دلاليات الحالة باعتبارها دلاليات إدراكية: ليكوف منازعا باروايز [1]
Situation semantics as perceptual semantics : Lakoff disputed Barwise
أحمد جوهاري[2]، جامعة ابن طفيل- المغرب
Ahmed Jaouhari- Ibn Tofail University in Kenitra – Morocco
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 68 الصفحة 23.
ملخص
نروم في هذه الورقة بيان مفهوم المعنى، وكيف شكل مصدر خلاف بين الباحثين في مجال اللغويات، والمنطق، والفلسفة، ويعتبر الصراع القائم بين الدلاليات الموضوعية والدلاليات المعرفية تجسيدا فعليا لهذا الخلاف. ففي الوقت الذي يقر فيه التوجه الموضوعي بقدرة نظرية الحالة على تفسير منطق الإدراك البشري انطلاقا من الرؤية وحالات العالم باعتبارها حالات إدراكية، عمد التوجه المعرفي إلى تفنيد هذه الدعوى، لكونها تقوم على نماذج معرفية موضوعية وثابتة، كما تستند إلى النموذج المنطقي في تحديد طبيعة المعنى، والذي يدعي بلوغ الصدق المطلق، في حين أن منطق الإدراك البشري قائم على التفاعل التجريبي بين الإنسان والعالم.
الكلمات المفتاحية: الدلاليات الموضوعية، الدلاليات المعرفية، نظرية الحالة، منطق الإدراك، الرؤية.
Abstract:
In this paper, we describe how the concept of meaning is a source of contention among researchers in the field of linguistics, logic, and philosophy, and the conflict between objective semantics and cognitive semantics is a real embodiment of this difference. While objective orientation recognizes the ability of the theory of the situations to interpret the logic of human perception from the vision and situations of the world as cognitive states, the cognitive orientation has refuted this claim, as it is based on objective and consistent cognitive models, as well as on the logical model of determining the nature of meaning, which claims to be absolute, while the logic of human perception is based on the empirical interaction between man and the world.
Keywords: Objective semantics, cognitive semantics, situation theory, cognition logic, vision.
تمهيد
تعتبر خاصية إنتاج المعنى أحد أهم الخصائص التي تتميز بها النظريات الدلالية، لكونها تكشف عن وجود نظريات متعددة للمعنى. تنطلق كل منها من نماذج معرفية محددة ترى أنها صحيحة وضرورية، ويمكن الوقوف عند بعض النظريات الدلالية المتضاربة، مثل دلاليات الحالة كما نجدها عند (جون باروايز)[3] والدلاليات المعرفية عند (ليكوف)[4]، وكلاهما تستخدمان نماذج معرفية معينة. فإذا كانت الأولى تدعي أن بمقدورها تفسير منطق الإدراك البشري وخصوصا منطق الرؤية[5]، فإن الثانية تقر باستحالة القيام بذلك، لأن مجال الإدراك البشري مجال غير موضوعي. وهو ما يوضح الارتباط القوي بين دلاليات الحالة والدلاليات موضوعية القائمة على فكرة مفادها أن المعنى يتحدد بناء على قدرة الرموز في أن تطابق العالم بشكل مستقل عن الفهم البشري، فالرموز إما أن تتطابق أو لا تتطابق مع هو موجود بالفعل في الخارج[6]. وهنا يتساءل (ليكوف) عن الدلاليات الموضوعية كدلاليات قادرة على الاشتغال في مجال تصوري غير موضوعي؟
بالرغم من وجود تشابه سطحي بين دلاليات الحالة والدلاليات المعرفية، لكونهما يستخدمان معا نماذج معرفية جزئية من العالم، لكنهما يختلفان في تحديدهما لبنية هذه النماذج، ومدى تطابقها مع العالم الخارجي. فقد ذهب باروايز وبيري 1983م إلى الإقرار بأن العالم مقسم إلى كيانات لها خصائص مشتركة؛ لأن اللغة تعكس العالم الفعلي بواسطة ما يسميه باروايز بـ (المنطق السليم)، كما تتكون اللغة من أجزاء لها خصائص وعلاقات تربط هذه الأجزاء بعضها ببعض[7]. ويتضح ذلك من خلال قوله بأننا إذا كنا نمثّل العالم بطريقة تحدد صنف بنية المجموعة النظرية “م”، فإن أنواع الحالات في “م” ستكون نوعاً من أنواع البنية التحتية الجزئية للعالم[8]. وعليه، يمكن إدراك دعاوى باروايز، بأنها تصنف جزءاً من العالم كما لوحظ وشوهد من جانب محدد، فجعل هذه الدعاوى متعارضة مع الدلاليات المعرفية عند ليكوف. ولكي نبرز معالم النزاع القائم بين ليكوف وباروايز بخصوص نظرية الحالة، هي نظرية إدراكية أم غير إدراكية؟ وبعبارة أخرى، هي نظرية تدخل في إطار الدلاليات الموضوعية أم في إطار الدلاليات المعرفية؟ كان لابد من رصد مقومات نظرية الحالة عند باروايز، من جهة أولى، وإبراز حدود هذه النظرية عند ليكوف، من جهة ثانية، و بيان الرد الذي قدمه باروايز، من جهة ثالثة.
