
الشيخ عبد الحليم بن سماية وجهوده الإصلاحية في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية
Sheikh Abdel Halim bin Sammeh and his reform efforts in Algeria During the French colonial era
د. نعيمة بوكرديمي/جامعة الشلف، الجزائر
Dr.NAIMA BOUKREDIMI/University Of Chlef, Algeria
مقال منشور مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 74 الصفحة 121.
ملخص :يعدّ الشيخ عبد الحليم بن سماية واحدا من رواد الحركة الإصلاحية التي شهدتها الجزائر في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين( 1866-1933)، إلى جانب رفقة من علماء الإصلاح الذين أنجبتهم الجزائر، وبادروا بالفعل الإصلاحي تجاه الواقع المزري الذي أصبح الشعب الجزائري يعيشه من جراء الوجود الاستعماري في الجزائر، ومخططاته الرامية إلى دمج الجزائر بفرنسا، وفسخ مقوماتها العربية الإسلامية التي تعتز بها، والتي حالت دون جدوى بفضل رواد الإصلاح من أمثال مترجمنا الشيخ عبد الحليم بن سماية ورفقائه من علماء الجزائر خاصة وعلماء العالم العربي والإسلامي بشكل عام الذين وقفوا بها بالمرصاد وحطموا أحلام الاستعمار الزائفة.
الكلمات المفتاحية: عبد الحليم بن سماية، مساره التكويني، الرحلة العلمية، جهوده الإصلاحية في المجال التعليمي والسياسي والاجتماعي .
Abstract:
Sheikh Abdel Halim bin Sammeh is one of the pioneers of the reformist movement in Algeria in the late nineteenth and early twentieth centuries.(1866-1933), along with the companions of reformist scholars born to Algeria, initiated reformist action towards the dismal reality that the Algerian people had become living through the colonial presence in Algeria, their plans to integrate Algeria with France, and the dissolution of its cherished Arab-Islamic elements, which had been prevented by reform pioneers such as our translator, Sheikh Abdel Halim bin Sammeh, and his fellow scholars.
key words:Abdel Halim Ben Sammeh, Formation Course, Scientific Journey, Educational, Political and Social Reform Efforts.
مقدمة:بالرغم من مجموعة القيود التي فرضتها السلطات الفرنسية على الجزائريين بصفة عامة، وبالأخص فئة المثقفين منهم للحيلولة دون اتصالهم برواد الحركة الإصلاحية ببلاد المشرق الإسلامي، كمنعهم من أداء فريضة الحج في العديد من المرات، ومنعهم من اقتناء الجرائد العربية، إلا أن ذلك لم يقف حاجزاً أمام وصول رياح التغيير والنهضة والإصلاح إليهم، والفضل كله في ذلك يعود للجهود التي قامت بها تلك الكوكبة من العلماء الأجلاء والمصلحين التقليديين الذين كانوا يؤمنون بفكرة القومية الإسلامية، ويكنون العداء الشديد والبغيض لتلك الممارسات الاستعمارية المتغطرسة للحد منها والوقوف في وجهها، ومن هؤلاء الرواد نذكر رائد الإصلاح في الجزائر الشيخ عبد الحليم بن سماية.
فمن هو الشيخ عبد الحليم بن سماية؟ وما هو مساره ومشواره العلمي والتعليمي؟ وأين تجلت أهم إسهاماته العلمية والمعرفية؟ وفي الأخير ما هي أهم الجهود الإصلاحية التي قام بها في الجزائر للوقوف أمام المخططات الاستعمارية الفرنسية الدنيئة؟
أولا: التعريف بشخصية عبد الحليم بن سماية:
لقد أجمعت الدراسات التي اعتنت واهتمت بترجمة سيرته على أنه هو الشيخ عبد الحليم بن علي بن عبد الرحمن بن حسن خوجة، وخدوجة بنت أمير خوجة، والتي تشتهر باسم خداوج من آل الشيخ مصطفى بن الكبابطي[1] آخر مفاتي المالكية بالجزائر على عهد الأتراك[2]، ولد في سنة 1866م الموافق لسنة الهجرية 1283هـ بمدينة الجزائر العاصمة[3].
