع في دراسة هذا الموضوع المنهج الاستقرائي التحليلي في معظم جوانب الدراسة من عرض موضوع الجريمة ،سواء من حيث التعريف بها أو من حيث تحديد عناصرها، وصولا إلى استقراء النتائج العامة لواقع هذه الجريمة كما اعتمدنا المنهج الوصفي في وصف أشكالها وصورها والمنهج التحليلي في الشطر الثاني من الدراسة بتحليل النصوص القانونية الواردة في التشريع محل الدراسة.
خطة الدراسة:
تبعا للإشكالية المطروحة فستكون دراسة هذا الموضوع من خلال الخطة التالية:
المبحث الأول: مفهوم جريمة الاتجار بالبشر.
المطلب الأول: تعريف الاتجار بالبشر.
المطلب الثاني: نطاق جريمة الاتجار بالبشر.
المبحث الثاني: البناء القانوني لجريمة الاتجار بالبشر في التشريع الجزائري.
المطلب الأول: أركان جريمة الاتجار بالبشر في التشريع الجزائري.
المطلب الثاني: الظروف القانونية لجريمة الاتجار بالبشر.
***
المبحث الأول: مفهوم جريمة الاتجار بالبشر
لقد تطورت العبودية القديمة التي كنا نعتقد لوهلة انه تم القضاء عليها لتنتشر اليوم بصورتها الأكثر جرما على هيئة ما يسمى” الاتجار بالبشر“، هذه الصورة الحديثة التي تعيد الإنسان إلى زمن العبودية وتدوس على حقوقه وحرياته ،ها هي اليوم تعرض أمامنا طرقا جديدة لأجل تداول هذه التجارة والعمل على استمراريتها مشكلة بذلك نوعا مستحدثٌا من أشكال المافيا الجديدة التي أصبحت تؤرق المجتمعات والحكومات في ضل سرعة انتشارها وصعوبة اكتشافها، وباعتبار أن المتاجرة بالبشر تشكل تعديا صارخا على الحقوق الإنسانية فان ذلك يفرض علينا الوقوف موقف الباحث في خبايا هذه الجريمة التي رغم اتساع نطاقها في العقود الأخيرة إلا أنها تضل محل جهل لدى الكثيرين .
المطلب الأول : تعريف جريمة الاتجار بالبشر
قبل الولوج إلى التعريف القانوني الذي حدد لنا مفهوم هذه الجريمة وبغية فهمها فهما دقيقا وعمليا، كان من الضروري تعريف الاتجار بالبشر لغة ، ومنه فان الاتجار لغة من اتجر، اتجارا، ومتاجرة ، والتاجر هو من يبيع ويشتري وجمعهم تجار وهم من يمارسون التجارة [1]، والتجارة هي حرفة التاجر ويقصد بها مزاولة أعمال التجارة بمعنى ممارسة البيع والشراء بتقديم السلع إلى الغير بمقابل مادي [2].
أما البشر فهو الإنسان وجمعه أناس وهو كائن حي مفكر من ذكر وأنثى[3] .
ومن ثم فان الاتجار بالبشر يعرف على انه ” كافة التصرفات المشروعة وغير المشروعة التي تحول الإنسان إلى سلعة أو ضحية يتصرف فيها بواسطة وسطاء محترفين عبر الحدود الوطنية[4].
أما المفهوم القانوني لجريمة الاتجار بالبشر فلقد تعدد بين المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية كالتالي:
الفرع الأول: التعريف الدولي لجريمة الاتجار بالبشر
لم يقف العالم مكتوف الأيدي وهو يشاهد تفاقم وانتشار هذه الجريمة معيدة معها إلى الأذهان صور العبودية القديمة ،فاتجهت دول العالم نحو صياغة مزيد من الوسائل والقرارات المناهضة بداية من تحديد مفهوم موحد لها وتوضيح أشكالها وصورها، وعليه فلقد لقيت هذه الظاهرة الحديثة اهتمام المجتمع الدولي من خلال العديد من الاتفاقيات والمواثيق .
وجاءت الاتفاقية التكميلية لإلغاء الرق والاتجار بالرقيق والأنظمة والممارسات الشبيهة بالرق عام 1956 محددة مفهوم الاتجار بالرقيق على أنه: “كل فعل بالقبض أو اكتساب أو التنازل عن شخص من أجل جعله رقيقا ،وهو كل تنازل بالبيع أو التبادل لشخص في حوزة شخص آخر من أجل بيعه أو مبادلته وكذلك بصفة عامة كل عمل أو تجارة أو نقل للعبيد مهما كانت وسيلة النقل المستخدمة”.
كما عرف بروتوكول الأمم المتحدة الخاص بمنع وحظر ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة لعام 2000 ( باليرمو ) الاتجار بالأشخاص على انه: ” تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاحتيال أو الاختطاف أو إساءة استعمال السلطة أو استغلال حالة الاستضعاف ، بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص أخر لغرض الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسرا أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء ” وهو نفس التعريف الذي ورد في المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لمكافحة الاتجار بالبشر لعام 2005 .
الفرع الثاني: تعريف جريمة الاتجار بالبشر في التشريع الجزائري
تبنى المشرع الجزائري فقد نفس التعريف الوارد في بروتوكول باليرمو بموجب نص المادة 303 مكرر 4 من قانون العقوبات الجزائري والتي عرفت الاتجار بالبشر على انه “كل تجنيد أو نقل أو تنقيل أو إيواء أو استقبال شخص بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو غير ذلك من أشكال الإكراه، أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو استغلال حالة الاستضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة على شخص أخر بقصد الاستغلال “.
المطلب الثاني : نطاق جريمة الاتجار بالبشر
مما لا شك فيه أن جريمة الاتجار بالبشر هي ظاهرة إجرامية عالمية وصورة من صور الإجرام المنظم الذي يمثل إحدى الجرائم ذات السلوك الضار بمصالح الدول[5]، ونظرا لطبيعتها السرية العابرة للحدود مما يجعلها تزداد تعقيدا وتجديدا تماشيا مع التطورات العلمية التي يشهدها العالم وهو الأمر الذي يكسبها طبيعة خاصة سواء من حيث عناصرها أو صورها، وإيمانا منا بمدى خطورة هذه الجريمة سنقوم بتوضيح عناصرها وصورها حتى يسهل على القارئ الإلمام أكثر بموضوع الدراسة.
الفرع الأول: عناصر جريمة الاتجار بالبشر
نظرا لكون هذه العملية مختلفة عن باقي عمليات الاتجار باعتبار أن الإنسان هو السلعة المتاجر فيها فمن الوارد أن تختلف عناصرها عن باقي الجرائم والتي تتمثل في:
أ- السلعة: في هذه الجريمة وللأسف الشديد يعتبر الإنسان هو السلعة التي يتم الاتجار بها في السوق ويمارس فيها البيع والشراء بكافة التصرفات المهينة للكيان البشري بقصد استغلاله تجاريا سواء طواعية أو كرها[6] ، وذلك إما ببيعه أو شراءه أو بيع أعضاءه ، إلى غيرها من السلوكيات التي ترد على السلعة المتاجر فيها بهدف استغلالها بدنيا أو جنسيا أو فكريا، وغالبا ما تتم عملية المتاجرة بالضحايا من خلال البيع مباشرة للعمل في البغاء أو من خلال استغلال الضحية كرها عن طريق استخدام القوة أو الاحتيال، ومعظم السلع في هذه الجريمة هم “النساء والأطفال” وهو ما سنتناوله في االفرع الثاني.
ب- التاجر: لا تتم عمليات الاتجار بالبشر بمجرد توافر السلعة البشرية وإنما لا بد من توافر عنصر التاجر أو الوسيط باعتباره العنصر الاحترافي القادر على تصريف هذه السلعة[7]، ومنه فان التاجر في هذه الجريمة هو تلك الجماعات والعصابات الإجرامية، سواء كانت محلية أو دولية والتي تزاول عملها غير المشروع من تجنيد الأشخاص ونقلهم أو استقبالهم من أوطانهم الأصلية التي هي في الغالب دول فقيرة تعاني اضطرابات سياسية واجتماعية ومهمتهم إما بيعهم لأشخاص آخرين يقومون باستغلالهم أو باستغلالهم مباشرة.
