بيداغوجيا الخطأ في ظل المقاربة بالكفايات (دراسة نظرية تحليلية)
Errors Pedagogy under the competency-based approach (a theoretical analytic study)
أ.د. ميلود حميدات/جامعة الأغواط، الجزائر
Professor . Hamidat Miloud / University of Laghouat, Algeria
مقال منشور مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 74 الصفحة 9.
ملخص:
يعالج مقالنا هذا موضوعا بيداغوجيا مهما، ألا وهو بيداغوجيا الخطأ في ظل المقاربة بالكفايات، وذلك من خلال إشكالية كيف كان ينظر للخطأ في البيداغوجيات القديمة؟ وكيف تطورت هذه النظرة في البيداغوجيا ت الحديثة؟ وما أهمية ذلك تربويا؟ لقد دأبت البيداغوجيا ت الكلاسيكية على عدم الاهتمام بالخطأ واعتباره، سوءا في التلميذ، وفشلا في التكيف، وخللا في التعلم، لذلك تجاهلت الخطأ، وراهنت على تعلم خال من الأخطاء، ولما كان ذلك مستحيلا فقد تنبهت البيداغوجيا ت الحديثة إلى الخطأ، واعتبرته جزءا من صيرورة التعلم، وبحثت في سبب حدوثه، وكيفية الاستفادة منه في عملية التعلم، فنشأت بيداغوجيا الخطأ، التي حلّلته وبينت أسبابه، وأنواعه، وكيفية تجاوزه، وبناء تعلم ناجح على أنقاضه، وفي هذا المقال نعمل على اثبات أهمية هذه البيداغوجيا في عملية التعلم.
الكلمات المفتاحية: بيداغوجيا الخطأ، المقاربة بالكفايات، التعلم.Abstract:
Our article deals with the issue of error in classical pedagogies, and how the negative view has changed into a positive view of the error in modern pedagogies, so that it has become a starting point for building new learning. This shows the importance of studying the error in the new pedagogy. In addition, from it was founded the error pedagogy to correct errors.
Key words: Errors Pedagogy, competency-based approach, learning.
مقدمة:
لقد تغير وضع الخطأ بشكل كبير في السنوات الأخيرة. إذ لم يعد يعتبر ذنبا مقترفا يجب التكفير عنه، أو لم يعد يؤخذ على هذا النحو، وبالتالي أصبح من الملائم البحث عن أصل الخطأ، لإعادة بنائه بطريقة صحيحة.
إذ صار من الضروري تحليل الخطأ لتحديد صعوبات التلاميذ. والعمل على أن يحلل بشكل جيد من قبل المعلم وكذلك أن يتفهمه الطفل، لأن الخطأ يجب أن يساعد في التكوين. لأجل ذلك، فإنه يعتبر مرحلة عادية من التعلم، وأن يتم التعامل معه في جو من الثقة بين المعلم والتلميذ. لأننا ونحن نتعلم، هناك مخاطرة بارتكاب أخطاء، ثم أن نجرؤ على تجريب الأدوات التي نتحكم فيها في الوضعيات التي نواجهها، لأن الخطأ نادرا ما يكون من قبيل المصادفة. في الواقع، هو فعل ناتج عن سببية منطقية ما، وله تفسير معين، لذا يستحق أن يتم فهمه وتحليله. فالطفل الذي يرتكب خطأ فهو ينتج شيئا ما، وبالتالي فإن الخطأ ليس عدما أو لا شيء. بل يعبر عن معنى وله دلالة على خلل في عناصر العملية التعلمية، إنه مؤشر يكشف لنا عن صيرورة التعلم والعوائق التي تحول دونها، ومنه تصبح دراسة الخطأ أمرا مهما، ومسألة بيداغوجية لابد منها لبناء التعلم على أسس صحيحة.
إن تحليل الخطأ يقدم فائدة مضاعفة هي تقويم مدى ملاءمة التدريس ومن ثمة تحديد احتياجات كل تلميذ. وبالتالي فإنه يبني الأساس لقواعد بيداغوجيا فارقية. تهتم بتفريد التعليم، واعتبار كل متعلم عالم خاص بحد ذاته، وقد أفادت هذه البيداغوجيا كثيرا في تطوير التربية والتعليم الخاص، كما نجحت في التعليم العام. لان تحليل الخطأ عامل مهم في الفعل البيداغوجي عند كل متعلم. لذا اهتمت المدارس البيداغوجية الحديثة بالخطأ في استراتيجيتها للتعلم.
الفصل الأول: بيداغوجيا الخطأ تحديد المصطلحات:
مصداقا للحديث النبوي الشريف:﴿ كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون﴾[1] .فالخطأ ليس خطيئة، لأن الخطأ والغلط من طبيعة البشر، وسنة الله في خلقه نظرا الى النقص في القدرات والاستعدادات لدى البشر، ودليل ذلك مدى الفروق الفردية التي تبين التفاوت والتمايز والاختلاف بينهم. ولولا الخطأ لما كانت التوبة ولا كان الاستغفار، وهذا مما يتطلب التعلم والتدرب والعمل على إدراك وفعل الصواب وتجنب الخطأ. والإنسان يتعلم ويستفيد من أخطائه، ويتجنبها ويخبرها وتكون تجربة له تفيده في تفاعله مع محيطه، فمن الخطأ نتعلم ونكتسب خبرة بحيث لا نكرّره، إذ لا يسقط العاقل في الخطأ مرتين حيث جاء في الحديث:﴿ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.﴾ [2] كما جاء في الحديث معنًا ايجابيا للخطأ، عندما قُرن بالعمل أي بالمحاولة والاجتهاد حيث تحصل المخطئ على أجر المحاولة والجهد المبذول. وهو تشجيع للسعي والعمل ونبذ التراخي والكسل، حيث يقول رسول الله( ) عن رواية عمرو بن العاصي: ﴿إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر.﴾[3]
1) ضبط المصطلحات: الخطأ، الخطيئة، الغلط.
تعريف الخطأ لغة:« الخَطَأُ والخَطاءُ ضدُّ الصواب وقد أَخْطَأَ، وأخطأ الطريق: عدل عنه، ويقال لمن أراد شيئا ففعل غيره، والخطأ مالم يُتعمد، والخِطء ما تُعمد. وفي التنزيل:﴿ وليسَ عليكم جُناحٌ فيما أَخْطَأْتُم به﴾.
