يسعى هذا المقال إلى بيان الخلفية الفكرية التي تحكم المنظومة الفلسفية الإغريقية في مجال السياسة (خاصة مع أرسطو)، مع الإشارة إلى كون مبحث السياسة لا ينفصل البتة عن الأخلاق (الفلسفة العملية)، وفي لحظة ثانية سنفصل القول بخصوص أسس الحياة السياسية (العيش سياسيا)، وكذا جوهر الأنظمة السياسية المختلفة وخصائصها، مع تحديد مشكلة من هو المواطن عند أرسطو، ولإبراز ذلك سنقتصر على الكتب الثلاثة الأولى من مؤلف السياسة لأرسطو وبعض الأسفار المهتمة بهذا الموضوع.
كلمات مفتاحية: النظام السياسي/الطبيعة/المواطن/ الكوسموس…
Abstract:
This article seeks to illustrate the intellectual background that governs the Greek Philosophical system in the field of politics (especially with Aristotle), with reference to the controversial relationship between politics and morality (Practical Philosophy), and at a second moment, we will be separated from the basis of political life (living Politically) as well as the essence and characteristics of different political systems. In identifying the problem of who is the citizen for Aristotle, to highlight this, we will limit ourselves to the first three books of Aristotle’s author of politics and some of the books concerned with this topic.
key words: Political system- Nature- Citizen- Cosmos…
تقديم:
مما لاشك فيه أن جل المفاهيم والقضايا المتداولة اليوم في المجال السياسي نجد لها أصولا في الفلسفة الإغريقية لاسيما عند الفيلسوف الإسطاجيري أرسطو، في هذا الصدد، فقد اهتم المعلم الأول بتفسير نشأة الدولة-المدينة على ضوء تصوره للعلل الأربع(علة مادية/صورية/غائية/فاعلة)، لاسيما وأن العلة هنا هي جميع شروط واقعية شيء ما، بمعنى ما يضمن انتقاله من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، ولأن الاجتماع السياسي قبل الأزمنة الحديثة بني على فكرة الأساس الطبيعي، على اعتبار أن النظرية السياسية في الإبستيمي القديم امتداد لقوانين الطبيعة داخل الحياة الاجتماعية، فقد كان من الضروري أن نخوض في حيثيات هذا الاجتماع ومزاياه بحثا عن أفضل نظام سياسي يتيح تحقيق السعادة والاكتفاء الذاتي للمواطن. فبأي معنى يكون الإنسان حيوانا سياسيا بطبعه عند أرسطو؟ بصيغة أخرى، إلى أي حد يمكن القول إن الإنسان ليس بالعرض مواطنا وإنما هو كذلك بالجوهر(أي عبر ماهيته)؟
1- السياسة عند أرسطو، مبادئ موجهة:
يمكن أن نحدد للسياسة في كتاب أرسطو “السياسة” والذي يعتبره Rémi Brague النص المؤسس للسياسة الغربية([1]) معنيين: معنى واسعا بحيث تدل على من يعيش بالضرورة في مجتمع، ومعنى ضيقا، من لا يمكن أن تتفتح مداركه وأن تكتمل إنسانيته إلا داخل الدولة المدينة، والمعنيان معا مترابطين في نظر اليونانيين؛ فالمدينة (Polis) بحسبهم هي الإطار الذي يمكن للإنسان أن يقيم فيه علاقات دائمة مع أمثاله من الناس، وتقسيم العمل والتعاون الاجتماعي واللغة والصداقة (Philia) هي المقومات الأساسية لقيام فضاء إنساني لن يكون الإنسان خارجه إلا دابة عجماء، فالإنسان يدين للمدينة بأسمى ما فيه كإنسان (يحقق فيها ماهيته)، وبحسب بعض دارسي المتن الأرسطي بقدر ما أن الفلسفة تتكلم اليونانية، فالسياسة بدورها تتكلم اليونانية، على اعتبار أن جل مصطلحاتنا السياسية تنبثق منها (الأرستقراطية، الديمقراطية… وكلمة سياسة بحد ذاتها)، ولا يخفى أن الفلسفة والسياسة ظهرتا بالتوازي (أطروحة J.P.Vernant) فما أتاحه وجود Polis بالذات على سفح الممارسات السياسية التي تمارس، أتاحه وجود الفكر العقلاني على سفح الوعي المعكوس أي السياسة التي تتم دراستها([2]).
فلسفيا، السياسة هي شؤون Cité-polis أي اجتماع في إطار مؤسسات، على اعتبار أن عدم العيش في المدينة يعني بالنسبة للإغريق عدم العيش سياسيا، ولذلك يهتم النشاط السياسي بكل الأنشطة المتعلقة بالمشترك، ومعلوم أن السياسة كنظر وتأمل هي جزء من الفلسفة حددها أرسطو والمشائية عامة بالفلسفة العملية (إضافة إلى الأخلاق) التي تهتم بالتفكير في الحياة المشتركة للناس([3])….
كلمة تيورياTheoria في اليونانية تتضمن دالين أولهما “تيو” الذي يعني الإلهي، وثانيهما “أورايو” أي أرى (أرى الإلهي)، وبذلك فالروح الأصلية للعالم تكمن في التناسق والنظام(الكوسموس) الذي هو في آن معا قويم وجميل ([4])، وليس من شيء أفضل يقوم به الإنسان من بذل الجهد للتلاؤم مع النظام المتناسق والصحيح للكون. إن الفن والأخلاق والسياسة يجب أن تستقي مبادئها من التناغم الذي يضبط الكون بأكمله، يقول شيشرون “يجب على من يريد العيش بتوافق مع الطبيعة أن ينطلق من رؤية شمولية للعالم وللعناية الإلهية”، لذا فالطبيعة دائما حسبه هي بحق “أجمل الحكومات”([5]). بالنسبة للقدماء إذن فإنه لا دور أبدا لإرادة بشرية في تقرير ما هو جيد وما هو سيء… لأن المعيار الذي يسمح بالتمييز كان يصدر عن نظام طبيعي متفوق على البشر، جوهر الأمر كان أن يصل الإنسان عمليا وبشكل ملموس إلى الانسجام مع تناسق العالم لكي يجد فيه المكان الصحيح الذي يخصه، غايات الإنسان مقيمة في الطبيعة كما يقول جوناس الفيلسوف الألماني.
