تعويض الأضرار البيئية وفق النظام العام للبيئة في المملكة العربية السعودية
الصادر عام 1422ه (دراسة تحليلية)
Compensation for environmental damage in accordance with the general environment regulations in the Kingdom of Saudi Arabia issued in 1422 H (Analytical Study)
د. عبدالعزيز فتحي العلواني، الأستاذ المساعد في كليات عنيزة
Dr.Abdulaziz Fathi Alalwani Assistant Professor at Unaizah Colleges
مقال منشور في مجلة جيل حقوق الانسان العدد 39 في الصفحة 11.
Abstract
The Compensation for Environmental Damages According to The General Law of Environment in The Kingdom of Saudi Arabia Issued in 1422 AH (Analytical Study).
As a result of the large industrial revolution in many areas, the rates of environmental pollution have increased, which by its nature leads to damaging the sheer environment, not to mention the damage caused by pollution to the organisms that mediate the environment. The rules of civil liability evolve with the development of business and the economy, and there is no doubt that environmental pollution is a result of this development, which calls us to demonstrate the proportionality of the rules of civil liability with the emerging damages. This is through restitution represented by restoring the situation to what it was before and stopping the polluting activities, or through monetary compensation where the rules of civil liability fell short of compensating fully for environmental damages, especially environmental sheer damages, which urged us to study the possibility of forcing companies involved in environmental activities to insure against the risks of environmental pollution in order to fully compensate those affected in the absence of the regulatory text regarding this. Accordingly, we discussed the role of compensation funds in compensating for environmental damage, which is either an alternative to compensate those affected, or complementary if the compensation was partial and incomplete, in the absence of the role of compensation funds. We also concluded that it is necessary to establish a compensation fund to compensate those affected, where the environmental practitioner has the option to either pay annual contributions to the fund’s account or to insure against environmental hazards.
Key Words: Environment – Environmental Pollution – Environmental Damage – Compensation – Compensation Funds.
الملخص:
نتيجة لقيام الثورة الصناعية الكبيرة في مجالات عدة أدت إلى ارتفاع نسب التلوث البيئي الذي يسبب بطبيعته إلى الإضرار بالبيئية المحضة، ناهيك عما يلحقه التلوث من أضرار بالكائنات الحية التي تتوسط المحيط البيئي، فقواعد المسؤولية المدنية تتطور بتطور الأعمال والاقتصاد، ومما لا شك فيه إن التلوث البيئي نتيجة لهذا التطور، مما يدعونا لبيان مدى تناسب قواعد المسؤولية المدنية مع الأضرار المستجدة؛ وذلك من خلال التعويض العيني المتمثل بإعادة الحال إلى ما كانت عليه ووقف الأنشطة الملوثة أو من خلال التعويض النقدي، حيث جاءت قواعد المسؤولية المدنية قاصرة في تعويض الأضرار البيئية بشكل كامل وخاصة الأضرار البيئية المحضة منها، مما حثنا في البحث عن إمكانية إجبار الشركات المزاولة للأنشطة البيئية بالتأمين من مخاطر التلوث البيئي؛ لتعويض المتضررين بشكل كامل وأمام غياب النص النظامي بخصوص ذلك، بحثنا في دور صناديق التعويض في التعويض عن الأضرار البيئية الذي إما أن يقوم بدور بديل لتعويض المتضررين، وإما أن يكون مكملاً إذا ما تم التعويض بشكل جزئي وغير كامل، وفي ظل غياب دور صناديق التعويض أيضاً توصلنا إلى أنه لا بد من إنشاء صندوق تعويض خاص بتعويض المتضررين حيث يكون لمزاول النشاط البيئي الخيار إما دفع اشتراكات سنوية أو يقوم بالتأمين من الأخطار البيئية.
الكلمات المفتاحية: البيئة – التلوث البيئي – الضرر البيئي – التعويض – صناديق التعويض.
تقديم:
إن التعويض عن الأضرار البيئية في التشريعات الوطنية يكمن في بيان مدى ملائمة قواعد المسؤولية المدنية عن هذه الأضرار، إنه نتيجة لغياب نصوص قانونية خاصة تعالج خصائص الضرر البيئي التي تختلف عن سائر الأضرار غير البيئية الأخرى، والاهتمام المتزايد بالبيئة على المستوى الوطني والدولي خاصة بعد الكوارث والأزمات التي برزت في الآونة الأخيرة والتي أدت إلى تلوث البيئة مما أعطانا الدافع في البحث عن سبل تعويض المتضررين وإصلاح البيئة. ونظراً لقصور قواعد المسؤولية المدنية في مجال التعويض عن الأضرار البيئية أو عدم ملاءمتها لمثل هذه الأضرار، فكان من الضروري البحث عن آليات أخرى تسهل عملية تعويض الضرر الحاصل كاملاً.
اشكالية البحث:
إشكالية البحث تتمثل في مدى إمكانية تعويض الأضرار البيئية كاملاً؟ وهل من الممكن في حال حدوث الضرر في المحيط البيئي إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل حدوث الفعل الضار؟ وفي حال كانت الإجابة على هذه التساؤلات لا يمكن ذلك، وهذا الأمر المتوقع نظراً لخصائص الأضرار البيئية، فهل سيكون كل من نظامي التأمين وصناديق التعويض ملائمين لخصائص الأضرار البيئية محل التعويض؟
الهدف من البحث:
بيان موقف النظام العام للبيئة السعودي وما يتصل به من أنظمة بشأن حماية البيئة في تعويض المتضررين من التلوث البيئي من خلال قواعد المسؤولية المدنية ونظام التأمين وصناديق التعويض.
خطة البحث:
المبحث الأول: ماهية الضرر البيئي:
المطلب الأول: مفهوم الضرر البيئي.
الفرع الأول: المقصود بالضرر البيئي.
الفرع الثاني: شروط وخصائص الضرر البيئي.
المطلب الثاني: صور الضرر البيئي.
الفرع الأول: الضرر البيئي الذي يصيب الإنسان.
الفرع الثاني: الضرر البيئي الذي يصيب المحيط الطبيعي.
المبحث الثاني: آليات التعويض عن الضرر البيئي:
المطلب الأول: التعويض العيني والتعويض النقدي للضرر البيئي.
الفرع الأول: التعويض العيني.
الفرع الثاني: التعويض النقدي.
المطلب الثاني: وسائل التغطية التعويضية للأضرار البيئية.
الفرع الأول: التأمين ضد مخاطر التلوث البيئي.
الفرع الثاني: صناديق التعويض البيئية.
المبحث الأول: ماهــيــة الضرر البيئي
تم تعريف البيئة في النظام العام للبيئة السعودي الصادر عام 1422هـ بأنها: ” كل ما يحيط بالإنسان من ماء وهواء ويابسة وفضاء خارجي، وكل ما تحتويه هذه الأوساط من جماد ونبات وحيوان وأشكال مختلفة من طاقة ونظم وعمليات طبيعية وأنشطة بشرية” ([1]).
ومن خلال هذا النص النظامي يتبين لنا أن هناك أنواع للأضرار البيئية فيمكن أن يكون هناك ضرر بيئي بري وبحري وجوي، وبالتالي هذه الأضرار ستصيب حتماً كل كائن يتوسط هذه البيئة من إنسان وحيوان ونبات وجماد.
إلا أن قبل الولوج في تفاصيل هذه الأضرار يجب أولاً بيان مفهوم الضرر البيئي بشكل عام وشروطه وخصائصه في مطلب أول، ثم بعد ذلك سنتكلم عن أنواع الضرر البيئي في مطلب ثاني.
المطلب الأول: مفهوم الضرر البيئي
سيتم في هذا المطلب بيان المقصود بالضرر البيئي في فرع أول؛ وبيان شروطه وخصائصه في فرع ثاني.
الفرع الأول: المقصود بالضرر البيئي
أولاً: التعريف الفقهي للضرر البيئي
يقصد بالضرر بشكل عام: “هو الأذى الذي يصيب الغير من جراء المساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة له، سواء كان ذلك الحق أو تلك المصلحة متعلقة بسلامة جسده أو عاطفته أو ماله أو حريته أو شرفه أو اعتباره أو غير ذلك” ([2]).
أو “هو المساس بحق أو بمصلحة مشروعة، وقد يكون ماديا يصيب الأشخاص والممتلكات، وقد يكون معنويا يصيب بالإيذاء الاعتبار والاحترام الأدبي والسمعة” ([3]).
أما الضرر البيئي: “هو الأذى الناجم عن مجموعة من الأنشطة الإنسانية التي تغير من صفات المحيط البيئي لمجموعة من الأشخاص بصورة مباشرة أو غير مباشرة، يعرضهم للإصابة في أجسامهم أو أموالهم أو عاطفتهم أو غير ذلك مما يلزم تعويضه، أو أن يلحق الأذى بكائنات أخرى حية وغير حية” ([4]).
وقد تم تعريف الضرر البيئي بأنه “الضرر الإيكولوجي الناتج عن الاعتداء على مجموعة من العناصر المكونة للبيئة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ويؤدي إلى المساس بحق من حقوق الإنسان أو بمصلحة مشروعة له” ([5]).
وعرف أيضاً بأنه: “الأذى الحال أو المستقبلي الذي ينال من أي عنصر من عناصر البيئة والمترتب على نشاط الإنسان الطبيعي أو المعنوي أو فعل الطبيعة والمتمثل في الإخلال بالتوازن البيئي، سواء كان صادراً من داخل البيئة الملوثة أو وارداً عليها” ([6]).
ثانياً: تعريف التشريع السعودي للضرر البيئي
بخصوص التعريف التشريعي قام المنظم السعودي بترك تحديد مفهوم الضرر البيئي للفقه والقضاء حيث اقتصر فقط بتحديد مفهوم مصطلح تلويث البيئة في الفقرة (12) من المادة الأولى من اللائحة التنفيذية للنظام العام للبيئة بأنها: “أي عمل أو تصرف مباشر أو غير مباشر من أي شخص ينجم عنه تلوث البيئة، سواء كان العمل بصفة متعمدة أو غير متعمدة أو نتيجة إهمال أو سوء تصرف بسبب الجهد أو لأي سبب كان”.
كما عرف تلوث البيئة في الفقرة (9) من المادة الأولى من ذات النظام بأنه: “وجود مادة أو أكثر من المواد أو العوامل بكميات أو صفات أو لمدة زمنية تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الأضرار بالصحة العامة أو بالأحياء أو الموارد الطبيعية أو الممتلكات، أو تؤثر سلباً على نوعية الحياة ورفاهية الإنسان”.
كما عرف تدهور البيئة في الفقرة (10) من المادة الأولى من ذات النظام بأنه: “التأثير السلبي على البيئة بما يغير من طبيعتها أو خصائصها العامة أو يؤدي إلى اختلال التوازن الطبيعي بين عناصرها، أو فقد الخصائص الجمالية أو البصرية لها”.
وقد صنف المنظم السعودي الضرر البيئي حسب القدرة على مكافحتها إلى صنفين، الأول: الحوادث البيئية وعرفها الفقرة 14 من المادة الأولى اللائحة التنفيذية بأنها: “الحوادث التي ينجم عنها تلوث أو تدهور للبيئة ويمكن للقدرات المحلية الوطنية مكافحتها والتحكم بها”.
والثاني: الكارثة البيئية وعرفها في الفقرة (11) من المادة الأولى بأنها: “الحادث الذي يترتب عليه ضرر بالبيئة وتحتاج مواجهته إلى إمكانات أكبر من تلك التي تتطلبها الحوادث العادية والقدرات المحلية”.
وعلى ذلك فإن كل فعل من شأنه المساس بالبيئة سيرتب عليه حتماً الأضرار بها، سواء كان هذا الفعل مباشر أو غير مباشر وسواء كان هذا الفعل متعمد أو غير متعمد ناتج عن إهمال أو سوء تصرف أو جهل.
وعلى ذلك الفعل الضار بالبيئة يكمن في الأثر السلبي أو الأذى الذي يلحق بالبيئة، أو بأي عنصر من عناصرها المختلفة نتيجة حدوث أي خلل في النظام البيئي، سواء كان الخلل ناجماً عن تلوث مثل انبعاث الملوثات من مداخن المصانع والمنشآت النفطية أو غير ذلك، أو من أي فعل آخر لا يعد في حقيقته تلوثاً مثل الضوضاء والروائح الكريهة المقززة ([7]).
وهذا ما أكد عليه المنظم السعودي عندما عرف تلوث الهواء في المادة الأولى الفقرة (28) من اللائحة التنفيذية للنظام العام للبيئة بأنه: “إضافة مواد أو عناصر في الجو أو الهواء بشكل يمكن أن يؤثر على نوعية الحياة وصحة ورفاهية الإنسان ويلحق الضرر بالموارد الحيوية والنظم البيئية”.
وعندما عرف تلوث المياه في الفقرة (31) من المادة الأولى بأنه “ادخال أي مواد أو طاقة في البيئة المائية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ينتج عنه ضرر بالموارد الحية أو غير الحية أو يهدد صحة الانسان أو يفسد الخواص الطبيعية للمياه أو يعيق الأنشطة المائية بما فيها الصيد والنشاط الترفيهي”.
وكذلك عندما عرف تلوث الأراضي في الفقرة 32 من المادة الأولى بأنه: “القيام بأي نشاط أو ادخال أي مواد بطرق مباشرة أو غير مباشرة في الأراضي والتربة بأنواعها المختلفة ينتج عنه ضرر بالخواص الفيزيائية أو الكيميائية أو البيولوجية أو بها جميعاً أو يهدد صحة الإنسان أو يعوق من الأنشطة الزراعية أو العمرانية”.
ومن خلال ما تقدم نجد أن المنظم السعودي عندما تحدث عن تلوث المياه والأراضي والهواء جاء بألفاظ عمومية غير محددة تاركاً تحديدها للجهات المختصة حسب كل نشاط بيئي يتم تنظيمه وذلك من خلال مقاييس ومعايير محددة موضوعة من قبل الجهة المختصة تتلاءم مع النشاط المراد القيام به في المستقبل، أو بمعنى آخر الحد الأقصى المسموح العمل من خلاله لتجنب تلوث البيئة.
وقد عرفت الفقرة 14 المادة الأولى النظام المقاييس البيئية بأنها “مقاييس الجودة ومقاييس المصدر”.
حيث عرفت المادة الأولى الفقرة 12 من النظام أيضاً مقاييس المصدر بأنه: “حدود أو نسب تركيز الملوثات من مصادر التلوث المختلفة والتي لا يسمح بصرف ما يتجاوزها إلى البيئة المحيطة، ويشمل ذلك تحديد تقنيات التحكم اللازمة للتمشي مع هذه الحدود”.
وعرفت الفقرة 13 من المادة الأولى أيضاً مقاييس الجودة البيئية بأنها: “حدود أو نسب تركيز الملوثات التي لا يسمح بتجاوزها في الهواء أو الماء أو اليابسة”.
وعرفت الفقرة 15 من المادة الأولى المعايير البيئية بأنها: “المواصفات والاشتراطات البيئية للتحكم في مصادر التلوث”.
وبناء على ما سبق بيانه يمكن تعريف الضرر البيئي حسب ما جاء من أحكام بالنظام العام للبيئة السعودي ولائحته التنفيذية بأنه: “الضرر الناتج عن الإخلال بالمعايير والمقاييس المحددة من قبل الجهات الادارية المختصة والتي يجب توافرها لممارسة نشاط بيئي معين مما ينتج عن تجاوزها تأثيرات سلبية على البيئة وما يحيط بها سواء كان هذا الإخلال بطريقة متعمدة أو غير متعمدة”.
