
زاوية الدراويش بالمغرب الشرقي من التأسيس إلى سنة 1948م:ترجمة لشيوخها من خلال تقرير فرنسي[1].
Zaouïaof the dervishes in Eastern Morocco from the foundation until 1948: A translation to its Sheikhs through a French report.
د.عماد اللبي/جامعة محمد الأول، وجدة ، المغرب
Pr. Labbi Imad/University Mohamed first-Oujda, Morocco
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 61 الصفحة 115.
Abstract:
Zaouïa of the dervishes is one of the unknown Zaouïas of the Eastern Morocco. It did not receive the attention it deserves, confirmed by the paucity of the references contained in historical sources, and by the absence of modern studies, especially since the influence of this Zaouïa has almost disappeared now, until it became unknown to many of the population of the region that emerged, let alone the other regions of Morocco.
In order to shed some light on the Zaouïa of the dervishes we had to translate first to its most important Sheikhs, a translation we aim behind at writing the history of this Zaouïa in a specific period, imposed by the available references. The issue of the doctrines and Sufi teachings adopted by the Zaouïa of the dervishes, as well as their historical development, remains a suitable subject for further study that may constitute another addition shaking off more dust from this Zaouïa.
Key words:Zaouïa – dervishes – Eastern Morocco – Sheikh
ملخص:
تعتبر زاوية الدراويش من الزوايا المغمورة بالمغرب الشرقي، ذلك أنها لم تحظ بما تستحقه من العناية والاهتمام، وهو الأمر الذي تؤكد هنذرة الإشارات التي تضمنتها المصادر التاريخية، ويكرسه غياب الدراسات الحديثة، خصوصا وأن إشعاع هذه الزاوية قد اختفى الآن تقريبا، حتى أصبحت مجهولة لدى الكثير من سكان المنطقة التي ظهرت بها، فما بالك بمناطق المغرب الأخرى.
ولتسليط بعض الضوء على زاوية الدراويش كان لزاما علينا أن نترجم أولا لأهم شيوخها، وهي ترجمة نصبو من ورائها أيضا إلى كتابة تاريخ هذه الزاوية في فترة زمنية محددة، فرضتها المادة العلمية المتوفرة فرضا، وتبقى مسألة العقائد والتعاليم الصوفية التي تبنتها زاوية الدراويش، وكذا تطورها التاريخي، موضوعا مناسبا لدراسة لاحقة قد تشكل إضافة أخرى تنفض مزيدا من الغبار عن هذه الزاوية.
الكلمات المفتاحية:الدراويش، الزاوية، الولي، الشيخ، المريد، الطريقة، المغرب الشرقي.
مقدمة :
لا يخفى على أحد من الباحثين أن الاعتماد فقط على التقارير الفرنسية في التأريخ لحدث معين أو الترجمة لشخصية ما ينطوي على مجازفة كبيرة، على اعتبار أن تلك التقارير غالبا ما تقوم على خلفية استعمارية تغيب عنها الموضوعية والحياد. ومن هنا يصبح التساؤل مشروعا حول الدافع وراء الاعتماد في هذه الدراسة على أحد تلك التقارير رغم مساوئها.
“مكره أخاك لا بطل” مثل يعبر عن الوضع التي قد يجد فيه الباحث نفسه مضطرا إلى الاعتماد على مصدر واحد ووحيد في ظل غياب مصادر أخرى، تمكنه من التحقيق والتدقيق والنقد والمقارنة، فالدراسات حول زاوية الدراويش بالمغرب الشرقي تتسم بالنذرة الشديدة، حتى أن الحديث عنها لم يكن إلا من خلال بعض الإشارات المتناثرة والمقتبضة، والتي يرجع أقدمها إلى سنة 1912 من خلال مذكرة موجزة قدمها الضابطدوزرDuzzer تحت عنوان “دراسة حول زاوية الدراوش للشريف السي ابن المهدي”، ثم فقرة خصصها الكولونيل لويس فوانوVoinotLouisسنة 1931 في بحثه المعنون ب”الطرق والزوايا بالمغرب الشرقي”، والذي أنجز بطلب من مدير الشؤون الأهلية لإغناء أرشيف المديرية، بالإضافة إلى إشارة القبطان هنري دلكروHenriDelcros ضمن بحثه سنة 1947 حول الشرفاء الأدارسة بجهة وجدة، ولم تتعد هذه الإشارة الأخيرة العبارات التالية :” زاوية الدراويش الغامضة التي تقع على واد صغير صعب الولوج في قبيلة بني بوزكو، تلقنمريديها الطقوس الصوفية المستوحاة من الدرقاويين”[2]. هذا فضلا عن الإشارات القصيرة التي تضمنتها، من حين إلى آخر، تقارير الرؤساء الذين تعاقبوا على تسيير ملحقة المراقبة المدنية للعيون سيدي ملوك، والتي يبدو من خلالها أن السلطات الفرنسية لم تكن تولي اهتماما كبيرا بهذه الزاوية.
باستثناء الدراسات والإشارات السابقة، لم يتناول أحد من المختصين في تاريخ المغرب سواء من المغاربة أو من الأجانب زاوية الدراويش، حيث تغيب أي إشارة لها في أهم المصادر والمراجع المؤرخة للمرحلة كخالد الناصري في كتابه “الاستقصا”، الجزء التاسع، وشارل دو فوكو Charles DeFoucauld أثناء رحلته “Reconnaissance au Maroc”، نفس الأمر يلاحظ أيضا في الجزء الأول من كتاب”Documents pour servir à l’étude du Nord-Ouestafricain” والذي تطرق للانتماءات الصوفية لسكان قبيلة بني بوزكو، وقسمهم إلى مريدين لعدة زوايا دون أن يشير إلى زاوية الدراويش، وحتى إن افترضنا جدلا أن عدد مريدي هذه الزاوية كان قليلا، وبالتالي تجاهل الكتاب الحديث عنهم، فإنه إشارته إلى مريدي زاوية وزان رغم قلة عددهم[3]، يفند هذا الافتراض.
ومن الطبيعي جدا أن يغيب أيضا التعريف بمؤسس زاوية الدراويش، سيدي محمد بن أحمد بن موسى التطواني وأهم شيوخها في تراجم الأعلام، مثل “موسوعة أعلام المغرب”، الجزء الأول، لمحمد حجي و”إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع” لعبد السلام بن عبد القادر بن سودة. وقد يرجع السبب وراء غياب ذكر زاوية الدراويش وشيوخها في أهم المصادر المغربية والأجنبية ربما إلى الموقع المعزول التي قامت عنده هذه الزاوية، المتميز بقلة عدد السكان والبعد عن الطرق الرئيسية المهمة، أو أن صدى هذه الزاوية وإشعاعها لم يكونا كافيين للفت انتباه أولائك المهتمين بتاريخ المغرب عموما، وتاريخ الطرق الصوفية خصوصا، لاسيما بعد سياسة التحفظ والتكتم التي لجأ إليها شيوخ الزاوية ومريدوها عقب الاحتلال الفرنسي لعمالة وجدة، فقد ظلت زواية الدراويش، التي تأسست في النصف الثاني من القرن 19[4]، دائما في منأى عن دسائس وصراعات ممثلي المخزن، وتجنب شيوخها ومريدوها التورط في الثورة التي قادها الجيلالي الزرهوني “بوحمارة” بداية القرن العشرين، فضلا عن أن علاقاتهم مع القواد المغاربة ومع السلطات المحلية الفرنسية كانت دائما تتسم بالحذر الشديد.