ومن أهم عصابات الاتجار بالبشر:
1-المافيا: واغلب عصابات المافيا تكون في ايطاليا والبانيا وتركيا وشيكاغو ولوس انجلوس، ومن ابرز نشاطاتها ( تجارة البشر- تهريب الأسلحة- إدارة الملاهي الليلية و أوكار الدعارة- تجارة المخدرات )[8].
2-الياكوزا: ومقرها الرئيسي في اليابان وهي تعمل في تجارة (البشر- المخدرات-الدعارة- تجارة السلاح ) وتنتشر في جميع أنحاء جنوب شرق اسيا[9].
ج- السوق: لا تكتمل حلقة الاتجار بالبشر إلا من خلال توفر سوق عارض لهذه السلعة البشرية وهو يمثل مكان أو مركز تجميع السلع وذلك تمهيدا لنقلها لدول أخرى[10] ، دون إغفال الغرض الذي يتحقق فيه الاتجار عبر الانتقال المباشر من البلد الأصلي للضحايا إلى دولة الاستغلال غير المشروع أو حتى الاتجار الداخلي ،ومن هذا المنطلق فان الاتجار بالبشر من خلال طبيعته العابرة للدول يرتبط بعدة أسواق وهي:
1- سوق العرض: و يقصد بسوق العرض في هذا السياق الدولة التي تقوم بتصدير الضحايا ،بمعنى الدول التي تكون مصدرا للأشخاص المتاجر بهم ويحملون جنسيتها وغالبا ما تكون دولا فقيرة أو تتعرض لحروب وتوترات سياسية وتعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية ،مما يشكل عامل طرد وضعف للضحايا ويجعلهم يتوقون نحو حياة أفضل ومستوى معيشي أحسن وهو ما يسهل وقوعهم في أيدي الشبكات الإجرامية.
2- سوق الطلب: وتتمثل في الدول المستوردة للضحايا والتي غالبا ما تكون دولا غنية أو صناعية كبرى تمثل عامل جذب وإغراء للضحايا الموعودون بوعود كاذبة بتحسين أوضاعهم والحصول على معيشة أحسن بتوفير العمل والحرية والاستقرار.
3- سوق العبور: وتتمثل سوق العبور في جريمة الاتجار بالبشر في الدول المستقبلة للضحايا والتي غالبا ما تتصف بكونها دولا فقيرة تعتبر مكانا مؤقتا وآمنا لعدم انكشافهم وذلك تمهيدا لرحلة بيعهم ونقلهم إلى سوق الطلب مقابل عمولات باهظة[11].
وتعتبر جزيرة قبرص وارويا الغربية وألمانيا واليابان من أشهر أسواق تجارة البشر في العالم حيث تحتوي على ملايين النساء من جميع دول العالم يعملن في شبكات الدعارة نتيجة عمليات الاتجار الجنسي .
المبحث الثاني: صور الاتجار بالبشر
إن تنامي بؤر التوتر السياسي وتزايد حجم الصراعات المسلحة سواء الداخلية أو الدولية فتح المجال أمام عصابات منظمة كثيرة هدفها الوحيد الحصول على مبالغ مالية طائلة من وراء المتاجرة بالبشر مستغلة لفاقتهم وحاجتهم .ولا يهم في هذا الموضوع إذا ما كان الجنس ذكرا أو أنثى أو طفلا أو كبيرا ،بل المهم فقط هو الربح الذي يحصلون عليه من وراء هذه التجارة ،ونظرا لكون النساء والأطفال من أكثر الفئات الاجتماعية ضعفا فإنهم أكثر عرضة لهذه الجريمة.
المطلب الأول: الاتجار بالنساء
لا أحد يدرك تحديدا عدد النساء اللاتي تعانين من جحيم الاتجار سواء كان الاتجار جنسيا أو بدنيا، ذلك لان التقديرات والإحصائيات الدولية تقوم فقط على الحالات التي تم التبليغ عنها وعددها في الواقع كبير جدا مقارنة بالموثق في سجلات الشرطة ، ورغم أن جميع القوانين ومواثيق حقوق الإنسان اتفقت على حماية المرأة والدفاع عن حقها في الحرية إلا أن ملايين النساء اليوم يعشن تحت رحمة عصابات إجرامية عالمية، في ما يسمى ب “العبودية الحديثة“، وغالبا ما يكون لغايات جنسية بحتة، فالمرأة في هذه التجارة هي السلعة المتجددة والباهظة الثمن في السوق، كما يعتبر الاتجار بالجنس من أكثر أنواع التجارة ربحا في العالم، ويتم ذلك من خلال استغلال ظروف الضحية ومدى حاجتها إلى المال لتسخيرها في الدعارة أو البغاء أو في الأفلام الإباحية أو التصوير الإباحي أو التدليك الجنسي وغيرها من الصور الوضيعة التي تجعل منها سلعة تباع وتشترى طبقا لرغبات من يدفع أكثر.
وتبعا للبروتوكول الدولي لمنع وقمع الاتجار بالأشخاص خاصة النساء والأطفال ( باليرمو ) فلقد ذكر الدعارة بنص خاص في المادة الثالثة منه، وعليه سوف نتناول الدعارة كصورة منفردة كونها من أكثر صور الاتجار بالنساء ثم يليها العمل الجبري بالتفصيل التالي:
الفرع الأول: المتاجرة بالنساء لغرض الدعارة
تعتبر الدعارة من أقدم المهن التي تتحول فيها المرأة إلى سلعة رخيصة يتاجر بها تبعا لأهواء ورغبات جنسية مقابل المال أو مزايا مادية[12].
والدعارة هي صورة من الصور الإجرامية في جميع التشريعات العربية وهي تعني استخدام شخص وتشغيله لأغراض الفجور والبغاء[13] .
وفي جريمة الاتجار بالبشر تكون المتاجرة بالنساء في أعمال الدعارة من خلال قيام الجناة باستغلال ظروف معينة تحيط بالضحية أو استغلال حاجتها المادية بداية بإيهام النساء بالحصول على أعمال مناسبة مقابل أجور مغرية ليتم بعدها تسفيرهن بطريقة غير شرعية إلى الدول التي سوف يتم استغلالهن فيها جنسيا عن طريق استخدام العنف والقوة أو التهديد، كما انه من السهل في الدول الفقيرة التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي اصطياد النساء الراغبات بتحقيق مستوى معيشي أفضل ، دون علمهن بالأوضاع التي تنتظرهن في الضفة الأخرى وهو ما يسهل وقوعهن في شبكات الاتجار بالبشر .
تمارس الدعارة في هذه الجريمة بطريقة منظمة تحكمها عصابات إجرامية إما بصورة علنية، وهي تكون أساسا في الدول الغربية والدول التي تعتمد على السياحة والوافدين الأجانب حيث تتم في الفنادق والشقق المفروشة وهو ما يسمى بالسياحة الجنسية، أو تمارس في الخفاء وذلك في الدول الفقيرة أو المحافظة التي يعاقب قانونها الوطني على الدعارة، وللمتاجرة بالنساء في أعمال الدعارة أرباب يسمون بالقوادين وتعمل العاهرات لحساب القواد الذي يوظفهم تماما كمبدأ الشركات الربحية.
والدعارة ليست وحدها ما يمثل استغلالا جنسيا للنساء في هذه الجريمة، بل إن الجنس التجاري يتعدى صور الدعارة المعروفة ومع التطور العلمي والتكنولوجي الحديث فلقد برزت صور أخرى لهذا الفعل ، منها استخدام النساء في العروض والأفلام الإباحية والجنس الالكتروني ، وكذلك ما يعرف بالتعري هذا الأخير الذي يكون في نوادي مخصصة له يتم من خلالها تعرية النساء وإجبارهن على الرقص وتصوير العروض الإباحية وهي تجارة مكسبه بشكل كبير جدا ، كما يتم استغلالهن فيما يعرف بالتدليك الجنسي باعتبار التدليك مهنة مرخصة دوليا تتخفى وراءها تجارة جنسية.
