في مساء يوم الخميس الموافق لــ7 يناير 2021، أقام مركز جيل البحث العلمي ندوة أدبية على شرف عضو اللجنة العلمية التحكيمية في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية، الدكتور مصطفى عطية جمعة، للاحتفاء ومناقشة كتابه الموسوم بــــ “شرنقة التحيز الفكري: أنماط وتجليات”، الصادر عن دار شمس للنشر والمعلومات، القاهرة، في 2020.
حيث استهلت رئيسة المركز الأستاذة سرور طالبي الندوة بالترحيب بالحضور الكريم من الباحثين والأساتذة والأكاديميين من أقطار العالم العربي، وذلك في أولى سلسلة الندوات التي سيقيمها قسم الدراسات الأدبية والفكرية في المركز، احتفاءً بالسادة أعضاء الهيئة التحكيمية لمجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية، منبهة إلى أن الساحة الأكاديمية العربية في حاجة ماسة لمثل هذه الندوات.
ثم تولت الدكتورة غزلان هاشمي، رئيسة قسم الدراسات الأدبية في المركز ورئيسة تحرير مجلتها، تقديم الندوة، مشيرة إلى أن كتاب الدكتور مصطفى عطية “شرنقة التحيز الفكري: أنماط وتجليات” يمثل رافدا مهما من روافد الفكر الحديث، ومن المهم الاطلاع على نظرية التحيز لفهم أدق لمشكلات المعرفة، كما نبهت إلى أن مؤلف الكتاب من أبرز أعضاء هيئة التحكيم بالمجلة. ثم دعت المؤلف إلى تقديم نبذة عن الكتاب.
بدوره شكر الدكتور مصطفى عطية المركز على هذا التكريم والأساتذة الحاضرين على تفضلهم بالمشاركة في هذه الندوة، وذكر أن كتابه يعالج إشكالية التحيز الفكري في أبعادها الثقافية والمعرفية، من خلال فصوله التي تناولت الموضوع من زوايا مختلفة، عبر طرح القضية في دراسات متعددة ومتنوعة، وهذا ما يميز الكتاب، ويقدم من خلاله الباحث الإضافة العلمية المبتغاة، حيث أنه لا يكتفي بالتنظير، وإنما يضع عينه على التطبيق من خلال تقديم التحيز في موضوعات متعددة، فالفصل الأول يعالج ظاهرة التحيز كما بدت في مؤلفات إدوارد سعيد، وكيف انتصر للنقد العلمي الإنساني الموضوعي، بعيدا عن التحيزات الغربية واستعلائها على العالم، عبر النظرة الأفقية المتعمقة لمسيرته الحياتية، وأيضا لمؤلفاته المتعددة، التي انحازت لقيم عظيمة.
وفي الفصل الثاني، توقف الكاتب عند بعد جديد في التحيز، ألا وهو تجليات الدين في النقد الأدبي الغربي، وكيف أن النقاد الغربيين كانت لهم انحيازاتهم الخاصة، التي تخالف ما أعلنوه من حيدة وموضوعية وإنسانية، فالنقد الأدبي الغربي جزء من المركزية الحضارية الغربية، بكل تجلياتها المعرفية والفكرية والدينية.
وفي الفصل الثالث، واصل الدكتور عطيه قراءة التحيز من منظور منهجية التلقي، وذلك بالإبحار في فكر أحد النقاد العرب الكبار، ألا وهو د. شكري عياد، والذي وقف موقف المناقش والمتأمل لمجمل التجربة النقدية العربية المعاصرة، وكيف تلقت هذه المناهج، بكل ما تحمله من تحيزات فكرية فلسفية ومعرفية غربية، وهو ما أدى إلى ما يسمى صدمة المناهج الحداثية، وحالة الرفض الكبرى التي وجدها في البيئة الثقافية العربية، مما يتطلب التعامل الحذر مع المنهجيات الغربية المستوردة.
ويأتي الفصل الرابع ليعالج موضوع الساعة، وهو التطرف الفكري، وكيف يمكن مواجهته أدبيا، من خلال تعميق المنظور الإسلامي في الأدب العربي.
