اشكالية التعدد المنهجي في العلوم السياسية
The Problematic of Methodological pluralism in political science
د. هاجر خلالفة، أستاذة محاضرة، قسم العلوم السياسية، جامعة عباس لغرور خنشلة، الجزائر
Dr. Hadjer Khelalfa, Abbas Laghrour University khenchela, Algeria
ورقة منشورة كتاب أعمال مؤتمر تمتين أدبيات البحث العلمي ديسمبر 2020 في الصفحة 135.
Abstract :
Many studies indicate that the social sciences do not enjoy the scientific standing of the natural sciences, and the objectives of science – reaching certainty knowledge – have not been achieved in them, such as what has been accomplished and achieved in the natural sciences. This is despite the orientations of the social sciences – including political science – towards the scientific method. This is due to the problem of multiple approaches, theories, and sources of information, as well as the multiplicity of analysis tools used in the study of political phenomena.
Thus, the issue of the problem of systematic pluralism in political science falls within many political science topics: Firstly, in the methodology of political research, which mainly focuses on studying the different approaches used in the study of political phenomena, and the problem of systematic pluralism is included in many international relations issues: such as comparative politics, Security and strategic studies, … etc. “
Key Words : Methodological pluralism, approaches, theories, methodology, methodological integration.
الملخص:
تشير الكثير من الدراسات بأن العلوم الاجتماعية لا تحظ بالمكانة العلمية التي تحظى بها العلوم الطبيعية، كما لم تتحقق فيها أهداف العلم – الوصول إلى المعرفة اليقينية- مثل ما أنجز و تم تحقيقه في العلوم الطبيعية. وذلك على الرغم من توجهات العلوم الاجتماعية – بما فيها العلوم السياسية- نحو الطريقة العلمية، وذلك إنما يرجع إلى إشكالية تعدد المناهج، النظريات، مصادر المعلومات، وكذا تعدد أدوات التحليل المستعملة في دراسة الظاهرة السياسية.
وبذلك يندرج موضوع إشكالية التعدد المنهجي في العلوم السياسية ضمن العديد من مواضيع العلوم السياسية: بداية في منهجية البحث السياسي، التي تركز أساسا على دراسة المناهج المختلفة والمستخدمة في دراسة الظاهرة السياسية، كما تندرج إشكالية التعدد المنهجي في الكثير من مواضيع العلاقات الدولية: كالسياسة المقارنة، والدراسات الأمنية والاستراتيجية،…الخ”.
الكلمات المفتاحية: التعدد المنهجي، المناهج، النظريات، المنهجية، التكامل المنهجي.
مقدمة:
يذهب العديد من الباحثين والمنظرين إلى القول بأن العلوم الاجتماعية لا تحظ بالمكانة العلمية التي تحظى بها العلوم الطبيعية، كما لم تتحقق فيها أهداف العلم – الوصول إلى المعرفة اليقينية- مثل ما أنجز وتم تحقيقه في العلوم الطبيعية، على الرغم من توجهات العلوم الاجتماعية – بما فيها العلوم السياسية- نحو الطريقة العلمية، وذلك إنما يرجع إلى إشكالية تعدد المناهج، النظريات، مصادر المعلومات، وكذا تعدد أدوات التحليل المستعملة في دراسة الظاهرة السياسية.
يندرج موضوع إشكالية التعدد المنهجي في العلوم السياسية ضمن العديد من مواضيع العلوم السياسية: بداية في منهجية البحث السياسي، التي تركز أساسا على دراسة المناهج المختتلفة والمستخدمة في دراسة الظاهرة السياسية، وفي الكثير من مواضيع العلاقات الدولية: كالسياسة المقارنة، الدراسات الأمنية والاستراتيجية،….الخ”.
1- أهمية الموضوع:
تكمن القيمة العلمية للموضوع في كيفية فهم وتوظيف التعدد المنهجي في العلوم السياسية في ظل وجود أزمة البحث عن المنهجية الواجب استخدامها أو إتباعها في معالجة الظاهرة السياسية، للوصول في الأخير إلى ما يطلق عليه بالتكامل المنهجي في العلوم السياسية، الذي ما هو سوى نتيجة للتعددية المنهجية.
2- إشكالية الدراسة:
إن تعدد المناهج والنظريات والأدوات في دراسة الظاهرة السياسية قد افرز معضلة منهجية يمكن ترجمتها في ثنائية (كيف/بماذا) ندرس؟، وبالتالي فقد شكل التعدد المنهجي أزمة فعلية في البحث الاجتماعي بما فيه البحث السياسي وهذا ما يقود إلى طرح الإشكالية التالية:
” كيف يمكن الاستفادة من توظيف التعدد المنهجي في العلوم السياسية؟”
3- الفرضيات:
يمكن إثبات صحة أو خطأ الفرضيتين التاليتين:
1- كلما تم الاعتماد على أكثر من منهج في دراسة موضوع ما كلما أدى ذلك إلى الوصول إلى نتائج أكثر يقينية نسبيا.
2- كلما زاد تعقد الظاهرة المدروسة كلما زادت الحاجة إلى الاعتماد على التعددية المنهجية.
4-المقاربة المنهجية:
تم الاعتماد على منهجين في هذا المقال، المنهج التاريخي والمنهج الوصفي، حيث وظف الأول بشكل أساسي في المحور الأول الذي تناول أهم المفاهيم المستخدمة في البحث وتطورها، أما الثاني ألا وهو المنهج الوصفي فقد استعمل في المحورين الثاني والثالث.
5- توضيح الخطة:
يرتكز هذا المقال على ثلاث محاور أساسية:
يتناول المحور الأول الإطار المفاهيمي للدراسة، من خلال التطرق الى مفهوم كل من المنهجية، المنهج، والنظرية، فهذه المفاهيم الثلاثة مجتمعة تشكل مفاتيح الدراسة.
أما المحور الثاني فيتطرق إلى مستويات التعدد المنهجي في العلوم السياسية، من خلال التعرض بداية إلى الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا التعدد في حقل العلوم السياسية، بالإضافة إلى التعرض إلى مستويات هذا التعدد، لنصل في الأخير إلى تبيان شكل العلاقة بين المستويين.
