أقام مركز جيل البحث العلمي أمسية يوم الخميس 11 مارس، ندوة افتراضية ناقشت كتاب عضو اللجنة التحكيمية بمجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية ومدير معهد الأدب واللغات بالمركز الجامعي مرسلي عبد الله في تيبازة الأستاذ الدكتور يوسف مقران: “تحليل الخطاب اللساني العربي: دراسة مصطلحية ابستمولوجية” وذلك بمشاركة أسماء علمية جزائرية وهي:
أ.د. فطومة لحمادي و د.سليمة محفوظي من جامعة سوق أهراس، ود. قرمودي عبد الرحيم ود. موسى دريهم من المركز الجامعي مرسلي عبد الله.
وذلك بإشراف وإدارة رئيسة المركز الأستاذة الدكتورة سرور طالبي وبمساعدة تنظيمية وتحضيرية من قبل رئيسة تحرير المجلة الدكتورة غزلان هاشمي والباحث عدنان لكناوي.
رحبت ذ. سرور بكل الحضور وبالمحتفى به مثمنة جهوده في المجلة تقويما وتقييما قائلة: ” يسعدني ويشرفني أن ألتقي بكم مجددا في هذه الندوة الافتراضية الدولية العاشرة التي ينظمها مركز جيل البحث العلمي بشكل أسبوعي منذ أكثر من شهرين، لتكريم أحد أفراد أسرة تحرير مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية ومدير معهد الأدب واللغات بالمركز الجامعي مرسلي عبد الله في تيبازة الأستاذ الدكتور يوسف مقران” ثم واصلت مؤكدة على أن الهدف من هذه الندوات هو الاحتفاء بمؤلفات أعضاء اللجنة العلمية التحكيمية للمجلة والتعريف بها كعربون شكر على جهودهم وتعاونهم المستمر ضمن طاقمها، معتبرة ذ. مقران أحد المحكمين الأساسيين بحكم كفاءته وخبرته الكبيرة في مجال البحث العلمي ويستحق على حد قولها ” فوق الشكر الثناء لأنه رغم التزاماته الإدارية والأكاديمية الكثيرة فإنه لا يبخل على المجلة من وقته و علمه” .
كما رحبت بالسادة الأساتذة المحاضرين، ثم أحالت الكلمة إلى ذ. مقران من أجل تقديم عرض ملخص عن محاور كتابه القيم، والذي بين فيه أنه استعرض من خلال محتوياته إحدى عشر محورا (بما فيها المدخل)، ركّز على بعض النُّقَط على غرار التعاون المتبادَل بين التطبيقين: اللساني والمصطلحي، وذلك بالنظر إلى الخدمات المشتركة والمتقاسمة بين المجالين.
وأهم ما ميز العرض هو وقوف ذ. مقران عند توصيف انفراد الخطاب اللساني العربي بجملة من الخاصيات والانشغالات والمشكلات التي ترجع إلى خصوصيات الثقافة العربية وموقعها بالنسبة لغيرها من الثقافات التي لا تزال تحتكّ بها أثناء تعاملها مع المفاهيم اللسانية ومصطلحاتها. كما رجع الكاتب إلى التذكير بأطروحته الأساسية وهي افتقار الثقافة العربية إلى شيء اسمُها ” اللسانيات ” أو” علم اللغة ” بكل وضوح، ودافع عن قضية مؤدّاها أنّ المتوفر في الساحة العربية إنما هو ما يمكن أن يدعى ” الخطاب اللساني “؛ وشدَّد ــ بالمناسبة ــ على ضرورة التفريق بين المفهومين، لأنّ معظم ما يؤلف في العالم العربي أخذ يجانب العمل على اللغة الطبيعية (التي كان يراد وصفها والاهتمام بعملها) بقدر ما اعتكف على معالجة (اللغة الواصفة)، من القضايا التي لفت الاهتمام إليها مسألة التعارض بين (التوليد المصطلحي) و(التوحيد المصطلحي)، وأرجع الأمر إلى غياب المؤسسات التي كان من الأحرى أن تتولى الأمر.
