المؤسسات الاجتماعية لتدبير شؤون القصر بواحات درعة الوسطى خلال القرن 20م :
بين التنظيمات التقليدية والتغييرات الاستعمارية
The management of El kasar in Daraa’s middle oases during 20th century by social institutions: between traditional organisations and colonial changes
د. محمد اوبها/جامعة الحسن الثاني المحمدية، المغرب
Dr. Oubaha Mohamed/ University Hassan II Mohammedia, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 75 الصفحة 61.
ملخص:تميز المغرب على امتداد تاريخيه الطويل بظهور أشكال معينة من تدبير الشأن العام المحلي في استقلالية تامة أو نسبية عن السلطة المركزية، غير أن محاولة الوقوف عند محددات النظام الاجتماعي، وتحديدا المؤسسات التي تسير القصر، يعتبر أمرا في غاية المجازفة بالرغم من أهميته، خاصة عندما نكون أمام مفاهيم لازالت تشوبها بعض الضبابية، ولم يحسم فيها الجدال. حيث يخضع تنظيم القصر لعدد من المؤسسات الاجتماعية التي تسهر على تدبير شؤون السكان، على رأسها مؤسسة “أجماعة”، ثم مؤسسة الشيخ أو الأمغار، وكلها من أقدم الأشكال التنظيمية التي عرفتها المنطقة بعد الانتقال من نظام القبيلة إلى ما سمي بقبيلة القصر. وقد مارست هذه التنظيمات سلطتها اعتمادا على اتفاقيات تنظيمية وقواعد عرفية يتم الاتفاق عليها من طرف أعيان القصر، الذين يشكلون أعضاء داخل مؤسسة أجماعة تحت إشراف الشيخ. لكن دخول الاستعمار ساهم في تغيير وظائف هذه المؤسسات بإحداث مؤسسات إدارية جديدة موازية على رأسها مكتب الشؤون الأهلية، وذلك من أجل الاستغلال والتحكم في المنطقة وإخضاعها لسلطة المستعمر.
الكلمات المفتاحية: المؤسسات الاجتماعية، التنظيمات التقليدية، واحات درعة الوسطى.
Abstract :
Throughout its long history, Morocco has been distinguished by the appearance of certain forms of management of local public affairs in complete or relative independence from the central authority. However, trying to identify the structures of the social system, specifically; the institutions that are responsible of managing El Kasar may not be an easy task as unsettled concepts stand in the way. The administration of the El Kasar is subject to a number of social institutions that ensure the supervision of the inhabitants’ affairs such as “A’Jmaa” (tribial congress) and the Cheikh foundation; locally known by “Amghar” that isheaded bya Sheikh,those institutions are among different old forms of organisations which the area has ever witnesed after transiting from tribial system to the so-called“El Kasar tribe”.These organizations exercised their authority based on organizational conventions and customary rules which to be agreed upon by the elders of the El Kasar, who themselves are members of the “A’jmaa” that it is superintended by a cheikh. However, colonialism contributed to changing the roles of these institutions and the creation of new parallel administrative institutions headed by the Office of Civil Affairs, in order to control, exploit, and subjugate the area to the authority of the colonizer.
Key words: Social Institutions, Traditional Organisations, El Kasar, Daraa’s middle oases.
مقدمة:
لقد شكل السكن داخل القصر أحد المميزات التاريخية للاستقرار بمنطقة درعة الوسطى. ويعتبر القصر مؤسسة سكنية واقتصادية واجتماعية وأمنية وثقافية، تؤدي عددا من الوظائف على رأسها الحماية، خاصة في الفترات التي كانت فيها المنطقة تعيش نوعا من اللاأمن واللااستقرار نتيجة غياب السلطة المركزية وهيمنة القبائل والقياد المحليين على السلطة، ناهيك عن تهديدات القبائل البدوية المنتشر في المنطقة والتي لم تكن تتوانى في استغلال الفرص لفرض هيمنتها على السكان المستقرين.
يمثل القصر نمط استقرار وسكن متميز ومتكيف مع المعطيات الطبيعية والاقتصادية والسياسية، منذ انتشار ظاهرة بناء القصور في المنطقة، مما كان له انعكاس على مستوى التطور التنظيمي للقصر، بوضع مؤسسات تسهر على تدبير وتسيير شؤون الحياة العامة به، في إطار نوع من العلاقات الاجتماعية التي تسود بين سكانه باعتباره خلية تضم العديد من العظام أو “إغصان” التي يجمعها نوع من الترابط الاجتماعي.
يخضع تنظيم القصر لعدد من المؤسسات الاجتماعية التي تسهر على تدبير شؤون السكان، على رأسها مؤسسة “أجماعة”، ثم مؤسسة الشيخ أو الأمغار، وكلها من أقدم الأشكال التنظيمية التي عرفتها المنطقة بعد الانتقال من نظام القبيلة إلى ما سمي بنظام “قبيلة القصر”.
لقد وصفت هذه المؤسسات والتنظيمات بأنها تنظيمات ديمقراطية لأنها تقوم على مبدأ تداول السلطة والحكم، كما أن اختيار وتعيين الشيخ وأعضاء مؤسسة أجماعة يتم بشكل علني وبحضور كل الأفراد البالغين، وتسمح لجميع الأفراد الذين تتوفر فيهم الشروط أن يتولوا منصب “المعين” أو “الشيخ”.
وقد مارست هذه التنظيمات سلطتها اعتمادا على اتفاقيات تنظيمية وقواعد عرفية يتم الاتفاق عليها من طرف أعيان القصر، الذين يشكلون أعضاء داخل مؤسسة أجماعة تحت إشراف الشيخ. لكن دخول الاستعمار ساهم في تغيير وظائف هذه المؤسسات وأحدث مؤسسات إدارية جديدة موازية على رأسها مكتب الشؤون الأهلية، من أجل التحكم في المنطقة وإخضاعها لسلطة المستعمر.
سنحاول في هذا المقال التعرف على المؤسسات التي تسهر على تنظيم شؤون القصر بواحات درعة الوسطى، والسياق التاريخي والسياسي الذي ظهرت فيه، وكيف كان السكان يدبرون العيش المشترك داخل القصر، والمهام التي كانت تقوم بها كل مؤسسة. وسنتوقف أيضا عند التغيير الذي أحدثه دخول الاستعمار على هذه المؤسسات، وسنعرف بالمؤسسات التي أحدثها لتكون بديلة عن مؤسسات الأهالي.
الإشكالية:
ما المؤسسات الاجتماعية التي تدبر شؤون القصر بواحات درعة الوسطى؟ ماهي الأعراف والاتفاقيات التنظيمية التي يخضع لها التنظيم الداخلي للقصر بدرعة الوسطى؟ كيف ساهمت مؤسسة “أجماعة” ومؤسسة الشيخ أو الأمغار في تنظيم الحياة اليومية داخل القصر؟ ما هو السياق التاريخي والسياسي الذي ظهرت فيه هذه المؤسسات؟ ماهي التغييرات التي أحدثها المستعمر داخل الواحة؟ ماهي التنظيمات والمؤسسات التي أسسها؟
أولا: الاتفاقيات التنظيمية المؤطرة للتدبير الداخلي للقصر
- أهمية دراسة التنظيم الاجتماعي.
تعتبر دراسة التنظيم الاجتماعي والتركيبة السكانية بالبوادي والواحات من الموضوعات الصعبة، نظرا لتعدد المقاربات التي تتناوله، ونجد أن روبير مونطانيRobert Montagne، أكبر منظري الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا الاستعمارية، يقر بهذه الصعوبة في نص دقيق ومفيد عربه الأستاذ بن محمد قسطاني يقول فيه: “تعتبر دراسة المجتمع البدوي؛ فصل أجزائه واكتشاف علاقاته الطبيعية خصوصا، أمرا ضروريا. إن دراسة المجتمع ليست بالعملية الهينة، إذ ليس من السهل إدراك النظام الداخلي لتجمع يظهر غامضا على شكل خيام مبعثرة وفي مساحة غير محددة. وإذا كان أمر دراسة كيف يتجمع المقيمون في القرى والمدن، في أحياء وضعيات، وكيف وأين يملكون الحقول والآبار، ونقط المرور، فإذا كان ذلك الأمر هينا نسبيا، فإن أمر تحديد حدود الجماعات الإنسانية بدون ارتباط دائم بالأرض، جماعات لا تتميز فيما بينها، بغير سلالات متغيرة، ولا شيء في البداية يميز البعض عن الآخر، ليس أمرا هينا”[1].
والذي يعقد الأمر أكثر، يضيف روبير مونطاني، هو أن الرعاة العرب والأمازيغ على عكس القبائل المقيمة لا يتصورون العلاقات السياسية لهذه الوحدات الأعلى إلا على أساس الأم أو البنوة أو علاقة العمومة، حيث لا توجد غير تباينات أو تحالفات سياسية بسيطة. ومن هذا المنطلق يعتبر أمر التمييز بين القرابة والزبونية صعبا. والذي يضيف القوة إلى حيرتنا هو كون الرعاة أنفسهم لا يملكون الإحساس بالمجرد، ولا يملكون أسماء دقيقة ومحددة لضبط كل التجمعات الصغيرة والكبيرة التي ينتمون إليها، كل على حدة، تتغير الأسماء من قبيلة إلى أخرى، ويتعقد الأمر أكثر عندما نكون بصدد التحالفات الكبرى، حيث لا يتمثل جميع المنتمين إليها أنفسهم بنفس الشكل، ذلك الكل المعقد الذي ينتمون إليه، حيث يحتسبون أقل وأكثر العناصر المكونة له، كما تترتب هذه العناصر بطرق مختلفة، حتى أنه عندما ننتهي من عمل طويل عبر مقارنة أقوال المخبرين الذين يتحدثون كلهم بدقة خاصة، نصل في النهاية إلى صورة تحتاج دائما إلى تعديلات، صورة مليئة بالمتناقضات. هكذا يتشكل مجمل البناء المعماري الداخلي لتجمع بشري كبير ينتسب إلى جد واحد، لكنه لا يمكن أن نصل بوضوح إلى علاقات العناصر التي تشكله.