لا يفصل الفلاسفة في الإبستيمي القديم والوسطوي بين الأخلاق والسياسة، فلتحصيل السعادة (موضوع أخلاقي) لزم العيش في المدينة (إطار سياسي)، السعادة باعتبارها كمال الطبيعة البشرية لا تتحقق إلا في المدينة، مما يعني أن السياسة تمنح مبادئ ووسائل الفعل للأخلاق، لكن السياسة لا تنفصل عن الأخلاق لأن لها غاية أخلاقية وهي سعادة المواطنين (أولوية السياسة فيما يخص الوسائل، وأولوية الأخلاق فيما يخص الغايات). بصيغة أخرى، إن الروابط بين السياسة والأخلاق متعددة وذات اتجاه مزدوج، فالسياسة وفق ما يؤكد أرسطو في بداية “الأخلاق إلى نيقوماخوس” هي العلم الأسمى، ذلك أنه لا يمكن أن يحقق الإنسان طبيعته كإنسان إلا في الدولة المدينة وبواسطتها، كما أن للدولة المدينة غاية أخلاقية إلى درجة سامية كما أشار إلى ذلك المعلم الأول في كتابه السياسة. إضافة إلى ذلك، إن السلوك الفردي لا يمكن عموما أن يكون خيرا دون مساعدة قوانين الدولة التي تحدد القاعدة وتمتلك سلطة قسرية حين تغيب الفضيلة الفردية، والعكس بالعكس، يلزم مشرعون فاضلون لإعطاء الدولة قوانين جيدة([6])، تهدف الأخلاق إذن إلى الفعل بشكل جيد، أما السياسة فتروم أن يعيش الإنسان بصورة سعيدة. في نفس السياق تقريبا نجد Weil يعقد مقارنة دقيقة؛ فإذا كانت الأخلاق تهتم بالفعل المعقول الكوني للفرد، فإن السياسة تنصرف إلى الاهتمام بالفعل المعقول الكوني للنوع الإنساني([7])، على اعتبار أن الفلسفة تنظر إلى السياسة من حيث المبدأ الذي تقوم عليه السياسة، أي الفعل الذي يؤطر المصلحة العامة للجماعة، من دون أن يكون ضد منفعة الفرد الخاصة، مما يعني في نهاية الأمر أن كل تفكير فلسفي في السياسة، يجد أصله في التفكير الأخلاقي([8]). بيد أن الشخص أو الكائن الأخلاقي، لا يكتمل إلا إذا صار كائنا سياسيا، أي مواطنا.
بحسب ماجد فخري، يمكن تقسيم المواضيع التي يدور عليها كتاب السياسة لأرسطو إلى ثلاثة أقسام: الكتاب الأول يتبأر فيه الحديث حول علم تدبير المنزل، بينما الكتب (2،4،5،6،7،8) تقارب ماهية الدولة المثلى وما يليها من مراتب دنيا، أما الكتاب الثالث فيهتم بماهية الدولة والمواطنة وأقسام الدساتير أو أنظمة الحكم المختلفة([9]). أما فرانسيس وولف فيرى أن مؤلف السياسة لأرسطو هو مجموعة دراسات متنوعة تتمازج فيها الأنواع (علوم سياسية، تاريخ، اقتصاد، علم اجتماع…) كما أنه يتوزع بين مستويين: وصفي (الكتب 1،3،4) وتنظيري نقدي (2،5،7،8،6)، وفضلا عن ذلك فمسعى الكتاب يتوزع بين ما هو نظري مثالي (تفكير متمحور حول البحث عن أفضل نظام) في الكتاب 7و8 ووضعي واقعي عندما يقدم أرسطو نصائح للحاكم (الكتاب4)([10]).
ولا يبعد Jaeger w. عما قيل سابقا، فبحسبه، كتاب السياسة لأرسطو ألف على فترة طويلة من الزمان، إذ لا تسوده روح واحدة ولا اتجاه فكري ثابت، بل يغلب على بعض أجزائه النظرة المثالية والدعوة إلى الإصلاح، والبحث فيما ينبغي أن يكون، في حين يغلب على الأجزاء الأخرى النظرة الواقعية التحليلية التي تعتمد على استقراء الأحداث التاريخية والأسباب الاقتصادية التي تؤثر في سيرها. بعض أجزاء الكتاب (2،3،7،8)كتبها عقب وفاة أفلاطون وتأثر فيها بمحاورات السياسي والقوانين لأفلاطون، في حين أن الكتب 4 و5 و6 هي التي تدرس أنواع الحكومات الواقعية المختلفة والدساتير بعد أن تم له استقراء التاريخ، أما الكتاب الأول فهو آخر ما كتبه عن طبيعة المشكلة السياسية التي عني بها وهو بمثابة مقدمة البحث ككل([11]).
2- أسس الحياة السياسية عند أرسطو أو في نشأة الدولة المدينة
تعد السياسة في التقليد الفلسفي أرفع الاهتمامات التي يمكن للإنسان الحر أن ينشغل بها باعتبارها تتوافق مع طبيعة الإنسان، فالسياسي هو اكتمال الوجود الإنساني، بمعنى أن الانتماء إلى المدينة هو مصدر أو شرط اكتساب الإنسان لحقوقه. على عكس ذلك، وفي الأزمنة الحديثة لم تعد السياسة تفهم بحسب فكرة غائية الوجود الإنساني، بل صارت إنشاء بشريا واختيارا عقلانيا براغماتيا لتنظيم العلاقات الاجتماعية والمصالح الاقتصادية بين أفراد مختلفين في أهوائهم ورغباتهم وقدراتهم الطبيعية، لقد أصبحت السياسة من نظام الوسائل لا من نظام الغايات.
لتوضيح المقصود بأسس الحياة السياسية عند أرسطو ننطلق من نصين قصيرين له يقول فيهما:
“كل دولة هي بالبديهة اجتماع، وكل اجتماع لا يتألف إلا لخير ما دام الناس أيا كانوا لا يعملون أبدا شيئا إلا وهم يقصدون إلى ما يظهر لهم أنه خير، فبين إذا أن كل الاجتماعات ترمي إلى خير من نوع ما، وإن أهم الخيرات كلها يجب أن يكون موضوع أهم الاجتماعات ذلك الذي يشمل الآخر كلها، وهذا هو الذي يسمى بالضبط الدولة أو الاجتماع السياسي([12]).
“من الواضح أن المدينة ليست مجرد تجمع لتحاشي الأضرار المتبادلة ولتبادل الخدمات فهذه بطبيعة الحال شروط لازمة، ولكن ليست هذه هي المدينة فقط، فالمدينة تجمع من المساكن والأسر لتأمين حسن العيش، أي لتأمين حياة مثلى ومستقلة”([13]).
عروجا على هذين النصين، يشير أرسطو في مقاربته لموضوع نشأة المدينة إلى أنه سيتبع منهجا يقوم على رد المركب (المدينة) إلى عناصره غير القابلة للتجزيء بمعنى أصغر أجزاء المجموع([14]). وهي طريقة تحليلية (تحليل الدولة إلى أجزائها المكونة لها) استخدمها في أبحاثه البيولوجية، كما أنها تتبع نسق النمو التاريخي للكائن أو الظاهرة، فمن الأجزاء إلى الكل أو من أصل العلاقات الاجتماعية إلى غاياتها. بالإجمال إما تقسيم المركب حتى عناصره غير المركبة، أو تفحص نمو الحقائق انطلاقا من أصلها. وفي كل حالة، نجد لأرسطو قولا منطقيا مفصلا. في الحالة الأولى (تقسيم المركب حتى عناصره غير المركبة) نكون أمام منظور عضوي للدولة يقر بأسبقيتها المنطقية من حيث القيمة لأن الكل هو دائما فوق الجزء، وفي الحالة الثانية يتوقف أرسطو عند أصل الاجتماع البشري بحيث يبدأ من أبسط تجمع (الأسرة، العائلة، القرية) إلى أن يصل إلى أكمل اجتماع بشري وهو المدينة التي هي نهاية التجمعات السابقة.
بنظرنا يقوم النص الأول الذي أوردناه في البداية على مقدمات منطقية ثلاث:
الدولة المدينة هي نموذج من جماعة (اجتماع أو تجمع).
كل جماعة تتشكل بهدف خير ما.