إذن في ظل شح المصادر التاريخية التي تناولت زاوية الدراويش بالمغرب الشرقي، يمكن اعتبار هذه الدراسة جزءا من محاولة للتعريف بها والترجمة لأهم شيوخها، بهدف وضعها على خريطة الزوايا بالمغرب، وأيضا دعوة لباقي الباحثين المهتمين بهذا المجال من أجل العمل على تسليط الضوء أكثر على هذه الطريقة الصوفية المغمورة للكشف عن أصولها وسيرورتها التاريخية.
- سيدي محمد بن أحمد التطواني بين الطريقة والطريق.
ولد مؤسس زاوية الدراويش، سيدي الحاج محمد بن أحمد بن موسى التطواني، بتازروت[5] سنة 1810 في أسرة من “جبالة”، في وقت تميز بإيلاء السلطان العلوي مولاي سليمان بن محمد اهتماما كبيرا بالريف، خصوصا بعد أن بلغ إلى علمه أن قبائله من قليعة وغيرها صاروا يبيعون الزرع والماشية للنصارى، متجهلين قراره بمنع هؤلاء من وسق ذلك بالمراسي[6]، الشيء الذي دفع السلطان إلى إرسال حملات عسكرية لمنع هذه التجارة المحضورة، كان من بينها حملة سنة 1810.
حظي أب مؤسس زاوية الدراويش، أحمد بن موسى، بوضعية اعتبارية مهمة بقرية تازروت بفضل تقواه وإلمامه الكبير بالتعاليم الصوفية، فضلا عن انتسابه إلى الشرفاء المنحدرين من مولاي عبد السلام بن مشيش “القطب”[7]،كما أن زوجته كانت أيضا وبدون شك سليلة الشرفاء. نشأ سيدي محمد بن أحمد في حضن قبيلة سُماتة البربرية[8] بين الشرفاء العلميين، وقد أدهش محيطه بتقواه وصلاحه وما خرج من فمه من حكمة الكبار وهو ما يزال في سن الطفولة، سن اللعب والمرح، وهو في هذا يذكرنا بسيدي عبد السلام بن مشيش الذي سلك الطريق إلى الله منذ أن كان عمره سبع سنين[9]، وإلى هذا الأخير تمتد شجرة عائلة سيدي محمد بن أحمد ومنه إلى إدريس الأول ثم إلى علي بن أبي طالب، مع الإشارة إلى التقرير الفرنسي الذي اعتمدنا عليه أكد على أن تتبع هذا النسب تم من خلال الاعتماد فقط على ذاكرة خلف سيدي محمد بن أحمد، في ظل غياب وثائق مكتوبة[10].
أنهى سيدي محمد بن أحمد حفظ القرآن الكريم ودراسته وعمره ستة عشر سنة، غير أن فرحته بهذا الإنجاز لم تدم طويلا، فسرعان ما أسلم والده الروح لبارئها، ليتكفل عمه سيدي علي بن أحمد بن موسى التطواني بنقل جثمان أخيه إلى تطوان ليدفن بالزاوية الرسونية. هذا المعطى قد يدعم فرضية أن شيخ الدراويش كان في هذه الفترة من حياته من مريدي هذه الزاوية، خصوصا وأن عمه بادر إلى تزويجه ابنته، التي ما لبث أن فقدها[11].
تفرغ سيدي محمد بن أحمد للتأمل بجانب ضريح والده بالزاوية الريسونية، متأثرا بفقد زوجته الشابة، ومدفوعا بتعاليم الصوفية التي تلقاها، وظل يخدم تلك الزاوية سنوات طويلة مواصلا خلالها دراسة الصوفية، ليرنو بعد ذلك ببصره إلى الأرض المقدسة. وبعد فترة قصيرة من الاحتلال الفرنسي للجزائر لبس سيدي محمد بن أحمد الخرقة[12] وحمل في يده عكازا ثم غادر تطوان قاصدا مكة راجلا حسب التعاليم الصوفية، وانتقل في طريقه من زاوية إلى أخرى معتمدا في سد جوعه على الصدقات، باحثا عن كبار الشيوخ ومتلقيا عنهم[13].
وصل سيدي محمد بن أحمد إلى مكة وأتم شعائر الحج رفقة بعض الحجاج المغاربة، ثم توجه إلى المدينة المنورة بنية زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنه مكث بها سبع سنوات عاش خلالها عيشة الدراويش، وقام على سقاية عابري السبيل القادمين من مختلف البلدان الإسلامية، فقدم مثالا على التواضع وهجر الشهوات وملذات الحياة الدنيا، وطيلة هذه المدة ظل مخلصا لتعاليم الزاوية الدرقاوية، إلى أن التقى في أحد مواسم الحج بالشيخ سيدي محمد ضافر بن حمزة المدني مؤسس الزاوية المدنية بمصراتة بليبيا سنة 1820م، التي تستوحي أيضا تعاليمها من الطريقة الدرقاوية[14].
وكما هو دأب شيوخ الصوفية الذين التقوا أثناء سفرهم بمن قادهم ووجههم إلى الطريقة، كولي جبل العلم سيدي عبد السلام بن مشيش ومولاي عبد القادر الشاذلي[15]، أثر هذا اللقاء كثيرا في مصير الحاج محمد بن أحمد الذي قصد مصراتة للاستقرار بها مؤقتا لمدة ثلاثة سنوات، حيث تربى على يدي شيخه وتلقى عنه إلى أن أصبح يحمل صفة “مقدم” بالزاوية المدنية. وكما قال الإمام الجيلاني “لا رضاع بين الحوليين“[16]كإشارة رمزية إلى حقيقة من حقائق الطريق، وهي أنه لا بد بعد اللقاء من افتراق، اختار الشيخ مريده للقيام بمهمة مقدسة قائلا: “عد دون تأخير إلى المغرب وابحث عن مكان يسمى دادا علي، فالله سبحانه يريد منك أن تعمر تلك المنطقة”[17]. ابتهج سيدي الحاج محمد بهذا التكليف غاية الابتهاج على اعتبار أنه تكليف وأمر إلاهي.
لكن أليس من الممكن أن يكون هدف الشيخ محمد بن ضافر بن حمزة المدني من هذا التكليف هو تأسيس فرع لزاويته بالمغرب؟ خصوصا وأن هذه الزاوية كانت تدعو إلى الوحدة بين المسلمين من أجل القضاء على التواجد المسيحي بشمال إفريقيا[18]، فضلا عن أن اختيار مكان المهمة المتميز بصعوبة الولوج والقرب من الحدود المغربية الجزائرية، والواقع على الطريق الرابطة بين فكيك –بركنت– كفايت – العيون، والريف الشرقي، قد لا يكون اعتباطيا وإنما بهدف جعله معقلا للمقاومة؟ لكن مع غياب المادة العلمية يبقى من الصعب جدا تأكيد هذه الفرضيات أو نفيها.
لكن ما هو مؤكد أن الحاج سيدي محمد قد امتثل لتوجيه شيخ الطريقة المدنية، ذلك أن التعاليم الصوفية ترى في اعتراض المريد على شيخه ناقضا للعهد وإبطالا للبيعة[19]، فخرج الحاج سيدي محمد من طرابلس متوجها نحو المغرب، غير أن أخباره انقطعت خلال هذه الرحلة، ولم يظهر أثره من جديد إلا بين سنتي 1844و1845م، وهو ما فتح الباب أمام انتشار رواية بين مريدي زاويته، التي سيؤسسها فيما بعد، تقول بأن الحاج سيدي محمد قد ركب البحر في طريقه إلى المغرب متلهفا للوصول إلى مقصده ومشتاقا لتراب بلاده، غير أن كل من اختاره الله واصطفاه لابد أن يبتلى ويمتحن، فشاءت الأقدار أن يغرق الزوق الذي كان يقله فيهلك كل من عليه، باستثناء الحاج سيدي محمد الذي ظل أياما عديدة متشبثا بلوح تتقاذفه الأمواج، إلى أن هيأ له الله سبل النجاة فدفعه إلى جزيرة مهجورة، عاش فوقها وحيدا لسنوات طويلة لا قوت له إلا الأعشاب والمحار. وشاءت حكمة الله أن تنتهي هذه العزلة ويستأنف سيدي الحاج محمد المهمة التي أوكلت إليه، حينما رأى يوما شراع سفينة في الأفق البعيد، فبادر إلى نزع عمامته والتلويح بها طلبا للنجاة، فحملته تلك السفينة إلى الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، ثم أكمل رحلته برا إلى أن وصل إلى “رْشيدة” وهي قرية تابعة لدائرة جرسيف يسكنها أولاد سيدي يعقوب[20].