لقد عرف المغرب على امتداد تاريخيه الطويل أشكالا معينة من تدبير الشأن العام المحلي في استقلالية تامة أو نسبية عن السلطة المركزية، غير أن محاولة الوقوف عند محددات النظام الاجتماعي، وتحديدا المؤسسات التي تسير القصر، يعتبر أمرا في غاية المجازفة بالرغم من أهميته، خاصة عندما نكون أمام مفاهيم لازالت تشوبها بعض الضبابية، ولم يحسم فيها الجدال والمناقشة والمناظرة مثل مفهوم القبيلة ونظمها، واستمرار النقاش حول طبيعة المخزن والتشكيلة الاجتماعية لمغرب القرن الثامن عشر والتاسع عشر. كما أن الجدال لازال محتدما من أجل فهم طبيعة العلاقات الاجتماعية في المغرب أنداك[2].
فالمخزن هو الجهاز المركزي الذي كان يمثل السلطة والدولة بكل رموز نفوذها وآلياتها وامتداداتها، ويسهر على وحدة البلاد ويطمح إلى اتحاد الأجزاء “الشبه منفصلة” عنه والمتمثلة في القبائل “السائبة”، ويمثل هذا الجهاز المركزي السلطان الذي يجمع بين الهيمنة الكاريزمية والتوجهات السياسية التي تنبني عليها الدولة الحديثة[3].
ثم بعد المخزن تأتي القبيلة باعتبارها الوحدة السياسية الوحيدة في المجتمع البدوي وخاصة في المناطق الجبلية والصحراوية، حيث كانت تسعى دائما إلى الحفاظ على استقلالها ووحدتها السياسية والاجتماعية والقانونية، كما كانت ترمي إلى امتلاك القدرة على تحدي النفوذ المركزي من أجل انتزاع الاعتراف بوجودها والحرص على ضمان الحفاظ على مصالحها، الشيء الذي يجعلها تتمرد، في مناسبات عديدة، على كل رموز المخزن، وهو الأمر الذي حدا بالبعض إلى وصف سلوكها الاجتماعي والسياسي هذا “بالسيبة” أو “بالعادات الفوضوية”[4]. فما هي أهم التنظيمات السياسة التي كانت تسير القصر؟ وماهي الوظائف المنوطة بكل من الشيخ “الأمغار” ومؤسسة أجماعة؟
- الاتفاقيات التنظيمية بقصور واحات درعة.
لقد ارتكز التنظيم السياسي في الواحات الدرعية على العمل بالاتفاقيات منذ العهد السعدي، حيث أشار الأستاذ البوزيدي إلى أن تاريخ أقدم اتفاقية مكتوبة بوادي درعة يرجع تاريخها إلى سنة 960هـ/ 1553م وقد عثر عليها بإغرم”نايت سيدي يوسف” بالمدخل الشمالي لواحة لكتاوة، وقد تطور العمل بها في عهد العلويين فتعددت أنواعها، واتسع نطاق شروطها وبنودها، تبعا لظروف الغليان الاجتماعي، الذي كانت تعرفه المنطقة، إبان الأزمات السياسية والاجتماعية الناتجة عن تراجع نفوذ القواد المحليين وما يستتبع ذلك من غنى قبائل أيت عطا ومن على شاكلتها من القبائل المترحلة[5].
فهذه الاتفاقيات التنظيمية تكشف نوعية العلاقة التي كانت قائمة بين مختلف “العظام” التي تتشكل منها قبيلة القصر، والطريقة التي يتبادل بها ممثلو هذه العظام مواقعهم السياسية على رأس كل سنة أو سنتين، حفاظا على التوازن الداخلي للقبيلة، ودفعا لكل طموح استبدادي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى سيطرة هذا العظم أو ذاك على القبيلة[6]. كما أن هذه الاتفاقيات تبين مقومات “النظام السياسي” لقبيلة القصر، وهو نظام يتسم بنوع من الديمقراطية، ذلك أن اختيار “أجماعة” كان يتم في تجمع عام يحضره كل البالغين في القبيلة يسمى ب”حد الصايم”[7]، وبعد ذلك تختلي مؤسسة “أجماعة” لتختار من بين أعضائها شيخ القبيلة، وبالرغم من أن هذه الاتفاقيات قد وضعت لتنظيم الحياة اليومية لسكان القصر، على أسس متينة ومرنة في آن واحد لضمان استمرار حالات التوازن الاجتماعي الداخلي لقبيلة القصر، فإن شروط هذه الاتفاقيات باعتبارها ضوابط عرفية، هي بمثابة قانون مكتوب يخضع له كل أفراد القبيلة[8]، ويحظى بالاحترام التام من الجميع.
وتجدد شروط هذه الاتفاقيات في كل قصر، على رأس كل سنة أو سنتين، مع تجديد أعضاء “أجماعة” واختيار الشيخ، وقد تجدد وسط السنة في ظروف استثنائية إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك، وقد يعمد الشيخ و” أجماعة ” إلى تغيير بعض الشروط، أو إضافة شروط أخرى، حتى تكون الاتفاقية في مستوى المستجدات اليومية، ومواكبة لما قد يطرأ من مشاكل بين سكان القصر[9].
وقد قسم الأستاذ البوزيدي هذه الاتفاقيات العامة المنظمة لشؤون القبيلة، إلى ثلاثة أنواع:
- الاتفاقيات الخاصة بتدبير أملاك المسجد وتحديد القيمة الكرائية لهذه الأملاك على رأس كل سنة، خاصة مع بداية موسم الحرث وتحدد ” أجماعة ” بشكل دقيق طرق صرف ريع هذه الممتلكات على مصالح المسجد، من دلاء وحصير وحبال وغيرها[10].
- الاتفاقيات الخاصة بتحديد موسم جني محاصيل التمور وتحديد المقادير التي تؤدى عن كل محصول لدار القبيلة، وتحرص ” أجماعة ” على تحديد طرق جمع المحاصيل والعقوبات التي تلحق الخارجين عن إجماع القبيلة.
- الاتفاقيات الخاصة بتنظيم دار القبيلة، وتكتب ضوابط هذه الاتفاقيات وقت اختيار “صاحب الساروت”، حيث تحدد له “أجماعة” طرق تصريف ما تجمع بدار القبيلة.
ومن بين الوثائق التي نشرها الأستاذ البوزيدي في كتابه “التاريخ الاجتماعي لدرعة”، اتفاقيتين تنظيميتين هما العمود الفقري لتدبير الشؤون العامة بقصر تِينْزُولِينْ، وترجع الوثيقتان إلى بداية القرن الثالث عشر الهجري/19 م.
- التنظيم الداخلي وتدبير الحياة اليومية
يتأسس النظام الداخلي للقصر خصوصا، وللواحة عموما على أرضية الترابط الجماعي، وتقديم المصلحة الجماعية والإيثار بالنسبة للحاجيات الأساسية، وبالأخص منها ما يرتبط بالحياة اليومية، بحيث نادرا ما نجد بيع المحصول المحلي بين أفراد التجمع السكاني داخل القصر، بل غالبا ما يتم تسويق هذا المنتوج المحلي، ويخصص الفائض منه للأجنبي أو الوافد على القصر قصد التبادل.
وعلى مستوى الخدمات الأساسية؛ فالعرف ينظم المنافع الجماعية والفردية ويراقب بشكل تلقائي ممارسة الأفراد، ويتولى معاقبة المخالفين وردع المتمردين عن القاعدة العامة المتعارف عليها داخل هذا المجتمع، وبذلك فهي التي تؤطر هذا الأخير وتوجه ثقافته عموما.
وينبني الدفاع عن المحيط العام للواحة على ضمان الأمان والاستقرار بين الساكنة وجيرانها المستقرين وغير المستقرين، وبذلك تكون التحالفات هي القاعدة الأولية لبلوغ هذه الغاية، وعند تعذرها تكون للجماعة خيارات وقرارات تستدعي القيام بحملات خارج المحيط لردع المعتدي، سواء كان ذلك الاعتداء قد أصاب الممتلكات أو الأشخاص. إن الانضباط لقرار “أجماعة” واجب وفريضة لا تقبل المراجعة، كما أن للمجاورة حق لا يمكن الاعتراض عليه حتى أنها تعلو على الحق الفردي سواء تعلق الأمر بالأرض أو البنيان أو خلافه. فكان من نتائج ذلك القيام بالعمل المشترك من دون أجر أو مقابل مادي محدد، بل كل الأعمال هي مفروضة على الجميع عبر ما يعرف بـ”التويزة”[11].
ثانيا: المؤسسات الاجتماعية والتنظيمية لتدبير القصر
- مؤسسة الشيخ: محور التنظيم الاجتماعي للقصر
- تعريف مؤسسة الشيخ
القصر مؤسسة سياسية واجتماعية يترأسها الشيخ[12]، أو ما يسمى بالأمازيغية “أمغار”، أو المقدم، ومجلس يتكون من ممثلي الأسر والفخذات“العظام” المرادف لـ“إغصان” المتواجدة في القصر، ويطلق عليه محليا “أجماعة” أو القبلية، ذلك أن مصطلح “اجماعة” والقبيلة متطابقان[13]. ففي مقاله المعنون ب”المسكن التقليدي بواحة دادس وامكون” يشير “روجي ميمو” نقلا عن الملازم الأول “بوبير” أن كل قصر يتوفر على نظام داخلي تام ومتطور، وتضم القصور الكبرى مجلسين للأعيان، لكل منهما صلاحياته المحددة بدقة، ويختار الشيخ كل سنة، يوم عيد الأضحى، من بين أعضاء المجلس الأعلى. ويهتم المجلس الأعلى بالعلاقات الخارجية، بينما يتكفل المجلس الآخر بالأعمال الجماعية والمحافظة على النظام الداخلي[14].
