بوادر التحول في قيم الشباب بالمغرب: نموذج قيم الزواج عند شباب مدينة الجديدة
Signs of a shift in youth values in morocco: a model of marriage values for the youth of the city of Eljadida
محمد خيدونsالوالي كوبي/ جامعة شعيب الدكالي، الجديدة، المغرب
Mohamed khaidonsEl wali koubi/ ChouaibDoukkali University, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 71 الصفحة 79.
ملخص:تتناول هذه الدراسة موضوع قيم الزواج عند الشباب المغربي، وتهدف إلى استكناه طبيعة القيم التي توجه مواقف وأفكار الشباب في العلاقات الزوجية، مع رصد أثرها على الرابط الأسري. فالمواقف التي أعلنها الشباب فيما يخص أهمية الإنجاب وتعدد الزوجات والطاعة، تفيد حدوث تحولات مهمة في قيم الزواج، كما توصلنا أيضا من خلال مقارنة نتائج الدراسة مع دراسات سابقة، إلى أن هذه المواقف ليست خاصة بعينتنا فقط وإنما يتشاركها معظم الشباب، لكن ذلك لا ينفي وجود اختلافات ملحوظة بين النتائج التي توصلنا إليها والتي توصلت إليها تلك الدراسات. تستند هذه الدراسة إلى مجموعة من المعطيات الميدانية التي تم استقاؤها عبر تقنية الاستمارة بغرض كشف وتحليل قيم الزواج عند الشباب وتحديد بعض أوجه الثابت والمتغير.
الكلمات المفتاحية: القيم، الشباب، العلاقات الزوجية، الرابط الأسري.Abstract :
This research addresses the subject of Moroccan youth marriage values. It aims to discover the nature of values that guide youths’ attitudes and ideas concerning relations of marriage, and their effects on the family tie. The attitudes expressed by the youths concerning the importance of having children, polygamy and obedience in marriage can be a sign of some important changes in values. We also found after comparing the results of our study with other previous researches that these attitudes are not specific to our sample, but they are shared by the majority of Moroccan youth. However, this does not eliminate the existence of some clear differences between the results we found and those found by previous researches. This research relay on data collected in the field using the questionnaire technique, for the purpose of discovering and analysing the values of marriage and identifying its changing and stable dimensions.
Keywords: values, youth, relations of marriage, family link.
تقديم:تسعى هذه الدراسة إلى كشف وتحليل القيم التي تؤطر مواقف وأفكار الشباب تجاه مؤسسة الزواج، واختلافها حسب متغيرات الجنس والسن والمستوى الدراسي، إضافة إلى تأثيرها على الرابط الأسري. وقد ركزنا بحثنا على ثلاث مستويات أسياسية؛ يتعلق المستوى الأول بأهم قيم الزواج التي يحملها الشباب، وفي مستوى ثانٍ حددنا تأثير المتغيرات في اختلاف أهمية هذه القيم وسط فئة الشباب، أما المستوى الثالث، والأخير، سينكبّ على تأثير القيم على رابط الزواج بشكل خاص والرابط الأسري بشكل عام. وبناء على ذلك، سيكون السؤال المركزي في هذا السياق هو: إلى أي حد تعد قيم الزواج عند الشباب مؤشرا ومظهرا من مظاهر التغير القيمي في قيم الأسرة بالمغرب؟
إن انجاز هذه الدراسة لم تخلو من صعوبات منهجية، ولاسيما في ما يتصل بحصر مجتمع الدراسة. إذ أننا لم ندرس كل شباب المغرب وإنما ركزنا البحث على شباب مدينة الجديدة، وهي مدينة تقع في الوسط الغربي للبلاد، حيث يصل عدد سكانها إلى حوالي 194934 نسمة حسب إحصاء2014([1]). وتشكل فيها الفئة العمرية التي سنتناولها حوالي 39,9 % من مجموع الساكنة، أي حوالي 77778,666 شخص من فئة الشباب. ومن ثم، فإن الفئة التي نهدف إلى دراستها بشكل عام هي الفئة العمرية ما بين 18 و 45 سنة، حيث حاولنا انتقاء أفراد العينة ضمنها بشكل تلقائي اعتمادا على إحدى أصناف العينة الاحتمالية (Probabiliste)، وهي “العينة العشوائية الطبقية” (stratifié)، التي بموجبها يتم تقسيم مجتمع الدراسة إلى مجموعة من الفئات أو الطبقات وفقا لخاصية أو مجموعة من الخصائص التي تجعلها متجانسة فيما بينها([2])، وهي الطريقة التي اعتمدناها في هذه الدراسة.
فرضت الضرورة المنهجية إجراء بحث كمي يتّكيء على تقنية الاستمارة كأداة لجمع المعلومات والبيانات، ويقترن هذا الاختيار أساسا بحدود الدراسة وأهدافها، ذلك أن هذه الأهداف التي نسعى إليها كباحثين، هي التي تحدد تقنية البحث التي ينبغي اعتمادها[3]، كما أن هذه الأداة تساعد على تكميم الظاهرة المدروسة وتحويلها إلى أرقام تمكننا من تحليل المعطيات الميدانية وفق منطق سوسيولوجي صِرف.
- قيم الشباب المرتبطة بمؤسسة الزواج
تكمن أهمية الزواج، بالنسبة للشباب موضوع البحث، بالدرجة الأولى في كونه يشكل أساسا لبداية حياة جديدة ولتولي مسؤوليات جديدة، ولا يحتل الإنجاب والجنس أهمية كبرى داخله، وإذا أردنا ترتيب بعض الأشياء المهمة في الزواج حسب أولويتها بالنسبة إلى الشباب بالجديدة، وكما تم ترتيبها من قبل أغلب المبحوثين، فإنه أولا هو طريق نحو إنشاء حياة جديدة، وثاني هذه الأشياء هي أنه يتضمن مسؤولية، وثالثها هو الإنجاب وتربية الأبناء، ويأتي الجنس في المرتبة الأخيرة.
يحمل الزواج قيمة كبيرة لدى الشباب بالمغرب، حيث أشار أغلبهم إلى أنه مهم في حياته، كما أشار البعض إلى أنه مهم جدا، لكن تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن هناك نسبة مهمة أفادت بأنه ليس مهما في حياتها (23%)، ومع أن هذه النسبة ضعيفة قياسا إلى النسب الأخرى، إلا أنها تبقى مهمة وكبيرة قياسا إلى النسبة التي توصل إليها البحث الوطني حول القيم سنة 2004، حيث أفاد بأن حوالي 95% يرون أن الزواج مهم([4]).والواقع أنه يصعب الجزم بأن ما توصلنا إليه يعد مؤشرا على تغير في القيم في هذا الصدد، وذلك نظرا لاختلاف عينتنا (الشباب) عن تلك التي تناولها البحث الوطني، لكن ذلك لا يمنعنا من القول أن هذا الأمر لا يلغي حقيقة وجود اختلاف بين موقف الشباب الجديدي اليوم من الزواج، والشباب الذي تناوله البحث الوطني، وأن هذا الاختلاف يسير في اتجاه تراجع أهمية مؤسسة الزواج.
يحظى الجنس بأدنى درجات الأهمية داخل الزواج، وذلك رغم أنه يعتبر غير مشروع وغير مقبول من طرف معظم الشباب خارج مؤسسة الزواج، ففي البحث العالمي حول القيم سنة 2011، أشار أكثر من 64% من الفئة العمرية الأقل من 29 سنة إلى أنه فعل غير مبرر أبدا، وأفاد أكثر من 73% ضمن الفئة ما بين 30-49 سنة بالأمر نفسه([5])، وتجدر الإشارة أيضا إلى أن أكثر من 90% من العينة التي تناولنا يرون أن الزواج شرط ضروري للقيام بعلاقة جنسية، وهو الأمر الذي يثير التساؤل حول المكانة الحقيقة للجنس في قيم الشباب في المغرب، فإذا كان يأتي في المرتبة الأخيرة ضمن أسس الزواج، ويعد غير مشروع خارجه، فهل يمكن القول أن الشباب لا يمنح أهمية للجنس في الجديدة، أو في المغرب بشكل عام؟
الواقع أنه لا يمكن تأكيد هذا الافتراض، وذلك لأن معرفة مكانة الجنس في المغرب أمر صعب، ويستوجب طرقا خاصة لفحصه، وذلك نظرا للخصوصيات الثقافية التي ينتمي إليها والتي تهمش الجنس وتحيطه بالمحرمات([6])، فرغم أن الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج موجودة في المغرب، وتتزايد أهميتها مع تراجع سن الزواج وتزايد نسبة التحضر وتحرر المرأة وخروجها إلى العمل، إلا أن المؤسسات والمعايير والقيم لا تزال متأخرة، الأمر الذي يعده البعض شكلا من أشكال الاختلال بين الخطاب والممارسة([7])، والواقع أن ما يفيد به بحثنا يؤكد هذا التأخر إلى حد كبير، فما أفاد به معظم المبحوثين، سواء في السؤال الذي يخص شرط القيام بعلاقة جنسية، أو ذلك الذي يخص مكانة الجنس داخل الزواج، يشير إلى أن الجنس ليس مقبولا من طرف المعايير الاجتماعية، ويحظى بمكانة صغيرة في القيم الاجتماعية.