في حين شكل المحور الثالث بمثابة تقييم لمدى استعمال التعدد المنهجي في الدراسات والبحوث بين متردد في استعمال هذا الأخير وبين مؤكد لضرورة استعماله.
ونختم المقال بخاتمة التي تشكل حوصلة لكل ما تم تناوله، وأهم النتائج المتوصل إليها، دون نسيان الأهم و هو الإجابة عن الإشكالية المطروحة في المقدمة.
- الإطار المفاهيمي:
عند القيام بأي بحث لا بد من الإشارة بداية إلى أهم المفاهيم التي سيتم استعمالها من خلال التطرق إلى تعريفها، وإزالة الغموض عنها، وكذلك التطور الذي حصل على المفهوم بيد أن المفاهيم تشكل المفاتيح التي يستعملها الباحث في تحليله لموضوع معين. وسيتم ذلك من خلال تناول ثلاثة مفاهيم أساسية وهي: مفهوم المنهجية، مفهوم المنهج، ومفهوم النظرية.
1-مفهوم المنهجية (Méthodologie)
يذهب العديد من الباحثين في العلوم الاجتماعية إلى الخلط بين مفهوم المنهجية ومفهوم المنهج، بل يذهب البعض الى اعتبارهما مرادفين لبعضهما البعض، و يشيران الى نفس المعنى. و لكن نجد أن مفهوم المنهجية هو مفهوم مستقل كلية عن مفهوم المنهج والعكس صحيح، وهو ما سنحاول تبيانه من خلال تبيين مفهوم المنهجية.
إن مصطلح المنهجية في اللغة العربية، هو الذي يقابله في اللغة الفرنسية Méthodologie [1]، و يتكون هذا المفهوم من كلمتين: Méthode و تعني المنهج، وLogie وتعني علم.
وبالتالي إذا جمعنا الكلمتين مع بعضهما البعض وجدنا أن المنهجية في معناها الاصطلاحي تشير الى ذلك العلم الذي يجعل من المنهج موضوعا للدراسة، فهي بذلك علم المناهج. إذا فالمنهجية تشكل الكل الذي هو أشمل وأعم من المنهج الذي يشكل جزءا من الكل ألا وهو المنهجية.
هذا من الناحية الاصطلاحية بالنسبة لمفهوم المنهجية، أما بالنسبة لمفهوم المنهجية من ناحية المضمون فنجد اختلافا على هذا المستوى، فهناك من يعتبر المنهجية كفن، وهناك من يعتبرها كعلم[2]:
*المنهجية كفن:
إن فكرة تناول المنهجية كفن مستنبطة من فكرة التعامل مع المنهجية كأسلوب وطريقة منمقة في تقديم المعلومات وترتيبها بشكل يجعل منها منظمة بطريقة جيدة وبسيطة، مستوفية بذلك المعنى المراد توصيله إلى ذهن القارئ.
*المنهجية كعلم:
إن اعتبار المنهجية كعلم يظهر في تعريف المنهجية نفسه حينما يشير إلى كون المنهجية هي ذلك العلم الذي يهتم بدراسة المناهج، كما أن إضفاء صفة العلمية على شيء ما لابد من توفر هذا الأخير على منهج وموضوع، وهو ما يتحقق في المنهجية بصفتها العلم الذي يدرس المناهج، فهي بذلك تحتوي في طياتها على المنهج و ما يطبقه هذا المنهج من ظواهر بمثابة الموضوع.
وبالتالي من خلال عرضنا لمفهوم المنهجية نتوصل الى أن المنهجية هي علم وفن في الوقت نفسه، فهي مجموع المناهج والتقنيات التي توجه إعداد البحث وترشد إلى الطريقة العلمية[3].
2-مفهوم المنهج (Méthode)
يعتبر المنهج العلمي الوسيلة أو الطريقة التي يستعملها الباحث في دراسته لظاهرة معينة أو في معالجته لموضوع معين، من أجل تحقيق هدف رئيسي ألا وهو الوصول الى المعرفة العلمية اليقينية.
إن مفهوم المنهج قد عرف تطورا على مر العصور، فقد تطور عند:
*الاغريق:
يعتبر اليونان أول من استخدم كلمة منهج، فقد كان أول استخدام له مع أفلاطون (Plato) (427-347 ق.م)، حيث عرفه كمرادف للبحث، كما عرفه على أنه المعرفة التي يكتسبها الإنسان في تعامله مع واقعه[4]،
أما أرسطو (Aristote) (384-322 ق.م) فقد عرف المنهج على أنه البحث نفسه.
*القرون الوسطى:
أهم من عرف المنهج في هذه الفترة كان كل من ابن خلدون (1332-1406م) صاحب كتاب “المقدمة”، وابن تيمية صاحب كتاب “نقد المنطق”، حيث تم تعريف المنهج على أنه: “مجموعة من القواعد المصاغة التي يعتمدها الباحث بغية الوصول الى الحقيقة العلمية بشأن الظاهرة”.
*العصر الحديث:
ظهر المنهج العلمي في شكله المعاصر في ق 17 م، أين نشأ العلم الحديث مع مفكرين ذائعي الصيت أمثال: Descartes, Bacon, William James, Karl Marx, Emile Durkheim, و Galilée)) (1564-1642) الذي يعتبر أول من اقترح الفروض وأخضعها للتجربة، حينذاك نشأ المنهج العلمي[5].
ويعتبر تعريف فلاسفة “منطق بوروبال” من أهم التعاريف المقدمة للمنهج في العصر الحديث، حيث تم تعريفه على أنه: “فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين، أو من أجل البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها عارفين[6]“.
كما يعرف “حامد ربيع” المنهج بأنه: “طريق الاقتراب من الظاهرة، وهو المسلك الذي نتبعه في سبيل الوصول الى ذلك الهدف المحدد مسبقا[7]“.