- كيفية اختيار الشيخ والشروط الواجب توفرها فيه
إن اختيار شيخ القصر سواء في هذه الفترة الزمنية أو غيرها كان يخضع لموازن القوى الاجتماعية داخل القصر[15]، فيكون الشيخ أو الأمغار في العرف القبلي من أسرة غنية وذات ألقاب مشهورة، أو من الأعيان المحليين[16]، على نحو ما كان عليه الأمر في قصر تِينْزُولِينْ حيث أن منصب الشياخة بقي محصورا داخل العائلة المزوارية منذ القرن 10ه/ 16م، تاريخ إنشاء القصر، إلى نهاية الحماية.
كما أن اختيار الشيخ يتوقف على شروط أساسية أخرى، إضافة إلى ما سبق، وهي أن يكون معروفا بالشجاعة والتجربة والكفاءة الدبلوماسية والنزاهة والغنى والشهرة والأمانة والإخلاص ومشهود له بالقدرات المعرفية والعلمية، وعلى دراية بالأعراف والعادات والتقاليد، لأنه مرآة القصر وممثلها في كل المناسبات.
وتذكر بعض الروايات أن اختيار شيخ القصر يتم بالتناوب كل سنة، حيث يعقد أعضاء « أجماعة » اجتماعهم الخاص بتعيين شيخهم، غالبا في شهر غشت أو في شهر أكتوبر، وذلك ليتمكن هذا الشيخ من بداية مهامه قبل بدء السنة الفلاحية[17]. وفي الحالات التي يكون فيها أحد الشيوخ (أمغار) قد أدى مهمته بشكل جيد وأنجز مصالح هامة لسكان القصر يعمل أعضاء أجماعة على إقناعه بالاستمرار في منصبه لسنة إضافية، مما يعني، كما قال إرنستگيلنر، أن هذه المجتمعات معروفة بغياب هيئات تنفرد بالسلطة، بل تنتقل فيها السلطة من عظم لآخر ومن أمغار لآخر وفق مبدأ “التناوب والتكامل”[18].
- شيخ قصر تِينْزُولِينْ سلطة ممتدة من التعيين إلى الوفاة
إذا كانت الدراسات السابقة تشير إلى أن السلطة داخل القصور تتم بشكل تداولي تناوبي بين العظام المتساكنة داخل القصر، فإن النموذج الذي نحن بصدد دراسته، ويتعلق الأمر بقصر تِينْزُولِينْ، يفيد بأنه غالبا ما يتم تجديد الثقة في نفس الشيخ إلى حين وفاته أو قتله. بل إن الشياخة كانت حكرا على العائلة المزوارية فقط ولم تمتد إلى باقي العظام الأخرى، بحسب ما ورد عند صاحب “إفريقيا” في حديثه عن تِينْزُولِينْ إذ يقول: “كان أمراء هذا الجبل (يقصد أيت ووازكيت) وجبل تنزيت (يقصد تِينْزُولِينْ) وكذا أمراء درعة كلهم من أسرة واحدة ويسمون مزوارة”[19]، ويؤكد الأمر ذاته في موضع آخر، إذ يفيد أن الشياخة كانت دائما للمزواريين[20]، وأنه “كان يحكم هذه البلاد مزوارَ […] يدعى ابن عمرو، وكان معه ألف فارس عندما استولى الشريف على مراكش”[21].
وهذا ما تؤكده كل الوثائق والاتفاقيات المحلية التي تنظم الشأن العام بقصر تِينْزُولِينْ، خاصة أن الصراع والتنافس كان محتدما بين عائلة بّالحسين الرباطية، نسبة إلى رباط تِينْزُولِينْ، وعائلة باعلي بقصبة المخزن التاريخية، على من يتولى منصب الشيخ الفوقاني، بل وصل الصراع إلى أن كل فرقة بحثت عن حليف لها من قبائل أيت عطا الرحل خارج هوامش وادي درعة. حتى أن بيير أزام كشف أن تعيين الشيخ في واحات درعة كان يتم لمدة غير محددة، غير أنها بدأت تتأثر بالتنظيم القبلي لأيت عطا الذي ينتخب الشيخ بشكل سنوي، وناذرا ما تجد شيخا يستمر في منصبه لمدة طويلة[22].
وقد أشار إلى ذلك سبيلمان واعتبر أن النظام السياسي لدى السكان المستقرين يتميز بأنه نظام وراثي؛ إذ إن منصب الشياخة يكون محتكرا من طرف عائلة معينة في القصر، وقبل وفاته يعين الشيخ خليفته بحضور كل سكان القصر، ولذلك نجد أن منصب الشياخة بقصر تِينْزُولِينْ بقي في يد العائلة المزوارية دون غيرها.
إن أقدم اتفاقية تنظيمية بقصر تِينْزُولِينْ، ترجع إلى سنة1222ه/ 1808م، وتتضمن اختيار الشيخ سيدي عبد الله بن محمد بن مهدي، من طرف جماعة أعيان آل القصبة، كبيرهم وصغيرهم، ومعه الأعيان الثلاثة الذين سيسيرون القصر. تقول الوثيقة[23]:
” الحمد لله وحده
بحول الله وقوته اتفقت جماعة أعيان ءال القسبة[24] صغيرهم وكبيرهم حرسهم الله خصوصا وعموما. وافقوا كلهم على سيدي عبد الله بن محمد بن المهدي[25] وفيهم ثلاثة رجال أن يقفوا معه على ءال القسبة أولهم:
- الفقير مبارك بن عبد النبي أن يقف على الحراطين ءال القسبة
- والسيد المدني بن أحمد أن يقف على ءال تجداء.
- والسيد محمد بن سعيد أن يقف على المزوار على الحقوق يعني:
– من خطى السور القصر مثقالين ونصف.
– من تنافس على أحد حين الخصومة بخمسة أواق.
– من دخل العتبة من غير حاجة بمثقالين ونصف.
– من هاجم امرأة بمثقالين ونصف.
– من سبته المرأة بعد الرجال بخمسة أواق.
– من تزوج إمرأة التي كانت في الحرام من غير اتفاق القبيلة بخمسة مثاقيل
وشهد بذلك من أشهدوه وهم بحال كمال في أوائل جمادى الثانية عام 1222 هـ عبد ربه تعالى الحسين بن محمد ءال سي وغي لطف الله به ءامين.
وحكى عن ابن مغيت أنه تقوم « أجماعة » في عدم الإمام كحكم الإمام نص عليه غير واحد وعبيد ربه عبد الله بن محمد ءال سي وغي لطف الله به ءامين”[26].
فهذه الوثيقة التي تعتبر مرجعا تشريعيا وتنظيميا لقصر قصبة المخزن وكل قصور تِينْزُولِينْ، تبين أن الشيخ اختير بشكل توافقي بين العظام الثلاثة المكونة للقصر، أي الممثلين أو ما يطلق عليه محليا بالمُعَيِّنْ وهم: السيد الفقير مبارك بن عبد النبي ممثلا للحارطين في مؤسسة ” أجماعة ” ويدافع على حقوقهم ويبلغهم ما اتخذته ” أجماعة ” من تدابير بخصوص الحراطين ءال القصبة[27]، ثم السيد المدني بن أحمد أن يدافع عن حقوق لآل تجداء، والسيد محمد بن سعيد ممثل لعظم المزوار. كما تحدد الوثيقة مجموعة من الشروط التي على أساسها يقوم الاجتماع والتعايش داخل قصر قصبة تِينْزُولِينْ، وهي ستة بنود تضم أولا حماية سور القصر وتمنع تخطيه.
فمن المعروف أن القصور كوحدة تحصينية، تحيط بها أسوار خارجية، ولا يتوفر القصر إلا على مدخل واحد هو باب القصر، وأحيانا بابين. وتعهد القبيلة إلى “دواب” خاص يفتح الباب في الصباح الباكر ويغلقه في المساء ويراقب بدقة كل الداخلين والخارجين من القصر. وحتى تمنع القبيلة إدخال المسروقات وغيره إلى الداخل عبر الأسوار، فقد جعلت له شرطا خاصا وحددت من خلاله ذعيرة كبيرة لمن “تسور”-بمعنى تخطى- سور القصر، وصلت إلى مثقالين ونصف، وهي ذعيرة ثقيلة[28]، غايتها ردع كل المخالفين وليس فقط الزجر.
أما الشرط الثاني فيمنع الشجار والخصام داخل القصر، وحددت الذعيرة على المخالفين بخمسة أواق[29]، بينما منع الشرط الثالث دخول المنازل (العتبة) بدون حاجة أو غرض معين، وحددت الذعيرة على كل مخالف بمثقالين ونصف.
نجد في هذه الوثيقة اهتمام جماعة القصر بالمرأة وشؤونها، فنص الشرط الرابع على ذعيرة مثقالين ونصف على كل من هجر امرأة، وبخمسة مثاقيل على كل من تزوج بامرأة معروفة بممارسة البغاء، من دون موافقة واتفاق القبيلة.
ونلاحظ أن الاتفاقية عقدت تحت إشراف الحسين بن محمد آل السي وغي، نسبة إلى زاوية السي واغيا بقصبة المخزن[30].
وفي وثيقة أخرى مؤرخة في سنة 1851م/ 1268هـ، وهي اتفاقية تنظيمية بقصر تِينْزُولِينْ، نجد أن ” أجماعة ” قصبة تِينْزُولِينْ تؤكد في البند السادس على ضرورة الانصياع لأوامر الشيخ والحضور للاحتكام عنده، وعاقبت كل من يكسر الدعوة بمعنى يرفض الحضور لديه بذعيرة قيمتها خمسون أوقية إذ جاء فيها: “ومن كسرة الدعوة للشيخ يعطي خمسين أوقية درهيم من كسران دعوته للشيخ”. وفي الشرط السابع جاء ما يلي: “ومن ضربه بالرَّكْبة أو عاند له يعني للشيخ، يعطي خمسة وعشرون مثقالا درهيم ضعيرة للشيخ كذلك”[31]. ولا يعني “الضرب بالركبة” و”العناد” الضرب المادي وإنما يرمز إلى رفض أوامر الشيخ، لأن فيه تحد صارخ لسلطته، وبالتالي لسلطة ” أجماعة ” والقبيلة بصفة عامة.