- مقومات نظرية الحالة عند باروايز
تنطلق نظرية الحالة التي طورها باروايز وبيري مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، من فكرة مفادها أن المعلومات تنتقل في حالات معينة. فعندما نتحدث إلى الآخرين يتوجب علينا تحديد أنواع الحالات، تسمح لنا بتحليل المعلومات وطريقة تدفقها. لذلك، فقد وضعت نظرية الحالة لتحليل الحالات تماما كما وضعت الفيزياء لتحليل الذرات[9]. كما تهدف دلالة الحالة إلى بناء نظرية موحدة ودقيقة للمعنى ومحتوى المعلومات، وتطبيق مثل هذه النظرية على دراسة اللغة[10]. حاول باروايز من خلال نظرية الحالة أن ينقل البحث الدلالي من النموذج المنطقي التقليدي مع (فريجه، وتارسكي، وديفيدسين، ومنتيغيو)، إلى نموذج تصوري يتناسب أكثر مع أبحاث هنيتكا يقوم على منطق الإدراك[11]. غير أن السؤال الذي حاول باروايز الإجابة عنه يتمثل في ما إذا كان هناك نوع محدد من الجمل يصف أنواع الحالات في العالم. من هنا، عمد إلى معالجة إشكالية دلالة الجمل الإدراكية من خلال دراسة حالات الواقع، وحالات جمل الإدراك[12].
وكان يسعى إلى ربط فعل الإدراك بفعل التصور كما في قولنا: “نرى ذلك”، بحيث يمكننا الإقرار بهذه الرؤية دون أن ندرك أننا نرى. وهو ما يفسر الاختلاف بين قولنا: أرى ملك فرنسا يمزق شعره، وأرى أن ملك فرنسا يمشط شعره. في هذا السياق، استخدم باروايز مبدأ المصداقية ومبدأ الاستبدال لمعالجة مثل هذه الجمل، خصوصا تلك التي تأخذ الصيغة التالية: إذا رأى أ، ب، إذن ب، وهما عبارتان خاضعتان للمبدآن السابقان، لكونهما يدخلان ضمن جمل الإدراك. فإذا كان مبدأ الاستبدال يقول بإمكان استبدال أوصاف مختلفة لنفس الشخص في مثل هذه السياقات، دون حدوث تغيير في القيمة الصدقية للجمل.، فإن مبدأ المصداقية يسمح للسياق بتحديد المحتوى الغامض للعبارات من جوانب متعددة. لكن باروايز سيعمد إلى تعديل هذه المبادئ بإدخال سياقات إدراكية رياضية، من قبيل: استبدال ب إذا وفقط إذا[13]. وكان يهدف بذلك إلى تفادي الغموض الذي يرتبط بالحدود المستخدمة، مثل: “أحدهم”، وعليه يكون المثال (11) صحيحا، والمثال (12) فاسدا.
(11) رأى خالد أن أحدهم يخفي رسالة تحت الصخرة، والتي تؤول؛ أن هناك شخصاً معيناً شاهده خالد يخفي رسالة تحت الصخرة.
(12) يعتقد خالد أن شخصا ما، قد أخفى رسالة تحت الصخرة، وتؤول؛ أن هناك شخصاً معيناً يعتقده خالد قد أخفى رسالة تحت الصخرة.
من هنا، يلاحظ باروايز أنه بإمكان إزاحة السور “أحدهم” من موقعه في الجملة 11، ونقول أن هناك رسالة معينة لاحظها خالد عند شخص ما يختبئ تحت الصخرة. وهو ما دفع باروايز إلى الكشف عن بعض العناصر المشتركة بين الجملتين السابقتين، وتعديل النموذج المنطقي السائد من خلال تحديد العناصر المبيّنة في جمل الإدراك البسيطة، مثل قولنا: يرى بعض س مثل هذا…”[14].
إن منطق الإدراك من حيث هو منطق يقوم على الرؤية، يطرح العديد من الإشكالات أهمها مشكل غياب الإحالة، كما ناقشه أوستين[15]. ويتحدد هذا المشكل في القول بأننا نرى فقط الأشياء المقصودة وليس الأشياء المادية الموجودة. والسبب في ذلك، راجع إلى العلاقة المعقدة بين المدرَك والمدرِك[16]، فإذا قلنا: أ يرى ب، فإننا ننظر إليها من خلال الخصائص التي يقوم عليها هذا الموقف أو المشهد، وهذه الخصائص تتمثل في عدم وجود تفسير واعي للصورة الذهنية. فعندما نقول: أ يرى ب، و ب يرى ج، فإن مجال الرؤية سيكون واحداً، وهو مجالا مصغراً أو “ميكروسكوبي”. غير أن هذا يطرح إشكالا مهما يغيب عن الطرح التقليدي الذي يقدم قراءات مضللة، مثل قولنا:
1) رأى زيد طالبا يدرس في الكلية.
