
ثقافة ينّاير في المجتمعات المحليّة بين الامتدادات الميثولوجية والممارسات الطقوسية
مقاربة أنثروبولوجية “المجتمع التبسي أنموذجا”
أ. صحرة شعويّة،طالبة دكتوراه•د. براك خضرة، أستاذ مكوّن لطلبة الدكتوراه/جامعة تبسة،الجزائر
January culture in communities between mythological extensions and realistic practices
-Anthropological approach- “Tebessa community is a model“
Sahra Chaaouia•Barak Khadhra University, Tebessa, Algeria
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 53 الصفحة 43.
ملخّص :
تعتبر احتفالية ينّاير من أبرز معالم التراث الثقافي الجزائري، و تكتسي أهميتها من أهميّة مدلولاتهاالثقافية التي تهدف الى اثبات الهويّة الحضارية، وما تحويه من غموض في الممارسات الطقوسية ، حيث جاءت هذه الدراسة لتحاول البحث في آليات الاحتفالية وأهم طقوسها، والكشف عن أسسها الحضارية وممارساتها الثقافية ودلالاتها الرّمزيّة، ومُحَاوَلَةً منّا لتحقيق ذلك قمنا بالإحاطة بالظاهرة من كل جوانبها باستخدام مقاربات منهجية متكاملة ومتساندة وظيفيا، كما تمّ الاستناد الى الوصف الانثنوغرافي كمرحلة سابقة للدراسة، والى مجموعة من الأدوات البحثية لاستكشاف الميدان وتسجيل المعطيات وجلب البيانات أهمها: الملاحظة بالمشاركة، المقابلة بنوعيها الفردية والجماعية، التصوير والتسجيل الصوتي، الاخباريين، ونظرا لمحدودية زمن الدراسة وكبر المجتمع الأصلي، كانت عينة الدّراسة قصديّة منتقاة حسب الظروف المواتية للبحث والقابلة للدّراسة والتّقصي، وقد أسفرت هذه الدّراسة على جملة من النّتائج تشير الى أنّ منظومة الطّقوس المكوّنة لاحتفالية ينّاير تعتبر وسيلة من وسائل التّعبير عن علاقة الفرد بعالمه الخارجي وفق معياره الفكري المنبثق من الفكر الجماعي.
الكلمات المفتاحيّة: الاحتفال – التراث الثقافي – الطّقوس – المجتمع التبسّي – ينّاير.
مقدمة :
يعتبر التراث الثقافي ميدانا خصبا وثريا للدّراسات العلميّة لاسيما البحوث الامبريقية (الانثروبولوجيا بالتحديد)، فهو كنز ثمين وميدان بكر لا يزال عامرا بالأسرار والخبايا والممارسات الغامضة، التي لا تزال بحاجة ماسّة الى دراسات تسبر أغوارها وتحليلات تغوص في خباياها لتحل غموضها وتفكّ شيفراتها، فهو خزّان ثريّ ملتصق بالإنسان يأبى الانفصال عنه، فحاضرنا اليوم يخبرنا عن ماضينا العريق الذي نتلوه بصيغ مختلفة ومتعدّدة، بأصوله ورموزه وممارساته الطقوسية المختلفة، وهنا يحضرني قول الباحث الانثروبولوجي جان كوبانJEAN.COPANS “أصبح التراث الثقافي يشكّل أنواعا من الوقائع الاجتماعية الكليّة التي تشير الى شكل من أشكال الوعي السوسيولوجي الذي يجب أن يظهره الفاعلون لفهم العالم الذي يعيش فيه”[1]كما أنّه يستمد خصوصيّته من خصوصيّة المجتمع المحلي، وبهذا يكون مجالا رحبا يضمّ العديد من العناصر الثقافية المتنوعة التي ابتكرها الوجدان الشعبي، وصاغتها ضمائر الجماعة، ولذلك وحسب كوبان فهو يتخلل جميع المظاهر السّلوكيّة ويتداخل مع جميع الأفعال الاجتماعية بقدر معين،والمجتمع الجزائري على غرار باقي المجتمعات يزخر بتراثه الثقافي الغني، حيث تعدّ الجزائر من المناطق الهامّة العريقة بتاريخها والغنية بتراثها الحضاري وموروثها الثقافي، الذي يحكي عن العراقة الممتدة في عمق الحضارة البشرية، الا أنّنا اليوم وفي سياق هيمنة العولمة أصبحنا نخشى الضياع لهذا التراث في ظل الثقافات الدخيلة المنطوية تحت لواء العولمة الثقافية أو ما يعرف بالتثاقف، ونخشى ذوبانه وانصهاره في ثقافة الآخر والانسلاخ والتجرّد من خصوصيته المحلية تحت راية تثمين الحوار المتبادل بين الثقافات، لذا كان لزاما علينا الحفاظ على تراثنا والتمسك به عبر دراسة تحليلية ومن ثمة توثيقه والتعريف به، فهذا التراث يشكّل نسيجا حضاريا أصيلا ومتميزا بخصوصياته المتباينة تباين مجتمعاتنا المحلية، و من بين أشكال هذا النسيج نجد ذلك الاحتفال الذي تشترك فيه بلدان شمال افريقيا عموما والمجتمع الجزائري خصوصا، ويطلق عليه تسمية ينّاير أو راس العام، والذي يشكّل تظاهرة ثقافية شعبية تمثّل أبرز الممارسات التراثية في الجزائر، وأحد أهم الاحتفالات الشعبية التي تستمد أهميتها ممَّا تحمله في طيّاتها من معتقدات وطقوس تحوي دلالات عميقة.
الاشكالية: إنّ تصوّر ثقافة ينّاير في المجتمع الجزائري عموما والمجتمع التبسي خصوصا كعنصر هام من عناصر التراث الثقافي الروحي جانبا أساسيا تتحدّد في ضوئه مجموعة من المعتقدات والتقاليد، تترتّب عنها مجموعة من الممارسات الاجتماعية والطقوس التي يتم استدعاؤها كلّما سمحت الظروف بذلك وفقا لتكرارات زمنيّة معينة والدّارس المتمعن في حيثيات هذه التظاهرة الثقافية التراثية يتساءل حول أصولها، وكيفية صياغة مبادئها ومعتقداتها التي نصّت عليها الذاكرة الجماعية للأفراد ممّا جعلها ثقافة موحّدة ومتّفق عليها عبر كافّة ربوع الوطن حيث ارتبطت احتفالية ينّاير في المخيال الشعبي بقيم تاريخية وغيبية، ومثّلت عبر العصور تلك العلاقة الرّاقية بين الانسان والتاريخأوبين الانسان والأرض، إلا أنّه وفي ظل التغيرات البنيوية الكبرى التي مسّت المجتمع الجزائري، تغيّرت أنماط عيش الأفراد، كما تغيّر تفكيرهم، الى جانب عزوفهم عن الحياة الشعبية بطرقها وممارساتها، وهكذا بدأت الكثير من العادات والتقاليد في الإندثار لاسيما التي تميّزالإحتفالات الشعبية
وينّاير لم يكن بمعزل عن هذا العزوف، رغم طقوسه الغامضة وهذا ما يجعل منه موضوعا مثيرا للدّراسة والتّحليل، للتّعرف على تاريخ هذه الظاهرة الاحتفالية والكشف عن مظاهرها الثقافية وأهم ممارساتها وطقوسها المتجذّرة في المخيال الشّعبي للأفراد، ونظرا لأهميّة الموروث الثقافي المحلّي في تكوين شخصيّة الفرد الجزائري، وإيمانا منّا بأهميّةالمحافظة على هويّتنا الوطنيّة
