التدريس بالوضعية المشكلة: التاريخ والجغرافيا نموذجًا
Teaching by the problem situation: history and geography as a model
أ. أنس بوسلام/ جامعة الحسن الثاني، المغرب
Mr. Anass Bousselam/ Hassan II University– Casablanca- Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 70 الصفحة 153.
ملخص:
يعالج المقال موضوع التدريس بالوضعية المشكلة من خلال نموذج مادتي التاريخ والجغرافيا، حيث تم التعريف– أولا – بهذه الطريقة الديداكتيكية، والتمييز بين عدد من المفاهيم ذات الصلة بها، مع تحديد مميزاتها ومعايير بنائها، وتبيان مراحلها (الانطلاق – بناء التعلمات – هيكلة التعلمات – التحويل)، ليتم تناول الوضعية المشكلة في التاريخ والجغرافيا نموذجا من حيث أساسها وهو الراهنية والأشكلة، وغايتها، ورهانها باعتباره أساس التعلم في الوضعية المشكلة، ومراحلها، ومسألة بناء المشكل/ العائق وكذا العمليات التعلمية المهيكلة لمسلك الوضعية المشكلة (التعريف – الأشكلة – الإنجاز)، وأخيرا التخطيط الديداكتيكي للتعلم بالوضعية المشكلة (مادتا التاريخ والجغرافيا نموذجا).
الكلمات المفتاحية: الوضعية المشكلة – التعلم – التخطيط الديداكتيكي – تدريس التاريخ والجغرافيا.
Abstract:
The article addresses the subject of learning by “the Problem Situation”, By defining this didactic method and distinguishing between a number of related concepts, determining its features and criteria for its construction, and showing its stages.
After that it was talked about “the Problem Situation” in history and geography as a model in terms of: its basis, which is the Linking the problem to the The preoccupations of the present and the problematisation, its goal, and its bet as the basis of learning, its stages and the issue of building the problem / obstacle, as well as the structured learning processes of the problem situation (definition – the problem – achievement), Finally, didactic planning for learning by the problem situation (history and geography as an example).
Keywords: problem situation – learning – didactic planning – teaching history and geography.
مقدمة :
إن تشخيص واقع الحال بالمنظومة التربوية العربية يؤكد الملاحظات الآتية :
– مازالت تدريسية المواد الدراسية، ومن بينها مواد الاجتماعيات، وفية للتعليم بدلا من التعلم، بمعنى: مركزية المدرس في العملية التدرييسية، مقابل هامشية المتعلم، وهذا الواقع هو نتاج طبيعي للتدريسية التقليدية، والتي لا تنسجم مع الأدبيات والتوجيهات والمرجعيات.
– ارتباط مرجعية الكتب المدرسية التي تتعاطى مع الدعامات بمقاربة الأسئلة، حيث يلاحظ غياب الإشكالية، مع حضور الإملاء والمحتويات المعرفية والحفظ والتذكر، وغياب التقويم بالوضعية المركبة.
إن نهج حل المشكلات قديم قدم تاريخ التفكير الإنساني (المنهج التوليدي السقراطي والمنهج الاستقرائي الأرسطي…)، ومن بين ما ارتبط به كذلك، نجد التعليم المبرمج وبيداغوجيا التحكم الذي يركز على اكتساب قواعد جديدة انطلاقا من قواعد مكتسبة سابقا وجعلها قابلة للتطبيق، وهي عموما تنطلق من مشكل يتطلب من المتعلم البحث عن حل له من بين حلول ممكنة، إلا أن ما يميز المشكلة عن الوضعية المشكلة، هو أن هذه الأخيرة تكون سياقية ودالة وتنطلق من المحيط الاجتماعي والمادي للمتعلم .