2) رأى زيد طالبا يشتري كتبا في المكتبة.
3) رأى زيد طالبا يدرس في الكلية، ويشتري كتبا من المكتبة.
لكن عندما نواجه جمل، من قبيل: 1) رأى زيد خالد في الكلية.2) رأى زيد نفسه في الكلية، نقر بأن الجملة الأولى صحيحة، أما الجملة الثانية، فهي غير صحيحة، لأنها تحيل على نفسها، وليس هناك شيء في الواقع تحيل عليه العبارة[17]. وهنا يطرح إشكال يتعلق بطبيعة الكيانات التصورية (الإدراكية). وهو ما يفسر الفرق بين الأشياء “الطماطم مثلا”، وأن نرى شيء له خصائص الطماطم. لذلك، فتحديد هذا الفرق يتطلب معرفة العلاقة بين الخصائص الملازمة للأشياء، أي تلك التي تدخل في مقولة الطماطم، وما نراه حقيقة أنه شيء مادي بسيط.
إن ما نراه في الواقع مجرد أحداث، وعلاقات، ووقائع. إننا لا نرى الأشياء في ذاتها، بل ما نراه سوى مشهد مكون من أشياء تمتلك خصائص، وترتبط بعلاقات بعضها ببعض، وهذه العلاقات هي ما تهمنا بالأساس في رؤيتنا، وهو شيء مجهول في حد ذاته، ما يهم في الواقع هو المجموعة الكاملة من الأشياء التي لها خصائص وعلاقات تشكل مشهدا[18].
فالمشهد الذي نراه هو جزء من الكيفية التي يوجد عليها العالم هنا والآن، ويعتبر المشهد من الأشياء التي قادتنا إلى النظر والسمع، وبالتالي إلى الإدراك والمعرفة.
هكذا، فالمشهد يعكس الرؤية، لكن كيف للرؤية أن تعكس الخصائص الفيزيائية للأشياء وعلاقاتها المادية؟ ومادامت الرؤية هي جزء من الطريقة التي يتشكل بها العالم، فإن المشهد يصل العالم باللغة، مما يجعله أساس لإثبات صدق الجمل[19].
غير أن العلاقة بين اللغة والعالم تطرح إشكالا يتعلق بالتكافؤ المنطقي، بحيث يمكن أن يكافئ مشهد ما مشهدا آخر، وكلاهما جزء من العالم. لذلك، عندما يكون هناك مزيدا من الرؤية تكون أحيان رؤية عدد أقل من المشاهد، وعلاوة على ذلك، فالمشهد رؤية ذرية[20].
تعتمد فلسفة اللغة لحل هذا الإشكال على الجمل التي يمكن صياغتها منطقيا، مثل قولنا: “المطر يسقط إذا وفقط إذا كان المطر يسقط”، وهي الصيغة التي عوضها باروايز بالصيغة التالية: “المطر يسقط إذا سقط المطر بقوة، فـ “المطر” و “سقط” تعبيران يؤكدان نفس الموقف. وبهذا الشكل انتقل باروايز من فكرة الضرورة المنطقية إلى فكرة قوة التصور، فعندما نقر بأن: “سقوط المطر ينطوي بقوة على ما ندركه كمطر، وما ندركه كفعل السقوط، ومتى كانت كل حالة في الواقع تدعم ما نشاهده في الواقع. وهذا التأثير الضمني القائم على المواقف اليومية يسميه باروايز “الآثار المنطقية”، وهذه الآثار تدعم التصور. وهو ما يدعونا الى استخدام التكافؤ القوي ليوافق بعض الظواهر اللغوية والنحوية، ويتناسب في نفس الوقت مع النظرية الرياضية، كالتفاضل والتكامل. فالتصور التقليدي في المنطق يقوم بترتيب العناصر الرياضية بطريقة تؤدي إلى ظهور أجزاء مستقلة، قد لا تكون متكافئة بقوة ولكنها منطقية، كما في قولنا:
أ) الشخص الذي يرتدي ربطة عنق قبّل ماري.
ب) شخص ما كان يرتدي ربطة عنق قبّل ماري.
ج) رأيت شخصا يرتدي ربطة عنق قبّل ماري، بدون أن يرى من يرتدي ربطة عنق.
هذا المشهد قد يكون صحيحا دون أن يكون صادقا، تبعا للنموذج التقليدي صحيح منطقيا، دون أن يكون تكافؤا قويا[21]. وهو ما دفع باروايز إلى تطوير لغة تصورية تعكس منطق جمل الإدراك البسيطة، وهذا يفترض في نظره اعتماد الجمل التي تعكس المركب الاسمي والمركب الفعلي في اللسانيات[22].