وانطلاقا من أهميّة هذه الاحتفالية، والغموض في ممارساتها الطقوسية رأينا أنّه لابدّ من إعادة انتاج الميدان الانثروبولوجي المحلّي والتّعرّض لهذا الموضوع والبحث في الأسس والأبعاد الاجتماعية والوظائف البنيويّة للطّقوس الممارسة، وتحليل دلالاتها الرّمزية، والولوج بهذه الدّراسة الى الساحة العلميّة، كونها تكتسي أهميّة بالغة تستمدها من أهمية الموضوع المدروس لاسيما وأنّ البحوث في هذا المجال الطقوسي لينّاير قليلة جدا إن لم نقل منعدمة في المجتمع التبسي، لذلك تسعى هذه الدّراسة الى توثيق هذا الموروث الثقافي قبل زواله بموت حامليه وهم كبار السّن الذين في محاولة منهم للمحافظة على تراثهم الرّوحي وكيانهم المعنوي، وللإحاطة بالموضوع أشكلنا دراستنا في التساؤل المحوري التالي:ما تمثلات أفراد المجتمع المحلي التبسّي لاحتفالية ينّاير في ظل عولمة الثقافة؟ وللإجابة على هذا الاشكال الرّئيسي للدّراسة قمنا بصياغة التساؤلات الفرعية التالية:
1-مامظاهر الاحتفال بينّاير في المجتمع التبسي ؟
2-ما الدّلالات الرمزية لمنظومة الطقوس التي تتضمنها احتفالية ينّاير في المجتمع التبسي ؟
وبما أنّ الميدان هو المتحكّم في سير البحث وبما أنّ طبيعة البحث هي التي تحدّد منهجيته من خلال تحديد نوع المقاربات المنهجيّة والمفهميّة التي يتبنّاها الباحث وكذا تحديد التّقنيات والأدوات البحثيّة التي يستخدمها في استقراء المعلومة واستنطاق الميدان، وحتى نتمكّن من تحقيق الأهداف المسطّرة لهذه الدّراسة والاجابة على أهمّ تساؤلاتها الموضوعة والمتمثّلة في التّقصّي حول تاريخيّة التظاهرة وتحديد معالمها من خلال تحديد معتقدات الأفراد الطّقسية وفهم دلالاتها، قمنا بجمع مدوّنات مرتبطة بالحياة اليومية، “اعتمادا على الوصف الانثنوغرافي كمرحلة سابقة للدّراسات الانثروبولوجية المعمّقة، ثمّ اعتماد التحليل الاثنولوجي، ولانّ ظاهرة الاحتفال بيناير شديدة التعقيد لتداخل العديد من المدلولات الرّمزية وتداخل أدوارها الوظيفية ممّا يجعلها حسب فكر مارسيل موس(ظاهرة اجتماعية كليّة ينبغي أن تدرس من كلّ زواياها وجوانبها لكي نستطيع فهمها) ولتحقيق ذلك حاولنا تفسيرها من خلال توظيف مجموعة من المقاربات المنهجية المتساندة وظيفيا و المتقاطعة معرفيا، بما يخدم موضوع البحث ويساعد على تحليله من مختلف الزوايا واستكشافه بمختلف الطرق والتقنيات لمعرفة الكامن في الإرث المعرفي والثقافي واستجلاء المسكوت عنه واللاّمفكر فيه واعادة قراءة ما وصلنا اليه وفكّ رموز ما هو راهني من ظواهر للوقوف على ما هو مُعاش ومُمَارَس في المجتمعات الانسانية “[2] حيث تمّ الاعتماد على المقاربات التالية:- المقاربة التاريخية فعلى الرغم من اختلاف الانثروبولوجيين حول علاقة التاريخ بالأنثروبولوجيا، فاعتبرها البعض علاقة عقيمة تتنافى مع الطرح الانثروبولوجي امثال مالينوفسكي، باعتبار التاريخ علم تخميني وافتراضي لأحداث ماضية بينما الانثروبولوجيا قائمة على الشواهد الميدانية الملموسة والمرئية والمعاشة، في حين يشير البعض أنّها علاقة معرفية مفيدة ومثمرة، باعتبار العلوم متداخلة ومترابطة وظيفيا، حيث يمكننا اتباع السيرورة التاريخية للظاهرة بهدف الوصول الى تفسيرات أنثروبولوجية في سياقها الحالي[3]وقد تبنّينا في بحثنا المقاربة التي تبرز العلاقة الايجابية بهدف رصد تاريخيّة الاحتفال بيناير والبحث في أصله، وأسباب استمراريّته.
– المقاربة البنيوية لمعرفة بنية وتركيبة الطقوس الممارَسَة خلال احتفالية ينّاير التي تشّكل منظومة متكاملة،والبحث في بنية مكوّناتها، بالاستناد إلى نظرية ليفي ستروس من خلال البحث في المستوى العميق للظاهرة محل الدراسة ومكوناتها، وتجاوز ما هو ظاهري والبحث في ما هو باطني للأشياء ودلالاتها.المقاربة الرّمزية: للكشف عن الدلالات الرمزية للطقوس و تحليل شيفراتها ضمن سياقها الواقعي في المخيال الجماعي- المقاربة الوظيفية: للكشف عن الوظائف المتعددة للطقوس الممارسة ضمن احتفالية يناير ودورها في التّماسك الاجتماعي للأفراد، وابرازها في شكلها الوظيفي الكامل كمنظومة طقوسية واحدة.*كما تمّ الاستناد الى ترسانة من الأدوات البحثية لاستكشاف الميدان وتسجيل المعطيات وجلب البيانات من أهمها: الملاحظة بالمشاركة، المقابلة بنوعيها، التصوير والتسجيل الصوتي، المخبرين، ونظرا لمحدودية زمن الدراسة، وكبر المجتمع الاصلي فقد وقع الاختيار على بلديتين من بلديات الولاية (المزرعة – الماء الابيض) وبالتحديد منطقتي عين ببوش بالمزرعة وريف بئر القوسة بالماء الأبيض وبذلك كانت عيّنة الدراسة قصدية منتقاة حسب الظروف المواتية للبحث والباحثة والقابلة للدّراسة.
- قراءة تحليليّة لمفاهيم الدراسة
تستوجب دراسة أي ظاهرة من ظواهر الثقافة الانسانية الوقوف عند أهم مصطلحاتها من اجل فهمها، ولهذا وقبل الولوج الى عمق الموضوع لفك اشكاليّته كان لزاما علينا الاحاطة بعناصره الرئيسية لتسهيل والتحليل:
- التراث الثقافي– الثقافة الشعبية
التراث الشعبي: يعرف بانّه “كلّ أنواع التّعبير الشّفوي والجسدي، كالقصص الشّعبية والأساطير والقصص الخرافية، والأغاني الشّعبية والرّقص الشّعبي، والأمثال الشّعبيّة والمهرجانات والموسيقى والحرف الشعبية المتوارثة”[4] اذن فالتراث الشعبي بالنسبة لأي مجتمع ما هو إلاّ مجموعة العناصر الثقافية الماديّة والروحيّة لأفراده، تكوّنت على مدى أجيال عديدة متلاحقة فتمّ نقلها عبر عمليات محددة”[5]
الثقافة الشعبيّةهي ثقافة عامّة النّاس، ويمكننا أن نميز فيها بين شريحتين ثقافيّتين ثقافة دارجةأوعاميةوثقافة تقليدية أو مأثورة، واذا كانت الشّريحتان تتشاركان معا في كونهما من انتاج عامّة النّاس ينتجونها بأنفسهم ولأنفسهم، ويستهلكونها في محيطهم بموازاة الثقافة الرسميّة”[6]فالثقافة الشعبية تكتسب صفتها الشّعبية كونها من انتاج عامّة الشّعب فهي ابداع جمعي، وكونها الأساس التحتي للبناء الاجتماعي فهي تنفرد بوسائلها وآلياتها التي تضمن عدم سيرورة أي منتج ثقافي ما لم يقبله هؤلاء الجماعة.
- العادات – التقاليد – المعتقدات
تحتل العادات والمعتقدات والتقاليد حيزا كبيرا في مخيلة الفكر الانساني عموما، فكل مجتمع يتميز بعاداته ومعتقداته التي توارثها أفراده من جيل لآخر، والتي تعكس من خلالها صورة ماضيهم العريق وموروث أجدادهم.