تتمركز بيداغوجيا حل المشكلات حول المتعلم لاستنفار واستثارة مهاراته ومعارفه وقدراته لرصد الترابطات الممكنة بين عناصر المشكل المطروح لبناء التعلمات، ويمكن تلخيصها فيما يلي :
- مواجهة مشكل معين يكون دافعا إلى البحث عن حل واتخاذ قرار معين.
- تقديم اقتراحات والتداول حولها مع جماعة القسم لاتخاذ القرار المناسب.
- التفاوض حول معايير معينة لانتقاء قرار أو أكثر.
- تنفيذ الإجراءات المحققة للقرار المتخذ.
- فحص النتائج وتقويمها للتوصل إلى اختيار نهائي أو مراجعته.
فإلى أي حد يساهم التدريس بالوضعية المشكلة في تجويد التعلم وإعطاء معنى له؟ وهي الإشكالية التي تستلزم طرح مجموعة من الأسئلة من قبيل: ما معنى الوضعية المشكلة؟ وما الدلالة التي تتخذها في مادتي التاريخ والجغرافيا على سبيل المثال؟ وما علاقة هذه الطريقة في التدريس بمقاربة الكفايات؟ وما مراحلها؟ وكيف يتم التخطيط لها وتنزيلها إجرائيا وديداكتيكيا؟
أولا- الوضعية المشكلة: التعريف والمميزات والمعايير
1- تعريف الوضعية المشكلة
في البداية، فالوضعية المشكلة ترتبط ارتباطا بنيويا وعضويا بالمقاربة بالكفايات، ولهذه الأخيرة مفاهيم متعددة في الأدبيات التربوية، ويمكن الاقتصار على التعريفات التالية:
– حسب فليب برينو Perrineu philppe: الكفاية هي القدرة على الفعل والعمل بشكل فعال ومفيد في إطار وضعيات وسياقات مركبة، وذلك بتوظيف مكتسبات قبلية. إنها القدرة على ابتكار الأجوبة الجديدة التي تقتضيها الوضعية المشكلة التي يواجهها المتعلم. ولن يتم ذلك باستخدام المعارف والمقررات، وإنما بالقدرة على توظيف ما يلاءم منها بإتقان وفعالية[1].
– حسب بيير جيليPierre Gillet : الكفاية نظام من المعارف (Connaissances) والتصورات في إطار خطاطة إجرائية تخول داخل عائلة من الوضعيات تحديد مهمة مشكلة وحلها بواسطة فعل[2].
تنطلق الوضعية المشكلة من وضعية، كما يدل على ذلك اسمها، وتعني الوضعية ما يدل على العلاقات التي تقيمها الذات ذات المتعلم مع المحيط الاجتماعي والفيزيقي (الأسرة، الأصدقاء، القرية، المدينة، السوق، الأحداث الجارية، المحيط الطبيعي… )، أما الوضعية المشكلة، فتعني وضع المتعلم أمام مشكل ينطلق من وضعية، أي من سياق له معنى بالنسبة إليه، والوضعية المشكلة أنواع، فهناك:
- الوضعية المشكلة الديداكتيكية: غالبا ما تكون في بداية الدرس، والهدف منها اكتساب تعلمات جديدة مرتبطة بكفاية محددة، ومن خصائصها أنها: وضعية تعليمية مرتبطة بتعلمات جديدة نسعى من خلالها إلى حفز المتعلم وتشويقه وإثارته. وهي وضعية تشكل عائقا إيجابيا (تمثلات وصراع إيجابي) أمام المتعلم، مما يجعله يشعر أن مكتسباته السابقة غير كافية لإيجاد الحل، فهي محفزة له على تجاوز العائق وملائمة لمستواه.