أما الخطيئة فهي الذنب على عمد، قال تعالى:﴿إنّا كنّا خاطئين﴾ أي آثمين، والخِـطءُ: الذنب في قوله تعالى:﴿ إن قتلهم كان خِطأً كبيرا. ﴾ أي اثما. [4]
والغلط لغة « أن تعيا بالشيء فلا تعرف وجه الصواب فيه، وقد غَلِطَ في الأمر يَغْلَطُ غَلَطاً وأَغْلَطَه غيره. والعرب تقول غَلِطَ في مَنْطِقِه وغَلِتَ في الحِساب غَلَطاً وغَلَتاً وبعضهم يجعلُهما لغتين بمعنىً قال والغَلَطُ في الحِساب وكلِّ شيءٍ، والغَلَتُ لا يكون إِلا في الحساب.» [5]
الفرق بين الغلط والخطأ:
لغة: « أن الغلط هو وضع الشيء في غير موضعه، ويجوز أن يكون صوابا في نفسه، والخطأ لا يكون ثوابا على وجه.. لأن الخطأ ما كان الصواب خلافه وليس الغلط ما يكون الصواب خلافه، بل هو وضع الشيء في غير موضعه، كما قال البعض الغلط أي يسهى عن ترتيب الشيء وإحكامه، والخطأ أن يسهى عن فعله». [6]
الخطأ اصطلاحا: ويعرفه (لالاند) بأنه « أ. بالمعنى الايجابي فعل فكري يحكم على ما هو كاذب بأنه صادق، أو العكس ارتكب خطأ. ب. بالمعنى السلبي حالة فكرية تعد الباطل حقا، أو العكس.
ج. بالمعنى المحايد إقرار كاذب، فاسد، زائف ».[7]
أو أن الخطأ نقيض الصواب وهو أن تحكم على شيء بأنه باطل وهو حق، أو تحكم عليه بأنه حق وهو باطل. فالخطأ إذن في الحكم لا في الإحساس ولا في التصور. [8]
الخطأ أداة للتعلم، الخطأ وسيلة للتطور، الخطأ دافع للإبداع، الخطأ يحدد منهج المعالجة كما يحدد طبيعة المشكلة مثل صعوبات التعلم. انطلاقا من الخطأ يبنى الدرس ونصل الى الهدف، الممارسة تتطلب تعلما مبنيا على تصحيح الأخطاء وليس على حشو الذاكرة، لأن هذا التعلم هو الذي يحقق الكفاية التي تدوم، وليس حفظ المعرفة ثم تنسى.
2) الخطأ في التربية الإسلامية: لقد ترك أبو حامد الغزالي تراثا تربويا هاما، تناول فيه جل مسائل التعلم والتربية، وقد يلخص لنا وجهة النظر في الفكر الاسلامي، إذ جاء في الإحياء:
التغافل عن أخطاء الطفل الأولى: » فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة، فينبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره، ولا يكاشفه ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسر أحد على مثله ولاسيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه، فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة «[9]. أما إذا ارتكب الطفل خطأ أو قام بسلوك سيء لأول مرة، فعلى المربي أن يتجاهل منه ذلك، ولا يكشفه وخاصة إذا عمل على إخفاء فعله وندم عليه، لأن فضح الطفل؛ وإعلان فعله أمام الملأ قد يعوّده على المجاهرة بأفعاله المشينة، ولا يتورع في الإتيان بها، ثم يتجرأ على الفعل القبيح أمام الآخرين.
ـ معاتبة الطفل سرا إن أعاد الخطأ ثانية:» فعند ذلك إن عاد ثانيا فينبغي أن يعاتب سرا ويعظم الأمر فيه، ويقال له إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا، وإن يطلع عليك في مثل هذا فتفتضح بين الناس ولا تكثر القول عليه بالعتاب «[10].
ويقدم الغزالي هنا العقاب المعنوي إن كرر الطفل الفعل، وهو معاتبة الطفل سرا وعدم مواجهة خطئه أمام الآخرين، ويُحذر من تكرار الفعل المشين، ويبين له أن معرفة الآخرين لفعله سيجعله يسقط من عيونهم ولا يحترمونه، ومع ذلك فلا يجوز التجاوز في العتاب واللوم وإنما بقدر الفعل.
تجنب كثرة عتاب الطفل، وتوبيخه باستمرار: » ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة، وركوب القبائح، ويسقط وقع الكلام من قلبه، وليكن الأب حافظا هيبة الكلام معه فلا يوبخه إلا أحيانا، والأم تخوفه بالأب، وتزجره عن القبائح «.[11]
فما هي إذن طبيعة الخطأ وما موقعه في البيداغوجيا الجديدة، وكيف يمكن توظيف الخطأ في منظومة التعلم؟.
الفصل الثاني: الإطار النظري لبيداغوجيا الخطأ:
- 1. النظرة السلبية إلى الخطأ: كان الاعتقاد في المدرسة الكلاسيكية أن الخطأ علامة فشل، ودليل خلل، وابتعاد عن الحل، ومؤشر على عجز في التعلم، يرجعه البعض الى تميز التلميذ بالكسل، وعدم بذل أي جهد أو عمل، ولهذا يجب مواجهة الخطأ بالعقاب لردع المتعلم، اعتقادا منهم أن الخطأ متعمد نتيجة الملل، وعدم التركيز والانتباه والانشغال باللعب والعبث واللامبالاة، وتحمل المسؤولية للتلميذ أو المعلم، أو كلاهما. فمثلا تنظر المدرسة السلوكية إلى الخطأ نظرة سلبية وتعتبره مؤشرا على فشل الاستجابة، لأنها تركز فقط على الاستجابة الناجحة وتجعل منها أساس حدوث التعلم، وتغفل أن حصول الاستجابة الصحيحة يمر بمحاولات خاطئة، وأن تلك المحاولات حتما ساهمت في نضوج المحاولة الناجحة.
2). أما النظرة الإيجابية للخطأ: لا يرجع الخطأ إلى تعمد التلميذ دائما، لأن ما يلام عليه التلميذ من قله تركيز مثلا، وفرط حركة ليست أفعالا إرادية بل ترجع إلى طبيعة تكوين التلميذ وسماته، إذ يُعترف بالفضل الذي أحدثته دراسات الفروق الفردية، إذ كشف دون شك علم النفس الفارقي عن وجود فروق فردية في السمات النفسية عقلية ووجدانية، كما هي بارزة في الخصائص الجسمية. وكان لاكتشاف الفروق في الذكاء مع (ألفرد بينه) الدور الحاسم في تطور دراسة الفروق والتأكيد على أن الأخطاء قد ترجع إلى اختلاف قدراتهم. وبالتالي يجب أن ينظر للخطأ انه جزء من سيرورة التعلم، ومرحلة مهمة للوصول إلى التعلم.