ومن غريب الصدف أن يجد سيدي محمد نفسه في منطقة تسمى تازروت (وهي غير تازروت التي ولد بها) التي تعج بالأولياء والشرفاء اليعقوبيين، المحاطين بمظاهر الاحترام والتوقير، بفضل انتسابهم إلى عبد الله بن إدريس الثاني الملقب بأمغار[21]، الشيء الذي دفع سيدي الحاج محمد إلى الابتعاد عن رشيدة والانعزال في كهف يقع على جرف يحد جنوبا كعدة دبدو، وذلك حتى لا يلفت إليه الأنظار، وحتى لا يصطدم بشرفاء المنطقة. ظل سيدي محمد على هذا الحال إلى أن فوجئ يوما بأحد شرفاء رشيدة يقصده ليخبره بأنه رأى فيما يراه النائم يدا تشير إلى سيدي محمد وسمع صوتا يردد بأن الشخص الذي تشير إليه هذه اليد هو شيخك[22].
أحس سيدي محمد بأن هذه الرؤيا ما هي إلا إشارة للانطلاق من جديد لتنفيذ مهمته المقدسة، فبادر إلى تلقين زائره مبادئ الصوفية وأوصاه بالتوجه إلى دبدو وانتظاره هناك، إلى حين قدومه يوم الجمعة وقت الصلاة. ومن الأمور العجائبية التي ميزت وصول سيدي الحاج محمد إلى دبدو هو أنه أثناء انشغاله بالابتهال والتضرع بعد الفراغ من الصلاة قام المدعو الحاج قدور الجهمري بسرقة بلغته، لكن بمجرد وصول السارق إلى مسكنه لاحظ أن البلغة المسروقة مليئة بالسلاحف الصغيرة، الشيء الذي جعله يعلم جيرانه ليشهدوا معه هذه المعجزة، فانطلقوا يبحثون عن هذا الغريب صاحب البلغة، وسرعان ما وجدوه ليُحمل فوق الأعناق ويُطاف به في طرقات هذه المدينة الصغيرة، ويُمنح لقب الولي، ذلك أن سكان دبدو لم يجدوا من تفسير لقيام الحاج قدور الجمهري بسرقة البلغة، وهو من أعيان المدينة وأغنيائها، إلا وجود قوة خارقة تدبر الأمور[23].
تعلقت قلوب سكان دبدو بهذا الولي الجديد، وتمنوا عليه أن يستقر بينهم، كما أحاطه أولاد اعمارة، الذين يشكلون القبيلة المجاورة لدبدو، بمظاهر الاحترام والتبجيل ومنحوه قطعة أرض غرب المدينة كوقف خاص، استمرت الزاوية المحلية في استغلالها بعد وفاة مؤسسها، وأصبحت مقصد المريدين الذين يبحثون عن علاج أقاربهم من الحمى والأمراض العصبية، بعد أن شاع بين الناس قدرة هذا المكان على شفاء تلك الأمراض.
رغم المكانة المتميزة التي أصبح يحظى بها الولي الحاج سيدي محمد بن أحمد بدبدو ونواحيها، وإشرافه على بناء زاوية مجاورة للمسجد بمركز المدينة، لم ينس الطريق التي رسمها له شيخه المدني، فخرج باحثا عن دادا علي (الجد علي بالأمازيغية) رغم إصرار أهل دبدو على مكوثه بينهم، وذلك بعدما رتب الإجراءات الكفيلة باستمرار عمل الزاوية، حيث كلف المقدم الحاج قدور الجهمري بالسهر على تسييرها، وفي طريقه مر بقبيلة أولاد عمرو، التي لا يفصلها شرقا عن قبيلة بني بوزكو إلا واد زا وواد الحي، واتخذ فيها مريدين جدد[24].
استمر بحث سيدي الحاج محمد بن أحمد عن مقصده، حيث ظل يتنقل من مكان إلى آخر، إلى أن التقى يوما برعاة في غابة فاستفسرهم عن اسم ذلك المكان، لقد كانت المفاجأة كبيرة عندما علم أنه وصل أخيرا إلى الهدف المنشود، إنه دادا علي، فسقط منتشيا ولسانه يلهج بالدعاء والذكر، ثم ما لبث أن بادر إلى العمل على إنجاز ما كُلف به وتأسيس طائفة صوفية مستقلة تستمد جوهر عقيدتها من المبادئ التي وضعها الشيخ مولاي العربي بن أحمد الدرقاوي[25]، إنها طائفة الدوايش.
اختار الولي سيدي محمد بن أحمد بدادا علي موقعا ملائما له عند حافة غابة البلوط الأخضر، حيث لجأ إلى مغارة صغيرة منعزلا بنفسه ومنغلقا عليها، منشغلا بالدعاء ومنغمسا في التأملات الصوفية التي تجعل روحه أقرب إلى الله، معتمدا في مأكله على النباتات وجذورها، وفي مشربه على عين تنبع مياهها من الجبل. عاش سيدي محمد بن أحمد في حضن هذه الطبيعة البكر وسط الأشجار وبين الحيوانات المفترسة التي لم تكن تقوى على مقاومة تأثيره[26]، فترفع عن الحياة الدنيا المادية، ليُفتح له طريق للتواصل مع الله، وهو بهذا سار على دأب كبار رجال الصوفية أمثال سيدي عبد السلام بن مشيش، الذي اعتزل في جبل العلم، ومولاي أبو يعزى يلنوار (الملقب بمولاي بوعزة) الذي عاش بين زيان وتادلا في مكان مرتفع وسط غابة[27].
لم تدم هذه الخلوة طويلا، فقد دفع الفضول سكان الجبل والرعاة والحطابين، على قلتهم، إلى الاقتراب من الشيخ سيدي محمد بن أحمد والحديث إليه، هذا الحديث لم يكن يدور إلا بالتشلحيت، اللهجة الوحيدة المعروفة في هذه المناطق[28]، مما يؤكد أن الحاج سيدي محمد بن أحمد كان على دراية بها، وهو أمر لا يدعو بتاتا إلى التعجب، على اعتبار أنه ترعرع في جبالة حيث يتحدثون تاريفيت، ورغم أن هذه الأخيرة تختلف بعض الشيء عن تمازيغت بني بوزكو، إلا أن الولي تنقل كثيرا بين القبائل الأمازيغية، فضلا عن استقراره الطويل بدبدو وسط قبيلتي أولاد عمارة وأولاد عمرو.