وإذا تحدثنا عن التجارة الجنسية كشكل من أشكال الاتجار بالبشر نجدها من أكثر أنواع التجارة رواجا ، وقد شهدت السنوات الأخيرة تنامي سوق تجارة الدعارة والسياحة الجنسية بشكل ملفت وهو ما زاد الطلب على السفر من اجل الاستمتاع الجنسي في جميع دول العالم ،وأصبحت هذه التجارة بذلك تشكل عائدا ماديا مربحا وموردا ماليا متجددا.
كما تجدر الإشارة إلى أن العصابات المختصة بهذا النوع من التجارة تنتقي سلعتها البشرية من الدول الفقيرة والنامية مثل كينيا وجنوب إفريقيا وبعض الدول العربية وكذلك دول جنوب شرق أسيا و أمريكا اللاتينية، وفي التقرير العالمي عن الاتجار بالأشخاص لمكتب الولايات المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في سنة 2018 حول ضحايا الاتجار بالبشر الذين حددت هويتهم أن 49 بالمائة منهم نساء إضافة إلى 23 بالمائة منهن فتيات تحت سن 18 ومن بين الضحايا، بلغت نسبة من تم استغلالهم جنسيا 59 بالمائة،
وبحسب مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالي الألماني فان معدلات الاتجار بالبشر في ألمانيا وحدها شهدت زيادة فضيعة، حيث تعرض 617 شخصا للاتجار بهم، 90 بالمئة منهم نساء كن ضحايا الاستغلال الجنسي، وفي تحقيق إعادة تأهيل الناجين في اروبا الشرقية الذي تم خلال سنة 2018 و2019 في (المملكة المتحدة و بلجيكا وهولندا و رومانيا و مولدوفا و بولندا وإمارة دبي ) ذكر أن نسبة 62 بالمئة من الاتجار بالبشر في دول اروبا و آسيا الوسطى تكون لغرض الاستغلال الجنسي موضحا أن دولة مثل مولدوفا تعتبر دولة مثالية بالنسبة لعصابات الاتجار بالبشر في ما يخص استغلال النساء للعمل في البغاء والمواد الإباحية، والمتاجرة بهن في روسيا وقبرص وتركيا والإمارات العربية المتحدة .
وجاء في تقرير سابق لوزارة الخارجية الأمريكية قبل سنة 2018 قام بتصنيف الإمارات والبحرين باعتبارهما من أكبر الدول التي تشهد انتشارا للسياحة الجنسية وغالبية النساء اللاتي يشتغلن في هذه السياحة تديرهم عصابات الاتجار بالبشر، ومعظم العاهرات فيها هن ضحايا الاتجار بالبشر والتهريب .
إن الحديث عن موضوع الاستغلال الجنسي يشغل حيزا كبيرا في المجتمع الدولي باعتباره يدر عائدات مالية ضخمة، كما أنه أصبح تجارة عالمية رائجة بشكل كبير ، بل ونراه اليوم ضرورة الحياة التي يعيشها أصحاب الأموال مقابل متعتهم ورغباتهم، وهو ما يفسر عدم قدرة الدول والحكومات على الحد من هذه الظاهرة ومعاقبة مجرميها، إضافة إلى خوف النساء من الفضيحة والعار وهو ما يحول دون تبليغهن عن هذه الجريمة ورفضهن العودة إلى بلدانهم الأصلية مع تفضيل العيش تحت رحمة العبودية البشرية .
وإن استغلال النساء في الأعمال الجنسية ليس هو الغاية الوحيدة وراء الاتجار بهن بل تتم المتاجرة بأبدانهن كذلك في الأعمال القاسية والشاقة جبرا وهو ما سنتناوله في الأسطر القادمة من هذا المقال.
الفرع الثاني: المتاجرة بالنساء لغرض العمل الجبري
عرف العمل الجبري في القانون النموذجي لمكافحة الاتجار بالأشخاص على انه: ” كل عمل أو كل خدمات تغتصب من أي شخص تحت التهديد بأي عقوبة ولم يتطوع ذلك الشخص بأدائه بإرادته “[14] ، وفي جريمة الاتجار بالنساء فإنه يتم استغلال النساء في العمل الجبري، حيث يتم تبعا لذلك استغلالهن عادة للخدمة في المنازل والمطاعم أو الفنادق أو المزارع جبريا ، وفي الغالب بدون مقابل مادي، مما يضمن بقاءهن دائما تحت سيطرة الجماعات الإجرامية التي تقوم باستغلالهن، كما يمنع على الضحايا بعد وصولهم إلى البلد المقصد الاتصال بذويهم وأهلهم باعتبارهم غرباء عن البلد التي يشتغلون فيها جبرا، وقد يلتحق الضحايا عن طريق وكالات العمل التي وعدتهم بتوفير فرص عمل لهم وأغلبهم من (الفلين وسيريلنكا واندونيسيا والهند واثيوبيا و النيبال ) حتى يجدون أنفسهم في قبضة تجار البشر الذين يجبروهم بعد وصولهم إلى البلد المقصد على الخدمة في البيوت وفي المصانع وفي الملاهي الليلية لأجل حصولهم على مقابل مالي، أو مزايا مادية وفي اغلب القصص التي يرويها بعض الناجين أو الهاربين من شبكات مافيا الاتجار البشري فإنهم يتقدمون إلى العمل وفق إغراءات مادية ووعود كاذبة بتحسين المستوى المعيشي وتوفير عمل كريم لهن حتى يجدن أنفسهن فور وصولهن إلى البلد المقصد بدون أوراق أو وثائق شخصية وكل الوعود كانت مجرد شباك صيد أتمت عملية صيدهم بنجاح، ليجدون أنفسهم في قبضة العصابة يعاملون كالعبيد ويعملون لساعات متأخرة جدا بدون أجرة و يحرمون من العطل كما تمارس عليهن جميع أشكال الإهانة والذل والعبودية، من استغلال جنسي واستغلال بدني ونفسي وتعرضهم للضرب والعقاب عند مخالفة أوامر أرباب العمل.
المطلب الثاني: الاتجار بالأطفال
لم يقتصر الاتجار بالبشر على الكبار أو البالغين فقط ،بل امتد إلى الأطفال بجميع إشكاله وأكثرها سوءا وإجراما، هذا الطفل الذي جاءت جميع التشريعات السماوية والقوانين الوضعية والمواثيق الدولية لحمايته والدفاع عن حقوقه حتى يتسنى له العيش بكرامة وحرية، ووفقا للإحصائيات الدولية فان هناك نسبة كبيرة جدا من الأطفال تقع في شباك عصابات الاتجار البشري وغالبا ما يكون ذلك لغرضين أساسين وهما “الاستغلال الجنسي ولغرض العمل الجبري”.
الفرع الأول: الاتجار بالأطفال لغرض الاستغلال الجنسي
بداية وطبقا لبروتوكول محاربة وقمع الاتجار بالأشخاص خاصة النساء والأطفال لسنة 2000 فان الاتجار بالأطفال هو” تجنيد أو نقل أو إيواء أو استقبال أطفال بغرض استغلالهم، وهو يعد انتهاكا لحقوقهم ورفاهتهم ويحرمهم من فرص تحقيق إمكاناتهم الكاملة ” ولقد جاء معنى استغلال الأطفال في البغاء وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة حول تعزيز حقوق الطفل وحمايتها على أنه:” استخدام طفل لغرض أنشطة جنسية لقاء مكافئة أو أي شكل أخر من أشكال المقابل” .