- الخطأ من منظور نفسي (جان بياجيه):
يرجع الفضل للأعمال الهامة ل(جان بياجيه Jean Piaget)( 1896، 1980) في النمو المعرفي لدى الطفل، وتطور هذا النمو من مرحلة إلى أخرى، قد احدث ثورة تربوية كبرى، مكنت المربين من إدراك الكثير من المسائل التي تعيق تعلم الطفل، وكيف تحدث الأخطاء، وبالتالي اتّجه التفكير إلى كيفية صياغة المعارف التي تتناسب مع ذهن المتعلم، وأيضا ما هي الطريقة المثلى في جعل التلاميذ يستوعبون أكثر؟ وبالتالي تم تجاوز المقاربة بالأهداف التي كانت تعبر عن علاقة المثير بالاستجابة، وهي حصيلة أعمال السلوكية، خاصة ما قدمه(ادوارد ثوراندايك Edward Thorndike)( 1874، 1949)، و(جون واطسن Watson John)( 1878، 1958). وبالتالي تم التوصل إلى أهمية أن يسعى المتعلم إلى المعرفة، من خلال نشاط منظم يقوم المعلم بتوجيهه واستثماره لإنتاج الكفاءة لدى المتعلم، والاستفادة من حصول الأخطاء، وتجنب الطريقة الكلاسيكية التي تعتمد على تلقين المعلومات، واعتبار الأخطاء علامة فشل، وإرهاق ذهن المتعلم بالمعارف ومطالبته بحفظها واستظهارها، دون فهم أو مساهمة في بنائها.
ويكون الأمر أكثر أهمية إذا تعلق الأمر بالخطأ لأنه يعبر عن صيرورة التعلم، إذ الخطأ ناتج عن فعل التلميذ، ويرتبط ب- عملية التوازن، وإعادة التوازن (وهي عملية ضرورية عند بياجيه)، وأيضا ب- وضعيات الصراعات الاجتماع معرفية بين التلاميذ.
وبالتالي تشريح منطق ارتكاب الخطأ لتحسين التعلمات. ومنه لم يعد يعرّف الخطأ كنقيصة أو خلل وإنما كثمرة للإنتاج. هذا النموذج يعطي للخطأ وضعا إيجابيا.
ونحن نتعلم من الطبيعي أن نخطئ، فقط الذي لا يفعل أي شيء هو الذي لا يخطئ أبدا، فالخطأ شاهد على جريان صيرورة فكرية، وهو إشارة على ما يواجهه تفكير التلميذ وهو بصدد القيام بحل مشكلة. [12]
- الخطأ من منظور ابيستمولوجي (غاستون باشلار):
العائق المعرفي كتفسير للخطأ، لعلنا لا نبالغ إن قلنا أنه لا يمكن الكلام عن بيداغوجيا الخطأ دون التطرق لفيلسوف نقد العلوم (غاستون باشلار Gaston Bachelard 1884/ 1962) الذي قدّم أعمالا في الابستومولوجيا مهمة جدا إذ شكلت منعطفا بارزا حين نبّهت إلى ضرورة الاهتمام بالخطأ في المعرفة العلمية عموما، وفي التربية خصوصا، وأشارت إلى دور العوائق الأبستمولوجيا في المعرفة حيث يقول(باشلار):« عندما نبحث في الشروط النفسية لإنجازات العلم، نصل تقريبا إلى هذه القناعة، أنه يجب طرح مشكل المعرفة العلمية مرتبطا بمصطلح العوائق.» [13]
ويؤكد أن نشأة المعرفة العلمية كانت نتيجة تصحيح أخطاء، إذ يقول أيضا:« نتعرف من خلال مضادة المعرفة السابقة، وذلك بتحطيم المعارف الخاطئة، متجاوزين العوائق التي أعاقت صفاء عقلنا ذاته.» [14]
كما يضيف أن للخطأ دورا إيجابيا في تطور المعرفة، وعلينا أن نَقتنع ونُقنع، أن:« الخطأ ليس شرا » [15] لأن المعرفة العلمية تتأسس على أنقاض المعرفة الساذجة الخاطئة بعد تجاوز مفهوم العائق المعرفي:
ما مفهوم العائق؟:Obstacle ليس في مفهوم (باشلار) للعائق على أنها الصعوبات التي تتعلق بالظاهرة المدروسة من حيث تشابك عناصرها وتعقدها، وإنما يربط العائق بالذات العارفة، فالعائق ذا طبيعة داخلية بحيث تعوق الذات عن المعرفة الصحيحة، فهي عوائق نفسية تصيب العلماء والمتعلمين على السواء، وتسبب تأخر وإعاقة لتطور المعرفة العلمية في المجال التربوي كما هو في المجال العلمي. [16]
يعتبر(باشلار) أن التمثلات التي تترسخ في ذهن المتعلم على شكل أفكار مسبقة، والتي تم اكتسابها من خلال التجارب المباشرة المرتبطة بالمجال الثقافي والاجتماعي ، تكون حمولة معرفية على شكل مجموعة من العوائق الأبستمولوجيا التي تضمر وتقاوم اكتساب المعرفة العملية الجديدة، لقد قسّم باشلار العائق إلى أنماط تتسبب في ارتكاب الأخطاء أو تكرارها من جديد، تلك العوائق التي حددها باشلار في انماط وهي:
عائق التجربة الأولى: وهو ناتج عن المعرفة التي نستقيها من تجربتنا الأولى، أي الانطباع الذي نخرج به من التجربة الأولية البسيطة، ويترسخ ذلك الانطباع في الذهن ويتحول إلى حقيقة غير قابلة للنقض.
عائق لفظي: وهو استخدام الفاظا في غير مدلولاتها، أي مجازا بحيث تؤدي إلى خلط وتعمية على المعاني الحقيقية المرادة بسبب عدم استخدام مصطلحات محددة المعاني.
العائق الجوهري: وهو عدم تسمية الظاهرة بالاسم العلمي الدقيق الذي يقابلها، أي أن الغلاف لا يدل على محتواه.