تحول، شيئا فشيئا، هؤلاء الفضوليون إلى مستمعين أوفياء لمواعظ سيدي محمد بن أحمد، التي كان يلقيها إما في المنازل أو تحت الخيام المصنوعة من الحلفاء أو في الهواء الطلق، لتتناقل الألسن خبره وتزداد شهرته ويزداد معها عدد الفضوليين، إلى أن وصل صداه إلى أولاد سيدي بالقاسم أزروال[29]، أسياد منطقة دادا علي، فاتهموه بالدجل والشعودة، وتوعدوه بأشد العقاب إذا لم يرحل عن المنطقة، كما تحدوه أن يثبت نسبه الشريف. فهل كان أولاد سيدي بالقاسم أزورال يجهلون حقا امتداد نسب سيدي محمد بن أحمد إلى مولاي إدريس عن طريق مولاي عبد السلام بن مشيش؟ أم أنهم كانوا يتخوفون من أن يزيحهم هذا الولي الجديد عن مكانتهم ليحل محلهم؟
حاول سيدي محمد بن أحمد تهدئة الخواطر وتفنيد شكوك وتخوفات أولاد سيدي بالقاسم أزروال، فكرس نفسه لخدمة ضريح سيدي إبراهيم، ورغم ذلك رأى أنه من الضروري نسج رابطة أكثر قوة بينه وبين أولاد سيدي بالقاسم أزروال، وهي رابطة الدم، حيث تزوج فاطنة بنت لحسن، ابنة أخ زعيمهم سيدي محمد بن الهاشمي، فأهدى له أصهاره قطعة أرض بنى فوقها منزلا خاصا، ليتحول أعداء الأمس إلى حلفاء[30].
لم يدم مقام سيدي محمد بن أحمد طويلا بالبيت الذي بناه، حيث لم يلبث أن انتقل إلى وزغت[31] وبنى بها منزلا جديدا أكثر اتساعا، ثم زاوية حملت اسم الدراويش، ذلك أنها كانت تستقبل عابري السبيل والحجاج القادمين من جميع الجهات، لتتحول هذه الزاوية سريعا إلى ملجأ يقصده مريدو الطريقة الدرقاوية الذين يلبسون الخرق ويجوبون عمالة وجدة.
شكلت هذه الزاوية أيضا مركزا يلتقي عنده مريدو الولي سيدي محمد بن أحمد، القادمين من دبدو وأولاد عمارة وكذا المناطق القريبة من بني بوزكو، وأصبحت تشهد تنظيم الحضرة[32]، وهو طقس صوفي يمكن من تجميع بعض المعطيات حول الشيخ وعدد مريديه والقبائل التي ينحدرون منها. لكن في ظل غياب مصادر مكتوبة تؤرخ لهذه الحضرة، سنحاول، من خلال العقد الذي تم بموجبه منح شيخ زاوية الدراويش وقفا خاصا آخر وهي قطعة أرضية تسمى “تيولا” وتقع ببني يعلا الصفاصيف[33]، أن نرصد إشعاع هذه زاوية بين قبائل المغرب الشرقي، وهي كالتالي:
- أولاد خليفة: فخدة من قبيلة أولاد بختي بكفايت.
- أولاد مسعود: فخدة من قبيلة السجع شمال العيون سيدي ملوك.
- بني يعلا الصفاصيف.
- بني شبل: قبيلة صغيرة، أمازيغية الأصول، تحد بني بوزكو جنوبا[34].
- أولاد عمرو
- الحديون: فخدة من بني بوزكو، أصبحت قبيلة مستقلة منذ ثورة الجيلالي الزرهوني “بوحمارة”.
لقد كان هدف المانحين للوقف الخاص الحصول على بركة الولي، الذي قبله قائلا: “إن الله على كل شيء قدير”، ثم ما لبث أن توجه إلى “تيولى” حاملا طبله، دون أن يُعلم أحدا من مقربيه، حتى إذا وصل إلى كهف شرع في الضرب على طبله لتفر الأسود. وهكذا عاد سيدي محمد بن أحمد من جديد إلى الاستقرار داخل كهف مفارقا زوجته وأبناءه الثلاثة، الذين تركهم في الزاوية، فزدادت شهرته وذاع صيته ومعها معجزاته، ومنها ما حكاه القائد محمد بوسماحة نقلا عن أبيه الذي عاصر الولي، من أن وفدا من الحديين يقوده السي بوسماحة فوجئ، أثناء قيامهم ب “الزْيَارة”، بالولي وهو يتحدث مع الحيوانات المفترسة التي أحاطت به[35]، الشيء الذي دفع بالكثير من الحديين إلى أن يصبحوا من المريدين الأوفياء لزاوية الدراويش[36].
يتناقل الحديون أيضا أنهم حينما أصيبوا بالمجاعة بسبب توالي سنوات الجفاف، لم يجدوا أمامهم إلا قطع الطريق ونصب الكمائن لقتل ونهب كل من يعبر أراضيهم، إلى أن سقط الولي سيدي محمد بن أحمد في أحد تلك الكمائن عندما كان عائدا من كفايت، ثم إنهم اجتمعوا حوله لما عرفوه، فوعدهم بأن الخير لن ينقطع عنهم وعن نسلهم، وأنهم لن يحتاجوا شعيرا قط إذا هم رعوا حق الطريق وتوقفوا عن قطعه. وفعلا بعد وقت قليل عن كفهم عن النهب والسلب تساقطت أمطار غزيرة على أراضيهم نمت محاصيلهم. وقد اشتهر الحديون بعد ذلك بأنهم مزارعون جيدون يعرفون كيف يدبرون أمور معيشتهم، ذلك أن مطاميرهم لم تكن تفرغ أبدا، وقد خلد الحديون هذه المعجزة بموسم يعقد كل سنة بوزغت[37].
بنى سيدي محمد بن أحمد زاوية أخرى سنة 1863مبكفايت[38] بمكان يسمى “تنشرت”، قبل أن يتوجه شمالا نحو بني يزناسن، حيث نصب خيمته في سوق وسط خيام أخرى، غير أحدا لم ينتبه لوجوده، مما أحزن الولي وأغضبه فجمع متاعه عائدا أدراجه من حيث أتى، لكن بمجرد خروجه من السوق سادت حالة من الذعر والهلع جُهلت أسبابها، تلتها اشتباكات دامية، لتلحق به مجموعة من بني يزناسن بعد أن تعرفوا على هوية الولي، ورافقوه إلى وزغت، وهناك ذبحوا عجلا طلبا للعفو والمغفرة، وتوسلوا إليه أن يعود مرة أخرى إلى بني يزناسن، وقد وعدهم سيدي محمد بن أحمد، بعد قليل من التمنع، بزيارة ثانية[39].
وكما هو شأن الأولياء، صدق سيدي الحاج محمد بن أحمد وعده لبني يزناسن وقام بزيار ثانية، استقبل خلالها استقبالا كبيرا يليق بمكانته، واتخذ منهم الكثير من المريدين، من أبرزهم جد قائد بركان السي المنصوري، وبنى زاوية سيدي بوجمعة بقبيلة بني منكوش (إحدى قبائل اتحادية بني يزناسن). وكما هو شأن شيوخ الطرق الصوفية امتلك سيدي محمد بن أحمد قدرة كبيرة على إصلاح ذات البين، مما جعل فرق قبيلة بني بوزكو تلجأ إليه عدة مرات لحل نزاعاتها ووضع حد للمواجهات المسلحة التي كانت تنشب بينها.
تعددت معجزات وكرامات سيدي الحاج محمد بن أحمد، ولعل آخرها كانت عندما استقبل، قبل فترة قصيرة من وفاته، وفودا من أعيان القبائل الذين جاؤوا ليؤكدوا على تبجيلهم وإجلالهم له، فقدم لهم وجبة “الزميتة” المصنوعة من دقيق الشعير، وهي أكلة لم تكن تتناسب وقدر أولئك الأعيان، الذين بالكاد تذوقوها، باستثناء جد القائد النكادي، محمد بن المختار، الذي أكل منها إلى حد الشبع، بل ووضع ما فضل منها في “شكارته”[40].
إلتسمت الوفود من الولي سيدي محمد بن أحمد في آخر لقائها به أن يخصهم بدعائه، فرد عليهم بأن دعاءه سيقتصر فقط على من أكل من الزميتة، ومنذ هذا الوقت زاد تأثير عائلة محمد بن المختار على بني بوزكو وعلى القبائل القريبة من دبدو وكفايت، وامتد أثر دعاء الولي إلى القائد حمادة ابن محمد بن المختار[41]، حينما سلم من عقاب بوحمارة، وهذا في حد ذاته اعتبر معجزة في ذلك الوقت.