كما أن هذه الاتفاقية قد خصت شيخ القبيلة بالنصيب الأوفى من الذعائر التي حددتها شروط الاتفاقية، وهذا الأمر مختلف عما هو موجود في العديد من قصور درعة التي تفوت الذعائر والنصافات لصالح القبيلة الممثلة في « أجماعة » التي تعتبر مسؤولة عن كل ما يجري داخل أسوار القصر، والتي بفضلها تغطي جماعة القصر المصروفات والكلف التي تتطلبها المصالح العامة للقبيلة وكذا دار القبيلة.
إجمالا، يمكننا القول إن شيخ القصر مكلف بمراقبة وضبط السير العادي للقصر، والحرص على تنفيذ واحترام كل الأعراف والقوانين المحلية على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فيعتبر شيخ القصر الممثل والمتحدث باسم القصر في علاقته مع القصور الأخرى وهو كذلك الجهاز الرئيس للتواصل بين القصر والإدارة المخزنية[32].
- الشيخ الفوقاني عنصر تواصل أساسي داخل القبيلة الكبرى
يعد الشيخ الفوقاني، أو ما يطلق عليه بالأمازيغية “أمغار أختار” أو “أمغار نوفلا”، من أهم العناصر المركزية في مؤسسات تدبير القصور بواحات درعة الوسطى، ويتم اختيار هذا الشيخ من طرف شيوخ القصور الخاضعة لنفوذ القبيلة الكبرى، ويخضع تعيين صاحب هذا المنصب للتوازنات الاجتماعية والغلبة القبلية.
وتكمن مهمة الشيخ الفوقاني في حل النزاعات التي تقع بين القصور، إما بسبب مياه السقي أو بسبب الانتجاع والرعي، أو بسبب الأراضي الزراعية. ومع كثرة النزاعات؛ خصوصا إذا علمنا أن منطقة تِينْزُولِينْ تتنازعها أربعة قبائل كبرى هي أدراوة الأحرار، أو ما سماهم سبيلمان بأَدْرَاوَة المستقلين بقصر تِينْزُولِينْ، ثم قبائل أولاد يحيى، بقصبة أولاد عثمان، ثم الروحا الوسطانيين بقصور أَخَلُوفْبُونَانَةْوتِزْگِينْ، ثم قبائل أيت عطا خاصة فخذةأَيْت أُونِيرْ وأَيْت سْلِيلُّو، فقد لعب الشيخ الفوقاني دورا مركزيا في حل هذه النزاعات وفي ربط حبل التواصل بين القبائل.
لقد كان هذا المنصب محط صراع بين فرعي العائلة المزوارية وهما، عائلة بالحسين القصبوية وعائلة باعلي الرباطية، وغالبا ما يحظى هذا المنصب بمباركة من السلطة المركزية.
حيث ورد في رسالة السلطان عبد الرحمان بن هشام ما يؤكد ذلك؛ إذ جاء فيها: “يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره وجعل في الصالحات طيه ونشره أننا بحول الله وقوته وشامل يمنه ومننه خديمنا الأرضى الشيخ عثمان بن مسعود اليحياوي على إخوانه أولاد يحيى كافة أينما كانوا بخمس مَزْگِيطَة وبخمس أولاد جري والكعابة وبخمس ترناتة، النشاشدة، وخشاع، وأهل ملال وأولاد عيسى، وأهل زْگِيط وتُسْولَّا، واْلكَرَازْبَة وأيت سَمْگَانْوأُورِيكَة، … وأهل تِمْسْلَا وأهل تَاعْقِيلْت أسندنا إليه أمورهم الخاصة والعامة فنأمرهم بالسمع والطاعة، وجميع ما يأمر به من أمور خدمتنا الشريفة حرْكة وغيرها…”[33].
من جانب آخر تؤكد الاتفاقيات التنظيمية بالقصور في واحات درعة على حضور الشيخ الفوقاني، كما هو الحال في الوثيقة التالية: “وهذا كله بمرضاتهم بعد المشاورة والموافقة رضا تما بحضور شيخ ءال تِينْزُولِينْ وهو سيدنا علي بن محمد المبارك الزوار[34] وأخيه بالأم سيدي محمد بن محمد ءال الحج الحسين وبحضور كافة أعيان قبيلة تِينْزُولِينْ وباستدراكه بأن الشيخ المذكور شرطت عليه القبيلة مهمى أراد أن يطرح الشياخة[35] من غير عذر له من أجل القبيلة يعطي مائة مثقال لها.
- أجماعة مؤسسة تشاورية لتدبير شؤون القصر.
- أجماعة مؤسسة ضاربة في القدم
إن الناس في حاجة إلى بعضهم البعض بالضرورة وهم ميالين إلى الألفة والاجتماع، لأنلا أحد منهم يستطيع أن ينظم نفسه ويوفر لها كل ما تحتاج، ولذلك فالإنسان مدني بطبعه، أي كائن لا يستقيم وجوده إلا في مجتمع يتقاسم أفارده المهام والوظائف، وهذا ما أكده الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو (384-322 ق.م) في كتابه السياسة بقوله: “الواضح أن المرء قابل للحياة الاجتماعية، والطبع يدفع الناس بغرائزهم إلى الاجتماع السياسي والطبيعة لا تفعل شيئا عبثا”[36]. وهو نفس الأمر الذي أكده ابن خلدون في مقدمته حيث يقول: إن الاجتماع البشري ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم “الإنسان مدني بالطبع”؛ أي لابد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم وهو معنى العمران”[37].
وقد اعتبر الفيلسوف الفرنسي المعاصر ألكسيسدوطوكفيل (1859-1805م) الجماعة كنمط اجتماع إنساني قائم على التعاون والتضامن، ميزة لكل الشعوب، كما لو أنها إبداع إلهي. والمجتمع المغربي لا يختلف في ذلك عن باقي الشعوب الأخرى، حيث عرف عبر تاريخه ممارسات جماعية تضامنية من الصعب تحديد تاريخ دقيق لظهورها[38].
فمنذ القرن العاشر الهجري/16م تحدث الحسن الوزان عن سكان درعة الذين صنفهم ضمن نوميديا، ووصف خصالهم الإنسانية الطيبة التي اكتسبوها من احتكاكهم بوسطهم المتسم بشح الموارد، بقوله: “متشبثون بالقيم الأخلاقية ودراسة الشريعة الإسلامية غير أنهم لا يعرفون شيئا يذكر من العلوم الطبيعية، يحسنون استعمال السلاح (…) أشداء رحماء بينهم (..) ذوو كرم ولطف، يعملون كل ما في استطاعتهم لخدمة إخوانهم، ويحترمون الغريب غاية الاحترام، وهم على جانب كبير من الطيبوبة والصراحة والإخلاص”[39]. وقد أتم ذلك مارمولكربخال في قوله: “ومن ثم لم يكونوا في حاجة إلى من يؤمن أمنهم، وينظم تعايش مكوناتهم الاجتماعية، مسلمين ويهود في تساكن تام”[40].
لقد أبانت البحوث الميدانية التي قام بها سبيلمان أن الواحات كانت تتميز بنظام سياسي ذو نزعة ديمقراطية[41] قائم على مؤسسات اجتماعية تسهر على تسيير وتدبير المجال وما يتوفر عليه من موارد طبيعية. ويأتي على رأس هذه المؤسسات ” أجماعة ” أو ما يعرف بجماعة القصر، والتي تتكون من رؤساء العائلات الأصلية لكل قصر، وتعتبر حسب روبير مونطاني التنظيم السياسي الأكثر حيوية والأكثر نشاطا لأنها تملك السلط الإدارية والتشريعية والتنفيذية، كما أنها تعمل على ضمان احترام الحياة الجماعية، كما أنها الفاعل الذي ينظم استغلال الأراضي الزراعية ويضمن تقسيم الخيرات. رغم كل هذا فإن ” أجماعة ” ليست في حاجة إلى استعمال القوة المادية كي تطبق قراراتها لأن الضغط الاجتماعي و”العار” أو ” أموتل” يلعبان دورا مهما في تنظيم الحياة المحلية[42].
إذن فاجماعة هي نمط تعبيري عن تضامن أفراد القرية، وشكل من أشكال تحقيق كيانهم خلال فترات وجودهم الاجتماعي، أكثر من كونها إطارا رسميا يتكون وينتظم وجودهم. فالبنود المؤسسة لقيامها ووجودها غير محددة بدقة مسبقا وإنما تصدر قراراتها عن اتفاق ضمني عفوي بين سكان القرية، وينبع من شعور جماعي مشترك[43].
فاجماعة إذا هي مجلس يسهر على تدبير شؤون القصر، إلى جانب الشيخ العام[44] أي الشيخ الفوقاني، وتنبثق ” أجماعة ” من العظام الذين يسكنون داخل القصر، وتتكون عضويته من أعيان القصر الذين قد يزيد عددهم أو ينقص، لأن عدد أعضائها غير ثابت. ثم لأنه يمكن أن يندرج في هذه ” أجماعة ” كل الأشخاص ذوي النفوذ، أو ما يسمى بالكِبار إِخَاتَرْن، إذ لا يفوتهم حضور الاجتماعات التي تدرس فيها الشؤون الهامة[45].
ونلاحظ ذلك في الاتفاقيات التنظيمية بقصر تِينْزُولِينْ، خاصة الاتفاقية المؤرخة في 1808م/1222هـ، والتي ضمت ثلاثة عظام فقط، أما الاتفاقية الثانية المؤرخة في 1851م/1268هـ فقد تضمنت تسعة عظام ما يعني توسع بنية القصر وامتدادها.
تشكل ” أجماعة ” في الإجمال مؤسسة ذات طابع محلي تتسم بخصوصية مغايرة تنافي ما يعتقده البعض مماثلا لهيئة المجالس الاستشارية البلدية ولا حتى الشكل الجديد للنظام الجماعي الذي أنشأته القبائل التي خضعت للاستعمار[46]، ويتفق ذلك مع ما جاء به سبيلمان في قولته التالية: ” أجماعة ” ليست تلك المؤسسة الضيقة المحددة في عددها والمعينة بالأسماء وليست مما يمكن فهمه أو تصوره على أنها شكل من المجالس الاستشارية البلدية، ولا تشبه في شيء تلك الجماعات التي أنشأناها في القبائل الخاضعة لنا”[47].