العائق الإحيائي: وهو إضفاء أحاسيسنا ومشاعرنا على الظاهرة، وميلنا إلى التعامل مع الظواهر الخارجية، والأشياء بإسقاط حياتنا الداخلية.[17]
الفصل الثالث: تطور بيداغوجيا الخطأ في ظل المقاربات البيداغوجية الحديثة:
ترتبط المشكلة في المقاربة بالكفاية بمفهوم أساس ومهم وهو العائق: الذي هو اعتقاد خاطئ وهو بمثابة حقيقة في ذهن التلميذ تعيق تعلمه، لذلك فمن المحتمل وقوع التلميذ في الخطأ، لذلك ركزت الكفايات على تقنين منهجية التعامل مع الخطأ، وتجاوز النظرة الكلاسيكية السلوكية التي تقابل الخطأ وتتجاوزه بالعنف أو التحقير دون معالجته، وهذا التحديد يحيلنا إلى بيداغوجيا الخطأ باعتبارها خطابا أساسا ورئيسا في مقاربة التدريس بالكفايات، حيث التعامل مع الخطأ كمصدر أساسي للضبط والتقدم والتعلم، شريطة أن يحلل ويفهم وذلك بتطبيق الخطوات الآتية:
1) الخطأ والمقاربات الحديثة: تنبه كبار البيداغوجي ين إلى أهمية الخطأ في التعلم، وخاصة الاضافات التي قدمها (جون بيار أستولفي Jean Pierre Astolfi) إذ يقول في هذا الخصوص: « لقد سمحت الدراسات والأبحاث في التربية والديداكتيك في السنوات الأخيرة، بالتطور من تصور سلبي للخطأ، إلى تصور جديد يمكن أن يوظف باعتباره علامة على كيفية سيرورة التعلم، ووسيلة دقيقة للوقوف على الصعوبات التي يعانيها التلاميذ، ودون الدخول في بحث عقيم بربط الأخطاء بتبريرات من قبيل عدم التركيز والانتباه أو انعدام الرغبة والاهتمام لدى التلاميذ، وانما بتصور جديد للخطأ، ليمكننا ذلك من فهم جديد لما يدور في حجرة الدرس، لجعل عملية التعليم أكثر فعالية. «[18] لقد نشأت بيداغوجيا الخطأ من الثورة المعرفية التي عرفتها العلوم التربوية بالتوازي مع انجازات علم النفس المعرفي، وفيزيولوجيا الدماغ، وفي نفس الوقت وبالتوازي كانت تتطور بيداغوجيا ت تطبيقية أخرى وتشكل استراتيجيات تعلمية معتمدة في ظل المقاربة بالكفاية، نذكر منها:
بيداغوجيا حل المشكلات: وهي بيداغوجيا نشأت من أعمال (جون ديوي John Dewey 1859، 1951) الذي أسس للمدرسة وفق الفلسفة البراغماتية التي تؤمن بالنجاح فنادى بديمقراطية المدرسة وتحويلها إلى ورشة مفتوحة على الواقع، ايمانا بمقولته (التربية هي الحياة)، ونادى بضرورة تحويل الدروس إلى مشكلات يسعى التلاميذ إلى حلها ثم تبنّى الفكرة الكثير من البيداغوجي ين ووظفوها في المقاربة الجديدة، وقد نجحت هذه البيداغوجيا في تطوير المدرسة ذات التوجه التقني والحرفي، كما ساهمت في تطوير المجتمع صناعيا، من خلال تطوير الأبحاث والمشاريع تكنولوجيا، وتحويلها الى انتاج مادي يستفيد منه المجتمع.
البيداغوجيا الفارقية: ظهرت نتيجة تطور علم النفس الفارقي، ودراسة الذكاء واكتشاف تمايز البشر في قدراتهم الذهنية فمن الموهوب إلى المتخلف، فجاءت هذه البيداغوجيا لتكون موجهة للأفراد حسب متطلباتهم وقدراتهم وامكانياتهم، « وهي تندرج ضمن بيداغوجيا السيرورات، وهي تضع قيد الاستعمال اطارا مرنا..كي يتعلم التلاميذ تبعا لمساراتهم الخاصة، لاكتساب الدرايات والاتقانات، تنتظم البيداغوجيا الفارقية انطلاقا من عدة عناصر تميز اختلاف التلاميذ وهي كما يلي: – الاختلافات المعرفية في درجة اكتساب المعارف..– الاختلافات السوسيوثقافية، كالقيم والاعتقادات..- الاختلافات السيكولوجية وتشمل الواقع المعيش والشخصية.. «[19]
ومن خصائص هذه البيداغوجيا : تفريد التعليم، استقلالية المتعلم، وعي المتعلم بقدراته، تنويع التعلم وفعالية المتعلم، العمل على تأسيس علاقة احترام وثقة بين المعلم والمتعلم. وقد نجحت هذه البيداغوجيا لتكون منتجا جديدا تحت الطلب، كما ساهمت كثيرا في تطوير التربية والتعليم الخاص، مع الفئات المختلفة من المتعلمين، خاصة في تطوير المناهج والوسائل والبرامج للفئات الخاصة وذوي الاحتياجات.
بيداغوجيا المشروع: وهي عبارة عن استراتيجيات عملية لتقديم منجزات وأعمال ترتبط بالحاجات الاجتماعية، أو هي دراسات ميدانية تهدف الى حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، بتقديم أعمال وإبداعات تفيد الوسط الاجتماعي والصناعي، وهي اساسا تهدف الى ربط التعلم بالواقع الاجتماعي ، وتحويل المعرفة النظرية الى معرفة تطبيقية منتجة ومفيدة. وقد نجحت هذه البيداغوجيا في التخصصات التقنية، وقد تم تبنيها في برامج المصانع لتطوير إنتاجها، وتمويل المشاريع المنتجة، كما نجحت في اكساب المتعلمين المهارات الحرفية، والكفاءات العملية في المدارس المهنية والتقنية.
البيداغوجيا التعاونية: وهي استراتيجية تعمل على دمج مجموعة من التلاميذ في مشروع واحد، بحيث يتم تقسيم المتعلمين إلى مجموعات صغيرة تكلف بإنجاز عمل واحد، ومنه تنتج المنافسة بين المجموعات، وبين أفراد المجموعة الواحدة لتحصيل القيادة والتفوق، وتفعّل أيضا قيم التعاون والتضامن، والمثابرة والشعور بالمسؤولية بين أفراد المجموعة، فيحصل التعاون والتكامل لإنجاز عمل ما، ويشعر كل واحد بأهميته في المجموعة، وأنه ساهم بقسط مهم في انجاز العمل، فيتعلم التلاميذ من بعضهم البعض، لأن الصبي للصبي ألقن كما يقول ابن سينا.
بيداغوجيا التعاقد: وهي بيداغوجيا تعتمد على حصول عقد بين المعلم والمتعلم لإنجاز عمل تحدد خطواته وأدواته، ويعمل الطرفان على احترام بنود ذلك العقد، والعمل على تحقيق أهدافه، وفي الأخير تقويم الانجاز ككل وما تحقق منه، وما لم يتحقق، لإدراك الايجابيات والسلبيات، ومعالجة النقائص والاختلالات، ويدرك المتعلم أهمية العقد الذي يربطه بالمعلم، واحترام الالتزامات التي يحددها، كمدة الإنجاز وخصائص العمل، ومميزات العمل المطلوب، ومنه يتعلم التلميذ كيفية احترام المطلوب منه، ويدرك تحمل المسؤولية، ويسعى إلى الوفاء بالتزاماته.
كما تعتبر كل هذه البيداغوجيا ت، روافد تصب كلها في إطار البيداغوجيا الجديدة أي المقاربة بالكفايات، وهي طرق عملية كفيلة بتحقيق الكفاية، وتكيف حسب الوضعيات التي يوجد فيها المتعلم.