من ضمن القيم الخاصة بمجال الأسرة نجد تلك التي تتعلق بالعدد المناسب للأبناء، حيث طلبنا من المبحوثين في هذا الصدد إبداء رأيهم في فكرة مفادها أن العدد المثالي للأبناء يجب أن يكون متوافقا مع قدرة الآباء على تزويدهم بكل ما يحتاجونه، وقد أفاد معظمهم بأنها صحيحة جدا (60%)، في حين أشار 32% إلى أنها صحيحة، أي ما مجموعه 92% من مجموع الإجابات. وقد تطرق البحث الوطني حول القيم أيضا لهذا السؤال فاعتبر أن هناك توجهين في القيم يتحكمان في عدد الأبناء، أحدهما تقليدي يصور الأبناء على أنهم مصدر للتأمين، وبالتالي يحرص على أن يكون عدد الأبناء كبيرا حتى تتزايد معه موارد التأمين في المستقبل، أما التوجه الثاني والذي يمكن وصفه على أنه حديث، فيصور الأبناء على أنهم مصدر للإنفاق والإعالة، وبالتالي يحرص على أن يكون عددهم قليلا لأن ذلك ينقص من حجم النفقات الخاصة بهم([8]). ويمكن أن نقول في هذا السياق أن الشباب بمدينة الجديدة يحملون التصور الثاني، فمع أننا لم نقم بطرح هذا السؤال، إلا أن تأكيد معظمهم على ضرورة توافق عدد الأبناء مع قدرات الآباء هو مؤشر قوي على أن الشباب يعتبرون الأطفال بمثابة عبء وليس مصدر تأمين.
من ضمن القيم المرتبطة بمؤسسة الزواج والعلاقات الزوجية هناك أيضا السن المناسب للزواج، حيث يحدد معظم الشباب في بحثنا، هذا السن بالنسبة للإناث بين 23 سنة و27 سنة، في حين يتوزع السن المناسب بالنسبة للذكور بين فئتين عمريتين هما 23 -27 سنة و27 -31 سنة، وهو ما يشير إلى أن معظم الشباب لازال يرى أنه يستحسن للإناث الزواج في سن مبكرة قياسا إلى الذكور، وقد أشار إلى ذلك البحث الوطني حول القيم سنة 2004، حيث أفاد بأن 70% يرون أن الزواج في سن مبكر مهم للإناث، وذلك في مقابل 40% من الأشخاص الذين يرون أنه مهم للذكور([9])، والواقع أن هذا لا يتوافق تماما مع نتائج بحثنا، وذلك لأنه رغم استمرار اختلاف السن المثالي للزواج حسب الجنسين، إلا أنه يمكن القول أن هذا السن يتغير ويسير نحو التقدم، ففي الوقت الذي يحدد 70% من عينة البحث الوطني السن المناسب لزواج الإناث بين 17 سنة و 24 سنة([10])، يحدد 31% فقط من عينة بحثنا هذا السن بين 18 و 25 سنة، في مقابل 56% يحددونه بين 23 و 37 سنة، و 13% يحددونه بين 27 و 31 سنة.
تحدد القيم المرتبطة بالزواج أيضا صفات الشريك المثالي، حيث نجد أن هناك مجموعة من الخصال والخصائص التي تشكل الزوجة المثالية أو الزوج المثالي داخل كل مجتمع وتختلف من شخص لآخر حتى داخل المجتمع الواحد نفسه. وفي سياق بحثنا، وضعنا سبع اختيارات أمام المبحوثين وهي : الأخلاق، الجمال، “الحداكة”، الدخل القار، التدين، “المعقول”، مستوى التعليم. بحيث طُلب منهم ترتيبها حسب درجة أهميتها وأوليتها في شريكهم المثالي، وقد احتلت الأخلاق أكبر قدر من الأهمية عند كل من الجنسين، يليها التدين، ثم “المعقول”.
تجدر الإشارة إلى أن ما يلاحظ في هذه الصفات الثلاث التي تتصدر معظم الإجابات أنها ليست أداتية خلافا لما أشار إليه البحث الوطني حول القيم، حيث توصل هذا الأخير إلى أن الصفات التي تتصدر اختيارات الشريك داخله هي “المعقول” والدخل القار والتدينثم “الحداكة”([11])، والواقع أن هذه الصفات كلها مهمة بالنسبة إلى الشباب موضوع بحثنا، لكن درجة أهميتها مختلفة عما أشار إليه البحث الوطني، حيث أن الحداكة والدخل القار ورِدا في المراتب الأخيرة في معظم الإجابات، وحظيا بقدر ضئيل من الأهمية من طرف أغلب المبحوثين، فقد وضع الدخل القار ضمن المراتب الثلاث الأولى من طرف 23% فقط من الإناث في بحثنا مقابل 69% في البحث الوطني حول القيم([12])، وجاءت “الحداكة” في المراتب الثلاث الأولى من قبل 22% فقط من الذكور في بحثنا مقابل 48% في البحث السابق الذكر([13])، وهو ما يفيد بأن هناك اختلافا واضحا في قيم الزواج الخاصة باختيار الشريك حسب كل من البحثين، الأمر الذي يمكن أن يكون إشارة على حصول تغير في القيم خلال الفترة التي مضت، كما يمكن أن يكون إشارة على تأثير متغير السن في النتائج لكون بنية العينتين العمرية ليست متشابهة. لكن في كلا الحالتين يمكن القول أنه لا يمكن إنكار اختلاف قيم الزواج الخاصة بمبحوثينا عن تلك التي تخص أولئك الذين تناولهم البحث الوطني.
هناك مجموعة من القيم التي تؤطر العلاقات الزوجية والتفاعلات بين الزوجين، وقد طلب من المبحوثين في هذا الإطار ترتيب خمس قيم أساسية حسب أهميتها في الزواج بالنسبة إليهم وهي: الحب، الصبر، الثقة المتبادلة، الاحترام المتبادل، التضامن. وقد حظيت الثقة المتبادلة والحب بأكبر قدر من الأهمية، حيث وضعت الثقة المتبادلة في المرتبتين الأولى والثانية من قبل 54% من العينة، ووضع الحب في نفس المرتبتين من قبل نفس النسبة من العينة، ما يشير إلى أنهما يحملان نفس القدر من الأهمية، ويلي هاتين القيمتين الصبر، حيث جاء ضمن المرتبتين الأولى والثانية من قبل 41% من المبحوثين، ويليه الاحترام المتبادل ثم التضامن. والواقع أن هذه الأهمية والأولوية الممنوحة للثقة المتبادلة تعود إلى القيم التي يحملها معظم الأشخاص- ليس من العينة فقط ولكن من مجتمعات أخرى أيضا- حول الزواج، والتي تشترط في هذا الأخير، كما أشار إلى ذلك فرانسوا دوسانجلي، التنازل عن قدر كبير من الحرية الفردية، لصالح إنشاء علاقة ثنائية تقوم على الاخلاص المتبادل من الطرفين([14])،وهكذا فإن حرص الشباب موضوع دراستنا على توفر الثقة المتبادلة، هو تأكيد على ضرورة استعداد كل من الزوجين على استمرار الاخلاص والوفاء لما تستوجبه هذه العلاقة بالنسبة إليهم.