- مهام مؤسسة “ أجماعة “
تلتئم هيئة ” أجماعة ” عادة عند أحد الأعضاء من ذوي النفوذ، أو في دار القبيلة (تيكمي-ن- تقبيلت) أو في المسجد، أو ساحة القصر (أرحبي)، وصبغتها تداولية، ذات طابع تشريعي تعالج كل ما يتصل بمكونات مجتمع القصر، مثل توزيع التكاليف والمنافع، وأحيانا بتطبيق العدالة طبقا للعرف، ويعتبر طيراس أن هيئة ” أجماعة ” هي نظام تناوبي ديمقراطي عقلاني يحقق المساواة في المهام بين مختلف الأسر التي تشكل القصر، ويسعى إلى إذابة الفوارق وترسيخ المساواة بين الأفراد[48].
وقد حدد الأستاذ حسن أمــيلي ” القضايا الأساسية التي تتداول فيها « أجماعة » فيما يلي:
- انتخاب الشيخ العام ونظيره شيخ البلاد في فصل الربيع؛
- تحديد العقوبات المفروضة على المخالفين لإجماع القبيلة؛
- صيانة الأملاك المشتركة ذات الصبغة العمومية؛
- تدبير دار القبيلة، وطريقة صرف مداخيلها؛
- تدبير أحباس المسجد وقيمتها الكرائية المحددة في كل سنة خاصة مع بداية موسم الحرث، وطرق صرف ريعها على مصالح المسجد، من دلاء وحصير وحبال وإنارة وغيرها وتعويضات الفقيه؛
- تحديد موسم جني التمور والمقادير المفروضة على كل محصول لدار القبيلة وطرق جمعها؛
- تنظيم حركة ونمط الانتجاع؛
- الاستعداد للمشاركة في الحملات القتالية؛
- تنظيم توزيع ماء الساقية.
إن انتخاب ” أجماعة ” يقتضي أن تشمل تمثيلية جميع مكونات المجتمع داخل القصر، وتسهر هذه المؤسسة على صيانة المرافق الجماعية داخله، كالمسجد والساحات العمومية والأسوار الخارجية والأبواب والبئر ودار القبيلة، كما تشرف على تسيير المجالات الاقتصادية المشتركة كالمخزن الجماعي ومصادر المياه والتجهيزات المستعملة في استغلالها، وتسهر على حراسة الحقول والغلال والمراعي وعلى تدبير العلاقات الاجتماعية بشكل يضمن التوازن والاحترام وحسن الجوار، ويجعل كل فرد يعتز بانتمائه للقصر ويساهم في تنميته والدفاع عنه[49].
كما تتدخل ” أجماعة ” في تعيين إمام المسجد وتحديد حقوقه وواجباته، وتتدخل في تنظيم الحفلات والمآتم التي يصعب على الفرد القيام بها كحفلات العيد، وحفلات الختان والزواج الجماعي والمآتم والاستقبال الجماعي لضيوف القصر وأداء واجبات (الزوايا) والاستجابة للإتاوات المخزنية ومختلف الكلف التي يفرضها، وأيضا تنظيم دوريات لحراسة الأبراج والثغور وحماية الرعاة والماشية، وتفرض عقوبات قاسية على كل من أخل بالقانون أو تعدى على عرض الآخر أو ممتلكاته[50].
ف ” أجماعة ” إذن مؤسسة سياسية اقتصادية واجتماعية، تمارس أعمالها على صعيد العظام “إغصان” وتشكل أهم نظام ديمقراطي أبدعه سكان الجبال والواحات، بتعبير كل من “شارل دوفكو” و”روبير مونطاني”وجورجسبيلمان.
وتسهر ” أجماعة ” على وضع ضوابط وشروط الاتفاقية، لكن لا تتطرق هذه الشروط إطلاقا للمسائل الشرعية المفروضة بالكتاب والسنة، وإنما تبقى محدودة في المستجدات اليومية التي لا يحتاج البث فيها إلى الفقيه أو القاضي، وبالرغم من ذلك، فإن بعض قبائل القصور كانت تبحث عن مستند شرعي لعمل الجماعة وما تستحدثه من اتفاقيات وأعراف، وقد أفتى بعض فقهاء وادي درعة بمشروعية عمل الجماعة، كما أفتى بذلك كل من القاضي سيدي محمد بن البخاري بواحة الكتاوة، والقاضي سيدي محمد بن محمد بن الشافعي بواحة فزواطة في مطلع القرن 20م. حيث أفتوا بقولهم “لأن المسلمين على شروطهم” ويهم ذلك كل من سكن في القصر فلا مخرج لأحد من ذلك”[51].
وهكذا يتضح أن سكان وادي درعة، قد استندوا في تعاملهم بالاتفاقيات التنظيمية على فتوى فقهاء المنطقة، الذين أجازوا تعامل قبائل القصور بهذه الضوابط العرفية درء للمفاسد وحفاظا على التساكن، لما في ذلك من المصلحة العامة.
إن الأدوار التي قامت بها مؤسسة ” أجماعة ” مازالت مستمرة، بل انضافت إليها مهام أخرى أملتها التحولات المجتمعية التي عرفها المجتمع الدرعي، وتتمثل أساسا في اختيار مرشح واحد لتمثيلها داخل المجلس الجماعي، كما تقوم أيضا بالإشراف على أراضي الجموع أو توزيعها، وأحيانا الترافع أمام القضاء، أو الاحتجاج أمام السلطة دفاعا عن مصالح أفرادها.
- سلطة الأعيان: ممثلون للعظام المكونة لساكنة القصر
لعب الأعيان دورا مهما في تدبير وتسيير شؤون القصر، ويتم اختيارهم من الفئة الميسورة[52]، ويحتلون المرتبة الثالثة ضمن السلم الاجتماعي لقبيلة القصر، بعد الشيخ والجماعة.
يمثل كل “مُعْيِّنْ” عظما معينا، ويتكلف بإبلاغ الأسر المحسوبة عليه بالقرارات المتخذة، وأيضا بالواجبات التي ينوب عليها، إضافة إلى تدبير العلاقات بين أسر العظم الواحد. و”للمعين” حظوة كبيرة لدى السلطان لأنه يصاحب ممثلي المخزن لتقديم فروض الولاء والبيعة للعاهل الجديد، كما كان الأعيان يحملون هدايا الأعياد والمناسبات إلى السلطان رفقة ممثليه[53]، ويمكن للمخزن أن يتفاوض مع الأعيان لتطويع قبيلة معينة، وفي نهاية الحرْكة يستدعيهم لوضع ترتيبات السلم، ويفاوضهم في أداء ما تبقى بذمم إخوانهم من الضرائب ويتفق معهم على الآجال اللازمة لذلك، على نحو ما وقع مع قبائل الروحا الوسطانيين بتِينْزُولِينْ.
وتشير معظم الاتفاقيات الصلحية والتنظيمية التي عقدت بقصر تِينْزُولِينْ إلى أسماء الأعيان الذين يمثلون الفخذات المكونة للقصر، باعتبارهم شهودا ملزمين بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه ومطالبين بتبليغه إلى باقي الأسر. وتكتب بعبارة “تَحَمَّلَ” أو “أن يقف”، وتعتبر اتفاقية قصبة المخزن بتِينْزُولِينْ الموقعة سنة 1222 هـ /1808م نموذجا هاما في هذا الباب، وقد جاء فيها ما يلي: “بحول الله وقوته اتفقت جماعة أعيان ءال القسبة[54] صغيرهم وكبيرهم حرسهم الله خصوصا وعموما. وافقوا كلهم على سيدي عبد الله ابن مهدي، وقبل فيهم ثلاثة رجال، أن يقفوا معه على أل القسبة أولهم:
- الفقير مبارك بن عبد النبي أن يقف على الحراطين ءال القسبة
- والسيد المدني بن أحمد أن يقف على ءال تجداء
- والسيد محمد بن سعيد أن يقف على المزاور”[55]
أما في الاتفاقية الثانية التي تعود إلى سنة 1851م/1268 هـ، فقد ورد فيها تسعة أعيان[56]، وهم:
- الشريف الحسني مولاي عمار بن محمد.
- سيدي الحسان بن محمد بن سعيد المزوار.
- أبا سعيد بن عبد القادر أوحماد الدعكور.
- ابن عمه المداني بن محمد.
- الفقير مبارك بن عبد النبي.
- الفقير بن محمد احماد البرجي.
- الحبيب بن محمد الحاري.
- أبا حمو بن علي يعيش.
- لمعلم سعيد الحداد.
نلاحظ أن تغير عدد أعيان قبيلة القصر من فترة إلى أخرى يعود أساسا إلى طبيعة التوازنات الاجتماعية التي يعرفها القصر وكذلك محاولة إدماج العناصر الطارئة عليه وإدخالها في النسيج القبلي للقصر.
- البراح عنصر تواصل داخل القصر
يعرف أيضا ب”العلام”، وهو عنصر تواصل بين الهيئات السياسية السابقة وباقي سكان القصر، فهو الذي يتجول في دروب وأزقة القصر ليبلغ كل المستجدات، سواء لإبلاغ الأوامر المخزنية، أو من أجل الإبلاغ عن عرس أو مناسبة أو مأتم.. ونجد أن “البريح” بمثابة الإعلام حاليا، ويبدأ بالعبارات الآتية “لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله على الحبيب وسلم (ثلاث مرات) وتسمعوا أخبار الخير إن شاء الله، الله يعز الوطان وينصر السلطان ويجيب الشتا على قد النفع …” ثم يشيع الخبر.
عادة ما يطلق البريح على سطح المسجد، بعد صلاة المغرب، وفي بعض الحالات يقوم البراح أو العلام بالتجول داخل دروب القصر، وهو يردد مضمون الرسالة التي يحملها لسكانه.