ووقف كذلك عند شأن المصطلح من حيث الماهية التي قد تستعصي على الباحثين والعلماء والأخصائيين والأساتذة والطلبة على السواء؛ وعليه، فقد اهتدى الخبير في شؤون المصطلح إلى حيلة مفادها العناية بوصف أبعاد المصطلح التي ضبطها كالآتي: البعد اللغوي اللساني (الآني والتعاقبي)، البعد الاجتماعي الثقافي النفسي (الوسَطي التاريخي)، البعد التواصلي الإعلامي المعلوماتي، البعد المعرفي الموجودي الابستمولوجي، وهو لا يزال يجتهد في هذا الشأن من أجل التوصل إلى بلورة نظرية مصطلحية عربية، أي خاصة باللغة العربية كنظام ثقافي معرفي تواصلي، معتمدا منهجه القائم على تسخير ازهار العلم غربيا والانتباه إلى خطورة الإسقاطات المجانية محتكما في ذلك كله إلى الأمانة العلمية، ومن أجل فسح السبيل أمام علم (اللسانيات) لكي يسترجع مكانته عربيا. بالطبع، فإن القضايا التي أثارها الأستاذ متشعبة ومتداخلة لا يتسع لها هذا التقرير، وبالتالي ندعو جمهور القراء إلى التداول على أفكاره من خلال الاطلاع على عمله الواعد”.
أحالت رئيسة المركز بعدها الكلمة إلى أ.د. فطومة لحمادي والتي قدمت مداخلة موسومة بـ”الخطاب اللساني العربي الراهن وإشكالية الوعي المصطلحي في كتابات الدكتور يوسف مقران:مقاربة إبستمولوجية نقدية”، قدمت في بدايتها تعريفا للخطاب اللساني، حيث بينت أنه يقصد به “الخطاب الذي تعكسه الكتابات اللغوية التي تستند نظريا ومنهجيا للمبادئ التي قدمتها النظريات اللسانية في مختلف اتجاهاتها الأوربية والأمريكية في إطار ما أصبح يعرف باللسانيات العامة.
ويمتاز الخطاب اللساني العربي بجملة من الخصائص أهمها حسب اعتقادها:
- طغيان ظاهرة التكرار الناتجة عن تفاوت الزوايا، وقد استشهد بقول عبد الرحمن الحاج صالح في حديثه عن علم اللسانيات وضرورة تسخير القرائن اللفظية وكذا المقامية ليدرك المعنى ولا يضيع المفهوم ويتحقق الاتساق ويسود الانسجام، وأكد على ضرورة الوعي المصطلحي
- إذن يجب علينا تفادي المفهوم الضبابي الذي قد يقع فيه الدارس واستشهد بكلام المسدي عن مصطلح فقه اللغة الذي قابله الدارسون العرب بمصطلح الفيلولوجيا الغربي رغم التباين الكبير بينهما.
- التهافت على جمع الرصيد النظري والتغافل عن قراءة الأعمال اللسانية ودعوات تجديد البحث اللغوي، كما طرح مظاهر استجلاء الاجترار على غرار: منحى المسح الشامل، وشيوع الكتب المداخل وطغيان النزعة الفقهية، كما يتسم المصطلح بالتعددية المصطلحية التي مردها إلى ثلاثة أسباب رئيسة: هي تعدد المصادر والولوع بالترادف والإطناب وغياب التنسيق، وترتسم رقعة تأملات الباحث يوسف مقران في النظرة الإبستمولوجية الشاملة والأصيلة في طبعتها التي أسسها بياجيه التي تهتم باستنباط قوانين عامة يمكن تطبيقها على حالات خاصة لعلنا نكشف عما خفي من المسائل في هذا الشأن، يقول بياجيه: ” لقد أخذ التفكير الإبستمولوجي ينبثق أكثر فأكثر من داخل العلوم نفسها… نتيجة لبعض الأزمات أو الصراعات التي تنتج بغعل السيرورة الداخلية للإنشاءات الاستدلالية، أو لتأويل معطيات التجربة ومن أجل التغلب على تلك الأزمات والصراعات يصبح من الضروري إخضاع المفاهيم والمناهج والمبادئ المستعملة إلى ذلك الحين لنقد راجع على نحو يمكن من تحديد قيمتها الايستمولوجية في مثل هذه الحالات يكف النقد الابستمولوجي عن كونه مجرد تفكير حول العلم ، ويصير إذ ذاك أداة للنقد العلمي لكونه تنظيما داخليا للأسس… إن الابستمولوجيا المعاصرة تنتج من ضرورة داخلية خاصة بالعلوم، وهي في حالة تطور، ومن مراجعة مستمرة لمبادئها وأدواتها المعرفية”.