من ضمن الأسئلة التي طرحنا في البحث والتي تخص طبيعة العلاقة بين الزوجين، كما تخص أيضا تصور الشباب لمعنى الزواج والعلاقة الزوجية، هنالك سؤال يتعلق موقف الشباب بمدينة الجديدة من تعدد الزوجات، وقد أجاب 60% بأنهم غير متفقين أبدا، في حين أجاب 13% بأنهم غير متفقين، وتشير هذه الإجابات إلى موقف قوي نوعا ماتجاه هذا الفعل، والواقع أن هذا الموقف ليس خصوصية عينة بحثنا، كما ليس وليد تغير حديث في القيم، وإنما نتيجة سيرورة تدريجية تعود بدايتها إلى سنوات مضت، ففي سنة 1980 كان معدل الرجال الذين لديهم أكثر من زوجة في المغرب هو 6,6%([15])، وقد استمرت هذه النسبة في التراجع إلى أن وصلت إلى3,6% حالة فقط سنة 2008، أي ما يعادل 0,27%([16])، الأمر الذي يعد بحد ذاته إشارة على حصول تحول في القيم، وتغير تدريجي في موقف المغاربة من هذا الفعل.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن 14% أفادوا بأنهم يتفقون مع تعدد الزوجات، وفي تبريرهم لهذا الموقف استرشد البعض بمرجعية دينية فأشاروا إلى أنه “حلال” وبالتالي فهو مشروع ومقبول اجتماعيا، وأفاد البعض بأنه مشروع شرط العدل بين الزوجات، وقد استند البعض أيضا ممن يرفضون تعدد الزوجات إلى الحجة نفسها واعتبروا أنه غير مشروع لعدم امكانية العدل بين الزوجات، وذلك لأنه في نفس الوقت الذي يشرع الإسلام التعدد، يربطه بشرط العدل بين كل الأزواج، وهو ما يجعله يحمل إمكانية تقييد هذه الممارسة([17])، ويشير استناد الطرفين المتناقضين لنفس الحجة إلى هذه الازدواجية في القراءة التي تتيحها النصوص الدينية، كما يشير أيضا إلى أهمية المرجعية الدينية في قيم الأسرة عند الشباب بالجديدة، ويؤيد فكرة رحمة بورقية التي تعتبر أن الدين مرجعية(Référentiel)أساسية (ضمن مرجعيات أخرى) ومنبع مهم للقيم الأخلاقية التي تحدد تقدير الفرد، والعلاقات الاجتماعية، وطبيعة العلاقات مع الجماعة([18]).لكن لا يجب أن يفهم من هذا أنها المرجعية الوحيدة للقيم الموجهة لسلوكات وأفكار الشباب حول الأسرة، فأغلب التبريرات المتفقة مع تعدد الزوجات والمعارضة له لم تستند إلى الدين، حيث اعتبر البعض من المؤيدين إلى أنه مشروع في حالة مرض الزوجة، أو في حالة العقم، وأشار البعض إلى أنه يمكن أن يمنح حلا “لمشكل العنوسة”، وأشار معظم المعارضين خاصة من الإناث إلى أنهن يرفضن التعدد لكونه لا يتوافق مع طبيعتهن “الغيورة”، ولأنهن لا يقبلن مشاركة الزوج، وهكذا فإنه من غير الممكن الافتراض بأن الدين يشكل المرجعية الرئيسية لقيم الأسرة عند الشباب موضوع بحثنا، وبدل ذلك يمكن القول أنه مرجعية أساسية ومهمة ضمن مجموعة من المرجعيات الأخرى.
يرجع موقف الشباب من تعدد الزوجات إلى مجموعة من التحولات التي أصابت الأسرة والمجتمع المغربي بشكل عام، والتي أصابت أنماط الحياة (ظهور حاجيات جديدة…)، وتوزيع الساكنة في المجال (الهجرة القروية، تزايد سكان المدن)، إضافة إلى قنوات إنتاج القيم (المدرسة، الإعلام…)([19])، الأمر الذي أدى إلى دفع الأسرة التقليدية نحو الانفتاح المستمر على هذه التحولات، كما دفع أفرادها إلى تبني استراتيجيات جديدة، وهكذا فقد أصبح تعدد الزوجات “خارج السياق”، وغير مقبول اجتماعيا حتى وإن كان مشرعا من قبل القانون، وقد ساهم في ذلك أيضا خروج المرأة للعمل وولوجها بشكل أكبر إلى التعليم، حيث أدت كل هذه العوامل إلى ترسيخ فكرة الزوج(couple) وتغيير الرهانات والاستراتيجيات وتحويل القيم نحو مجالات أخرى للتمثلات([20]).
والواقع أن تغير المواقف إزاء تعدد الزوجات ليس وحده ما نتج عن هذه التحولات، فقد تغيرت أيضا التصورات حول الأسرة والعلاقات الأسرية، حيث أشار 75% من الشباب موضوع بحثنا إلى أن الأسرة كلما كانت مستقلة وصغيرة العدد كلما كانت مستقرة وناجحة، ويشير ذلك إلى تفضيل واضح لنموذج الأسرة الصغيرة والنووية على الأسرة الممتدة الذي كان يهيمن بالأساس في المجال القروي، وقد ابتدأت سيرورة هذا التحول كما أشار إلى ذلك غريغوري لازاريف منذ النصف الثاني من القرن الماضي، حيث تراجع النموذج التقليدي الذي كان قائما على التبعية المتبادلة بين الأجيال والأسر، وعلى سلطة الأب على كل الأجيال التي تعيش تحت السقف الواحد، وذلك لصالح نموذج آخر وهو الأسرة النووية، التي تقوم بالأساس على الفردانية([21]). ومع أنه يصعب القول بأن تصور الشباب بالجديدة حول الأسرة يرجع تفسيره إلى سيرورة تدريجية للفردانية في المغرب، لكن يمكن القول أن تصورهم يشير إلى أهمية كبيرة تحملها الفردانية والاستقلالية داخل القيم الموجهة لأفكار وسلوكات ومواقف الشباب في مجال الأسرة.
في نفس الوقت الذي نجد أن الشباب يؤكدون على أهمية الاستقلالية في الأسرة، نجدهم أيضا يشيرون إلى ضرورة طاعة الوالدين، حيث أشار أكثر من 66% إلى أن موافقة الوالدين على الزواج أمر ضروري، والواقع أنه لا يجب تفسير ذلك على أنه تناقض من قبل المبحوثين، وذلك لأن القيم الأساسية، كما يشير إلى ذلك شالوم شوراتز، تتواجد عند جميع الأفراد، وبنفس بنية علاقات التناقض والتوافق التي تربطها، لكن الذي يشكل الفرق بين قيم الأفراد والجماعات هو الأهمية النسبية التي تحملها مجموعة من القيم المتوافقة فيما بينها([22])،ومعنى ذلك أن أهمية موافقة الوالدين على الزواج بالنسبة للشباب بالجديدة لا يمكن أن يكون وحده مؤشرا على أولوية قيمة الطاعة على الاستقلالية في قيم الأسرة لديهم، كما لا يمكن أن يكون إشارة على عكس ذلك، وإنما يتطلب الأمر تأكيدهم على أهمية مجموعة من القيم التي تتوافق مع إحدى القيمتين دون الأخرى للجزم في هذا الأمر.
من ضمن الأسئلة التي طرحنا في هذا المحور، هنالك أيضا سؤال يخص طبيعة العلاقة بين الزوجين التي يمكن أن تشكل علاقة زوجية ناجحة، وفي هذا السياق طرحنا ثلاث اختيارات منفصلة تعكس ثلاث أشكال من التوازن يمكن أن تكون بين الزوجين وهي: طاعة الزوجة لزوجها؛ طاعة الزوج لزوجته؛ التواصل الجيد بين الزوجين. وحاولنا معرفة رأي المبحوثين حول كل منها على حدة، حيث أجاب 73% بأنهم متفقون مع فكرة طاعة الزوجة لزوجها، في حين أجاب 63% بأنهم متفقون مع طاعة الزوج لزوجته، وأشار 99% إلى أنهم متفقون مع فكرة التواصل الجيد بين الزوجين باعتباره أساس العلاقة الزوجية الناجحة. وهكذا فإنه يمكن القول، أن جل المبحوثين تقريبا يرون أن التواصل الجيد بين الزوجين وتوازن العلاقة بين الرجل والمرأة هو ما يؤدي إلى نجاح الزواج. وقد تناول البحث الوطني حول القيم سنة2004 هو الآخر هذا السؤال، واعتبر أن قيمة الطاعة تحمل أهمية كبيرة داخل العلاقات الزوجية([23])، حيث أن 79% من العينة التي تناولها يعتبرون أن طاعة الزوجة لزوجها مهمة في انسجام الأسرة([24])، والواقع أننا لا ننفي هذا الأمر لاسيما أن 73% من الشباب موضوع دراستنا يؤيدون هذه الفكرة في مقابل نسبة أقل تشير إلى عكسها، لكن تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن الأهمية النسبية التي تحظى بها قيم التواصل في هذا السياق تفوق أهمية الطاعة، بعبارة أخرى يمكن القول أن الشباب يرون أن الطاعة مهمة في الزواج، لكنهم يرون أنها ليست بأهمية التواصل الجيد بين الطرفين، ويشير شبه إجماع عينتنا على صحة هذه الفكرة إلى أهميتها بالنسبة إليهم قياسا إلى الأفكار الأخرى.