وأهم المراحل التي يمر منها هذا النوع من الوضعيات وتميزها تقديم المدرس لهذه الوضعية مصحوبة بالتعليمات الضرورية، ثم ملاحظتها من قبل المتعلمين ومحاولة فهمها، واستخراج المعطيات ومعالجتها لاكتساب التعلمات الجديدة، وأخيرا بَنْينة المعارف وهيكلتها واستنتاج القواعد والنماذج
- الوضعية المشكلة الإدماجية: وضعية الإدماج هي وضعية مشكلة تنجز بعد فترة تعلمات سابقة، يتم خلالها تحقيق مكتسبات مجزأة، وتستهدف الربط بين هذه المكتسبات السابقة وإعطاءها معنى جديدا، وقد تكون بعد حصة أو بعد مجموعة من الحصص أو الدروس أو بعد مرحلة دراسية. فهي إذن تمكن من تركيب مكتسبات سابقة في بنية جديدة وليس بإضافة بعضها إلى بعض، وهي تحيل إلى صنف من وضعيات مشكلة قد تكون خاصة بمادة أو بمجموعة من المواد، وقد تكون جديدة بالنسبة للمتعلم .
- الوضعية المشكلة التقويمية: هي وضعية هدفها التحقق من حصول تعلم معين ومدى قدرة المتعلم على توظيفه في حل وضعية جديدة تنتمي إلى فئة من الوضعيات. وقد تكون الوضعية التقويمية قبل الإدماج أو بعده، وقد تقوم الهدف النهائي للإدماج أو وضعية للتقويم التشخيصي أو التكويني أو الإجمالي[3].
2- فك الاشتباك الدلالي بين عدد من المفاهيم ذات الصلة بالموضوع
هنا نطرح الأسئلة التالية:
* ماذا تعني الوضعية؟
* وماذا تعني الوضعية المشكلة؟
* وما الفرق بين الوضعية المشكلة والمشكلة المسألة؟
- الوضعية: مصطلح شائع يدل على العلاقات التي يقيمها شخص أو عدة أشخاص مع سياق محدد. ولا تطرح الوضعية مشكلا أو مسألة يرجى حلها دوما. وللوضعية علاقة بالسياق الاجتماعي والتاريخي والثقافي للمتعلم[4].
- الوضعية المشكلة: وضعية ديداكتيكية تطرح من خلالها للفرد المهمة التي لا يتغلب عليها إلا بالتعلم الدقيق. وهذا التعلم هو الهدف الحقيقي للوضعية المشكلة الذي يتم برفع العائق الذي يحول دون إنجاز المهمة. والمشكلات التي تتضمنها الوضعيات الديداكتيكية هي مواضيع يصادفها المتعلم في الحياة وقد تفوقها تعقيدا. وفي التعلم عليها أن تكون دالة بالنسبة للمتعلم لممارسة كفاية أو تقويمها، كما أنها وضعية معقدة يستوجب حلها عدة معارف ومهارات واكتساب سلوكيات والوضعية المشكلة تكون دالة تحرك المتعلم وتحفزه وتعطيه الرغبة في التعلم.
- أما المشكل المسألة أو الوضعية المسألة، فتختلف في الكثير من الجوانب عن الوضعية المشكلة: فالمسألة غالبا ما تنحصر في الرياضيات والمواد العلمية الأخرى كالفيزياء مثلا. أما الوضعية المشكلة، فتتميز بوجود رهان معين يستوجب البحث عن الحل. والمسألة قد تكون مفصولة الصلة عن الحياة، وقد توحي بطابع تطبيقي، وهي تدل، أيضا، على الدعامة (وسيلة ديداكتيكية)، والتفاعل بين المسالة والمتعلم يكون وفق مهمة ينبغي إنجازها. أما الوضعية المشكلة، فتستند إلى دعامات واقعية مستمدة من محيط المتعلم وتدفعه إلى تعبئة معارف ومهارات لحل المشكل المطروح، وتنطوي الوضعية على مجموع العناصر الضرورية لحلها، وإذا تعذر حلها تصبح دعامة[5].
3– مميزات الوضعية المشكلة
تتميز الوضعية المشكلة بكونها:
- شاملة: تجري في سياق ،لدا فهي تتطلب أكثر من فعل أو إجراء وقابلة للتجزيء.