ثالثا: الاستعمار ودوره في تغيير التنظيم الاجتماعي بواحة درعة
- من نظام القبيلة-القصر إلى نظام أكثر شمولية
بعد تمكن جيش الاحتلال من السيطرة على واحات درعة الوسطى والتي استمرت من 1931م إلى مارس 1934م مع انتهاء المقاومة بجبل صاغرو، عمل المستعمر على تفكيك التنظيمات القبلية القائمة على الاتفاقيات والأحلاف، حيث أحدث ما يسمى ب”مكاتب الشؤون الأهلية” وقام بإحداث هياكل إدارية تنسجم ومتطلبات المرحلة الجديدة. فما هي الهياكل الإدارية التي اعتمدتها الحماية في تسيير شؤون المستقرين في واحة درعة؟
إن احتلال درعة لم يكن بالأمر السهل؛ فقد واجهت الحماية مقاومة شديدة من لدن القبائل المستوطنة بهذه المنطقة سواء المستقرين أو الرحل، ولكن سلطات الحماية كانت على دراية كبيرة بالوضعية العامة التي كانت تعيشها الواحة، سواء ما تعلق بجغرافية ومناخ المنطقة، أو ما ارتبط بالتنظيمات والأحلاف القبلية، وأيضا بذهنيات السكان، ولذلك نهجت ما يعرف بالاحتلال السلس الذي يتلافى استعمال القوة إلا عند الضرورة، عملا بتوصيات الجنرال “ليوطي” عندما قال “إننا نؤمن جميعا بسياسة اليد الممدودة وتنظيم الاحتلال بطرق سلمية، ولهذا نعطي الأسبقية للعمل السياسي على العمل العسكري”[57].
فقد كان عرَّاب احتلال واحات درعة، القبطان “جورج سبيلمان”، قد قام بدور كبير في تسهيل عملية احتلال هذه الواحات بالاعتماد على أعيان القبائل من المستقرين، ومن أيت عطا، ومعرفته العميقة بتاريخ المنطقة وبذهنيات السكان. فقد تمكن بدهائه ومداهنته لقبائل أيت عطا من تجاوز كل العراقيل التي اعترضت قوة الاحتلال سواء منها العراقيل المحلية (الصراعات القبلية التقليدية) أو الطارئة على المنطقة[58].
انتقل التنظيم الاجتماعي بواحات درعة الوسطى من نظام القبيلة القصر إلى نظام أكثر شمولية، يجمع جميع القصور ويخضها لسلطة المستعمر، ويغيب بشكل أو بآخر التنظيميات المحلية التي أبدعها الإنسان الدرعي.
- إنشاء مؤسسة الدائرة ومكاتب للشؤون الأهلية.
منذ وصولها إلى المنطقة شرعت سلطات الحماية في توطيد ركائزها الإدارية والسياسية من أجل تدبير شؤون المواطنين باسم المخزن، ولذلك أنشأت في فاتح يناير 1930 مركزا للشؤون الأهلية بأكدز، وعينت على رأسه “جورج سبيلمان” الذي كان معروفا لدى السكان باسم “سليمان” والحاج سليمان والذي لعب الدور الكبير في التغلغل الفرنسي في درعة، وكانت مهام هذا المركز متنوعة. فإلى جانب إقامة حامية عسكرية به، فهو مركز للاستخبار والتجسس وجلب السكان من أجل شق الطريق في اتجاه درعة، حيث تم استقدام حوالي ألف عامل موزعين على ورشين في كل ورش 500 عامل وذلك بهدف ربط الاتصال -بواسطة هذا الطريق- بينأگدز وزاكورة[59].
- الضابط رئيس مركز الشؤون الأهلية: حاكم عسكري بسلطة مطلقة
بعد استكمال المعركة في الواحات الجنوبية لدرعة الأوسط، قررت سلطات الحماية ابتداء من فبراير 1933م استحداث دائرة درعة ومقرها زاكورة، ويترأس الدائرة ضابط عسكري لا تقل رتبته عن رتبة قبطان، ويشترط فيه أن يكون متمرسا بشؤون القبائل، عارفا بأحوالها، مطلعا على طبيعة العلائق القبلية وآليات تدبير الشؤون الداخلية لها، إما على مستوى قبيلة القصر أو على مستوى القبيلة الفوقانية، وأيضا على دراية بآليات التعامل بين المستقرين والرحل[60].
- مهام الضابط رئيس الدائرة.
يقوم الضابط رئيس الدائرة -باعتباره الحاكم على المنطقة- بمهام متعددة سواء على المستوى السياسي أو العسكري، ومن المهام الأساسية الموكولة إليه اقتراح أسماء الضباط الآخرين ليتولوا رئاسة المكاتب التابعة لنفوذ دائرته، ويجمع التقارير التي ينجزها رؤساء المكاتب ويلخصها ثم يقدمها إلى الرئيس الإقليمي لناحية ورزازات، وعليه أيضا أن يحضر كل الاجتماعات التي يعقدها الجنرال رئيس جهة مراكش التي كانت تتبعها درعة[61].
وبحسب تقارير بيير أزام الذي كان ضابطا بمركز تاگونيت عن البنية السياسية بدرعة، يستفاد أن الضابط رئيس الدائرة يتمتع بالسلطة المطلقة داخل نفوذ دائرته، ويمتلك السلطة السياسية والعسكرية والإدارية، وهو الذي يتخذ كل القرارات النهائية التي تهم هذه السلطة[62].
نستنتج إذن أن دهاقنة الاستعمار كان همهم الأساسي هو الحفاظ على الأمن، وإرساء أسس جديدة للتعايش بين السكان، وتفكيك البنيات التقليدية، وإحلال بنيات جديدة تنسجم والتصور الفرنسي للمغرب عموما ولبلاد “السبية” خصوصا، لذلك حاولت تفكيك الأحلاف القبلية، حلف أيت عطا وحلف أولاد يحيى، وغيرهم وأوقفت العمل بالاتفاقيات، التي كانت أساسا للتعايش بالقصور، ولكن ذلك لم يتأت أيضا إلا بمساهمة كبيرة من بعض أعيان درعة الذين كان لهم الاحتكاك المباشر بالسكان، والذين عملوا على الدعاية الودية لمشروع الحماية في أوساطهم، والعمل على كسب تعاطفهم، وربط مصالحهم بالاستعمار.
- إنشاء مكاتب الشؤون الأهلية:
من أجل توفير ظروف الاستقرار والقرب أكثر من السكان أنشأت الحماية مؤسسات موازية لمؤسسة الدائرة وهي مكاتب الشؤون الأهلية التي تعرف لدى السكان ب”البيرو”، وهي أربعة مكاتب للشؤون الأهلية كالتالي: مكتب أگدز ويراقب واحتي مزگيطة وتِينْزُولِينْ، ومكتب زاكورة ويشرف على واحتي ترناتة وفزواطة، ثم مكتب تاگونيت، وقد كلف بواحة لكتاوة، وأخيرا مكتب امحاميد الغزلان، ومهمته الإشراف على شؤون واحة امحاميد الغزلان. وقد أنشئ مكتب خامس خارج درعة ويتعلق الأمر بمكتب تازارين.
ويرجع الفضل كله في تسهيل وتسريع عمليات احتلال واحات درعة والمناطق المجاورة لها من بلاد أيت عطا إلى بعض الأعيان الذين تفانوا في خدمة قوة الاحتلال، رغبة منهم في التخلص من سطوة وجشع گلاوة[63].
- الخليفة: يسير أكثر من قصر
يأتي منصب الخليفة بعد منصب رئيس مكتب الشؤون الأهلية، ويعتبر الخليفة مسؤولا أمام الضابط رئيس المكتب على توفير الأمن والاستقرار لقبائل إيالته، ويسهر على تنفيذ الأوامر التي يتوصل بها من رئيس المكتب، تبعا للضوابط المخزنية التي حددتها قوة الاحتلال، وقد قُسِّمت إيالة الخليفة لعدد من المشيخات على رأس كل واحدة منها شيخ، ويمارس “خليفة المخزن” سلطته على عدد كبير من قبائل القصور في إيالته التي حددتها مسبقا قوة الاحتلال[64].
وقد عمدت سلطات الحماية إلى إقرار عدد من خلفاء گلاوة الذين أظهروا “الصدق والمعقول” في خدمة المخزن في مناصبهم، وأصبح كل خليفة من هؤلاء يحمل صفة خليفة المخزن، ومن هؤلاء نذكر[65]:
- علي بن عبد الرحمان التمنوگالتي: خليفة على قبائل أهل مزگيطة
- حماد نيت لحسين: خليفة على قبائل أيت سدرات
- محمد بن العربي اليحياوي: خليفة على قبائل أولاد يحيى
- محمد بن الفاطمي: خليفة على قبائل أهل تِينْزُولِينْ وقبائل الروحا
- أحمد أمزدو: خليفة على أهل التلثبترناتة.
- الشيوخ: ممثلو القبيلة الفوقانية
لقد كان الشيوخ أو إمغارن يشكلون قمة الهرم الاجتماعي، داخل القصور بالواحات، فهم بمثابة فلاحين لهم عصبية كبيرة ولهم وضع اقتصادي جيد، بالإضافة إلى مجموعة من الشروط الأخرى، كالكرم والشجاعة واثقان فن الخطابة والحديث (تجماعت)، وكانوا يتصدرون التجمعات التي تعقد على مستوى الجماعات أو القبيلة، وهم في النهاية المسؤولون عن القرارات الحاسمة. وبسبب ثقلهم الاجتماعي هذا اعتمد عليهم الگلاوي لتركيز نفوذه بالمنطقة، وكذلك فعل الجهاز الاستعماري لاحتلال منطقة درعة[66].
فالشيوخ يأتون في الرتبة الثالثة في هرم الجهاز الإداري بعد الضابط رئيس المكتب، وخليفة المخزن. وبعد ما كان الشيخ يتم اختياره بطريقة دورية بين أعضاء جماعة القبيلة، أصبح اختياره في بداية عهد الحماية يتم باقتراح من خليفة المخزن، وتصبح سلطته سارية المفعول بعدما يزكيه في منصبه رئيس مكتب الشؤون الأهلية، ويشمل مجال المشيخة عددا غير محدد من قبائل القصور، تبعا للترتيبات الأمنية التي تفرضها ظروف المنطقة، وهو الذي ينسق أشغال المقدمين المعينين في كل قبيلة[67].