ولما أحس الولي سيدي محمد بن أحمد بدنو أجله قام بزيارة وداع أخيرة إلى زاوية دبدو محاطا بمريديه، ثم إلى زاوية تنشرت بكفايت، قبل أن يدركه الموت سنة 1865م، وقد حمل جثمانه إلى “تيولى” ليدفن بها[42]، حيث أصبح ضريحه محج الكثير من المريدين. وقد ترك الولي سيدي محمد بن أحمد ثلاثة من الأبناء من زوجته فاطنة بنت لحسن، وهم مولاي أحمد، سيدي بن المهدي، سيدي عبد السلام، وقد خلفه على طريقة الدراويش أوسط أبنائه (سيدي بن المهدي). مع الإشارة إلى أن سيدي محمد بن أحمد قد اتخذ زوجة ثانية عند إقامته ببني يزناسن، أنجبت له عدد من الأبناء ماتوا كلهم في سن الصبا[43].
- سيدي بن المهدي صاحب الكرامات.
ولد سيدي بن المهدي سنة 1855م بزاوية وزغت، وأظهر منذ صغره علامات الصلاح والتقوى، فكان بارا بأبيه موقرا ومعظما إياه، مما جعله المفضل بين إخوته، وقد تمكن من حفظ القرآن الكريم وعمره يناهز 15 سنة، لينتقل بعدها إلى تعلم العقائد والتعاليم الصوفية، كما اعتاد على القيام برحلات في الغابة منفردا، منها أنه لبس في أحد الأيام، دون علم أبيه، الخرقة ثم حمل عكازا، في إشارة إلى الفقراء الدرقاويين، وخرج سائحا ليوم كامل، وهي مدة قصيرة جدا لم تمكن هذا الصوفي الشاب من أن يحمل لقب “الفقير” حقا[44].
لاحظ سيدي محمد بن أحمد تقوى ابنه وتعلقه بالصوفية فاختاره خليفة له، وبعد موته نظمت الزاوية حضرة كبيرة، شهدت انضمام عدد مهم من المريدين الجدد، وتم خلالها مبايعة سيدي بن المهدي شيخا للدراويش، وقد كرس الشيخ الجديد وقته لقراءة الكتب الصوفية ومزاولة رياضة التأمل، إلى أن رأى أباه في المنام يأمره بالقيام بأول جولة له إلى باقي الزوايا التابعة للدراويش. انطلق سيدي بن المهدي مستجيبا لأمر والده، حتى إذا وصل إلى دبدو التي أنهكها الجفاف، توسل إليه أهلها أن يستسقي لهم، فقبل بشرط أن يتحمل يهود المدينة تكاليف طعامه، وبعد صلاة العشاء شرع سيدي بن المهدي في الدعاء والتضرع، وسرعان ما تجمعت الغيوم في السماء التي كانت صافية قبل ذلك، لتنهمر أمطار الخير على المنطقة، أنقذت المحاصيل الزراعية. وعرفانا من أهل دبدو بفضل شيخ زاوية الدراويش عليهم خصصوا لهذه الأخيرة هبة سنوية تقدر بست قرديات (تساوي كل قردية حوالي 3,25 كلغ) من الشعير لكل “زوج” من البهائم[45].
وأثناء عودته من دبدو، توقف سيدي بن المهدي بقبيلة أولاد اعمر التي اكتسحها الجراد إلى درجة أنه غطى حقولها، فبادر سكان هذه القبيلة إلى التوسل إليه من أجل أن يدفع عنهم هذا البلاء، فوافق بشرط أن تُمنح زاوية الدراويش زربية مصنوعة في القبيلة، وهو طلب بسيط استجيب له فورا، ليتفاجأ الجميع في اليوم الموالي باختفاء الجراد نهائيا[46].
لقد ورث سيدي بن المهدي عن أبيه “البركة”، فغدا صاحب كرامات يستفيد منها مريدوه مقابل مساهمات عينية أو نقدية بسيطة تخصص لضمان السير الحسن لزوايا الدراويش، غير أن شخصيته لم تشبه شخصية أبيه، فقد اتصف بالخجل وقلة المبادرة، ذلك أنه طيلة المدة التي كان فيها شيخا لطريقة الدراويش لم تبن إلا زاوية واحدة في آخر حياته، حيث كرس وقته للوعظ والبحث عن الاتحاد مع الخالق[47]، لكن رغم ذلك تضاعف عدد مريدي الزاوية[48].
تميزت زاوية الدراويش بنهجها للحياد التام أمام مختلف الأحداث التي كانت تعرفها المنطقة، ولعل أبرزها الحركة التي قادها “بوحمارة” ضد المخزن المغربي، غير أن هذا الحياد لم يشفع لهم هذه المرة في اتقاء هجومات السي الطيب بن بوعمامة[49]، الذي وقف في صف أولاد سيدي بالقاسم أزروال في صراعهم مع سيدي بن المهدي، رغم محاولة هذا الأخير سنة 1908م كسب ود قبيلة أولاد سيدي الشيخ من خلال اتخاذ لالا عائشة زوجة ثانية، وهي التي تربطها علاقة قرابة غير مباشرة بالقائد السي الطيب بن بوعمامة، وبالتالي استمرت معاناة سيدي بن المهدي من هذا التحالف، إلا أنه لم يحاول حتى الدفاع عن نفسه، ولم يستجدي الدعم من الفرنسيين، واكتفى بالانغلاق على نفسه مطالبا مريديه بالتحلي بالحذر الشديد.
حافظ سيدي بن المهدي على نفس النهج في التزام الحياد التام، حتى بعد الاحتلال الفرنسي لمناطق المغرب الشرقي، حيث أنه لم يظهر أي تعاطف مع السلطات الاستعمارية الجديدة، ولم يبحث أيضا عن إثارة الاضطرابات ضدها، وفضل عدم الاحتكاك بها أو التعامل معها، إلى درجة أنه رفض دعوة رئيس مركز العيون، اليوتنون جوليان Lieutenant Julien، سنة 1912م للمثول لأمامه، وقد تميزت هذه الفترة بتراجع كبير لإشعاع زاوية الدراويش[50].
توفي الشيخ سيدي بن المهدي سنة 1913م، تاركا خمسة من الأبناء من زوجته الأولى فاطنة بنت الحاج أحمد المنحدرة من قبيلة بني ورميش (إحدى قبائل اتحادية بني يزناسن)، توفي أحدهم وهو السي عزوز، أما سيدي نور الدين فقد استقر بجرادة حيث كان يعمل ابنه في مناجمها، في حين ظل كل من السي الخادير والسي أحمد وسيدي المصطفى مستقرين بالزاوية، وقد خلف هذا الأخير أباه على رأس زاوية الدراويش[51].
- سيدي المصطفى المهدي.
بعد وفاة الشيخ سيدي بن المهدي سنة 1913م، أصبح سيدي المصطفى المهدي شيخا لزاوية الدراويش، وهو الذي اتصف بالبساطة والتواضع وبالحكمة والتقوى، رغم مستواه الثقافي المتواضع، كما أنه اشتهر بكرمه وجوده وحسن ضيافته، الشيء الذي جعله شيخا مبجلا محبوبا ومسموع الكلمة، وهو ما يفسر تخصيصه بعدد مهم من الهبات القيمة.