- معقدة: تتطلب التسلح بعدة معارف وصراعات معرفية.
- ذات معنى بالنسبة للمتعلم .
- هادفة: تستهدف تحقيق أهداف تعلمية.
- مزعزِعة: تساهم في خلخلة المعارف السابقة، وتعيد بناء الأفكار.
- مرتبطة بالإنجاز والتعلمات.
- ذات مهمة ملموسة.
- بانية للتعلم الذاتي وللكفاية في شموليتها.
- ذات خاصية تحويلية للتعلمات.
- تمس اهتمام المتعلم.
- سياقية تنطلق من المعيش نحو الماضي.
- طريقة لا ترتبط بتخصص معين، بل بتعلم متعدد الأبعاد وتداخل المواد بشكل مستعرض[6].
4- معايير بناء الوضعية المشكلة
لابد من توفر مجموعة من المعايير في الوضعية المشكلة كي تكون كذلك، وهي كالآتي:
- أن يكون للوضعية المشكلة معنى تستدعي المتعلم إلى الاشتغال دون أن يستسلم أو يخضع.
- ارتباطها بعائق معروف وقابل للتجاوز.
- أن تعمل الوضعية على استنفار المتعلم إلى طرح الأسئلة.
- أن تخلق قطيعة تفضي إلى تحطيم النموذج والنماذج التفسيرية إذا كانت غير ملائمة أو مجهولة.
- أن ترتبط بالواقع ومحيط المتعلم .
- ألا تكون الوضعية المشكلة إشكالية، وأن تستحضر جانبا من الخيال.
ثانيا- مراحل الوضعية المشكلة
يجب الانطلاق من اعتبار الوضعية المشكلة مرحلة في سيرورة بناء المعارف، ومن مراحلها:
1- مرحلة الإطلاق (الانطلاق)، وتشمل الخطوات التالية:
- التقويم التشخيصي: ينجز عند بداية الموسم الدراسي أو عند بداية الحصة الدراسية، لقياس التمثلات والتصورات والمكاسب والمخزون المعرفي والمهاري والمنهجي، وتقويمه بالتصحيح والتوجيه .
- الهدف والسياق: يتحددان انطلاقا من دعامة منتقاة تقود المتعلم إلى استخراج الوضعية المشكلة من خلال موقعتها في السياق الزمكاني والمجتمعي ورسم الهدف منها .
- المهمة: أمر يعطيه المدرس إلى التلاميذ للقيام بعمل معين، وهو منطوق يشير إلى المهمة الواجب القيام بها أو يشير إلى الهدف المراد بلوغه، مع تحديد أسلوب العمل فردي أو جماعي أو في إطار مجموعات.
- سؤال التقصي (الإشكالية): انطلاقا من دعامات منتقاة بعناية، يطلب من المتعلم قراءتها واستشكال الوضعية المشكلة، مع تفريع الإشكالية المركزية إلى أسئلة فرعية لتبسيط الإدراك على المتعلم.
- اقتراح فرضيات وصياغتها: يتم هنا استثمار الدعامات المتاحة لاقتراح فرضيات أو حلول استباقية وتدوينها بشكل اعتباطي.
2- مرحلة البناء: وتعرف بمرحلة التموقع لبناء التعلمات، وفيها يتم التذكير بالسؤال المركزي وبالفرضيات والشروع في تمحيص اعتمادا على الدعامات وتصنيفها وترتيبها حسب النهج التاريخي أو النهج الجغرافي بتوجيه من المدرس وتحت إشرافه، مع تدوينها على الدفتر أو المذكرات والسبورة. وهكذا يجب أن تكون الفرضيات محصورة في ثلاث فرضيات كبرى: فرضية تهم مرحلة التعريف/ الوصف، وأخرى تهم مرحلة التفسير، وثالثة تخدم مرحلة التركيب/ التعميم .