الفرع الثاني: شروط وخصائص الضرر البيئي
يعد الضرر العنصر الأساسي والهام الذي تقوم عليه المسؤولية المدنية والذي بدونه لا تقوم ولا يمكن للمضرور الادعاء على المسؤول والمطالبة بالتعويض؛ لأن تلك المسؤولية تدور وجوداً وعدماً مع الضرر فلا مسؤولية بدون ضرر. وعلى ذلك سوف نتحدث في هذا المطلب عن الشروط الواجب توافرها في الضرر البيئي ثم نتحدث عن الخصائص التي يتسم بها هذا الضرر. وفق الآتي:
أولاً: الشروط الواجب توافرها في الضرر البيئي
من المسلم به إن الضرر القابل للتعويض لابد أن يتضمن جملة شروط، وقد ثارت هذه المسألة جدل فقهي حول تحديد ماهية هذه الشروط، فمنهم من اعتبرها شرطاً واحداً فقط وهو أن يكون الضرر محققاً. بينما ذهب رأي آخر إلى إضافة شرط ثاني للضرر الموجب للتعويض وهو أن يصيب الضرر مصلحة مالية مشروعة للمضرور. في حين اشترط فريق ثالث من الفقهاء بوجوب توافر ثلاثة شروط للضرر القابل للتعويض والمتمثلة بما يلي: أ. أن يكون الضرر محققاً. ب. أن يكون الضرر شخصياً للطالب. جـ. أن يصيب حقاً مكتسباً للضرر. أما الفريق الرابع من الفقهاء فنجد أنه اشترط خمسة شروط يستوجب أن يتضمنها الضرر بغية إمكانية تعويضه وهي: أ. أن يكون الضرر محققاً. ب. أن يصيب الضرر حقاً مكتسباً أو مصلحة مشروعة للمتضرر. ج. أن يكون الضرر مباشر. د. أن يكون الضرر شخصياً ماساً بالمدعي نفسه. هـ. ألا يكون الضرر قد سبق تعويضه ([8]).
وبالتالي لكي يكون الضرر البيئي موجباً للتعويض لا بد من أن تتوافر فيه شروط معينة، وهذه الشروط هي ([9]):
1-أن يكون الضرر البيئي محققاً أو مؤكد الوقوع مستقبلاً:
الضرر المحقق هو الضرر الذي وقع بالفعل ويسمى بالضرر الحال، أما الضرر الذي تحقق سببه وتراخت آثاره كلها أو بعضها إلى المستقبل متى كان سببه سيؤدي حتماً إلى تحققه. أي أن يكون هذا الضرر ثابتاً ومحقق الوقوع بما لا يدع مجالاً للشك في وقوعه ([10]).
فالضرر الحال أو المحقق لا يثير أي إشكالية في تعويضه لكونه وقع فعلاً، أما بخصوص الضرر المستقبلي يستحق التعويض أيضاً طالما كان من المؤكد وقوعه ([11]).
وهذا ما أكده المنظم السعودي بخصوص تعويض الضرر الحال والمستقبلي عندما نص في الفقرة (2-2) من المادة 11 من اللائحة التنفيذية للنظام العام للبيئة بأنه: “يلتزم كل شخص قام بعمل تسبب في حدوث تلوث بيئي وأضرار وتأثيرات سلبية على البيئة بأن يقوم باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإيقاف التلوث فوراً والعمل على إزالة التأثيرات السلبية ومعالجة آثارها وإعادة تأهيل البيئة المتضررة بالطريقة التي تحددها الجهة المختصة بعد التنسيق مع الجهة المعنية وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا النظام وخلال الفترة الزمنية المحددة والتعويض عن جميع الأضرار التي نتجت والتي سوف تنجم مستقبلاً عن هذا العمل …”.
أما بخصوص الضرر الاحتمالي فهو غير محقق الوقوع مستقبلاً وإنما قائم على وهم وافتراض قد يقع أو لا يقع، فهو احتمالي الوقوع ولا يعوض عنه إلا إذا وقع فعلاً أو أصبح وقوعه مؤكداً في المستقبل ([12]).
وتأكيداً على ذلك ذهب القضاء الإداري “ديوان المظالم” في الحكم الابتدائي رقم 21/د/إ/3 لعام 1428هـ لعدم التعويض عن الضرر الاحتمالي؛ حيث قضت فيه ” وأما عن طلب المدعية عن قيمة الخسائر التي نجمت عن توقف إيراد المؤسسة من المشروع على مدى تسعة أشهر … وحيث أن الأضرار المترتبة على توقف ايرادات المؤسسة غير حالة أو مباشرة حتى يمكن التعويض عنها وإنما أرباح متوقعة ومحتملة وما دام الضرر احتمالي وغير محقق الوقوع فلا يجوز التعويض عنه الأمر الذي معه الدائرة إلى رفض ذلك الطلب”([13]).
كما قضت المحكمة الإدارية أيضاً على عدم تعويض الضرر الاحتمالي عندما قضت في الحكم الابتدائي وأيدته محكمة الاستئناف رقم 101/د/تج/30 لعام 1432هـ “وبما أن الدائرة بتشكيلها السابق قد حكمت له بقيمة الأرز في فاتورة الشراء وقيمته وقت وصوله للمملكة هو في حقيقته مطالبة بالتعويض عن الربح الفائت أو المتوقع، والتعويض إنما يكون عن الضرر المادي الواقع فعلاً لا الضرر الاحتمالي وبما إن الربح الفائت يحتمل تحققه وعدم تحققه فأنه لا يستحق التعويض عنه” ([14]).
2-أن يكون الضرر البيئي مباشراً:
أن الضرر قد يكون مباشراً أو غير مباشراً، فالضرر المباشر هو الأذى الذي يكون نتيجة طبيعة متوقعة للفعل الضار الصادر عن نشاط محدثه، ولم يكن باستطاعة المضرور أن يتوقاه ببذل جهد معقول، ويجب أن يقع بالفعل حتى ولو تراخت آثاره إلى المستقبل لكونه مؤكد الحدوث ([15]). وهذا النوع من الضرر مستحق التعويض ولا خلاف على ذلك لوجود رابط مباشر بين الضرر والفعل محدث الضرر.
أما بالنسبة للضرر غير المباشر هو الضرر الذي لا يكون نتيجة طبيعة للفعل الضار الذي حدث، وبالتالي المدعى عليه ليس مسؤولاً عنه ولا يستوجب التعويض ([16])؛ حيث الاتجاه العام السائد في غالبية التشريعات ومنها المملكة العربية السعودية تقضي بوجوب التعويض عن الأضرار المباشرة دون الأضرار غير المباشرة. وذلك لانعدام الرابطة السببية بين فعل محدث الضرر والضرر الخاص الغير المباشر ([17]).
3-أن يكون الضرر البيئي قد أصاب حقاً مكتسباً أو مصلحة مشروعة للمضرور:
الحق المكتسب سواء كان هذا الحق مادياً أو معنوياً، كالحق في الحياة وسلامة الجسد والحق في العيش في بيئة خالية من التلوث. أو أن يصيب مصلحة مشروعة للمضرور سواء كانت هذه المصلحة مالية أو شخصية ويجب أن تكون غير مخالفة للنظام العام والآداب العامة ([18])؛ أي أن يمس الضرر البيئي حقاً مكتسباً مباشراً للإنسان أو مصلحة مشروعة حكماً ([19]).
4-أن يكون الضرر البيئي شخصياً (شرط المصلحة):
الأصل أن يطالب كل إنسان بحقوقه لا بحقوق غيره من المتضررين الذين كان الأولى بهم أن يطالبوا بحقوقهم عن الأضرار التي تصيبهم دون حاجة لقيام الغير بهذه المهمة، كالوكيل أو الخلف العام (الورثة) والذي بإمكانهم المطالبة بحقهم الذي أصبح جزءاً من التركة التي ورثوها من مورثهم المتوفى الذي وقع عليه الضرر، بالإضافة إلى مطالبتهم بالضرر الذي أصابهم شخصياً بالتبعية نتيجة وفاة الشخص الذي كان يعولهم فيحق لهم المطالبة بالتعويض بأسمائهم الشخصية عن الأضرار التي أصابتهم ([20]).
لكن قد يحدث أن يصيب هذا الضرر شخصا آخر بضرر محقق، فيسمى هنا بالضرر المرتد، وهو الضرر الذي أصاب أشخاص آخرون نتيجة إصابة شخص آخر بضرر أصلي، ارتد أو انعكس وأصاب الغير بضرر شخصي بالتبعية. ويتسم هذا النوع من الضرر بوجود علاقة السببية بين الفعل الضار والضرر الناتج عنه، على الرغم من كون هذه العلاقة قد تتكون من حلقات متعددة متسلسلة إلا أن ذلك لا يمنع من قيام السببية المباشرة، ويعد هذا الضرر المرتد ضرراً مباشراً شخصياً موجب للتعويض ([21]).
5-ألا يكون الضرر البيئي قد سبق تعويضه:
ويقصد بذلك أن الضرر يتم التعويض عنه مرة واحدة فإذا ما تم تعويض المضرور فلا يحق له المطالبة به مرة أخرى؛ وذلك لأن الهدف من التعويض هو جبر الضرر الذي لحق بالمضرور وليس إثراء المتضرر على حساب مرتكب الضرر ([22]).
ثانياً: خصائص الضرر البيئي:
تتسم الأضرار البيئية بعدة خصائص تميزها عن غيرها من الأضرار الأخرى التي تقوم عليها المسؤولية المدنية عن الفعل الضار؛ وذلك بسبب خطورتها الشديدة وتأثيرها السلبي على الإنسان والحيوان والنبات والبيئة. وهذه الخصائص أو السمات هي:
1-تتسم الأضرار البيئية بأنها غير محددة، أي لا تعرف حدوداً جغرافية أو سياسية، وإنما تمثل مشكلة عالمية أكثر من كونها مشكلة محلية. الأمر الذي يترتب عليه صعوبة تحديد مصدر هذا الضرر وخاصة إذا اجتمعت عدة أسباب وعوامل في إحداث هذا الضرر البيئي ([23]). كما أن آثار هذه الأضرار قد تمتد وتلحق الضرر بالعديد من الدول مما يرتب نزاعاً دولياً لكون أحد أطراف النزاع أجنبياً، وبالتالي يصعب تحديد الجهة المختصة في نظر النزاع وتحديد القانون الواجب التطبيق عليه ([24]).
2-تتسم الأضرار البيئية بأنها غير مؤكدة أي أنها تتميز بالاحتمالية الدائمة، أي أن هناك فترة زمنية طويلة بين حدوث الفعل المسبب للضرر البيئي وبين وقوع الضرر نتيجة هذا الفعل، فهو لا يتحقق بشكل فوري أو يقع مرة واحدة وإنما قد يحتاج إلى فترة زمنية طويلة جداً قد تطول لسنوات لكي تظهر آثاره، كما هو الحال في التلوث الإشعاعي والكيماوي. الأمر الذي يترتب عليه صعوبة إثبات الضرر الموجب للتعويض ([25]).
3–وتتسم أضرار البيئة بأنها كبيرة وشديدة فهي قد تشمل أكثر من قطاع في آن واحد، والتي قد تحدث في بعض الأحيان كارثة بيئية كبيرة وخطرة. وهو ما نص عليه المنظم السعودي في نظام الحماية العام للبيئة، في المادة الأولى منه بتعريفه الكارثة البيئية بأنها: “الحادث الذي يترتب عليه ضرر بالبيئة وتحتاج مواجهته إلى إمكانات أكبر من تلك التي تتطلبها الحوادث العادية والقدرات المحلية”.
4-تتسم الأضرار البيئية بأنها غير مباشرة نتيجة لنشاط المسؤول في أغلب الأحوال، فهي اضرار منتشرة وغير مقيدة، كتلوث الهواء أو الماء بسبب انبعاثات ملوثة تصيب الهواء أو الماء بأضرار باعتبارها من العناصر الطبيعية للبيئة، الأمر الذي يترتب عليه انعكاس خطر ذلك على الإنسان والحيوان والنباتات وإصابتها بأضرار نتيجة ذلك التلوث ([26]).
5- تتسم الأضرار البيئية بأنها تختلف عن الأضرار الأخرى غير البيئية من حيث التعويض عنها بموجب المسؤولية المدنية والتي تتطلب إصلاح الضرر الحاصل عن طريق التعويض عنه، إما بطريق التعويض العيني وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر، أو بدفع تعويض مادي للمضرور من جراء هذا الضرر البيئي، ولكن في نطاق الأضرار البيئية قد يكون من الصعب بل من المستحيل اللجوء إلى التعويض العيني من أجل إصلاح الضرر وخصوصاً الضرر الذي يلحق البيئة ذاتها، كتلوث الهواء ببعض الانبعاثات الملوثة فإنه من المستحيل إعادة الجو خالياً نقياً من تلك الأضرار التي سببتها الانبعاثات الملوثة ([27]).
المطلب الثاني: صور الضرر البيئي
تتنوع وتتعدد صور الضرر البيئي فقد يصيب الإنسان في حق من حقوقه أو في مصلحة مشروعة، وقد يصيب المحيط الطبيعي كتلوث البيئة الجوية أو المائية أو البرية. وبناء عليه سنقسم هذا المطلب إلى فرعين نتحدث في الأول عن الضرر البيئي الذي يصيب الإنسان، وفي الثاني نتحدث عن الضرر البيئي الذي يصيب المحيط الطبيعي.
الفرع الأول: الضرر البيئي الذي يصيب الإنسان
إن من حق الإنسان العيش في بيئة نقية خالية من التلوث، فالتلوث قد يسبب له بعض الأضرار الخطيرة في جسده أو ماله أو قد تصيبه معنوياً، فالضرر إما أن يكون مادياً متمثلاً بالخسارة اللاحقة أو الكسب الفائت وغيرها من الأضرار المادية الأخرى، وإما أن يكون معنوياً متمثل في الألم النفسي والأحزان الناشئة عن الضرر الجسدي نتيجة المرض أو التشوه الخلقي أو الموت نتيجة لاستنشاق غازات سامه أو التعرض لمواد مشعة من مكان مجاور كأن يكون معملاً أو مطمر للنفايات. وعلى ذلك سوف نتحدث في هذا الفرع عن الأضرار الجسدية والمادية والمعنوية وفقا للآتي:
أولاً: الضرر البيئي الجسدي
يقصد بالضرر الجسدي الأذى الذي يصيب الانسان وهذا الأذى إما أن يقع على حق الإنسان في الحياة فيزهق الروح وتفارق البدن أو أن يقع على مبدأ التكامل الجسدي أو الحق في السلامة الجسمية ولا يزهق الروح([28]).
ويعتبر الضرر الجسدي من أكثر الأضرار البيئية انتشاراً، فالأضرار التي تنجم عن الأنشطة الضارة بالبيئة هي في غالبيتها أضرار تصيب الإنسان في جسمه، فتلحق به مرضاً أو تشوهاً، كمرض السرطان، أو فقدان القدرة على الإنجاب، وتشويه الأجنة الناجم عن تعرض الأم للمواد الملوثة، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى أن يتوفى المضرور من جراء استنشاقه لبعض الغازات أو تعرضه للإشعاعات المنبعثة من بيئة ملوثة. ويحظى الضرر الجسدي اليوم باهتمامٍ بالغ لم يكن يحظَ به في الماضي؛ ولعل السبب وراء ذلك يرجع اتساع حجم الأضرار الجسدية وتنوعها وتعقد أسبابها، فضلاً عن أن الإنسان لم يعد كما كان في السابق يستسلم لقدره، ويقف عند فكرة أن الضرر الجسدي هو قضاء الله وقدره، بل أصبح أكثر ادراكاً واقتناعاً بضرورة مساءلة المتسبب بالضرر وإلزامه بالتعويض عنه ([29]).