أما الأستاذ “عامر قنديلجي” فيرى: “المنهج العلمي هو الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم المختلفة، وذلك عن طريق جملة من القواعد العامة التي تسيطر على سير العقل، وتحدد عمليا حتى يصل إلى نتيجة مقبولة ومعلومة[8]“.
مما سبق يمكن استخلاص تعريف إجرائي للمنهج على أنه الطريقة العلمية المنتهجة من قبل الباحث في دراسته لظاهرة معينة وفق خطوات محددة بهدف تحقيق المعرفة اليقينية.
3-مفهوم النظرية (Théorie)
تعتبر النظرية من المفاهيم الشائكة والمعقدة، فهي تشير إلى La Vision في اللغة الفرنسية، وإلى The Sight في اللغة الانجليزية، وقد تعددت التعاريف المقدمة للنظرية كل حسب رأيه و توجهه، فنجد هناك من ربط النظرية بوظائفها التي تؤديها في دراسة موضوع معين، و هناك من حصرها في كونها وسيلة تقوم بتنظيم المفاهيم والمعلومات لدراسة ظاهرة معينة[9]. ومن هنا سنورد بعض التعاريف التي قدمها مجموعة من الباحثين:
عرفها Zetterbrg بأنها: “مجموعة من الفروض التي تشبه القوانين والمرتبطة بصورة منظمة[10]“، في حين يعرفها Monte Palmer على أنها: “إذا كان الفرض إقرار غير محقق بوجود علاقة بين متغيرين أو أكثر، فإن النظرية هي إقرار بوجود علاقة محققة امبريقيا، وفي اللحظة التي تكون فيها النظرية قابلة للاختبار الامبريقي يمكن عندئذ استنباط منها افتراضات عدة[11]“.كما يعرفها Graham C. Kinloch بأنها: “مجموعة من الافتراضات المجردة والعلاقات المنطقية التي تحاول شرح وتفسير كيفية حدوث ظاهرة معينة[12]“. ويعرفها Fillipe Braillardsفي كتابه «Théories des relations internationales» بأنها إطار مفهومي يمكن من تنظيم البحث وصياغة الفرضيات التي من شأنها إيضاح الظواهر المدروسة[13]“.
مما سبق وبالرغم من تعدد التعاريف والمفاهيم المقدمة للنظرية، يمكننا صياغة التعريف الإجرائي التالي بأن النظرية هي إطار مفاهيمي يوجه البحث نحو مجالات مثمرة وتمكنه من التفسير في إطار أشمل وأكثر وضوحا.
بعد تحديدنا للعلاقة التي تربط المنهجية بالمنهج، والتي توصلنا إلى أنها علاقة الكل بالجزء، بمعنى أن المنهجية هي الكل الذي يدرس الجزء الذي هو المنهج، نصل الى تحديد العلاقة الكائنة –هذه المرة- بين المنهج والنظرية.
إن كل من المنهج والنظرية يعمل على تنظيم المعلومات، فإذا كانت النظرية تمثل دليلا إرشاديا للمنهج، فإن هذا الأخير يعمل على تطوير النظرية والتحقق من صدقها أو إعادة صياغتها لتلائم حقيقة جديدة وتكون أقدر على الفهم والتفسير والتوقع.
II–مستويات التعدد المنهجي في العلوم السياسية
ان إشكالية التعدد المنهجي (The Methodology Of Triangulation) في العلوم الاجتماعية عامة، والعلوم السياسية خاصة أثيرت في المجتمعات الغربية في سبعينات القرن الماضي نتيجة ما تتصف به الظاهرة الاجتماعية عامة والظاهرة السياسية خاصة من كونها دائمة التغيير وبالغة التعقيد.
يقوم التعدد المنهجي على فلسفة منطلقة من المقولة الشهيرة في التراث الغربي: “لا يوجد بيننا من هو أقوى منا” «No one of us is as strong as all of us»، ويتكون في العلوم الاجتماعية من خمسة أنواع أساسية:
- تعدد المناهج.
- تعدد النظريات.
- تعدد
- الملاحظين.
- تعدد أدوات جمع البيانات.
- تعدد مصادر البيانات.
وفي هذا البحث سنركز على مستويين رئيسيين للتعدد المنهجي ألا وهما التعدد على مستوى المناهج و التعدد على مستوى النظريات، أما بالنسبة للمستويات الأخرى فسنوجزها فيما يلي[14]:
* تعدد الملاحظين كمستوى للتعدد المنهجي:
يقوم هذا المستوى من مستويات التعدد المنهجي على افتراض أن استخدام أو الاكتفاء بملاحظ واحد لملاحظة ظاهرة ما أو سلوك ما، أو العيش في مجتمع ما وملاحظته يكون أكثر عرضة للخطأ والتحيز، كما في حالة الاعتماد على مجموعة من الملاحظين.
إن تعدد الملاحظين من شأنه أن يضفي مصداقية أكثر ويقلل من الأخطاء في البيانات المجموعة مما يؤدي في النهاية الى الوصول إلى معرفة أكثر دقة، وأكثر صوابا، وأكثر قربا من الواقع الاجتماعي.
* تعدد أدوات جمع البيانات كمستوى للتعدد المنهجي:
يأخذ هذا النوع من أنواع التعدد المنهجي شكلين رئيسيين هما:
أ-تعدد أدوات جمع البيانات:
إن التعدد في استخدام أكثر من أداة في جمع البيانات يتجلى في أن يستخدم الباحث مثلا في بحثه: الملاحظة والاستبيان، أو الملاحظة والمقابلة….الخ”. ويقوم هذا النوع من التعدد المنهجي على افتراض أن نقاط الضعف في أداة معينة هي نقاط القوة في أداة أخرى، و بذلك فاستخدام أكثر من أداة في البحث يكون كفيلا بتلافي العيوب الموجودة في كل أداة فردية فمثلا تعتبر “المقابلة” أداة لجمع البيانات، حيث تسمح بالحصول على معلومات دقيقة عن الظاهرة المدروسة من قبل الباحثين، ولكن ما يعاب عليها أنها لا تراعي سرية ومجهولية الباحث، كما يمكن أن يكون فيها تحيز، بالإضافة الى أنه يمكن أن تشكل بعض المواضيع نوع من الإحراج للباحث.