يتوافق ما أشرنا إليه للتو مع ما أفادت به الباحثة المغربية رحمة بورقية في بحث لها حول تطور القيم في المغرب، حيث أشارت إلى أن الطاعة كانت قيمة مركزية في الأسرة، تحدد ليس فقط علاقة الزوج بالزوجة، وإنما أيضا علاقة الأبناء بالوالدين، وفي ظل مجموعة من التغيرات التي أصابت ذخيرة القيم التقليدية، أصبحت هذه القيمة اليوم لا تتضمن معنى الطاعة العمياء، كما أصبحت تتراجع حسب الباحثة لصالح قيمتي الاحترام والتوافق، والواقع أن هذه القيمة لا تتراجع في مجال الأسرة فقط، وإنما أيضا في مجالات أخرى كالعلاقات المهنية والتربية([25]). وفي هذا السياق، يمكن القول أن الموقف الذي يكشفه الشباب بمدينة الجديدة إزاء هذه القيمة في العلاقات الزوجية يؤكد هذا الطرح، ويبين مدى تأثرهم بالتحولات القيمية التي تشير إليها رحمة بورقية، فالتأكيد على أهمية التواصل الجيد من طرف 99% من العينة هو مؤشر قوي على هذه التحولات، ويمكن القول أيضا أن الطاعة التي أشار أغلبهم إلى أهميتها لا تحيل إلى معنى الانصياع والخضوع، ولا تحيل أيضا إلى المعنى الذي تحيل إليه في القيم التقليدية، حيث أكد المبحوثون على أهميتها من جانب الزوجين، ومع أن هذا التأكيد كان موجها نحو الزوجة بشكل أكبر، إلا أن الفرق بين النسب لم يكن كبيرا (فرق 10%)، الأمر الذي يشير إلى أن معنى الطاعة التي تم التأكيد على أهميتها من طرف الشباب يحيل إلى الاحترام بشكل أكبر، وإلى شكل من أشكال التواصل والحوار.
- قيم الشباب المرتبط بمؤسسة الزواج واختبار تأثير متغيرات السن والجنس والمستوى الدراسي
لم تتغير أهمية الزواج بالنسبة للشباب حسب الجنس، حيث أبدى الجنسين نفس القدر من الاهتمام إزاءه، وذلك خلافا لما جاء به البحث الوطني حول القيم، حيث أشار إلى أن الزواج في تمثل المغاربة مهم للإناث أكثر من الذكور([26])، والواقع أنه لم يكن أي اختلافات بين إجابات الجنسين في هذا الصدد حيث أن النتائج متشابهة وقريبة من التطابق. كما أن اختلافات الآراء حسب مستوى التعليم لم تكن دالة، إذ أبدى الأفراد ذوي مستوى الباكالوريا والتعليم الجامعي الاهتمام نفسه تجاهه، بخلاف فئة التعليم التقني، ولم تختلف الإجابات كثيرا أيضا حسب نوع السكن، وفي المقابل أثر متغير السن بشكل ملحوظ في اختلاف الإجابات، حيث أبدت الفئة العمرية ما بين 36-45 سنة أكبر قدر من الاهتمام بالزواج، حيث أشار 70% من هذه الفئة إلى أنه مهم في حياتهم، في مقابل 59% من الفئة ما بين 26-35 سنة، و56% من الفئة ما بين 18-25 سنة، ونجد في البحث الوطني حول القيم أيضا أن لمتغير السن دور مهم في اختلاف المواقف حول أهمية الزواج، حيث ورد في هذ البحث أن الفئات الأكبر سنا هي التي تؤكد بشكل أكبر على ضرورة الزواج ويتبين ذاك من خلال تأكيدها على ضرورة الزواج في سن مبكرة سواء بالنسبة للإناث أو الذكور، حيث تشير 41% الفئة العمرية ما بين 35-45 سنة في هذا البحث إلى أنه ضروري بالنسبة للذكور و49% من نفس الفئة إلى أهميته بالنسبة للإناث، وذلك في مقابل 37% من الفئة ما بين 18-24سنة التي تشير إلى أهميته بالنسبة للذكور و41% الذين يشيرون إلى أهميته بالنسبة للإناث([27]).
لم يؤثر متغير الجنس في اختلاف الاجابات حول ترتيب أهم الأشياء في الزواج، حيث أشار كلا الجنسين إلى أن أهم شيء داخله هو المسؤولية وبداية حياة جديدة، والواقع أن هذا الأمر ينطبق على كل المتغيرات المتبقية، وذلك أنه لم تكن هناك اختلافات ذات دلالة مهمة في هذا السياق، حيث نجد على سبيل المثال أن 62% من الفئة التي توجد بالسكن الأفقي تشير إلى أن إنشاء حياة جديدة هو أهم شيء في الزواج، وتشير نفس النسبة من الفئة التي توجد بالسكن العمودي إلى الأمر نفسه، في مقابل 66% من سكن الفيلات، ومع أن هذه الفئة الأخيرة هي الأكثر تأكيدا على الفكرة التي أشارت إليها الفئتين الأوليين، إلا أن نسبة الاختلاف التي تفصلها عن سابقاتها مع أخذ حجم العينة بالاعتبار ليست مهمة ولا تشير على دور كبير لمتغير السكن في هذا السياق.
أثر متغير الجنس أكثر من كل المتغيرات الأخرى في هذا السياق في اختلاف الإجابات حول السن المناسب للزواج، حيث حدد معظم المبحوثين هذا السن بالنسبة للإناث ما بين 23-27 سنة، وحدد 31% من العينة هذا السن بين 18 و23 سنة، وشكل الذكور62% ضمن هذه الفئة، ويشير هذا الأمر إلى أن الجنس يلعب دورا مهما في اختلاف المواقف حول السن المناسب للزواج، لاسيما أن البحث الوطني حول القيم أشار إلى ذلك هو الآخر، حيث أفاد بأن نسبة الذكور الذين يؤكدون على أهمية الزواج في أقل من 20 سنة بالنسبة للإناث تصل إلى حوالي 58% في مقابل 42% من الإناث، وتصل نسبة الذكور الذين يؤكدون على ضرورة الزواج قبل سن 25 بالنسبة للذكور يصل إلى 48% في مقابل 34% من الإناث([28])، ومعنى هذا أن الجنس يؤثر بشكل ملحوظ نسبيا في تصور الشباب حول السن المناسب للزواج، ومعناه أيضا أن الذكور يفضلون الزواج في سن مبكرة أكثر من الإناث.
من بين الأسئلة المهمة التي طرحنا في هذا البحث هناك السؤال المتعلق بصفات شريك الحياة المثالي، وينبغي الإشارة إلى أن ثلاث صفات أساسية لم تتغير أهميتها حسب أي من المتغيرات، وهي الأخلاق والتدين و”المعقول”، لكن الذي تغير حسب الإجابات هو ترتيبها فيما بينها، حيث نجد مثلا أن الفئة ما بين 18-25 سنة تضع الأخلاق قبل التدين، في مقابل الفئة العمرية ما بين 26-35 سنة التي تقوم بالعكس، ونجد أيضا أن متغير نوع السكن يؤثر بالشكل نفسه، حيث أن فئة سكن الفيلات تضع الأخلاق قبل التدين، عكس فئة السكن الأفقي بشكل خاص وفئة السكن العمودي، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على متغير التعليم أيضا، بحيث أن فئة المستوى الجامعي تضع الأخلاق في المرتبة الأولى بنسب تفوق الفئات الأخرى. أما فيما يتعلق بمتغير الجنس، فلم يؤد إلى إحداث أي اختلافات واضحة فيما يخص أهمية الصفات الثلاث الأولى، لكنه في المقابل أحدث تغيرات في اختيارات العينة لصفات أخرى، حيث وضع 15% من الإناث “الحداكة” في المرتبة السابعة (الأخيرة) في مقابل 8% من الذكور، وضع 15% من الذكور الدخل القار في المرتبة الأخيرة في مقابل 7% من الإناث، ما يشير إلى أن الإناث يمنحن أهمية أقل من الذكور لصفة الجمال، وإلى أنهن يمنحن أهمية أكبر للدخل القار من الذكور، ويتوافق هذا الأمر مع ما جاء به البحث الوطني حول القيم في المغرب سنة 2004، حيث أشار هذا الأخير إلى أن صفة المعقول تحظى بالاهتمام نفسه من قبل الجنسين، لكن 2% من الذكور يهتمون بالدخل القار في مقابل 24% من الإناث، كما أشار أيضا إلى أن “الحداكة” والأصل الأسري تحتل أهمية أكبر عند الذكور قياسا إلى الإناث([29]). وعموما فإنه يمكن القول أن متغير الجنس لا يؤثر بشكل واضح في الصفات الأساسية التي حددها المبحوثون على أنها ضرورية في شريك الحياة، لكنه يؤثر توزيع الإجابات التي تخص الصفات الثانوية.