ويتخذ الضرر البيئي الجسدي عدة أشكال فقد يصاب الجار المضرور بمرض معين كمرض السرطان نتيجة استنشاق غازات سامة منبعثة من معمل أو منشأة نووية مجاورة له، أو إصابة الأطفال والأجنة بتشوهات خلقية نتيجة الضرر الذي أصابهم، أو فقدان القدرة على الإنجاب نتيجة لذلك. وقد يبلغ الضرر الجسدي حد موت الشخص فور استنشاق الغازات أو الاشعاعات المنبثقة من مكان مجاور، إلى غير ذلك من الأضرار التي من الممكن أن تصيب الأنسان في جسده والتي لا يمكن حصرها ([30]).
ثانياً: الضرر البيئي المادي
عرفته اتفاقية فيينا لعام 1963م الخاصة بالمسؤولية القانونية المدنية عن الضرر النووي، وبروتوكول تعديلها المبرم عام 1997م بأنه: “الخسائر في الأرواح أو أي ضرر شخصي أو خسارة في الممتلكات أو ضرر يلحق بها، ويكون ناشئاً أو ناتجاً عن الخواص الإشعاعية أو عن اجتماع الخواص الاشعاعية والسامة والمتفجرة أو أية خواص خطيرة متعلقة بالنواتج أو الفضلات المشعة أو المواد النووية الناتجة منه أو المرسلة إلى أي منشأة نووية” ([31]).
وقد تم تعريف الضرر المالي أو الاقتصادي أيضاً هو الإخلال بالمصلحة المالية للمتضرر فيصيب الشخص في حق من حقوقه المالية أو يمس مصلحة ذات قيمة مالية ويؤدي إلى إنقاص ذمة ذلك الشخص المالية ([32]).
فكل ضرر أو إتلاف يصيب أموال الغير من جراء الفعل الضار يعتبر من الأضرار المادية واجبة التعويض، ومثاله الضرر الذي يلحق بصاحب مزرعة نتيجة الغازات السامة والأدخنة المتصاعدة من مصنع مجاور، أدت إلى إتلاف المحاصيل الزراعية، أو موت الحيوانات الموجودة في المزرعة، كما يعتبر من قبيل الأضرار المادية الضرر الذي يؤدي إلى تفويت فرصة صاحب عقار مجاور لمصنع من الانتفاع بعقاره على النحو الذي يريد بسبب الغازات والأدخنة المنبعثة من هذا المصنع، فمثل هكذا ضرر، وإن كان لا يترتب عليه إتلاف مادي لمال الغير، فإنه يؤدي إلى نقصان قيمة العقار من حيث إمكانية بيعه أو تأجيره بالسعر المقبول ([33]).
والضرر المالي يتضمن عنصرين هما ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب، والذي من المتوقع أن يحققه المضرور فيما لو لم يصب جسده بالضرر البيئي، كالأضرار الناشئة عن الإشعاعات النووية أو البيولوجية والتي تجعله عاجزاً عن العمل، أو تفويت فرصة الاستفادة من العقار وحرمان المتضرر من الانتفاع به نتيجة ما يحدث في الجوار من ضوضاء أو روائح كريهة أو اهتزازات ([34]).
ومن الجدير بالذكر أن القضاء السعودي لا يعوض على فوات الكسب؛ لأنه يعتبر ذلك ضرر احتمالي، فقد قضت المحكمة الإدارية على عدم تعويض الضرر الاحتمالي عندما قضت في الحكم الابتدائي وأيدته محكمة الاستئناف رقم 101/د/تج/30 لعام 1432هـ حيث جاء فيه: “وبما أن الدائرة بتشكيلها السابق قد حكمت له بقيمة الأرز في فاتورة الشراء وقيمته وقت وصوله للمملكة هو في حقيقته مطالبة بالتعويض عن الربح الفائت أو المتوقع، والتعويض إنما يكون عن الضرر المادي الواقع فعلاً لا الضرر الاحتمالي، وبما أن الربح الفائت يحتمل تحققه وعدم تحققه فإنه لا يستحق التعويض عنه ([35]).
ثالثاً: الضرر البيئي المعنوي
يقصد بالضرر المعنوي هو الضرر الذي لا يمس الذمة المالية للإنسان، وإنما يمس سمعته أو شرفه أو اعتباره أو مركزه الاجتماعي أو يؤذي شعوره أو عاطفته فيسبب له ألم نفسي ومعنوي ([36]). وأن الضرر المعنوي كالضرر المادي يصلح أساساً للتعويض. ولكي يكون الضرر المعنوي قابلاً للتعويض يجب أن تتوفر فيه الشروط نفسها الواجب توافرها في الضرر المادي المراد تعويضه.
ومن أمثلة الأضرار الأدبية في مجال الأنشطة البيئية، الألم والحزن الذي يصيب شخص نتيجة فقد عزيز عليه أصيب بمرض السرطان نتيجة تسرب مواد إشعاعية من مفاعل نووي أودت بحياته، أو الضرر الأدبي الذي يصيب المضرور نتيجة التشويه الذي أصابه في جسمه جراء تعرضه لمواد خطرة، فكل هذه الأضرار تدخل في مفهوم الضرر الأدبي الذي يشتمل على ضرر يمس القيم الأدبية للإنسان ([37]).
وعليه فإن الضرر البيئي المعنوي يتمثل في فقدان مباهج الحياة الطبيعية النقية والنقص في أسباب المتعة والراحة التي يمكن أن توفرها البيئة الخالية من التلوث، فضلا عن الآلام النفسية والأحزان الناشئة عن الضرر الجسدي كالمرض أو التشوه الخلقي الوراثي أو الموت نتيجة لاستنشاق غازات سامة أو التعرض لمواد مشعة من مكان مجاور أو معمل أو مكب للنفايات ([38]).
والجدير بالذكر أن القضاء في المملكة العربية السعودية يعوض عن الضرر المعنوي استقلالا عن الضرر المادي بعد أن كان المستقر عليه القضاء التعويض عن الضرر المعنوي متلازماً مع التعويض عن الضرر المادي، حيث قضت المحكمة الإدارية في الحكم الابتدائي رقم 110/إ/1/7 لعام 1435 والمؤيد من محكمة الاستئناف وجاء فيه ” ولما كان المدعي يطلب تعويضه عن الضرر المعنوي أو النفسي الذي لحقه بسبب خطأ جهة الإدارة فإن الدائرة تأخذ في الاعتبار ما سبق ايراده وتطمئن إلى تعويضه بمبلغ خمسة آلاف ريال ورفض ما زاد عن ذلك” ([39]).
الفرع الثاني: الضرر البيئي الذي يصيب المحيط الطبيعي
يقصد بهذا النوع من الضرر الأذى الذي يصيب المصادر الأولية للطبيعة كالهواء والماء والتربة ويتضرر منه الإنسان نتيجة توسطه المحيط البيئي الملوث. ويعد من أخطر أنواع الضرر البيئي، الضرر الذي يصيب البيئة ذاتها ذلك لأنه في الغالب غير قابل للإصلاح، فمصادر الطبيعة التي تدمر وتلوث بأي سبب كان لا يمكن إصلاحها وإعادة الحال إلى ما كانت عليه. وعلى ذلك سوف نتحدث عن الضرر البيئي الناتج عن تلوث البيئة الجوية والمائية والبرية، وفقا للآتي:
أولاً: الضرر البيئي الناتج عن تلوث البيئة الجوية
عرف المنظم السعودي الهواء في الفقرة 10 من المادة الأولى من اللائحة التنفيذية بأنه: “خليط الغازات المكونة له بخصائصها الطبيعية ونسبها المعروفة والمحددة في المقاييس البيئية المرفقة ضمن اللوائح التنفيذية للنظام”.
واستكمالاً لتحديده البيئة الجوية من خلال تعريفه للهواء عرف في الفقرة 28 من المادة الأولى من اللائحة التنفيذية تلوث الهواء بأنه: “إضافة مواد أو عناصر في الجو أو الهواء بشكل يمكن أن يؤثر على نوعية الحياة وصحة ورفاهية الإنسان ويلحق الضرر بالموارد الحيوية والنظم البيئية”.
فالأضرار المترتبة على تلوث البيئة الجوية ينحصر نطاقها في تلوث الهواء باعتبار أن الهواء يمثل شريان الحياة للإنسان وسائر الكائنات الحية وهو أساس الحياة، إذ إن تلوثه يعد من أخطر المشاكل البيئية ويسبب اضراراً في صحة الإنسان والكائنات الحية عموماً ([40]).
ومن أهم الأضرار المترتبة على تلوث البيئة الجوية نتيجة للتقدم الصناعي الحديث، استخدام كميات كبيرة جداً من البترول وما ينجم عن استخدامه في المصانع والمعامل والمركبات نتيجة انبعاث مخلفاتها في الهواء وما تحتويه على غازات خطيرة. نذكر من هذه الأضرار على سبيل المثال الإصابة بالأمراض الصدرية والحساسية أو السرطان نتيجة استنشاق هواء ملوث، وكذلك الأضرار بالكائنات الحية من نباتات وحيوانات نتيجة دخول عناصر جديدة للهواء مثل: ثاني أكسيد الكبريت والكلور والمبيدات الخطرة وغيرها من تلك العناصر الضارة ([41]).
ثانياً: الضرر البيئي الناتج عن تلويث البيئة المائية:
عرف المنظم السعودي المياه السطحية في الفقرة 29 من المادة الأولى من اللائحة التنفيذية بأنها: “جميع المياه التي على سطح الأرض مثل مياه البحار والاودية والسدود والعيون والينابيع”.
وقد تم تعريف المياه الجوفية في الفقرة 30 من ذات المادة بأنها: “هي المياه المختزنة في باطن الأرض”.
واستكمالاً لتحديده البيئة المائية عرف تلوث المياه في الفقرة 31 من ذات المادة بأنها “ادخال أي مواد أو طاقة في البيئة المائية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ينتج عنه ضرر بالموارد الحية أو غير الحية، أو يهدد صحة الإنسان أو يفسد الخواص الطبيعية للمياه أو يعيق الأنشطة المائية بما فيها الصيد والنشاط الترفيهي”.
وتبرز أهمية البيئة البحرية أو المائية بوصفها عنصراً من عناصر البيئة في كون البحار والمحيطات تغطي أكثر من 71% من مساحة الكرة الأرضية، وتعتبر طريقاً رئيسياً للطرق والمواصلات حيث يتم من خلالها نقل البضائع وعبور التجارة ونقل الأشخاص، وكذلك كونها مليئة بالثروات الطبيعية من أسماك ونباتات بحرية وموارد معدنية، وكونها أيضاً تسهم في تحقيق التوازن الحراري، ومصدراً للمياه العذبة. الأمر الذي يؤدي إلى تلوثها الإصابة بالعديد من الأضرار تضر بكافة الكائنات الحية كالإصابة بالأمراض، والأضرار بالمزروعات التي تعد المورد الطبيعي للغذاء ([42]).
ثالثاً: الضرر البيئي الناتج عن تلوث البيئة البرية
تم تحديد المقصود بالبيئة البرية بأنها: “الوسط الذي يعيش فيه الإنسان وتتأثر به حالته الصحية والنفسية وتستجيب له مشاعره ومزاجه”.
وهذه البيئة تتعرض شأنها شأن أي عنصر آخر في البيئة إلى نوعين من التأثيرات الضارة بها، الأول يتمثل بالتأثيرات الطبيعية، والثاني يتمثل بما يحدثه الأنسان فيها ([43]).
حيث عرف المنظم السعودي تلوث الأراضي في الفقرة 32 من المادة الأولى للائحة التنفيذية بأنها: “القيام بأي نشاط أو ادخال أي مواد بطرق مباشرة أو غير مباشرة في الأراضي والتربة بأنواعها المختلفة ينتج عنه ضرر بالخواص الفيزيائية أو الكيميائية أو البيولوجية أو بها جميعاً أو يهدد صحة الانسان أو يعوق من الأنشطة الزراعية أو العمرانية”.
ومن أهم مصادر تلوث البيئة البرية النفايات الصناعية الصلبة، مثل (النفايات المنزلية والصناعية والزراعية والطبية ومخلفات التشييد والبناء والمواد الكيماوية) حيث يسبب ذلك بانبعاث الروائح الكريهة وتضرر الجوار منها وكذلك يؤدي طمرها إلى تلوث المياه الجوفية. الأمر الذي يؤدي إلى الأضرار بالكائنات الحية (إنسان، نباتات، حيوانات)، وغيرها ([44]).
المبحث الثاني: آليات التعويض عن الضرر البيئي
بعد تحقق الضرر البيئي يقع على عاتق محدث الضرر الالتزام بإصلاح الضرر الحاصل، ويتم ذلك عن طريق دعوى المسؤولية المدنية المتمثلة بالتعويض العيني والتعويض النقدي للضرر البيئي، إلا أن مع تفاقم الأضرار البيئية لم تعد تلك طرق التعويض المنصوص عليها في المسؤولية المدنية كافية لتغطية كافة الأضرار لتعويض المتضررين، الأمر الذي أدى إلى التوسع في نظام التأمين على المسؤولية ضد أخطار التلوث البيئي، حيث يعتبر من أهم الوسائل التي بإمكانها تغطية مثل هذه الأضرار، إلا أنه لا يمكن أن يكون الحل الوحيد لمجابهة كافة الآثار الضارة، وخاصة أن شركات التأمين ستتحفظ على تأمين الأضرار البيئية لضخامة التعويضات الناتجة عنه؛ لذلك استكمالاً لدور التأمين فقد اتجه التفكير حديثاً إلى إنشاء صناديق تعويض خاصة لصالح المعرَّضين لخطر التلوث من أجل التخفيف من آثاره الضارة.
وعليه سوف نقوم بتقسيم هذا المبحث إلى مطلبين، نتحدث في الأول عن التعويض العيني والتعويض النقدي للضرر البيئي، وفي الثاني سنتحدث عن وسائل التغطية التعويضية للأضرار البيئية.
المطلب الأول: التعويض العيني والتعويض النقدي للضرر البيئي
إن تلوث البيئة ينتج عنها مخاطر عدة تلحق الضرر ليس بالإنسان فقط وإنما قد يصيب عناصر البيئة الطبيعية ذاتها (الماء، الهواء، التربة)، ويهدم أيضاً أنظمة البيئة الأيكولوجية والتي يمثلها عادة الجهات المعنية المانحة للتراخيص كوزارة البيئة والمياه والزراعة والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة والهيئة السعودية للحياة الفطرية ووزارة الطاقة وغيرها ([45])، الأمر الذي ينتج عنه ترتيب المسؤولية على الشخص محدث الضرر وإلزامه بالتعويض الناتج عنه وإزالة المخالفات التي تمت وإصلاح الضرر الحاصل، ويتم ذلك إما عن طريق التعويض العيني أو التعويض النقدي، وذلك وفقا للقواعد العامة للمسؤولية المدنية. حيث أقر النظام العام للبيئة السعودي مبدأ المسؤولية والتعويض عن الأضرار البيئية بموجب المادتين (17، 18) واللائحة التنفيذية منه كما سنرى لاحقاً.