أما فيما يخص نسبه، فهو ينحدر من أسرة آل سماية العريقة، والتي تعد من أشهر العائلات العاصمية التي يعود أصلها هي الأخرى إلى بلدة أزمير التركية، وهذا حسب ما يخبرنا به تلميذه الشيخ عبد الرحمن الجيلالي الذي قال في شأن ذلك: «وهنا عندنا بالعاصمة أسرتان مشتركان في التلقب بهذا اللقب، وهذه النسبة، إذ كل منهما يدعى ابن سماية، وكلتاهما من أصل تركي، وهما في نفس الوقت متباعدان عن بعضها في النسب، فأسرة الشيخ عبد الحليم ترجع في نسبها إلى حسن خوجة قاطع السكة بدار الإمارة الجزائرية على عهد الأتراك، وهي أكثر شهرة بهذا اللقب من الأسرة الثانية التي ينتمي إليها الشيخ يوسف بن سماية»[4].
نشأ عبد الحليم بن سماية في عائلة علم ودين، فوالده علي بن سماية كان رجل مثقف ثقافة عربية إسلامية، وقد ساعدته ثقافته هذه بأن يشغل منصب التدريس بعدة مساجد بالجزائر العاصمة، منها جامع التفسير والجامع الجديد[5]، وفي ظل هذه البيئة الثقافية التي حظي بها والده نشأ مترجمنا وترعرع فيها[6].
ثانيا: تكوينه العلمي:
بعد انتهاء عبد الحليم بن سماية من حفظ القرآن الكريم على يد إمام جامع الرفيسة في تلك الفترة الشيخ حسن بوشاشية، توجه عبد الحليم بن سماية إلى دراسة العلوم الأخرى، حيث درس وتلقن في بداية مشواره الدّراسي على يد والده أصول القراءة وفنون الكتابة وقراءة نفائس الكتب التي كانت تحتويها خزانة أبيه، الأمر الذي جعل منه عالما ناضجاً ذا فصاحة وبلاغة زيادة على كونه شخصية قوية غيورة على الدين والوطن[7].
ثم درس بعدها على يد علماء عصره من الجزائريين من أمثال الشيخ علي بن موسى والشيخ محمد المزداري، والشيخ قدور أباصوم، والشيخ طاهر أقيطوس، وحضر دروس الشيخ محمد سعيد بن زكري وغيرهم، حيث أخذ عن هؤلاء فنونا من العلم في اللغة وآدابها، وعلوم الشريعة، كما أنه تلقى الحساب والفرائض على يد صهره الشيخ علي بن حمودة، والربع المجيب في علم الفلك والتوقيت كلاهمـا عن الشيخ أبو القاسم الحفناوي وعلم الإسطرلاب على يد الأستاذ عارف بك[8]، وقد زاده اهتمامه الكبير بالعلوم الأخرى كالفلسفة والتوحيد والحكمة سعة في المعرفة وحدة في الذكاء وبصيرة في التفكير وسداد في الرأي والقول[9].
ثالثا: رحلته العلمية:
في سبيل إشباع نهمه العلمي والمعرفي، ورغبة منه في البحث عن طرق الأسانيد، والحصول على الإجازات على كبار العلماء، مارس عبد الحليم بن سماية الرحلة في طلب العلم كغيره من طلبة العلم الشغوفين على حب الاستزادة العلمية إلى مجموعة من البلدان العربية من بينها مدينة تونس الذي دفعه حماسه العلمي إلى الاتصال بمشايخها الكبار وعلمائها الأجلاء، ومنهم عالمها الجليل الشيخ محمد بن عيسى الجزائري الذي كان يومئذ بتونس مهاجرا، والذي نزل عليه الطالب عبد الحليم بن سماية فأكرمه، وأخذ عنه علوم جمة[10]، وعن هذه الرحلة يذكر الأستاذ عبد الرحمن الجيلالي قائلاً: «فشد إليه رحله ونزل عليه ضيفا محببا مكرما، وتلميذ مدللا، فأكرمه الأستاذ بن عيسى وانزله من نفسه منـزلة الابن، فلازم عبد الحليم منزله مكبا على الدرس والتحصيل» [11].
بالإضافة إلى ذلك، فقد درس وتتلمذ عبد الحليم بن سماية على يد الشيخ المكي بن عزوز المقيم في تونس.