فالعادات حسب ما ورد في قاموس مصطلحات الاثنولوجيا والفلكلور أنها عبارة عن:” أساليب الشّعب وعاداته، بمعنى القواعد المتسترة للسّلوك الذي يؤدّي خرقها الى الصّدام مع ما يتوقّعه رأي الجماعة.”[7]اذن هيأفعال يوميّة اعتاد عليها النّاس فهم واضِعُوها، وتجاوُزُها يُعْتَبَرُ تجاوزا للمجتمع وانتهاك لقيمه.
التقاليد: تمثل“سلوكات وأعراف يلتزم الأفراد بتطبيقها، وتستمدّ قوّتها وبقاءها كونها تعتمد على التلقين، التكرار والمحاكاة، وتهدف الى تحقيق الاستمرارية من خلال الشيوع والانتشار، وهي لا تعتمد على أسلوب الابداع لذلك نجد قواها في المجتمع قوى محافظة لا قوى ابداع“[8]
المعتقدات: الانسان يتعامل مع الظواهر الطّبيعية والاجتماعية تعاملا عقائديا خُرافيا وبالتّالي يُشَكِّلُ لديه نمطا فكريا شائعا في تفسير وجود الاشياء، ومنه “فإنّ هذا النّمط العقلي كان ناتجا عن تأثير التفكير التقليدي والبدائي، والذي يعلّل الأحداث في نهاية المطاف بردّها الى ارادات رغبات كانت غير مرئية.“[9]والمعتقد من وجهة نظر التحليل الانثروبولوجي “عبارة عن بقايا أساطير اندثرت وبقي أثرها مستمرا عبر العصور نتيجة تمسّك الانسان بها خوفا من المكروه، وطمعا في جلب الرزق والخير.”[10]
- الطقوس –الاحتفال
الطقوسهي “فعاليات وأعمال تقليدية لها في الغالب علاقة بالدّين والسّحر، يحدّد العرف أسبابها، فهي مشتقة دائما من حياة الشّعب الذي يمارسها، حيث يعتقد البدائيون أنّها تُرضي الآلهة والقوى فوق الطبيعة”[11]من خلال بعض الممارسات التي تعتبر أساسيّة في الاحتفال ومقدّسة لدى حامليها وهذا ما لمسناه ولاحظناه من خلال دراستنا الحاليّة. ويميل الطقس أساسا من خلال تكرار واستدامة القواعد التي تثبته الى تكريس ديمومة الحدث الاجتماعي، أو الأسطوري الذي أوجده”[12]بمعنىأنّ الطقوس تُمَارَس لاستعادة زمن الأصل وهذا يقتضي التّكرار الطّقوسي للحدث في شكله الاحتفالي، أي إعادة إنتاج وتحيين لماضي غامض واثبات لاستمرارية حدث اجتماعي أو ميثولوجي مشهور.
الاحتفال: كلمة “الاحتفال لغة هي من حَفْلِ الماء واجتماعه، يَحْفُلُ حُفُولاً وحَفِيلاً أي اجتمع، وحَفَلَ وتَحَفَّلَ بمعنى تَزَيَّنَ، وحَفَلَ المجلس أي كَثُرَ أهله”[13]كما يمثّل ”تجمع عدد من أفراد المجتمع بهدف التّعبير عن وجهات نظر مشتركة بفعاليات منظمة رمزية، تؤدى في مناسبة معلومة”[14]هذا المفهوم ينطبق علىاحتفالية ينّاير موضوع الدّراسة.
- ينّاير(راس السنة الامازيغية )
ينّاير هو الشهر الأوّل من السنة الامازيغية ويتزامن حلوله مع 12 من بداية السّنة الميلادية، والسنة الأمازيغية تبتدئ من 950ق.م، وتمّ تسميته على اسم ينّايرJanusاله المداخل في الميثولوجيا الرومانيّة ، وهي مشتقّة من اللاتينية وتعني البابianua “[15]و تقام احتفالات شعبية “تصاحبها بعض الاعتقادات تميل الى الخرافة والتّكهّن في بعض الممارسات، التي جرى بها العرف وتعوّد عليها النّاس في ينّاير من كلّ سنة“[16]وقد ارتبط هذا الاحتفال بروايات عديدة تضاربت بين ما هو أسطوري يرجع الى بطولة شيشناق وبين ماهو تقديس للأرض والزراعة وارضاء للطّبيعة وهذا ما سنحاول البحث فيه من خلال تحليل الطقوس والممارسات واستقراء دلالاتها في الواقع وفي المخيال الشعبي للأفراد.
- السمات الثقافية والاجتماعية لأفراد المجتمع التبسي:
نبذة مختصرة لتاريخ تبسّة: هي الولاية رقم 12 حسب التّقسيم الاداري لسنة 1974م، تتربّع على مساحة 13878كلم، تقع في الشمال الشرقي للقطر الجزائري، يتوزّع سكّانها على 12 دائرة تتخللها 28 بلديّة، مناخها شيه صحراوي، وتشتهر بزراعة الحبوب والرعي.[17]هي تَبِسَّة “اللّبؤة” الاسم البربري الأوّل حسب الترجمة القديمة، مدينة الحضارة الأمازيغيّة الخالدة بعمرٍ زاد على 12ألف عام قبل الميلاد، ربّما سبقت في الوجود حضارتي وادي الرّافدين ووادي النّيل”[18]
وقد مرّ اسم مدينة تبسّة بعدّة مراحل عبر التّاريخ، فقد أطلق عليها تسمية ”تِيبِيسْ” عند الاغريق، و”تِيفِيسْتِيس” عند بداية الوجود الرّوماني، والذي اخْتُصِرَ فيما بعد ليصبح ”تِيفَاسْتْ”، ومع الفتح الاسلامي تمّ تعريبها فأصبحت ”تــَبــِـسَّـــة” بفتح التّاء وكسر الباء وفتح السّين.[19]وقيل انّها سمّيت ”تـِيـفَاسْتْ” باللاّتينيّة القديمة، وتعني مـَوْئـِلُ الأُسُود لكثرة تواجدها.
التركيبة السكانية: ترجع الأبحاث والدراسات إلى أنّأصل سكان تبسة أمازيغيون ،والأمازيغ هم شعب شمال افريقيا الذي يسكن غرب النيل”من واحة سيوة في أقصى صحراء مصر الغربية حتى موريتانيا جنوبا منذ قديم الأزل وحتى اليوم، وأمازيغ هي اسم مرادف للبربرالاسم العنصري الاستعلائي الذي أطلقته الامبراطورية الرّومانية على الشعوب القوية المتمرّدة[20]،وقدأصبحوا بعد الفتوحات الاسلامية على غرار سكان شمال افريقيا عرب مستعربة، ومن مميزات الأهالي أنهم مازالوا ينضوون تحت النمط العشائري(القبائلي)، حيث يسكن منطقة تبسة القبائل البربرية المستعربة المعروفة بقبائل النّمامشة وهي أشهرها، بالإضافة الى بعض القبائل العربية القادمة إليها بدايات الفتوحات الاسلامية، حيث تحوي منطقة تبسة على ثلاث قبائل رئيسية كبرى تحتل المساحة الكبيرة من الولاية ومجموعة من القبائل الصغيرة، وتتوزع حسب التقسيم التالي.
* عشيرة النمامشة: تعدّ اوّل القبائل التي سكنت المنطقة وأكبر جماعة بشرية تهيمن عليها منذ القدم
* عشيرة اولاد سيدي عبيد: وهم قبيلة عربيّة الأصل، وفروعها كثيرة تسكن جنوب المنطقة
* عشيرة اولاد سي يحي:وهم قبيلة عربية الأصل يرجع أفرادها الى الأصول العربية المهاجرة إلى المنطقة، بعد مجيء يحي بن طالب العربي واستيطانه شمال تبسة، وهناك قبائل اخرى صغيرة العدد مقارنة بالقبائل الرئيسية سالفة الذكر يرجع وجودها الى الحتمية الاستعمارية في سياسة الترحيل لتفريق المجتمع واحكام السيطرة عليه.