2)استراتيجية تقويم ومعالجة الخطأ: تاريخ العلم هو تاريخ الخطأ، الخطأ شرط التعلم، الخطأ استراتيجية ناجعة للتعلم، مواجهة الخطأ وتحليله ومعالجته.( المعالجة اما فردية او ضمن مجموعات او جماعية) ويتم ذلك من خلال:
أ- افتراض الخطأ – ب- مواجهة الخطأ –ج- تحليل الخطأ –د- معالجة الخطأ.
يختلف وضع الخطأ وطريقة معالجته، باختلاف النظريات المعرفية إذ:
في المدرسة السلوكية: تؤكد هذه المدرسة على أن التعليم يجب أن يستهدف تعلما خال من الأخطاء، وهذا يتحقق بالتمرين والتكرار وتعزيز المحاولات الناجحة، وتجنب المحاولات الفاشلة، فالتلميذ موجه تدريجيا ليتطور لتحقيق الهدف(أي تعليم مبرمج).
أما المدرسة البنيوية: فترى أن التعلم صيرورة من إعادة تنظيم المعارف المتعارضة عموما، لأن المعارف الجديدة مؤسسة أصلا على أنقاض معارف قديمة، أعيد النظر فيها، وتم فحصها، فالخطأ يؤشر إلى صعوبات يجب أن يعالجها ويتجاوزها التلميذ ليؤسس معرفة جديدة، إذ يحيلنا ذلك إلى الصراع المعرفي المشهور الذي يجب أن يحله التلميذ، بتصحيح الخطأ من التلميذ، وتشير أيضا على أنه تجاوز صعوباته لبناء اجابة صحيحة.
أما في التصورات التي انتجتها النظرية المعلوماتية فترى أن سبب الأخطاء هو خلل أو سوء في تمثل الوضعية، أو للاستراتيجية أو الجواب، أو مراقبة غير كافية. إذ يقدم البيداغوجي (أستولفي) ثلاثة مفاهيم للخطأ يرتبط كل مفهوم بنموذج بيداغوجي: الجدول[20]
الخطأ Erreur | الغلط (البوق Bogue) | العائق Obstacle | |
وضع الخطأ | الخطأ منكر مرفوض، اخفاق، زلة، أي شيء | الخطأ ايجابي مسلمة الحواس | |
أصل الخطأ | يتحمل مسؤوليته التلميذ الذي كان عليه عدم ارتكابه | خلل يكتشف في التخطيط | صعوبة موضوعية تحول دون التمكن من المحتوى من المتعلم |
طريقة المعالجة | تقويم بعدي من أجل العقاب | معالجة قبلية لتنبيهه | العمل من خلال وضعية لمعالجته |
النموذج البيداغوجي | التلقيني ( النقلي) | السلوكي | البنائي |
وفق الجدول: نلاحظ أنه في النموذج التلقيني التلميذ وحده مسؤولا عن الخطأ، وذلك بسبب الاهمال وعدم الانتباه، لأته كان من المفروض تجنب الوقوع في الخطأ لأته يعبر عن خلل بيداغوجي. في هذه الحالة معالجة الخطأ تكون بمعاقبة التلميذ، ويعرف أستولفي هذا الوضع بالفاشل.
في ما يتعلق بالغلط في النموذج السلوكي يتحمل المسؤولية المعلم، لأته لم يجزّء المعرفة إلى أهداف قريبة المنال للتلاميذ، إذن قدرته للتكيف مع القدرات الحقيقية للأطفال هي إذن محل اعادة نظر. المعالجة المطلوبة تشتمل على توقي الأخطاء، بمعنى اعادة النظر في الخطوات الصغيرة للبرمجة التعليمية التي ترتب عنها الخطأ حسب (أستولفي).
في المقاربتين السابقتين يرتبط مفهوم الخطأ بالغلط بنفس الوضع، إذ العامل المشترك هو أن الخطأ مؤسف ويتطلب الندم، وهو يعبر عن الفشل، وبالتالي يحمل وضعا سلبيا يتطلب العلاج، برغم أن الوسائل المستعملة تختلف بين المقاربتين.
في المقاربة البنائية الخطأ يُربط بالعائق الذي يواجهه التلميذ، ومن الضروري أن يتجاوزه من أجل بناء معرفة جديدة، هذه الفكرة مرتبطة بالبنيوية، الهدف ليس في منع الأخطاء أو رفضها وإنما يجب أن نعمل على اظهارها لنتمكن من معالجتها لنقوم في النهاية من إزالتها من منتجات التلاميذ.
هناك نقطة مهمة وهي أن المعلم يبحث عن معنى لتلك الأخطاء، لأنه كما يشير (أستولفي) تعتبر مؤشرا وشاهدا على صيرورات التعلم الفكرية أثناء جريانها، وكذلك كإشارة لما واجهه تفكير التلميذ وهو بصدد حله للمشكلة. لذا يصبح للخطأ معنا ومدلولا مفيدا في صيرورة التعلم.
بهذه المقاربة الأخيرة، نقول أن الخطأ له مفعول بنائي وإيجابي، ما دام هو مؤشر على تطور تصوري يهدف الى تحقيقه التلميذ. [21] ومن دراسة الخطأ وتحليله، نستنتج أنواع أخطاء المتعلم: وهي الأخطاء الجماعية، الأخطاء الفردية، الأخطاء الشائعة. ويمكن تقسيم الأخطاء حسب مرتكزات العملية التعلمية، أي المتسبب في الخطأ، حيث توصلنا في دراسة ميدانية قمنا بها لتشخيص صعوبات الرياضيات التي يعاني منها تلاميذ الخامسة ابتدائي، بعد اجراء اختبار في الرياضيات وفق طريقة المقاربة بالكفايات: أحصينا الصعوبات ووجدناها ترتبط بدرجة استيعاب الاختبار من التلميذ، أو بأداء المعلم، فكانت مظاهر ضعف التلاميذ في الرياضيات والأخطاء الشائعة متنوعة، وقد قسمناها إلى:
ما يتعلق بالمحتوى أي الاختبار | ما يتعلق بالتلميذ ويرتبط بالمحتوى وبالمعلم | ما يتعلق بالمعلم |
صعوبة الاختبار عند البعض | عدم التنظيم. التسرع في كتابة الحلول. | عدم شرح الدرس جيدا |
عدم وضوح المطلوب | الخطأ في الحساب. الخطأ في الاحتفاظ. | عدم التطبيق بشكل كاف |
كثرة الأسئلة عند البعض | الخلط بين العمليات وعدم التركيز. | عدم اجراء التغذية الراجعة |
غموض المطلوب عند البعض | نقص الانتباه إلى الإشارات الرياضية. | عدم معالجة صعوبات التلاميذ |
الحل العشوائي دون فهم المطلوب. | ||
نقل المعطيات بشكل خاطئ. | ||
الاعتماد على حفظ الحلول لا فهمها. | ||
عدم استيعاب القواعد الرياضية. | ||
الخوف والقلق من الامتحان. | ||
ضعف المكتسبات القبلية. |
إن المتأمل للأخطاء يجدها تبرز أكثر كأخطاء التلميذ، ولكن تحيلنا لا محالة إلى المحتوى وإلى أداء المعلم، وتحليل الأخطاء في حد ذاتها يجعلنا نصنفها إلى أخطاء معرفية، وأخري منهجية، وبعضها نفسية ترجع إلى التركيز والانتباه، ومع ذلك ترتبط بالمعلم من جهة معالجتها.