أما بخصوص الشيوخ الذين تتلمذ عليهم ببلاد المشرق وتحديدا ببلاد الشام، فنذكر الشيخ عبد القادر بن بدران الدمشقي[12]، حيث يذكر هذا الأخير في شأن ذلك أن بن سماية كان من بين تلاميذته، وقد قرأ عليه كتاب المنهل الصافي[13].
وهكذا فقد سمح له هذا التكوين العلمي على هذه الكوكبة من العلماء الأفذاذ والأجلاء، داخل الجزائر وخارجها في بلدان العالم العربي من أن يصبح رائد من رواد الفكر والإصلاح في الجزائر، وواحدا من كبار علمائها الذين ساهموا من خلال ما حصلوه من علوم ومعارف متنوعة ومختلفة في تخريج العديد من طلبة العلم الجزائريين من أمثال الشيخ والمؤرخ عبد الرحمن الجيلالي، والأستاذ أبو القاسم سعد الله رحمه الله وغيرهم كثيرون من جهة، كما استطاع من خلال ما تميز به من ثقافة واسعة من يكسب رضا وإعجاب كبار المصلحين في العالم العربي ومنهم العالم الزيتوني الشيخ محمد لخضر حسين، والشيخ محمد عبده الذي زار الجزائر في سنة 1903م وأعجب بشخصيته وعلمه.
رابعا: إسهاماته العلمية والمعرفية:
من بين المهام التي تولها الشيخ عبد الحليم بن سماية نذكر: التدريس والتأليف.
- في ميدان التدريس:
في عام 1896 عين مدرسا بالمدرسة الحكومية، وعمره آنذاك حوالي 30 سنة، وقد عهد إليه بتدريس العلوم الدينية واللغوية كعلم التفسير والفقه والنحو وغيرها من العلوم، وقد كان دوره في هذه المدرسة الحكومية تخريج الموظفين من القضاة والمترجمين[14]، وكان من أبرز ما ميز شخصيته هو الكفاءة العالية ووعيه البالغ وحيويته ونشاطه وجديته وشغفه الواضح بالبحث واعتماده على الطرق الجديدة والحديثة في التدريس وانفتاحه على المفاهيم الغربية وصرامته اتجاه التقاليد البالية[15].
وفي سنة 1905 انتقل الشيخ عبد الحليم بن سماية للتدريس بالمدرسة الثعالبية، وكانت هذه المدرسة تدرس باللغة العربية إلى أن قررت الحكومة الفرنسية إدخال اللغة الفرنسية ليصبح التدريس بها مزدوج اللغة، وذلك في سنة 1906م[16].
وللإشارة فقد كان الشيخ عبد الحليم بن سماية يدرس بالقسم العادي مادة الأدب العربي، وفي القسم العالي مادة المنطق والبيان والتفسير بالإضافة إلى الإنشاء الأدبي[17].
وكان من أبرز تلاميذه الملازمين لدروسه العالم والمحقق الدكتور محمد بن أبي شنب[18]، والدكتور محمد بن العربي أول جزائري تحصل على شهادة الدكتوراه في الطب، والشيخ عبد الرحمن الجيلالي المؤرخ والفقيه المعروف والعالم الجليل صاحب كتاب تاريخ الجزائر العام، ومن المغرب الشيخ أحمد بن محمد التيجاني المترجم بالإدارة الفرنسية بالرباط[19].
بالإضافة إلى ذلك، فقد استخلف الشيخ عبد الحليم بن سماية والده كمدرسا بالجامع الكبير بالجزائر العاصمة وذلك في شهر أكتوبر من سنة 1900م، وبالرغم من توليه لوظيفتين في الآن نفسه، إلا أنه استطاع التوفيق بينهما، حيث عمل على تقسيم وقته بينهما، وذلك بتخصيص اثنا عشرة ساعة للتدريس بالمسجد وأربعة عشر ساعة للتدريس بالمدرسة في الأسبوع[20].
أما فيما يخص المنهاج الدراسي الذي كان يعتمد عليه، فقد كان يتمحور حول علوم الشريعة وعلوم اللغة والمنطق، وهكذا، فقد سمح له عمله كمدرس بالمسجد الكبير من أن يقدم دروسا كثيرة في ميدان الوعظ والإرشاد والتفسير، التي كان يحضرها العديد من الطلبة والزائرين للجزائر للاستفادة منها، ومن ذلك الشيخ محمد الخضر حسن الذي زار الجزائر سنة 1904، واجتمع به وحضر دروسه بالجامع الكبير آنذاك[21].