هذا وانتقلت إلى الحديث عن مؤلف ذ. مقران ، حيث وضحت أنه قسمه إلى خمسة أبواب هي:
- “المدخل: الذي وسمه بتشخيص الوضعية في الساحة العربية التي تتسم فيها الخطابات اللسانية العربية بالنزوع نحو الإجمال وإطلاق المطلقات وعموم الموضوعات المكررة وظاهرة التسطيح والتمييع، وسعي معظم الباحثين العرب إلى توحيد المصطلح الذي نتج عنه نوع من تهوين المسألة المصطلحية التي تجلت في غياب التنسيق المصطلحي، وطغيان نزعة معاينة الواقع على حساب التوقع؛ إذ انصرف الجميع نحو استقراء واقع المصطلح اللساني وتعقب أدوار المؤسسات كالمجامع اللغوية إضافة إلى الأشخاص.
- وطرح في الباب الأول (المصطلحيات واللسانيات: العروة الوثقى) تعدد أوجه العلاقة بين المصطلحيات واللسانيات، غير أنه ركز على النزعة التطبيقية وبعد ذلك انتقل إلى التنظير من خلال استفادة اللسانيات من المصطلحيات وبخاصة ما يعرف بالمقاربة المفهومية.
- ومن مميزات المصطلح اللساني العربي أنه متعدد الأبعاد، كالبعد اللغوي، والبعد الاجتماعي، والبعد التواصلي والبعد المعرفي، أما التطبيق المصطلحي فيعاين من غياب التجانس الذي مرده إلى أسباب عدة أهمها: تعذر نظرية واضحة المعالم، وعجز الدرس المصطلحي مناهجيا، وقلة اكتراث اللسانيين بتشكيل مصطلحية خاصة، لذا حاول أن يخرج بمجموعة من الحلول جمعها في وجوب تأسيس مرجعية لسانية عربية وعرضها للنقد والتمحيص، وهو ما ذهب إليه مصطفى غلفان في قوله:” يتعين القيام بنوع من النقد المزدوج ، نقد الموروث والمستورد وتمحيصهما على حد سواء؛ أي أن ننظر بفكر ناقد وواع إلى التراثين العربي والغربي بعيدا عن كل أشكال الإسقاط النظري والمنهجي الظرفي التي تنظر للتراث من خلال هذا النموذج”.
- وبعد ذلك عرج نحو مظاهر التطبيق المصطلحي من خلال الوقوف أولا على تشكل الوعي المصطلحي الذي يعني الإدراك الضمني للأصول، واستشهد في هذا السياق بقول عبد الرحمن الحاج صالح:” قد تلتبس هذه المفاهيم على المثقفين في زماننا هذا التداخل بعضها في بعض ؛ إذ ترجع كلها إلى اللغة ودراستها بوجه من الوجوه، وزاد الطين بلة أن بعضها منقول عن الحضارة الغربية الحديثة أو ما ورثته من الحضارة اللاتينية اليونانية فأكثر هذه التسميات تغطي في الوقت نفسه مفهوما عربيا قديما ومفهوما يونانيا أو مفهوما غربيا حديثا من خلال اللفظ الواحد، فأردنا هنا أن نوضح هذه الأضياء للقراء الأعزاء” مشيرا إلى عوامله واتجاهاته المتمثلة في: اللامشاحة في الاصطلاح، وحلحلة المشكلات المصطلحية داخليا، وتأطير العمل المصطلحي نظريا، وقد نتج عنه التأمل الذاتي المصطلحي والمعالجات المصطلحية الضمنية التي تهدف بخاصة إلى التمييز بين اللغة الواصفة واللغة الموصوفة وهو مربط الفرس في مداخلتنا؛ لأن الخطاب اللساني العربي أصبح يصف المصطلحات اللسانية و لا يدرس اللغة باعتبارها موضوع الدرس اللساني، لذا أصبحت لغة واصفة .