فيما يخص سؤال ما يشكل أساس نجاح العلاقة الزوجية، وضع كل من الجنسين الثقة المتبادلة في المقام الأول، والحب في المقام الثاني مع فروق قليلة في الإجابات، بحيث أن كلاهما جعل الحب والثقة المتبادلة على نفس القدر من الأهمية، ولم يؤثر متغير الجنس كثيرا في اختلاف الإجابات، كما لم يؤثر متغيري السكن والتعليم أيضا، وفي المقابل أحدث السن اختلافا ملحوظا في الإجابات، حيث منحت الفئة العمرية ما بين 36-45 سنة أهمية أكبر من باقي الفئات العمرية الأخرى لقيمة الثقة المتبادلة، فقد وضع 52% من هذه الفئة الثقة المتبادلة في المرتبة الأولى في مقابل 22% من الفئة ما بين 26-35 سنة، و27% من الفئة ما بين 18-25 سنة. وقد منحت هذه الفئة أيضا أهمية أكبر لقيمة التضامن قياسا إلى الفئات الأخرى، حيث وضع 24% ضمنها التضامن في المرتبة الأخيرة، في الوقت الذي وضعه 45% من فئة 26-35 سنة، و49% من فئة 18-25 سنة، وعموما فإنه يمكن القول أن هناك اختلافات واضحة بين الفئة العمرية ما بين 36-45 سنة وبين باقي الفئات العمرية داخل العينة تجعلنا نعتبر أن متغير السن يلعب دورا مهما في اختلاف التوجهات والمواقف حول القيم المشكلة للعلاقة الزوجية الناجحة، لكننا لا نستطيع القول في حقيقة الأمر بأي كيفية يؤثر هذا المتغير، وإلى أي اتجاه يوجه الإجابات.
من ضمن الأسئلة المهمة في هذا السياق هناك سؤال يتعلق بموقف الشباب من تعدد الزوجات، حيث أشار معظمهم إلى أنهم غير متفقين أبدا مع هذا الفعل، وقد أثر متغير الجنس بشكل أكبر في اختلاف الإجابات، حيث أكد 65% من الإناث عن رفضهن للتعدد، في مقابل 55% من الذكور، وترجع نسبة الرفض المتفوقة من جانب الإناث إلى كون تعدد الزوجات –كما تشير إلى ذلك الاتجاهات النسوية- عبارة عن مأسسة للأفضليات الجنسية للرجال وللهيمنة الذكورية الممارسة من طرف هذه الفئة ومن طرف النظام الأبيسي القائم([30])، وبالتالي فرفض الإناث بشكل أكبر لهذه الممارسة هو تجسيد لموقف منطقي من قبل الفئة المستغلة والمتضررة من هذا الفعل، لاسيما أنه منذ نهاية القرن الماضي تزايدت احتجاجات النساء واعتراضاتهم على الاستغلال والتشييء الذي يتعرضون له، فأصبحت أصواتهم مسموعة أكثر وأصبحن يخلخلن النظام الاجتماعي التقليدي([31])، وهو الأمر الذي أدى ليس فقط إلى تزايد وعي المرأة، وإنما أيضا إلى تحسين وضعها داخل المجتمع وداخل التمثلات الاجتماعية، وقد تمثل التجسيد الملموس لهذا الأمر في إعادة الهيكلة القانونية لوضع المرأة التي تمت سنة 2003 مع إحداث مدونة الأسرة، فهذه الأخيرة لم تكن فقط مجرد إجراءات إصلاحية، وإنما شكلت خطوة مهمة نحو تغيير وضع المرأة في المغرب([32])، والأهم بالنسبة إلينا هو كونها شكلت تعبيرا عن تغير قيمي تجاه إشكالية النوع، والذي يندرج ضمنه موقف الشباب بالجديدة، لاسيما الإناث، من تعدد الزوجات.
على خلاف السؤال السابق لم يؤثر متغير الجنس بشكل واضح في اختلاف الإجابات فيما يتعلق بمدى أهمية استقلالية الأسرة وصغر حجمها، حيث اتفق كلا الجنسين مع فكرة مفادها أنه كلما كانت الأسرة صغيرة ومستقلة، كلما كانت مستقرة وناجحة، ولم يؤثر متغير التعليم كثيرا هو الآخر، حيث لم تكن هناك اختلافات واضحة بين الفئات التعليمية تكفي للإشارة بأن هذا المتغير يلعب دورا مهما في هذا السياق، فقد أفاد 19% من المستوى الجامعي بأن هذه الفكرة غير صحيحة، في مقابل 11% من مستوى الباكالوريا و26% من مستوى الثانوي الاعدادي، ويؤكد هذا الأمر أيضا البحث الوطني حول القيم، حيث لم يتبين خلاله أن لمتغير التعليم أثر مهم في أهمية استقلال الزوجين في السكن، فقد أشار 53% من ذوي مستوى التعليم الأساسي إلى أنه ضروري، في حين أشار 53% من التعليم العالي و54% من مستوى التعليم القرآني إلى نفس الأمر([33]). في المقابل أثر متغبر السن بشكل واضح في اختلاف الاجابات في بحثنا، حيث أكدت الفئة ما بين 18-25 سنة إلى أنها الأكثر اتفاقا مع فكرة استقلالية الأسرة، إذ أشار 13% فقط من هذه الفئة إلى أنهم غير متفقين مع هذه الفكرة وذلك في مقابل 27% من الفئة ما بين 26-35 سنة، و25% من الفئة ما بين 36-45 سنة، ويختلف هذا الأمر مع ما جاء به البحث الوطني، حيث أشار هذا الأخير إلى أن الفئة ما بين 18-24 سنة هي التي تمنح قيمة أقل لفكرة استقلال الزوجين في السكن، فقد أشار 40% فقط من هذه الفئة إلى أنهم يتفقون مع فكرة الاستقلال، في مقابل 57% من الفئة ما بين 25-34 سنة، و67% من الفئة ما بين 35-44 سنة([34])،والواقع أن هذا الأمر لا يتوافق مع ما توصلنا إليه، وذلك لأن الفئة التي تمنح قيمة أقل لاستقلال الأسرة في البحث الوطني هي التي تمنحها قيمة أكبر في بحثنا، لكن الأهم في هذا السياق هو أن كلا النتيجتين تشيران إلى أن متغير السن يلعب دورا مهما في هذا الإطار.
أثر متغير الجنس بشكل ملحوظ في اختلاف مواقف الشباب حول عدم ضرورة موافقة الوالدين بخصوص اختيار الزوج أو الزوجة، حيث شكلت الإناث الفئة الأكثر رفضا لهذه الفكرة، إذ أشار 56% منهن إلى أنها غير صحيحة، في مقابل 43% من الذكور، وهو عكس ما أشار إليه البحث الوطني حول القيم، حيث أفاد بأن الإناث أكثر تأييدا للاستقلالية في اختيار الزوج أو الزوجة، إذ أشار 70% منهن إلى ضرورة استقلال النساء في اختيار الزوج في مقابل 63% من الذكور، وأشار 80% منهن إلى أهمية استقلال الرجال في استقلال الزوجة في مقابل 77% من الذكور، وقد أثر متغير التعليم أيضا في هذا البحث، حيث حظي الاستقلال بأهمية الفئات الأعلى درجة في مستوى التعليم([35])، والواقع أن هذا المتغير لم يلعب دورا مهما في بحثنا، بحيث أن الاختلافات التي أحدثها لم تكن بأهمية متغير الجنس، وقد يفسر ذلك باختلاف صياغة السؤال حسب كل من البحثين، لكن عموما يمكن القول أن كلاهما يشير إلى أن قيمة الاستقلالية في الزواج تحمل أهمية مختلفة حسب متغير الجنس.