- ي ميدان التأليف (الإنتاج العلمي):
نظرا لتفرغه الدائم لوظيفة التدريس والتعليم في المدرسة الثعالبية والمسجد الكبير بالعاصمة الجزائر، فلم يحظى مترجمنا بالوقت الكافي للتفرغ لميدان الكتابة والتأليف، وهذا ما جعل رصيده من المؤلفات قليل مقارنة بعدد الأجيال وطلبة العلم الكثيرين الذين سهر على تكوينهم[22].
ونشير إلى أنه إلى جانب إسهامه القليل في ميدان التأليف، فنجد أن البعض من مؤلفاته هذه قد فقد واندثر بفعل العديد من العوامل، ومن هذه المؤلفات نذكر:
- مؤلفه بعنوان: “شرح الشيخ عبد الحليم بن سماية على مفهومة الشيخ المكي بن عزوز”[23].
- اهتزار الأطواد والزبى من مسألة تحليل الربا”، وهي رسالة في أحكام الربا كتبها ليرد على بعض العلماء الذين حللوا الربا في بعض الجرائد، رسالة مطبوعة نشرها الشيخ بن سماية سنة 1911م، لكن لم يبق لها أثر، ولحسن الحظ أطلع عليها تلميذه الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، وقال عنها: «هي رسالة غزيرة المادة في موضوعها استوعب فيها المؤلف أصول هذا الباب، دعا فيها علماء الإسلام قاطبة إلى تحمل مسؤلياتهم أمام هذا الموضوع الهام»[24].
- له مؤلف بعنوان “الكنز المدفون” نشره في سنة 1913م بالجزائر، هاجم فيه المتصوفين والطرفيين والمظللين، ولم يعجب حال الطرق وخاصة التيجانية التي سعت إلى مصادرة جميع نسخه.
- له أيضا كتاب بعنوان “فلسفة الإسلام”، الذي قدمه في المؤتمر الرابع عشر للمستشرقين المنعقد بالجزائر سنة 1905م.
- ألف رسالة جليلة في “التوحيد والرد على شبه الملحدين” لا ندري إن كانت قد نشرت له في مجلة التلميذ أم لا.
- له كتاب لم يكتمل في شرح الأحاديث القضائية، تحدث عنه تلميذه عبد الرحمن الجيلالي قائلا بأن شيخه بدأ في شرح الأحاديث دون أوراق في عدة مجالس ولم يدون تلك الشروح، لكنه انقطع بسبب عدة مشاكل.
بالإضافة لذلك فقد ساهم مترجمنا بكتابة العديد من الأبيات الشعرية بحكم ما كان يملكه من أسلوب جيد وصور شعرية.
أما فيما يخص المقالات الصحفية، فللشيخ عبد الحليم بن سماية العديد من الكتابات الصحفية منها من دونها باسمه الحقيقي، ومنها من كانت بأسماء مستعارة بحكم الظرف الاستعماري، ومن تلك المقالات نذكر:
- مقالين بجريدة كوكب إفريقيا.
-المقالة الأولى بعنوان “الفرق بين الصوفية والمتصوفة”، حيث تحدث فيها عن التصوف كعلم وهاجم المتصوفة، وقد كان كتبها سنة 1911م.
-المقالة الثانية، بعنوان “الصوفية”، حيث تحدث عن الصوفية، ووصفهم أنهم علماء الحقيقة.
- كما له مقالة بجريدة المغرب (1903-1904م) بعنوان “قوة الجاذبية” تحدث فيها عن فضل العلم وضرورة الاهتمام به للنهوض بالأمة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد كانت له كتابات في جريدة المبشر[25] وجريدة الإقدام للأمير خالد، كما كان له العديد من المقالات في الصحف التونسية كجريدة الوزير والحاضرة، وغيرها[26].
وعليه يتضح لنا جلياً أن بالرغم من قلة مؤلفات الشيح عبد الحليم بن سماية، إلا أنها كانت مفيدة من خلال المواضيع والقضايا والمسائل التي تناولتها، حيث استطاع من خلالها الشيخ عبد الحليم بن سماية أن يقلق العدو الفرنسي، وجماعة المتعاونين معه، الأمر الذي دفع به إلى محاولة مصادرة نسخها، أو منعها وحرقها في أغلب الأحيان لأنها كانت تضر بمصالحهم التي اكتسبوها[27].