- أما الباب الثالث (النقد المصطلحي في الخطاب اللساني) فقد سلط فيه الضوء على القضية الجوهرية المتمثلة في سيادة الخطاب اللساني على حساب علم اللسانيات، فكانت أرضية الفصل الأول تتمثل في المصطلحات النقدية والخطاب اللساني التي تناولها من خلال علاقة المصطلحيات بنظرية المعرفة، كما طرح تطور المصطلحيات ضمن الوجهة النقدية التي أصبحت تهتم بالمفاهيم على حساب التسميات، وأبرز دور المصطلحي في تحليل المفاهيم اللسانية، ثم عرج بعد ذلك إلى ذكر خصائص ومميزات الخطاب اللساني في الثقافة اللسانية العربية التي من بينها: ميله إلى التعريف والتصنيف والتعليمية.
- في حين تناول في الباب الثالث المنجزات المصطلحية اللسانية والذي قسم فصله الثاني إلى هم المراجعة وهم التوقع الذي أهمله الدارسون في دراساتهم. أما الباب الرابع فقد تناول فيه الخطاب اللساني وتفريعاته المفهومية والمصطلحية؛ فعالج ظاهرة تفريع اللسانيات من حيث الصورنة التي تعني وضعها في قوالب قواعدية لضرورات علمية وتعليمية والبنينة التي تعني وضع مجموعة منسجمة من المعارف الإجرائية الصريحة الخاصة بلغة طبيعية ما والغاية منها تحقق النظامية اللغوية المنشودة في دراسة الأنماط اللغوية. إضافة إلى أزمة المفهوم اللساني الذي اختلف حوله الدارسون ؛ فمنهم من يعرف المفاهيم بأنها:” منشآت تنشئها عمليات المعرفة التي يتمتع بها الإنسان، وهي عمليات تساعد في تصنيف الأشياء عن طريق التجريد المنظم أو الاعتباطي، ومنهم من اقترح التحدث عن وحدة الفهم بدل الحديث عن المفهوم بل وحدة المعرفة، ودعا إلى إمكانية عزل نوعين من وحدات الفهم: المفاهيم والكليات. وبعد ذلك انتقل إلى عرض تداعيات التفريع المصطلحية على مستوى العلم ليخصص الفصل الثاني من الباب نفسه للخطاب اللساني ومفارقاته الإبستمولوجية ليبين عدم تناهي موضوع اللسانيات نتيجة تغير طبيعة النظرية اللغوية، ونموذج التحليل اللساني المتعدد الذي ينهض بوصف الظاهرة اللغوية.
- في حين خصص الباب الخامس للخطاب اللساني العربي بين الواقع والتوقع الذي قسمه إلى فصلين: تناول في الأول الموسوم بـ الخطاب اللساني العربي في الواقع ظاهرتي التكرار والاجترار وظاهرة التعددية المصطلحية، أما الفصل الثاني فتناول فيه الخطاب اللساني العربي ومساعي التوقع ، إذ لخص فيه تلك المساعي في عنصرين هما: التوليد والتوحيد المصطلحيين. أما عن التوليد فتناول فيه التوليد الدلالي والتوليد الصوري والتوليد الدلالي الصوري، لينتقل إلى مسألة التوحيد المصطلحي التي لطالما حلم بها الدارسون وألفوا فيها كتبا وعقدوا لها ندوات ومؤتمرات إلا أنه توصل إلى نتيجة مؤداها ضرورة تأسيس مرجعية لسانية عربية على الرغم من تعدد المرجعيات ودعا إلى التقريب بين الثقافات عوض إلقاء اللوم على قصور لغة مقارنة مع غيرها”.