هكذا، يقر باروايز بأنه إذا كان المشهد أساس تشكل العالم في ارتباطه بالتجارب البشرية، فإنه يشكل موقفا حسيا (أو منظرا بصريا). وبالتالي، فالمشهد يعد شرطا من شروط الصدق، فمعرفة المشهد إما أن يكذّب أو يصدّق الجملة. لذلك، فصدق الجملة مرتبط بعدد المشاهد التي تخضع لها الجملة، فعندما تنظر إلى مكتبك من مواقع مختلفة، سترى العديد من المشاهد المختلفة بعضها ببعض، ومعظم هذه المشاهد سوف تدعم صدق قولك أن المكتب هو للمدير العام، وليس للنائب (على سبيل المثال)[23].
على هذا الأساس، اقترح باروايز الرؤية القائمة على الوضع/ المشهد، بحيث قد تتركز أعيننا على مشهد ما بواسطة شبكة العين (العدسات) فيتشكل نشاطا كهروكيميائيا، فينتج عن ذلك سلسلة معقدة من الأنشطة المعرفية تبرهن على قدرتنا الحسية، ويصبح لهذه المدركات الحسية معنى ما.
- ليكوف ونقد نظرية الحالة
في إطار دلاليات الحالة يتم تحديد الصدق انطلاقا من درجة الانتماء إلى الحالة، مما يجعلها دلاليات موضوعية، فكل ما يدخل ضمن الحالة فهو صادق وموجود بالفعل في العالم، والعكس صحيح. وهذا ما يجعلها مختلفة جدا عن الدلاليات المعرفية التي تقوم على نماذج معرفية ممثّلة توفر طريقة بسيطة لاستيعاب التجربة. لذلك، يمكن للنماذج المعرفية أن تناسب التجربة بشكل جيّد أو لا تناسبها، ويمكن تحديد التعارض بين النظريتين؛ أي دلاليات الحالة عند باروايز والدلاليات المعرفية عند ليكوف من خلال المثال التالي: أ) رأى هاري ماكس يأكل الخبز. يقترح باروايز منطق يحكم هذه الجملة، حدده في المبادئ الآتية[24].
أ) مبدأ المصداقية: إذا “أ”، “ب”، إذن “ب”: إذا رأى هاري ماكس يأكل الخبز، إذن ماكس أكل الخبز.
ب) مبدأ الاستبدال: إذا رأى “أ” “ب” ( س ‘)، ( س ”) = ( س’)، إذن “أ” رأى “ب” ( س ”)، مثلا: رأى راسل مور يحصل على نشر في كمبردج، كان مور بالفعل مؤلف كتاب مبادئ الأخلاق، ولهذا السبب رأى راسل أن كتاب مبادئ الأخلاق قد تم نشره في كمبردج. تطرح هذه المبادئ في نظر ليكوف إشكالية إذا ما اعتبرت صادقة بشكل موضوعي ومطلق، وخصوصا وأن الرؤية تتضمن مقولات، من قبيل؛ رؤية الشجرة، والتي تعكس جانب من المقولة البشرية للتجربة البصرية القائمة على الصور الذهنية، بحيث إننا نُمقْول بعض جوانب تجربتنا البصرية كشجرة من خلال ما تبدو عليه هذه الشجرة، وفي الحالات القادمة يمكننا القول إننا رأينا شجرة[25].
وهو ما يفسر أن منطق الرؤية لا يتناسب مع منطق الإدراك البشري، فما يراه المرء ليس بالضرورة ما يحدث بالفعل في الخارج؛ فعندما يومض مصباحان في تتابع سريع، سيظهر على أنه ضوء واحد يتحرك من “أ” إلى “ب”، وما يراه المرء مجرد حركة سريعة عبر الشاشة، فقد يعتقد المرء عن خطأ أن هناك حركة ضوء واحدة عبر الشاشة، والواقع أن هناك مصباحين تومضان على الشاشة[26]. فالمرء يرى حقا زوج من الأضواء تومض على الشاشة، غير أنه لم يكن يعرف ذلك، ويعتقد أنه رأى ضوء واحد تحرك عبر الشاشة[27].
هكذا، فالرؤية تدخل بشكل أساسي في المقْولة ولا تتعلق بالمعنى كما اعتقد باروايز، ومادامت الرؤية شكل من أشكال المقْولة البشرية، فهي تدخل ضمن فعل الرؤية، مما يجعلها جزء لا يتجزأ من منطق الإدراك البشري. وهذا يطرح صعوبة تتعلق أساسا بالمبدأين السابقين؛ فمبدأ المصداقية يقتضي الإثبات: رأى هاري حركة ضوء واحدة عبر الشاشة”. غير أن هذا ليس صحيحا، فقد كان هناك مصباحين يومضان في تتابع سريع، وهنا يفشل مبدأ المصداقية، وحتى الاستبدال[28]. ولبيان طبيعة هذا الفشل ساق ليكوف الأمثلة التالية:
أ) رأت الأميرة الضفدع يقفز معها في الفراش.