وهناك العديد من الاتفاقيات والمؤتمرات لمكافحة الاستغلال الجنسي للأطفال نذكر منها مؤتمر ستوكهولم لعام 1992، كما تعتبر منظمة اليونيسيف من أهم المنضمات الرائدة في العالم لمناصرة الأطفال وحمايتهم من جميع أشكال الاستغلال والمتاجرة غير انه ورغم التحالف الدولي لحماية أطفال العالم من عصابات الاتجار البشري، إلا أن ذلك لم يقف دون استفحال هذه الجريمة بصورة أكثر تطورا و توسعا بل وأكثر وحشية والواقع يثبت لنا أن قانون عصابات الاتجار بالبشر لا يفرق بين طفل أو بالغ فكل بشري فيه يخضع فقط لقانون العرض والطلب ولا قانون يعلو فوقه، وهنا تجدر الإشارة إلى صور الاتجار الجنسي بالأطفال كالتالي:
أ- دعارة الأطفال:
الاستغلال الجنسي هو أي ممارسات يتم اتخاذها من قبل شخص أو مجموعة ضد شخص أخر أو مجموعة أخرى، يكون من شانها التأثير سلبا كالاستغلال الجنسي.
ويقصد بدعارة الأطفال ممارسة الطفل للجنس مع الآخرين سواء كانوا أطفالا أو بالغين، مقابل مبالغ مالية أو مزايا مادية، و تقوم الجماعات الإجرامية في جريمة الاتجار بالبشر بعمليات تجارية لبيع خدمات جنسية من أطفال تم استغلالهم بأحد أوجه الاستغلال التي تعرفنا عليها سابقا، إلى عصابات أخرى مختصة بالتجارة الجنسية يسمون بالقوادين والوسطاء الذين يعملون في الصناعة الجنسية والعاملين في الحانات والمطاعم أو الفنادق، حيث يتم تقديم الضحايا من الأطفال لأصحاب الأموال الذين يعانون من الشذوذ الجنسي[15]، ولهذه الممارسة الإجرامية نتائج فضيعة على جسد الطفل وعلى نفسيته وكثيرا ما يتعرض الأطفال للضرب والتعذيب إذا رفضوا تنفيذ أوامر الجناة، كما يتم السيطرة عليهم من خلال المخدرات والعقاقير التي تميت جسد الطفل لتجعل منه جسدا مهمته الاستجابة للرغبات الجنسية فحسب، وتشمل دعارة الأطفال في هذا السياق الذكور والإناث، حيث يعاملون بأساليب وحشية وحقيرة، ويعيشون حياة مظلمة يحيطها الخوف، وأغلب هؤلاء الأطفال من البلدان الفقيرة والأسر المفككة ، وهو ما سهل وقوعهم في شباك مافيا الاتجار بالبشر.
يصاب عدد كبير من هؤلاء الأطفال بأمراض خطيرة مثل الايدز والتهابات الأعضاء التناسلية ، والإدمان على المخدرات و المهلوسات إضافة إلى الأمراض النفسية التي تصيبهم جراء الإحساس بالذنب و الخوف المتكرر الذي يصاحبه اضطرابات نفسية وقد يؤدي بهم الحال في النهاية إلى العزلة والرغبة في الانتقام و يتحولون إلى مجرمين[16]،وغالبا ما تتعرض الفتيات منهم للإجهاض نتيجة الحمل الغير مرغوب فيه، وهو ما يكون سببا في إنهاء حياتهن في معظم الأحيان.
يشهد استغلال الأطفال في الجنس انتشارا ورواجا مخيفا في السنوات الأخيرة نتيجة تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية في معظم دول العالم ،هذا وحسب تقديرات منظمة العمل الدولية فان السياحة الجنسية للأطفال تشكل مابين 2 إلى 14 بالمئة من الناتج القومي الإجمالي في (اندونيسيا وماليزيا و الفلبين وتايلندا ) وتشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” أن حوالي 1.8 مليون طفل بين ذكور وإناث وأغلبهم فتيات يدخلون سنويا في تجارة الجنس، كما تنتشر السياحة الجنسية للأطفال في 62 دولة في العالم نذكر منها ( كوستاريكا، كوبا، جامبيا، الكاميرون، كينيا، المغرب، السينيغال، وجنوب إفريقيا، كمبوديا، والفلبين، الهند، اندونيسيا، تاياندا، الفيتنام، بلغاريا ..) وأنه لمن المحزن جدا أن يكون الطفل سلعة يتاجر بها أمام فشل العالم في إيجاد حلول جذرية للقضاء على هذه الجريمة.
ب- إنتاج المواد الإباحية:
وجاء مصطلح المواد الإباحية في البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة ( لحقوق الطفل بشان بيع الأطفال واستخدام الأطفال في الأعمال الإباحية ) تعريف استخدام الأطفال في الأعمال الإباحية على انه “يُقصد باستغلال الأطفال في المواد الإباحية تصوير أي طفل، بأي وسيلة كانت، يمارس ممارسة حقيقية أو بالمحاكاة أنشطة جنسية صريحة أو أي تصوير للأعضاء الجنسية للطفل لإشباع الرغبة الجنسية أساسا”[17].
وهي تعني إجبار الأطفال على تصوير أعمال إباحية أو سلوك جنسي لطفل وحده أو مع طفل أخر أو بالغ ، وقد تشتمل المواد الإباحية على طفل أو أكثر سواء مع أطفال غيرهم أو بالغين وتتمثل هذه المواد الإباحية في أنواع الاغتصاب أو العبودية الجنسية أو التعري ، وغيرها من الصور مقابل شهوات الكبار من المرضى النفسيين والمهووسين بالأطفال، وان استغلال الأطفال لتصوير أو إنتاج مواد إباحية لا يقل فضاعة عن الدعارة بل أنه دافع أخر من دوافعها ، حيث يقوم أصحاب الأموال والشواذ باستغلال الضحايا الصغار وابتزازهم من أول صورة إباحية لهم حتى يتسنى لهم ممارسة الجنس الفعلي معهم، وفي جريمة الاتجار بالبشر فان كل شي مقابل مبالغ مالية يتم وفق اتفاقات بين العصابات وأصحاب الأموال حول نوع وعمر وثمن السلعة المقدمة إليهم وهي الطفل.
2- الاستغلال البدني للأطفال:
لا تشتمل المتاجرة بالأطفال على الاستغلال الجنسي فقط وإن كان هذا الأغلب والأكثر ربحا وفائدة ، بل حتى أبدانهم الصغيرة لم تسلم من الاستغلال، ويتفرع الاستغلال البدني إلى أشكال كثيرة حاولنا التركيز على أكثرها انتشارا وهو” العمل الجبري والعمل بالسخرة “.
وحسب تقرير منظمة العمل الدولية يعتبر العمل الجبري من أكثر أشكال الاتجار بالبشر وقوعا بعد التجارة الجنسية ، وباعتبار أن نسبة كبيرة من الأطفال المتاجر بهم يقعون تحت طائلة الاستغلال الجنسي، فان النسبة الأخرى تقع ضحية العمل الجبري كونهم يمثلون الفئة التي تتميز بالهشاشة والضعف البدني والمادي والنفسي فإنهم يقومون بتطبيق أوامر الجناة دون أي اعتراض، ويعتبر إيقاع الأطفال واستغلالهم في العمل الجبري من أبشع أنواع العمالة وأكثرها ظلما.
لقد جرم القانون الدولي العمل الجبري في العديد من الاتفاقيات، فجاء مؤتمر العمل الدولي عام 1930 باتفاقية العمل الجبري رقم 29 والتي رغم تبنيها فكرة إنهاء العمل الجبري غير أن ذلك لم يحد من هذه الممارسات الغير إنسانية إلى يومنا هذا، و يعرف العمل الجبري بموجب اتفاقية منظمة العمل الدولية على أنه: “كل عمل أو خدمات تغتصب من شخص تحت التهديد بأي عقوبة و لم يتطوع هذا الشخص لأدائها باختياره“[18].