تحليل الخطأ الشفهي أو المكتوب أمر بالغ الاهمية بالنسبة للمعلم وحتى للتلميذ: – بالنسبة للمعلم تحليل الأخطاء له معنا مزدوجا: فهو يكشف خطوات تعلم كل تلميذ. ومنه يستخدم البيداغوجية المناسبة لكل واحد ويطور قدرته على المواءمة. – بالنسبة للتلميذ يفهم أين ولماذا أخطأ وهو ينتج المعرفة؟. ويكتشف ذلك من خلال نشاطه الذاتي، الأمر الذي يؤدي به إلى مزيد من الاعتماد على الذات.
مع العلم أن المناهج التعليمية المستخدمة في مدارسنا اليوم هي عموما مناهج بنيوية أو اجتماعبنيوية، وفق هذه النظرة فإن قانون الخطأ: أننا كلما تعلمنا فإنه من الطبيعي أن نخطئ، إذن دور المعلم تجاه أخطاء تلاميذه في المقام الأول هو تفهم تلك الأخطاء، لأجل ذلك عليه أولا أن يحددها، كذلك إن معرفته على العموم للأنماط الكبرى للأخطاء يساعده على اكتشافها.
لقد كشف لنا تحليل الأخطاء عن وجود رابط بينها وبين أربع مجالات وهي: 1) وضعية التعلم 2) المهمة التعليمية 3) العملية الذهنية 4) المكتسب القبلي.
لذلك يتكلم البيداغوجي (استولفي) عن الخطأ الجماعي بسبب تنوعه، ثم يقترح جدولا اجماليا يعرض فيه ثماني أنماط من الأخطاء التي يمكن أن تظهر في المدرسة، ويقابلها بتشخيصها أو النشاطات الممكن القيام بها لعلاجها.
الأشكال المختلفة لأخطاء التلاميذ كما يحددها البيداغوجي( أستولفي):[22]
طبيعة التشخيص | وساطات ومعالجات | |
أخطاء ترجع إلى طبيعة كتابة الموضوعات والمهام المكلف بها التلاميذ. | تحليل مدى وضوح ومقروئية النصوص الرسمية المدرسية. الاشتغال على الفهم، الانتقاء، وصياغة المهام. | |
أخطاء تنتج عن عادات مدرسية، أو سوء تأويل للتوقعات. | تحليل التعاقد والعادات التعليمية المستخدمة. وعمل نقدي حول التوقعات لدى التلاميذ. | |
أخطاء ناشئة عن تصورات بديلة لدى التلاميذ. | تحليل التمثلات والعوائق الشائعة حول الفكرة المدروسة. استعادة وعي التلاميذ من خلال حسن الاستماع لهم، وإدارة نقاش علمي داخل القسم. | |
أخطاء مرتبطة بالعمليات العقلية المستخدمة. | تحليل الاختلافات بين التمارين التي تبدو متماثلة، ولكنها تنطوي على مختلف المهارات المنطقية الرياضية. انتقاء أكثر صرامة للأنشطة وتحليل الأخطاء في هذا الإطار. | |
أخطاء ترجع إلى الإجراءات المعتمدة. | تحليل تنوع الخطوات التلقائية، بعيدا عن الاستراتيجية المناسبة المتوقعة. الاشتغال على مختلف الاستراتيجيات المقترحة لأجل تعزيز التطورات الفردية. | |
أخطاء بسبب الشحن المعرفي الزائد اثناء القيام بالنشاط. | تحليل الشحن الذهني للنشاط. التقسيم إلى مهام فرعية في نطاق الفهم المعرفي. | |
الأخطاء التي ترجع نشأتها إلى تخصص أخر. | تحليل السمات البنيوية المشتركة والسمات السطحية المختلفة في التخصصين. عمل بحثي عن العناصر الثابتة ما بين الوضعيات. | |
أخطاء بسبب تعقد وصعوبة المحتوى. | تحليل ديداكتيكي تعليمي عن عُقد الصعوبات الداخلية للمفهوم او الفكرة غير المحللة كفاية. |
إذ يبرز لنا أن طريقة الحل التي يعتمدها المتعلم أهم من النتيجة أو الحل في حد ذاته، لأن الطريقة هي التي تبين أن المتعلم قد مارس التفكير، بما يتضمنه من عمليات عقلية أخرى كالتحليل والتركيب، والاستدلال، والتسلسل في الحل من خطوة إلى أخرى، ومنه يجب الإلحاح على ضرورة أن نعلم المتعلم، مواجهة الخطأ والقيام بالمحاولة، والسعي والتفكير الذهني للعمل على إيجاد الحل. لأن المحاولة نصف الإجابة، إنها فلسفة تعليم الطفل الصيد أفضل من اعطائه سمكة، أو إلقائه في اليم وتعليمه السباحة أجود وأفيد من شرح تقنيات السباحة دون ممارسة، إن وضع التلميذ في الوضعية التعلمية ودفعه لإيجاد الحل، أضمن لتعلم صحيح، لأننا نضع التلميذ في مأزق معرفي يفرض عليه ايجاد مخرج، ولا بأس وإن تأخر في الحل، لأن هذا أفضل له في كل الأحوال من اعطائه الإجابة جاهزة نظريا، دون ان يمارس التعلم عمليا بنفسه، حتى وإن أخطأ عدة مرات، فإنه سيكتسب خبرة التعلم من أخطائه التي ليست عبثية، وإنما لها أسباب دون شك.
3) تحليل أسباب أخطاء المتعلم:
إن البحث عن الأسباب التي تجعل المتعلم يخطئ تحيلنا إلى سؤال مهم وهو كيف نجعل من الخطأ عامل تعلم إيجابي؟ وعليه يمكن أن نحدد أسباب وطبيعة الخطأ.