بين كل الجماعات، تكون الدولة المدينة هي الأكثر سموا، وتلك التي تشمل كل الجماعات الأخرى (الخير الأعظم).
– الدولة- المدينة جماعة: الدولة المدينة نوع تحت جنس عام هو الجماعة لكنها تتميز بفروقات وملامح، الأول هو ما يكونها أي أجزاؤها المتمثلة في المنازل والأسر والقرى والأنساب أي مادة الجماعة(Composantes). الملمح الثاني للدولة المدينة يكمن في واقع أن لها دستورا أو نظاما (Politeia) وهو ما يعطي لها شكلا لمادتها. الدستور إذن هو العلة الصورية للمدينة([15]). على اعتبار أن ما يحدد شيئا في فلسفة أرسطو وما يضمن بقاءه ويشكل جوهره إنما هو شكله وصورته. الفرق الثالث وهو الأهم، ويكمن في أن للدولة غاية هي العيش الحسن والسعادة، أي أفضل حياة ممكنة، بمعنى الاكتفاء الذاتي. نحن إذن أمام ثلاث طرق لتحديد ماهية الدولة المدينة، بواسطة علتها المادية (جماعة منازل وقرى)، والصورية (جماعة سكان يعيشون في ظل نظام واحد)، ثم الغائية (جماعة تهدف إلى الخير الأعظم)، يبقى أن نتساءل، أين العلة الفاعلة؟ يرى فرنسيس وولف أنها حاضرة لكنها قليلة الأهمية، ذلك أن الدولة المدينة كائن طبيعي نمت انطلاقا من مادتها من دون أن يكون محرك ما أمرا لا غنى عنه من أجل هذا التوليد. ويشير أرسطو تلميحا إلى بعض الأبطال المؤسسين في نهاية الفصل الثاني من الكتاب الأول (مؤسس هنا بمعنى علة محركة تسمح للنزعة الطبيعية بأن تأخذ مجراها)([16]). وبالعودة إلى المبدأ النظري الذي يؤسس المنظومة الفلسفية الإغريقية (الكوسموس أو الطبيعة) نفهم بأن نشأة المجتمع أو المدينة لا تتدخل فيه إرادة الإنسان، ولا رغبته، لأنه ضرورة فرضتها الطبيعة عليه عندما أبقته ناقصا، وهذا ما يجعل من الحياة الاجتماعية استجابة لمقتضيات الطبيعة في الإنسان، فالناس يجتمعون لتأمين بقائهم وتلبية احتياجاتهم الطبيعية، والمدينة كجماعة هي الإطار الأمثل لسعادة الجميع، ويرى أرسطو بأنه يمكن أن توجد مجتمعات سياسية أكبر من المدن، ولكنه لم يعتبر مثل هذه المجتمعات طبيعية، إذا وجدت فإن وجودها من أجل تدعيم بعض العلاقات الاقتصادية. في هذا الصدد نبه بعض الباحثين(Jean-Pierre Vernant) إلى أننا ينبغي أن نفهم من قول أرسطو “الإنسان حيوان سياسي” نسبة إلى السياسي(المجال والفضاء وليس رجل السياسة) لا إلى السياسة([17]). ذلك أن الإغريق في نظره لم يبدعوا السياسة بقدر ما أبدعوا السياسي، فلأسباب تاريخية معقدة ابتداء من ق 7 ق م عرف الإغريق تجربة تاريخية واجتماعية متفردة بفضلها استطاعوا أن يجدوا مجالا تمارس فيه السلطة دون أن تمتلك، مجالا توضع فيه السلطة بعيدا عن الجميع أو على الأصح وسط الجميع وبينهم([18])، وليس معنى هذا أن الإغريق لم يعرفوا السياسة إلى جانب السياسي، إلا أن السياسة وكما سيتأكد فيما بعد ليست هي السياسي، السياسة تفترض وجود الدولة بمعنى سلطة يمكن لمن يتملكها أن يعمل على توسيع نفوذها وهكذا، بإجمال في السياسي يكون الإنسان في السلطة، أما في السياسة فهو يكون أمام السلطة، السياسي نسيج الحياة البشرية وهو لحمة المجتمع وسداه، أما السياسة فهي منطق الدولة ومنظمات وأحزاب وحنكة ودهاء، لذا قد يتخلى عنها المرء ويهجرها، لكنه لا يستطيع أن يتخلى أبدا عن السياسي([19]). في نفس السياق، يؤكد بعض الباحثين أن موضوع الفلسفة السياسية الكلاسيكية ليس المدينة- الدولة اليونانية، وإنما المدينة- الدولة بصفة عامة، وهذا يفترض أن المدينة-الدولة صورة خاصة من الدولة، بمعنى أن الدولة تضم المدينة- الدولة من بين صور أخرى من الدولة. ومع ذلك، فإن الفلسفة السياسية الكلاسيكية ينقصها مفهوم الدولة، فعندما يتحدث الناس اليوم عن الدولة، فإنهم يفهمون الدولة عادة في مقابل المجتمع، وهذا التمييز كان غريبا على الفلسفة السياسية الكلاسيكية، لأن مفهوم المدينة يسبق التمييز بين الدولة والمجتمع معا. إن المرادف الحديث للدولة على مستوى فهم المواطن هو الوطن، فعندما يقول شخص ما إن الوطن في خطر فإنه لا يقوم بالتمييز بين الدولة والمجتمع([20]).
– كل جماعة تهدف إلى خير ما: الخير هنا ليس بالمعنى الأخلاقي الضيق ولكن بمعنى الغاية، وسنبين تباعا غاية كل جماعة على حدة. في كتاب الأخلاق النيقوماخية يقول أرسطو: “بعد أن نطرح الغاية، نتفحص كيف وبأي وسائل سوف تتحقق في كل فن وكل بحث، وكذلك في كل فعل، وكل اختيار إنما ينزع نحو خير ما” (الكتاب الثالث، الفصل الخامس) كل ما يوجد يمكن تفسيره بما يوجد لأجله.
– الجماعة السياسية (المدينة) هي الجماعة الأسمى بين الجميع وتشكل كل الجماعات الأخرى، وهي كذلك بحكم أنها تسعى إلى الخير الأعظم (السعادة)، فهي الأسمى نوعيا من كل الجماعات الأخرى، بل تشملها جميعا، وهذا يؤدي لزوما إلى القول بأن ما هو أكبر من المدينة ليس جماعة في الحقيقة. يرى أرسطو أن الدولة المدينة ترمي إلى الغاية الأسمى للإنسان، وهذه أطروحة تتعارض مع منظور بعض السوفسطائيين (تراسيماخوس) الذين يتصورون أن الجماعة السياسية ليست غير خيار أسوأ متبق، مجرد ضمانة للبقاء الفردي، بل إنها ليست مجتمعا طبيعيا، بل وضعا خاضعا فقط للاتفاق والمواضعة. في نفس السياق ينكر أرسطو على سابقيه (أفلاطون) القائلين بأنه سيان أن يكون الإنسان رجل سياسة (حاكم) أو رب عائلة أو سيد عبيد، فهذه المهام بحسبهم تتفاوت بالدرجة وليس بالنوع (عائلة كبرى هي مدينة صغرى)، والحال عند أرسطو أنها مختلفة كلية، فالتدبير السياسي أرقى ما يمكن أن يصل إليه إنسان([21]). وربما هذا هو المقصود بالضبط من كلام أرسطو من أن الإنسان حيوان سياسي، فالحياة الجماعية هي الحياة في المدينة(البوليس) التي تمكن الإنسان من أن يعيش كإنسان. ولهذا السبب أيضا كان الإبعاد من المدينة يتخذ عند الإغريق دلالة كبرى أخلاقية وسياسية بل أنطولوجية، كان الإبعاد من العيش في المدينة نفيا لإنسانية الإنسان وعدم اعتراف بقيمته ومحوا لهويته([22]).