أما فيما يخص عدد الأبناء المثالي فقد اتفق معظم المبحوثين مع فكرة مفادها أن العدد المثالي للأبناء يجب أن يكون موافقا لقدرة الزوجين على تزويدهم بكل ما يحتاجون، ولم تكن هناك اختلافات مهمة في هذا السياق، حيث كان هناك شبه إجماع على صحة هذه الفكرة.
وفيما يخص سؤال طبيعة توازن العلاقة بين الزوجين، أشار الجميع تقريبا إلى أن التواصل الجيد بين الزوجين هو أساس العلاقة الزوجية الناجحة، فلم يكن هناك أي فروق مهمة حسب الجنس أو السكن أو السن أو مستوى التعليم، لكن الفروق المهمة كانت فيما يتعلق بموقف العينة من طاعة الزوجة لزوجها، حيث أثر متغير الجنس بشكل مهم في هذ السياق، إذ أشار 80% من الذكور إلى ضرورة طاعة الزوجة لزوجها في مقابل 65% من الإناث، وقد توصل البحث الوطني حول القيم إلى نتيجة مشابهة، حيث أفاد بأن 81% من الذكور يرون أنه على المرأة أن تكون خاضعة لزوجها في مقابل 75% من الإناث([36])، والواقع أن هذا الأمر يؤكد بأن متغير الجنس يلعب دورا مهما في اختلاف المواقف حول قيمة الطاعة والخضوع في العلاقة الزوجية، بحيث أن الإناث يمنحن قيمة أقل لهذه القيمة.
- تأثير قيم الشباب بمدينة الجديدة على رابط الزواج
إذا كان الزواج مهم بالنسبة إلى أغلب المبحوثين، فإن نسبة مهمة أكدت بأنه غير مهم، حيث أشار 35% إلى أنه ليس مهم في حياتهم، والواقع أن تراجع أهمية الزواج هو من ضمن القيم الحديثة التي تزايدت أهميتها في المغرب منذ العقود الأخيرة، ويتجسد هذا الأمر بشكل ملموس وواضح من خلال تراجع سن الزواج، سواء على المستوى المثالي الذي يتعلق بأفكار الشباب حول السن المناسب للزواج، أو حتى على المستوى الواقعي المتمثل في سن أول زواج، فقد حدد الشباب السن المناسب للزواج، كما أشرنا سابقا، بالنسبة للإناث بين 23 و 27 سنة، وبالنسبة للذكور بين 27 و 31 سنة، وتقترب هذه الأعمار بشكل كبير من متوسط سن الزواج في المغرب، حيث انتقل هذا السن من 24 سنة بالنسبة للذكور في سنة 1960 إلى 32 سنة 2004، ومن 17 سنة إلى 27 سنة بالنسبة للإناث([37])، وقد انتقلت نسبة العزوبة من 15% سنة 1960 إلى 39% سنة 1994([38])، ووصلت إلى 52% في الجديدة حسب إحصاء سنة 2014([39])، كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن نسبة المتزوجين في عينتنا لا تتجاوز 29%.ويشير هذا الأمر بشكل واضح إلى أثر القيم في الرابط الاجتماعي، وتحديدا إلى أثر قيم الزواج عند الشباب على انخراطهم في هذه المؤسسة، فتراجع أهمية الزواج عند الشباب أدى إلى تراجع انخراطهم ضمن هذه المؤسسة.
أشار معظم الشباب أيضا إلى أن أهم شيء في الزواج هو كونه بداية لحياة جديدة، ولم يرد الانجاب وتربية الأبناء في المرتبة الأولى سوى من قبل 14% من المبحوثين، ويخالف هذا الأمر ما أشار إليه البحث الوطني حول القيم، إذ أفاد بأن الزواج مبني بشكل قوي على الانجاب، وأشار إلى أن نسبة الأفراد الذين لا يهتمون بالإنجاب هي أقل من 1%([40])،والواقع أن هذا الأمر غير صحيح وفقا لما توصلنا إليه، حيث أفاد معظم الشباب في بحثنا بأن الانجاب لا يحظى سوى بأهمية قليلة بالنسبة إليهم، وينعكس هذا الأمر بشكل واضح على الرابط الأسري، ويتأكد هذا بشكل جلي من خلال عدد الأبناء سواء في المعدلات التي يقدمها الإحصاء الأخير في المغرب، أو في العدد المثالي الذي يحدده المبحوثون كما أشار إلى ذلك البحث الوطني نفسه، حيث أفاد هذا الأخير بأن متوسط عدد الأبناء الذي يفضله المغاربة هو 3,72، في الوقت الذي كان هذا العدد يصل إلى 4,23 سنة 1982([41])، الأمر الذي يشير إلى أن هناك تغيرا في قيم الأسرة يسير نحو إعطاء أهمية أقل للإنجاب، ويتطابق معدل الخصوبة في الجديدة حسب إحصاء 2014 (وهو 2,7)([42])بشكل كبير مع الأهمية التي يحظى بها الإنجاب في قيم الشباب، كما يشير إلى أثر أهمية هذا الأخير داخل قيم الشباب على معدلات الخصوبة وبنية الأسرة والهرم السكاني بشكل عام في مدينة الجديدة.
فيما يخص الصفات المثالية التي يرى الشباب بالجديدة أنها يجب أن تتوفر في الزوج أو الزوجة، احتلت الأخلاق والتدين و”المعقول” المراتب الأولى، وخلافا لما أشار إليه البحث الوطني حول القيم، فهذه الصفات ليست أداتية، حيث أشار هذا البحث إلى أن الصفات التي تحظى بأهمية أكبر من قبل الذكور هي “الحداكة” والنسب، في حين أن الإناث يمنحن أهمية أكبر للدخل القار، ويتفق الجنسان على أهمية “المعقول”، وتحرص كل هذه الصفات على التدبير الجيد للحياة الزوجية([43]). والواقع أن هذا الأمر لا ينطبق على ما توصلنا إليه، وذلك لأن الصفات التي تم تحديدها من طرف عينتنا لا تحمل أبعادا أداتية بقدر ما تشير إلى مجموعة من الخصال التي توفر جوا ملائما للحياة الزوجية، هذا الجو الذي يستوجب كما يشير إلى ذلك فرنسوا دوسانجلي، الدخول في سيرورة من الانسلاخ وفك الارتباط عن الذات لصالح الحياة المشتركة، والتي تتحقق من خلال بناء مسافة مع الذات، وتبني موقف نقدي تجاه الشخص لذاته، الأمر الذي يدفعه نحو تغيير سلوكاته من أجل الحفاظ على علاقته بشريكه([44])، وهكذا فإن هوية الفرد تتغير مع تغير علاقاته بشريكه لتأخذ شكلا سماه دوسانجلي بـ”الأنا الزوجية” Moi conjugale.([45]) والواقع أن الصفات التي حددها الشباب بالجديدة، هي ليست صفات تحرص على توفر الشريك على قدرات محددة (مثل الحداكة والدخل القار) تمكن من تدبير جيد للبيت والحياة الأسرية، وإنما هي مجموعة من الخصال التي رأى المبحوثون على أنها يمكن أن تشكل شخصا مستعدا للدخول في سيرورة الانسلاخ عن الذات والدخول في “الأنا الزوجية” التي تحدث عنها دوسانجلي.