كما أشارت ذ. لحمادي لمكمن أزمة اللسانيات العربية من خلال هذا الكتاب، حيث عرضت رأي مصطفى غلفان حال تشكيكه في وجود لسانيات عربية قائلا: ” إن اللسانيات باعتبارها ميدان بحث علمي لم تتمكن بعد من رسم معالم إطارها في حضن الثقافة العربية الحديثة، وتفصل بينها وبين المستوى الذي بلغته في جامعات الغرب درجات كبيرة اللهم في ومضات تلمع بين الحين والحين ترتفع إلى ذلك المستوى، ولكنها في الأعم جهد فردي خالص” لذا فإن أزمة اللسانيات العربية هي أزمة أسس أي أزمة في المنطلقات الفكرية والنظرية والمنهجية التي تؤسس مجالا معرفيا معينا وتحدد معالمه، وهي تعيش هيمنة مزدوجة: هيمنة التراث اللغوي العربي وهيمنة الفكر اللساني الغربي الحديث، ومن هنا تبرز ثلاثة أنواع من الخطابات اللسانية:
- أ- خطاب لغوي يردد مختصرا شارحا أو مبسطا التراث اللغوث.
- ب- خطاب تابع للنظريات اللسانية المعاصرة في جزئياتها وتفاصيلها.
- ج- خطاب توفيقي معاصر في منطلقاته النظرية والمنهجية تراثي في نتائجه، توفيقي في أهدافه من حيث إنه يتوخى التوفيق بين الفكرين القديم والحديث.
- فالأزمة هي أزمة أسس كما قلنا ؛ أي أزمة تحقيق الوحدة العضوية للسانيات، وحدة الموضوع ووحدة المناهج ووحدة المصطلحات”.
أحالت ذ. سرور بعدها الكلمة للدكتور قرمودي عبد الرحيم ليقدم مداخلته تحت عنوان “ في ماهية المصطلح ونظريته: الأبعاد والوظائف (من منظور يوسف مقران)“، حيث بين فيها أن هذه الورقة البحثية القرائية تهدف إلى كشف ما ورد في مدونة ذ. مقران الذّي اعتبره (محمّد مفتاح الجزائر) ، سواء من حيث اللّغة أم من حيث الطّرح بجِدَّة وجدية، وقد وضح أن الجزئية الّتي سيحاول شرحها وتبسيطها هي :” أبعاد المصطلح بما تحمله من أهمية وما تضمنته من حمولة الإشكالات اللّغوية التي تواجه المصطلح، وبأسباب اختزال الأبعاد حتى تتمكن لسانيات الخطاب من لغوية المصطلح :
وركز في مداخلته على أهم الإشكالات أو المحاور التي وردت في جزئية الكتاب، منها :
– كيف يشتغل المصطلح ؟ وما أهميته ؟
– هل المصطلحيات في خدمة اللسانيات أم العكس أم التكامل ؟
– هل عالجت لسانيات الخطاب إشكالات علم المصطلح ؟ وخاصة أبعاد المصطلح” .
وقد خلص إلى أهم ما قدم ذ. مقران من إشكالات وتصورات تأصيلية له السبق بها، هذا وسلط الضوء على الأبعاد بالشرح فقط معتمداً على مبادئ اللّسانيات التفسيرية التمهيدية ليصل إلى عمق اللسانيات التجريدية الّتي هي من مميزات قلمه ،هذا وبين الدكتور عبد الرحيم أنه لقراءة مدونته والمحاولة لكشف أغوار ها يحتاج القارئ إلى تملك مبادئ اللسانيات وعلم المصطلح تملكا محكما.