خصائص كل جماعة عند أرسطو:
*جماعة العائلة: خصص Brague فصلا كاملا لدراسة مفهوم الجماعة في فلسفة أرسطو السياسية بحيث وضع لها تعريفين: تعريف أول حيث تكون الجماعة هي فريق من الشركاء وضعوا بينهم عددا من الخيرات (La mise en commun) وتعريف ثان بحيث يتحدث عن وجود مشترك لشيء ما([23]) . والمعنيان ينطبقان على المدينة، فأن يمتلك الفرد مثلا ساقين فهذا مشترك بين الناس عموما، وعندما نضع شيئا بيننا جميعا للتصرف فيه فنحن نتحدث عن أمر آخر. في المنزل والأسرة نتحدث عن طبيعة مشتركة للمنتوج (Nature commune de produit)، وفي القرية والمدينة نتحدث عن وضع مشترك أي وضع أشياء تحت تصرف الجميع (mise en commun) فما كان مشتركا بين شريكين صار مشتركا بين الجميع([24]).
الجماعة الأولى هي جماعة الرجل والمرأة (Le couple parental) الواحد منهما لا يوجد بمعزل عن الآخر ويكون المنتوج هو الطفل، الأخير مشترك بينهما، الكائنات الحية ومنها الإنسان تقلد في الواقع الكائن الضروري والأبدي عن طريق التناسل للحفاظ على بقائها بصورة نوعية وليس فردية (إعادة إنتاج الذات في آخر بصورة دائمة). الجماعة الثانية هي جماعة السيد والعبد، من يأمر، ومن ينفذ، الأول قادر بفعل الطبيعة على السيادة بواسطة العقل، الثاني معد بصورة طبيعية لينفذ المهمات فيزيائيا، هذين لهما هدف مشترك بينهما وهو إنتاج أثر أو عمل (Production de l’œuvre)، الأخير وإن كان مشتركا بينهما، لكنه ينبثق مباشرة من العبد، أما السيد فدوره يتجلى في فرض التنفيذ([25]).
ومن الواضح أن الجماعتين السابقتين تشكلان ما يسميه أرسطو المنزل Okia أي العائلة ودورها يتجلى في مهمتين: إعادة الإنتاج (أن تنتج العائلة ما يشبهها) وتأمين البقاء([26]). ولعل حياة تتكاثر لتأبيد نفسها تظل دوما ناقصة، ولذلك سينتقل أرسطو إلى بسط الكلام عن جماعة أخرى أسمى من العائلة وأقل سموا من المدينة، إنها جماعة القرية (Village) التي تتكون من عدة عشائر، فبما أن الأسرة الواحدة لا تستطيع أن تكفي نفسها بنفسها، فإنها تدخل في علاقات تعاون مع غيرها، ومن تجمع مجموعة من الأسر تنشأ العشيرة، بينما يؤدي اجتماع عدة عشائر إلى خلق نظام جديد هو القرية، وبتوسع القرى تظهر المدينة، في كل هذه المراحل التي تطورت فيها الحياة الاجتماعية تظل الطبيعة (الحاجة والنقصان باعتبارهما مبدأين طبيعيين) دافعا يحرك الإنسان نحو الاجتماع والتعاون سعيا وراء المنافع والمصالح والحاجات.
*جماعة القرية: ولدت القرية بالطبع بعد العائلة وانطلاقا منها، فالأخيرة ترضي كل الحاجات المباشرة اليومية، لكنها غير كافية، لذلك تعمل القرية على إرضاء الحاجات الحيوية غير اليومية، وانطلاقا من مقاطع من كتاب السياسة (الكتاب7، الفصل8)، ومن الأخلاق إلى نيقوماخوس (الكتاب 8، الفصل11) بالإمكان أن نستنتج كون القرية تقوم بوظيفتين ليستا في متناول الأسرة: إصدار الأحكام وإجراء الاحتفالات الدينية…ولذا يلزم سلطة فوق الأسر والعائلات لتنظيم الطقوس الدينية والحكم في النزاعات التي تنشأ فيما بينها، وإذا كانت العائلة تتألف من علاقات أفقية بين جنسين، وعمودية بين أجيال (الأب، أبناء) وعمودية بين وظائف اقتصادية (سيد، عبد)، فإن القرية تحتاج في تدبير سلطاتها إلى رجل يتمتع بخاصية الملك.
*الجماعة السياسية/الدولة- المدينة: الدولة- المدينة (ينبغي أن تكون من الضخامة بحيث تستطيع الاكتفاء بذاتها، ومن الصغر بحيث يتيسر حكمها على الوجه الأفضل) توجد بصورة طبيعية، ويعيش الإنسان بفعل الطبيعة في الدولة- المدينة. الاكتفاء الذاتي والسعادة يتحققان في المدينة ومن ثم يكون الإنسان إنسانا، وعلى شاكلة سلسلة العلل التي لا يمكن أن تتدرج إلى ما لا نهاية في علم وعالم الطبيعة (تنتهي إلى المحرك الذي لا يتحرك)، في السياسة الدولة المدينة هي نهاية سلسلة الجماعات، كما أن الخير الأعظم، هو نهاية سلسلة الأنشطة والأفعال، وهو أعظم بصورة مزدوجة، لأنه يسد كل الحاجات البشرية (في الجماعات الناقصة) التي تجد اكتمالا لها في المدينة، ولأنه كامل في ذاته بصورة مطلقة، إذ يطمح الكل إلى الاكتفاء الذاتي([27]). هناك إذن جماعة مكتفية بذاتها هي غاية كل اتحاد. بل إن المدينة أمر طبيعي وهي أكثر طبيعية من باقي الجماعات الأخرى، يقول Brague :
« Non seulement la cité est par nature, mais encore elle est plus naturelle (antérieure par nature) que les autres groupements humains qui la précédent»( ([28].
إن طبيعة الشيء هي غايته، وما نسميه بالطبيعة هو ما ينتهي إليه تطور الشيء سواء كنا نتحدث عن إنسان أو حصان، ويتضح أن معنى الطبيعة يتخذ عند أرسطو تفسيرا علميا مستمدا من علم الأحياء، فهو لا يفيد معنى الحال التي يكون عليها الشيء فحسب، وإنما يفيد أيضا معنى الحال التي يمكن للشيء أن يصير إليها، بصيغة أخرى، فكلمة طبيعة (physis) اليونانية تعني أساسا النمو أي الطابع الذي يمتلكه شيء ما عندما يكتمل نموه، وهنا يختلف عن تلك الأشياء التي لا تنمو مثل الأحذية أو الكراسي التي لا تنمو ولكنها تصنع، فهي ليست بالطبيعة بل بالصنعة أو بالفن([29]). ومن جهة أخرى، هناك أشياء بالطبيعة دون أن تنمو وحتى دون أن تخرج إلى حيز الوجود بأية طريقة، إذ يقال إنها بالطبيعة لأنها ليست مصنوعة، ولأنها الأشياء الأولى التي خرجت منها أو عن طريقها كل الأشياء الطبيعية الأخرى إلى الوجود. إن الذرات التي رد إليها ديموقريطس كل شيء هي بالطبيعة بالمعنى الأخير([30]). لا يكتفي أرسطو إذن بالنظر إلى الدولة في وضعها الثابت، وإنما في نشأتها وفي تطورها وغايتها على نحو ما ينظر عالم الأحياء إلى البذرة في نموها وتطورها إلى نبتة فشجرة([31]).