ومنه فالعمل الجبري الذي يخضع له الأطفال في هذه الجريمة غالبا ما يكون في المطاعم، أو في المنازل أو المزارع وفي المقابل يتم مصادرة جوازات سفرهم ووثائقهم الشخصية من طرف العصابات، كما تقوم هذه الأخيرة بفرض قيود على تنقلهم وهو ما يجعلهم يخضعون لهذا العمل ولا يستطيعون الإفلات منه حتى وإن رغبوا في ذلك، كما أن غالبية الفتيات اللاتي لا يتعدى سنهن 18 سنة يفرض عليهن العمل في المنازل كخادمات والعمل في بعض المصانع الخاصة كما يفرض عليهن البغاء الجبري عن طريق التهديد ويتعرضن لكافة أشكال الاعتداء اللفظي والبدني والجنسي، وان المتتبع للإحصائيات يلاحظ أن عدد ضحايا العمل الجبري من الأطفال يزدادون بشكل مروع في الدول الفقيرة ، حيث يتم احتجازهم واختطافهم كرقيق للعمل الجبري خاصة أطفال الدول الآسيوية وغرب إفريقيا، الذين يختطفون ويتم شراءهم من المختطفين مقابل 20 إلى 70 دولار أمريكي للطفل الواحد[19]، وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية خلال سنة 2016 إلى أن 152 مليون طفل منهم 64 مليون فتاة و88 مليون فتى يقعون عرضة لعمالة الأطفال، ويمثلون نحو عشر عدد الأطفال في العالم . ويتواجد أكبر عدد من الأطفال العاملين بعمر الخامسة والسابعة عشر في أفريقيا (72.1 مليون) تليها آسيا والمحيط الهادئ (62 مليون) ثم الأمريكيتان (10.7 مليون) وأوروبا وآسيا الوسطى (5.5 مليون) والدول العربية (1.2 مليون)، وقرابة ثلث الأطفال العاملين بعمر 5-14 عاماً هم خارج النظام التعليمي، و38 في المائة من الأطفال العاملين في أعمالٍ خطرة تبلغ أعمارهم 5-14 عاماً، ونحو ثلثي الأطفال بعمر 15-17 عاماً يعملون أكثر من 43 ساعة أسبوعياً.
المبحث الثاني: البناء القانوني لجريمة الاتجار بالبشر في التشريع الجزائري
تعتبر الجزائر من الدول المناهضة لجريمة الاتجار بالبشر في قوانينها الوطنية وفي هذا المبحث سنقوم بالتعرف على البناء القانوني لهذه الجريمة وفق التشريع الجزائري ،وانطلاقا منه سنحاول التفصيل في أركان جريمة الاتجار بالبشر التي نص عليها قانو العقوبات الجزائري بالتفصيل في المطلب الأول وكذلك الظروف القانونية التي اقرها في هذه الجريمة في المطلب الثاني منه.
المطلب الأول: أركان جريمة الاتجار بالبشر في التشريع الجزائري
تقوم جريمة الاتجار بالبشر وفقا للتشريع الجزائري على ثلاثة أركان تتمثل في :
الفرع الأول: الركن الشرعي
لقد جرم المشرع الجزائري جرائم الاتجار بالبشر في المواد من 303 مكرر 04 إلى 303 مكرر 15،والتي تنطوي تحت القسم الخامس مكرر بعنوان “الاتجار بالأشخاص “من الفصل الأول “الجنايات والجنح ضد الأشخاص “من الباب الثاني “الجنايات والجنح ضد الأفراد“، الكتاب الثالث “الجنايات والجنح وعقوباتها” من الجزء الثاني من التجريم، من القانون رقم09-01 المؤرخ في 25فيفري2009 والذي يعدل ويتمم الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 08جوان1966 و المتضمن قانون العقوبات.
الفرع الثاني: الركن المادي
لا تقوم أي جريمة بدون توافر الركن المادي ،وهو يتمثل في “السلوك الإجرامي و النتيجة و العلاقة السببية“، كما يوصف الشروع بكونه ركن مادي لم تكتمل عناصره[20]،طبقا لنص المادة 303مكرر04 من قانون العقوبات الجزائري التي ورد فيها” يعد اتجارا بالأشخاص، تجنيد أو نقل أو تنقيل أو إيواء أو استقبال شخص أو أكثر بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو غير ذلك من أشكال الإكراه، أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة على شخص أخر بقصد الاستغلال…..” وبناءً على نص المادة فان السلوك الإجرامي في جريمة الاتجار بالبشر ينقسم إلى قسمين وهما “صور السلوك الإجرامي ووسائل التعامل في هذه الجريمة” وسيكون تفصيلها في الآتي ذكره:
صور السلوك الإجرامي :
بالعودة إلى المشرع الجزائري فلقد عدد صور السلوك الإجرامي المكون للركن المادي لجريمة الاتجار بالبشر رغبة منه في توسيع نطاق التجريم، بحيث لم يشترط على الجاني القيام بجميع الأفعال التي ذكرها بل اكتفي فقط أن يأتي بفعل واحد منها والمتمثلة في:
1-تجنيد الأشخاص: ويقصد به تطويع الأشخاص واستخدامهم كسلعة قابلة للتداول بطريقة غير مشروعة بهدف جني الأرباح، و نتيجة لهذا التجنيد يصبح الضحايا خاضعين تماما للجناة وغالبا ما يتم تجنيد الأشخاص بهدف استغلالهم من خلال وعدهم بوظائف وفرص عمل وهمية أو إجبارهم على إمضاء عقود عمل بنية استغلالهم.
2-نقل الأشخاص: ويقصد بعبارة نقل الأشخاص هو نقلهم من مكان إلى أخر سواء داخل حدود الدولة أو خارجها[21]، وعادة ما يتم نقل ضحايا الاتجار بالبشر من المناطق الريفية إلى القرى الكبرى في النقل الداخلي، أما النقل الخارجي فيتم من الدولة المصدر إلى دولة العبور أو دولة المقصد مباشرة.
3-تنقيل الأشخاص: وهو يعني تحويل ملكية ضحايا الاتجار بالبشر من أشخاص إلى أشخاص غيرهم مقابل مبالغ مالية أو مقابل خدمات، وطبقا لنص القانون محل دراستنا فان فعل تنقيل الأشخاص ورد بعد فعل النقل وقد يبدو لدى البعض أنهما يحملان نفس المعنى، لكن فعل النقل يعني نقل الأشخاص من مكان إلى أخر بينما تنقيلهم يعني نقلهم من حوزة أشخاص إلى أشخاص آخرين بهدف الاستغلال[22].
4-الإيواء: وهو توفير مكان إقامة للضحية بهدف استغلاله أو نقله إلى البلد المقصد للاتجار به ،كما يعتبر من الإيواء توفير عمل مشروع للضحايا في ظاهره يهدف إلى استغلالهم في باطنه.
5-الاستقبال: وهو استلام الأشخاص الذين تم نقلهم أو تنقيلهم عبر الحدود الوطنية للدولة أو داخلها، وقيام الجناة أو الوسطاء التابعين لمافيا الاتجار بالبشر بمقابلة الضحايا والتعرف عليهم، وكذلك تذليل الصعوبات التي تقابلهم في البلد المقصد فور وصولهم بنية استغلالهم بصور مختلفة. ولا يشترط في الاستقبال أن يكون عند العبور أو بعد النقل فقط فيستوي أن يكون في دور الدعارة أو مستشفيات السوق السوداء لنزع الأعضاء وغيرها من الأماكن التي يمارس فيها الاستغلال بأي وجه كان.
ومن الملاحظ أن المشرع الجزائري كان حريصا على تجريم هذه الأفعال واعتبر قيام فعل واحد منها كافيا لقيام جريمة الاتجار بالبشر، لكنه اشترط في نفس النص القانوني وسائل معينة للقيام بهذه الأفعال والتي ذكرها على سبيل الحصر في نص المادة 303 مكرر4 وتتمثل في:
1-التهديد بالقوة : وذلك بالضغط على إرادة المجني عليه ليكون مضطرا لإطاعة أوامر الجناة وتنفيذ رغباتهم.