3- مرحلة الهيكلة: مرحلة أساسية في الوضعية المشكلة وهي مرحلة العمليات الفكرية، إذ فيها يتم ترصيد التعلمات اعتمادا على الدعامات المتاحة، والتي تخدم أو تنفي فرضية التعريف أو الوصف، ودعامات أخرى تخدم أو تنفي فرضية التفسير مع تصنيف وترتيب العوامل المفسرة للمشكلة، ودعامات ثالثة مرتبطة بفرضية التركيب أو التعميم مع تدوين الخلاصات والمعلومات على السبورة وعلى دفاتر التلاميذ في صيغ مختلفة من جداول أو خطاطات أو لوحات كرونولوجية أو خطوط زمنية أو فقرات إنشائية …
4- مرحلة التحويل: يتم فيها الوقوف على مدى تحقق الكفاية وقياسها، عبر اختلاق وضعية مشكلة مماثلة، بدعامات متمفصلة مع طبيعة المشكل المتضمن في الوضعية، وذلك لاختبار مدى قدرة المتعلم على توظيف واستثمار تعلماته وقدراته ومهاراته في حل الوضعية المشكلة الجديدة بنفس الطريقة التي اشتغل عليها في الوضعية السابقة.
ثالثا- الوضعية المشكلة في التاريخ والجغرافيا نموذجا
1- الوضعية المشكلة أساسها الراهنية والأشكلة
يقصد بالوضعية المشكلة في مواد الاجتماعيات وضعية تعليمية تكوينية تدفع المتعلم إلى بناء تصور ومفاهيم جديدة انطلاقا من كفايات وقدرات معرفية ومنهجية تيسر له مواجهة العائق المطروح في الوضعية المشكلة، والذي يرتبط بغياب مكون معرفي أو فكري منهجي بدليل إن نهاية الورشة تؤدي إلى اكتسابه لموارد جديدة تحل محل التصورات السابقة عبر التصحيح أو استكمال البناء.
تقوم الوضعية المشكلة على أساس الدور التقريري للمتعلم في بناء معرفة تقطع ابستيمولوجيا مع العائق من خلال بناء تصور جديد يأتي نتيجة صراع فكري بين البراديغم العلمي القديم والمنطق العلمي الجديد المنقول في إطار العالم المدرسي، حيث تتنوع العوائق في الوضعية المشكلة في التاريخ والجغرافيا بين العوائق العلمية الاجتماعية والشخصية والفردية كما تتعلق في جوهرها إما بالمنهج أو بالمعرفة
حسب الباحث أستولوفي تتميز الوضعية المشكلة بوجود العائق، وهو عائق محدد بدقة وبشكل قبلي، كما أن الوضعية تسمح للمتعلم باقتراح فرضيات، وصياغتها صياغة تتماشى ونهج المادتين التاريخ والجغرافيا. وإدراك المتعلمين للوضعية المقترحة كلغز حقيقي وجب حله، وهو شرط ليشتغل التحويل، وعدم توفر المتعلم على وسائل الحل المبحوث عنه منذ البداية، وأن تتوفر الوضعية على درجة مقبولة من الصعوبة والمقاومة تحمل المتعلم على الاستثمار فيها بتوظيف مكتسباته ومهاراته وتمثلاته بشكل يقوده إلى وضعها في أزمة، وتكوين أفكار جديدة. ومع الاشتغال على الوضعية المشكلة من خلال نمط الحوار العلمي داخل القسم، تتم استثارة الصراعات السوسيومعرفية الممكنة، والتصديق على الحل أو استبعاده يكون بشكل داخلي من قبل المتعلمين ونابع من نمط بَنْينة الوضعية ذاتها، ومن ثمة إعادة الفحص الجماعي للطريقة التي استغرقها الحل لتكون مناسبة، فهي تساعد المتعلم على الوعي بالاستراتيجيات التي وظفها وتثبيتها كإجراءات متاحة من أجل الوضعيات المشكلات الجديدة[7].