ب-التعدد داخل الأداة نفسها:
نعني به استخدام أكثر من مقياس داخل الأداة نفسها، كأن يقوم الباحث باستخدام ثلاثة مقاييس مختلفة داخل استمارة بحث واحدة، خاصة حينما تكون الظاهرة المدروسة متعددة الأبعاد.
* تعدد مصادر البيانات كمستوى للتعدد المنهجي:
يقوم هذا النوع على فكرة أساسها أن الاكتفاء بمصدر واحد للبيانات واستعماله في دراسة الظاهرة المدروسة من شأنه أن يكون محددا للباحث بصورة كبيرة، بالإضافة أن النتائج ستكون أقل مصداقية. في حين أن استخدام مصادر عديدة يؤدي الى نتائج أكثر مصداقية، كما أن عدم الاكتفاء بمصدر واحد للبيانات يكون كفيلا بتقديم أجزاء متعددة من الحقيقة المتعلقة بالظاهرة المدروسة.
هذا باختصار عرض للمستويات الثلاثة الأخرى للتعدد المنهجي، و فيما يلي سيتم التركيز على الأسباب التي أدت الى وجود هذا التعدد، بالإضافة إلى شرح وتحليل مستوى المناهج ومستوى النظريات في التعدد المنهجي.
1- أسباب التعدد المنهجي
إن إشكالية التعدد المنهجي في العلوم السياسية قد شكل أزمة كبيرة في العلوم الاجتماعية عامة والعلوم السياسية خاصة و يمكن إرجاع هذا التعدد الحاصل الى الأسباب التي يمكن أن نوجزها فيما يلي:
أ-تعقد موضوعات البحث في العلوم الاجتماعية:
من الصعب جدا إصدار تعميمات في العلوم الاجتماعية، على عكس العلوم الطبيعية وذلك لتداخل العديد من العوامل و المتغيرات التي لا يمكن عزلها عن بعضها البعض في تفسير الظواهر الاجتماعية والإنسانية، مما يجعل من الصعب الوصول الى تعميم للنتائج.
ب-فقدان الروح العلمية الموضوعية[15]:
يجب على كل باحث عند تناوله لدراسة موضوع ما أن يتحلى بالروح العلمية الموضوعية، ولكن من الصعب جدا تحقيق ذلك كون أن الباحث هو جزء لا يتجزأ من الظاهرة موضوع الدراسة في العلوم السياسية، عكس ما هو موجود في العلوم الطبيعية أين يكون الباحث مستقلا تماما عن الظاهرة موضوع الدراسة.
و لتجاوز هذه الأزمة اقترح عالم الاجتماع الفرنسي “إميل دوركهايم” أن تتم دراسة الظاهرة الاجتماعية كشيء مادي، و هو ما أطلق عليه عنده “بالشيئية”.
ت-المنهج العلمي نفسه:
إن كل منهج من المناهج هو وليد عصر معين ونتاج فكري خاص بباحث معين فما كان معمولا به عند اليونان لم يكن معمولا به عند الرومان وهكذا…
ج- التفاعل بين الباحث الملاحظ و الأفراد في دراسة الظاهرة[16]:
إن وجود الباحث قد يتسبب في التأثير على سلوك الأفراد المبحوثين، وقد يرجع ذلك الى وجود علاقات ثقة وحتى صداقة بين الباحث وأفراد الدراسة، والذي سيؤدي الى عدم إمكانية الحصول على معلومات صادقة ودقيقة فتصبح تلك المعلومات تتماشى مع توجهات الباحث وليس توجهات البحث.
د- تشعب فروع العلوم السياسية[17]:
إن العلوم السياسية هي تلك العلوم التي تهتم بدراسة التاريخ السياسي، الجغرافيا السياسية، الاقتصاد السياسي، والقانون الدولي، وغيرها من الفروع…فتعدد الفروع يحتم التعدد في المناهج المستخدمة في الدراسة، فمثلا نجد القانون الدولي بحاجة إلى المنهج القانوني، التاريخ السياسي يحتاج إلى توظيف المنهج التاريخي، والاقتصاد السياسي يحتاج المنهج الماركسي، وهكذا دواليك.
ه- تعدد فروع العلوم الاجتماعية:
إن العلوم الاجتماعية تحمل في طياتها العديد من العلوم: كالعلوم السياسية، علم التاريخ، علم الاقتصاد، وعلم الاجتماع…الخ”، وما يميز هذه العلوم أنها وبالرغم من طبيعتها الاجتماعية المشتركة، نجدها تتميز عن بعضها البعض بمنهج أو منهجين.
و- مشكلات القياس و صعوبات الضبط و التحكم[18]:
إن أدوات القياس في العلوم الاجتماعية أقل دقة من الأدوات المستخدمة في قياس الظواهر الطبيعية، كما أن تعقيد الظاهرة الاجتماعية يجعل من الصعوبة على الباحث القيام بضبط أو احداث تغيير في العوامل المؤثرة في الظاهرة المدروسة.
ي- تعدد جوانب الظاهرة السياسية والظاهرة الاجتماعية[19]:
إن تعدد جوانب الظاهرة يجعل من الواجب الاعتماد على مزيج من المناهج في إطار ما يعرف بالتكامل المنهجي. فلدراسة ظاهرة الانتخابات مثلا يتعين على الباحث استعمال مجموعة من المناهج كالمنهج الاستقرائي بالنسبة للمترشحين للعملية الانتخابية، والمنهج التاريخي لمعرفة نتائج العملية الانتخابية السابقة، والمنهج المقارن للمقارنة بين ماضي العملية الانتخابية وحاضرها للتنبؤ بمستقبلها، بالإضافة إلى المنهج الإحصائي من خلال قياس اتجاهات الرأي العام والمشاركة السياسية للمواطنين، ودراسة نتائج العملية الانتخابية.
وبذلك إذا تم الاعتماد على هذه المناهج الأربعة نكون أمام تكامل منهجي.