خامسا: الجهود الإصلاحية للشيخ عبد الحليم بن سماية في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية:
أمام المخطط الاستعماري الفرنسي الرامي إلى طمس الشخصية الجزائرية الإسلامية بتبنيه سياسة إفراغ المجتمع الجزائري من مقوماته الحضارية والعربية الإسلامية، ثارت النخب الجزائرية ذات الثقافة المحافظة وعلى رأسهم الشيخ عبد الحليم بن سماية أمام هذه النوايا الاستعمارية ومخططاتها الدنيئة رافعة لواء الإصلاح الذي كان يهدف من خلاله إلى ضرورة الالتزام بالشريعة الدينية من خلال المحافظة على الدين الإسلامي واللغة العربية والحرص على التعليم من أجل تكوين جيل من العلماء ذوي شخصيات قوية يبذلون كل ما بوسعهم من أجل حماية الدين والوطن[28]، وإذا أردنا الوقوف عند أهم الميادين التي شملها مشروعه الإصلاحي نذكر:
- إصلاحه في ميدان التربية والتعلم:
بعدما أسندت إليه مهمة التعليم بالمدرسة الثعالبية، بدأ الشيخ بن سماية أول عملية الإصلاح، بتجديد المنهاج التربوي والتعليمي، وذلك من خلال إدخال كتب جديدة في عملية التدريس، نذكر منها: كتاب دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة، وتلخيص المفتاح والإشهاد في الاعتقاد، ويرها من الكتب النفيسة، والمتداولة في الأوساط العلمية العربية والإسلامية لما لها من علاقة بالانتماء العربي والإسلامي[29]، كما سهر هو بنفسه على تدريس البعض منها، كألفية بن مالك بشرح بن عقيل أو بشرح الأشموني والعقد الفريد أو نهج البلاغة الذي كان يدرسها لتلاميذ القسم الرابع، والمنهل للزمخشري، ورسالة التوحيد لمحمد عبده التي كان يدرسها لتلامذة القسم الخامس، والذي استطاع من خلالها رفقة مدرسين آخرين كعبد القادر مجاوي تنوير وتوعية الطلبة الجزائريين ومن ورائهم الشعب الجزائري بانتمائه العربي الإسلامي، والحرص على الحفاظ على هويته وشخصيته العربية الإسلامية، والاعتزاز بها، والدعوة إلى التعلم لمحاربة سياسة الجهل المطبقة عليهم، والتي زكتها الطرق الصوفية المنحرفة و المتعارفة مع الاستعمار، ومن ثم محاربة وطرد الاستعمار الفرنسي من أرض الجزائر، وفي هذا الصدد فإنه وكغيره من علماء الأمة الإسلامية عموما والجزائرية خصوصا قد خاطب كل المتفرنسين ناصحا إياهم بعدم المتاجرة بمصير الأمة بقوله: «قفوا أيها المتفرنجون عند حدودكم، ودعوا الله لأهله، فإنكم لستم في العير ولا في النفير، فإن للأمة أنصارا في الباطن والظاهر متمسكين بعروة الله الوثقى»[30].
وبذلك فهو يرى أن الجهل هو سبب كل تخلف، وأن ما آل إليه الجزائريون من ضعف وجهل يعود إلى قلة وعيهم بأهمية العلم.
وللإشارة، فقد دفعت دعوته الإصلاحية في الميدان التعليمي طلبة العلم الغيورين على هويتهم وانتمائهم والشغوفين على العلم والمعرفة إلى الإقبال على دروسه بشكل واسع، وهو ما جعله من جهة أخرى محل متابعة من قبل السلطات الاستعمارية، وقد تمادى به الأمر لدرجة القبض عليه وتعذيبه حتى أصيب بالجنون فأحيل على التقاعد، وبقي يصارع مصيره إلى أن توفي رحمه الله[31].