يتأكد ما أشرنا إليه للتو أيضا من خلال الأسس التي يرى الشباب أنها تشكل الزوج Couple المثالي والعلاقة الزوجية الناجحة، حيث أشار معظمهم إلى أنها الثقة المتبادلة والحب، ولم يحظى التضامن سوى بمكانة هامشية في هذا السياق، الأمر الذي يشير إلى أن تصور الشباب للزواج ليس قائما على تكامل لأدوار ووظائف معينة، وإنما لانسجام بين شخصين، ويختلف هذا الأمر مع ما أشار إليه جون كلود كوفمان ، إذ اعتبر هذا الأخير أن ما يشكل الزوج ليس هو العيش تحت سقف واحد أو الزواج، وإنما هو شراء أول آلة للغسيل، والتي تفيد بأنهم اتخذوا أول خطوة في طريق الحياة الزوجية والتي تشير بالنسبة إليه إلى التوزيع المشترك لمهام البيت، ومعنى ذلك أن الفرد يدخل في تنظيم جماعي، فآلة الغسيل في هذا الإطار مهمة بالنسبة لكوفمان لأنها تفرض على الزوجين الرفع من مستوى تنظيمهم الجماعي([46])، والواقع أن هذا التصور يتوافق مع أشار إليه البحث الوطني حول القيم عندما أشار إلى الأهمية التي تحظى بها كل من “الحداكة” بالنسبة للمرأة، والدخل القار بالنسبة للرجل، لكنه يختلف مع ما توصلنا إليه ومع ما أشار إليه دوسانجلي، حيث يعتبر هذا الأخير أن ما يشكل الزوج هو العيش المشترك cohabitation، فالمدة التي يقضيها الفردين معا في مجال واحد هي ما ينتج التنظيم الجماعي، وذلك لأنه يفرز المؤانسة والاندماج داخل الحياة الزوجية([47])، وبالتالي فحرص المبحوثين على توفر شرط الأخلاق والتدين و”المعقول”، هو إشارة على تصورهم لما يشكل الشخص المناسب لمشاركة مجال البيت، أو السقف الواحد، وتعتبر الأهمية التي يمنحها الشباب بالجديدة إلى الثقة المتبادلة والحب، مؤشرا على تصورهم لما يشكل شروطا أساسية لبناء رابط زواج قوي، مؤسس ليس على التنظيم أو تقسيم العمل، وإنما على التواصل والتفاعل وبناء العلاقة مع الغير على المؤانسة([48]).
من ضمن قيم الزواج لدى الشباب التي تلعب دورا مهما في تشكيل سمات الرابط الأسري، هناك الموقف الذي يبدون إزاء تعدد الزوجات، حيث أشار معظمهم إلى أنهم غير متفقين مع هذا الفعل، ويتجلى التأثير المباشر لهذا الموقف في نسب هذا النوع من الزواج، حيث أنها تراجعت من 6,6% سنة 1980([49]) إلى 0,27% سنة 2008([50])، ويشير هذا التراجع الكبير إلى الأثر الملموس الذي أحدثته أهمية تعدد الزوجات في قيم الشباب على انخراطهم ضمن مؤسسة الزواج وعلى أشكال الأسرة المترتبة عن هذا الأمر، وقد أشار معظم الشباب في هذا السياق أيضا إلى أنهم يتفقون مع فكرة ارتباط صغر حجم الأسرة مع استقرارها، والواقع أن لهذا الموقف أثر مهم على الرابط الأسري، وذلك لأنه يؤثر على بنية الأسرة، ويتأكد هذا الأمر من خلال التغير الذي عرفته هذه الأخيرة خلال العقود الماضية، حيث تم الانتقال من الأسرة الممتدة التي كانت الشكل الأساسي للأسرة في المغرب إلى الأسرة النووية، التي أصبحت تشكل أكثر من 63% من أشكال الأسرة في المغرب اليوم([51])، ومع أنه ليس بحوزتنا إحصاءات تخص عدد هذه الأسر في الجديدة تحديدا، إلا أنه ليس من الصعب الافتراض بأنها تسير بشكل كبير في اتجاه التقلص من حيث حجم، لاسيما أن قيم الشباب تؤكد ذلك بشكل قوي إضافة إلى الاحصاءات الوطنية التي أشرنا إليها آنفا. وعموما فإنه يمكن القول أن قيم الزواج عند الشباب بالجديدة تتوافق بشكل كبير مع التوجهات العامة التي تصفها الإحصاءات الوطنية (نسب تعدد الزوجات مثلا، عدد الأسر النووية)، الأمر الذي يسفعنا في القول أن لهذه القيم تأثير مهم على رابط الزواج بالجديدة والرابط الأسري بشكل عام.
أشار معظم الشباب إلى أن قيمة الطاعة في رابط الزواج تحظى بأهمية صغيرة بالنسبة إليهم قياسا إلى قيم أخرى، حيث اتفق جمعيهم تقريبا مع فكرة أن التواصل الجيد بين الزوجين هو الذي يؤدي إلى نجاح العلاقة الزوجية، والواقع أن هذا الموقف ينعكس بشكل مباشر على رابط الزواج، ويؤكد البحث الوطني حول الرابط الاجتماعي في المغرب سنة 2012 هذا الأمر بشكل ملموس، حيث أشار هذا الأخير إلى أن التوافق يحظى بأهمية أكبر من الطاعة فيما يخص العلاقات الزوجية في المغرب اليوم، حيث أن أكثر من ثلاث أرباع (77%) العينة التي تناولها يشيرون إلى أن التوجه نحو المساواة بين الزوجين يسير في مصلحة تقوية رابط الزواج والرابط الأسري بشكل عام([52])، إذ أن 32% من عينة هذا البحث يؤكدون على أن الزوجة يجب أن تربطها علاقة توافق مع زوجها في مقابل 16% يشيرون إلى أنها يجب أن تطيعه، ويتأكد هذا الأمر أيضا من خلال تزايد أهمية مشاركة القرارات بين الزوجين، حيث يفيد هذا البحث بأن عددا كبيرا من الأمور أصبحت تعتبر على أنها محور توافق بين الزوجين وليست حكرا على الرجل، ومثال على ذلك قرار بيع أو شراء عقار أو سكن، حيث أفاد أكثر من 64% إلى أنه قرار مشترك([53])، ومع أن هذه النسبة قد لا تبدوا مهمة جدا لكنها تصبح كذلك عندما نقارنها بالنتيجة التي توصل إليها البحث الوطني حول القيم سنة 2004 بخصوص نفس السؤال، حيث أفاد 42% من عينته فقط بأن هذا القرار يجب أن يكون مشتركا في حين أشار أغلبهم إلى أنه يخص الرجال بالأساس([54])، ويشير هذا الأمر إلى حصول تغير واضح في قيم الزواج خلال هذه الفترة، بحيث أن هذا التغير يسير نحو تراجع مستمر لأهمية قيمة الطاعة في رابط الزواج، الأمر الذي يشير أيضا إلى حصول تغير في طبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة، كما يؤكد أيضا ما أشرنا إليه سابقا، ويعزز فكرة تحول رابط الزواج من علاقة مبنية على تكامل الأدوار وهيمنة سلطة الرجل إلى علاقة مبنية على الحوار والتواصل، كما يؤكد ذلك البحث الوطني حول الرابط الاجتماعي([55]).
خاتمة:
كان أساس مشروع هذه الدراسة النظر في قيم الزواج عند الشباب المغربي واستشفاف أهم مظاهر الثابت والمتحول فيها، وقد أسعفنا اختبار الإشكالية التي كانت المنطلق بأن نلامس الأعماق التي تمتد نحوها مواقف وأفكار الشباب، والتي يحملونها في نفس الوقت تجاه مؤسسة الزواج، كما مكننا ذلك أيضا من الوصول إلى بعض النتائج – التي جاء كثير منها على خلاف العديد من الدراسات التي استدعيناها للمناقشة- ويبقى أبرزها أن الصفات الأكثر أهمية في شريك الحياة بالنسبة للشباب هي الأخلاق والتدين والثقة، ويحظى الدخل القار و”الحداكة” بأهمية أقل قياسا إلى ما توصلت إليه بحوث سابقة، ثم أن الزواج في نظر أغلبهم هو الشرط الأساسي للإنجاب وللقيام بعلاقة جنسية، لكنهما يحملان أقل قدر من الأهمية داخل الزواج بالنسبة إليهم، والمُلاحظ أنه كلما كان المستوى التعليمي للفرد أقل، زاد تشبّته بأهمية الزواج كضرورة منطقية للقيام بعلاقة جنسية.