2- المنهج كمستوى للتعدد المنهجي
تعرضت أطروحة أحادية المنهج إلى العديد من الانتقادات الحادة، خاصة من قبل المفكر والباحث الفيلسوف Feyerabend الذي أكد على أن العلم لم ولن يحكم بنظام من المبادئ الثابتة والمطلقة. ويقدم التاريخ أدلة عديدة على ذلك، فالأبحاث العلمية الأكثر نجاحا لم تكن نتاج منهج علمي واحد، كما أنه لو طبقت قواعد المنهج العلمي السائد آنذاك ما تحققت أية ثورة من ثورات العلم الكبرى، ولتجمد العلم وثبت عند نقطة معينة.[20]
إن التحليل على مستوى المنهج، يقود إلى التحليل على مستوى نوعين من المناهج وهما: المنهج الفلسفي المثالي و المنهج العلمي الواقعي.
أ- المنهج الفلسفي التأملي
يقوم هذا المنهج على دراسة الظاهرة فيما يجب أن يكون، وليس فيما هو كائن وموجود في الواقع، حيث يتم الاستناد على أفكار ومعتقدات في شكل مسلمات وبديهيات بغية استنباط ما يراه أفضل تنظيم للحياة في المجتمع. وقد تم استخدام هذا المنهج من قبل العديد من المفكرين، من الإغريق حتى العصور الوسطى كما يلي[21]:
تم الاعتماد على هذا المنهج في العصر اليوناني عند كل من أفلاطون وأرسطو، حيث قدم أفلاطون أحسن تصور لما ستكون عليه الحياة في الدولة المدينة من خلال تطبيقه للمنهج الاستنباطي في أبحاثه، أما أرسطو فحاول تطبيق منهجه الاستقرائي القائم على أساس الحس والمشاهدة في الدولة المدينة ونظام الحكم فيها، إلا أنه سقط في فخ طغيان النزعة الفلسفية على أبحاثه.
أما في العصر الروماني فنجد “ماركوس طوليوس شيشرون” انتهج نفس منهج اليونان، إلا أن مساهمته تمثلت في مقدرته على تحليل أفكار أفلاطون وأرسطو، والأهم هو إبراز دور القانون في تعريف الدولة، فالدولة حسبه هي التنظيم القانوني للمجتمع السياسي.
ويعتبر “القديس أوغستين” أهم مفكر اعتمد المنهج الفلسفي في القرون الوسطى، حيث نجده تأثر بمنهج أفلاطون الاستنباطي، وبرز تأثره في مؤلفه “مدينة الله” حيث رأى بأن الدالة لا تتحقق إلا بوجود دولة مسيحية الديانة، التي تعمل على تطبيق تعاليم الكنيسة وليس بتطبيق القانون أو الدستور الذي يحقق العدالة، فالدولة عند أوغستين هي جهاز قلبي للأفراد الشريرين. واستمر تأثير المنهج الفلسفي المثالي إلى العصر الحديث في القرن التاسع عشر مع المفكر الألماني “هيجل” عند قيامه بأبحاثه حول الدولة، والحرية، والديالكتيك.
يعود استمرار المنهج التأملي حتى العصر الحديث إلى كون أن كل العلوم كانت تدرس في إطار الفلسفة، التي كانت تسمى بأم العلوم، و التي كانت تعني البحث العلمي. ويضم المنهج الفلسفي المثالي المناهج التالية[22]:
المنهج الاستنباطي، المنهج الاستقرائي، المنهج التاريخي، المنهج القانوني، والمنهج الوصفي.
ب- المنهج العلمي الواقعي[23]
ظهر المنهج العلمي الواقعي في القرون الوسطى مع ابن خلدون صاحب كتاب “المقدمة”، وابن تيمية صاحب المؤلف “نقد المنطق”، فهما اللذين مهدا للثورة التجريبية في ميدان العلوم الاجتماعية، والتي تجسدت فيما بعد على أيدي باحثين مثل: “نيكولا ماكيافلي” الذي ركز على النزعة التجريبية الاستقرائية في دراسة السلطة المطلقة للملك في وجه الكنيسة، وكذلك اعتمد “جون بودان” على المنهج الواقعي في دراساته المختلفة.
أما «Francis Bacon»فقد ألف كتاب ” الأداة الجديدة” 1620 م والذي حاول من خلاله تحديد مميزات المنهج العلمي المتمثل في المنهج الاستقرائي التجريبي وكيفية تطبيقه على الظاهرة السياسية.
وتشكل ذروة استعمال المنهج العلمي الواقعي مع “مونتيسكيو” في كتابه “روح القانون” 1734م حين درس مبدأ الفصل بين السلطات كما في النظام الفرنسي. بعدها كان الاستعمال الأوسع للمنهج العلمي مع “كارل ماركس” في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حينما ركز على الواقع المادي، وتوصل إلى منهج علمي جدلي متمثل في دراسته للمادية الجدلية والمادية التاريخية. ويضم المنهج العلمي الواقعي العديد من المناهج التي نذكرها في: المنهج المقارن، المنهج الماركسي، المنهج الإحصائي، المنهج الوظيفي، والمنهج التجريبي.
3- النظرية كمستوى للتعدد المنهجي
تحظى العلوم الاجتماعية عامة والعلوم السياسية خاصة بوجود عدد كبير من النظريات التي تتفاوت من حيث التركيز على المواضيع التي تتناولها، كما تتفاوت من حيث طريقة بنائها من ( استقرائية أم استنباطية)، وكذلك من حيث قوتها ودرجة التحقق التجريبي من فرضياتها.