2- غاية الوضعية المشكلة في مادتي التاريخ والجغرافيا
تستهدف الوضعية المشكلة في المواد الاجتماعية جعل المتعلم يفهم العالم في صيرورته التاريخية مفاهيميا وفي ارتباطاته السببية والدلالية، وفي صيرورته الجغرافية من خلال فهم المجال والتموقع فيه لإدراك البعد التفاعلي للجغرافيا وفهم ظواهرها، وبالتالي استحضار مكون التاريخ والجغرافيا في ملامسة واقعه المعيش .
تأخذ الوضعية المشكلة فعاليتها من ارتباطها بالعائق المرتبط بالواقع المعيش وسعي المتعلم إلى فهمه وإيجاد حل لذلك من خلال الاستعانة بموارد مختلفة من دعامات متنوعة توصله عبر نهج فكري علمي إلى دحض العائق، وبناء المعارف الجديدة يكون هو الهدف التعلمي والقدرات المستهدفة التي رسمها المدرس .
3- الرهان أساس التعلم في الوضعية المشكلة
يرتبط الرهان بالقيمة المضافة التي تقدمها الوضعية المشكلة للمتعلم، وتشمل ما تم إرساؤه لديه من موارد معرفية منهجية وسويسيو-وجدانية تشكل من خلاله منحى التراكم، والذي يمكن توظيفه في وضعيات أخرى حتى تتحول الكفايات إلى وسائل لبناء التعلمات.
يشمل الرهان في الوضعية المشكلة نوعين من الرهان فهو أما رهان نظري يستهدف قدرات وموارد علمية تاريخية أو جغرافية محضة أو رهان تطبيقي يرتبط -غالبا- بالظواهر الاجتماعية المستمدة من الواقع المعيشة اليومي للمتعلم.
يبقى من الشروط الأساسية في الوضعية المشكلة التاريخية والجغرافية هو عنصر تحفيز المتعلم ابستمولوجيا (معارف مدمجة أو تمثلات)، حيث تبني الصياغة على أساس العائق الشخصي للمتعلم أي جعل المتعلم منخرطا في المعالجة باعتبار العائق يمسه شخصيا أكثر ما يمس المادة الدراسة وهنا يحضر الرهان الفكري (مستلزمات المعارف)، رهان فهم الوضعية (الوصول فهم العائق تفكيك) والرهان المنهجي (استحضار النهج التخصصي للمادة) من أجل الوصول إلى هدم التمثلات الأولية أو إعادة هيكلتها وتنظيمها وإغنائها .
يستمد العائق المهيكل للرهان أهميته من كونه يحيل إلى عوائق أخرى (ramener a un autre obstacle)، وفي نفس الاتجاه يستدعي البناء وفق نموذج موجه (construire comme tel) للوصول إلى صياغة فردية (formulation personnelle).
يرتبط الرهان في مادتي التاريخ والجغرافيا بهذه الاتجاهات:
– الرهان المرتبط بالمادة العلمية: يتجلى في ارتباط المادة بجوانب نظرية علمية محضة.
– الرهان المرتبط بالعلوم الاجتماعية: يلامس المشاكل أساسية والاجتماعية المستمرة عن القرب أو عن بعد، والتي تجعل المتعلم ينجذب إليها لبناء تصورات واتخاذ قرارات وموافق إزاءها من خلال فهم العائق وبناء معارف حوله.
– الرهان المرتبط بالمادة الدراسة: ترتبط باقتراح تطبيقات مدرسية سريعة المعالجة في شروط معينة تستحضر مقارنة الدمج باعتبارها شرطا مهما لترصيد التعلمات في الوضعية المشكلة.