2-استعمال القوة: وذلك من خلال الضرب أو الجرح أو تقييد حركة الضحايا سواء تم ذلك يدويا أو من خلال استخدام وسائل معينة.
3-استعمال أي شكل من أشكال الإكراه: ويعتبر الإكراه وسيلة لشل إرادة الشخص وهو “إما إكراه مادي أو معنوي” أما الإكراه المادي فيتمثل في القوة المادية التي يستخدمها الجاني للتغلب على مقاومة الضحية أو تعطيلها، والإكراه المعنوي يقصد به التأثير على إرادة المجني عليه معنويا عن طريق الضغط عليه نفسيا.
4-الاختطاف: وهو حمل الشخص على الانتقال أو نقله إلى مكان أخر مع انعدام إرادته في النقل وخضوعه للسيطرة من طرف المختطفين.
5-الاحتيال:يعرف الاحتيال على انه وسيلة من وسائل التدليس يقصد بها إيهام الضحية وتضليله بهدف إيقاعه في فخ الاتجار بالبشر ومثل ذلك الادعاءات الكاذبة أو الاشهارات الكاذبة لمحلات تجارية أو مصانع أو مشاريع بقصد الاحتيال على الغير بغرض استغلالهم والاتجار بهم.
6-الخداع: يعتبر الخداع مرادفا لمعنى الاحتيال كوسيلة من وسائل ارتكاب جريمة الاتجار البشر ورغم ذلك فلقد أورده المشرع الجزائري إلى جانب الاحتيال ربما لتوسيع نطاق هذه الجريمة أو خشية من عدم اشتمال إحدى التعريفين على بعض الأفعال.
7-إساءة استعمال السلطة: جاء تعبير إساءة استعمال السلطة كأحد وسائل ارتكاب جريمة الاتجار بالبشر لتعبر عن مفهوم الاستعمال السيئ للسلطة التي تكون من طرف أي شخص تربط بينه وبين شخص أو أشخاص آخرين علاقة تبعية، مثل (الأب على زوجته أو أبناءه أو المدير والموظف أو صاحب البيت وخادمة المنزل).
8-استغلال حالة الاستضعاف: وهو يعني حالة الضعف التي يتمتع بها الشخص و تؤدي إلى استغلال هذا الضعف بمعنى استضعافه بأي طريقة كانت، سواء لتجنيده أو نقله أو تنقيله أو استقباله أو إيواءه لغرض استغلاله.
9-إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة على أخر بقصد الاستغلال: و يقصد بهذه الوسيلة قيام الجناة بمنح مبالغ من المال أو منح مزايا لشخص أو أشخاص على أن يقوم هذا الأخير بإقناع شخص له سيطرة عليه من اجل استغلاله في إحدى صور الاستغلال الواردة في المادة 303 مكرر04.
كما لا يكتمل توفر الركن المادي في هذه الجريمة إلا بحدوث النتيجة الإجرامية، التي تتمثل في الأثر الذي يحدثه السلوك الإجرامي على الضحية إضافة إلى الرابطة المعنوية بين السلوك الإجرامي والنتيجة، ويقصد بالنتيجة الإجرامية هو الأثر الناتج عن النشاط الإجرامي وهي تمثل حقيقة مادية ضارة لها وجودها المحدد في العالم الخارجي وبالعودة إلى المشرع الجزائري من خلال نص المادة303مكرر04 من قانون العقوبات نلاحظ أن النتيجة الإجرامية في جرائم الاتجار بالبشر تتمثل في تحقيق الاتجار بأي صورة من صور السلوك الإجرامي التي ذكرناها سابقا، فبمجرد قيام الجناة بتجنيد الأشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواءهم أو استقبالهم فهم يحققون الاتجار بالبشر و باعتبار أن هذه الجريمة هي من الجرائم العمدية فان النتيجة الإجرامية تشمل فعل الشروع وهو ما نصت عليه المادة 303 مكرر13 من نفس القانون “يعاقب على الشروع في ارتكاب الجنح المنصوص عليها في هذا القسم بنفس العقوبة المقررة للجريمة التامة”
الفرع الثالث: الركن المعنوي
لابد لأي جريمة من توافر الركن المعنوي فهو يمثل القصد الجنائي وهو الركن المكون من النشاط الذهني والنفسي والمعبر الحقيقي عن الفعل الإجرامي[23]،ويتمثل الركن المعنوي في الجرائم العمدية في العلم بعناصرها مع اتجاه إرادة الجاني إلى تحقيقها أو قبولها، وعليه فانه لا يكفي توفر القصد الجنائي العام فقط والمتمثل في اتجاه إرادة الجاني إلى القيام بإحدى صور السلوك الإجرامي مع علمه بذلك لقيام هذه الجريمة، وإنما وجب توفر القصد الجنائي الخاص والمتمثل في أن يهدف الجاني من وراء سلوكه الإجرامي إلى تحقيق غرض نهائي غير مشروع وهو استغلال المجني عليه[24].
ولقد أوضح المشرع الجزائري مدلول الاستغلال في نص المادة303مكرر04 من قانون العقوبات”… ويشمل الاستغلال استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو استغلال الغير في التسول أو السخرة أو الخدمة كرها أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء” وتبعا لذلك فقد حصر المشرع الجزائري صور الاستغلال الذي يعتبر العنصر الأساسي في ثبوت القصد الجنائي في جريمة الاتجار بالبشر، وهنا يمكننا شرحها بإيجاز كالتالي:
1-استغلال دعارة الغير: وهي تعني استغلال شخص أو تشغيله أو عرضه لأغراض الفسق على النحو المعاقب عليه في المادة 343 من قانون العقوبات الجزائري.
2-سائر الاستغلال الجنسي: لا يقتصر الاستغلال الجنسي على الدعارة فقط وإنما يمتد ليشمل الاستعباد الجنسي، التصوير الاباحي، التعري، التدليك الجنسي …وغيرها من أشكال الاستغلال الجنسي .
3-استغلال الغير في التسول: وهو يعني استغلال الغير في القيام بالتسول تحت أي تهديد أو بمقابل مادي.
4-استغلال الغير عن طريق السخرة أو الخدمة كرها أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة الرق: وهنا يتم استغلال البشر عن طريق السخرة من خلال فرض أعمال أو خدمات عنوة تحت التهديد بأي عقوبة كانت، أما الخدمة كرها فهي تمثل حالة التبعية لشخص تم إجباره من طرف آخرين على القيام بأي خدمة سواء لفائدة الجاني نفسه أو غيره، أما مصطلح الاسترقاق فهو يشير إلى عملية شراء أو مبادلة الأشخاص بأي أسلوب من أساليب البيع أو المقايضة وممارسة حق الملكية عليه، أما الممارسات الشبيهة بالرق فهي جميع الممارسات التي يتم فيها وضع شخص ما في وضع مماثل للاسترقاق، وقد تضمنت الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق لعام 1956 في مادتها الأولى بعض هذه الممارسات الشبيهة بالرق.
5-نزع الأعضاء: في هذا الموضوع أشار قانون العقوبات الجزائري إلى الاتجار بالأشخاص لنزع أعضائهم باعتباره شكلا من أشكال الاستغلال في جريمة الاتجار بالبشر، ومنه لا يمكن أن يكون جسد الإنسان أو أعضاءه موضوع صفقات تجارية و بناءً عليه يجرم إعطاء أو تلقي مبلغ مالي أو تعويض أو مكافأة نضير الحصول على أعضاء بشرية، وحول موضوع الاتجار بالأعضاء البشرية فلقد خصها المشرع الجزائري في القسم الخامس مكرر1 من قانون العقوبات في المواد من 303مكرر16الى غاية المادة303مكرر29،وفيها ربط الاتجار بالأعضاء البشرية بثلاثة جرائم تتمثل في( انتزاع عضو أو نسيج أو خلايا من جسم شخص بمقابل، أن يكون هذا الانتزاع دون موافقة الشخص صاحب العضو، التستر على هذه الأفعال).