**والمجتمع المحلي التبسي ينفرد بموروث ثقافي زاخر بعاداته تقاليده واحتفالاته التي تميز عن باقي المناطق بالجزائر، ومن بين اهم وابرز هذه العادات والاحتفالات تلك التي تتعلق بظاهرة الاحتفال بينّاير (12جانفي)
ثقافة ينّاير من منظور افراد المجتمع التبسي
إنّ تصوّر احتفالية ينّاير كثقافة تكشف عن اصالة وعراقة المجتمعات المحلية، كما تكشف عن عمق التفكير والذاكرة الجماعية، بمقدار ما أضيف اليها وما هُدِرَ وحُذِف منها، وعلى حدّ تعبير جان كوبان “اذا كانت ثقافات التراث ابتكارات جديدة أو استعادة مُمَوَّهَة لأحداث ماضية ينبغي رغم ذلك أن نتساءل عن تاريخياتها ومضمونهاالانثروبولوجي في الواقع انطلاقا من المبدأ الذي يقول بأنّ الحاضر كان في الماضي هو ثقافة التراث العملية”[21]هذه المعتقدات والممارسات التي تسمح بِتَوَحُّد أفراد المجتمع وتجعل منهم وحدة واحدة منسجمة ومنصهرة حسب قوانينها ومعتقداتها المتّفق عليها والتي تنصّ على مبادئها الذاكرة الجماعية للأفراد، والظّاهر أنّ احتفالية ينّاير في المجتمع الجزائري عموما هي ثقافة موحّدة ومتّفق على مسلّماتها، إلاّ أنّ الدّارس والمتمعّن في حيثيّاتها يجد أنّ هناك اختلافا حول أصولها التي ربطت الشّعب بعمقه التاريخي والحضاري، وبذاكرة مخياله الجمعي الممتدّ من أغوار التاريخ القديم 950 ق م ، ممّا جعل الكثير يتساءل عن مصدر هذه الصّيرورة والاستمراريّة وكيفيّة اختيار توقيت التّقويم الأمازيغي- فلماذا يحتفل افراد المجتمع التبسي بهذه المناسبة وما ودلالاتها؟- هل يناير هو رمز لقداسة الأرض والفلاحة، أم أنّه استرجاع لزمن ميثولوجي معيّن ومحاكاته بممارسات طقوسيّة مختلفة؟
- البعد التاريخي، الميثولوجي والاجتماعي لاحتفالية يناير في المجتمع المحلي
هناك روايتان تتضاربان حول اصول ومرجعيّة الاحتفال بينّاير او راس السّنة الامازيغيّة، الاولى تحمل بعدا تاريخيا له علاقة بأسطورة شيشناق بينما تحمل الاخرى بعدا اجتماعيا له علاقة بالطّبيعة والمناخ، حيث تشير
اسطورة شيشناقتشير الرواية الأولى الى أنّ الاحتفال بيناير يمثّل اليوم الذي انتصر فيه الملك الأمازيغي شيشناقأو شيشنوق أو شيشنق كما هو وارد في عدة كتابات، على الفرعون المصري رمسيس الثاني اخر ملوك الاسرة 21، اي أنّ الاحتفال بينّاير يعود الى واقعة تاريخية حدثت قبل 950 ق. م، بعدما جمع” كلّ القبائل الأمازيغية المتواجدة غرب النّيل ليصل بذلك الى حكم نصف مصر وما جاورها من بلاد الأمازيغ، وكانت هذه الحرب نتيجة الممارسات اللاّإنسانية والاستعبادية التي كان ينتهجها الفراعنة ضدّ الشّعب الأمازيغي”[22]وبذلك استطاع حكم مصر وحمل لقب الفرعون، وأسّس بذلك الأسرة الفرعونية 22 وهي الأسرة الأمازيغية التي حكمت أرض النيل”[23]وهناك اختلاف حول طريقة اعتلائه هَرَم السّلطة الفرعونيّة، فهناك من يشير إلى أنّه كان خليفة لقائد عسكري في مصر في عهد الفراعنة، وقام باستغلال ضعف السّلطة المصرية واعتلىالعرش الفرعوني بطرق سلميّة دون معارك، في حين يؤكّد البعض أنّه اعتلى العرش الفرعوني عن طريق فوزه بمعركة جرت أحداثها قرب بني سوس بتلمسان، وقيل قُرب نهر النّيل، ولهذا يقام كرنفال إيرار( إيرار تعني الأسد، والمقصود هو شيشناق)سنويا بتلمسان تخليدا لهذه الذكرى، وأخذت الأوساط الأمازيغية ككل الأمم تقويمها من هذا اليوم 12 ينّاير والذي يصل في سنتنا الحالية الى 2969 سنة أمازيغية منذ انتصار شيشناق، ولأنّهم شعب مرتبط بالأرض والفلاحة أشدّ الارتباط جعلوا من هذا التاريخ بداية تقويمهم الفلاحي، لكن اذا كانت فرضيّة اعتلاء شيشناق للعرش الفرعوني صحيحة فلماذا ابقى الملك الامازيغي على نفس تسمية الدولة وهياكلها وحتى نمط عيشها وبناءاتها؟هذا التساؤل يؤدّي بنا الى البحث في أصول واحتمالات أخرى لجذريّة ينّاير كثقافة شعبيّة بمنطقة تبسّة حيث تشير الرواية الثانية حسب سكّان المنطقة المدروسة إلى أنّ احتفالية ينّاير تعتبر:
رمز القداسة الزراعية واسترضاء الارواح الخفية
إنّ عيد ينّاير يرمز للاحتفال بالأرض والفلاحة، تفاؤلا بعام خير وغلّة وفيرة وتيمّنا بسنة سعيدة، فمرجعيّة الاحتفال تعود الى تقويم فلاحي ظلّ الفلاحون يحيونه حتى اليوم، وهو ظاهرة اجتماعية طقوسية دينية قبل مجيء الاسلام الى المنطقة، حيث ارتبط التاريخ الأمازيغي بمعتقدات ضاربة في القدم، ويعتقد الأمازيغ أنّ من يحتفل بينّاير سيحظى بسنة سعيدة. ”فقد كانت المجتمعات القديمة ومن بينهم الأمازيغ عاجزين عن فهم الطبيعة والكون وخباياه، وتفسير الظواهر التي تظهر من حين لآخر حسب معتقداتهم وذهنياتهم وثقافتهم”[24]حيث تجود عليهم السّماء بالأمطار التي تنعش الأرض والأخيرة بدورها تجود بالخيرات من المغروسات والمزروعات المتنوعة، في حين تشكّل العواصف والفيضانات والزلازل والرياح خوفا وهاجسا كبيرا في حياتهم، ونتيجة عدم فهم كل هذه التغيرات المفاجئة في الطبيعة حاولوا ارضاءها والتقرّب منها بواسطة القرابين والطقوس المختلفة، وبهذا نظمت المجتمعات السّالفة علاقات حسب اعتقادها مع القوى الخفيّة للطّبيعة من أجل المحافظة على البقاء والعيش في سكينة، حتى وجدت هذه المعتقدات والممارسات نفسها طقوسا متأصّلة ومتجذرة في المخيال الشعبي