تبعا لذلك، فالدولة عند أرسطو سابقة على الفرد والعائلة من حيث إن الكل سابق للجزء، والسبق هنا لا يحمل معنى تاريخيا أو زمنيا، وإنما معنى منطقيا، على اعتبار أن الدولة ظاهرة طبيعية، لأن من الطبيعي أن يعيش الإنسان في جماعة من البشر. ويشرح أرسطو هذا السبق المنطقي للمدينة ككل من خلال تمثيل بيولوجي، فحتى إذا كانت الأعضاء تشكلت في الجنين قبل وجود الجسم، فهي لاحقة منطقيا للجسم بكامله، فلا يمكن لليد أن تنجز وظيفة من غير الجسم الذي هي جزء منه، ويمكن للجسم أن يكون في غياب اليد، الكل إذن هو مبرر وجود الأجزاء.
ومعلوم أن اثنين فقط لا يجتمعان وحش(بهيمة) أو إله([32])، لقد حرمت الطبيعة الإنسان من القدرة على كفاية نفسه بنفسه كفرد، ولكنها جعلته يحقق كفاية حاجاته في المدينة التي هي وحدة سياسية مستقلة تملك القدرة على حماية نفسها من العدوان الخارجي وعلى إرضاء حاجات أعضائها وتمكينهم من إقامة علاقات صداقة فيما بينهم. وقد عبر عن ذلك Brague أفضل تعبير قائلا:
« Il s’agit d’une nature conçue comme la poussée dont la pleine floraison est l’homme, le vivant le plus parfait, dont la cité comme condition de sa perfection »( [33]).
يتميز الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى بأنه كائن سياسي، فهو لا يتميز عن غيره من الكائنات بالتكاثر، لأن هذا من خصائص كل الكائنات، ولا يتميز فقط بالقدرة العضلية، لأن هذا من خصائص بعض الكائنات، بل ما يميزه حقا هو أنه عاقل، وهذا النشاط العقلي هو ما يجعل منه كائنا سياسيا بامتياز، فما المقصود بأنه سياسي بطبعه؟
يرى أرسطو بأن الإنسان له ميل طبيعي إلى أن يحقق إنسانيته الكاملة في المدينة (Bien vivre)، ولذلك تكون المدينة هي التحقيق الكامل للإنسانية وغاية جميع التجمعات الإنسانية الأخرى. ليست الدولة المدينة عند أرسطو أصلية، لأنها آخر الجماعات وراثيا، بيد أنها طبيعية بالنسبة للإنسان، وهنا يميز أرسطو بين حدي طبيعي وأصلي، لأن طبيعة كائن ما ليست بالضرورة ما يظهر فيه أولا، فالإنسان يتكلم بطبيعته من دون أن يتكلم لدى ولادته، لكنه يولد مع القدرة الكامنة فيه على الكلام وسوف يحقق جوهره بالكلام. وعليه فالدولة موجودة بالقوة في كل فرد، والإنسان سياسي بطبيعته([34])، وهذا يعني أن هنالك في طبيعته نزوعا إلى الحياة في المدينة، لذلك يستحيل عند أرسطو والمشائية عامة تصور رجل سعيد وهو متوحد منعزل، ومثلما أن أونطولوجية أرسطو لااسمية، فإن أنتربولوجيته مناهضة للنزعة الفردية([35]).(الفرد بالنسبة لمنظري العقد الاجتماعي في الحداثة هو ما يكون بالكامل، ويتحد بفعل التعاقد، عند أرسطو الفرد ناقص، ينزع بطبيعته نحو الحياة السياسية)، إن الإنسان كحيوان سياسي بطبيعته في حالة نقص بصورة مزدوجة، فهو ينقصه شيء يدفع به إلى الرغبة، كما ينقصه أحد يقوده إلى الاتحاد مع آخرين. إن نقصانه الأصلي يجعل منه كائنا ذا حاجة أو رغبة، ولذلك يتحد مع الآخرين للوصول إلى الخير الأعظم. أما نقصانه الطبيعي فيجعل منه كائنا يحتاج دوما لكائن آخر شبيه به وناقص بصورة مماثلة، وهذا هو السبب في أنه يعيش في جماعة ليكون مع آخرين كائنا مكتملا، مكتفيا بذاته، إن كائنا من دون نقص (إله) يصبح عديم الرغبة ولا يعيش في الدولة المدينة، ففي السراء لا تمارس الآلهة السياسة([36]). وعلى العكس، إن كائنا منحطا يكون محكوما عليه بتدرج رغباته اللامتناهية لن يكون بوسعه أبدا أن يكفي ذاته عبر الاتحاد مع الآخرين، ففي الضراء لا تمارس الحيوانات السياسة([37]). محصول القول، الحياة السياسية بالنسبة للإنسان هي أفضل حياة ممكنة (مثلما أكد Leibniz أن هذا العالم هو أفضل العوالم الممكنة)، وببلوغ الكمال في المدينة يكون الإنسان هو أول الحيوانات (في رتبة أولى)، لكنه أيضا يكون أقل شأنا منها متى عاش بلا قوانين وبلا عدل، وبناء على ذلك يكون الإنسان قد تلقى من الطبيعة أسلحة العدل والفضيلة التي ينبغي أن يستعملها ضد شهواته الخبيثة([38]).
يشير أرسطو إلى أن الإنسان اختص بالنطق logos)) للتعبير عن الخير والشر وعن العدل والظلم، وهذه الأحاسيس باجتماعها تؤلف بالضبط الجماعة السياسية([39]). وقد شرح Brague هذه الفكرة عندما أكد أن ما يوضع في شكل مشترك يمر عبر اللغة التي هي فضاء له، في الجماعات السابقة على المدينة الموجود المشترك هو سبب، في العلاقة السياسية واللسانية هذا الموجود المشترك هو نتيجة([40]). لو كان الإنسان اجتماعيا فقط مثل النحلة، وليس سياسيا، لكان يستطيع الاكتفاء بالصوت للتعبير عن حالاته العاطفية أمام أقرانه، إن اللغة وظيفتها هي وضع شروط الخير المشترك في حال الشيوع، ومن ثم فلها جوهر سياسي، والعكس بالعكس، تكون السياسة ذات جوهر لغوي، لأن Polis هي جماعة بشر يستطيعون توصيل إدراكهم للخير المشترك. إن خاصيتي الإنسان: امتلاك اللوغوس والعيش في المدينة متكاملتان([41]). اللغة هي فضاء الجماعة السياسية، فإذا كان في وسع صوت معين (علامة أو مثير) أن يقول أنا أتألم، فاللغة (logos) وحدها تستطيع أن تقول هذا سيء أو حسن… ومعنى ذلك ننتقل من الذاتي (ما أستشعره) إلى الموضوعي (هذا نافع، ضار…) ومن ثمة اللغة عبرها تطرح القضايا العامة للنقاش، وهي الطريق الطبيعية لبلوغ الخير العام أي العدالة السياسية.