4- مراحل الوضعية المشكلة في التاريخ والجغرافيا
تشير أغلب الكتابات حول الوضعية المشكلة في التاريخ والجغرافيا إلى كونها تشمل أربعة مراحل أساسية :
– وضعية الانطلاق: تستهدف جذب المتعلم بزعزعة تمثلانه ومعارفه السابقة من خلال اقتراح وضعية تحمل مفارقة تاريخية أو جغرافية تجعله يتساءل ويطرح السؤال المتكلة (العائق)، والذي يستمد قيمة من واقعة المعيش وينخرط في تفكيكها إلى إشكاليات فرعية يقترح لها إجابات مؤقتة بمثابة فرضيات.
– وضعية البناء الذاتي للتعلمات: تمثل مرحلة معالجة الإشكالية المطروحة في وضعية الانطلاق، حيث يحدَّد فيها الرهان الأساسي للعمل المطروح الذي يؤطره خيط ناظم موجه تمثله الأسئلة التي يطرحها المدرس وتنظم مشكلات النهج والتحقق من الفرضيات من عدة الدعامات الديداكتيكية التي يتم استثمارها وفق التعليمات التي يطرحها المدرس للوصول إلى إجابات للفرضيات المطروحة يعمل المدرس على المصادقة عليها من خلال عمل تشاركي جماعي.
– وضعية هيكلة هندسة التعلمات: تستهدف الوصول إلى الاستنتاجات والخلاصات والخروج بها إلى وضعية الملائمة للإجابة عن العائق المطروح وتقديمها في أوعية ملائمة ومتنوعة.
– مرحلة التحويل: يتم خلالها التحقق من الرهان أي مكتسبات المتعلم المضافة من خلال هذا النشاط قبل وضعها في سياق وظيفي الأقصى أو ممتد في المواد الدراسية الأخرى وانتهاء بالوضع التقويمي أو الإدماجي.
5- مراحل العمل لدى المتعلمين
يشمل عمل المتعلمين في إطار الوضعية المشكلة بعدة خطوات:
– فرديا: إعداد المتعلمين تقارير حول الملف المدروس قبليا.
– جماعيا: يقارن المتعلمون تقاريرهم بتركيب دامج متفق عليه وشامل.
– الاشتغال في ورشات على الدعامات لمواجهة العائق من خلال استخراج المطلوب ومقارنته بالتقرير الجماعي لفهم الأحداث ورصد مكامن النقص والتناقض، وبالتالي الإجابة عن الأسئلة وتأويل الإجابات.
– فرديا: بناء تقارير حول الحدث المدروس بالاشتغال على التقرير ومضامين الدعامات ومقارنة النتائج للوصول إلى صياغة توليفية.
6- بناء المشكل/ العائق
يستحضر المتعلم أن التاريخ هو رواية للماضي أنجزها متخصص استنادا إلى وثائق، فيكون التصور المستهدف هنا هو الوصول بالمتعلم إلى العمل نفسه مع فارق على المستوى الكمي للمعلومات، فقد يعمل المتعلم على وثائق حديثة استقدمها المدرس، فيهدم بها معارف مؤرخ من فترات سابقة.
تقوم الوضعية المشكلة على تصور أساسه أن النصوص المقترحة المدرسة والكتاب المدرسي يمثلان وجهة نظر (point de vue) تحتمل الصواب والخطأ، كما يحتمل إنجاز المتعلم، أيضا، نفس النتيجة في إطار نسبية التعلم، ومنه فالوضعية المشكلة تستهدف من زاوية وجهة النظر نقل المتعلمين لمقاربة ونقد شهادات وتأويل عدة دعامات حول حدث معين.
إن بناء المشكل يرتبط بالرهان (l’enjeu) والغرض (le but) اللذان ينبعان من صياغة العائق بشكل ينطلق من موارد غير مكتملة البناء أو تصورات ليقود السؤال العائق المتعلمين لبناء تصورات جديدة قابلة للدمج والتحويل وتخضع لنهج فكري تخصصي يرخي بظلاله في صياغة الفرضيات والأسئلة الفرعية بشكل سليم يحتوي ضمنيا إحالات على نهج المادة (الوصف/ التعريف – التفسير – التعميم/ التركيب) .