اعتاد سيدي المصطفى القيام بزيارة للزوايا التابعة للدراويش بكل من دبدو وكفايت وسيدي بوجمعة مرة كل سنة، حيث كان يتلقى “الزيارة”، واتخذ مريدين (منهم نساء) من مجموعة من القبائل أهمها أهل دبدو وأولاد عمرو وبني شبل وأولاد بختي وبني منكوش، أظهروا له الطاعة والتزموا بنهج الحياد، إلى درجة أن السلطات الفرنسية لم تسجل عليهم أية محاولة للتدخل في المجال السياسي، وقد اشتهر سيدي المصطفى بارتدائه برنسا من الصوف الأبيض مزخرفا بضريح أخضر وأبيض، كرمز مستحدث للشرفاء الأدارسة[52].
استقر سيدي المصطفى المهدي غير بعيد عن ضريح والده، بالزاوية الكبيرة التي بناها هذا الأخير قبيل وفاته. وقد واصل سيدي المصطفى سياسة أسلافه في مسألة الزواج، حيث كانوا يعتبرونها وسيلة لكسب الحلفاء ودفع الأعداء، وأيضا لنسج روابط أكثر متانة مع الزوايا التابعة للدراويش، وهم في هذا الأمر خالفوا طريق الصوفية، التي تدعو إلى التجرد من الأزواج والأولاد، لأن ذلك أعون على الوقت للفقير، وأجمع لهممه، وألذ لعيشه[53].
تزوج سيدي المصطفى المهدي ثلاث نساء أنجب منهن الكثير من الأبناء، ذكورا وإناثا، وهن:
- يامنة بنت الحاج محمد بن موسى من قبيلة المهايا الجنوب، التي تضم مريدين للشيخ، توفيت سنة 1940م تاركة ثلاثة أولاد هم:
- عبد القادر الذي عاش بالعيون تحت نفقة والده.
- سعيد استقر بوزغت، وهو شاب متعلم يستحق التقدير من والده، رغم أن هذا الأخير كانيتجاهله.
- أحمد، صباغ بوجدة منذ سنة 1936م.
- فافا (تحريف أمازيغي لاسم فاطنة) بنت السي الطيب بنت المهدي من كفايت، توفيت منذ سنة 1943م تاركة ولدا واحدا مفضلا لدى سيدي المصطفى هو السي محمد.
- الزهرة بنت السي محمد بنت الخير من دبدو، وهي بنت قاض سابق، أنجبت خمس بنات وثلاثة أولاد[54].
لقد كان السي محمد هو الأقرب لخلافة والده على رأس زاوية الدراويش، نظرا للمكانة التي كان يخصها به، ونظرا لملازمته له معظم الوقت، وهو شاب بالكاد يعرف القراءة والكتابة، تزوج وعمره 25 سنة بنت السي بولنوار، مقدم زاوية الدراويش بسيدي بوجمعة، لكن مستقبله كشيخ للطريقة كان ينذر بمجموعة من المشاكل والعقبات، على اعتبار ضعف مكانته ومحدودية تأثيره[55].
بلغ عدد مريدي زاوية الدراويش خلال منتصف القرن العشرين حوالي 1500 مريد، منتشرين في دائرة مركزها زاوية وزغت وشعاعها يمتد إلى حوالي 60 كيلومترا، مستفيدة من تراجع إشعاع بعض الطرق الصوفية بالمنطقة كالعيساوية والشيخية والزيانية والكرزازية[56].ومع ذلك لم تعد هذه الزاوية أن تكون طائفة صغيرة محصورة نسبيا في المجال، تقوم على تعاليم وعقائد انحرفت كثيرا عن أصولها الصوفية الشاذلية الدرقاوية.
خاتمة:
توصلت هذه الدراسة إلى النتائج التالية:
– لم تحظ زاوبة الدراويش باهتمام الباحثين سواء بسبب موقعها المعزول أو ضعف إشعاعها أوحيادها وانغلاقها.
-استمدت زاوية الدراويش تعاليمها من الطريقة الدرقاوية غير أنها انحرفت كثيرا عنها منذ النصف الثاني من القرن العشرين.
– ظل مجال إشعاع زاوية الدراويش محدودا بسبب ضعف مبادرة شيوخها، باستثناء سيدي محمد بن أحمد، مؤسس الزاوية.
– اصطدمت زاوية الدراويش منذ تأسيسها بمقاومة الشرفاء والزوايا الأخرى، في إطار الصراع حول السيطرة الروحية واكتساب المزيد من المريدين.
قائمة المراجع :
- أبو حامد الغزالي:“إحياء علوم الدين”، دار الشعب، القاهرة، الجزء السادس.
- أبو يعقوب يوسف بن يحيى التادلي (ابن الزيات):“التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي”، تحقيق أحمد التوفيق، منشورات كلية الأداب بالرباط، سلسلة بحوث ودراسات، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1997.
- أحمد التادليالصومعي:“كتاب المعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى”، تحقيق علي الجاوي، منشورات كلية الأداب والعلوم الإنسانية ابن زهر، أكادير، سلسلة الأطروحات والرسائل رقم 6، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 1996.
- أحمد العدوي:“أبو عبد الله أمغار”، مجلة دعوة الحق، العدد الخامس، السنة السابعة عشر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، الرباط، محرم 1396هـ/ يناير 1976م.
- أحمد بن خالد الناصري:“الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى”، تحقيق وتعليق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1956، الجزء الثامن.
- السهروردي:“عوارف المعارف”، تحقيق وضبط أحمد عبد الحليم السايح وتوفيق علي وهبة، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1427هـ/ 2006م، المجلد الأول.
- شاكر الميلود:“بني بوزكو”، معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 1413هـ/ 1992م، المجلد 5.
- عبد الحليم محمود.“قطبا المغرب”، دار الكتاب المصري، القاهرة، 1990.
- عبد الرزاق الكاشاني:“معجم اصطلاحات الصوفية”، تحقيق وتقديم وتعليق عبد العال شاهين، دار المنار، القاهرة، الطبعة الأولى، 1413هـ/1992م.
- عبد العزيز بنعبد الله:“معلمة التصوف الإسلامي”، دار نشر المعرفة، الرباط، الطبعة الأولى، 2001، الجزء الثاني.
- عكاشة برحاب: “بوعمامة، محمد”، معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 1413هـ/1992م، المجلد 6.
- علي بن محمد بن علي الجرجاني:“كتاب التعريفات”، تحقيق وتقديم إبراهيم الابياري، دار البيان للتراث.
- مارية دادي:“تكافيت”، معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 1415هـ/ 1995م، المجلد 8.
- محمد المنير السمنودي:“تحفة السالكين ودلائل السائرين لمنهج المقربين”، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1420هـ/ 2009م.
- محمد بنعجيبة: “كتاب شرح صلاة القطب بن مشيش”، سلسلات نورانية فريدة، جمع وتقديم العمراني الخالدي عبد السلام، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء.
- محمد داود:“تاريخ تطوان”، منشورات وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية والتعليم الأصيل، المطبعة المهدية، تطوان، 1386هـ/ 1966م، المجلد السادس.
- يوسف محمد طه زيدان، “الطريق الصوفي وفروع القادرية بمصر”، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، 1411هـ/ 1991م، ص.55.
- Auguste Mouliéras:“Le Maroc inconnu”, Augustin Challamel, Paris, 1899, deuxième partie.
- Augustin Bernard:“Les confins algéro-marocains”, Emile Larose, Paris, 1911.
- Capitaine Henri Delcros:“L’Idrissisme et les chorfaidrissides dans la région d’Oujda”, mémoire présenté au centre de hautes études d’administration musulmane (C.H.E.A.M), janvier 1947, MA-285-76, A.D.N.
- Fernand Blachier:“Chorfaidrissides”, décembre 1946, 15M-900-133, A.D.N.
- Fernand Blachier:“Essai sur confrérie religieuse des Draouech”, janvier 1948, 15M-900-55a, Archives diplomatiques de Nantes (A.D.N).