- “أجراي” أو “المقدم”: مؤسسة تسير شؤون القصر الواحد
تحتفظ الكثير من القبائل والقصور إلى اليوم باسم “أجراي” أو “الزازي” أو “المكلف” وهي تسميات مختلفة تعني “المقدم”، فهذه التسمية لم تظهر إلا في بداية الاستقلال، ويأتي “المقدم” في قاعدة هرم الجهاز الإداري، إلا أنه يعتبر لبنة أساسية في هذا الجهاز الذي أقامته سلطة الحماية، فهو “عين المخزن التي لا تنام، وأذنه التي لا تصم” في وسط قبيلة القصر، يحصي عن الناس أنفاسهم ويراقب كل حركة، ويبلغ عن الشادة والفادة بين السكان، وله الصلاحية التامة في تجاوز وساطة الشيخ والخليفة والاتصال المباشر بالضابط رئيس مكتب الشؤون الأهلية[68].
كما أن مهام “أجراي” أو “المقدم” هي إحصاء الأشجار والدواب التي توجد في ملكية قبيلة القصر، والتي تخضع لعمليات أداء الترتيب، وإحصاء الأشخاص القادرين من رجال القبيلة على المشاركة في أشغال شق الطرق أو بناء مقرات رجال المخزن[69].
نستنتج إذن أن سلطات الحماية قد أحدثت تغييرا وتحولا كبيرا في البنيات التنظيمية للسكان بالقصور، إذ تم الانتقال من الأشكال التقليدية التي تتحكم فيها جماعة القصر والشيخ، والتي تشتغل وفق الاتفاقيات والأعراف التي تسنها الجماعة تبعا لوضعيتها السياسية والاجتماعية والثقافية، وحسب مصالحها وعلاقتها بباقي القصور الأخرى، إلى مرحلة جديدة أصبحت فيها السلطة بيد رئيس رئيس الدائرة بزاكورة ورئيس مكتب الشؤون الأهلية بأگدز، ثم الخليفة محمد بلفاطمي، وأخيرا الشيخ والمقدم.
ورغم ذلك، فإن الحماية لم توقف العمل بالاتفاقيات بشكل نهائي بقدرما احتفظت بها في بعض الأمور، حيث أن حل المنازعات بين العامة لا يتم بتدخل الشيخ، بل من الخليفة بمقر رئاسة المكتب، والذي كان يعرف لدى عامة الناس ب”البيرو” أو “القشلة”، وتحت أنظار الضابط رئيس المكتب[70].
لقد كان الضابط رئيس المكتب والذي يحمل صفة الحاكم، يفرض مراقبة صارمة على خلفاء المخزن فيما كانوا يصدرونه من أحكام في القضايا الجنائية والنزاعات اليومية بين السكان، ويتدخل كلما دعت الضرورة إلى ذلك. وكثيرا ما كان يرفض رفضا تما الاستجابة لرغبة هذا الخليفة أو ذاك في سجن فلان أو تغريم علان، بل إن الضابط كان يشجع عامة الناس على الاتصال به مباشرة لاطلاعه على مشاكلهم وعرض تظلماتهم، وكان الضابط يتدخل لصالح العامة إذا استشعر بأن هناك حيف أو شطط في استعمال السلطة من لدن الخلفاء أو الشيوخ، ويعجل بتنفيذ الأحكام[71].
ولا يخفى أن الغاية من هذه السياسة التي يتبعها رئيس مكتب الشؤون الأهلية هي التقرب من عامة الناس واستمالتهم وتليين الخاطر لهم بغية تحسيسهم بأن أحكام المخزن الذي تمثله فرنسا، تختلف عن الأحكام التي تمارس إبان حكم آل الگلاوي[72]، وهي صلب “الدعاية” التي تقوم عليها السياسة الأهلية والتي كانت سلطة الحماية تسعى إلى تكريسها بين عامة الناس.
خاتمة:
تتميز المناطق الجنوبية لشرق المغرب وبالأخص واحة درعة الوسطى بوجود عدد من القصور التي تشكل نمط استقرار متميز ومتكيف مع المعطيات الطبيعية والتاريخية والاجتماعية للمنطقة. وقد حاول الإنسان الواحي أن يتعايش مع هذه المعطيات بوضع قواعد وأعراف تعتمد على حماية الحياة المشتركة بين الناس، وتكريس مبدأ التعاون والتعاضد الاجتماعي باعتبار القصر خلية تقوم على حماية المصلحة المشتركة لجميع السكان داخله.
ويقوم تدبير شؤون القصر على مجموعة من الاتفاقيات التنظيمية التي تسنها جماعة القصر، والتي تضبط العلاقة بين العظام المتساكنة داخله. وتشكل الاتفاقيات التنظيمية القاعدة الجوهرية لتنظيم الحياة اليومية لسكان القصر، حيث تقوم على أسس متينة ومرنة تحظى بالقبول من لدن جميع الأفراد؛ حيث أن الشروط التي تضعها جماعة القصر تتم في تجمع عام يحضره كل البالغين في القبيلة “حد الصايم”، وقد شملت هذه الشروط جميع مناحي الحياة ولم تغفل أي شيء، فهي بمثابة قانون مكتوب يخضع له جميع أفراد القصر. إذن فالمؤسسات المهيمنة على تنظيم القصر تقوم أساسا على مؤسسة الجماعة ومؤسسة الشيخ والأعيان. لكن دخول الاستعمار قد ساهم في إحداث مؤسسات إدارية جديدة على رأسها مكتب الشؤون الأهلية تحت إشراف مجموعة من الضباط العسكريين الذين تمتعوا بسلطة مطلقة.
قائمة المراجع:
- وثائق محلية.
- أرسطو طاليس، “السياسة”، ترجمة احمد لطفي السيد، منشورات الجمل، بيروت، 2009.
- استيتيتو عبد الله، “دور تافيلالت في تنظيم العلاقات بين المجتمع والمخزن والمستعمر”، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، الطبعة الأولى، 2013.
- أمرني علوي محمد، “القانون العرفي بقصور تافيلالت: قصر أخنوس نموذجا”، ضمن ندوة التاريخ والقانون: التقاطعات المعرفية والاهتمامات المشتركة منشورات جامعة مولاي إسماعيل، مكنس سلسلة الندوات رقم 22، 2009.
- أميليحسن، “تازارين أيت عطا مسار واحة مروضة”، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى، 2017.
- أيت حمزة محمد، “مادة القصر”، معلمة المغرب، الجزء 19، إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 2000.
- بوخريص فوزي، “مؤسسة الجماعةJemaa بين الاستمرارية والقطعية”، ضمن كتاب المؤسسات الجماعية وقضايا التدبير المشترك بالمغرب، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، 2018.
- بوراس عبد القادر، “احتلال درعة نموذج لتطبيق سياسة ليوطي في التوسع والاحتلال: الاحتلال الفرنسي لدرعة العليا مراحله وحيثياته”، ضمن ندوة حوض وادي درعة ملتقى حضاري وفضاء للثقافة والإبداع، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أكادير، 1996.
- البوزيدي أحمد، “التاريخ الاجتماعي لدرعة مطلع القرن 17 إلى مطلع القرن 20م: دراسة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلال الوثائق المحلية”، منشورات أفاق،1994.
- البوزيدي أحمد، “دور الاتفاقيات التنظيمية في تنظيم العلاقات داخل القصور بدرعة”، ضمن ندوة حوض وادي درعة ملتقى حضاري وفضاء للثقافة والإبداع، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أكادير، 1996.
- سبيلمان جورج، “أيت عطا الصحراء وتهدئة درعة العليا”، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن زهر أكادير، الطبعة الثانية،2011.
- سبيلمان جورج،”دوائر وقبائل وادي درعة العليا”، ترجمة محمد أغزاف وإبراهيم بوماي، أدكلبرانت للطباعة والنشر، الرباط، 2016.
- طيراس هنري، “القصبات الأمازيغية بالأطلس والواحات: المباني الكبرى بالجنوب المغربي”، ترجمة حسن أميلي، منشورات أورزيوندوفرانس، باريس، 1938، ترجمة في طور النشر.
- العثماني عبد الرحمان، “التعمير والعمران الواحي: قصور وواحات فكيك نموذجا”، ضمن ندوة التراث الثقافي المادي بجهة سوسة ماسة درعة، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، 2013.
- كربخال مرمول، “إفريقيا”، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر ومحمد زنيبر وأحمد التوفيق واحمد بن جلون، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مكتبة المعا ريف الجديدة، 1984.
- الوزان الحسن بن محمد، “وصف إفريقيا”، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، دار الغرب الإسلامي، ط2 ،1983.
- مهدان امحمد، “الماء والتنظيم الاجتماعي: دراسة سوسيولوجية لأشكال التدبير الاجتماعي للسقي بواحة تودغة”، منشورات جامعة ابن زهر أكادير، 2012.
- ميمو روجي، “المسكن التقليدي في وادي تودغة بالمغرب”، ترجمة إبراهيم الخطيب، مجلة المناهل، عدد73 /74، فبراير 2005.
- الهروي لمهدي، “القبيلة الإقطاع والمخزن: مقاربة سوسيولوجية للمجتمع المغربي الحديث 1844-1934“، منشورات إفريقيا الشرق، 2010.
- P, “la structure politique et sociale de l’oued Draa“, CHEAM N°2039 .
- Georges spillman,“souvenirs d’un colonialiste“,paris,Presses de la Cité, 1968.
[1]– أخذه بن محمد قسطاني عن :
-Montagne Robert, Civilisation Au Désert Nomades D’orient Et D’Afrique, I Lid Hachette Paris 1947, P 49.
[2]– الهروي لمهدي، القبيلة الإقطاع والمخزن: مقاربة سوسيولوجية للمجتمع المغربي الحديث 1844-1934، منشورات إفريقيا الشرق، 2010.ص130.
[3]– نفسه، ص 117.
[4]– نفسه.
[5]– البوزيدي أحمد، دور الاتفاقيات التنظيمية في تنظيم العلاقات داخل القصور بدرع، ضمن ندوة حوض وادي درعة ملتقى حضاري وفضاء للثقافة والإبداع، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أكادير، 1996، ص 85.