أما الفصل الخامس فهي مقارنة بين مشروعين فكريين مهمين، الأول للفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، والثاني للناقد الأدبي المصري عبد الوهاب المسيري، وهما معاصران، وعمل كلٌ منهما بشكل منفرد، في نقد الحداثة الغربية، من منطلق تحيزهما العقلاني والأخلاقي للحضارة الإسلامية وخصوصيتنا الثقافية.
والتمس د. مصطفى عطية من الله سبحانه؛ أن يكون هذا الكتاب جزءا من التراكم المعرفي في قضايا التحيز وإشكالاته، يضاف لجهود أخرى سابقة، ومعاصرة له.
عقب هذا العرض، فتحت الدكتورة غزلان النقاش للحاضرين، فقال البروفيسور هادي السعدون من جامعة الكوفة بالعراق أن التحيز قضية في غاية الأهمية، ومن الضروري مناقشتها، وتساءل عن علاقة التحيز بالتعصب، وكيف يمكن أن تتحول تحيزات الفرد إلى عصبية جامدة، يمكن أن تكون عنيفة.
في حين أشاد د. أسامة عبد الرحمن (من مصر) بالكتاب، وأنه جاء بأسلوب سلس وسهل، يخالف مثل هذه الكتب بلغتها صعبة الفهم على المتلقي، كما نبه إلى تميز أسلوب المؤلف الذي جمع الجانب الأدبي مع العلمي في صياغته للكتاب، وتوقف عند قضايا متعددة أثارها الكتاب مثل علاقة التحيز بالمذاهب الأدبية والنقدية، وأيضا بالتطرف والغلو الفكري والديني. ورأى د. أسامة أننا نعيش أضرار التحيز، ولابد من الانتباه إلى التحيزات التي يعيشها الشباب العربي، من خلال الأمركة والغزو الفكري، ورأى أن مؤلف الكتاب تخطى التحيز كمفهوم فكري إلى الأبعاد المعرفية والإنسانية له بشكل عام.
وتوقفت الباحثة جيهان الدمرداش (من مصر) عند دلالة العنوان موضحة أن الشرنقة تعني قيودا لا يستطيع المرء الفكاك منها، وأن مؤلف الكتاب أجاد اختيار العنوان، وجاءت بحوث الكتاب وقضاياه متميزة، واستخدم المؤلف مصطلحات جديدة مثل التحيزات المتعددة، والتحيز المضاد، خاصة في قراءته لفكر إدوارد سعيد، وأيضا لأثر الدين في النقد الأدبي الغربي، وانعكاسه على النقد العربي.
كما تساءلت د. غزلان في تعليق لها عن موقف إدوارد سعيد وتمسكه بالثقافة العربية، ورأت أن الكتاب يشير إلى التحيز ضد الآخر أو مقاومة التحيز.
وقد شكر د. مصطفى عطية المتداخلين الكرام، وذكر أن التحيز يكون تعصبا عندما يتحول إلى تحيز سلبي بالسكوت عن الظلم والفساد، وهو ما ينتج التطرف والعنف. أما إدوارد سعيد، فقد كان خير سفير للثقافة العربية في أمريكا، ودافع عن الإسلام، وعن القضية الفلسطينية، ضد المنظومة المعرفية الغربية المتحيزة.
في نهاية الندوة شكرت د. غزلان الحضور الكريم، ونبهت إلى أن الندوة القادمة ستكون في مساء الخميس القادم الموافق لــ14 يناير 2021 على تمام الساعة 20:00 بتوقيت مكة المكرمة، لمناقشة والاحتفاء برواية الأستاذ أحمد الرشراش، ثم ختمت الأستاذة سرور الندوة بتكرير شكرها لكل الحاضرين، ورحبت بكل مساهماتهم العلمية والبحثية والفكرية، وبهذا النقاش الأدبي الفاعل، كما رحّبت بمقترح الدكتور مصطفى عطية حول إصدار عدد خاص من المجلة لنشر البحوث والمقالات التي تنبثق عن هذه الندوات.