أحيلت الكلمة بعدها إلى د. سليمة محفوظي، حيث قدمت مداخلة موسومة بـ”قانون التعاون بين اللسانيات والمصطلحية“، بينت فيها أن ذ. مقران استهل كتابه بمدخل “أشار فيه إلى الدراسات التي كانت تبحث في علاقة اللسانيات بالمصلحيات بغية انفصال الثانية، وطلبا للاستقلالية رغم أنها كانت في توافق وانسجام، وتناغم بينها وبين اللسانيات إن صح التعبير. هذا وتناول فيه نزعة الإجمال والإطلاق، فالدراسات العربية في هذا الشأن كانت سطحية تخلو من التدقيق والاستقصاء، وهي في كثير من الأحوال لا تتعدى مقارنات بين مصطلحات لسانية والأخذ والرد دون الفصل في الموضوع، بالإضافة إلى تكرار واجترار الموضوعات، وهو ما يعيبه الباحث على الدراسات العربية التي تناولت ما يمكن أن تدرسه اللسانيات من قضايا المصطلح مع الإكثار من الشعارات والقليل من التحليل، مذكرا ببعض العناوين التي لم تفلح في معالجة هذه القضية معالجة دقيقة وواضحة (حلمي خليل المعرب والدخيل رمضان عبد التواب في معاجم المصطلحات)، هذا وأكد على افتقارها إلى منهج كفيل بتقديم صورة واضحة عن تواجد المصطلح في اللغة العربية، ولم يغفل الكاتب ظاهرة التسطيح، إذ عدها من أخطر الآفات التي تصيب البحث، فأكثر الدارسين يجترون ما سبق بطريقة غامضة وبقدر كبير من التمييع “.
هذا ووضحت الدكتورة محفوظي أن الباحث بين أن أكثر ما يشغل اهتمامهم في هذا المجال قضية توحيد المصطلح، إذ تعد قضية مركزية لا تخلو من تدارسها أي دراسة، ناهيك عن وجود قضية جوهرية أخرى تتمثل في تهوين المسألة المصطلحية، حيث هناك من ذهب إلى أن هذه المشكلة المصطلحية تعد موضوعا قديما متجددا ،”على غرار ما ذهب إليه الباحث حمزة المزيني الذي قال بأن هناك تضخيم في الطرح العربي، وأن قضية المصطلح لم تكن عند القدماء ولا عند الغربيين، وقد تعامل القدماء مع المصطلحات الوافدة بتلقائية ودون مركب نقص، كما أشار في المدخل إلى غياب التنسيق المصطلحي والذي يعود إلى أسباب عديدة”.
بينت الدكتورة محفوظي أن الباحث عنون الباب الأول بالعروة الوثقى، وعدت هذا العنوان اختيارا موفقا إلى حد بعيد، نظرا لأن العلاقة بين المصطلحات واللسانيات متعددة الجوانب، فالكاتب ركز في المبحث الأول على الجانب العملي والذي يربط المصطلحات باللسانيات، لذلك عنونه بالعلاقة العملية لأنها تلخص أهم شيء في صلة المصطلحيات باللسانيات، هذا وبينت أن الباحث ذهب إلى” أن موضوع البوابة، أي التطبيق مع عدم تجانس مظاهره، قد طرقها أكثر من باحث لأسباب مختلفة وفي سياقات متباينة زمانيا ومكانيا ولخلفيات معرفية معينة، ولكنه يطمح من خلال مؤلفه هذا إلى مراقبة طريقة عمل البوابة، بنظرة واعية ويقظة تمكنه من معرفة ضوابط العمل المصطلحي، وملامح البحث المصطلحي الممنهج في ضوء اللسانيات التي استطاعت صياغة تطور المصطلحيات واستساغت تدخل هذه الأخيرة في شؤونها، وهذا دون التخلي على الرصيد المعرفي الذي آلت إليها دراسات أولئك الذين طرقوا هذه البوابة، كالباحثة ماريا تريزا كابري التي دعت في نظريتها المصطلحيات العامة (TGT) إلى مراعاة الجوانب الثلاثة الأساسية (البوابات) المشكلة لطابعها التوسطي: الجانب المعرفي، والجانب اللساني، والجانب الاجتماعي التداولي الإعلامي، والذي عرضته في مقال لها، وهو Terminologie et linguistique la théorie des portes، حيث أكد على العلاقة الرابطة بين اللسانيات والمصطلحيات وهي التي تتجلى في عدد كبير من أوجه يتصدرها الوجه التطبيقي العملي”.