- S.Colin:“Traduction annotée de « El-Maqsad (Vies des saints du Rif) de Abd-El-Haqq El-Badisi »”, in Archives Marocaines, volume XXVI, librairie ancienne honoré champion, Paris, 1926.
- Salmon:“La Kherqa des Derqaoua et la Kherqasoufya”, in Archives Marocaines, Tome deuxième, Ernest Leroux, Paris, 1905.
- Le chef de l’annexe d’El-Aioun, à M. le contrôleur civil, chef de la circonscription d’Oujda:“Confréries religieuses”, N° 340 cl, El-Aioun, 16 décembre 1946, 15M-900-133, A.D.N.
- Le chef de l’annexe d’El-Aouin à M. le contrôleur civil, chef de la région d’Oujda:“Des confréries religieuses”, N° 58 cl., El-Aioun, 12 juillet 1947, 15M-900-133, A.D.N.
- Louis Rinn:“Marabouts et khouan : étude sur l’islam en Algérie”, Adolphe Jourdan, Alger, 1884.
- Napoléon Lacroix et Henri de La Martinière:“Documents pour servir à l’étude du Nord-Ouest africain”, L. Danel, Lille, 1894, T. 1.
- Octave Depont, Xavier Coppolani:“Les confréries religieuses musulmanes”, Adolphe Jordan, Alger, 1897, p.513.
[1]– Fernand Blachier:“Essai sur confrérie religieuse des Draouech“, janvier 1948, 15M-900-55a, Archives diplomatiques de Nantes (A.D.N).
هو تقرير فرنسي أنجزه فرناند بلاشييFernand Blachier، رئيس محلقة المراقبة المدنية للعيون سيدي ملوك، وقدمه شهر يناير 1948م. يتكون هذا التقرير في مجمله من 76 صفحة (منها 4 صفحات من الملاحق).
[2]Capitaine Henri Delcros:“L’Idrissisme et les chorfaidrissides dans la région d’Oujda“, mémoire présenté au centre de hautes études d’administration musulmane (C.H.E.A.M), janvier 1947, MA-285-76, A.D.N.
[3]Napoléon Lacroix et Henri de La Martinière:“Documents pour servir à l’étude du Nord-Ouest africain“, L. Danel, Lille, 1894, T. 1, pp.165-166.
[4]Le chef de l’annexe d’El-Aouin à M. le contrôleur civil, chef de la région d’Oujda:“Des confréries religieuses“, N° 58 cl., El-Aioun, 12 juillet 1947, 15M-900-133, A.D.N.
[5]تازروت كلمة أمازيغية تعني “الصخرة الصغيرة”، وهي منطقة تابعة لفخدة بو إعشمانت بقبيلة بني عروس. لجأ إليها سيدي عبد السلام بن ريسون بعد الاحتلال الإسباني لمدينة تطوان، وبها ولد الشريف العلامة سيدي محمد بن الصادق بن ريسون وقرأ القرأن الكريم ومبادئ العلم الشريف قبل أن يرتحل إلى مدينة فاس.
– أنظر:محمد داود:“تاريخ تطوان”، منشورات وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية والتعليم الأصيل، المطبعة المهدية، تطوان، 1386هـ/ 1966م، المجلد السادس، ص.266.
– Auguste Mouliéras:“Le Maroc inconnu“, Augustin Challamel, Paris, 1899, deuxième partie, p.197.
– G. S.Colin:“Traduction annotée de « El-Maqsad (Vies des saints du Rif) de Abd-El-Haqq El-Badisi »“, in Archives marocaines, volume XXVI, librairie ancienne honoré champion, Paris, 1926, p.172.
[6]أحمد بن خالد الناصري:“الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى”، تحقيق وتعليق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1956، الجزء الثامن، صص.127-128.
[7]للتعرف على حياة المولى عبد السلام بن مشيش وكراماته، أنظر: عبد الحليم محمود:“القطب الشهيد عبد السلام بن مشيش”، دار المعارف، القاهرة، 1997.
[8] قبيلة سماتة هي إحدى قبائل منطقة الهبط الواقعة بالشمال الغربي للمغرب، يمتد قطرها على طول حوالي 15 كلم، تحدها قبيلتا الأخماس وجبل الحبيب شمالا، وبني مسارة جنوبا، تتميز بخصوبة أراضيها وبأهمية ثروتها النباتية والحيوانية.
– أنظر: Auguste Mouliéras:op.cit, p.492.
[9]– عبد الحليم محمود:“قطبا المغرب”، دار الكتاب المصري، القاهرة، 1990، ص.22.
[10]Fernand Blachier:“Essai sur confrérie …“, op. cit, p.10.
[11]Fernand Blachier:“Essai sur confrérie …“, op. cit, p.11.
[12]خرقة التصوف هي ما يلبسه المريد من يد شيخه الذي يدخل في إرادته ويتوب على يديه، حتى تتحقق المواصلة بينهما ويبقى الاتصال القلبي والمحبة دائما، غير أن هذا الطقس ظل أكثر انتشارا واستمرارا بالمشرق العربي، في أنه اختفى عند الكثير من الطرق الصوفية بشمال المغرب، باستثناء درقاوةوحداوة.
– أنظر:عبد الرزاق الكاشاني:“معجم اصطلاحات الصوفية”، تحقيق وتقديم وتعليق عبد العال شاهين، دار المنار، القاهرة، الطبعة الأولى، 1413هـ/1992م، صص.178-179.
– G. Salmon:“La Kherqa des Derqaoua et la Kherqasoufya“, in Archives marocaines, Tome deuxième, Ernest Leroux, Paris, 1905, p.127.
[13]Fernand Blachier:“Essai sur confrérie …“, op. cit, p.12.
[14]Octave Depont, Xavier Coppolani:“Les confréries religieuses musulmanes“, Adolphe Jordan, Alger, 1897, p.513.
[15]محمد بنعجيبة:“كتاب شرح صلاة القطب بن مشيش”، سلسلات نورانية فريدة، جمع وتقديم العمراني الخالدي عبد السلام، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، صص.12-15.
[16]يوسف محمد طه زيدان:“الطريق الصوفي وفروع القادرية بمصر”، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، 1411هـ/ 1991م، ص.55.
[17]Fernand Blachier:“Essai sur confrérie …“, op. cit, p.16.
[18]Louis Rinn:“Marabouts et khouan : étude sur l’islam en Algérie“, Adolphe Jourdan, Alger, 1884, p.242.
[19]محمد المنير السمنودي:“تحفة السالكين ودلائل السائرين لمنهج المقربين”، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1420هـ/ 2009م، ص.109.
[20]Fernand Blachier:“Essai sur confrérie …“, op. cit, p.18.
[21]كلمة “أمغار” إذا أطلقت في اللهجة الأمازيغية يقصد بها كبير القرية أو القرى، الذي يقوم بشؤونها وينظر في أمورها، ولكنها هنا تدل على معنى الأب الأكبر، وهو الجد، مع ما تحمله هذه الكلمة من معنى التفضيل المعنوي أيضا، كما هو الشأن في كلمة “الشيخ” في اللغة العربية سواء بسواء.
– أنظر: أحمد العدوي:“أبو عبد الله أمغار”، مجلة دعوة الحق، العدد الخامس، السنة السابعة عشر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، الرباط، محرم 1396هـ/ يناير 1976م، ص.121.
[22]Fernand Blachier:“Essai sur confrérie …“, op.cit, p.19.
[23]Fernand Blachier:“Essai sur confrérie …“, op.cit, p.20.
[24]Ibid, p.21.
[25]مولاي العربي بن أحمد الدرقاوي هو شيخ الطريقة الدرقاوية ومؤسسها، ولد ببني زروال في بلاد جبالة سنة 1150 هـ/ 1737 م، ثم رحل إلى فاس لتحصيل العلم، توفي سنة 1239 هـ/ 1823م.