ب) كان الضفدع حقا الأمير.
ج) رأت الأميرة الأمير يقفز معها في الفراش.
الإشكال الذي يطرح هنا يتمثل فيما إذا كانت (ج) نتيجة صحيحة تستفاد من الجملتين (أ) و(ب). يرى ليكوف أن الإجابة عن هذا الإشكال تحتمل الإيجاب والنفي معا، بحيث لا يُنظر إلى الضفدع بوصفه أميرا على الإطلاق، كما تفترض هذه الحالة أن الأميرة لا تملك فكرة عن تحويل الضفدع إلى الأمير، فهي بالكاد لم ترى الضفدع يقفز إلى سريرها. وعليه، من المفترض أنها تتفق مع (أ)، ولكنها لا تتفق مع (ج). وهذا يدعونا إلى الإقرار بأن الأميرة لا تعرف ما رأت، ولكن من الصعوبة بمكان الادعاء بأن الأميرة لم ترى ما رأته، لأنها رأت الضفدع وليس الأمير.
على الرغم من أن المبدأين السابقين ليسا خاطئين تماما، إلا أنهما لا يعملان وفقا للنظرية الشعبية المنطقية للرؤية، والتي تمثل نموذجا معرفيا ممثّلا للرؤية، ويمكن إجمالها في النقاط الآتية:
1) ترى الأشياء كما هي.
2) تعرف ما تراه.
3 ) ترى ما هو أمامك.
يترتب عن هذه المظاهر العديد من النتائج تحدد طبيعة النظرية الشعبية التي تعكسها مبادئ باروايز، وهي كما يلي[29].
النتيجة الأولى:
أ) إذا رأيت حدثا، فإن هذا الحدث قد وقع بالفعل (مبدأ المصداقية).
ب) ترى ما تراه بغض النظر عن كيفية حدوثه أو وصفه (مبدأ الاستبدال).
ج) إذا رأيت شيئا، فهناك شيء حقيقي رأيته ( مبدأ التصدير).
النتيجة الثانية: أ) لرؤية شيء ما هو أن تلاحظ ذلك، وتتعرف عليه.
النتيجة الثالثة:
أ) إذا كان هناك شيء أمامك، فأنت ترى ذلك من موقع معين وفي وقت محدد.
ب) لرؤية نفس الأشياء لا يمكنك رؤية ما ليس أمامك، ولا يمكنك رؤية كل شيء.
يقر ليكوف في هذا السياق أن النموذج المعرفي الممثّل لا يتلاءم مع تجربة الرؤية لدينا، نظرا لأن عملية المقْولة تتدخل في تجربتنا للرؤية، ولكل منا شكل معين وطريقة محددة لمقْولة الأشياء، فعندما ينظر الأشخاص إلى مشهد معين فهم لا يلاحظون نفس الشيء. وهو ما يوضح أن تجربتنا للرؤية تعتمد أساسا على ما نعرفه وما نسعى إليه، فقد نلاحظ أشياء غير موجودة بالفعل في التجربة، وهو ما يعرف في العروض السحرية بأوهام بصرية، ففي بعض الأحيان لا نرى ما هو أمامنا مباشرة، وبالتالي نخطئ في الإدراك. لذلك، فالمشكلة التي تعاني منها مبادئ باروايز هي كونها مبادئ منطقية منصوص عليها في الدلاليات الموضوعية، مما يعني أنها لا تستخدم النماذج المعرفية الممثّلة للرؤية خصوصا في الحالات الجزئية، والسبب في ذلك أن هذه المبادئ مطلقة[30].
هكذا، يبدو أن النماذج المعرفية الممثّلة تفشل في تفسير مبادئ باروايز لدلاليات الحالة، نظرا لأن المبادئ المستخدمة في دلاليات الحالة هي مبادئ منطقية مطلقة، ولا يمكنها أن تعترف بالحالات غير التمثيلية بأنها غير تمثيلية[31]. على هذا الأساس، يقر ليكوف باستحالة دراسة دلاليات الحالة انطلاقا من دلاليات الإدراك، والسبب هو أنها دلاليات موضوعية تأخذ في اعتبارها العالم الخارجي للمدرِك، إلا أن التصور له ارتباط بالتفاعل القائم بين المدرِك والمدرَك، والمجال المناسب لمنطق الرؤية هو مجال إدراكي (واقعي) وليس موضوعا للإدراك[32](. وعليه، فالنماذج المعرفية الممثّلة هي نماذج تستخدم من قبل المدرِك، لذلك فهي تتناسب أكثر مع منطق التصورات البشرية، وهو ما يستدعي ضرورة اعتماد دلاليات معرفية من أجل دراسة التصورات البشرية بشكل عام[33].