المطلب الثاني: الظروف القانونية في جريمة الاتجار بالبشر
على ضوء التشريع الجزائري فإن الأصل في جريمة الاتجار بالأشخاص هو أن تأخذ وصف الجنحة وهذا ما تشير إليه المادة 303مكرر04″يعاقب على الاتجار بالأشخاص بالحبس من 03 سنوات إلى 10 سنوات و بغرامة من 300.000دج إلى 100.000دج،وبنفس العقوبة يعاقب على الشروع في ارتكابها حسب نص المادة 303مكرر13″.
ويعتبر وصف الجنحة لجريمة خطيرة مثل الاتجار بالبشر وصفا غير كافي نوعا ما نظرا لخطورة النتائج التي تخلفها هذه الجريمة على الأفراد وعلى الدول، إضافة إلى تعديها على اسمى مبادئ حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة و في الحرية، وربما هو الأمر الذي دفع بالمشرع الجزائري إلى تدارك ذلك من خلال تغييره لهذا الوصف إذا ما اقترن بإحدى ظروف التشديد لتصبح جنحة مشددة أو جناية و في المقابل خفف العقوبة أو أعفاها في حالة ارتباطها بإحدى الظروف المخففة أو المعفية التي سنتناولها بالتفصيل الأتي.
الفرع الأول: الظروف المشددة
وتنقسم ظروف التشديد إلى الظروف الشخصية والظروف العينية، أما الشخصية فيقصد بها ما يتصل بالجاني من حيث صفته وعلاقته بالمجني عليه وما يرتبط بالمجني عليه من حيث سنه وصفته وتشير الظروف العينية ،إلى مجموعة الظروف الملازمة للفعل ونتائجه مثل الزمان والمكان ويرد تفصيلها كالتالي:
*الظروف المشددة التي تعود إلى سن الجاني وعلاقته بالمجني عليه أو صفته: وعليها نصت المادة 303مكرر04 في فقرتها الأخيرة” … يعاقب على الاتجار بالأشخاص بالحبس من 5سنوات الى15سنة وبغرامة من 1.500.000دج،إذا سهل ارتكابه حالة استضعاف الضحية الناتجة عن سنها أو مرضها أو عجزها البدني أو الذهني، متى كانت هذه الظروف ظاهرة ومعلومة لدى الفاعل”
*الظروف المشددة التي تعود إلى صفة الجاني وصلته بالمجني عليه: بالنظر إلى النص القانوني 303مكرر05 من قانون العقوبات الجزائري نجد أنه “يعاقب على الاتجار بالأشخاص بالسجن من 10 سنوات الى20 سنة وبغرامة من 1.000.000دج الى2.000.000دج إذا ارتكبت هذه الجريمة مع توفر ظرف على الأقل من الظروف الآتية:
1-إذا كان الفاعل زوجا للضحية أو احد أصولها أو فروعها أو ولييها أو كانت له سلطة عليها أو كان موظفا ممن سهلت له وضيفته ارتكاب الجريمة….”.
2-إذا ارتكبت الجريمة من طرف أكثر من شخص.
3-إذا ارتكبت الجريمة مع حمل السلاح أو التهديد باستعماله.
4-إذا ارتكبت الجريمة من طرف جماعة إجرامية منظمة أو كانت ذات طابع عابر للحدود الوطنية.
هذا ومن خلال النصوص القانونية المتعلقة بجريمة الاتجار بالبشر نجد أن المشرع اوجد أعذارا إذا توفرت أدى ذلك إلى تخفيف العقوبة أو الإعفاء منها وهي:
الفرع الثاني: الأعذار المخففة أو المعفية
عرف المشرع الجزائري الأعذار القانونية بنص المادة 52من قانون العقوبات على أنها “حالات محددة في القانون على سبيل الحصر يترتب عليها مع قيام الجريمة والمسؤولية أما عدم عقاب المتهم إذا كانت أعذارا معفية، وإما تخفيف العقوبة إذا كانت أعذارا مخففة” ومنه فان الأعذار المخففة والمعفية التي تطال جريمة الاتجار بالبشر نص عليها المشرع الجزائري في المادة303مكرر09من قانون العقوبات على انه “يعفى من العقوبة المقررة كل من يبلغ السلطات الإدارية أو القضائية عن جريمة الاتجار بالأشخاص قبل البدء في تنفيذها أو الشروع فيها ،وتخفض العقوبة إلى النصف إذا تم الابلاغ بعد انتهاء تنفيذ الجريمة أو الشروع فيها وقبل تحريك الدعوى العمومية أو إذا تمكن بعد تحريك الدعوى العمومية من إيقاف الفاعل الأصلي أو الشركاء في نفس الجريمة”.
يبدو جليا من هذا النص أن المشرع الجزائري قد شجع على التبليغ عن جرائم الاتجار بالبشر مما قد يساهم ولو بالتقليل من مخاطر هذه الجريمة خاصة إذا تم التبليغ قبل الشروع في الجريمة، وبه نكون قد حاولنا الإحاطة بالشق الجزائي لجريمة الاتجار بالبشر وفقا للتشريع الجزائري.
خاتمة:
بعد دراستنا لموضوع جريمة الاتجار بالبشر وما يرتبط بها من صور وأركان على ضوء التشريع الجزائري، كشف لنا البحث رغم قصره أن هذه الجريمة من الظواهر الإجرامية الخطيرة والتي لا يكف أذاها عند الفرد فقط بل يمتد ليمس مصالح الدول، هذه الدول التي كرست جهودها لمكافحة الاتجار بالبشر بداية بالمواثيق الدولية وصولا إلى القوانين الوطنية، وتعتبر الجزائر من بين هذه الدول التي ناهضت هذه الجريمة من خلال نصوص قانونية مجرمة خاصة داخل حدودها الوطنية وخارجها من خلال تعاونها مع منظمات دولية منها اتفاقية التعاون مع اسبانيا حول الأمن ومكافحة الإرهاب وكذلك التعاون الثنائي في مكافحة الاتجار بالبشر وانضمامها إلى بروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص خاصة النساء والأطفال، ورغم النقائص التي لازالت تعيق الدولة في القضاء على هذه الجريمة إلا أننا نستطيع من خلال هذه الدراسة القول أن المشرع الجزائري كفل آليات قانونية عقابية رادعة إذا ما اقترنت بالظروف المشددة لمرتكبي جريمة الاتجار بالبشر، كما شجع على التبليغ عن الجريمة قبل الشروع فيها أو بعده وربطه بالأعذار المخففة أو المعفية للعقوبة ،كما تعتبر الظروف القانونية التي اقرها المشرع الجزائري بخصوص الاتجار بالبشر بمثابة تدارك للنقص الوارد في تكييفه للجريمة على أنها جنحة ومنه فلقد انتهينا إلى مجموعة من النتائج تتمثل في مايلي:
-تكمن خطورة جريمة الاتجار بالبشر في كونها جريمة منظمة عابرة للحدود وغالبا ما يصعب اكتشافها إلا بعد عبورها للحدود.
-اغلب ضحايا الاتجار بالبشر من النساء والأطفال .
-تعتبر التجارة الجنسية من أكثر أنواع الاتجار بالبشر رواجا وتحقيقا للربح في العالم.
-التكييف القانوني لجريمة الاتجار بالبشر في التشريع الجزائري هو جنحة.
-ظروف التشديد التي اقرها المشرع الجزائري تنقل جريمة الاتجار بالبشر من وصف الجنحة لتأخذ وصف جنحة مشددة أو جناية.
-اعتبر المشرع الجزائري الشروع في جريمة الاتجار بالبشر مثل الجريمة التامة ويعاقب عليه بنفس العقوبة الواردة على فعل الاتجار.
الاقتراحات :
* ضرورة تفعيل آليات ووسائل الحماية الوطنية والدولية لهذه الجريمة.