بناء على ما سبق، الإنسان ليس فقط حيوانا سياسيا، بل إنه الأكثر سياسية من أي كائن آخر، بمعنى أن الحياة السياسية مفيدة له، فائدة الحياة السياسية تكمن في كون الفرد المنظم إلى آخرين تحت سقف قوانين مشتركة ومجبر على الالتزام بالقواعد التي تضعها الجماعة هو إنسان مكتمل، وبالتالي في المكان الخاص به ضمن تراتب الكائنات، لا هو إله ولا هو بهيمة، لكنه أفضل الحيوانات، لكونه قادرا على العدل، باعتباره فضيلة سياسية وضرورة اجتماعية لأفضل حياة ممكنة.
3- جوهر الأنظمة السياسية المختلفة أو بحثا عن النظام العادل:
خلافا للكتاب الأول الذي يتمحور حول أسس الحياة السياسية أي ماذا يحقق العيش سياسيا للإنسان، يتناول الكتاب الثالث هذه الحياة السياسية على أنها شيء معطى، ويستجوب أشكالها، أي كما يقول أرسطو في الجملة الأولى” جوهر الأنظمة السياسية المختلفة وخصائصها”.
المواطن:
في الفصل الأول من الكتاب الثالث يتحدث أرسطو عن تعريف المواطن ويتساءل هل فضيلة المواطن الصالح هي نفسها فضيلة الرجل الصالح؟ ويرى أن تعريف المواطنة غير متفق عليه في كل مكان. فقد يكون مواطنا في حكومة (دستور) ديمقراطية ولكنه لا يصلح لصفة المواطنة في حكومة الأوليغارشية، لأن بعض المدن قد تجعل صفة المواطنة مترتبة على محل الإقامة أو من خلال الانحدار من أسلاف مواطنين، وهذه الشروط برأي المعلم الأول لا تكفي. فالمرء لا يكون مواطنا بمحل الإقامة أو بمجرد المرافعة القضائية إذا كان أجنبيا (أو ممن أبرم معاهدة تجارية مع بلد الإقامة)([42]). لذلك خص المواطن بشرط الكفاءة على تحمل مسؤوليات القيام بالمشاركة في الحياة السياسية العامة كعضوية الجمعية الشعبية أو وظائف القضاء في المحاكم([43]). إن المواطن هو فرد مخول سلطة ما، ولذلك أقصى أرسطو من هذا التحديد المرأة والشيخ والطفل.
تتميز السلطة السياسية عن كل السلطات الأخرى بكونها علاقة بين متساوين، وهذا لا يعني أن كل السلطات التي يحوزها كل المواطنين في الدولة متساوية بالضرورة، ففضيلة المواطنة تتوقف على وظائفه التي تتعلق بالدولة من دون سواها. أعضاء الدولة أو مواطنوها يشبهون الملاحين تماما، فعلى رغم اختلاف وظائفهم فسلامة الجماعة هي عملهم المشترك، بناء على ذلك، نستطيع الآن أن نعرف الدولة المدينة عند أرسطو بالقول إنها مجموعة مواطنين متحدين في إطار كل مركب أي نظام أو دستور بغاية الخير الأعظم.
ويثير أرسطو مشكلة حين يتساءل هل يكون الإنسان بوصفه إنسانا شيئا مختلفا عن المواطن؟ بمعنى آخر هل يمكن لفضيلة الإنسان بوصفه إنسانا أن تتحد بفضيلة المواطن، ويرى بأنه بالنسبة للمواطن العادي لا يشترط أن يكون الإنسان الصالح مواطنا صالحا، ولكن بالنسبة للحاكم يشترط أن يكون الحاكم الصالح مواطنا صالحا.
معيار التمييز بين الدساتير:
من الممكن أن يكون أرسطو قد عاد في تفصيله لحكم على آخر إلى فلسفته العضوية التي ترى أن صالح الكل ينبغي دائما أن يتقدم على صالح الأجزاء. إن الدستور هو الذي يعين في الدولة النظام المحدد لجميع الوظائف[44]. ومن المعلوم أيضا وبنفس “بوليتولوجي” politologueأن أرسطو فحص دساتير أكثر من مئة وثمانية وخمسين كياناً سياسيَّاً في عصره، عمل أطره مبدأ عنده قوامه أن النظر الفلسفي في السياسة، نظر في الدساتير القائمة بالضرورة، إذ أنَّ الدساتير هي “فلسفات” في فعل، بل هي الفلسفات الوحيدة الممكنة ربَّما، بما أنَّ العملي في السياسة يسبق النظري دائماً.
الحكومة أو نظام الحكم في الدولة يختلف باختلاف عدد القائمين عليه، وبمقدار توفره على طلب المصلحة العامة أو المصلحة الخاصة، بناء على هذين المعيارين يكون لدينا ثلاثة أشكال من الحكم الصحيح، تطلب فيه المصلحة العامة، وثلاثة أشكال من الحكم الفاسد تطلب فيه مصلحة فئة دون فئة، النوع الأول هو الملكية والأرستقراطية والجمهورية (الدستوريةgouvernement constitutionnel )، بينما النوع الثاني الفاسد هو الاستبداد والأوليغارشية (ploutocratie) والديمقراطية (الديماغوجية أو المصلحة الخاصة بالفقراء)([45]).
ومع أن هذه القسمة تقوم على أساس العدد، إلا أن الفروق الرئيسية بين حكومة وأخرى عند أرسطو تتصل بطبيعة الطبقة الحاكمة فيها، وبمبدأ انتخاب أصحاب السلطة فيها، فالأوليغارشية عبارة عن حكم القلة الغنية، فكانت الثروة هي المبدأ الذي ينتخب الرؤساء والحكام بحسبه فيها، بينما الأرستقراطية عبارة عن حكم القلة الفاضلة، أما في الديمقراطية فالأساس هو العدد بينما في البوليطيا (النظام الدستوري) ينظر إلى الثروة والعدد، فيكون هذا النظام خليطا من الأوليغارشية والديمقراطية([46]).
بنظر أميرة حلمي مطر، لا يختار أرسطو حكما معينا ليكون أصلح هذه الحكومات لأن لكل منها حسناته وسيئاته، وكل منها يصلح لظروفه معينة، ولكنه لما كان يرى أن أفضل الأمور دائما هو الوسط، فإنه يفضل حكم الأكثرية الصالحة، لأن رأي الأكثرية أفضل من رأي الأقلية، والفساد يصيب الفرد أسرع مما يصيب الكثرة، لذلك فقد انتهى إلى دستور وسط بين الأرستقراطية والديمقراطية هو الذي سماه بالبوليطيا، وأهم ما يتميز به هذا النظام أنه يولي الحكم للطبقة المتوسطة فيتفادى حكم الأغنياء والفقراء على السواء، وهذا التوسط يكسب الدولة الفضيلة، وهي بدروها وسط بين رذيلتين. وبالنظر إلى الغاية من المدينة- الدولة، فإن تحقيق العدالة هو الفيصل بين أنواع المدن التي فحص أرسطو دساتيرها، في هذا الصدد تأخذ العدالة عند المعلم الأوَّل معنيين: “فهي إمَّا عدالة مشروعيَّة، أو عدالة مساواة، حدّ الأولى كونها الفعل بحسب ما يتوافق مع القانون، وحدّ الثانية كونها التوزيع العادل، بين الناس، لما نعتزم توزيعه، بغضّ النظر عن طبيعة هذا الذي نعتزم توزيعه. والحقيقة أنَّ ما كان يهمُّ أرسطو أكثر، في هذا الأمر، هو هذه الثانية، وهي تأتي على ضربين: إمَّا توزيعيَّة ابتداء، وإمَّا تقويميَّة تسدّد ما اعوجَّ عند التوزيع استئنافاً”([47]).