يمكن إجمال مضمون هذه الدراسة في فكرة واحدة مفادها أن لقيم الزواج عند الشباب المغربي تأثير واضح على انخراطهم في هذه المؤسسة والرابط الأسري بشكل عام. كما يمكن القول أيضا أن المواقف التي يظهرونها تشير على تحولات مهمة في القيم، ومثال على ذلك موقفهم من تعدد الزوجات، وأهمية الانجاب في الزواج…الخ، والوقع أن بعضها ليس جديدا وإنما بدأت سيرورته منذ فترة طويلة (مثال تعدد الزوجات)، لكن البعض الآخر جديد ويشير إلى حدوث تغيرات مهمة في قيم الأسرة خلال الآونة الأخيرة (مثال تراجع أهمية قيمة الطاعة). وينبغي القول هنا، أن قيم عينتنا لا تختلف بشكل كبير حسب المتغيرات التي حددناها، حيث أن المتغير الذي لعب دورا أكبر في اختلاف الإجابات هو الجنس، لكنه مع ذلك لم يحدث تباينا كبيرا حتى نعتبر أن هناك قيما خاصة بكل من الجنسين فيما يتعلق بالزواج، فالإجابات متقاربة ولا تختلف سوى بنسب قليلة غير دالة في بعض الأحيان. وعليه، فإن القيم التي يبديها الشباب تؤثر بشكل كبير على رابط الأسرة، وعلى بنيتها كمؤسسة ، وبالتالي على طبيعة العلاقة بين أفرادها، وتحديدا بين الزوجين.
قائمة المراجع:
- Cheikh Mériam. « L’amour, le sexe et l’argent au Maroc : une sexualité dans tous ses états In : Chic, chèque, choc : Transactions autour des corps et stratégies amoureuses contemporaines »[enligne]. (Genève: Graduate Institute Publications, 2012) , (généré le 30 avril 2019).
- Céline LemaleEttonia, « Vers une compréhension du phénomène“ prostitutionnel ”féminin, entant que “Pratiques Sexuelles Récompensées” au Maroc, à travers une clinique du sujet et du lien social »:“De celles qui sortent à Marrakech…”, (Université Européenne de Bretagne, 2010).
- François de Singly, «Libres ensembles», Armand Colin, 2e édition (2016).
- Grigori Lazarev, « Ruralité et changement social Etudes sociologiques », (Faculté des lettres et des Sciences humaines, Rabat. 1970) .
- Luc Van Campenhoudt,Raymond Quivy, « manuel de recherche en sciences sociales», (Dunad, Paris, 2007).
- Luc Van Campenhoudt,Raymond Quivy, « manuel de recherche en sciences sociales», (Dunad, Paris, 2007).
- Institut Royal des Etudes Stratégiques,« Rapport de l’enquête nationale sur le lien social au Maroc». (21 Mars 2012).
- Hassan Rachik, RahmaBourqia, AbedellatifBencherifa…[et al.], « Rapport de synthèse de l’enquête nationale sur les valeurs » Cinquantenaire de l’indépendance du Royaume du Maroc (Rabat : 2005).
- Haut-Commissariat au Plan (HCP), « Rapport général : 50 ans de développement humain au Maroc et perspectives 2025 », (Institut Royal des Etudes Stratégiques 2005).
- Haut-Commissariat au Plan : « Recensement Général de la Population et l’habitat » (RGPH 2014)voir : hcp.ma
- HCP : « Santé de reproduction au Maroc facteurs démographiques et socioculturels Partie 2 Aspects anthropologiques et sociologiques», (Centre d’etudes et de recherche demographiques 1998).P. 2
- RahmaBourqia, « Valeurs et changement social au Maroc », Rapport sur le développement humain. (Rabat, 2006).
- Shalom H. Schwartz, « Les valeurs de base de la personne : théorie, mesures et applications », Hammer et Monique Wach (trad.). Revue française de sociologie. vol. 47, no. 4 (2006).
- Serge Paugam, « L’enquête sociologique », collection quadrige, (presses universitaires de France, 2012).
- World values Survey (Morocco), WV6_Results: Morocco 2011_v20180912 (Mai 2011).
([1])Haut-Commissaire-au-Plan (hcp): Quartiers CU El Jadida RGPH, ( 2014), voir : www.hcp.ma
([2])Serge Paugam, « L’enquête sociologique », collection quadrige, (presses universitaires de France, 2012), PP. 78-79
)[3](Luc Van Campenhoudt, Raymond Quivy, « manuel de recherche en sciences sociales», (Dunad, Paris, 2007), P. 171.
([4])Hassan Rachik, Rahma Bourqia, Abedellatif Bencherifa…[et al.], « Rapport de synthèse de l’enquête nationale sur les valeurs » Cinquantenaire de l’indépendance du Royaume du Maroc (Rabat : 2005),P. 15
([5])World values Survey (Morocco), WV6_Results: Morocco 2011_v20180912 (Mai 2011) P. 108
([6])HCP : « Santé de reproduction au Maroc facteurs démographiques et socioculturels Partie 2 Aspects anthropologiques et sociologiques», (Centre d’etudes et de recherche demographiques 1998).P. 2
([7])Cheikh Mériam. « L’amour, le sexe et l’argent au Maroc : une sexualité dans tous ses états In : Chic, chèque, choc : Transactions autour des corps et stratégies amoureuses contemporaines »[enligne]. (Genève: Graduate Institute Publications, 2012) , (généré le 30 avril 2019). PP. 95-96
([8])Hassan Rachik, Rahma Bourqia, AbedellatifBencherifa…[et al.],Ibid., PP.18-19
([9])Hassan Rachik, RahmaBourqia,AbedellatifBencherifa…[et al.], Ibid., P. 15
([14])François de Singly, «Libres ensembles», Armand Colin, 2e édition (2016), PP. 246-247
([15])HCP : « Santé de reproduction au Maroc facteurs démographiques et socioculturels Partie 2 Aspects anthropologiques et sociologiques», Ibid., P. 54
([16])Céline Lemale Ettonia, « Vers une compréhension du phénomène“ prostitutionnel ”féminin, entant que “Pratiques Sexuelles Récompensées” au Maroc, à travers une clinique du sujet et du lien social »: “De celles qui sortent à Marrakech…”, (Université Européenne de Bretagne, 2010), P. 37
([18])RahmaBourQia, « Les valeurs : Changements et perspectives », Rapport sur le développement humain. (Rabat, 2006), P. 66
([19]) Rahma Bourqia, « Valeurs et changement social au Maroc », Rapport sur le développement humain. (Rabat, 2006), P. 106
([21]) Grigori Lazarev, « Ruralité et changement social Etudes sociologiques », (Faculté des lettres et des Sciences humaines, Rabat. 1970), P. 353
([22]) Shalom H. Schwartz, « Les valeurs de base de la personne : théorie, mesures et applications », Hammer et Monique Wach (trad.). Revue française de sociologie. vol. 47, no. 4 (2006), P. 930
([23]) Hassan Rachik, Rahma Bourqia, Abedellatif Bencherifa…[et al.], Ibid., P. 27
([25])Rahma BourQia, Ibid., P. 89
([26]) Hassan Rachik, Rahma Bourqia,Abedellatif Bencherifa…[et al.], Ibid.,P. 15
([28]) Hassan Rachik, Rahma Bourqia, Abedellatif Bencherifa…[et al.], Ibid., P. 32
([30])Céline Lemale Ettonia, Ibid., P. 87
([31])Rahma Bourqia, Ibid., P. 110
([32])Céline Lemale Ettonia, Ibid,. PP. 67-68
([33]) Hassan Rachik, Rahma Bourqia,Abedellatif Bencherifa…[et al.], Ibid., P. 33
([37]) Haut-Commissariat au Plan (HCP), « Rapport général : 50 ans de développement humain au Maroc et perspectives 2025 », (Institut Royal des Etudes Stratégiques 2005).P. 75
([38]) Hassan Rachik, Rahma Bourqia,Abedellatif Bencherifa…[et al.], Ibid., P. 15
([39]) Haut-Commissariat au Plan : « Recensement Général de la Population et l’habitat » (RGPH 2014)voir : www.hcp.ma
([40]) Hassan Rachik, Rahma Bourqia,Abedellatif Bencherifa…[et al.], Ibid., P. 19
([42]) HCP: « Recensement Général de la Population et l’habitat » (RGPH 2014) voir : www.hcp.ma
([44]) François de Singly,Ibid., P. 50
([49])HCP : « Santé de reproduction au Maroc facteurs démographiques et socioculturels Partie 2 Aspects anthropologiques et sociologiques», Ibid., P. 54
([50]) Céline Lemale Ettonia, Ibid., P. 37
([51])Rahma Bourqia, Ibid. , P. 110
([52])Institut Royal des Etudes Stratégiques,« Rapport de l’enquête nationale sur le lien social au Maroc». (21 Mars 2012), P. 23