وأصبحت تراثا تتناقله الأجيال المتعاقبة وصولا الى يومنا هذا، كما أنّ هذا اليوم يمثّلفاصلا زمنيا مناخيا بين زمنين طبيعيين زمن البرد و الاعتدال، فالأشغال الفلاحية وانجازها الحقيقي يكون بداية السّنة ولهذا أطلق على اليوم الاوّل من السّنة الأمازيغية (12 ينّاير) رأس السنة الفلاحية،”[25]ويصادف هذا التاريخ عادة بداية تجديد الطبيعة لدورتها الحياتية، أو ما يعرف بخروج الليالي البِيضْ(25ديسمبر الى 13 جانفي) ودخول الليالي السُّودْ(14جانفي الى02فيفري) وحسب ثقافة سكان المنطقة محل الدّراسة وخبرتهم الفلاحيّة فإنّه في الليالي البيض تكون التربة غير مؤهلة وغير صالحة للزراعة، ومع دخول الليالي السّود تصبح صالحة للبذر، ويحضرني في هذا المقام المثل الشعبي الذي لطالما رددته جدتي والذي يقول ” فِي اللْيَالِيْ السُّودْ يَحْياَ وْيَخْضَارْ كُلْ عُودْ ” ولهذا يباشر الفلاّحون أعمالهم الفلاحيّة بتهيئة أراضيهم وحقولهم، حيث تقام مختلف الاحتفالات التي تصادف هذا اليوم لتمجيد الطبيعة، والتماس الأسباب التي يعتقدأنّها تجلب الخير ووفرة الانتاج، واعتماد يوم 12 من ينّاير للحيطة والحذر من غدر الطبيعة وذلك بالاقتداء بالأسطورة الشّعبية التي تروي خاتمة من يتمرّد عليها من خلال استحضار رواية العجوزة و النّاير، وهذه الرّواية تشير الى أنّ هذا الاحتفال يعود الى أسطورة العجوز التي استهانت بقوى الطبيعة وتحدّت الشتاء وسخرت منه، وهي أسطورة شائعة عند الأمازيغ، حيث كانت ترعى الماعز، وبعد انقضاء ينّاير الذي يتميّز بغزارة أمطاره وثلوجه وبرده الشديد الذي يقلق الفلاحين، فرحت بانقضائه وودّعته وهي قائلة “اقشوض اثيطيك اعمي يناير” وهذه العبارة تفيد السخرية والاستهزاء والتشفي من رحيل شهر ينّاير”[26] فغضب هذا الاخير من موقف العجوز وطلب من شهر فورار (فبراير) اعارته يوما كاملا قائلا له أعمّي فورار اعطيني ليلة ونهار نربيالعجوزة صاحبة فم العار[27]ليرد اعتباره وينتقم من العجوز فكان له ذلك، ولهذا أصبح شهر ينّاير فيه 31 يوما، ولما خرجت العجوز في اليوم التالي بماعزها الى الجبل متفاخرة بهدوء الطقس، فجأة انقلب عليها فأصبحت الأمطار غزيرة وتساقطت الثلوج ولم تتحمل العجوز قسوة البرد فهلكت، وبهذا استردّ ينّاير كرامته وأصبح يخافه سكان القرية وانتشرت الأسطورة في مناطق مختلفة وكانت العجوز عبرة لمن يسخر من الطبيعة، حيث أصبح الأفراد يعتبرون هذا اليوم يوم حيطة وحذر ويتوقعون تقلّب الطّبيعة في أيّ لحظة، ولهذا يقام احتفال ينّاير من كل سنة خوفا من غدر الطبيعة واجتنابا لشرّها، فيقال عن شهر ينّاير كما هو شائع في مجتمع البحث أعمّي النّاير بو لمطاير وهذه العبارة كناية عن كثرة الأمطار في شهريناير. كما يقال أيضا ”اذا روات في ينّاير نقّص من لخماير وزيد في لمطاير”وهذه العبارة تدل على خبرة الفلاّح فبفضل تجاربه في الحياة الزراعية أصبح بإمكانه التنبؤ بأحوال الطقس والمناخ، و لمطاير في العبارة الأولى تدلّ على الأمطار الكثيرة، بينما في العبارة الثانية فهي تدلّ على الحفر الكبيرة التي تستعمل لتخزين الحبوب سابقا (مخازن) حيث انّه اذا كثرت الأمطار في شهر يناير فعلى الأفراد أن يكثروا من حفر المخازن لأنّ الانتاج سيكون وفيرا. وعليهم الاجتهاد في العمل و ترك الخمول والكسل وهذا من خلال عبارة نقِّصْ من لخماير التي تعني الأكل والنوم بحجة برودة الطّقس وكثرة الأمطار، وهذه الرواية متداولة بين أهالي منطقة الماء الابيض،حيث يحتفلون في 12 يناير من كلّ سنة تيمّنا بعام جديد مليء بالخير والبركة. وقد وردت هذه الرواية أيضا في قاموس الأساطير الجزائرية“أنّ العجوز سخرت من ينّاير فغضب الشهر ثمّ عصف وأمطر وأعطى ثلجا لمدّة سبعةّ أيّام حتى تجمّدت العجوز مع أغنامها وتوفيت، ومنذ ذلك اليوم صارت البرودة تشتدّ وتقوى في اوّل ينّاير، ويقال انّ تمثال العجوز موجود في احدى الجبال”[28]
- مظاهر وطقوس الاحتفال بينّاير في المجتمع المحلي بتبسة(الدلالة و الوظيفة )
هذه المناسبة تساهم في منح جرعات متجددة للتراث الثقافي الروحي وابراز بعده الوطني وما ينطوي عليه من دلالات، وما يتّصل بالحياة الاجتماعية في المجتمع المحلي كطقوس الطبخ وفسيفساء الأمثال الشعبية والأساطير المرتبطةبهذه الطقوس التي جعلت منه عادة متجذرة بكلّ دلالاتها في الذاكرة الشعبية، ومنطقة تبسة على غرار باقي مناطق الجزائر يحظى فيها الاحتفال بيناير بنكهة خاصة ومميزة، ويطلق عليه راس العامأو عيد العرب، وأفرادهالم يتخلوا عن خصالهم وتقاليدهم، فلازالوا متشبثين بها ايّما تشبث، ولهم طقوسهم الخاصّة في الاحتفال بينّاير الذي يمثّل منظومة من المعتقدات التي تحمل الطابع الفردي والجماعي، فتجتمع العائلات في منازلها تقدم ليلة راس العام أكلات خاصة ويقومون بممارسات متوارثة عن أجدادهم بل وضاربة في القدم، وينفرد الاحتفال بطقوسه الخاصّة في المنطقة والتي لا يمكن الاستغناء عنها، وفي هذا الشّأن يحضرني قول روني باصي Renet.Basset ”الطقوس قرينة كل شعوب المعمورة، ومن غيرها لن تقوم قائمة لمجتمع أو مؤسسة”[29]ولهذا نجد تداخل العديد من الطّقوس على اختلاف وظائفها ودلالاتها والتي أصبحت تشكّل منظومة كاملة للاحتفالبينّاير .