لقد مكّن العمل على حصر الأخطاء الشائعة لدى المتعلم، من تحديد طبيعة هذه الأخطاء، والأسباب التي ترجع إليها، ومنه تسهل مواجهتها ومعالجتها، ويمكن تلخيصها في ما يلي:
أ- سبب نمائي: يرجع خطأ المتعلم إلى تكليفه بإنجاز عمل يتجاوز قدراته العقلية، ومواصفاته الوجدانية المميزة للمرحلة النمائية التي يعيشها. كأن نكلف متعلما لم يتجاوز 12 سنة حسب مراحل (بياجيه) النمائية بمسألة رياضية فيها تجريد (مجاهيل ومعادلات) فلا ينجح في حلها. [23] لأنه لم يصل بعد إلى المرحلة التجريدية، وبالتالي نكلفه بما لا يقدر عليه من الناحية النمائية.
ب – سبب معرفي: صعوبة معرفية ترجع إلى عجز عن فهم الموضوع، أو المفهوم الذي لم ينجح المعلم في تقديمه، أو يقدمه خاطئا أو مبهما، أو نعبر عليه بعبارات غير مناسبة، فيكون المعلم هو الذي يوقع المتعلم في الخطأ، وهي أخطاء شائعة عندما لا تصل المعرفة الصحيحة إلى المتعلم، وذلك عندما لا يكون المعلم كفؤا، أو يعاني نقصا في التكوين المعرفي أو البيداغوجي ، أو يكلف بتدريس مادة أو وحدة ليست من تخصصه، فحتما لا ينجح في إيصال المعرفة إلى المتعلم.
ج- سبب خِططي: ويرجع الخطأ هنا إلى الخطة الاستراتيجية أو الكيفية التي يعتمدها المعلم، أو يستخدمها المتعلم في تعلمه وإنجازه، ويرجع ذلك إلى غياب مخطط التعلم، وانعدام التدريب والتطبيق، ونقص التغذية الراجعة لاكتشاف طرق وكيفيات جديدة للحل، والتمكن من الطرق المكتسبة وحصول الاتقان والمهارة.
د- سبب تعاقدي: قد تنتج الأخطاء عن غياب الالتزام بمقتضيات العقد التعلمي، القائم بين المعلم والمتعلم إزاء المحتوى المعرفي المقدم، أي أن يكون المطلوب من المتعلم مبهما، أو أن تغيب التعليمات المحددة لما هو مطلوب من المتعلم، أو تكون غامضة، أو ملتبسة أو حتى خاطئة إن وجدت.
ه – سبب ديداكتيكي: ويتعلق الأمر بأقطاب عملية التعلم ( متعلم، معلم، محتوى) ويرجع ذلك إلى الأسلوب المعتمد، أو الطريقة المتبعة في التدريس هي التي قد تدفع المتعلم إلى الخطأ، إضافة إلى المحتويات وطبيعتها، والأهداف ومدى ووضوحها، ونوع التواصل القائم، والوسائل التعليمية، وتكوين المعلم في حد ذاته..
4) مصادر الخطأ:
بعد تحليل أسباب حدوث الخطأ يتبين لنا أن هذه الأسباب مرتبطة بثالوث عملية التعلم، وهي المصادر الأساسية لحدوث الخطأ متمثلة في: المتعلم، المعلم، المعرفة، وأن الخطأ يتعلق بأحد أطراف هذه المعادلة لا محالة، ولعل ضبط مصدر الخطأ وطبيعته كفيل بتيسير عملية المعالجة:
المتعلم: المتعلم ليس وعاءً نملأه بالمعرفة كما كان في الطريقة التلقينية، وإنما هو صانع للمعرفة، ولذلك يجب أن ننطلق أولا من مبدأ هام وهو حق المتعلم في الخطأ: خاصة مادام التعلم لم ينته، والكفاءة في حالة بناء، كما أن التعلم مبني على المحاولة وتجاوز الأخطاء، وتصحيح المعارف الخاطئة، فيصبح الخطأ دليل المحاولة والنشاط، لا مؤشر الفشل والعجز، ومنه يمكن تشخيص أسبابه، والعمل على تجاوزها إلى التمكن من الكفاءة بإتقان.
المعلم: في المدرسة الكلاسيكية، ووفق الطريقة التلقينية ونقل المعرفة، فهو السيد الذي يمتلك المعرفة وينقلها ويلقنها لتلاميذه، وهو محور العملية التعليمية، وتحقيق أهدافه يكون في إتمامه لعرض درسه وهو عنوان نجاحه، هكذا هي صورة المعلم في المدرسة الكلاسيكية، وفق طريقة الحفظ والتلقين، لكن تغيرت هذه الصورة في المقاربة الحديثة، وأصبح المعلم (هو الموجه) يرافق ويشجّع المتعلم، كما يسرّع التعلم ويعطي الثقة للمتعلم، يحطم ما هو خاطئ من المعرفة، مع المحافظة على العلاقة والروابط بينه وبين المتعلم. وهو في تكوين مستمر، ويجدد معلوماته باستمرار، وهو الضامن لعملية التعلم. وعليه فالمطلوب من المعلم أن يقوم بالدور المطلوب منه وفق المقاربة الحديثة، ليتحقق المطلوب.
المعرفة: هي كل ما يمكن أن يتعلمه المتعلم من معارف، سواءً من المدرسة أو الأسرة أو المحيط، فهي نتاج ممارسة يومية للمتعلم، وتفاعل دائم ومستمر مع محيطه. إذن الوسط الذي نعيش فيه هو مصدر تعلمنا، وبالتالي يجب علينا أن نحسن كيفية التعلم من ذلك الوسط بإيجاد الوسائل المناسبة، وتطوير وتنويع وسائط التعلم المختلفة، وتيسيرها لتكون في متناول المتعلم، والعمل على توفير الطرق الكفيلة بتحقيق أفضل تعلم. ولذلك يعمل البيداغوجي ون على وضع البرامج المعرفية بما يتناسب مع أطوار التعليم، وأصناف المتعلمين، حتى يتم تيسير المعرفة وضبطها في شكل دروس وتطبيقات وتمارين، وفق محاور ومناهج، ومخططات مدروسة.
وعليه تتميز المقاربة الحديثة: بالتعلم الفعال في النشاط العلمي، إذ يستحضر خصوصيات المتعلمين ويعتمد المرونة في التعامل مع المتعلم، كما يجعل من فضاء القسم فضاءً مفتوحا يوفر للمتعلمين أنشطة تستجيب لحاجاتهم واهتماماتهم، فهو تعلم محكوم بمجموعة من الشروط والوسائل التي تثمن دور المتعلم في عملية التعليم والتعلم، من بينها:
الدافعية: المشاركة الفعلية والإيجابية في أنشطة التعلم.
الاستيعاب: أن يكون التعلم له معنى يساعد على الفهم.