- إصلاحه في الميدان السياسي والاجتماعي :
لقد بذل الشيخ عبد الحليم بن سماية جهودا مضنية رفقة علماء جزائريين آخرون لتعريف بواقع الشعب الجزائري المزري إبان أوائل الحقبة الاستعمارية الفرنسية، وكشف عن المواضيع والقضايا التي حاولت فرنسا الاستعمارية التستر عليها أمام الرأي العام العربي والإسلامي، ومن هذه القضايا قضية التجنيس وقضية التجنيد الإجباري وموقف الجزائريين منها وانعكاساتها على ظاهرة الهجرة[32].
يعد عبد الحليم بن سماية واحدا من زعماء كتلة المحافظين التي كان يدعوا زعمائها إلى ضرورة إصلاح الوضع في الجزائر المستعمرة من خلال الدعوة إلى التقدم والتسامح والتعليم رافضين سياسة التجنيس والتجنيد الإجباري والتغيير على الطريقة الغربية، فهو واحد من جماعة المعارضين الرافضين للتجنيد الإجباري، الذي حاولت فرنسا تطبيقه على الشعب الجزائري، وطالبوا بتحسين الأوضاع الاجتماعية والسياسية للجزائريين، حيث طالبوا:
- إلغاء قانون الأهالي وكل الإجراءات التعسفية الأخرى.
- استرجاع العمل بنظام الشرع الإسلامي.
- الدعوة إلى القومية الإسلامية.
- معارضة التجنيس والتجنيد العسكري الإجباري.
- المساواة في التمثيل النيابي بين الجزائريين والمستوطنين.
- المساواة في الضرائب والفوائد في الميزانية.
- احترام التقاليد والعادات الجزائرية.
- نشر وإصلاح وسائل تعليم اللغة العربية.
- عدم العنف والإرهاب ضد الجزائريين.
- حرية الهجرة ولاسيما نحو المشرق العربي[33].
وتعبيرا عن رفضه لقانون التجنيد الإجباري، فقد ترأس جلسة يوم 25 جويلية 1911م بقاعة المجلس البلدي بالعاصمة، حيث قدم مداخلة أكد من خلالها على أن المسلمين إذا أدوا الخدمة العسكرية للدولة الفرنسية لا يكون بذلك مسلمين بجميع معاني الكلمة، كما أكد أن الحرية والحقوق السياسية إذا منحت للمسلمين مقابل تجنيدهم فتلك هي الضربة القاضية للقومية الدينية والسياسية، إذ يقع اندماجهم بالأمة الفرنسية نهائياً[34].
وعن الأسباب التي دفعته إلى معارضة سياسة التجنيد الإجباري نذكر ما يلي:
- عدم قدرة المجندين المسلمين على ممارسة شعائرهم الدينية بإجبارهم على الإفطار في رمضان وتأخير الصلاة.
- محاربة إخوانهم المسلمين، وهذا يتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي، حيث يذكر في هذا المقام إصداره لفتوى تنص بعدم جواز محاربة الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى لأنها مسلمة وبحكمها تمثل الخلافة الإسلامية.
- تحويل المجتمع الجزائري إلى مجتمع مكون من طبقتين متمايزتين المجندين وغير المجندين[35].
وهكذا وقف الشيخ عبد الحليم بن سماية موقف صارم وحازم من قانون التجنيس وقانون التجنيد الإجباري، وذلك لسببين أولهما أن الحرب العالمية الأولى هي حرب لا ناقة لهم ولا جمل، فمن ناحية الشرع الإسلامي لا يجوز المسلمين التجند في جيوش غير إسلامية، والسبب الثاني رأى من خلاله عبد الحليم بن سماية أن تحقيق الاندماج هو ضياع لجنسية الأمة الجزائرية وهويتها العربية الإسلامية.
سادسا: وفاته:
هكذا وبعد مشوار حافل بالعلم والتدريس لأكثر من 40 سنة، والنضال في سبيل إصلاح ما آلت إليه الأمة الجزائرية من تخلف وضعف في أوائل الحقبة الاستعمارية الفرنسية، توفي فقيد الجزائر واحد رواد إصلاح لها الشيخ عبد الحليم بن سماية بعد سلسلة المضايقات والاضطهاد التي تعرض إليه من قبل السلطات الفرنسية الاستعمارية، والتي أصيب من جرائها لمرض عقلي لازمه حتى وفاته في 7 رمضان 1351هـ الموافق لـ 4 جانفي 1933م، ودفن رحمه الله في مقبرة الشيخ عبد الرحمن الثعالبي بالجزائر العاصمة[36].