** طقوس ينّاير …الدلالات والرّموز **
- طقوس التّطهير: تجرى لدى بعض الشّعوب لتطهير الأشخاص وذلك لضمان عدم تعرضهم للعنة القوى فوق الطبيعة”[30]اذ تقوم ربّات البيوت لاسيما في الأرياف بعملية تنظيف المنازل وافراغ الموقد والذي يصطلح عليه تسمية (شْمِينُو أو شْمِينِي / بنطق الشّين ساكنة وكسر الميم وضمّ النّون أو كسرها أحيانا حسب اللّهجة المحليّة لعيّنة الدّراسة) من رماده ورميه في مكان بعيد وتحذير الأطفال من اجتيازه، وأحيانا تقوم النّساء بردمه بالتّراب خوفا من الأرواح الخفيّة التي عبّروا عنها بالجنون التي تحضر مباشرة بعد رمي الرّماد وقد تصيب أحدهم بأذى إذا لم يمتثل لأمر النّهي وداس على الرّماد الذي أصبح مدنّسا، وهنا تحضرني صيغة تعريفية لهذا الطّقس وُجِدت عند دوركايم تُعَرَّفُ الأشياء المقدّسة على أنّها تلك الأشياء التي تقوم النّواهي بحمايتها وعزلها، والأشياء المدنّسة بأنّها تلك التي تنطبق عليها النّواهي والتي يجب أن تبقى بعيدة عن الأشياء الأولى، كما أنّه لا يجب أن تأتي السّنة الجديدة والموقد فيه رماد السّنة الماضية، وبعد تنظيف الموقد تتمّ عملية تغيير أثافيه الثلاثة أي الحجارة التي توضع في الموقد وهذه الحجارة تسمىّ المناصب وعددها ثلاثة ولا يمكن أن تتجاوز هذا العدد حسب اعتقاد بعض السّكان، دون علمهم بالسّبب، واقتصروا على قول أنّها عادات أجدادهم، وقد تعوّدوا على ممارساتها، وفي هذا يمكننا اسقاط مفهوم بيار بورديو الذي يشير الى أنّ ”الاعتياد هو منظومة الاستعدادات الدائمة والقابلة للتغيير، وهو بنى منظمة مستعدة لأن تكون ناظمة، باعتبارها مبادئ مُوَلِّدَة ومُنَظِّمَة للممارسات والتّصورات التي يمكن تكييفها موضوعيا مع أهدافها دون افتراض الهدف الواعي للغايات والتّمكّن العاجل للكليّات الضّرورية لبلوغ تلك الغايات.”[31]وإذا حاولنا تفسير هذا المفهوم بشكل اسقاطي على عدم علم الأفراد ببعض الممارسات واكتفائهم بأنها عادات الأجداد، نجد أنّهم يملكون استعدادا مجهول الغايات للقيام بها، فلا يفترضون هدفا محدّدا وراء هذه الممارسة لأنه تم تحديد هذه الغايات والأهداف مسبقا من طرف الأجداد، وما عليهم سوى تطبيقها وصولا الى الغاية الكبرى وهي تمثيل جميع الطّقوس الفرعيّة لاحتفالية ينّاير التي يرجى من ورائها تحقيق الغايات الكبرى المتمثّلة في إرضاء الطّبيعة والقوى الخفيّة والتًّيًمُّنُ بسنة فلاحية سعيدة،والقيام بهذا الطقس يكون مساء اليوم الأخير من السّنة الحاليّة، وإذا لم تقم ربّة البيت به في آخر الأمسية فهي ملزمة أن تستيقظ قبل شروق شمس 12 من ينّاير لتنظيف الموقد وتغيير المناصب، حتى لا تدخل عليها السّنة الجديدة بمساوئ وأحزان السنة الماضية، فهذا الطقس يُطَهِّرُ الفرد من سلبيات السّنة الماضية ويجرّده منها، وإذا لم يُؤَدِّ سوف تبقى ملتصقة به حتى في السنة الجديدة ولا يرى خيرا أبدا”[32] ويمكن إدراج هذا الطّقس ضمن طقوس العبور Ritesof passageو يعتبر فان جنيب Vannejennap واضع هذا المصطلح 1909، في نظريته التي تشير إلى أنّ الإنسان خلال حياته يمرّ بعدّة مراحل وهذه التّحوّلات والانتقالات في حياته ترافقها عدّة طقوس مختلفة حسب كلّ مرحلة وطبقا لكلّ مجتمع، وأخذت النّظرية منحى آخر مع ثيودور جاستر Gaster وهو منحى الطقوس الموسميّة التي أشار اليها في دراسته (الطقوس والأسطورة والدراما في الشرق الأدنى القديم)”[33]ويُقْصَدُ بها الطّقوس المُقَامَة عند مرور شخص بمرحلة هامّة تتغير فيها منزلته الاجتماعية، والغرض من القيام بهذا النّوع من الطّقوس هو الاعتراف بذلك التّغيير وانتقال الفرد من منزلة الى اخرى”[34]ويمكننا اسقاط هذا التّصنيف للطّقوس على المرحلة الانتقاليّة التي يَعْبُرُ فيها الأفراد من سنة الى سنة جديدة ضمن منظومة الطّقوس الموسميّة الخاصة بينّايروالتي تكون غامضة في كثير من الاحيان.
- طقوس الدّممن جملة الطقوس التي تتكرّر في منطقة بشكل ملفت للانتباه الطقوس الخاصّةبالدّم، الذي”يحظى بعناية كبيرة لأنّه يقابل الرّوح عند القدماء.”[35] وهذا ما أوضحته الشواهد الميدانية لمجتمع الدراسة حيث يتولّى الرجل مهمّة اختيار الأضحية أو القربان الذي سيقدّم احتفالا بهذه المناسبة، فيذهب ليختار ديكا أو دجاجة تليق بمقام ينّاير ليتمّ ذبحها واعتبارها أضحية راس العام، لتمثل الأضحية هنا موت شعائري قانونيوطقسي مقدّس يجب الالتزام به لاعتبارات عقائدية وتطبيقا للمثل الشعبي الذي يقول في رَاسْ الْعْامْ لِي يَاكُلْ رَاسْ يَبْقَى رَاسْ [36]بمعنى من يذبح ويقدّم قربانا في يناير يبقى رأسه مرفوعا وعاليا بين أقرانه وأهله وعشيرته، وهذا كناية عن الرّفعة والمكانة المرموقة في المجتمع وتيمنا بخير أكثر ومكانة أرقى من السنة الماضية، ويشترط أن تكون الأضحية من الدّواجن لا حيوانات أخرى، ولا يحبّذ اقتناءها جاهزة بل يشترط ذبحها أمام ساحة المنزل وإسالة الدّماء تبركا بالعام الجديد، وحقا هذا ما لمسناه ولاحظناه في دراستنا حيث يعتقد أهل المنطقة بضرورة وحتميّة ذبح ديك أو دجاجة (لاعتبارات يجهلها سكان المنطقة)، وهذا كونه وحسب اعتقادهم، الدّم الذي يسيل في مثل هذه المناسبة يساعد على طرد العين والحسد وكل ما يؤدّي إلى عرقلة حياة الأفراد وسوئها، وهذا ما عبّرت عنه احدى النساء بقولها لاَزْمِنْ نْسَيْلِو الدَّم كُلَّ عَتْبَه جْدِيْدَه، والمقصود بالعَتْبَة هنا هو المدخل الجديد سواء كان مدخل السّنة أو مدخل البيوت والمنازل التي تمّ بناؤها حديثا، فلا يجب الدّخول إليها دون أن تتمّ عمليه ذبح قربان وهنا لا يشترط نوعها فقدرة واستطاعة الفرد هي التي تحدّد نوع القرابين سواء كان من الدّواجنأم الأغنام أم غيرها، عكس القرابين في عيد ينّاير فيشترط فيها الدّواجن، وذلك كنوع من الاطمئنان النفسي ودرء للحسد والعين، وباعتبار هذه الطقوس شيئا مقدّسا يجب التّصرّف حيالها بحذر وفي هذا يقول بريتشارد ايفانز ”الطقوس هي قواعد السلوك التي تعيّن للمرء كيف يجب أن يتصرّف حيال المقدّسات”[37]كما ان تصوّر الدّم حسب ادموند دوتي “يدلّ على رابطة قبلية أو قومية تحوي على امتداد في عدة مناسبات مثل العيد الكبير”[38]سواء كانت هذه المناسبات دينية أو اجتماعية شعبيّة، ويمكن إرجاع أصل هذا الطقس إلى العبادات الطوطمية التي تشير إلىأنّ السّبب الرئيس وراء تقديم القرابين تكمن في الرغبة في الالتحام بين البشر من المجتمعات البدائية والهتهم، وارضاء القوى الخفيّة، كما أنّ الاعتقاد المرتبط بهذا الطقس أنّ الدّم يذهب الشر، حيث تعتبر ماريان بارلوي الأضحية بأنّها “رمز للتقرّب من الأرواح الخفيّة كما أنّ فعل التضحية في العصور القديمة ترمز الى معرفة الانسان لسيادة الالهة.”[39]
قرينة الدم…..ملح:ما لاحظناه في هذا الطقس هو وجود ممارسة أو طقسا لصيقا بالدّم ومقترنا به، حيث يتمّ نثر الملح على الدّم بعد عملية الذّبح، ويمنع منعا باتا المرور فوقه واجتيازه، خوفا من الأرواح الشريرة(الجنون) وهذا الطّقس يعتبر نوع من التابو (الطابو) يحضر المساس والتّلاعب به، وقد وجدنا هذه الرؤية أو النظرة التقديسية للملح في عدّة دراسات،فالدّم المراق لن يكون أمر تخطّيه ممكنا من غير احضار الملح لينثر عليه، ورغم تكرار هذه الممارسة إلّا أنّه يعتبر طقسا غير مفهوم، ومع ذلك فانّ افراد المجتمع المحلي المدروس يعتقدون انّ هذا يجعل الأرواح الخفيّة تهرب وبالتّالي حماية أنفسهم وأضحيتهم، وإذا مرّ احد أفراد العائلة دون نثر الملح على الدّم فإنّها ستؤذيه باحتلالها لجسمه وسيطرتها على روحه.