[6]– نفسه، ص 91.
[7]– حد الصايم: اصطلاح محلي ومعناه كل البالغين القادرين آنذاك على المشاركة في الأعمال العامة التي تهم القبيلة، من تهي السواقي، وبناء المسجد، وتعبيد الطرق…
[8]– البوزيدي أحمد، دور الاتفاقيات التنظيمية في تنظيم العلاقات داخل القصور بدرعة، مرجع سابق، ص 92.
[9]– نفسه، ص 89.
[10]– نفسه، ص 85.
[11]– العثماني عبد الرحمان، التعمير والعمران الواحي: قصور وواحات فكيك نموذجا، ضمن ندوة التراث الثقافي المادي بجهة سوسة ماسة درعة، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، 2013، ص 81-82.
[12]– الشيخ: هو مرادف لأمغار في الأمازيغية وهو الشخص العالي الشأن والقدرة والدرجة داخل مجتمعه، تطلق كذلك على الحاكم والرئيس وكل من يمارس سلطة ما في المجتمع (انظر علي صدقي أزايكو، مادة أمغار، معلمة المغرب، ج 3، ص 763).
[13]– أمرني علوي محمد، القانون العرفي بقصور تافيلالت: قصر أخنوس نموذجا، ضمن ندوة التاريخ والقانون: التقاطعات المعرفية والاهتمامات المشتركة منشورات جامعة مولاي إسماعيل، مكنس سلسلة الندوات رقم 22، 2009، ص 217.
[14]– ميمو روجي، المسكن التقليدي في وادي تودغة بالمغرب ترجمة إبراهيم الخطيب، مجلة المناهل، عدد73 /74، فبراير 2005، ص 106-107.
[15]– أمرني علوي محمد، القانون العرفي بقصور تافيلالت: قصر أخنوس نموذجا، مرجع سابق، ص 7.
[16]– الهروي الهادي، القبيلة والإقطاع والمخزن، مرجع سابق، ص 120.
[17]– مهدان امحمد، الماء والتنظيم الاجتماعي: دراسة سوسيولوجية لأشكال التدبير الاجتماعي للسقي بواحة تودغة، منشورات جامعة ابن زهر أكادير، 2012، ص 42.
[18]– نفسه، ص 42.
[19]– كربخال مرمول، إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر ومحمد زنيبر وأحمد التوفيق واحمد بن جلون، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مكتبة المعا ريف الجديدة، 1984، ج 2، ص 112.
[20]– نفسه، ص 113.
[21]– نفسه.
[22] – AZAM. P, la structure politique et sociale de l’oued Draa, CHEAM N°2039,P13.
[23]– نشير هنا أنه احتفظنا بالنص كما هو في الوثيقة وبالأخطاء اللغوية التي يتضمنها، لأنه مزج بين الدارجة والعربية والأمازيغية.
[24]– القسبة: ويقصد القصبة،
[25]– عبد الله بن مهدي من عائلة المزواريين، وهي من الأسر العريقة بواحة تنزولين، وقد كان بعض أفراد هذ الأسرة يمارسون بعض المهام الإدارية بدرعة طيلة عهد السعدين والعلويين. وفي عهد الحماية استطاع المزواريون، الحفاظ على وضعيتهم الاجتماعية والسياسية بواحة تينزولين وكان أخر من تولى الحكم من هذه الأسرة بالمنطقة هو الشيخ محمد بن الفاطمي المزواري.
[26]– البوزيدي أحمد، التاريخ الاجتماعي لدرعة مطلع القرن 17 إلى مطلع القرن 20م: دراسة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلال الوثائق المحلية، منشورات أفاق،1994، ص 211.
[27]– نفسه، ص 212.
[28]– نفسه.
[29]– عرف البوزيدي الأوقية بأنها عملة نقدية كانت متداولة بوادي درعة خلال القرن الثالث عشر الهجري/ 19م. والأوقية تساوي درهما واحدا أو أربع مزونات.
[30]– زاوية السي وغيا: من الزوايا المغمورة بقصبة المخزن بتنزولين، وسط الحقول، وقد سارت مجرد خرائب بعد هجرها في السبعينات من القرن الماضي، وفي زيارتنا لهذه الزواية عثرنا على مجموعة من الوثائق من عقود البيع، والزواج وغيرها.
[31]– أنظر الوثيقة عند البوزيدي، التاريخي الاجتماعي لدرعة، مرجع سابق، ص 213.
[32]– أمرني علوي محمد، القانون العرفي بقصور تافيلالت “قصر أخنوس نموذجا، مرجع سابق، ص 11.
[33]– انظر الرسالة كاملة في الملحق وقد أشار البوزيدي أن تاريخها هو 13 صفر عام 1369هـ لكن هذا التاريخ يجانب الصواب لان الفترة لا توافق فترة حكم السلطان عبد الرحمان بن هشام، وأيضا فترة الشيخ عثمان بن مسعود اليحياوي، وقد حققنا في الرسالة الأصلية التي حصلنا عليها من أسرة الشيخ المذكور، لكن التاريخ مفقود فيها أيضا.
[34]– الزوار: يقصد المزوار
[35]– مهمى أراد أن يطرح الشياخة: رغب في التخلي عن مشيخة القبيلة.
[36]– أرسطو طاليس، السياسة، ترجمة احمد لطفي السيد، منشورات الجمل، بيروت، 2009، صص 99-100.
[37]– ابن خلدون عبد الرمان، المقدمة، مصدر سابق، ص 33.
[38]– بوخريص فوزي، مؤسسة الجماعةJemaa بين الاستمرارية والقطعية، ضمن كتاب المؤسسات الجماعية وقضايا التدبير المشترك بالمغرب، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، 2018، ص 183.
[39]– الوزان الحسن بن محمد، وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، دار الغرب الإسلامي، ط2 ،1983،ج 1، ص 87.
[40]– كربخال مرمول، “إفريقيا”، مصدر سابق، ج 3، ص 145،
[41]– سبيلمان جورج، دوائر وقبائل وادي درعة العليا، ترجمة محمد أغزاف وإبراهيم بوماي، أدكلبرانت للطباعة والنشر، الرباط، 2016، ص115.
[42]– مهدان محمد، الماء والتنظيم الاجتماعي، مرجع سابق، ص 41.
[43]– نفسه، ص 42.
[44]– سبيلمان جورج، أيت عطا الصحراء وتهدئة درعة العليا، مصدر سابق، ص79.
[45]– نفسه.
[46]– أميلىحسن، تازارين أيت عطا مسار واحة مروضة، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى، 2017، ص 173.
[47]– سبيلمان جورج، أيت عطا الصحراء وتهدئة درعة العليا، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن زهر أكادير، الطبعة الثانية،2011،ص79.
[48]-طيراس هنري، لقصبات الأمازيغية بالأطلس والواحات: المباني الكبرى بالجنوب المغربي، ترجمة حسن أميلي، منشورات أورزيوندوفرانس، باريس، 1938، ترجمة في طور النشر، ص32.
[49]– أيت حمزة محمد، مادة القصر، معلمة المغرب، الجزء 19، إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 2000، ص 6639.
[50]– نفسه
[51]– البوزيدي أحمد، لتاريخ الاجتماعي لدرعة، مرجع سابق، ص200.
[52]– استيتيتو عبد الله، دور تافيلالت في تنظيم العلاقات بين المجتمع والمخزن والمستعمر، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، الطبعة الأولى، 2013 ص122.
[53]– نفسه.
[54]– القسبة: يقصد قصر قصبة المخزن بتنزولين.
[55]– نص الاتفاقية كما وردت عند البوزيدي في الملحق.
[56]– البوزيدي أحمد، التاريخ الاجتماعي لدرعة، مرجع سابق، ص ص2013-2014
[57]– Georges Spillmann, souvenirs d’un colonialiste, Paris,Presses de la Cité, 1968, p 11.
[58]– البوزيدي أحمد، درعة بين التنظيمات القبلية والحضور المخزني، مرجع سابق، ص 572.
[59]– بوراس عبد القادر، احتلال درعة نموذج لتطبيق سياسة ليوطي في التوسع والاحتلال: الاحتلال الفرنسي لدرعة العليا مراحله وحيثياته، ضمن ندوة حوض وادي درعة ملتقى حضاري وفضاء للثقافة والإبداع، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أكادير، 1996، ص 186.
[60]– البوزيدي أحمد، درعة بين التنظيمات القبلية والحضور المخزني، مرجع سابق، ص 564.
[61]– نفسه.
[62]-AZAM. P, la structure politique et sociale de l’oued draa,op,cit, P 19.
[63]– البوزيدي أحمد، درعة بين التنظيمات القبلية والحضور المخزني، مرجع سابق، ص 566.
[64]– نفسه، ص 567.
[65]– نفسه.
[66]– بوراس عبد القادر، احتلال درعة نموذج لتطبيق سياسة ليوطي في التوسع والاحتلال: الاحتلال الفرنسي لدرعة العليا مراحله وحيثياته، مرجع سابق، ص 173.
[67]– البوزيدي أحمد، درعة بين التنظيمات القبلية والحضور المخزني، مرجع سابق، ص 567.
[68]– نفسه، ص 568.
[69]– نفسه.
[70]– نفسه، ص 570.
[71]– نفسه.
[72]– إن الذاكرة المحلية بواحات درعة عامة وبقصر تنزولين خصوصا تحتفظ بكثير من الأحداث الشنيعة التي كان يقوم بها خلفاء الگلاوي وعلى رأسهم محمد العربي اليحياوي شيخ أولاد يحيى لگراير الذي كان يفرض سلطته في إطار نوع من التحالف مع شيخ قبائل أهل تنزولين محمد بلفاطمي، ففي ليلة قام العربي اليحياوي بحملة تأديبة لبعض الأسر الرافضة لسلطته بقصبة تنزولين فأخذ يذبح الأطفال في أحضان أمهاتهم، وقام بتجميع عدد من الرجال فحكم فيهم السيف جميعا أمام مرأ أسرهم (رواية شفوية لعظيم أحمد من سكان القصر).