صحيح أن الأوليغارشية والديمقراطية من الأشكال الفاسدة، إلا أن أرسطو يعتبرهما من الأشكال الطبيعية التي تتفق مع واقع الحال في كثير من البلدان. وما امتياز النظام الدستوري عنها إلا امتياز نظري([48]). الملكية نظام فاضل، يحكم فيه فرد بالقانون، لكن هيهات أن تتوفر هذه الشروط في فرد واحد، من الأفضل إذن أن تحكم جماعة من الناس لأنهم أدرى بما هو خير لهم من رجل واحد مهما بلغ من حكمته وعدالته، وهم كذلك أبعد عن الفساد أو الهوس أو الغضب من الرجل الواحد مثلهم في ذلك مثل الماء الذي لا يفسد قدر كبير منه بمثل السهولة التي يفسد بها قدر صغير([49]).
في المقارنة بين أشكال الحكم الصالح الثلاثة، يضع أرسطو مبدأ منهجيا عاما: إن فساد الأفضل هو أسوأ أنواع الفساد، إن شر الفساد فساد الأفضل corruptio optimi pessima، لذا كان فساد الملكية (وهو الطغيان أو الاستبداد) أسوأ أشكال الحكم، وفساد الأرستقراطية (الأوليغارشية) يليه سوءا، والديمقراطية (فساد البوليطيا) أقرب الثلاثة إلى المعقول([50]).
قيمة نظام ما لا ترتبط بعدد من يحكم، ولكن بالغاية منه أي بتحقيق المصلحة العامة، وعلى خلاف أفلاطون الذي دافع عن الأرستقراطية، لا يعطي أرسطو امتيازا لنظام على حساب آخر ولا يقترح أي شكل لحكومة مثالية، بحيث إن نموذجا من الدستور صالح دائما مسألة مرفوضة عنده. واقعية سياسية تنتقد التصور المثالي لأفلاطون، على اعتبار أن الفلاسفة بحسبه ليس بمقدورهم أن يكونوا ملوكا، لأن العلم لا يمكن أن يطبق بإزاء ما هو إنساني المتغير والمتجدد دوما، الشؤون الإنسانية عرضية، خاصة مرتبطة بالزمان والمكان، بينما العلم ينسحب على ما هو حقيقي، كامل وكوني، ولذلك في السياسة يحتاج المرء إلى الآخرين للتشاور أي مزاولة الحكمة العملية phronesis في الحكومة، فإذا كانت النخبة الممتازة في الخبرة أقدر على تدبير المجال السياسي، إلا أنها ليست صاحبة الرأي المطلق، لأن الأكثرية صاحبة المصلحة هي الأقدر على تقدير سياسة النخبة الممتازة، فحكم ساكن البيت أفضل من حكم البناء، والضيف أقدر على الحكم على الوليمة من الطاهي. يرى وولف أن أرسطو في الكتاب الثالث لا يبحث عن أفضل نظام، ولا عن النظام الأكثر عدالة، فكل نظام يهدف لتحقيق المصلحة العامة هو عادل بالمعنى المطلق للكلمة، أي غير منسوب بصورة عادلة إلى هذا أو ذاك، لكنه عادل سياسيا للجميع، لأن قيمة نظام ما لا تتوقف على عدد الذين يحكمون، بل على الهدف الذي يجري الحكم من أجله([51]).
ما هو النظام الذي تكون فيه السلطة موزعة بصورة عادلة؟ ليس تمة نظام من هذا النوع لأنه ليس من العدل اعتبار السلطة ملكية أو غنيمة يجب توزيعها([52]). فليس هناك توزيع عادل للسلطة، بل فقط سلطات عادلة. في الديمقراطية العدالة التوزيعية تكون وفقا لمبدأ “لكل وفقا لحريته”، في الأوليغارشية “لكل وفقا لغناه وثروته”، في نظر أرسطو كلا الفريقين في تصوره لنظام توزيع العدالة مخطئ، لأنهما يخلطان بين مصالحهم الخاصة، ومصالح المدينة ككل، الدولة في نظرهما (الأوليغارشي والديمقراطي) وسيلة للعيش أو حيلة للحفاظ على المصالح، والحال أنها أعظم الخيرات وهدفها سعادة الجميع وبالتالي ففضيلة المواطن بحسب ما يعطي ويقدم للدولة. ومن المفيد التذكير بأن معايير العدالة المؤسّسة على المواثيق أو المصالح، هي أشبه ما يكون بالمكاييل، فما نكيل به الزرع ونقيس به النبيذ لا يكون واحداً في كلّ مكان. وتبعا لذلك، وعلى عكس أفلاطون، يتحدث أرسطو عن تعدد الأدوار السياسية الضرورية للانسجام بحيث تأخذ الأنظمة في حسبانها مصالح هذا وذك أي أنظمة معتدلة، فوحدة المدينة تتأسس على احترام التعددية.
اقتنع أرسطو بأن أفضل ضمانات الحكم العادل هو احترام القوانين التي هي ثمرة التجربة وليس ثمرة عبقرية الفلاسفة. والحكم العادل هو من يهدف إلى تحقيق مصلحة الجميع ومن يحترم القرارات العامة ولا يلجأ إلى القرارات التعسفية. وقد كان أرسطو واعيا بهذه الشروط فقد يكون هناك مثلا طاغية ولكن يعمل للصالح العام، وقد تكون حكومة قانونية ولكن تعمل لصالح طبقة، لذلك وثق في الحكومة الجماعية ورأى أنها أفضل وأحسن من حكومة الأفراد، بل لقد ذهب إلى القول بأن الذوق العام هو أفضل مقياس لتقدير الجمال في الفنون وأحسن بكثير من رأي النقاد.
إجمالا الوحدة المطلقة (المساواة الحسابية الكاملة) عند أرسطو غير ممكنة واقعيا، ولذلك وجب توزيع الخيرات بحسب قيمة الأفراد أي مساواة هندسية (النسبة).
يرى أرسطو أن القوانين لا تكون عادلة وجيدة إلا إذا كان الدستور عادلا ومستقيما، فالقوانين بحسب الدستور وليس العكس، فقد يكون هناك قانون ما يؤسس لتوزيع متساو للخيرات عادلا في نظام شعبي وسيئا في نظام أرستقراطي، ليس هناك إذن دستور صالح لجميع الشعوب والمدن([53]). يتناسب الدستور مع درجة تطور الفضيلة في جسم سياسي معين، ففي مدينة حيث الأقلية هي الفاضلة يكون من المناسب إعطاؤها سلطة، ويكون من الظلم أن تفرض عليها تقاسمها مع أغلبية المواطنين حيث الفضيلة لا تنجز بشكل تام. مجتمع كهذا يحتاج إلى الأرستقراطية، وبالتالي يجب أن تتناسب المؤسسات السياسية والقانونية مع هذا النظام([54])، وإذا كانت القوانين تتناسب مع الدستور وليس العكس، فكذلك الفضيلة الأخلاقية تناسب الدستور وليس العكس، فالرجل لا يكون شجاعا… في كل المدن، ومعلوم أن القوانين التي تكرس للممارسات العملية الجيدة والتي تجذر وتنغرس فيها الفضائل تلائم الدستور وليس العكس([55]).