بديل القرينة….تراب: هناك قرين آخر للدم يحل مكان الملح إذا غاب” اذا كان الذّبح خارج المنزل فيرمي الرجل بعض التراب على الدم والاخذ بنقيض هذا الاعتقاد يجعله يفقد دلالته التي تصبح مهدّدة بالطّمس، ان لم تكن دخلت باب المجهول، فالدّم ببساطة عامل ربط بين الانسان والجن، وكي يكتسب مناعته يلتزم بحمايته والحفاظ على عدم هدره ونسيانه. وللملح في هذا الطقس دور وقائي من كلّ ما يمكنه ان يؤذي او يتسبب في الفساد”[40]، نستنتجأنّ الملح يمثّل طقسا واقيا وحاميا لهم من الأرواح الخفيّة وتجنّبا لإيذائها لهم، ومنعها من انتهاك حرمة الذّبيحة أو القربان، ويمكننا إدراجه ضمن طقوس التّطهير أيضا حيث أنّ له عدّة استعمالات حسب معتقدات وعادات الأفراد، فهناك نوع من الطهارة يلازم الملح عبر عدّة طقوس أخرى. وقد أصبح الاعتقاد بأنّ الملح عامل تطهير ووقاية مترسّخا في الأذهان التي نشأت على ذلك وترسّخت في المخيال الجماعي للشعوب حتى أصبح معتقدا لا يمكن التخلّي عنه لينتقل الى منزلة المقدّس،وكما يشير روني باصي إلى أنّ انتشار الدّم يشكّل هاجسا في كلّ المجتمعات ، ولهذا لن تكون واقعة نثر الملح أمرا عابرا، كونها تقليدا عريقا، ولا يمكن تفسير هذه الوقائع والطقوس إلاّ في إطارها الاجتماعي والتّاريخي، وكونها وليدة حاجة المجتمع فإنّها قابلة للتّغير أو التّعديل حسب وعي الأفراد وحاجاتهم
- طقوس الطّعام
انّ ميدان الطعام يحض باهتمام كبير من جانب الانثروبولوجيين،لأهمّيته القيميّة واعتباره عنصر رمزي وثقافي في الحفاظ على البناء الاجتماعي، والتعبير عن ثقافاتهم المشتركة والمميزة لهم.
فطور ينّاير…طمّينة وفطاير: طقوس الطعام في احتفالية ينّاير كما هو شائع متعددةحيث تقوم النّساء بتحضير عدّة أطباق وأكلات شعبية، من صباح يوم السّنة الجديدة الى غروب الشمس، حيث تستيقظ النساء باكرا ويحضّرن أطباقا محدّدة للفطور حيث تقول الحاجة لعجة بلهجتها المحلية اَنَكِزْ زَ يّــكْ اًنًخْدِمْ اَغْرُومْ ذ فطاير اَيْ طَمِّينَة[41]
بمعنى في الصباح نستيقظ باكرا ونقوم بإعداد الكسرة (خبز المنزل) و الفطائر و الطّمينة (يعجن التّمر مع قليل من خبز المنزل الكسرة المعدّة دون خميرة مع إضافة جميع أنواع المكسّرات المتاحة وعجنها بالزبدة مع العسل ثم تشكّل اقراص)، وذلك لاحتواء الفطائر والكسرة على الخميرة التي تعتبر رمزا للكثرة ، حيث انّه اذا ما تمّ وضعها في العجين يتضاعف حجمه، وبذلك تتضاعف خيرات السّنة، أمّا الطّمينة فهي ترمز للحلاوة ويفتتح سكّان المنطقة يومهم الأوّل بها حتى تنتقل حلاوة هذه الأكلة الى السّنة الجديدة، وإعداد هذه الاكلات حسب اعتقاد السّكان تعتبر فأل خير و تيمنا بسنة فلاحية سعيدة .
عشاء ينّاير: وحدة طعام…وحدة جماعة:يحرص النّساء على إعداد أكلة الشرشم الخاصّة بيناير والتي ترافق أكلة الكسكسيالزاما، ويتمّ إعداد طبق الكسكس أو الكسكسيكما هو متداول في مجتمع البحث في المنزل دون اقتناءه جاهزا ويصطلح على عملية التحضير بتسمية الفتيل( بفاء ساكنة وتاء مكسورة مع لام ساكنة فيالاخير) وفي ذلك يقول الباحث سمير زمّال”الكسكس هو طبق ضارب في التاريخ، يصنع من طحين القمح في شكل حبيبات صغيرة، ويتناول بالملاعق أو باليد، يطبخ بالبخار ويضاف إليه اللّحم أو الخضار أو الحليب أو الزبدة والسكّر النّاعم، حسب الأذواق والمناسبات، ويتمّ إعداده عن طريق طبخه في إناء مثقوب يسمىّ الكسكاس بوضعه فوق قدر يغلي بحيث يطبخ الكسكسي ببخار الماء أو بخار الطبيخ”[42]ويشترط إعداده يدويا وهو يعتبر ضروري لمثل هذا اليوم المبارك حيث تقول الحاجة سبيكة
كـِالْعْوَايْذنّغْ سِنَّاوْ سِكْسُو …..السِكْسُو عْزيْزْ قِلِيُّو اَيْ يِخْفُّو سُقَاسْ[43]
أي أنّ إعداد طبق الكسكسي من أهم عادات المنطقة،ولديه مكانة ومعزّة خاصّة في مناسبات مختلفة فنجده حاضرا في أفراحهم، بل وحتىّ في أحزانهم (الموت)، وهذا الطّعام يساهم في وحدة الجماعة، وهو أحد العوامل التي تجعل البركة تحل وتتنزّل على الجماعة وتوحّدها مع كلّحبّة كسكس، ويعتبر إجباري في بعض مناطق تبسّة، فإذا كانت قرابة الدّم و التحام القبيلة تخلق علاقات وطيدة تجمع بين الأفراد فإنّ قرابة الطّعام أيضا على الشاكلة نفسها ولاسيما في الاحتفالات والمواسم، حيث يشير كلود ليفي ستروس إلى أنّ التّعامل مع الطّعام لا يكون معزولا عن النّسق الثقافي الذي ينتمي إليه الفاعل الغذائي، فكلّ طعام حسب اعتقاده يتأسّس على سيرورة ثقافية تنطوي على عدّة رموز وطقوس تساهم في تفسير وتأويل الثقافة الكليّة أو السّائدة، وكأبرز طقس يميّز احتفالية يناير فإنّ الطّبق الرّئيسيجب أن يكون معدّا من أكلتين رئيسيّتين وهما الكسكسي والشّرشمالذي يعدّ من القمح المطبوخ والذي يطهى في مرق خاص يتضمّن مكوّنات رئيسيّة ممّا أنتجته الأرض وجادت به الطبيعة من مصادر حيوانية ونباتية، حيث يشتمل على القمح المطبوخ (ويشترط أن يكون من إنتاج الأرض خلال السّنة الماضية وليست السنوات التي قبلها) يضاف اليه الحمص والفَرْمَاسْ (وهو عبارة عن المشمش أو البرقوق المجفّف والذي يوجد فيه نوع من الحموضة) ويضاف اليه مكوّن اخر من مصدر حيواني وهو لـِكْـلِيْـلَـة(حيث يتمّ إعدادها من اللّبن المطبوخ مع بعض الملح حتّى يصبح كتلة مثل الجبن ويتمّ تصفيته ووضعه ليجف، ثمّ تخزن لاستعمالها في اكلات معيّنة)وتطهى المكوّنات السّابقة مع لحم الدّجاج (القربان) مع إضافة الخضر المتوفّرة مع مكوّنات اخرىمتعارف عليها في الطقوس المطبخية، ليتمّ فيآخر عمليّة الطّهي إضافة الحليب المغليّ إلى الخليط و يمكن تسميته بعد الطّهي بأكلة الشّرشم وتقديمه فوق الكسكس وأحيانا يوضع بمفرده لمن يريد تناوله منفردا.ومن خصوصيّة هذا الطّعام المقدّم في ينّاير أنّه يشكّل رمزا لغنى وخصوبة ووفرة المحصول،و من لم يشبع في تلك اللّيلة لن يشبع طيلة السّنة امتثالا لمقولةلِيْ مَا يِشْبَعْ راسْ العَامْ …مَا يِشْبَعْ طُوْلْ العَامْ