خاتمة:
وفي الختام، ومن خلال هذه الوقفة السريعة مع المشوار العلمي والجهود الإصلاحية للشيخ عبد الحليم بن سماية، لا يسعنا إلا أن نقول بأن الشيخ عبد الحليم بن سماية هذه الشخصية العالمة والثائرة والمحبة والغيورة على الدين والوطن، بالرغم من تاريخها الحافل بالعطاء العلمي والنضال الوطني إلا أنه لا زال لم ينل حقه من البحث مقارنة بما بذله من جهود عظيمة بهدف تحطيم المشاريع والمخططات الفرنسية الاستعمارية شأنه في ذلك شأن العديد من رواد الإصلاح في جزائرنا اليوم المعاصرة، الذي آن الأوان للالتفات إليهم وإحيائهم واستحضار منجزاتهم لأنهم خير سلف لخير خلف حتى نستفيد منهم.
قائمة المراجع:
- المجلة الجزائرية للبحوث والدراسات التاريخية، بن حمودة مراد، المنهج الإصلاحي في فكر الشيخ عبد الحليم بن سماية (1866-1933)، المجلد 3، العدد6، ديسمبر 2017.
- النشاط الإصلاحي للشيخ عبد الحليم بن سماية (1866-1933)، بن حمودة مراد، مقال ضمن مجلة الحكمة للدراسات التاريخية، المجلد 5، العدد 11، سبتمبر، 2017.
- بن سماية عبد الحليم، الفرق بين الصوفية والمتصوفة، كوكب إفريقيا، 10 مارس 1911
- ــ، شرح الشيخ عبد الحليم بن سماية على مفهومة الشيخ المكي بن عزوز، مخطوط بالمكتبة الوطنية الجزائرية.
- جريدة المبشر 26 ديسمبر 1896 نقلا عن سعد الله أبو القاسم، تاريخ الجزائر الثقافي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1،1989 .
- الجيلالي عبد الرحمن، تاريخ الجزائر العام، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، دار الثقافة، بيروت، ط4.
- دبوز محمد بن علي، نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المجيدة، الطباعة الشعبية للجيش، الجزائر، 2007م.
- مجلة عصور، دراوي محمد، أضواء على حياة ومواقف الشيخ عبد الحليم بن سماية وجهوده الإصلاحية( 1866-1933)، العدد36، جويلية-سبتمبر.
- قنانش محمد، الشيخ عبد الحليم بن سماية في كتابات عبد الرحمن الجيلالي، العدد7.
- مجلة التلميذ، صفحة من حياة شهيد العلم وفقيد الإسلام، العلامة الأكبر الأستاذ الشيخ عبد الحليم بن سماية، السنة الثانية، ع3-4، جانفي – فيفري، 1933.
[1]– ينظر ترجمته: الجيلالي عبد الرحمن، تاريخ الجزائر العام، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، دار الثقافة، ط4، بيروت، ج4، ص404. مجلة عصور، دراوي محمد، أضواء على حياة ومواقف الشيخ عبد الحليم بن سماية وجهوده الإصلاحية( 1866-1933)، العدد36، جويلية-سبتمبر، ص319، مجلة الحكمة للدراسات التاريخية، بن حمودة مراد، النشاط الإصلاحي للشيخ عبد الحليم بن سماية (1866-1933)، المجلد 5، العدد 11، سبتمبر، 2017، ص199.
[2]-الجيلالي عبد الرحمن، المصدر السابق، ج4، ص202.
[3]-المصدر نفسه، ص202.
[4]-بن حمودة مراد ، المرجع السابق، ص ص199، 200.
[5]– دبوز محمد بن علي نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المجيدة، الطباعة الشعبية للجيش، الجزائر، 2007م، ج1، ص ص107، 108، بن حمودة مراد ، المرجع السابق، ص101.
[6]-مجلة التلميذ، صفحة من حياة شهيد العلم وفقيد الإسلام، العلامة الأكبر الأستاذ الشيخ عبد الحليم بن سماية، السنة الثانية، ع3-4، جانفي – فيفري، 1933، ص12.
[7]-قنانش محمد، الشيخ عبد الحليم بن سماية في كتابات عبد الرحمن الجيلالي، العدد7، ص257.