يرى أرسطو أنه من الأفضل منح السيادة للشعب في المواد التي تتعلق بالسلطتين التداولية والقضائية، لأنه من الأفضل فيهما تعدد وجهات النظر، فالتداول أشمل من القانون الذي يرتبط بما هو عام، لكن المستجدات غير ثابتة، ولذا يحقق التداول والتشاور الجماعي جوهر الشرط الإنساني الذي هو شرط سياسي. السياسة لا تتعارض فقط مع عمومية القوانين، بل كذلك مع علم الاختصاص، وهذا هو السبب في أنها قضية تداول الذي لا يتطلب علما بل تجربة وفطنة (phronesis)، فخلافا للعلم الذي يتناول الضروري وما لا يتوقف علينا، يتناول الحذر أو الفطنة (الحكمة في نسق الفعل) القضية الممكنة، ويتكيف مع تغير الأفراد والظروف، وما ينطبق على التداول في الجمعية، ينطبق على القضاء في المحكمة، السياسة بهذا المعنى فن معد لوحدة الجميع، من المفيد الإشارة في هذا المقام إلى أن الفطنة (phronesis) ليست فقط ملكة من خلالها نستطيع إبداء رأي في موضوع ما (مجالها الفعل البشري) وتقدير ما هو جيد وسيئ بالنسبة للإنسان، ولكنها أيضا فضيلة، وحده الفاضل فطن، لكن الفاضل لا يمكن أن يكون فاضلا بلا فطنة، فبلا فطنة الفاضل لا يستطيع أن يحقق فضيلته، الفطنة تمنحنا الوسائل للوصول إلى الغاية الأخلاقية([56]).
بالنسبة لأرسطو يستحيل أن نروي (الفطنة) في كل شيء فنحن لا نروي في ما هو أزلي أو ما هو طبيعي أو ما يحدث بالصدفة أو ما هو خارج عن نطاق مقدورنا، بل نروي في الأشياء الواقعة في نطاق قدرتنا ويمكن تحقيقها، بصورة عامة الفطنة تكون في الوسائل لا في الغايات، فالطبيب لا يروي فيما إذا كان عليه شفاء المريض، والخطيب فيما إذا كان عليه الإقناع، والسياسي فيما إذا كان عليه إحلال النظام والقانون… فهم يفترضون الغاية ويعملون الفطنة في ما يفضي إليها، أي القدرة على تقدير ما هو خير ونافع واقتناص الأوساط التي هي لب الفضائل (الأخلاق إلى نيقوماخوس الكتاب الثالث).
خاتمة:
تبين مما سبق أن المنظور الأرسطي للسياسة محكوم بمبدأ الكوسموس والطبيعة من بدايته حتى نهايته أي من جوهر الاجتماع البشري، إلى من يتولى أمور التدبير العملي وكذا في قيمة المواطن الذي يجب أن ينال ما يستحق وما يستحق هو بمقابل ما يعطي. الدولة تحدث بكونها طبيعية وضرورية لوجود الفرد، والاكتفاء الذاتي والسعادة لا يمكن أن يتحققا إلا داخل الدولة المدينة.
الدولة الآن ومنذ الأزمة الحديثة صارت تجمعا بشريا صناعيا، والعلاقات بين الأفراد الآن لا تقوم على المشاعر أو وحدة العرق، بل على روابط ذات بعد اقتصادي، كما أن السياسة الآن لم تعد تنظيما طبيعيا للمجتمع، بل صارت جهازا لإدارة المجتمع والاقتصاد عن طريق المؤسسات والقانون.
وإذا كان التصور الإغريقي في مجال السياسة وبقية المجالات استمر طويلا حتى حدود القرن 16 مع بعض التعديلات التي أجراها فلاسفة الإسلام، فإننا نتساءل هنا عن المكذبات التي ظهرت في الغرب وعجلت بتجاوز البراديغم الأرسطي في شتى المجالات عوض أن نتساءل لماذا استمر عندنا أرسطو في الحقبة الوسيطة؟.
لائحة المراجعالمراجع المترجمة:
أرسطو طاليس، السياسة، ترجمة أحمد لطفي السيد، منشورات الجمل، بغداد، بيروت، الطبعة الأولى، 2009.
أرسطو طاليس، السياسات، ترجمة أوغسطينس بربارة، اللجنة الدولية لترجمة الروائع الإنسانية، بيروت، 1957.
فرانسيس وولف، أرسطو والسياسة، ترجمة أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1994.
لوك فيري، تعلم الحياة. ترجمة سعيد الولي، مراجعة زهيدة درويش، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، كلمة، 2011.
ليو ستراوس و جزيف كروبسي، تاريخ الفلسفة السياسية، الجزء الأول، ترجمة محمود سيد أحمد، مراجعة وتقديم إمام عبد الفتاح إمام، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005.
المراجع بالعربية:
أميرة حلمي مطر، الفلسفة السياسية من أفلاطون إلى ماركس، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط 6، 1999.
عبد السلام بنعبد العالي، ميتولوجيا الواقع، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط 1، 1999.
ماجد فخري، أرسطو طاليس، المعلم الأول، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1958.
ماجد فخري، تاريخ الفلسفة اليوناينة، دار العلم للملايين، بيروت، ط 1، 1991.
المراجع بالفرنسية:
– Eric Weil, philosophie politique, 4ème édition, vrin, Paris, 1984.
– Pierre Pellegrin, le vocabulaire d’Aristote, Ellipses.
– Rémi Brague, introduction au monde Grec, champs essais.
[1] – Rémi Brague, introduction au monde Grec, champs essais, p 221.
[2] – فرانسيس وولف، أرسطو والسياسة، ترجمة أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1994، ص 8.
[3] – هو ذاته التعريف الذي يشير إليه Eric weil في مقدمة كتابه الفلسفة السياسية:
Eric Weil, philosophie politique, 4ème édition, vrin, Paris, 1984, p 11.
[4] – لوك فيري، تعلم الحياة. ترجمة سعيد الولي، مراجعة زهيدة درويش، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، كلمة، 2011. ص 49.
[5] – لوك فيري، تعلم الحياة، مرجع سابق، ص 64.
[6] – فرنسيس وولف، أرسطو والسياسة، مرجع سابق، ص 22.
[7]– Eric Weil, La Philosophie politique, op.cit. p 12.
[28] – R.Brague, introduction au monde Grec ,op.cit, p 235.
[29] – ليو ستراوس و جزيف كروبسي، تاريخ الفلسفة السياسية، الجزء الأول، مرجع سابق، ص 21.
[30] – المرجع نفسه والصفحة نفسها.
[31] – أمير حلمي مطر، الفلسفة السياسية، مرجع سابق، ص 37.
[32] – أرسطو، السياسة، ترجمة لطفي السيد، ص99.
[33] – R.Brague, introduction au monde Grec, op.cit, p 234.