3 . باروايز والرد على ليكوف
رد باروايز على مقالة ليكوف 1988م، حيث قدم حججا قوية تثبت أن منطق جمل الإدراك القائمة على الحالة والموقف يستند إلى الدلاليات الموضوعية. وبما أن ليكوف يرفض التصور الموضوعي للدلالة ويتجاهلها، فإنه يرفض كذلك منطق الإدراك القائم على الحالة. ويمكن أن نوضح ذلك انطلاقا من المثال الآتي:
أ) رأت الأميرة ضفدعا يقفز إلى الفراش في الغرفة.
ب) الضفدع كان في الواقع هو الأمير.
تقتضي: ج) رأت الأميرة أن الأمير يقفز إلى الفراش في غرفتها.
بناء على مبدأ الاستبدال يقر ليكوف أننا ملزمون بهذا الاستنتاج، كما أكد أيضا على أن الاستبدال لا ينجح إذا اقتصرنا على المبنى وأغفلنا المعنى. لذلك، يقول ليكوف أن الضفادع لا تشبه الأمراء على المستوى التركيبي، لكن يمكن أن يتوافق ذلك على مستوى المعنى (المعنى الاستعاري). من هنا سينتقد باروايز موقف ليكوف لعدة أسباب، منها:
أولا، يرى باروايز عدم وجود علاقات منطقية بين الوضع الأول والوضع الثاني، بل هناك ادعاءات أو إثباتات لها محتوى معين، كما أن العلاقة الموجودة بين الأمير والضفدع تحتمل عدة قراءات، فيمكن أن يعني الضفدع في هذا الاستنتاج ما يعنيه الأمير، ومع ذلك فهو مجرد مشهد من بين مشاهد أخرى متعددة، وهذا المشهد يدعم حقيقة مفادها أن الأميرة ترى الأمير الضفدع يقفز في السرير. وهناك قراءة أخرى ندعم بها حقيقة كون “ب” ضفدع و “ج” أمير، وهنا يخفق التفسير الذي قدمه ليكوف، بحيث لا وجود لتفسير واحد صحيح.
ثانيا، لا يولي ليكوف أهمية للقارئ الذي يفترض وجود حالات لا واعية تدفعنا إلى التصريح بهذا الأمر “كون الأمير ضفدع صغير”.
اعترض باروايز على المثال الذي قدمه ليكوف، والذي يقول: رأى جون فيلا ورديا، مبيّنا أن البشر يستخدمون فعل الرؤية حتى عندما لا يوجد أشياء، مثل: أنه رأى فيلا ورديا”، ليتم رؤيته. لذلك، عمد باروايز إلى تقديم تصورات دقيقة لحقيقة الفعل “رأى” باعتماد مشاهد حقيقية لوصف حالة “الرؤية”[34].
يزعم ليكوف في نظر باروايز أن النظريات الدلالية الموضوعية على خلاف ما تقوم به الدلاليات المعرفية. غير أن أي نظرية معرفية تعمل على ربط الحالات المعرفية بوقائع العالم كجزء من هذه الحالات الإدراكية. وبالتالي، يبدو أن ليكوف يجهل الأهداف المنشودة من التصور القائم على الموضوعية، ويعتبر أن أي نظرية دلالية تقوم على ما هو مطلق تغفل الجوانب التي تحفز الإنسان لتفسير الكيفية التي تحصل بها الرموز على معانيها، بينما يدعو باروايز إلى ضرورة الوقوف على الوضع المنطقي والوضع اللغوي الذي يناسب وقائع العالم بناء على توافق محتويات العبارة التي تصف مشهد من مشاهد العالم. وهنا يقر باروايز بأنه إذا كان إثباتا ما أو استدلال ما يتبع إثبات آخر، فإنه يفعل ذلك تبعا لتوافق محتوياتهما. وعلاوة على ذلك، تحاول نظرية باروايز تفسير المحتوى الدلالي لتتأكد من صحة الاستدلال؛ أي ما إذا كان الاستدلال واحد يتبع استدلال آخر. فقد وجد باروايز الجميع مهتم بالمعنى، مما ينبغي فهم جميع اهتمامات الباحثين في هذا المجال قصد بلوغ درجة عالية من الفهم، كما أن سبب تأخر النظريات الدلالية راجع إلى سوء فهم النظريات الموضوعية، وهو الفهم الذي نجده عند ليكوف من خلال هجومه على الدلالة الموضوعية[35].