[8]-المرجع نفسه، ص258.
[9]-الجيلالي عبد الرحمن، المصدر السابق، ص203.
[10]– قنانش محمد، المرجع السابق، ص259، بن حمودة مراد ، المرجع السابق، ص200.
[11]-الجيلالي عبد الرحمن، المصدر السابق، ص ص ص405، 406، 407، بن حمودة مراد، المرجع السابق، ص103.
[12]– هو عبد القادر بن أحمد بن مصطفى الدمشقي المشهور بابن بدران، ولد سنة 1280هـ بدومة، تعلم مبادئ القراءة في بلدته، ثم هاجر في رحلة لطلب العلم، تتلمذ على يد محمد بن عثمان الحنبلي المشهور بخطيب دوما، وفي دمشق أخذ على يد عالمها شيخ الشام سليم بن ياسين العطاء الشافعي وآخرون. ينظر: ترجمته عند بن حمودة مراد، المرجع السابق، ص ص200، 201 نقلا عن الدمشقي عبد القادر بن بدران ، ص148.
[13]– المجلة الجزائرية للبحوث والدراسات التاريخية، بن حمودة مراد، المنهج الإصلاحي في فكر الشيخ عبد الحليم بن سماية (1866-1933)، المجلد 3، العدد6، ديسمبر 2017، ص103.
[14]– دبوز محمد علي، المرجع السابق، ص ص108، 109، بن حمودة مراد، النشاط الإصلاحي للشيخ عبد الحليم بن سماية، المرجع السابق، ص ص201، 202.
[15]– قنانش محمد ، الشيخ عبد الحليم بن سماية في كتابات عبد الرحمن الجيلالي، المرجع السابق، ص262.
[16]– محمد علي دبوز، المرجع السابق، ص108.
[17]-ينظر: جريدة المبشر 26 ديسمبر 1896 نقلا عن سعد الله أبو القاسم، تاريخ الجزائر الثقافي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1989، ط1، ج3، ص ص389، 390.
[18]– الجيلالي عبد الرحمن، المصدر السابق، ص409.
[19]-المصدر نفسه، ص409.
[20]-بن حمودة مراد، المنهج الإصلاحي في فكر الشيخ عبد الحليم بن سماية، المرجع السابق، ص106.
[21]-المرجع نفسه، ص ص106، 107.
[22]– بن حمودة مراد، المرجع السابق، ص117.
[23]– بن سماية عبد الحليم، شرح الشيخ عبد الحليم بن سماية على مفهومة الشيخ المكي بن عزوز، مخطوط بالمكتبة الوطنـية الجزائرية نقـلا عـن بن حمودة مراد، المرجع السابق، ص117.
[24]-الجيلالي عبد الرحمن، المرجع السابق، ص ص415، 416.
[25]-بن سماية عبد الحليم، الفرق بين الصوفية والمتصوفة، كوكب إفريقيا، 10 مارس 1911، نقلا عن بن حمودة مراد، المرجع السابق، ص115.
[26]– بن سماية عبد الحليم، الفرق بين الصوفية والمتصوفة، كوكب إفريقيا، 10 مارس 1911، نقلا عن بن حمودة مراد، المرجع السابق، ص115.
[27]-جريدة المغرب، بن سماية عبد الحليم،القوة الجاذبة، السنة الأولى، ع1، 10 أفريل 1903، وأيضا ع2، 14 أفـريل 1903، نقـلا عن بن حمودة مراد، المرجع السابق، ص115.
[28]-الجيلالي عبد الرحمن، المصدر السابق، ج4، ص417.
[29]-بن حمودة مراد، المرجع السابق، ص104.
[30]-المرجع نفسه، ص105.
[31]-سعد الله أبو القاسم، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص195.
[32]– بن حمودة مراد، المرجع السابق، ص106.
[33]-المرجع نفسه، ص108.
[34]-دراوي محمد، أضواء على حياة ومواقف الشيخ عبد الحليم بن سماية، المرجع السابق، ص226، قنانش محمد، المرجع السابق، ص270.
[35]-الجيلالي عبد الرحمن، المصدر السابق، ص420، قنانش محمد، المرجع السابق، ص271.
[36]– الجيلالي عبد الرحمن، المصدر السابق، ص421، قنانش محمد، المرجع السابق، ص271.