بعدها قدم الدكتور موسى دريهم مداخلة تحت عنوان “قراءة في وضع الخطاب اللساني العربي: من زاوية مصطلحية (رؤية يوسف مقران) “
حيث بين فيها أنه يقصُد “هنا بوضع الخطاب اللساني العربي، كما طرحه ذ. مقران، واقعَ حاله (وضعيّته ومشكلاته)، وما يحتاج إليه من التّشخيص والتّوصيف ثم التّحليل والمعالجة والاستشراف؛ وكذلك نطلِق على تسمية (الوضع)، في ثنايا هذه المداخلة، ما يدلّ عليه في الاستخدامات التراثية حيث يشير إلى مفهوم ” توليد المصطلح واستحداثه ” ..
وقد بين الدكتور دريهم أنه بالنسبة للوضع بالمفهوم الأول انطلق ذ. مقران “من افتراضٍ مؤدّاه أنّ السّائِد في الثقافة العربية على وجه الخصوص، هو الخطاب اللِّساني الذي أخذ يتشكّل ويطفو بطفرة متزايِدةــ عبرَ مؤلَّفات (كتباً ومقالاتٍ وبحوثاً أكاديمية)، ولكن على حساب (علم) اللِّسانيات ..
هذا، بينما شرع مجال هذا الأخير ينحسر (عربيا) شيئا فشيئا، بالكاد قبل أن يشهد ما هو متوقَّع من أنّه، عقب قيامه (في الغرب) مُستَوِياً على أشُدِّه ” عِلماً واصفاً لأوضاع اللغة ” ثم بلغ حالة النضج وحظِي بشرف الانتشار (عالميا)؛ يكون قد صادف وضعه القانوني الخاص به رصداً لتطوراته واعترافاً بتصوراته وإقراراً بثوابته (الموضوعاتية والمنهجية والغائية)؛ مع ما يُتحفَّظ به عادةً من احتمال حلول متغيرات جراء انصراف نتائجه العلمية الغزيرة نحو مجالات تطبيقية متشعبة ومنبثقة من تطوراته ومتأصِّلة في أعماقه”.
فتحت رئيسة المركز بعدها باب النقاش أمام الحاضرين والمحاضرين المتدخلين، وفيما يخص ردود الأستاذ الدكتور يوسف مقران على الاستفسارات والأسئلة الموجهة إليه، فيمكن انتقاء مقتطف من الحوار الذي أجراه مع بعض المتدخلين بالرسائل القصيرة على الخصوص، وبالصوت أيضا، على غرار الدكتورة سليمة محفوظي التي وجهت سؤالها قائلة: “تحدثتم في كتابكم عن نظرية البوابات التي أشارت إليها ماريا تيريزا كابري في مقال لها، فماهو الجديد الذي قدمته هذه النظرية للمصطلحيات واللسانيات على حد سواء؟
بينما تساءلت الأستاذة الدكتورة فطومة لحمادي عن سبل إيجاد حلول للتخمة الاصطلاحية، وكذا الأستاذ عبد الرحمن حجو من المركز الجامعي مرسلي عبد الله، الذي وجه إليه تساؤلاً تمحور حول التعددية المصطلحية وسبُل حلحلتها، فكان إيضاح الأستاذ يوسف مقران كالآتي: علاوة على بعض الحلول التي عرضها في كتابه بعمق ومليّاً، ليس هناك أمثل من التنسيق الذي إذا تخلت عنه المؤسسات الوصية كالمجامع والمجالس والمكاتب اللغوية، فإن على الباحثين أن يفعِّله، أولا بوساطة التبصر والاستبصار قبل الاجتراء على وضع المقابلات من غير مراعاة المكاسب التراثية والآنية، وهو ما يمكن أن يدعى بالرصد المصطلي، ثانيا، عن طريق إعادة الاعتبار للقراءة الأفقية أي قراءة الباحثين لبعضهم، نادى الخبير بأهمية