التملك: الشعور بامتلاك النشاط التعليمي، المتعلم صاحب النشاط والإنتاج.
المحاولة: تعدد المحاولات وتكرار التجارب قصد تحسين الأداء.
النجاح: توقع النجاح والعمل على الوصول إليه.
التشجيع: تشجيع الإنتاج الفكري والإبداع والابتكار.
كما أن هذا التعلم يعتمد على :
- التمركز حول المتعلم.
- النمذجة لتبسيط الظواهر المعقدة.
- المشكل كمحرك للنشاط العلمي.
- مواجهة التصورات التلقائية مع النماذج المصاغة علميا.
- تنوع التقنيات والوسائل.
وبناء على هذه المعطيات فإن المقاربة بالكفايات تعتمد نظرة أشمل وأعم مما كانت عليه مذكرة الدرس في بيداغوجيا الأهداف.[24]
خاتمة:
ما نتوصل اليه هو أن الخطأ جزء من صيرورة التعلم، وليس كما كان يعتقد مظهرا من مظاهر الفشل، ومؤشرا على اخفاق التلميذ في التعلم. وانما نجحت بيداغوجيا الخطأ في تحليله وتفسيره، ومعرفة ألياته، وذلك كفيل بمعرفة العوائق التي تسببه، ومنه يصبح من اليسير تجاوزه وبناء معرفة صحيحة على أنقاضه. لأن حدوث الخطأ طبيعي في التعلم، ومن يعمل يخطئ لا محالة، وبالتالي يتعلم من أخطائه، وقد عملت بيداغوجيا الخطأ على تشخيص كل ما يتعلق بالخطأ من أسباب وأنواع، ومنه قدمت للمعلم تشريحا واف لطبيعة أخطاء المتعلم، لذا يسرت له كيفية التعامل معها، ومكنته من الأدوات الكفيلة بتوقع ومعرفة الأخطاء الشائعة التي يسقط فيها المتعلم، وقدمت له في نفس الوقت الوسائل والآليات لمعالجة تلك الأخطاء، وما عليه سوى اتقان استخدام تلك الأدوات، ويتأتى ذلك من خلال التكوين الجيد للمعلمين، وذلك بالتركيز على الجانب العملي والميداني، والعمل على تمكينهم من بيداغوجيا المقاربة بالكفايات، التي تسمح للمعلم بأداء مهمته بكفاءة واتقان، وبالتالي ينعكس ايجابا على المتعلمين الذين يتحصلون على الكفايات والمهارات بأيسر طريق، وبأسرع وقت.
قائمة المراجع :
- ابن منظور:( د ت) لسان العرب، دار المعارف.
- أندري لالاند: (2001) الموسوعة الفلسفية، تعريب خليل أحمد خليل، ج 1، منشورات عويدات بيروت – باريس، ط 2.
- معجم الفروق اللغوية، مصطلح غلط، http://www.arabdict.com /عربي-عربي/.
- جميل صليبا: (1982) المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني ومكتبة المدرسة، بيروت.
- ابو حامد الغزالي: (د ت) الإحياء 4أجزاء، عالم الكتب، بطلب من مكتبة عبد الوكيل الدروبي، دمشق.
- عبد الكريم غريب: (د ت) مستجدات التربية والتكوين، منشورات دار التربية، مجلة جغرافية المغرب.
المراجع الأجنبية:
- Gaston Bachelard(1971): la formation de l’esprit scientifique, Edition Vérin, Paris.
- Astolfi Jean Pierre : (2005) Professionnalisation de Metier.ESF.
- ………:(1997) L’Erreur un outil pour enseigner, ESF édition 1997.
- ………:(2002) Les nouveaux mots de l’apprendre le métier d’enseignant entre deux figures professionnelles, conférence à la journée des préfets université de Bruxelles (ULB) 15/05/2002.
- Philipe Perrenoud: (2000) université de Genève construire des compétences Propos recueillis par Paola Gentile et Roberta Bencini Texte original d’un entretien paru en portugais dans Nova Escola (Brasil), Setembro de 2000, pp.19-31.
- ……. (2000): Construire des compétences dès l’école، Paris، ESF, 3ème édition.
- Pierre Gillet : (1986) L’utilisation des Objectifs en formation, Education Permanent, N : 85, Octobre, p 17-37.
- Landechere : (1975) Définir les Objectifs de L’éducation, Liège et George Townes.
[1]) رواه الترمذي (2499) وابن ماج ة( 4251) والدارمي ( 2730) والحاكم( 244/4) وغيرهم، من طريق علي بن مسعدة حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه مرفوعا.
[2] ) في الصحيحين، البخاري برقم 83، ومسلم برقم 7690، عن أبي هريرة.
[3] ) البخاري الباب الحادي والعشرون باب اجر الحاكم رقم الحديث 7352في الصحيحين، البخاري برقم 7352، ومسلم برقم 1716، عن عمرو بن العاصي.
[4] ) ابن منظور: لسان العرب، دار المعارف، د ت، ج 2 ص 1192، 1193.
[5] ) ابن منظور، ج 5، ص 3281
[6]) معجم الفروق اللغوية، مصطلح غلط، http://www.arabdict.com /عربي-عربي.
[7]) أندري لالاند: الموسوعة الفلسفية، تعريب خليل أحمد خليل، ج 1، منشورات عويدات بيروت – باريس، ط 2، 2001، ص 361.
[8]) جميل صليبا: المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني ومكتبة المدرسة، بيروت، 1982، ج 1، ص 530.
[9]) الغزالي: الإحياء، ج1، ص 63.
[10]) المصدر والموضع نفسه.
[11]) المصدر نفسه، ص 63.
[12]( Astolfi Jean Pierre: l’erreur un outil pour enseigner, 1997, p17.
[13]( Gaston Bachelard : la formation de l’esprit scientifique, Edition Vérin, Paris, 1971,p13
[14]( Ibid., p14
[15]( Ibid., p15
[16]) Ibid,p16.17
[17]) Ibid; p98.
[18]( Astolfi : p15
[19] ) عبد الكريم غريب، مستجدات التربية والتكوين، منشورات دار التربية، مجلة جغرافية المغرب، د ت، ص 316.
[20]) Astolfi Jean Pierre: l’erreur un outil pour enseigner, ESF, Edition 1997, p 23
[21]) voir op cit; p23.
[22]) Astolfi Jean Pierre: l’erreur un outil pour enseigner, 1997, p96, 97.
[23] ) أنظر مثالا عن ذلك كتاب الرياضيات للرابعة ابتدائي توجد مسائل تجريدية تتجاوز قدرات التلاميذ.
[24] (Perrenoud, Ph-, Construire des compétences dès l’école, Paris, ESF, 2000,3ème édition.