حيث أن المنظم السعودي أخذ بمبدأ التعويض العيني، وذلك بإزالة الضرر وكل ما من شأنه أن يسبب تلوث للبيئة، وكذلك أخذ بمبدأ اعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر وذلك عندما نص على “إعادة تأهيل البيئة” في اللائحة التنفيذية للنظام العام للبيئة وكذلك أخذ بالتعويض النقدي عندما نص بأن يلتزم المسؤول بأي تعويضات قد تترتب عليها. كما أن المنظم السعودي أخذ بمبدأ المسؤولية والتعويض عن الضرر البيئي المحض (الإيكولوجي)، بأن التعويض يشمل كل ما يلحق بالبيئة ذاتها من أضرار.
وعلى ذلك سوف نقوم بتقسيم هذا المطلب إلى فرعين، نتحدث في الأول عن التعويض العيني للضرر البيئي، وفي الثاني نتحدث عن التعويض النقدي للضرر البيئي.
الفرع الأول: التعويض العيني للضرر البيئي
التعويض العيني يشكل نظام حماية بيئية تهدف إلى منع حدوث الأضرار وتقلل من حدتها، وهو أيضاً نظام إصلاحي للبيئة وذلك بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل حدوث الضرر وهو ما يتلاءم مع طبيعة الأضرار البيئية المحضة ([46]).
ويتخذ التعويض العيني في مجال الأنشطة البيئية شكلين، يتمثل الأول في إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر بالنسبة للغير أو المحيط البيئي الذي لحقه الضرر، والثاني: يتمثل في وقف الأنشطة الضارة المسببة للتلوث البيئي ومنع حدوثه في المستقبل ([47]). وعلى ذلك سوف نبين أشكال التعويض العيني في مجال الأضرار البيئية وفق الآتي:
أولاً: إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر
عبر المنظم السعودي على هذ الشكل من أشكال التعويض العيني باسم “إعادة تأهيل البيئة”. وقد أخذ المنظم بهذا التعويض العيني وذلك عندما نص في الفقرة (2-2) من المادة 11 من اللائحة التنفيذية “يلتزم كل شخص قام بعمل تسبب في حدوث تلوث بيئي وأضرار وتأثيرات سلبية على البيئة بأن يقوم باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإيقاف التلوث فوراً والعمل على إزالة التأثيرات السلبية ومعالجة آثارها وإعادة تأهيل البيئة المتضررة بالطريقة التي تحددها الجهة المختصة بعد التنسيق مع الجهة المعنية …”.
كما نصت اللائحة على هذا الشكل من التعويض أيضاً في الفقرة (1-3) من المادة 13 “إزالة كل صور التلوث من المياه السطحية أو الجوفية أو الساحلية الناجمة عن هذه الأنشطة وتحمل جميع التكاليف المترتبة من عملية منع ومراقبة والحد من التلوث وإعادة تأهيل البيئة الملوثة وتعويض المتضررين منها”.
وكذلك الأمر عندما نصت في الفقرة (2-4) من المادة 14 من اللائحة التنفيذية “… يتحمل المتسبب في حوادث التلوث هذه جميع التكاليف الناجمة عن عملية التحكم والمكافحة والمعالجة وإعادة تأهيل البيئة الملوثة والتعويض عن الأضرار الناجمة عن حوادث التلوث”.
وقد نصت أيضاً الفقرة (3-3) من المادة 14 من اللائحة التنفيذية “… وتحميل الجهات والأشخاص المتسببين في التلوث كافة التكاليف والخسائر الناجمة عن عمليات المراقبة والمكافحة والتحكم وإعادة تأهيل البيئة الملوثة”.
من خلال النصوص النظامية السابق ذكرها نجد أن المنظم السعودي أخذ بالتعويض العيني المتمثل بإعادة التوازن البيئي وإصلاحها، وهو الأمر الذي تقتضيه العدالة، فالضرر الناتج عن تلوث البيئة نتيجة هدم أنظمتها الأيكولوجية لا يصلحه إلا إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل حدوث الضرر، فهو يجد فاعليته في مجال إصلاح وجبر الأضرار التي تصيب الأشخاص والممتلكات، إلا أنه في مجال الأضرار البيئية المحضة فإنه لا يجد فاعليته الكافية في جبر الضرر وإصلاح البيئة، وذلك بسبب أن هذه الأضرار تصيب ملكاً مشتركاً لجميع أفراد المجتمع وغير مملوكاً لشخص معين، كما أنها تتميز بطابعها المستمر وتفاقمها في المستقبل ([48]).
حيث يواجه التعويض العيني عن الأضرار البيئية بإعادة الحال إلى ما كان عليه عدة صعوبات تتمثل في أن الأضرار التي تصيب الإنسان أو الممتلكات، وذلك بإزالة ومحو الآثار المترتبة على الأضرار البيئية باعتباره كأن لم يكن هو أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً فكيف يمكن إعادة الحياة لآلاف البشر ممن توفوا بسبب التلوث النووي أو بسبب استنشاق الغازات السامة، أو كيف يمكن إعادة من أصابه تلوث إشعاعي أو كيماوي إلى وضعه الصحي السابق؟ ([49]).
كما أن الأمر يزداد أكثر تعقيداً بالنسبة للأضرار التي تصيب المحيط البيئي (الأضرار الأيكولوجية) والتي تؤدي إلى هدم أو زوال عنصر طبيعي بشكل نهائي ولا يمكن استرداده، كما هو الحال عند هلاك بعض الحيوانات أو النباتات النادرة، بسبب التلوث الذي أصاب المحيط البيئي، حيث أن إعادة الحال لما كان عليه لا يمكن تطبيقه، فكيف يمكن تنقية الهواء أو الماء أو التربة بعد تلوثها؟ ([50]).
وبناء عليه فإن الضرر البيئي يكون مستقلاً بالشكل الذي يجعل التعويض العيني عنه أمراً مرفوضاً، حيث أن تكاليف تقديره يمكن أن تزيد عن التعويض وقيمة الأشياء المضرورة وفقاً لأسعار السوق.
ثانياً: وقف الأنشطة الضارة المسبب للتلوث البيئي ومنع حدوثه في المستقبل
يعد وقف الانشطة الضارة المسببة للتلوث أو التقليل من حدتها هو من أفضل الوسائل للتعويض عن الأضرار البيئية، فالجار الذي لحق به التلوث من حقه اللجوء إلى القضاء ليس فقط لتقرير مسؤولية المتسبب بالتلوث ومطالبته بالتعويض النقدي عما أصابه من ضرر، بل يمتد ذلك ليشمل المطالبة باتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة التي من شأنها منع حدوث الضرر مستقبلاً أو الحد منه إلى المستوى المقبول والمتسامح فيه؛ حيث يملك القاضي في ذلك سلطة تقديرية في فرض ما يراه مناسباً من إجراءات وتدابير واحتياطات وقائية في حق المسؤول المتسبب بالضرر البيئي وذلك لمنع حدوث التلوث مستقبلاً بشكل كلي أو جزئي أو إنقاصه إلى مستوى مقبول وفقاً لما يراه مناسباً بحسب كل حالة على حده ([51]).
هذا ما أكد عليه المنظم السعودي في النظام العام للبيئة عندما نص في الفقرة الأولى من المادة 17 على أنه: “1-عندما يتأكد للجهة المختصة أن أحد المقاييس أو المعايير البيئية قد أخل به فعليها بالتنسيق مع الجهات المعنية أن تلزم المتسبب بما يأتي:
أ-إزالة أي تأثيرات سلبية وإيقافها ومعالجة آثارها بما يتفق مع المقاييس والمعايير البيئية خلال مدة معينة.
ب-تقديم تقرير عن الخطوات التي قام بها لمنع تكرار حدوث أي مخالفات لتلك المقاييس والمعايير في المستقبل، على أن تحظى هذه الخطوات بموافقة الجهة المختصة”.
وهذا ما أكده أيضاً في الفقرة (2-2) من المادة 11 من اللائحة التنفيذية “يلتزم كل شخص قام بعمل تسبب في حدوث تلوث بيئي وأضرار وتأثيرات سلبية على البيئة بأن يقوم باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإيقاف التلوث فورا والعمل على إزالة التأثيرات السلبية ومعالجة آثارها وإعادة تأهيل البيئة المتضررة بالطريقة التي تحددها الجهة المختصة بعد التنسيق مع الجهة المعنية …”.
ففي قضية رفعت أمام ديوان المظالم طالب فيها المدعيان بأمر قضائي فوري يتضمن إلزام المدعى عليها بوقف طمر النفايات الخطرة الناتجة عن محطة تحلية المياه، وقد حكمت الدائرة بالتوقف حالاً عن طمر نفايات محطات تنقية المياه في الموقع محل الدعوى بناء على أن النفايات هي نفايات إشعاعية خطيرة ذات تأثيرات بالغة على التربة والبيئة البرية، وأن الموقع محل الدعوى يقع بالقرب من أحد الأودية، وأنه يشكل خطورة على الثروة المائية والنباتية، وإن قيام المدعى عليها بطمر النفايات في هذا الموقع يترتب عليه أضرار بالبيئة المحيطة بالموقع يمتد خطرها إلى صحة الإنسان والحيوان والنبات، وقد يتعذر تدارك هذا الضرر فيما بعد من جراء ما قد ينتج عن هذا الطمر من تشبع التربة بهذه الاشعاعات مما ترى معه الدائرة وجوب إلزام المدعى عليه بالتوقف حالاً عن طمر النفايات بالموقع ([52]).
وتكريساً لشكل التعويض العيني شدد المنظم السعودي العقوبة على المتسبب بالضرر البيئي جراء إخلاله بالمعايير والمقاييس الموضوعة من قبل الجهات المختصة حيث أجاز إغلاق المنشأة المتسببة بالضرر بصفة مؤقتة أو دائمة في حالة عدم تمكن المخالف للمقاييس والمعايير والإرشادات البيئية من وقف المخالفات أو الحد منها أو منعها مع إمكانية الاستعانة بأشخاص مؤهلين لإزالة المخالفة حسب الاشتراطات التي تضعها الجهات المختصة على أن يتحمل التكاليف الناجمة عن إزالة المخالفة.
فقد نصت المادة (18) على أنه: “1- مع مراعاة المادة (230) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموافق عليها بالمرسوم الملكي ذي الرقم (17/م) والتاريخ 11/9/1416هـ ومع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد تقررها أحكام الشريعة الإسلامية أو ينص عليها نظام آخر، يعاقب من يخالف أحكام المادة الرابعة عشرة من هذا النظام بالسجن لمدة تزيد على خمس سنوات أو بغرامة مالية لا تزيد على خمسمائة ألف ريال أو بهما معاً مع الحكم بالتعويضات المناسبة، وإلزام المخالف بإزالة المخالفة، ويجوز إغلاق المنشأة أو حجز السفينة لمدة لا تتجاوز تسعين يوماً ، وفي حالة العودة يعاقب المخالف بزيادة الحد الأقصى لعقوبة السجن على ألا يتجاوز ضعف المدة أو بزيادة الحد الأقصى للغرامة على ألا يتجاوز ضعف هذا الحد أو بهما معاً مع الحكم بالتعويضات المناسبة وإلزام المخالف بإزالة المخالفة، ويجوز إغلاق المنشأة بصفة مؤقتة أو دائمة أو حجز السفينة بصفة مؤقتة أو مصادرتها”. 2-مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها نظام آخر يعاقب من يخالف أي حكم من أحكام المواد الأخرى في هذا النظام بغرامة مالية لا تزيد على عشرة آلاف ريال، وإلزام المخالف بإزالة المخالفة، وفي حالة العود يعاقب المخالف بزيادة الحد الأقصى للغرامة على ألا يتجاوز ضعف هذا الحد وإلزامه بإزالة المخالفة، ويجوز إغلاق المنشأة لمدة لا تتجاوز تسعين يوماً”.
ونصت اللائحة التنفيذية فقرة (2-8) من المادة 18 “إذا تبين للجهة المختصة بأن المخالف للمقاييس والمعايير والإرشادات البيئية …لم يتمكن من وقف المخالفات أو الحد منها أو منعها فأنه يحق للجهة المختصة بالتنسيق مع الجهات المعنية اتخاذ الإجراءات المناسبة واللازمة وبالسرعة الممكنة لأغلاق المنشأة لمدة تحددها الجهة المختصة بالتنسيق مع الجهات المعنية…”.
وتنص الفقرة 3 من المادة 21 “إذا تبين للجهة أو اللجنة المختصة بأن المخالف لا يمتلك الإمكانيات الفنية لإزالة المخالفة فأن للجهة المختصة بعد التنسيق مع الجهات المعنية تكليف الجهات أو الأشخاص المؤهلين لإزالة المخالفة حسب الاشتراطات التي تضعها وحسب المدة المحددة على ان يتحمل المخالف جميع التكاليف الناجمة عن إزالة المخالفة”.
فقد أقرت لجنة النظر في المخالفات بالرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة إيقاع العقوبات على 47 منشأة مخالفة للاشتراطات والمقاييس والمعايير البيئية المنصوص عليها في النظام العام للبيئة ولائحته التنفيذية وقدر تراوحت بين الاغلاق وفرض غرامات مالية ([53]).
وحرصاً من المنظم السعودي في تفعيله لهذا الشكل من التعويض العيني وعلى أهميته في سبيل مكافحة التلوث البيئي أجاز للجنة المخالفات المشكلة من الوزير المختص في حال رأت أن المخالفة التي وقعت لها تأثيرات بيئية وصحية واجتماعية واقتصادية كبيرة، وإن عدم المبادرة إلى إزالتها حالاً ستظهر مضاعفات كبيرة أن تأمر بإزالة هذه المخالفة فوراً على نفقة المخالف دون انتظار قرار ديوان المظالم المختص في التظلم أو الدعوى الناتجة عن أي مخالفات بيئية.
حيث نصت الفقرة 1 من المادة 21 من اللائحة التنفيذية “إذا تبين للجنة المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 20 من النظام العام للبيئة بأن المخالفة البيئية التي وقعت ذات تأثير بيئية وصحية واجتماعية واقتصادية بيئية كبيرة، وإن عدم المبادرة إلى إزالتها في حينه سوف يؤدي إلى مضاعفة هذه التأثيرات فإنه يحق لها أن تأمر بإزالة هذه المخالفات فوراً وحسب الاشتراطات البيئية المناسبة وعلى نفقة المخالف، ودون انتظار قرار ديوان المظالم في التظلم أو الدعوى”.
الفرع الثاني: التعويض النقدي للضرر البيئي
بالنظر إلى طبيعة وخصوصية الضرر البيئي فإنه من الصعب إعادة الحال إلى ما كان عليه، وبالتالي لا سبيل أمام القاضي إلا اللجوء إلى التعويض النقدي، وهو نوع من التعويض بمقابل المعروف في القواعد العامة.
حيث التعويض النقدي هو مبلغ من النقود يدفع للمضرور بموجب حكم قضائي مقابل ما أصاب المضرور من ضرر، وهو يشمل التعويض عن الأضرار التي تلحق بالأفراد سواء كانت مادية أو جسدية، كما يمتد ليشمل التعويض عن الأضرار التي تصيب الأموال والممتلكات ([54]).
كما يشمل التعويض المالي عن الأضرار البيئية الحاصلة للموارد الطبيعية وهي المبالغ اللازمة لإصلاح ما أصاب البيئة من ضرر وتدمير وإتلاف وخسارة بسبب الاستعمال غير العقلاني بالإضافة إلى المصروفات اللازمة لتقدير هذه الأضرار ومصاريف تنفيذ الإجراءات اللازمة أيضاً لاستعادة وإحياء المصادر الطبيعية واستبدالها واكتساب مصادر أخرى مماثلة أو بديلة ([55]).