خاتمة
هكذا، نخلص إلى القول بأن نظرية الحالة باعتبارها نظرية دلالية شكلت نقطة خلاف جوهرية بين التصور الموضوعي الذي يتبناه باروايز، والتصور التجريبي التفاعلي الذي يدافع عنه ليكوف. ففي الوقت الذي يعمد فيه التوجه الأول إلى تحليل الظواهر اللغوية انطلاقا من حالات العالم باعتبارها حالات ثابتة ومطلقة، يذهب التوجه الثاني إلى دراسة القضايا الدلالية من خلال الحالات الذهنية من حيث هي حالات معرفية محددة بواسطة الأنساق التصورية التي تتغير باستمرار من ثقافة لأخرى. على الرغم من وجود تشابه سطحي بين التوجهين في تناولهما لمفهوم الدلالة، حيث يسلمان معا بضرورة استحضار البعد الإدراكي والبعد الواقعي في تحديد طبيعة المعنى وبناء التصور، لكنهما يختلفان على مستوى الآليات المعتمدة. فإذا كانت نظرية الحالة مع باروايز تأخذ بالنموذج المنطقي الكلاسيكي كأساس لدراسة حالات العالم وربطها بحالات إدراكية وتشكل الرؤية أو المشهد آلية أساسية لهذا الربط، فإن نظرية الدلالة المعرفية مع ليكوف تتخذ من النموذج المعرفي منطلقا لتحليل الظواهر اللغوية باعتبارها ظواهر معرفية. يبدو، إذن، أن النقاط الخلافية بين النموذج المنطقي والنموذج المعرفي لم تنال حقها من الدراسة في هذه الورقة، لذلك نقترح على المتلقي أن يعود إلى نظرية الاستعارة التصورية عند ليكوف من أجل بيان الاختلافات الجوهرية بين المعنى الموضوعي والمعنى الاستعاري، ونظرية النماذج المعرفية الممثّلة التي تبرز الفرق بين النموذج المنطقي والنموذج المعرفي في دراسة قضايا الدلالة.
قائمة المصادر والمراجع:
- مصادر الدراسة
- Barwise, Jon, (1989) The Situation In Logic, Center For The Studies Of Language and Information, Leland Stanford Junior University, Printed in the United States.
- Sten, Lindström, Jon Barwise and John Perry, Situations and Attitudes, Cambridge, MA and London, MIT Press, 1983, Critical Study, Uppsala University, pp: xxii – 352.
- المراجع بالعربية
- الباهي، حسان،(2012) الذكاء الصناعي وتحديات مجتمع المعرفة، إفريقيا الشرق، المغرب، ط، 1.
- المراجع المترجمة
- دفيلن، كيث، (2001) الإنسان والمعرفة في عصر المعلومات، كيف تحول المعلومات إلى معرفة، تعريب، شادن اليافي، العبيكان، الرياض، السعودية، ط1.
- المراجع باللغات الأجنبية
- Austin, J, L , ( 1975) How to do thing with Word, Harvard University presse.
- Gardenfors, Peter, Some Tenets of cognitive semantics, cognitive science, lund university, E-mail: Gardenfors@fil.lu.se.
- Johansson, Gunnar, (1950) Configurations in event perception, Uppsala : Almkvist & Viksell, review an Experimental study by grunnar johansson, the American Journal of psycohology, University of Illionois Press, vol. 64, n°, 3 (jul., 1951), pp : 444-446.
- Lakoff, G, (1987) Women, Fire, and Dangerous Things, What categories revel about the mind, the University of Chicago, press.
- Putnam, H, (1988) Representation and Reality, Cambridge, MA: MIT Press.
- Ruiz, Francisco, José, (1997) An Interviw with George lakoff, cuadernos de folologia inglesa, univesidad de rioja clciguena, n°: 612, ( pp: 33- 52).
[1] – جون باروايز Jon Barwise من مواليد 1942م وتوفي عام 2000م، وقد كان يشغل منصب أستاذ للفلسفة والرياضيات وعلوم الحاسوب في جامعة إنديانا، وأحد الأعضاء المؤسسين لمركز دراسة اللغة والمعلومات CSLI، كما يعتبر أول مدير لبرنامج الأنظمة الرمزية.
[2] – أستاذ الفلسفة بالتعليم الثانوي التأهيلي- باحث في سلك الدكتوراه بجامعة ابن طفيل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، القنيطرة- المغرب.
[3] – لقد اعتمد جون باروايز على نظرية دلاليات الحالة، وقد نشر هذا الموضوع ضمن كتاب سنة 1981م، وسعى من خلال هذه النظرية إلى اعتماد النموذج التقليدي لنظرية الدلالة يختلف عن التوجه الذي يعتمد الصورة المنطقية في دراسة الظواهر الدلالية، أنظر:
– Barwise, Jon, The Situation In Logic, Center For The Studies Of Language and Information, Leland Stanford Junior University, Printed in the United States, 1989, p. 4.