7- العمليات التعلمية المهيكلة لمسلك الوضعية المشكلة
- التعريف: أي تعريف المفاهيم والسياقات المرتبطة بالوضعية والموارد المعرفية المتصلة بها.
- الأشكلة: تتم من خلال موضعة الأحداث في سياقها وإعادة مساءلتها في ضوء التناقض البارز في الانطلاقة في علاقة بالمجتمع والثقافة الذهنية (التمثلاث) وبشكل يلامس الواقع المعيش.
- الإنجاز: إنجاز صياغة مكتوبة تجمع بين الأشكلة والتأويل وعمل المتعلمين على الدعامات للوصول إلى بناء جديد بمفاهيم وتصورات مغايرة لوضعية الانطلاق.
رابعا- التخطيط الديداكتيكي للتعلم بالوضعية المشكلة (مادتا التاريخ والجغرافيا نموذجا)
المراحل | الزمن | سيرورة التعلم | مهام المدرس[8] | مهام المتعلم |
- شكل العمل
- الوصف/ التعريف.
- استحضار المفاهيم والخطوات
- الدعوة إلى التأكد من الفرضية الأولى.
خاتمة :
تعمل الوضعية المشكلة سواء في مادتي التاريخ والجغرافيا أو في باقي المواد الدراسية على كسر هاجس انحصار المكتسبات في مرحلة الهيكلة المرتبطة بالمادة للخروج بها في سياق التحويل إلى الممارسة الفكرية والسلوكية (تصورات، بناء الوعي الذاتي الشامل، تطوير الحس النقدي، خلق مواطن مبدع ومبادر…)، ولذلك يقوم التعلم على أنشطة فكرية موجهة للمتعلمين تحقق التفاعل الصفي والانفتاح على الوسط والبيئة والشأن الجاري لمواجهة عائق معين وتجاوزه بغاية اكتساب كفاية مواجهة المشكل في وضعيات مختلفة ومغايرة، وبالتالي نؤسس التعلم على التفكير المنطقي العلمي والمنهجي السليم.
قائمة المراجع :
- اللحية، حسن، الوضعية المشكلة: تعاريف ومفاهيم، سلسلة المعارف البيداغوجية، ج 1، 2017.
- وزارة التربية الوطنية بالمغرب: الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي، 28 يوليوز 2018.
- Astolfi, Jean-Pierre, placer les éleves en situation – problèmes, in RP, 1993.
- coll pratiques et enjeux pédagogiques, ESF, Paris, 1997.
- Gillet, Pierre, construire la formation: outils pour les enseignants et les formateurs, PUF, 1991.
Perrenoud, philppe, Construire des compétences dès l’Ecole
[1]– Perrenoud, philppe, Construire des compétences dès l’Ecole, coll pratiques et enjeux pédagogiques, ESF, Paris, 1997, p. 7.
[2]– Gillet, Pierre, construire la formation: outils pour les enseignants et les formateurs, PUF, 1991, p. 69.
[3]– وزارة التربية الوطنية بالمغرب: الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي، 28 يوليوز 2018، ص 29.
[4]– اللحية، حسن، الوضعية المشكلة: تعاريف ومفاهيم، سلسلة المعارف البيداغوجية، ج 1، 2017، ص 9.
[5]– المرجع نفسه، ص 13 – 14.
[6]– المرجع نفسه، ص 35 – 36.
[7]– Voir: Astolfi, Jean-Pierre, placer les éleves en situation – problèmes, in RP, 1993.
[8] – إن الفصل بين مهام المدرس ومهام المتعلم هنا فصل تنظيمي وشكلي فقط، فواقع الممارسة الديداكتيكية يتسم بتداخل كبير بين الجانبين.