وبالرغم من وجود هذا الكم الهائل من النظريات، فإنه ليس هناك نظرية تحظى بقبول كافة المتخصصين في أي حقل من حقول العلوم السياسية، ذلك أن كل نظرية تنظر إلى الظاهرة من منظور مختلف خاص بها، وعليه فإن اللجوء إلى نظرية بعينها بغية تفسير ظاهرة معينة من شأنه أن يحد من نظرة الباحث الى الظاهرة المدروسة بشكل كبير، وبالتالي يقلل من مصداقية تفسيره لتلك الظاهرة، بالإضافة الى التشكيك في النتائج المتوصل إليها[24]. ففي حقل العلاقات الدولية مثلا، إذا أردنا دراسة موضوع الأمن فإننا سنجد أنفسنا أمام نظريات عديدة، كل نظرية تناولت موضوع الأمن من منظور معين الذي يتوافق مع أسس ومسلمات هذه النظرية. وفي حقل العلاقات الدولية نجد ثلاث نظريات كبرى تتصارع فيما بينها: النظرية الواقعية، النظرية المثالية والنظرية السلوكية.
أ-النظرية الواقعية:
قامت بإضفاء الصبغة العلمية الواقعية على العلاقات الدولية، فرأت بأن العلاقات الدولية هي علاقات قوة لأجل القوة، وأن مصلحة الدولة هي البقاء وهي أسمى مصلحة وهو ما أكده أنصار هذه النظرية وعلى رأسهم أب الواقعية « Hans Morghanthou ».، كما جاءت هذه النظرية كرد فعل للاتجاه التفاؤلي المثالي في العلاقات الدولية و المتمثل في النظرية المثالية.[25]
ب-النظرية المثالية:
يطلق عليها النظرية التفاؤلية في العلاقات الدولية، حيث نظرت الى العلاقات الدولة نظرة تفاؤلية ورأت بأنه يمكن استتباب الأمن في ظل همجية العلاقات الدولية. و يمثل كل من « Emmanuel Kant », « Jeremy Bentham » طليعة أنصار هذا المذهب فقد رفض كلاهما همجية العلاقات الدولية، أو ما أطلق علية “كانت” بحالة الوحشية التي لا تخضع لأي قانون، ودعا الى تشكيل حكومة عالمية تحكمها قواعد القانون الدولي.[26] وبذلك فقد اعتمدت النظرية المثالية المنهج القانوني في تحليلها ونظرتها للواقع الدولي.
ج-النظرية السلوكية:
جاءت النظرية السلوكية كنتيجة حتمية للثورة العلمية والتكنولوجية الحديثة، حيث كانت بداياتها مع الباحث « Graham Wallace » في كتابه « The human nature in the feild of politics » حيث عالج في كتابه النقائص التي تعاني منها السياسة في الطبيعة البشرية، بالإضافة الى مساهمة « Arthur Bently » في مؤلفه « The process of government » الذي تناول كيفية إدارة وتسيير شؤون الحكم وفق التفاعل البيئي للمتغيرات الداخلية وأثرها على المتغيرات الخارجية وكذا تأثيرها على البيئة السيكولوجية للوحدة القرارية. وتطورت النظرية السلوكية مع أعمال المدرسة الأمريكية وعلى رأسها « Charles Herriam » في كتابه حول ” الجوانب الجديدة” 1925 م ، أين دعا الى إرساء منظور سيكولوجي خاص بالإنسان. وبذلك فقد ركزت النظرية السلوكية على أهمية الإنسان، ودور العوامل السيكولوجية، واعتمدت على المنهج الإحصائي والكمي باستخدام أدوات ومقتربات جديدة في التحليل السياسي.[27]
من خلال تناول مستويات التعدد المنهجي في العلوم السياسية نجد أن كل من التعدد على مستوى المنهج، والتعدد على مستوى النظرية يمثلان مدخلين أو مستويين مهمين لفهم إشكالية التعدد المنهجي.
-IIIالتعدد المنهجي بين الواقع والتجريد
أصبح التعدد المنهجي واقعا مجسدا في العديد من العلوم، لكن وبالرغم من إقراره في العديد من الأدبيات إلا أننا نجد أنه هناك من الباحثين من يتجنب و يحد من استعماله للتعدد في البحوث التي يقوم بها و هو ما يشكل لنا الاتجاه الأول الذي يدعو الى الحد من توظيف تعدد المناهج أو تعدد النظريات في الدراسات نتيجة الى ما يسمونه بعيوب استعمال التعدد المنهجي.
في حين وعلى العكس تماما نحد اتجاه آخر مختلف ومغاير تماما للاتجاه الأول الذي يرى أن توظيف التعدد المنهجي في الدراسات والبحوث يعود بالفائدة على البحث والباحث.
1- مزايا توظيف التعدد المنهجي
يذهب العديد من الباحثين الى اعتبار أن توظيف التعدد المنهجي في البحوث والدراسات أمر ايجابي وذلك للأسباب التالية:
– يقوم التعدد المنهجي على التقليل من احتمالات الخطأ عند القيام بأي بحث من البحوث.
– الزيادة من مصداقية النتائج المتوصل إليها نتيجة الاعتماد على أكثر من ملاحظ واحد، ولأن الاعتماد على أكثر ملاحظ من شأنه أن يقي من التحيز أو الوصول الى نتائج غير يقينية.
– تحقيق الموضوعية التي تشكل المطلب والهدف الذي تسعى العلوم الاجتماعية الى تحقيقه والوصول إليه.
– إن شرح وتفسير البيانات والمعلومات عن طريق أكثر من نظرية من شأنه أن يقرب نتائج البحث الى الدقة والصواب.[28]
– يساعد التعدد المنهجي على تجاوز القصور الموجود في كل منهج أو نظرية، فكل منهج لديه نقاط قوة ونقاط ضعف.
– يعتبر ضرورة منهجية لتحقيق التكامل المنهجي[29]، من خلال الجمع بين المنهج الكمي والمنهج الكيفي.
– يساعد على فهم موضوع معين، من خلال تناول هذا الأخير من زوايا ومنظورات مختلفة، مثلا لفهم موضوع الأمن نتناول الأمن من منظور النظرية الواقعية والنظرية الليبرالية.
من خلال ما سبق نجد أن التعدد المنهجي هو ضرورة منهجية وهو يساعد في تجاوز أزمة ما هو المنهج الأنسب و الواجب إتباعه للوصول الى النتائج الأكثر يقينية.