وهذا ما أكده المنظم السعودي في الفقرة 2 من المادة 21 في اللائحة التنفيذية “لا تعتبر التكاليف أو الخسائر التي يدفعها المخالف لإزالة المخالفة وبطلب من اللجنة المختصة ضمن الغرامات المترتبة عليه أو التعويضات جراء هذه المخالفة، ويحق للجهة المختصة التنسيق مع الجهات المعنية لتحديد التعويضات المناسبة نتيجة للخسائر البيئية والاقتصادية والصحية والاجتماعية الناجمة عن هذه المخالفة”.
أما بالنسبة للتعويض عن الأضرار التي تصيب المحيط البيئي بكافة عناصره (ماء، هواء، تربة) أي الأضرار البيئية المحضة هو الذي يثير الصعوبات إلى درجة قد يصل معها إلى حد الاستحالة. فكيف يمكن التعويض النقدي عن هلاك فصيلة من الحيوانات أو النباتات أو الأشجار أو الاسماك النادرة بسبب التلوث الحاصل في المحيط البيئي مما سبب نفوقها وهلاكها، فهذا الضرر يشكل صعوبة بالغة في تحديد الجهة المسؤولة التي يحق لها المطالبة بالتعويض وكذلك صعوبات تتعلق بعدم إمكانية تقدير القيمة السوقية للعناصر البيئية التي تضررت ([56]).
وسبب صعوبة تحديد الجهة المسؤولة للمطالبة عن التعويض عن الأضرار البيئية المحضة أن الأنظمة المعنية المنظمة لحماية البيئة لا تنضوي تحت مجموعة واحدة ولا تصدر لوائحها من جهة واحدة، فقد تصدر من وزارة البيئة والمياه والزراعة أو من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، أو من قبل الهيئة السعودية للحياة الفطرية أو من قبل وزارة الطاقة وغيرها من الجهات المعنية بإصدار التراخيص اللازمة لمزاولة الأنشطة البيئية.
وبالتالي الجهة المنوط بها ضبط الاعتداءات البيئية هي الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وكذلك قوة الحراسة في المناطق المحمية بحسب نوع الاعتداء محل الضبط، فإن كان الاعتداء مما يدخل ضمن اعتداء النظام العام للبيئة كان الاختصاص بضبطها من سلطة الهيئة العامة للأرصاد أو من تخوله الصلاحية في القيام بذلك من الأجهزة الأخرى، أما إن كان الاعتداء تدخل ضمن اعتداءات نظام المناطق المحمية للحياة الفطرية فإن الاختصاص بضبطها يكون من قبل قوة الحراسة أو كما في نظام المراعي والغابات تكون سلطة الضبط لأشخاص معينين بقرار من وزير البيئة والمياه والزراعة، وبحسب كل نظام من أنظمة حماية البيئة([57]).
نجد الوزارة المختصة بالنظام هم المسؤولون عن ضبط تِلْكَ المخالفات.
وهذه الأضرار تدخل في الحق العام التي يجب على ولاة الأمر أو نوابه المطالبة بالتعويض عليها، فإذا تعذر ذلك فأي أحد من الناس إقامتها، فقد ذكر الفقهاء أنه لو مال البناء إلى الطريق العام فيطالب بإزالته الإمام ومن يقوم مقامه وكذلك لكل واحد من الرعية مسلماً أو ذمياً المطالبة بذلك وذلك ينطبق على قضايا البيئة([58]).
لذلك التعويض عن الضرر البيئي المحض قد لا يكون تعويضاً كاملاً، نظراً لخصوصية النشاط وما يمكن أن يترتب عليه من تكاليف لا يمكن تحملها بسهولة، وقد كان ذلك سبباً في تبني التشريعات الداخلية والدولية في مجال المسؤولية عن الأضرار البيئية المحضة نظام المسؤولية المحدودة ونظام التعويض التلقائي.
أولاً: نظام المسؤولية المحدودة:
يقصد بنظام المسؤولية المحدودة هو أن يتم وضع حد أقصى للتعويض الذي يحكم به عند حدوث تلوث ناتج عن ذلك النشاط ([59]).
وهذا ما نص عليه المنظم السعودي في نظام المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية في المادة 21 منه ” يكون حد مبلغ المسؤولية لكل مشغل بما يعادل (300.000.000) ثلاثمائة مليون وحدة حقوق سحب خاصة لكل منشأة نووية واحدة عن الأضرار النووية الناتجة من حادثٍ نووي واحد”. وذلك اتساقاً مع المادة الخامسة لاتفاقية فيينا المتعلقة بالمسؤولية المدنية عن الأضرار النووية، حيث حددت الحد الأدنى بمبلغ 5 مليون دولار أمريكي مع ترك تحديد حد أقصى للتشريعات الداخلية للدول الأعضاء في الاتفاقية. إلا أننا لم نجد ما يثبت أخذ المملكة العربية السعودية بتحديد المسؤولية في النظام العام للبيئة بخصوص الأنشطة البيئية الأخرى.
وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الثالثة من اتفاقية بروكسل لعام 1969 المتعلقة بالمسؤولية عن أضرار التلوث بالبترول، والتي بدأت سريانها عام 1975، حيث حددت مسؤولية مالك السفينة بأن يلتزم بدفع ألفي فرنك عن كل طن من حمولة السفينة على أن تكون المسؤولية لا تتجاوز 210 ملايين فرنك”([60]).
بالرغم من أن هذا النظام قد لا يجبر كامل الضرر بالمقارنة مع الضرر الذي قد تسببه للكائنات الحية أو البيئة المحضة إلا أنه تم إقراره؛ والسبب في ذلك مما لا شك فيه الضرورة الاقتصادية للدول المقررة له حيث الاقتصاد كما نرى يؤثر بشكل مباشر على إقرار القواعد والأحكام النظامية التي لا بد أن تكون متوافقة مع استثمار الموارد الطبيعية الثمينة للدولة لتعطيها الشرعية اللازمة لمزاولة هذه الأنشطة.
ثانياً: نظام التعويض التلقائي:
هو نظام يهدف إلى تسهيل تعويض المضرور وضحايا التلوث، مع تأسيس هذا التعويض التلقائي على مبدأ الملوث الدافع ([61]).
والمقصود بمبدأ الملوث الدافع وجوب أن يتحمل الطرف الملوث للبيئة، كافة تكاليف التدابير الوقائية ومكافحة التلوث والوقاية من أضراره ([62]).
وأساس هذا المبدأ شرعاً هو قاعدة “الغرم بالغنم” فالمنشأة التي تمارس نشاط ملوث تغتنم من نشاطها وبالمقابل يتسبب بأضرار للغير وللمحيط البيئي كافة فإنه واستناداً لمقتضيات العدالة عليها أن تساهم المتضررين في نفقات الوقاية من التلوث عن طريق التعويضات التي تدفعها ([63]).
ففي الحوادث الضخمة يقوم الملوثين بتعويض المضرورين تلقائياً قبل البدء في أية إجراءات آملين أن يقوم تصرفهم هذا بتفادي إدانتهم مما يضع أنشطتهم موضع الاتهام وعدم المشروعية ([64]). إضافة لذلك هذا النظام يعود بالنفع أيضاً للمتضررين بأنه يجنبهم طول إجراءات التقاضي وبالتالي جبر الضرر سريعا مما يجنبهم تفاقم الضرر.
وعلى العكس من ذلك يرى البعض أن ما يعيب على هذا المبدأ أن العلاقة بين مبدأ التلوث الدافع بمبدأ المسؤولية لا تزال غير واضحة لا سيما فيما يتعلق بتحديد المسؤول عن دفع التعويض، حيث أن هذا المبدأ لا يشير إلى المسؤول بقدر ما يشير إلى الملوث، وهو بذلك يرتكز على عنصر الكفاءة للحد من التلوث والأضرار مهما كانت المسؤوليات ([65]).
وبالتالي اعتبار المبدأ كأساس للمسئولية يقتضي تحديد لهوية المسؤول وهو أمر صعب للغاية ذلك التلوث يحدث في أحيان كثيرة عن سلسلة من المتسببين فيؤدي إلى تداخل المسؤوليات، بالإضافة لذلك أن قضايا المسؤولية لا يقدمها إلا بطرح للنزاع أمام المحاكم لإثبات قيام المسؤولية والحكم بالتعويض من طرف القاضي المختص، في حين أن تطبيق مبدأ الملوث الدافع لا يوجب هذه المطالبة ([66]).
المطلب الثاني: وسائل التغطية التعويضية للأضرار البيئية
بناء على ما سبق بيانه فيما يخص التعويض عن الضرر البيئي بموجب المسؤولية المدنية تبين أنه قد لا يكون تعويضا ًكاملاً نظراً لخصوصية النشاط وما يمكن أن يترتب عنه من تكاليف لا يمكن تحملها بسهولة. الأمر الذي يدعوا إلى البحث عن أنظمة تعويض جماعية تأخذ على عاتقها التعويض عن الأضرار التي تصيب البيئة، كالتأمين، أو عند عدم كفاية هذه الأنظمة التأمينية لكون أغلب الأضرار البيئية غير قابلة للتغطية التأمينية إلا بصعوبة، أو لا يقبل المؤمنون تغطيتها إلا بشكل جزئي، كان لابد من البحث عن وسائل أخرى مكملة تمكنهم من مواجهة الجزء غير القابل للتغطية، كصناديق التعويض.
وعلى ذلك سوف نقوم بتقسيم هذا المطلب إلى فرعين، نتحدث في الأول عن التأمين ضد مخاطر التلوث البيئي، وفي الثاني نتحدث عن التعويض بواسطة صناديق الضمان أو التعويض.
الفرع الأول: التأمين ضد مخاطر التلوث البيئي
كما سبق وبينا أن التعويض عن الأضرار البيئية وفقاً للقواعد العامة في المسؤولية المدنية يتم عن طريق التعويض العيني أو التعويض النقدي، حيث أن هذه المسؤولية لا تحقق الفاعلية الكاملة وخاصة في مجال الأضرار البيئية المحضة (الإيكولوجية) فكان لا بد من وجود نظام تأمين يغطي هذه المسؤولية ليحقق الفاعلية الكاملة وضمان حماية المضرورين من أخطار التلوث البيئي. سيتم التعرض لذلك عبر الاتي:
أولاً: الموقف السائد من التأمين على مخاطر التلوث البيئي
إن المنظم السعودي أو الجهات المرخصة لمزاولة الأنشطة البيئية ما زالوا مخيرين في أن يأخذوا بنظام التأمين الاجباري أم بنظام التأمين الاختياري في ظل غياب النص على إجبارية التأمين، بالرغم مما يقدمه نظام التأمين الإجباري من مزايا تفوق بكثير التأمين الاختياري بالنسبة للمتضررين وعكسه بالنسبة للمنشئات فهو يضمن أولاً للمضرور تعويضه ويحميه من خطر إعسار المسؤول عن الضرر. كما أن هذا النظام يسهل دور القاضي في الحكم بإلزام المسؤول بتعويض المضرور وكذلك قبول تحديد مقدار هذا التعويض. نظراً لوجود شخص ميسور في ذمته المالية. أما إذا كان التأمين اختيارياً فإن الغالبية من الشركات ستفضل توفير المبالغ التي قد تدفعها لشركات التأمين الأمر الذي يهدد تطور أنظمة التأمين بالإضافة إلى قلة فرص تعويض المتضررين إذا ما كان الشخص المسؤول معسر في ذمته المالية ([67]).
وعلى ذلك فإن التأمين الإجباري يحقق العدالة بين المضرورين، فمن غير المقبول أن يكون هناك مضرورين من أضرار متماثلة ويعاملون معاملة مختلفة لمجرد أن أحدهم لديه “حظ” لكونه ضحية لمسؤول ميسور، فيجب ألا يتوقف تطبيق القانون على محض الصدفة، ولكن تبني نظام التأمين الإجباري هو الذي يتلافى مثل هذا الوضع محققاً في ذات الوقت العدالة بين المسؤولين أنفسهم ([68]).
حيث إن بقاء التأمين اختيارياً سيشجع الشركات الصغيرة والمتوسطة على عدم إبرام عقود تأمين، وهذه الشركات تمثل عدد لا بأس به، ويمكن أن يحدث أضراراً بالغة بالبيئة. وفي النهاية فإن بعض الصناعيين يرفضون نظام التأمين الإجباري خشية التحكم التعسفي من قبل شركات التأمين وبصفة خاصة فيما يتعلق بتجديد العقد ([69]).
بالإضافة لذلك فإن التأمين تحكمه أمور قانونية وأمور فنية، فبالنسبة للأمور القانونية حيث الخطر يعد المحور الرئيسي للتأمين فكل حادثة ممكن أن تشكل خطراً يجوز التأمين عليها وهذا متحقق في مزاولة الأنشطة البيئة بشكل عام، أما بخصوص الطابع الفني فإنه يظهر في تقدير القسط لمبلغ التأمين بما يتناسب مع الخطر المتوقع دون الخطر غير المتوقع بناءاً على دراسات إحصائية، وللوصول إلى هذه المرحلة فإن عملية التأمين تقوم على مجموعة من الأسس الفنية والتي من خلالها يكمن تعسف شركات التأمين لتأمين الأخطار البيئية وبالتالي إخراج بوليصة التأمين من الهدف المنشود منها ([70]).
ومجموعة الأسس الفنية التي يمكن من خلالها تقدير الأخطار وعلى أساسها يتم تقدير مبلغ التأمين هي([71]):
1-قيام المؤمن بتجميع عدد كبير من المخاطر وتجميع عدد كبير من المؤمن لهم ثم القيام بتحصيل أقساط التأمين منهم فيتحقق التعاون بينهم، ثم يوضع هذا التعاون موضوع التطبيق العملي وذلك بإجراء المقاصة بين المخاطر تمهيداً لتوزيع آثارها السيئة التي تصيب بعض المؤمن لهم على المجموع الكلي للمؤمن لهم.
ومما يعاب على هذا الأساس أنه لا يتم التأمين على المخاطر الحديثة التي تتميز بعدم انتشارها لأنه لا تسمح بتطبيق قانون الأعداد الكبيرة الذي يشترط لإعماله أن يجري على عدد كبير من الحالات، وخاصة أن طبيعة أخطار التلوث يصعب تجميعها في مجموعة واحدة، وهذا بالتالي يكل تأكيد لا يحقق رغبة المشروعات الملوثة.
2-معرفة فرص تحقق الأخطار وهذا يتم عن طريق الإحصاء، فكلما كانت الإحصاءات التي يجريها المؤمن دقيقة كلما كانت النتائج قريبة للحقيقة. إلا أن أخطار التلوث وإن كانت قابلة فنياً لحساب فرص تحققها إلا أن المشكلة في هذا الإطار تتمثل في وجود صعوبات متعلقة بالحدود الزمنية للتغطية التأمينية.
3-أن تكون الأخطار المؤمن عليها تقع موزعة أو متفرقة أي تصيب عدد محدد من المؤمن لهم وهذا لا يمكن تحققه في الأضرار البيئية المحضة.