* القيام ببحوث ودراسات مستمرة حول هذه الجريمة وتوعية الأفراد إعلاميا بمخاطرها وأشكالها، خاصة في الدول التي تعتبر مصدر للضحايا.
* دعوة المشرع الجزائري الى الاهتمام اكثر بهذه الجريمة ومنحها بعدا قانونيا مستقلا في التشريعات الوطنية على غرار بعض الدول التي وضعت قانونا خاصا بالاتجار بالبشر وليس قسما خاصا في قانون العقوبات.
* إنشاء مراكز حماية لضحايا الاتجار حتى نتمكن من مواجهة هذه الجريمة من جميع جوانبها لأن معظم أسباب تملص الجناة تعود الى صمت الضحايا وخوفهم من التبليغ لعدم إحساسهم بالأمان والحماية.
قائمة المصادر والمراجع:
أولا: الكتب
1-المبارك، ياسر عوض الكريم، ونور عثمان الحسن محمد، ، الهجرة غير المشروعة والجريمة، مركز الدراسات والبحوث، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض– السعودية،2008م.
2- بدوي، احمد زكي ، معجم المصطلحات الاجتماعية ، مكتبة لبنان،1997م
3- بطرس البستاني، محيط المحيط، لبنان، ناشرون اللبنانية،
4-سوزي عدلي ناشد، الاتجار بالبشر بين الاقتصاد الخفي والاقتصاد الرسمي، المكتبة القانونية،القاهرة،2005.
5-صبحي حمودي، المنجد في اللغة العربية، الطبعة الثانية، بيروت، لبنان، دار المشرق، 2001.
6- طلال ارفيفان الشرفات، جرائم الاتجار بالبشر، الطبعة الاولى، الأردن، دار وائل للنشر،2012.
7- عبود السراج، شرح قانون العقوبات، القسم العام، نظرية الجريمة، مطبوعات جامعة دمشق، سوريا، 2007.
8-فتيحة محمد قوراري، المواجهة الجنائية لجرائم الاتجار بالبشر في القانون المقارن، الامارات العربية،2009.
9- محمد البهجي ايناس، جرائم الاتجار بالبشر، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، مصر.
10- منجد منال، المواجهة الجنائية لجرائم الاتجار بالأشخاص في القانون السوري(دراسة تحليلية)،مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد رقم28،العدد الثاني،دمشق،سوريا،2012.
11- مبارك هشام عبد العزيز، ماهية الاتجار بالبشر بالتطبيق على القانون البحريني رقم(1)،مركز الاعلام الامني،البحرين،2009.
12-)محمد علي العريان، عمليات الاتجار بالبشر واليات مكافحتها، الاسكندرية، دار الجامعة الجديدة،2011.
13- محمد يحي مطر، الاتجار بالبشر نظرة عامة، الطبعة الأولى، الجزء الاول،الرياض،2010.
14- محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات المصري، مطبعة جامعة القاهرة،1998.
ثانيا: الرسائل العلمية
1-المرزوق، خالد بن محمد سليمان، جريمة الاتجار بالنساء والأطفال وعقوباتها في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي، رسالة ماجستير منشورة كلية الدراسات العليا، قسم العدالة الجنائية، تخصص سياسة جنائية، بحث علمي منشور في مجلة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، السعودية، 2005م.
2- فاطمة ، قفاف، ،” زراعة الأعضاء البشرية بين التجريم والإباحة “، جامعة محمد خيضر بسكرة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم الحقوق، مذكرة مكملة من متطلبات نيل الماجستير في الحقوق،2013-2014م .
ثالثا: المجلات العلمية والدوريات
1- عيد، محمد فتحي، التجارب الدولية في مكافحة الهجرة غير المشروعة، بحث علمي منشور في مجلة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض–السعودية،2010م .
رابعا: القوانين و الاتفاقيات الدولية
أ:الاتفاقيات الدولية
1-اتفاقية منظمة العمل الدولية المتعلقة بالعمل الجبري، رقم29، 193.
2- الاتفاقية التكميلية لإلغاء الرق والاتجار بالرقيق والأنظمة والممارسات الشبيهة بالرق عام 1956.
3-بروتوكول منع وقمع الاتجار بالأشخاص خاصة النساء والأطفال،2000.
4-البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشان بيع الاطفال و استغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية،2002.
ب:التشريعات الوطنية
1-قانون العقوبات الجزائري.
(1) صبحي حمودي، المنجد في اللغة العربية، الطبعة الثانية، بيروت، لبنان، دار المشرق،2001،ص48.
(2) )بطرس البستاني، محيط المحيط، لبنان، ناشرون اللبنانية،ص68.
(3) )بطرس البستاني، مرجع سابق،ص98.
(4 )سوزي عدلي ناشد، الاتجار بالبشر بين الاقتصاد الخفي و الاقتصاد الرسمي، المكتبة القانونية،القاهرة،2005،ص17.
(2) فاطمة ، قفاف، 2013-2014م،” زراعة الأعضاء البشرية بين التجريم والإباحة “، جامعة محمد خيضر بسكرة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم الحقوق، مذكرة مكملة من متطلبات نيل الماجستير في الحقوق، ص أ .
(1) سوزي عدلي ناشد، مرجع سابق، ص 34.
(2) محمد علي العريان، عمليات الاتجار بالبشر واليات مكافحتها، الاسكندرية، دار الجامعة الجديدة،2011،ص32.
(3) عيد، محمد فتحي، 2010م، التجارب الدولية في مكافحة الهجرة غير المشروعة، بحث علمي منشور في مجلة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، السعودية، ص 45.
(4) )عيد محمد فتحي، مرجع سابق،ص46.
(5) )محمد علي العريان، مرجع سابق،ص35.
(1) سوزي عدلي ناشد، مرجع سابق،ص21.
(2) طلال ارفيفان الشرفات، مرجع سابق،ص88.
(1) المرزوق، خالد بن محمد سليمان، 2005م، جريمة الاتجار بالنساء والأطفال وعقوباتها في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي، رسالة ماجستير منشورة كلية الدراسات العليا، قسم العدالة الجنائية، تخصص سياسة جنائية، بحث علمي منشور في مجلة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض– السعودية.ص20.
(1) القانون النموذجي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة،ص15.
(1) محمد علي العريان، مرجع سابق،ص98.
(1) المبارك، ياسر عوض الكريم، ونور عثمان الحسن محمد، 2008م، الهجرة غير المشروعة والجريمة، مركز الدراسات والبحوث، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، السعودية، ص83.
(2) لمادة2،اتفاقية حقوق الطفل حول بيع الاطفال واستخدام الاطفال في الاعمال الاباحية،ماي،2000،الفقرة ج.
(1) ااتفاقية منظمة العمل الدولي للعمل الجبري،1930،المادة02،الفقرة01.
(2) محمد يحي مطر، الاتجار بالبشر نظرة عامة، الطبعة الأولى، الجزء الأول،الرياض،2010،ص8.
)عبود السراج، شرح قانون العقوبات، القسم العام، نظرية الجريمة، مطبوعات جامعة دمشق،سوريا،2007،ص118.[20]
(1)منجد منال، المواجهة الجنائية لجرائم الاتجار بالأشخاص في القانون السوري(دراسة تحليلية)،مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد رقم28،العدد الثاني،دمشق،سوريا،2012،ص46.
)مبارك هشام عبد العزيز، ماهية الاتجار بالبشر بالتطبيق على القانون البحريني رقم(1)،مركز الاعلام الامني،البحرين،2009،ص10.[22]
)فهمي خالد مصطفى، النظام القانوني لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر في ضوء القانون رقم64لسنة 2010 والاتفاقيات الدولية والتشريعات العربية، دراسة مقارنة، دار الفكر الجامعي،مصر،ص174.[23] (
)محمد البهجي ايناس، جرائم الاتجار بالبشر، المركز القومي للإصدارات القانونية،القاهرة،مصر،2013،ص118.[24] (