مناطق الظل في دولة الكوفيد 19: الواقع والمأمول في الجزائر
سوهة رومي (جامعة البويرة/ الجزائر)
مداخلة ألقيت خلال مؤتمر الحجر الصحي التداعيات والحلول
يواجهنا موضوع الكورونا أول ما يواجهنا كفكرة جديدة، وكمعطى غير بديهي، يطلب منا أن نقبله بلا نقاش، كما نتقبل أي مصيبة تدخل على حياتنا، نقبل إذن، من ضمن ما نقبل وجود مرض خطير، انتشر في كل بقاع العالم، وكل ما علينا فعله هو الانقياد للدولة ولأوامرها في تحديدها للبروتوكول الصحي، والذي يحدده الطبيب، والمسؤول الأول، وكذا السلطات المحلية والجيش.
ولا يجدي في شيء أن نتصور حالة سابقة لظهور (مرض الكورونا) حتى لو وثقنا بوجود تلك الحالة فعلا، فإنها لن تنفعنا في فهم بواعث هذا المرض، وأسبابه؛ سواء كانت سياسية أو حالة افتعلها الإنسان/ المواطن الصيني.
ومن الخطأ تصور شخص لم يسمع البتة بأي مرض خطير، أحدث قيامة عالمية كهذا المرض، لننتظر منه أن ينقاد للأوامر البروتوكولية للدولة.
إن أية عملية تركيبية من هذا النوع، تحمل في ذاتها خطأ مبدئيا يستحيل التغلب عليه، فيما بعد. الأجدر أن ننطلق من مستوى الشخص الذي ينتمي للدولة، كواقع مزامن للعصر الذي يعيش فيه، أو العصر الحالي، لأننا نريد أن نعرف مدى استيعاب الشخص الذي يواجه ذلك المرض، لا غيره، وذلك لسلامته وسلامة غيره.
فهل يعني التساؤل حول القضاء على مرض كوفيد 19، وتخطي محنته حتما نهاية المرض، وبداية دولة جديدة؟
ليس بالضرورة، قد يبدأ التساؤل كوسيلة لترسيخ البروتوكول الصحي، وفرضه غالبا على كل المناطق في الدولة، بما فيها مناطق الظل، والتي تشكل عائقا تسعى الدولة إلى تجاوزه.
فهل شمل هذا البروتوكول الصحي مناطق الظل، كتوعية تحسيسية فعلا؟ حينذاك يكون التساؤل ظاهريا أكثر منه حقيقيا، خطابيا أكثر منه نظريا. بيد أن التساؤل الخطابي نفسه يفتح الباب، في ظروف ملائمة إلى تساؤل أعمق يهدف إلى فهم الأضرار التي لحقت بمناطق الظل، جراء عهدة الكوفيد 19.
فهذا التساؤل نابع من تجربة الحاضر، وفي الوقت نفسه يعبر عن تجارب الماضي، لأن الدولة قائمة، ومرت بتجارب عديدة، فالتساؤل حول دور الدولة في كفالة مناطق الظل، يتجدد باستمرار، دون أن ينتهي إلى جواب ثابت، ماذا فعلت الدولة لحماية ووقاية الفئات المهمشة، في مناطق الظل؟.
إن مناطق الظل سابقة على فكرة مناطق الظل، وأي تساؤل عنها يعني بالضرورة تساؤلا عن المكان والزمان والأشخاص.
فمناطق الظل هي تلك الأماكن النائية، مثل الأرياف، والبلديات التي لم تصلها التكنلوجيا الحديثة، أو غياب الأساسيات والنقص في التغطية الكهربائية، والغاز، وأيضا غياب الربط بشبكة المياه الصالحة للشرب، وانعدام الرعاية الصحية، وبعد مراكز التعليم، وغياب شبه تام لوسائل الترفيه.
فتهميش هذه المناطق هو بالضرورة انحطاط لمستقبل الدولة، فتصبح عرضة لآفات الحياة البشرية، بما في ذلك الدخول المفاجئ لعهدة كوفيد 19؛ التي وضعت كل دولة في مأزق أوقف حركتها وتطورها.
ولعلاج أزمة مناطق الظل، لا بد من العودة إلى علاقة الدولة مع الفرد والمجتمع، لتتحدد وظيفتها ووسائلها، وبذلك تطورها وتخطيطها لأزمة كوفيد 19، أو أي أزمة مفاجئة.
فمن يتساءل عن تطور الدولة، حتما سيصف أطوار الدولة أي أشكالها المتتابعة، فينطق بمنطق المؤرخين، ومن يتساءل عن وظيفة الدولة، يحاول أن يحلل آلياتها بالنظر إلى محيطها الاجتماعي، أما إذا ألحقنا دور القانون الذي يسجل التجربة الفردية الأولية، أمكن لنا أن نقول أن تخطي الدولة لكوفيد 19، يتطلب خضوع الدراسة لهذه المناهج: القانون، الفلسفة، التاريخ، الاجتماعيات، والطب.
فمناطق الظل، بحاجة إلى ثقافة وتوعية، وكما يقول “”دانته” ((إن هدف التمدن الإنساني هو تحقيق ما في البشر من قوة كامنة على تنمية الفكر)) لأن غاية الإنسان، هي المعرفة، والرفاهية، والسعادة.
ولتحقيق ذلك لا بد من التعاون؛ لأن قوة الإنسان في الأساس قوة جماعية، إذا نظرنا إليها من زاوية الحاضر، وجدناها تنشأ عن التعاون، وإذا نظرنا إليها من زاوية الماضي، وجدناها مدخرة في العادات، في الثقافة، وفي اللغة.
فالطبيعة عبارة عن مجموعة قوانين متلازمة، مكشوفة، لفكر الانسان، إذا عالجاها بدون أفكار مسبقة، وبالتالي يكون الإنسان العادي مستعدا لقبول قوانين الطبيعة كما هي. كان في وسعه عندئذ أن يكشف عنها، ويستفيد منها لتحقيق أهدافه، من بينها (المعرفة، السعادة، الرفاهية)، فلماذا لم يتقبل الإنسان قوانين البروتوكول الصحي للوقاية من مرض كوفيد 19؟ على الرغم من النضج الذي عرفه الإنسان الذي يعيش في مناطق الظل، تبعا لظروفه القاسية، فهل يعتبر تهاونه تمردا على الطبيعة، أم تمرد على الدولة؟
إذا اعتبرنا أن قانون الحجر الصحي هو ظاهرة، من ظواهر قوانين الدولة الصارمة، تولد حسب قانون اجتماعي. فردة فعل مناطق الظل، لن تكون طبيعية حتما، سيؤثر هذا القانون على نفسية الأشخاص المتواجدين في تلك المناطق، ناهيك عن ظروفهم التي ذكرناها سابقا، مقارنة بمجتمع المدن، الذي يعيش الرفاهية، فلا يجد صعوبة مطلقة في بقاءه في المنزل.
ولذلك لا بد من تخطي هذه الأزمة في مناطق الظل، ويتم ذلك بنشر الثقافة والتوعية، بالتركيز على مبدأ التعليم والتعلم، أكثر من الحاجات الأساسية والضرورية التي لا بد منها فعلا، لأن تجاوز المحنة يحتاج إلى توعية أكثر.