ثانياً: معايير التأمين الإجباري من مخاطر التلوث البيئي
نتيجة لما سبق بيانه من الصعوبات التي تكتنف التأمين تم وضع معايير للأنشطة البيئية بشكل عام التي يجب عليها تقديم تأمين أم لا، فقد تم استثناء الأنشطة الذرية التي حددتها الاتفاقيات المعنية من حيث وجوب تقديم تأمين على سبيل الحصر وبصورة شاملة ([72])، وهذا ما أخذ به ونص عليه المنظم السعودي في نظام المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية الصادر في عام 1439 وذلك اتساقاً مع اتفاقية فيينا لعام 1963م الخاصة بالمسؤولية القانونية المدنية عن الضرر النووي، وبروتوكول تعديلها المبرم عام 1997م، حيث نصت المادة 23 منه “على كل مشغل -عند تقدمه للحصول على رخصة تشغيل منشأة نووية-أن يقدم ضماناً ماليًّا (سواء أكان تأميناً أم أي شكل آخر من الضمان) يغطي مسؤوليته عن الأضرار النووية، وذلك وفقاً لما تحدده اللائحة”.
إلا أن تحديد الأنشطة الأخرى المعتبرة خطرة بالنسبة للبيئة أمر صعب إن لم يكن مستحيل وضع معيار عام لتحديد الأنشطة التي تشكل الموضوع لعقد التأمين الإجباري نظراً للمخاطر التي يمكن أن تقدمها للبيئة. وفي هذا الصدد تم طرح عدة معايير بخصوص ذلك يمكن إجمالها بالآتي ([73]):
المعيار الأول: هو الرجوع إلى طبيعة وكمية المواد التي يتم حيازتها وإدارتها بواسطة المستغل للمنشأة محل النشاط.
المعيار الثاني: تسمية المنشآت التي من المفترض أنها تتولى ممارسة أنشطة خطرة تسبب الأضرار بالبيئة، فهذا المعيار يتولى تحديد الأنشطة الضارة بالبيئة والتي يلتزم أصحابها بالتأمين الإجباري عليها.
المعيار الثالث: يفضل ترك الأمر للسلطات الإدارية المختصة لتحديد المنشأة التي يجب إبرام عقد تأمين بشأنها كل حالة على حدة وتبعاً للظروف.
ومن هنا يظهر لنا أن المنظم السعودي اعتمد على هذا المعيار بخصوص فيما إذا كان التأمين إجبارياً أم اختيارياً لمزاولة الأنشطة البيئية. وهذا ما لم يوفق به المنظم السعودي في النظام العام للبيئة ولائحته التنفيذية عندما ترك تقديم تأمين من قبل المنشأة البيئية للسلطة التقديرية للجهة المرخصة لمزاولة الأنشطة البيئية بأنواعها في المملكة العربية السعودية، حيث كان الأجدى على المنظم السعودي النص في النظام ولائحته التنفيذية على إجبارية التأمين عندما يراد مزاولة أي نشاط بيئي يمكن أن ينتج عنه تلوث بيئي، بالرغم من أن في اللائحة التنفيذية للنظام العام للبيئة نظم كل نشاط بيئي ممكن أن يمارس في المملكة العربية السعودية ووضع له المعايير والمقاييس التي يجب أن تتقيد بها كل منشأة تريد مزاولة نشاط بيئي معين، إلا أننا لم نشهد في أي من متطلبات الأنشطة البيئية على مختلف أنواع الأنشطة أنه قد تتطلب تقديم تأمين قبل منحه الرخصة لمزاولة النشاط البيئي، حيث أن كل الوقائع التعويضية أثبتت أن التعويض عن الأضرار البيئية وخاصة المحضة منها غير كامل.
المعيار الرابع: يرى أن الأنشطة التي يجب خضوعها للتأمين الإجباري هي تلك التي تخضع لأحكام خاصة من الناحية التشريعية مع مراعاة أن تكون هذه التشريعات كافية ومرنة لتواجه التطور والتقدم المستمر في هذا الصدد وكل نتائجه. وهذا ما عمل عليه المنظم السعودي عندما نظم المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية عام 1439ه.
بعد عرض المعايير المطروحة لتحديد الأنشطة التي يجب خضوعها لنظام التأمين الإجباري يمكن إثارة السؤال الخاص بكيفية تحديد الشخص الملتزم بإبرام هذا التأمين. حيث يجدر الإشارة أولاً إلى أن الشخص الذي قد يصبح ملتزماً بإبرام عقد التأمين لا يشترط حتمَا أن يكون مسؤولا عن الأضرار الناتجة عن ممارسة الأنشطة المعنية. فإذا كان الشخص الذي يستفيد من ممارسة الأنشطة الضارة هو الأنسب عندما نبحث عن مسئول فليس بلازم تبني نفس المعيار لتحديد من يلتزم بإبرام عقد التأمين الإجباري. ولكن هذا لا يمنع أن نكون بصدد شخص واحد في العديد من الحالات. وفي النهاية عندما يصبح التأمين الإجباري مقبولاً، فإن تطبيقه يحتاج إلى رقابة لإمكان تحقيق الفعالية المنشودة.
ولتحقيق هذه الرقابة الفعالة يجب أن نميز بين نوعين: الأول: قبل ممارسة النشاط من قبل المنشأة المعنية، والثاني: أثناء ممارسة هذا النشاط.
1-الرقابة قبل استغلال المنشأة ([74]): هذا النوع من الرقابة لا يشكل صعوبات كثيرة حيث يسهل تطبيقه بالنسبة لكل المنشآت الخاضعة لنظام الترخيص الإداري المسبق. فيكفي في هذه الحالة أن يتضمن ملف طلب الترخيص شرط الالتزام بإبرام عقد التأمين سارياً من لحظة الموافقة على منح الترخيص. وهذا الشرط يكون غالباً صورة من شهادة توضع من قبل شركة التأمين ولكن للمؤمن الحق في اشتراط عدم مسئوليته عن الأخطار التي يمكن أن تتحقق قبل دخول العقد حيز التنفيذ أي قبل صدور الترخيص بالتشغيل.
2-الرقابة أثناء ممارسة النشاط: إذا أخذنا في اعتبارنا أن عقد التأمين من المسؤولية يكون في الأغلب الأعم لمدة عام واحد فإن الرقابة أثناء ممارسة النشاط يصبح أمر دقيق، خصوصاً وأن هذا النوع من العقود لا يتم تجديده بمجرد الرضاء الضمني. وبناء على ذلك فإن مشكلة تحديد نطاق عقد التأمين من حيث المدة يثير صعوبات عديدة خصوصاً لمعرفة الوقت الذي يمكن للمضرور المطالبة بمبلغ التعويض ([75]).
وفي هذا الصدد فإن محكمة النقض الفرنسية قد أرست في عام 1990 حكماً هاماً جداً مفاده بطلان كل شرط يوجد في وثيقة التأمين يقيد سريانها بضرورة مطالبة المضرور أثناء مدة الوثيقة وبشرط وقوع الفعل([76]).
بالإضافة إلى هذه الصعوبة فإنه قد نجد أثناء سريان العقد ظروف المنشئ أثناء المدة الجديدة حيث من شأنها أن تغير في الشروط الجوهرية للضمان، فمثل هذه الظروف من جهة أو عدم الوفاء بالقسط من جهة أخرى قد تؤدي إلى إلغاء العقد ([77]). أيضاً قد يتغير الشخص المؤمن عند التجديد وفي هذه الحالة لكي نضمن فاعلية الضمان وفي الوقت ذاته تبسيط الإجراءات فإنه من المفضل وضع الالتزام بهذا التغيير على عاتق المؤمن ذاته في مواجهة السلطات المختصة خصوصاً في حالات وقف أو إلغاء الضمان.
ولضمان فاعلية هذا النوع من التأمين يمكن جدولة الأقساط وفقاً لمعايير الوقاية التي تتبعها كل منشأة وذلك بهدف تحقيق أقصى حماية ممكنة للبيئة ([78]).
وعلى ذلك فإن تبني نظام التأمين الإجباري وفرضه على المنشآت الصناعية يحقق الحماية الفعالة للعناصر البيئية ذاتها، وذلك من خلال ما تفرضه شركات التأمين على المنشآت المسببة للتلوث بوجوب اتخاذ بعض الاحتياطات والتدابير اللازمة المتعلقة بنشاطها لتجنب وقوع الأضرار البيئية. وبذلك يكون التأمين الإجباري قد أسهم بشكل فعال في حماية البيئة من الأخطار الضارة والملوثة أو على الأقل الحد من تفاقمها ([79]).
ويرى البعض أن فكرة التأمين الإجباري من أكثر التطبيقات النموذجية للحد من أضرار التلوث البيئي وتغطية المسؤولية الناشئة عنها، وذلك لأن المسؤولية البيئية تتحقق فيها كافة شروط واعتبارات تطبيق التأمين الإجباري، وذلك لضخامة الأضرار التي لا يمكن تغطيتها فردياً ولا حتى جماعياً لذا يجب دخولها تحت المظلة التأمينية لتوفير التغطية الضرورية لمواجهة مخاطر هذه المسؤولية ([80]).
ونرى نحن أنه من الاجدى النص على إجبارية التأمين لمزاولة أي نشاط بيئي معتمدين في ذلك على نظام تحديد المسؤولية، وذلك على غرار ما نصت عليه اتفاقية فيينا الخاصة بالمسؤولية المدنية عن الأضرار النووية ونظام المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية السعودي بخصوص ذلك، وبالتالي لن تتحمل شركة التأمين تعويض أكثر مما سيتحمله محدث الضرر المحدد، وخاصة عندما يكون محدث الضرر معسراً.
والغرض من النص على ذلك أن شركات التأمين كثيراً ما ترفض الموافقة على تأمين المسؤولية عن الأضرار البيئية لعلمها بجسامة الأضرار التي يمكن أن يحدثه التلوث البيئي، فإذا ما حددنا هذه المسؤولية فبالإمكان أن تكون محفزة لشركات التأمين بالموافقة على تأمين هذه المسؤولية.
وبناء على ما سبق تم التفكير بتشكيل صناديق التعويض لتكملة التعويض أو لتتدخل احتياطيا كبديل لهذا التأمين. وهذا ما سوف نتعرض له فيما يلي.
الفرع الثاني: صناديق التعويض البيئية
ثبت لدينا أن التعويض وفقاً لقواعد المسؤولية المدنية هو التعويض العيني أو التعويض النقدي، ووفقاً لقواعد التأمين غير كافي لتغطية الأضرار البيئية بشكل عام وبوجه خاص المحضة منها، مما دعا إلى تدخل أنظمة أخرى لتقوية التعويض وتحقيق تغطية شاملة للمتضررين منها وهو نظام صناديق التعويض البيئية.
أولاً: التعريف بنظام صناديق التعويض
تعرف صناديق التعويض بأنها “كل نظام في هيئة أو نقابة أو جمعية من أفراد تربطهم مهنة أو عمل واحد أو أية صلة اجتماعية أخرى يتكون من غير رأس مال، ويمول باشتراكات أو خلافه بغرض أن يؤدي أو يرتب لأعضائه أو المستفيدين منه حقوق تأمينية في شكل تعويضات أو معاشات دورية أو مزايا مالية محددة” ([81]). تعرف أيضاً بأنها: “عبارة عن نظام يتولى عمليات تأمين ضد الأخطار التي لا تقبلها عادة شركات التأمين أو تلك التي ترى الحكومة مزاولتها بنفسها”([82]).
ويتبين من هذين التعريفين أن صناديق التعويض تأتي كمكمل لقواعد المسؤولية المدنية أو التأمين وليس ببديل عنها، فهذه الصناديق تتمتع بالصفة الاحتياطية لتدخلها عندما يكون نظامي المسؤولية المدنية والتأمين عاجزين عن تعويض عادل للمتضرر.
والجدير بالذكر أن صناديق التعويض تتمتع بكيان قانوني ذات شخصية اعتبارية، حيث تظهر في قيام مشروع تعاوني ذي شخصية معنوية لتعويض كل مضرور عن تلوث البيئة، وقد أفاض هذا المشروع في شكل معني مع تحديد مصادر تمويله وكيفية الاكتتاب فيه ([83]).
هذا الوضع يسمح لها باستعمال التخصيصات المالية الممنوحة لها من قبل الدولة والاسهامات المالية الأخرى الواردة لها من الأشخاص العامة أو الخاصة، لذلك يجب أن تتوفر شروط النشأة لهذه الشخصية الاعتبارية من خلال وجود شرط المصلحة الاجتماعية الذي تسعى إلى تحقيقه والذي يتطلب نشأتها لأنها من جهة أقدر على تحقيقه من الفرد العادي الطبيعي، ومن جهة أخرى أن الشخص المعنوي يتميز بالدوام والاستمرار عكس الأفراد الطبيعيين ([84]).
فتمويل صناديق التعويض يمكن أن يتم بطرق مختلفة، فبعضها يمول فقط من اشتراكات تحصل من المنشآت التي تسبب نوعاً خاصاً من التلوث، وتمارس نشاطاً في منطقة معينة، على أن يلاحظ أنه لا يعتبر كل من يمارس نشاطاً صناعياً أو تجارياً أو غيره ويسبب تلوثاً للبيئة مسؤولاً عن هذا التلوث وحده، ولكن أيضاً يكون مسؤولاً كل من يشارك في تمويل هذا النشاط، سواء بمواد وسيطة للإنتاج أو بخامات أولية، حيث تقسم المسؤولية بينهم، بقدر يتم تحديده بمعرفة علماء متخصصين في الرصد البيئي، فعن طريقهم يتم تحديد كمية الملوثات التي تنتج المواد الخام أو الوسيطة أو المواد النهائية، ويتم تحديد القسط بالنسبة لهذه المصانع بنسبة رأس مالها ويمكن أن تمول هذه الصناديق من مبالغ يساهم في دفعها كل من الصناعيين الملوثين، والحكومة، والإدارة المحلية، بل – وكما هو الحال في اليابان – من جمعيات أو اتحادات الأشخاص المعرضين لخطر التلوث ([85]).
حيث تعتبر صناديق التعويض نظاماً للتعويض يقوم على أساس ما يسمى بالضمان المالي الجماعي الذي تساهم فيه مخاطر التلوث البيئي لا سيما التلوث المفاجئ والكارثي والمزمن، وكذلك الأضرار البيئية الناجمة عن التلوث البترولي الذي تتسبب فيه ناقلات البترول، وعليه فإن نظام التعويض بتدخل صناديق التعويض لا يهتم بمدى اعتبار مدى هذا التسرب أو ضرر التلوث قانوني أو غير قانوني، عمدي أو غير عمدي، عادي أو جسيم، وإنما يكفي أن يكون هناك ضرر حتى يغطيه هذا الضمان، والأكثر من ذلك فإن من أهم مزايا هذه الصناديق هي أنها تسمح بتعويض الأضرار البيئية التي لا تقبل التأمين بشأنها كما هو الحال بالنسبة للأضرار البيئية المحضة التي تحتاج إلى مبالغ باهظة لإصلاح المواقع الطبيعية المضرورة بسبب هذا التلوث ([86]).
ثانياً: دور صناديق التعويض في التعويض عن الأضرار البيئية
إن الغرض الأساسي من إنشاء الصناديق البيئية هو محاولة لتوفير التعويض الكامل للأضرار البيئية بالإضافة إلى تعويض المتضرر من التلوث في الحالة التي لا يعوض فيها بوسيلة أخرى، كما تهدف هذه التقنية أيضاً لتوزيع المخاطر الصناعية على مجموع الممارسين للأنشطة المتسببة في التلوث، إلا أن تدخلها قد يكون بصفة تكميلية أو احتياطية لكل من نظامي المسؤولية المدنية والتأمين ([87]).