[4] – جورج ليكوف (ولد سنة 1941 بالولايات المتحدة الأمريكية) أستاذ الدلاليات المعرفية بجامعة كاليفورنيا (بيركلي). عُرف بأطروحاته حول الاستعارة التصورية، إذ اعتبرها آلية من الآليات المركزية في الفكر البشري. طبق ليكوف أطروحاته بصدد الاستعارة في مجالات متعددة، كالأدب والسياسة، والفلسفة، وعلم النفس، وغيرها. كما اشتهر بأطروحته حول ” الذهن المتجسد” التي تذهب إلى أن فكرنا ناتج عن أدمغتنا وأجسادنا. ويستند إلى بعض افتراضات الأنثروبولوجيا المعرفية، والعلوم المعرفية بشكل عام. أنظر:
– Ruiz, Francisco, José, An Interview with George lakoff, cuadernos de folologia inglesa, Universidad de rioja clciguena, n°: 612, 1997, pp : 33- 52.
[5] – بنى باروايز تصوره للنظرية النموذجية في الدلالة انطلاقا من الأعمال التي قامت بها “هيلين كيلر”، و”بيرسي” اللذين أكدا على الدور الذي تلعبه اللغة الطبيعية في بناء منطق الإدراك البشري. أنظر:
– Ibid, p. 5.
[6]– Lakoff, G, Women, Fire, and Dangerous Things, What categories revel about the mind, the university of Chicago, press, 1987, p. 125.
[7] – Ibid, p. 126.
[8] – Ibid, p. 126.
[9] – دفيلن، كيث، الإنسان والمعرفة في عصر المعلومات، كيف تحول المعلومات إلى معرفة، تعريب، شادن اليافي، العبيكان، ط1، 2001، الرياض، السعودية، ص، 24.
[10] – Sten, Lindström, Jon Barwise and John Perry, Situations and Attitudes, Cambridge, MA and London, MIT Press, 1983, Critical Study, Uppsala University, pp, xxii – 352, p. 1.
[11] – Barwise, Jon, The Situation In Logic, op, cit, p. 7.
[12] – Ibid, p. 8.
[13] – Ibid, p. 12.
[14] – Ibid, p. 13.
[15] – ينطلق أوستين في مقاربته للإحالة من دعوى مفادها أن هناك استعمالات طفيلية Parasites Uses للغة تجعلها غير جادة وغير طبيعية، حيث يمكن أن تفشل الإحالة في هذه الاستعمالات من خلال إنجاز فعل تكلمي على شاكلة الخطاب الخيالي. أنظر :
– Austin, J, L , How to do thing with Word, Harvard University presse, 1975, p. 104.
[16] – الباهي، حسان، الذكاء الصناعي وتحديات مجتمع المعرفة، إفريقيا الشرق، المغرب، ط، 1، 2012، ص، 293.
[17] – Barwise, Jon, The Situation In Logic, op, cit, p. 22.
[18] – Ibid, p. 26.
[19] – Ibid, p. 27.
[20] – Ibid, p. 30.
[21] – Ibid, p. 32.
[22] – Ibid, p. 33.
[23] – Ibid, p. 27.
[24] – Ibid, p. 12.
[25] – Lakoff, G, women, fire, and dangerous things, op, cit, p. 126.
[26]-Johansson, Gunnar, Configurations in Event perception, Uppsala : Almkvist & Viksell, 1950, review an Experimental study by grunnar johansson, the American Journal of psycohology, University of Illionois Press, vol. 64, n°, 3 (jul., 1951), pp : 444-446.
[27] – Goodman, Nelson, Ways of World making, the harvester press, 1978, p. 71.
[28] – Lakoff, G, women, fire, and dangerous things, op, cit, p. 128.
[29] – Ibid, p. 129.
[30] – Ibid, p. 129.
[31] – Ibid, p. 130.
[32] – يميز “بيتر غاردينفورس” في هذا السياق بين المقاربة الدلالية الواقعية أو الموضوعية والمقاربة الدلالية المعرفية، فإذا كانت المقاربة الأولى تنظر إلى معنى الكلمات كشيء موجود في العالم الخارجي، فإن المقاربة الثانية تحدد معاني الكلمات انطلاقا من الكيانات الذهنية. أنظر:
-Gardenfors, Peter, Some Tenets of cognitive semantics, cognitive science, lund university, E-mail: peter.Gardenfors@fil.lu.se, p. 1.
[33] – لقد شن “بوتنام” هجوما عنيفا على الدعوى التي تقر بوجود دلاليات معرفية، ويدعي بالمقابل أن المعاني لا توجد في الرأس، وحجته في ذلك أن كل كلمة يستخدمها المتكلم مرتبطة في ذهنه بتمثيل عقلي معين، ويمكن أن تحصل كلمتان مترادفتان على نفس المعنى متى ارتبطتا بنفس التمثيل العقلي عن طريق المتحدثين الذين يستخدمون هذه الكلمات، هذا بالإضافة إلى أن التمثيل العقلي هو ما تشير إليه الكلمة بوجود شيء ما. وهذه الحجج تبين كيف أننا لا نستطيع تحديد المفاهيم والمعتقدات دون الرجوع إلى البيئة. أنظر:
– Putnam, H, Representation and Reality, Cambridge, MA: MIT Press, 1988, p. 73.
[34] – Ibid, p. 35.
[35] – Ibid, p. 36.