التحرز والتواضع والأمانة، التي هي سمات خلقية للباحث المنصف وما من شأنه أن يوقي شرّ التعددية أو التخمة المصطلحية كما جاء في رده عن تساؤل آخر من قِبَل إحدى المتدخلات، حيث أنكر على بعض المتطفِّلين كثرة ارتيادهم على التوليد المصطلحي لا لشيء سوى التباهي بالجدارة والأسبقية المزيفة، ومثل لهذا الوابل من المصطلحات أو التسميات المتدفِّقة بدون رقيب ولا حسيب، بما ورد في نص سؤال الأستاذ حجو عبد الرحمن وهو مصطلح (فونيم) الذي رأى ذ. مقران في قضية التعددية والتخمة التي طالته، سلاحاً ذا حدّيْن: فهي نِعمَة مادامت من شأنها أن تتيح فرصة التوغل في المفهوم من عتبة التسمية التي هي واجهة هامة، إذ حينما نأخذ بالمرادف المصطلحي (البديل) ألا وهو ” الوحدة الصوتية ” و” الوحدة الصوتية الوظيفية ” بل حتى ” الحرف ” كما ورد في بعض المدونات اللسانية، فإن ذلك من شأنه أن يُطلِع القارئ وكذا طالب العلم النبيه على كُنه الشيء أي مفهومه، ولاسيما إذا أخذنا بما يدعى السياق التعريفي أو التعريف السياقي (الذي يكون قد تمّت تَبيِئَتُه عربيا)، أما عندما نرجع إلى البعد التواصلي، وكذا التعليمي (المعرفي) ــ للمصطلح، فإن التعددية تستحيل إلى ضربٍ من النِّقمة المستشرية، ذلك أن الاحتكام إلى أكثر من وحدة دالة للإحالة على مدلول واحدٍ فحسب، يوقع في الإبهام وسوء التفاهم وقلة الفهم، إن لم نقُلْ عدم الفهم بالمطلق، وهو ما يعكِّر صفوَ الرسالة بامتياز وسلطان ومن غير هدى.
وكذلك اغتنم الأستاذ مقران هذه السانِحة لعرض آخر اجتهاداته في هذا المضمار، تعقيبا على بعض الأسئلة، حيث استرجع ما يسمّى بنظرية المصطلح التي كانت في صيغتها الأولى قائمة على ثلاثة عناصر، هي: التسمية والمفهوم والميدان، فأبى الباحث إلاّ أن يطوِّرها مفيداً من ترجماته عن الأعمال الغربية في الأساس وملتزما حدوده كناقل ومستجلب للمعرفة العالمة ومكيِّف لها تطبيقيا ونظريا أيضا، فاستكملها بالعناصر الآتية: التعريف والمرجع (المحال عليه)، والسياق اللغوي (سياق الحال).
وفي الختام جددت ذ. سرور شكرها للضيف المكرم ذ. يوسف مقران، على تعاونه العلمي مع المركز والمجلة وعلى أمانته ونزاهته العلمية اللافتة التي لامستها خلال عرضه لمؤلفه وحتى خلال الإجابة على أسئلة الحاضرين، من خلال حرصه على نسبة كل نظرية وكل فكرة لأصحابها مع اجتهاده على تطويرها وتكييفها مع السياق المعرفي العربي معتبرة ذلك من الصفات الحميدة التي لا بد أن يتصف بها الجيل الجديد من الباحثين، قائلة “ذ. يوسف مقران علم من أعلام الجزائر ومدرسة في المنهجية والتواضع العلمي نفتخر بانتسابه لأسرة المركز”.
كما شكرت ذ. سرور المحاضرين على مداخلاتهم القيمة التي أثرت الندوة والنقاش داعية الجميع لحضور الندوة الأسبوعية المقبلة لتكريم عضو أخر من أعضاء أسرة المجلة.