حيث تلعب صناديق التعويض دوراً تكميلياً في الحالات التي لا يعطي فيها تأمين المسؤولية قيمة التعويضات الجابرة للأضرار التي أصابت المضرور، وهذا يكون عندما تتجاوز قيمة الأضرار الناجمة عن النشاط الحد الأقصى لمبلغ التأمين المحدد في العقد. ففي هذه الحالة يكون تدخل الصناديق لدفع الباقي حتى يكون التعويض كاملاً بعدما تم دفع تعويض جزئي ([88]).
وباعتبار أن المسؤولية في مجال أضرار التلوث هي مسؤولية موضوعية يكون هناك حد أقصى لا يمكن تخطيه، فإن جميع الأضرار لا تصبح مغطاة إذا تجاوزت الحد الأقصى المسموح به، وإذا طبقنا هذا المبدأ نجد أن هذا المضرور سيتحمل هذا الجزء المتبقي والذي يتعدى الحد الأقصى المحدد وفقا لمبدأ عدم تحمل المسؤول ما يزيد عن الحد المعين. ومن هنا يتبني مدى أهمية اعتماد نظام الصناديق التي تؤدي إلى ضمان تعويض كامل للمضرور وتجنيبه تحمل جزء من الأضرار ([89]).
كما يمكن أن يكون لصناديق التعويض دوراً احتياطيا ًفي الحالات الذي يثبت فيها إعسار المسؤول أو الحالة التي لا يستطيع فيها المضرور تحديد الشخص المسؤول أو معرفته، وفي هذه الحالة يكون تدخل الصندوق ليحل محل المسؤولية المدنية ذاتها أي تعويض المضرور تعويضاً كاملا عن الأضرار التي أصابته، كما يمكن أن تتدخل احتياطياً في الحالات التي يتوافر فيه أحد أسباب الإعفاء من المسؤولية أو أحد أسباب استبعاد التأمين حيث يكون تدخلها احتياطياً لضمان حق المضرور في التعويض ([90]).
وعليه فإن مطالبة الصندوق لا تصبح مقبولة إلا في حالة إخفاق المتضرر من مطالبة المسؤول، هذا الإخفاق يكون في حالات إعسار المسؤول أو كونه غير مؤمن، أو عندما تتوافر إحدى حالات الإعفاء من المسؤولية، وبتوافر هذه الحالات يتعين على المتضرر اللجوء مباشرة إلى الصندوق ([91]).
ويختلف دور صناديق التعويض من دولة لأخرى، فقد يقتصر على تعويض المضرورين وقد يقتصر على تغطية مسؤولية الملوثين، وقد يجمع بين الدورين معاً، كما هو الحال مثلا في الصندوق الهولندي، وفي الولايات المتحدة يكون المضرور بالخيار، إما أن يرجع بالتعويض عما أصابه من ضرر مباشرة من الملوث المسؤول عندما يكون خاضعاً عندئذ لنظام الخطأ الواجب الإثبات أو أن يتجه إلى الصندوق ليحصل منه على تعويض لا يشترط للحصول عليه ثبوت خطأ الملوث؛ ليكون للصندوق أن يرجع على المتسببين في التلوث بما دفعه لهذا المضرور. أما الصندوق الياباني فوظيفته تغطية المسؤولية، إذ تكون المشروعات الصناعية الملوثة معفية من مسؤوليتها بمقدار المبلغ الذي دفعه الصندوق للمضرورين ([92]).
وإذا ما تعرضنا للواقع السعودي بخصوص ذلك نجد ان النظام العام للبيئة السعودي جاء خاليا من النص على إنشاء صناديق التعويض، بالإضافة إلى أنه تم إصدار قرار بتنظيم صندوق البيئة وفق قرار مجلس الوزراء رقم (416) وتاريخ 1440/7/19هـ، إلا أنه ليس سوى صندوق وقائي وحمائي وداعم ومحفز للأنشطة البيئية والاستثمارات المتعلقة بذلك لا ينص على تعويض المتضررين مستنداً بذلك على ما نصت عليه المادة الثالثة والرابعة منه.
حيث نصت المادة الثالثة منه على “يهدف الصندوق إلى الإسهام في تحقيق الاستراتيجية الوطنية للبيئة والاستدامة المالية للمراكز الوطنية لقطاعي البيئة والأرصاد، وتمكينها من مباشرة مهماتها ومسؤولياتها وفق الأنظمة ذات العلاقة وتنظيم كل مركز”.
كما نصت المادة الرابعة منه على “يكون للصندوق جميع الصلاحيات اللازمة لتحقيق أهدافه، وله في سبيل تحقيق ذلك الاختصاصات الآتية:
1-تمويل الميزانيات التشغيلية المعتمدة للمراكز الوطنية لقطاعي البيئة والأرصاد.
2-تحفيز خطط حماية البيئة في المملكة وأنشطتها ومبادراتها، والإسهام في تمويلها.
3-تحفيز قطاعي البيئة والأرصاد والدراسات والبحوث المتعلقة بها، والإسهام في تمويلها.
4-استثمار أمواله بما يحقق أهدافه وفقاً للأحكام المنظمة لذلك.
5-وضع الخطط وبرامج التمويل والتحفيز والاستثمار، وتنفيذها.
6-تشجيع الاستثمار في المجالات ذات العلاقة بقطاعي البيئة والأرصاد.
7-الاستعانة بالخبراء والمختصين والمستشارين وغيرهم من ذوي الكفايات المؤهلة والمطلوبة في المجالات ذات العلاقة بالصندوق.
8-قبول الهبات والتبرعات والمنح والوصايا والأوقاف بحسب القواعد المنظمة لذلك.
9-تقاضي المقابل المالي للخدمات التي يقدمها في سبيل ممارسة نشاطه.
10-أي اختصاص آخر ذي صلة بمهماته يقرها المجلس”.
وفي سياق متصل ما نصت عليه لائحة إجراءات حصر أضرار الكوارث والحالات الطارئة وتقدير وصرف المساعدات الحكومية للمتضررين منها الصادرة بقرار مجلس الدفاع المدني رقم 12/1/و/24/دف وتاريخ 15/5/1424ه، حيث نصت المادة الأولى: “المساعدات التي تقدمها الحكومة مقابل الأضرار نتج بسبب الاتي: …8-الكوارث والحالات الطارئة مثل (… أو تسربات وانتشار المواد الكيميائية أو البيولوجية أو الاشعاعية)”. إلا أن ذلك يعد مساعدات من قبل الدولة وليس تعويضاً صادراً من صندوق تعويض، هذا ما نصت عليه المادة الثالثة “تشكل لجنة تقدير أو أكثر من وزارتي الداخلية والمالية من ذوي الكفاءة والقدرة… على أن تراعى ما يلي: … 2-أن ما تقدره اللجنة من أضرار هو مساعدة من الدولة وليس تعويضاً…”.
وعلى ذلك نحث المنظم السعودي المبادرة إما بتعديل أهداف صندوق البيئة وإضافة بند تعويض المتضررين من الأنشطة البيئية أو بإضافة فصل بالنظام العام للبيئة ينص على تشكيل صندوق لتعويض المتضررين من الأنشطة البيئية ويحيل طريقة تمويله للطرق التي حددها في قرار تنظيم صندوق البيئة في المادة التاسعة، مع إضافة بند إلزام المنشآت المزاولة للأنشطة الملوثة للبيئية الغير مؤمنة بدفع اشتراكات سنوية لحساب الصندوق على أساس الحد الأدنى من التلوث الذي يسببه.
حيث تنص المادة التاسعة: “تتكون موارد الصندوق من المصادر الآتية:
1-ما تسهم به الدولة.
2 ـ العوائد من استثمارات موارد الصندوق.
3 ـ ما يقبله المجلس من هبات وتبرعات ومنح ووصايا وأوقاف.
4ـ الفائض المالي الذي تودعه المراكز الوطنية لقطاعي البيئة والأرصاد وفقاً لتنظيماتها.
5 ـ الموفورات المالية من اعتمادات الميزانيات السنوية المخصصة من الصندوق للمراكز الوطنية لقطاعي البيئة والأرصاد.
6 ـ المقابل المالي الذي يتقاضاه عن الخدمات والأعمال التي يقدمها، والمقابل المالي المحصل من المراكز الوطنية لقطاعي البيئة والأرصاد وفقاً لتنظيماتها.
7-أي مورد آخر يقره المجلس بما لا يخالف الأنظمة والتعليمات”.
الخاتمة
في بحثنا هذا الذي حاولنا من خلاله بيان مدى إمكانية تعويض المتضررين من الأنشطة البيئية الملوثة للبيئة في المملكة العربية السعودية وبيان طرق التعويض المعمول بها، وبذلك توصلنا للنتائج والتوصيات الآتية:
أولاً: النتائج
1-أوكل المنظم السعودي للجهات الإدارية المختصة بوضع مقاييس ومعايير للأنشطة البيئية التي يمكن مزاولتها في الداخل السعودي، حيث قرن تجاوز هذه المقاييس والمعايير بالتعويض عن الأضرار الناجمة عنه، وذلك من خلال المسؤولية المدنية الموضوعية القائمة على تحقق الضرر سواء كانت المنشأة ارتكبت خطأ أم لا.
2-كما أن المنظم السعودي قد نص على “أن التعويض عن الأضرار البيئية يشمل التعويض عن الضرر الحال والمستقبلي والمباشر بشرط توافر المصلحة المشروعة”.
3-أخذ المنظم السعودي بالتعويض العيني والنقدي بموجب المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية إلا أن طبيعة الأضرار البيئة الخاصة التي تختلف عن سائر الأضرار غير البيئية يجعل من الصعب بل من المستحيل اللجوء للتعويض العيني من أجل إصلاح الضرر وخاصة الأضرار البيئية المحضة؛ وبالتالي لا بد من اللجوء إلى التعويض النقدي عن هذه الأضرار، لذلك الضرر البيئي المحض لا يمكن أن يتم تعويضه كاملاً.
4-وجدنا أن المنظم السعودي اعتمد فقط على قواعد المسؤولية المدنية لتعويض الأضرار البيئية دون اللجوء إلى نظام التأمين الاجباري أو صناديق التعويض كأنظمة بديلة أو مكملة لتعويض هذه الأضرار. على الرغم من ثبوت أن التعويض عن الأضرار البيئية وخاصة المحضة منها لا يكون كاملاً بالغالب؛ وذلك لعدة معوقات منها ما يكون بحكم الطبيعية ومنها ما يكون خاص بشخص محدث الضرر.
6-ووجدنا أن المنظم السعودي جعل الأصل في التأمين اختيارياً إلا إذا طلبت الجهات المختصة التي تمنح الترخيص لمزاولة الأنشطة البيئية أن يكون التأمين إجبارياً وهذا مالم نجده في متطلبات مزاولة الأنشطة البيئية المذكورة في ملاحق اللائحة التنفيذية للنظام العام للبيئة.
7-وتبين لنا أخيراً أيضاً أنه على الرغم من أن المنظم السعودي قد أصدر قرار بتنظيم صندوق للبيئة إلا أنه لم ينص من ضمن أهدافه تعويض المتضررين من الأنشطة البيئية الملوثة.
ثانياً: التوصيات
1-نوصي الجهات المختصة المانحة لرخص مزاولة الأنشطة البيئية إضافة بند إلى قائمة متطلبات مزاولة النشاط البيئي ينص على إلزام المنشأة البيئية بتوفير تأمين قبل منح الرخصة مما يضمن تعويض المتضررين، وبالتالي نتجنب إعسار المنشأة إذا ما حدث ضرر وكان عاجزاً عن تعويض المتضررين.
2-نوصي المنظم السعودي استكمالاً للتوصية السابقة أن يضيف للأهداف المنصوص عليها بقرار تنظيم صندوق البيئة تعويض المتضررين بيئياً.
3-نوصي المنظم السعودي إلحاقاً بالتوصية رقم 2 أن يضيف مادة قانونية لقرار تنظيم صندوق البيئة يبين فيها الاشتراطات التي يستطيع المتضرر من خلالها اللجوء للحصول على التعويض من قبل الصندوق، ومن الاشتراطات التي يمكن أن تضاف إذا ما كان محدث الضرر معسراً، وإذا ما كان محدث الضرر غير معلوم.
4-كما نوصي المنظم السعودي بإعادة النظر في طرق تمويل صندوق البيئة وذلك بإضافة بند إلزام المنشآت المزاولة للأنشطة البيئية الغير مؤمنة ضد الاخطار البيئية بتقديم اشتراكات سنوية لحساب الصندوق.
5-نوصي بإلغاء آخر الفقرة الثامنة من المادة الأولى للائحة إجراءات حصر أضرار الكوارث والحالات الطارئة وتقدير وصرف المساعدات الحكومية للمتضررين منها (تسربات وانتشار المواد الكيميائية أو البيولوجية أو الاشعاعية)، وإحالة ما ينتج من أضرار عن هذه الحالات المسببة للتلوث البيئي إلى صندوق التعويض الخاص بالبيئة بعد استيفاء الاشتراطات الخاصة بذلك.
قائمة المراجع
أولاً: الكتب
1-أحمد خالد الناصر، المسؤولية المدنية عن أضرار تلوث البيئة البحرية، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 2010.
2-أحمد عبد الكريم سلامة، قانون حماية البيئة، دراسة تأصيلية في الأنظمة الوطنية والاتفاقية، ط1،1997.
3-اسماعيل أمحمد محمد عبدالحفيظ، فكرة الضرر في قانون البيئة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2018.
4-أمل نور الدين طاهر، خصوصية المسؤولية المدينة عن الأضرار البيئية للنفايات الخطرة، دراسة مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2018.
5-أنور سلطان، مصادر الالتزام في القانون المدني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2010.
6-خالد مصطفى فهمي، الجوانب القانونية لحماية البيئة من التلوث في ضوء التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية، ط1، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2011.
7-ره نج رسول حمد، المسؤولية المدنية عن تلوث البيئة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2016.
8-سعيد السيد قنديل، آليات تعويض الأضرار البيئية، دراسة في ضوء الأنظمة القانونية والاتفاقيات الدولية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2004.
9-عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الأول، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، تنقيح المستشار أحمد مدحت المراغي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2010.
10-عبدلله تركي حمد العيال الطائي، الضرر البيئي وتعويضه في المسؤولية المدنية، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2013.
11-محمد سعيد عبد الله الحميدي، المسؤولية المدنية الناشئة عن تلوث البيئة البحرية والطرق القانونية لحمايتها، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2008.
12-محمد قدري حسن، الحماية القانونية للبيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة، الآفاق المشرقة ناشرون، عمان، الأردن، 2013.
13-مصطفى أحمد أبو عمرو، التعويض عن أضرار التجارب النووية، دراسة مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2016.
14-نبيلة اسماعيل رسلان، التأمين ضد أخطار التلوث، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2007.
15-نواف كنعان، قانون حماية البيئة، شرح القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 بشأن حماية البيئة وتنميتها، الأفاق المشرقة ناشرون، عمان، 2016.
ثانياً: الرسائل العلمية
1-بن شريف زهير، دور صناديق التعويض في تغطية أضرار التلوث البيئي، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2015.
2-بوفلجة عبد الرحمن، المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية ودور التأمين، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة ابو بكر بلقايد، تلمسان، الجزائر، 2016.
3-خالد بن راشد بن ظافر الشمري، المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جرائم تلوث البيئة في النظام السعودي (دراسة مقارنة)، رسالة ماجستير، كلية العدالة الجنائية، قسم الشريعة والقانون، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2018.
4-رحموني محمد، آليات تعويض الأضرار البيئية في التشريع الجزائري، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، 2015.
5-عبير عبد الله احمد درباس، المسؤولية المدنية عن مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث البيئة في فلسطين، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة بيرزيت، فلسطين، 2014.