– أنظر: عبد العزيز بنعبد الله:“معلمة التصوف الإسلامي”، دار نشر المعرفة، الرباط، الطبعة الأولى، 2001، الجزء الثاني، ص.265.
[26]أمضى مولاي أبو يعزى يلنوار خمس عشرة سنة سائحا لا يتقوت إلا على نبات الأرض (الجمار)، وكانت الوحوش والطيور تأوي إليه.
– أنظر: أحمد التادليالصومعي:“كتاب المعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى”، تحقيق علي الجاوي، منشورات كلية الأداب والعلوم الإنسانية ابن زهر، أكادير، سلسلة الأطروحات والرسائل رقم 6، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 1996، ص.67.
[27]أبو يعقوب يوسف بن يحيى التادلي (ابن الزيات):“التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي”، تحقيق أحمد التوفيق، منشورات كلية الأداب بالرباط، سلسلة بحوث ودراسات، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1997، صص.213-214.
[28]Napoléon Lacroix et Henri de La Martinière:op.cit, p.165.
[29]ينحدر أولاد سيدي بالقاسم أزروال من تزروالت جنوب شرق تزنيت، وهو أمازيغ يتحدثون تشلحيت، انتقلوا زمن سيدي إبراهيم بن بالقاسم أزروال إلى بني بوزكو خلال القرن 12م حيث استقر مع أتباعه، وفي المكان المسمى عين الحجرة تقوم قبة سيدي إبراهيم وغير بعيد عنها توجد زاوية أولاد سيدي بالقاسم أزروال، وهو فقراء ضعيفو التأثير.
[30]Fernand Blachier:“Essai sur confrérie …“, op. cit, p.28.
[31]وزغت تعني باللهجة المحلية ” أين هو؟” أو “أين ذهب”.
[32]الحضرة أو الوجد هي حالة يثمرها السماع وهو وارد حق يجده المستمع من نفسه، وتلك الحالة لا تخلو من قسمين، فإنها إما ترجع إلى مكاشفات ومشاهدات، وإما ترجع إلى أحوال كالشوق والخوف والحزن والقلق والسرور والأسف والندم والبسط والقبض، وهذه الأحوال يهيجها السماع ويقويها.
– أنظر: أبو حامد الغزالي:“إحياء علوم الدين”، دار الشعب، القاهرة، الجزء السادس، ص.1162.
[33]بنو يعلا الصفاصيف هي جزء من قبيلة بنو يعلا التي انقسمت، بسبب صراعات داخلية، إلى ثلاثة قيادات هي: بنو يعلا الشراكة (تخضع مباشرة لعامل وجدة) وبنو يعلا الغرابة (تخضع للقائد أحمد بوزيان) وبنو يعلا الصفاصيفالتي أصبحت تابعة لقائد قبيلة بني بوزكو سنة 1884م.
– أنظر: شاكر الميلود:“بني بوزكو”، معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 1413هـ/ 1992م، المجلد 5، ص.1511.
[34]Napoléon Lacroix et Henri de La Martinière:op.cit, p.168.
[35]Fernand Blachier:“Essai sur confrérie …“, op. cit, p.31.
[36]بلغ عدد مريدي زاوية الدراويش من الحديين حسب إحصاء قامت به سلطات ملحقة العيون سنة 1945 حوالي 50 مريدا، محتلة بذلك المرتبة الأولى، ومتجاوزة بكثير عدد مريدي زاوية عيساوة (10).
[37]Fernand Blachier:“Essai sur confrérie …“, op. cit, pp.31-32.
[38]كفايت أو تكافيت سهل صغير مثلث الشكل يقع على وادي زا عند الخانق الذي حفره قبل دخوله كتلتة جبال بني بوزكو، استقرت بهذا السهل تجمعات بشرية من أصول قبلية مختلفة، منهم بربر بني يعلا وأولاد عمرو وبني مطهر، وعرب ولاد بختي والمهاية. ومنذ سنة 1959 أصبحت تكفايت جماعة قروية تابعة لإقليم جرادة، مقرها بدوار الزاوية.
– أنظر: مارية دادي:“تكافيت”، معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 1415هـ/ 1995م، المجلد 8، صص.2509-2510.
[39]Fernand Blachier:“Essai sur confrérie…“, op. cit, p.32.
[40]Ibid, p.33.
[41]حمادة هو قائد بني بوزكو طيلة الفترة الممتدة من 1876 إلى 1905م، بنى قصبة جميلة على واد مستكمر، كانت مسرحا لحدث درامي، ذلك أن بوحمارة، الثائر ضد السلطة الشرعية، كان قد تزوج بنت القائد حمادة، ثم أراد أن يتزوج حفيدته من بنت أخرى، الشيء الذي جعل القائد حمادة يعبر عن رفضه على اعتبار أن هذا الأمر لا يستقيم، غير أنه استدرج وزير بوحمارة ومعه 80 من فرسانه إلى قصبته، مظهرا الطاعة والامتثال وقبول المصاهرة، ثم أعمل فيهم السيف (سنة 1904)، وقد نجا بوحمارة من هذه المجزرة بأعجوبة، فقرر الانتقام بتسوية القصبة بالأرض، أما القائد حمادة فقد تمكن من الفرار إلى أن أدركه الموت بعد ذلك بسنة واحدة.
Augustin Bernard:“Les confins algéro-marocains“, Emile Larose, Paris, 1911, p.94.- أنظر:
[42]Fernand Blachier:“Chorfaidrissides“, décembre 1946, 15M-900-133, A.D.N.
[43]Fernand Blachier:“Essai sur confrérie religieuse des Draouech“, op. cit, p.34.
[44]Ibid, p.35.
[45]Ibid, p.36.
[46]Ibidem.
[47]الاتحاد عند من يعتقده من الصوفية هو اختلاط وامتزاج الخالق بالمخلوف، فيكونان بعد الاتحاد ذاتا واحدة.
– أنظر:علي بن محمد بن علي الجرجاني:“كتاب التعريفات”، تحقيق وتقديم إبراهيم الابياري، دار البيان للتراث، ص.22.
[48]Fernand Blachier:“Essai sur confrérie …“, op. cit, p.37.
[49]السي الطيب بوعمامة هوابن محمد بن العربي بوعمامة، الثائر بالجنوب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، أصبح قائدا لقبيلة أولاد سيدي الشيخ خلفا لأبيه (قسمت اتفاقية لالامغنية سنة 1845 قبيلة أولاد سيدي الشيخ إلى قسمين: الشراكة التي اعتبرت من القبائل الجزائرية، والغرابة اعتبرت قبيلة مغربية التي استقرت بنواحي عيون سيدي ملوك بداية القرن العشرين)، وأيضا شيخا للزاوية البوشيخية.
– أنظر: عكاشة برحاب:“بوعمامة، محمد”، معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 1413هـ/1992م، المجلد 6، ص.1802.
[50]FernandBlachier:“Essai sur confrérie …“, op. cit, p.37.
[51]Ibid, p.38.
[52]Fernand Blachier :“Essai sur confrérie …“, op. cit, p.66.
[53]السهروردي:“عوارف المعارف”، تحقيق وضبط أحمد عبد الحليم السايح وتوفيق علي وهبة، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1427هـ/ 2006م، المجلد الأول، ص.181.
[54]Fernand Blachier :“Essai sur confrérie …“, op. cit,p.65.
[55]Ibid, p.68.
[56]Le chef de l’annexe d’El-Aioun, à M. le contrôleur civil, chef de la circonscription d’Oujda: “Confréries religieuses“, N° 340 cl, El-Aioun, 16 décembre 1946, 15M-900-133, A.D.N.