2- عيوب توظيف التعدد المنهجي
يذهب البعض الآخر من الباحثين الى اعتبار التعدد المنهجي هو نقمة أكثر منه نعمة، وبالتالي فهم يحجمون عن استخدام وتوظيف التعدد المنهجي في بحوثهم وذلك راجع الى:
– إن الاعتماد على أكثر من منهج في دراسة ظاهرة معينة قد يؤدي الى عدم التحكم بالموضوع، و عدم رسم صورة متكاملة عن الظاهرة، بل قد يؤدي الى أكثر من ذلك وهو الوصول الى نتائج متعارضة[30].
– إن توظيف التعدد المنهجي من شأنه أن يؤدي بالباحث الى استهلاك الكثير من الجهد والوقت، فقد لا يلائم كل الباحثين، وبالتالي يبقى تطبيقه مرتبط بمدى حرص الباحث على الوصول الى نتائج دقيقة وقريبة من الواقع.
– توظيف التعدد المنهجي يستلزم توظيف المناهج، والنظريات، وأدوات التحليل وهو ما يستدعي مبالغ من المال للقيام بذلك، الأمر الذي لا يلائم البحوث ذات الميزانية المحدودة، خاصة في الدول العربية والمتخلفة، عكس ما هو حاصل في الدول المتقدمة حيث نجد هذه الدول تهتم بالبحث العلمي وتقوم بتسخير ميزانيات خاصة به، وتعتبر الولايات المتحد الأمريكية وبريطانيا وألمانيا من أوائل الدول في ذلك.
– إن توظيف تعدد المناهج في البحث من شأنه الإجابة عن أسئلة بحثية مختلفة، بسبب الجمع بين المنهجين الكمي والكيفي مما لا يخدم الباحث[31].
– إن التعدد على مستوى الملاحظين يؤدي الى عدم الاتفاق فيما بينهم حول ما يلاحظونه، فلكل ملاحظ طريقة مختلفة في التفاعل مع الظاهرة المدروسة.
من خلال ما تم عرضه نجد أن هناك من يرى بأن التعدد المنهجي هو ضرورة منهجية يجب توافرها في البحث، والعمل بها يزيد من سهولة التعامل مع الظاهرة المدروسة ويجعل من النتائج المتوصل إليها أكثر مصداقية، في حين تذهب مجموعة من الباحثين الى اعتبار أن للتعدد المنهجي عيوبا أكثر من مزاياه متمثلة أساسا في صعوبة التحكم في البحث والوصول الى نتائج متضاربة.
الخاتمة:
بعد التعرض لماهية التعدد المنهجي وعرض مختلف القضايا المتعلقة به تم التوصل إلى مجموعة من النتائج التي يمكن صياغتها في:
يكفل توظيف التعدد المنهجي القضاء على القصور الحادث عند الاكتفاء بتوظيف منهج واحد أو نظرية واحدة فعند توظيف هذين الأخيرين فرادى سيؤدي ذلك الى وجود قصور ونقاط ضعف في الدراسة ككل وفي النتائج المتوصل إليها من البحث، لأن هدف أي باحث في العلوم الاجتماعية عامة والعلوم السياسية خاصة هو الوصول الى الحقيقة الاجتماعية، أو ما يعرف « Social Reality ».
كما أن تعدد مستويات التعدد المنهجي في العلوم السياسية من شأنه أن يسهل التعامل مع الظاهرة المدروسة ويجعل من الدراسة تكون أكثر منهجية و تنظيما، و كذا الماما بمختلف جوانبها.
بالإضافة إلى أن تعدد المنهجي وبالرغم من وجود فئة من الباحثين والتي ترى بأنه نقمة أكثر منه نعمة، وعيبا أكثر منه ميزة إلا أنه يبقى رأي هؤلاء يشكل جزءا من رأي الكل الذي يرى بأن التعدد المنهجي هو ضرورة منهجية، فهو بالإضافة الى ذلك ميزة وأفضلية جعلت البحث العلمي في العلوم الاجتماعية يرتقي الى مستويات أعلى بالاعتماد على وسائل وأدوات جديدة وعديدة مكنت من التعامل مع الظاهرة الاجتماعية -عامة والسياسية خاصة- من كافة جوانبها المتعددة سواء منهجية كانت أم معرفية.
كما تجدر الإشارة أيضا أن التعدد المنهجي في العلوم السياسية أصبح يشكل ضرورة حتمية سيما في ظل تعقد الظواهر السياسية الحديثة المدروسة كقضايا الهجرة غير الشرعية، الأمننة، وبناء السلم في مجتمعات ما بعد النزاع.
وبالتالي إن توظيف التعدد المنهجي في البحوث والدراسات يعود بالفائدة على البحث والباحث معا، لذا فالتعدد المنهجي يعتبر المفتاح لتحقيق التكامل المنهجي، الذي يعتبر بدوره ضرورة ملحة للوصول الى الهدف الأساسي ألا وهو الوصول الى المعرفة اليقينية نسبيا.
وفي الأخير يمكن صياغة بعض التوصيات الخاصة بالمؤتمر والتي نذكر منها:
-تنظيم مؤتمر ثاني دولي حول مختلف الإشكاليات المنهجية التي تميز العلوم الاجتماعية.
-نشر أعمال الملتقى في كتاب علمي حتى تعم الاستفادة لدى الجميع.
قائمة المراجع و المصادر:
أولا: باللغة العربية
1-الكتب:
1- أنجرس، موريس، منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية: تدريبات عملية، ترجمة: صحراوي بوزيد وآخرون، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2008.
2-بيليس، جون وسميث، ستيف، عولمة السياسة العالمية، ترجمة: مركز الخليج للأبحاث، الإمارات العربية المتحدة: مركز الخليج للأبحاث، 2004، الطبعة الأولى.
3- جندلي، عبد الناصر، التنظير في العلاقات الدولية بين الاتجاهات التفسيرية والنظريات التكوينية، دار الخلدونية للنشر والتوزيع، الجزائر، 2007، الطبعة الأولى.
4- // // تقنيات ومناهج البحث العلمي في العلوم السياسية والاجتماعية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2010، الطبعة الثالثة.