6-صغير مسعودة، مبدأ الملوث الدافع، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، 2017.
7-مدحت محمد محمود عبدالعال، المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية، رسالة دكتوراه، اكاديمية شرطة دبي، الأمارات العربية المتحدة، 2017.
8-نضال عطا بدوي الدويك، التعويض عن الأضرار المادية المستقبلية الناجمة عن الإصابات الجسدية، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الاوسط، الأردن، 2016.
9-وليد عايد عوض الرشيدي، المسؤولية المدنية الناشئة عن تلوث البيئة، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، الأردن، 2012.
ثالثاً: المجلات العلمية والدوريات
1-اسماعيل نامق حسين، تعويض الأضرار البيئية الناجمة عن عمليات استخراج النفط، دراسة مقارنة بين القانون الإماراتي والقانون العراقي، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، جامعة كركوك، العدد 10، المجلد 3، العراق، 2014.
2-أشرف محمد إسماعيل، التغطية التأمينية من مخاطر الأضرار البيئية “دراسة مقارنة”، بحث مقدم لمؤتمر البيئة والقانون المنعقد في جامعة طنطا، جمهورية مصر العربية، لعام 2018، ص 26-30.
3-باسم محمد فضل مدبولي، ومصطفى السيد دبوس، المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية، بحث مقدم إلى مؤتمر كلية الحقوق جامعة طنطا، جمهورية مصر العربية، في الفترة من 23-24 إبريل 2018.
4-عبد الله بن محمد بن سعد آل خنين، جهود القضاء السعودي في انماء الفقه البيئي دراسة تطبيقية من خلال عرض بعض القضايا البيئية، ورقة عمل لمؤتمر “دور القضاء في تطوير القانون البيئي في المنطقة العربية” معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية، دولة الكويت، بتاريخ 26-28/10/2002.
5-عبير العبيدي، المسؤولية الدولية عن الهواء الملوث العابر للحدود، بحث منشور في مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة، العدد 37، لبنان، يناير 2020.
6-قاسم بن مساعد الفالح، التلوث البيئي البري في النظام السعودي، بحث منشور في مجلة قضاء، الجمعية العلمية القضائية السعودية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد 7، المملكة العربية السعودية، اكتوبر 2016.
7-محمود فخر الدين عثمان، استقراء لمعالم الضرر البيئي، دراسة مقارنة معززة بالتطبيقات القضائية، مجلة جامعة كركوك للدراسات الإنسانية، جامعة كركوك، العراق، عدد1، المجلد 3، 2008.
8-هالة صلاح الحديثي، تعويض الأضرار البيئية التي يسببها شخص غير معلوم، مجلة رسالة الحقوق، كلية القانون، جامعة كربلاء، المجلد 1 الإصدار 11، العراق، 2019.
رابعاً: القوانين والاتفاقيات الدولية
1-نظام المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية السعودي الصادر بالمرسوم ملكي رقم (م/81) وتاريخ 25/7/1439ه.
2-لائحة إجراءات حصر أضرار الكوارث والحالات الطارئة وتقدير وصرف المساعدات الحكومية للمتضررين منها الصادرة بقرار مجلس الدفاع المدني رقم 12/1/و/24/دف وتاريخ 15/5/1424ه.
3-النظام العام للبيئة السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/34 في 28/7/1422هـ.
4-اتفاقية بروكسل لعام 1971 الخاصة بإنشاء صندوق دولي لتعويض أضرار التلوث بالبترول والتي بدأت سريانها عام 1978.
5-اتفاقية بروكسل لعام 1969 المتعلقة بالمسؤولية عن اضرار التلوث بالبترول والتي بدأت سريانها عام 1975.
6-اتفاقية فيينا لعام 1963م الخاصة بالمسؤولية القانونية المدنية عن الضرر النووي، وبروتوكول تعديلها المبرم عام 1997م.
([1]) ينظر المادة الأولى فقرة 8-من النظام العام للبيئة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/34 في 28/7/1422هـ المبني على قرار مجلس الوزراء رقم: (193) وتاريخ: 7/7/1422هـ.
([2]) عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الأول, نظرية الالتزام بوجه عام, مصادر الالتزام, تنقيح المستشار أحمد مدحت المراغي, منشأة المعارف, الإسكندرية, 2010، ص832.
([3]) محمد قدري حسن، الحماية القانونية للبيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة، الآفاق المشرقة ناشرون، عمان، الأردن، 2013، ص324.
([4]) أحمد خالد الناصر، المسؤولية المدنية عن أضرار تلوث البيئة البحرية، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 2010، ص60؛ محمود فخر الدين عثمان، استقراء لمعالم الضرر البيئي، دراسة مقارنة معززة بالتطبيقات القضائية، مجلة جامعة كركوك للدراسات الإنسانية، عدد1، المجلد3، جامعة كركوك، العراق، 2008، ص233.
([5]) اسماعيل أمحمد محمد عبدالحفيظ، فكرة الضرر في قانون البيئة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2018، ص36.
([6]) عبدالله تركي حمد العيال الطائي، الضرر البيئي وتعويضه في المسؤولية المدنية، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2013، ص31.
([7]) وليد عايد عوض الرشيدي، المسؤولية المدنية الناشئة عن تلوث البيئة، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، الأردن، 2012، ص29.
([8]) هالة صلاح الحديثي، تعويض الأضرار البيئية التي يسببها شخص غير معلوم، مجلة رسالة الحقوق، كلية القانون، جامعة كربلاء، المجلد 1 الإصدار 11، 2019.
([9]) هالة صلاح الحديثي، مرجع سابق.
([10]) باسم محمد فضل مدبولي، ومصطفى السيد دبوس، المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية، بحث مقدم إلى مؤتمر كلية الحقوق جامعة طنطا في الفترة من 23-24 إبريل 2018، ص10؛ نضال عطا بدوي الدويك، التعويض عن الأضرار المادية المستقبلية الناجمة عن الإصابات الجسدية، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الاوسط، الأردن، 2016، ص31.
([11]) أنور سلطان، مصادر الالتزام في القانون المدني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2010، ص330.
([12]) أحمد خالد الناصر، مرجع سابق، ص65.
([13])ينظر الحكم عبر موقع ديوان المظالم ، المدونات القضائية: https://www.bog.gov.sa/ScientificContent/JudicialBlogs/Pages/default.aspx
([14])ينظر الحكم عبر موقع ديوان المظالم ، مرحع سابق.
([15]) عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق، ص1033.
([16]) محمود فخر الدين عثمان، مرجع سابق، ص239؛ أحمد خالد الناصر، مرجع سابق، ص67.
([17]) هالة صلاح الحديثي، مرجع سابق.
([18]) باسم محمد فضل مدبولي، ومصطفى السيد دبوس، مرجع سابق، ص29.
([19]) اسماعيل أمحمد محمد عبدالحفيظ، مرجع سابق، ص37.
([20]) مصطفى أحمد أبو عمرو، التعويض عن أضرار التجارب النووية، دراسة مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2016، ص129 وما بعدها.
([21]) محمود فخر الدين عثمان، مرجع سابق، ص239.
([22]) عبدالله تركي حمد العيال الطائي، مرجع سابق، ص48.
([23]) اسماعيل أمحمد محمد عبدالحفيظ، مرجع سابق، ص43.
([24]) محمود فخر الدين عثمان، مرجع سابق، ص241.
([25]) باسم محمد فضل مدبولي، ومصطفى السيد دبوس، مرجع سابق، ص10، 11.
([26]) اسماعيل أمحمد محمد عبدالحفيظ، مرجع سابق، ص45.
([27]) اسماعيل نامق حسين، تعويض الأضرار البيئية الناجمة عن عمليات استخراج النفط، دراسة مقارنة بين القانون الإماراتي والقانون العراقي، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، جامعة كركوك، العدد 10، المجلد 3، العراق، 2014، ص7 وما بعدها.
([28]) نضال عطا بدوي الدويك، مرجع سابق، ص53.
([29]) عبير عبدالله أحمد درباس، المسؤولية المدنية عن مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث البيئة في فلسطين، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة بيرزيت، فلسطين، 2014، ص97 وما بعدها.
([30]) مصطفى أحمد أبو عمرو، مرجع سابق، ص46.
([31]) ينظر نص اتفاقية فينا وبرتوكول تعديلها لعام 1997، عبر الموقع التالي: https://www.iaea.org/sites/default/files/infcirc566_ar.pdf
([32]) ره نج رسول حمد، المسؤولية المدنية عن تلوث البيئة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2016، ص97.
([33]) ره نج رسول حمد، مرجع سابق، ص97.
([34]) عبدالله تركي حمد العيال الطائي، مرجع سابق، ص63.
([35])ينظر الحكم عبر موقع ديوان المظالم ، المدونات القضائية: https://www.bog.gov.sa/ScientificContent/JudicialBlogs/Pages/default.aspx
([36]) أمل نور الدين طاهر، خصوصية المسؤولية المدينة عن الأضرار البيئية للنفايات الخطرة، دراسة مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2018، ص41، 42.
([37]) عبير عبدالله احمد درباس، مرجع سابق، ص93 وما بعدها.
([38]) مصطفى أحمد أبو عمرو، مرجع سابق، ص48، 49.
([39]) ينظر الحكم عبر موقع ديوان المظالم ، المدونات القضائية: https://www.bog.gov.sa/ScientificContent/JudicialBlogs/Pages/default.aspx
([40]) عبدالله تركي حمد العيال الطائي، مرجع سابق، ص71.
([41]) لمزيد من التفاصيل حول تلك الأضرار راجع: اسماعيل أمحمد محمد عبدالحفيظ، مرجع سابق، ص56 وما بعدها.
([42]) اسماعيل أمحمد محمد عبدالحفيظ، مرجع سابق، ص60 وما بعدها؛ عبدالله تركي حمد العيال الطائي، مرجع سابق، ص85 وما بعدها.
([43]) عبدالله تركي حمد العيال الطائي، مرجع سابق، ص95 وما بعدها.
([44]) نواف كنعان، قانون حماية البيئة، شرح القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 بشأن حماية البيئة وتنميتها، الأفاق المشرقة ناشرون، عمان، 2016، ص237 وما بعدها.
([45]) البيئة الأيكولوجية، تمثل عناصر البيئة الغير مملوكة لأحد. ينظر في ذلك: بوفلجة عبد الرحمن، المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية ودور التأمين، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة ابو بكر بلقايد، تلمسان، الجزائر، 2016، ص131، ص154.
([46]) أمل نور الدين طاهر، مرجع سابق، ص153، 154.
([47]) مدحت محمد محمود عبدالعال، المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية، رسالة دكتوراه، اكاديمية شرطة دبي، الأمارات العربية المتحدة، 2017، ص133.
([48]) ره نج رسول حمد، مرجع سابق، ص180.
([49]) أمل نور الدين طاهر، مرجع سابق، ص163.
([50]) مدحت محمد محمود عبدالعال، مرجع سابق، ص143.
([51]) مدحت محمد محمود عبدالعال، مرجع سابق، ص145.
([52]) قاسم بن مساعد الفالح، التلوث البيئي البري في النظام السعودي، بحث منشور في مجلة قضاء، الجمعية العلمية القضائية السعودية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد 7، اكتوبر 2016، ص33-34.
([53]) قاسم بن مساعد الفالح، مرجع سابق، ص35.
([54]) عبدالله تركي حمد العيال الطائي، مرجع سابق، ص143.
([55]) بوفلجة عبدالرحمن، مرجع سابق، ص178.
([56]) ينظر في تفاصيل ذلك: عبدالله تركي حمد العيال الطائي، مرجع سابق، ص163 وما بعدها.
([57]) خالد بن راشد بن ظافر الشمري، المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جرائم تلوث البيئة في النظام السعودي (دراسة مقارنة) ، رسالة ماجستير، كلية العدالة الجنائية ، قسم الشريعة والقانون، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2018، ص 186.
([58]) عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين، جهود القضاء السعودي في انماء الفقه البيئي دراسة تطبيقية من خلال عرض بعض القضايا البيئية، ورقة عمل لمؤتمر “دور القضاء في تطوير القانون البيئي في المنطقة العربية” معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية 26-28/10/2002.
([59]) بوفلجة عبدالرحمن، مرجع سابق، ص 184.
([60]) أحمد عبدالكريم سلامة، قانون حماية البيئة، دراسة تأصيلية في الأنظمة الوطنية والاتفاقية، ط1 ،1997، ص 47.
([61]) بوفلجة عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 185.
([62]) عبير العبيدي، المسؤولية الدولية عن الهواء الملوث العابر للحدود، بحث منشور في مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة، العدد 37 يناير 2020، ص89.
([63]) عبير العبيدي، مرجع سابق، ص 89.
([64]) بوفلجة عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 185.
([65]) صغير مسعودة، مبدأ الملوث الدافع، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، 2017، ص25.
([66]) صغير مسعودة، مرجع سابق، ص25.
([67]) نبيلة اسماعيل رسلان، التأمين ضد أخطار التلوث، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2007، ص22 وما بعدها.
([68]) بوفلجة عبد الرحمن، مرجع سابق، ص266؛ خالد مصطفى فهمي، الجوانب القانونية لحماية البيئة من التلوث في ضوء التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية، ط1، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2011، ص545.
([69]) نبيلة اسماعيل رسلان، مرجع سابق، ص30 وما بعدها.
([70]) أشرف محمد إسماعيل، التغطية التأمينية من مخاطر الأضرار البيئية “دراسة مقارنة”، بحث مقدم لمؤتمر البيئة والقانون المنعقد في جامعة طنطا لعام 2018، ص 26-30.
([71]) أشرف محمد إسماعيل، مرجع سابق، ص 26-30.
([72]) مدحت محمد محمود عبدالعال، مرجع سابق، ص203 وما بعدها.
([73]) مدحت محمد محمود عبدالعال، مرجع سابق، ص203 وما بعدها.
([74]) مدحت محمد محمود عبدالعال، مرجع سابق، ص204.
([75]) سعيد السيد قنديل، آليات تعويض الأضرار البيئية، دراسة في ضوء الأنظمة القانونية والاتفاقيات الدولية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2004، ص102.
([76]) سعيد السيد قنديل، مرجع سابق، ص102.
([77]) أمل نور الدين طاهر، مرجع سابق، ص185.
([78]) محمد سعيد عبد الله الحميدي، المسؤولية المدنية الناشئة عن تلوث البيئة البحرية والطرق القانونية لحمايتها، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2008، ص610 وما بعدها.
([79]) سعيد السيد قنديل، مرجع سابق، ص100.
([80]) بوفلجة عبدالرحمن، مرجع سابق، ص267.
([81]) بن شريف زهير، دور صناديق التعويض في تغطية أضرار التلوث البيئي، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2015، ص10.
([82]) خالد مصطفى فهمي، مرجع سابق، ص553.
([83]) محمد سعيد عبدالله الحميدي، مرجع سابق، ص649.
([84]) بن شريف زهير، مرجع سابق، ص12.
([85]) رحموني محمد، آليات تعويض الأضرار البيئية في التشريع الجزائري، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، 2015، ص121.
([86]) بن شريف زهير، مرجع سابق، ص24.
([87]) أمل نور الدين طاهر، مرجع سابق، ص199.
([88]) بوفلجة عبد الرحمن، مرجع سابق، ص273.
([89]) سعيد السيد قنديل، مرجع سابق، ص107.
([90]) سعيد السيد قنديل، مرجع سابق، ص108.