5-الحمداني، موفق و آخرون، مناهج البحث العلمي: أساسيات البحث العلمي، إشراف: سعيد التل، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، الأردن، 2006، الطبعة الأولى.
6- شلبي، محمد، المنهجية في التحليل السياسي: المفاهيم، المناهج، الاقترابات، والأدوات، دار هومة، الجزائر، 2007، الطبعة الخامسة.
7-عارف، نصر محمد، ابستومولوجيا السياسة المقارنة: النموذج المعرفي، النظرية، المنهج، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، لبنان، 2002.
8- قنديلجي، عامر، البحث العلمي واستخدام مصادر المعلومات التقليدية والاليكترونية، دار اليازوردي العلمية للنشر و التوزيع، الأردن، 2009.
9-لارامي، أ و فالي، ب، البحث في الاتصال: عناصر منهجية، ترجمة مجموعة من الأساتذة، مراجعة و تدقيق: دليو، فضيل، مخبر علم اجتماع الاتصال، جامعة منتوري قسنطينة، الجزائر، 2009.
ثانيا: باللغة الأجنبية
1-C.Kinloch, Graham, Sociological Theory: Its Devlopment And Major Pardigms, New York: Hill Book Company, 1972.
2-Scruton, Roger, A Dictionnary Of Political Thought, London: The Macmillan Press, 1982.
[1]– Scruton Roger, A Dictionary Of Political Thought, The Macmillan Press, London, 1982, p. 297.
[2]– جندلي عبد الناصر، تقنيات و مناهج البحث العلمي في العلوم السياسية و الاجتماعية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2010، الطبعة الثالثة، ص ص. 16-18.
[3]– موريس أنجرس، منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية: تدريبات عملية، ترجمة: بوزيد صحراوي وآخرون، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2006، الطبعة الثانية، ص. 98.
– عبد الناصر جندلي، المرجع السابق، ص. 12.[4]
[5]– أ.لارامي، ب.فالي، البحث في الاتصال: عناصر منهجية، ترجمة مجموعة من الأساتذة، مراجعة وتدقيق: فضيل دليو، مخبر علم اجتماع الاتصال للبحث والترجمة، الجزائر، 2009، ص. 50.
– جندلي عبد الناصر، المرجع السابق ، ص. 13.[6]
[7]– شلبي محمد، المنهجية في التحليل السياسي: المفاهيم، المناهج، الاقترابات، والأدوات، دار هومه، الجزائر، 2007، الطبعة الخامسة، ص. 12.
[8]– قنديلجي عامر، البحث العلمي واستخدام مصادر المعلومات التقليدية والاليكترونية، دار اليازوردي العلمية للنشر و التوزيع، الأردن، 2008، الطبعة الأولى، ص. 40.
[9]– جندلي عبد الناصر، التنظير في العلاقات الدولية بين الاتجاهات التفسيرية والنظريات التكوينية، دار الخلدونية للنشر والتوزيع، الجزائر، 2007، الطبعة الأولى، ص. 17.
[10]– عارف نصر محمد، ابستيمولوجيا السياسة المقارنة: النموذج المعرفي، النظرية، المنهج، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان، 2002، ص. 72.
– محمد شلبي، المرجع السابق ، ص. 17.[11]
[12]– Kinloch Graham C., Sociological Theory: Its Development and Major Paradigms, Hill Book Company, New York, 1977, p. 4.
– جندلي عبد الناصر، التنظير في العلاقات الدولية بين الاتجاهات التفسيرية والنظريات التكوينية، المرجع السابق، ص. 16.[13]
[14]– الدامغ سامي بن عبد العزيز، التعدد المنهجي: أنواعه و مدى ملاءمته للعلوم الاجتماعية، قسم الدراسات الاجتماعية، جامعة الملك سعود، تم تصفح الموقع يوم: 14/11/2020 نقلا عن: www.forum.stop55.com/302610.html
– جندلي عبد الناصر، تقنيات ومناهج البحث العلمي في العلوم السياسية والاجتماعية، المرجع السابق، ص. 125.[15]
[16]– الحمداني موفق وآخرون، مناهج البحث العلمي: أساسيات البحث العلمي، إشراف: سعيد التل، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، الأردن، 2006، الطبعة الأولى، ص. 42.
– جندلي عبد الناصر، تقنيات ومناهج البحث العلمي في العلوم السياسية والاجتماعية، المرجع السابق، ص. 125.[17]
– الحمداني موفق وآخرون، المرجع السابق، ص ص. 42-43.[18]
– جندلي عبد الناصر، تقنيات ومناهج البحث العلمي في العلوم السياسية والاجتماعية، المرجع السابق، ص ص. 126-127.[19]
– عارف نصر محمد، المرجع السابق، ص. 87.[20]
– جندلي عبد الناصر، تقنيات ومناهج البحث العلمي في العلوم السياسية والاجتماعية، المرجع السابق، ص ص. 127- 129.[21]
– جندلي عبد الناصر، تقنيات ومناهج البحث العلمي في العلوم السياسية والاجتماعية، المرجع السابق، ص. 133.[22]
– نفس المرجع، ص ص. 129-132.[23]
-الدامغ سامي بن عبد العزيز، المرجع السابق.[24]
– جندلي عبد الناصر، تقنيات ومناهج البحث العلمي في العلوم السياسية والاجتماعية، المرجع السابق، ص. 132.[25]
[26]– بيليس جون وسميث ستيف، عولمة السياسة العالمية، ترجمة: مركز الخليج للأبحاث، الإمارات العربية المتحدة، 2004، الطبعة الأولى، ص. 321.
– جندلي عبد الناصر، التنظير في العلاقات الدولية بين الاتجاهات التفسيرية والنظريات التكوينية، المرجع السابق، ص ص. 275-277.[27]
– الدامغ سامي بن عبد العزيز، المرجع السابق الذكر.[28]
– جندلي عبد الناصر، تقنيات و مناهج البحث العلمي في العلوم السياسية و الاجتماعية، المرجع السابق، ص. 124.[29]