وهذا حسب اعتقاد مفردات مجتمع البحث، لهذافهم يلزمون الاطفال على تناول عشاء ينّاير المتمثّل في طبق الشرشم كما أسلفنا، حتى يحسّوا بالاكتفاء بل والتّخمة أحيانا، وذلك حتى يكون عام خير وبركة عليهم ولا ينقصهم شيء طيلة السّنة، كما لاحظنا من خلال شواهد الميدان وجود اعتقاد ضارب في القدم يحوي تفسيرات ميثيّة، حيث يعتقد افراد مجتمع البحث أنّه إذا لم يبق بعض الطعام لليوم الثاني من ينّاير فإنّ الافراد يحزنون ويعتبرونه عام حزن وشر، وسنة فلاحيّة يتخلّلها القحط والجفاف، وإذا حدث العكس يفرحون ويستبشرونخيرا، وفي هذا الشّأن تقول إحدى سيّدات المنطقة:
كِ لِعْوَايْذِنَّغْ سِنَّاوْ سِكْسُو عْزِيزْ…. مَا يِصْبَحْ السِّكْسُو ذِي الكَسْكَاسْ اَنَفْرَحْ آَيْ اَدِنْنَادْ اَسْقَازْ ذامَبْرُوكْ
و ذامَرْبُوحْ……. سِينُو المَعْنِيْسَ ثِخْلَاتْ[44]
بمعنى أنّ طبق الكسكس من عادات المنطقة ويحتلّ مكانة مهمّة وله معزّة خاصّة، كما أنّه إذا أصبح الكسكسي في القدر(الكسكاس)تغمرهم الفرحة، وتكون سنة خير، وإذا أصبح القدر فارغا تكون سنة سيّئة، ويتمّ توزيع هذا الطّبق على الأهالي والجيران، أو دعوتهم لتناول عشاء ينّاير معهم، وذلك لزيادة تثبيت أواصر المحبّة بين الافراد، وبالتالي فممارسة هذا الطقس الخاص بوحدة الطعام جعلتهم ينتمون لثقافة واحدة، تتخللها اعادة انتاج مكتسبات السّابقين، واستمرار كينونة الجماعة، ويستمدّ هذا الاحتفال أصله من الطقوس الدينية والرّواسب الثقافية القديمة،فيرتبط تحضير عشاء ينّاير بطقوس ثقافية تختلف من منطقة لأخرى ترجع جذورها الى بعض المعتقدات الوثنيّة، حيث ” كانت النّسوة يضعن القليل من الطعام في مختلف أركان المنزل وذلك بهدف التقرّب من الأرواح الخفيّة ونيل رضاها، ومع مجيء الإسلام اختفت هذه المعتقدات”[45]
- طقوس الخصوبة
هي ”ممارسات سحريّة يشيع انتشارها لدى الشّعوب البدائيّة التي تربط أساطيرها بين انتاج الأرض للمحاصيل الزّراعيّة وبين عمليّات الإنتاج والولادة عند الانسان”[46]غير أنّ الطقوس الملاحظة من خلال استنطاق الميدان، لها علاقة بخصوبة وإنتاج الأرض لكنّها لا تحوي أفعالا سحريّة بل ترتبط بأساطير شعبية قديمة توارثوها عن أجدادهم
طقس الحنّاء: أخبرنا سكّان منطقة عين ببّوش أنّه يتمّ وضع الحنّاء للنّساء والأطفال (ذكورا واناثا)وإذاأتاهمضيف في تلك اللّيلة فإنّهم يقومون بوضع الحنّاء له إن كان طفلا (ذكرا) في إصبعه فقط أمّا الرّجال فلا يمتثلون لطقس الحنّاء إلاّ في حفلات زواجهم فقط، وإن كانت أنثى فتوضع في كلتا يديها ورجليها، وهذه من عادات المنطقة تعبيرا عن حسن الضيافة وتوطيد أواصر المحبّة، تقول إحدى السيّدات:اَيْ اَنْسَاوِلْ فِجِّيْرَانْ مَا يِلاَّنْ غًوْرْسِنْ الضْيَافْ اَنَخْدَمِنْسِن الحِنَّة.. اَيْ نَسْهِرْ
وتعني ننادي على الجيران، وإذا جاءنا ضيف ليبيت عندنا نقوم بوضع الحنّاء له، بعد السّهر، كما أنّالحنّاء حسب اعتقادهم”ثمرة من ثمار الجنّة أنزلها أبونا آدم معه في شكل تاج كان يلبسه في الجنّة ولمّا نزل إلى الأرض قام بزراعة ورقة من اوراق ذلك التّاج ، فنمت لكّها لم تثمر، لأنّ تراب الأرض يختلف عن تراب الجنّة وإثمارها يقتصر فقط على عودتها إلى الجنّة وسمّيت بالحنّاء لأنّها تحنّ الى تراب الجنة”[47]، وهذا الاعتقاد يعود الى أساطير قديمة متعلّقة بأصل النّبات وكيفيّة نموّه في الأرض وكلّها على شاكلة أسطورة الحنّاء، لذا فهي تعتبر نباتا مباركا وله فوائد عديدة، وتقديسا لهذه النبتة فإنّ جلّ سكان المجتمع التبسي تقريبا يستعملونها في أفراحهم ، كما أنّهن يستعملنها عند دخول منزل جديد حديث البناء، حيث يتم نثرها في أركان المنزل ووضع خليط منها مع السّكر في أعلى الجدار الأمامي للمنزل،اعتقادا منهنّ انّها تجلب الحظ وتبعد الحسد والعين، وبما أنّها رمز للخصوبة والنّموفإنّ صاحب المنزل سيزداد رزقا وتطويرا لمنزله، كما يحضر تناولها من قبل المرأة لأنّها تسبب العقم، وبهذا تصبح الحنّاء طقسا مانعا للخصوبة، أي أنّ استعمالها محدود خارجيا فقط لزيادة الخصوبة، وحسب اعتقاد أهل المنطقة أنّه يُحْضَرُالتّلاعب بهذا الطّقسفلا تُرمى الحنّاء في مكان نجس كونها شيئا مقدّسا، لذا فعندما يبقى منها القليل تقوم النّساء بإذابتها في الماء ثمّ سكبها في حديقة المنزل وسقي الأشجار بها، وحسب اعتقادهمأيضا أنّ واضعة الحنّاء تنام بها ليلة كاملة بعد لفّها جيّدا لتستيقظ في صباح اليوم التالي وتقوم بنزعها، فإذا كانت حمراء أو ذات لون مقبول فإنّ صاحبتها تلقى خيرا كثيرا وهي محظوظة في هذه السّنة الجديدة، وأنّها ستنال خيرا وفيرا، أمّا إذا كانت صفراء ولونها لا يكاد يظهر فإنّ صاحبتها ذات حظ قليل، وخوفا منهنّ من أنّ تكون السّنة سيّئة عليهنّ، فإنّهنّ يقمن بإضافة عدّة مكوّنات أخرى لتجعل لونها يسرّهنّ قد تكون طبيعية من المنزل (السكّر- قطرات من الليمون) أو كيميائية يشترينها، ممّا ينعكس على خصوبة الأرض وبذلك تكون ذات مردود جيّد،وبهذا نستنج أنّ استعمال الحنّاء ليست فقط بغرض التزيّن بل لها مدلولات غيبية قد تكون استنادا إلى أساطير يجهلها الأفراد، فإرجاعها إلى عادات ومعتقدات الأجداد كافية بالنسبة لهم.
طقس تقليب الحجارة : يمكننا ان نصنّفه ضمن طقوس الخصوبة ويقوم به الرّجال صبيحة أوّل يوم من السّنة الجديدة، وهو طقس خاصّ بالرّجال فقط دون أن تقوم به النّساء دون علم الاسباب فأفراد العيّنة فقط أشاروا إلى أنّه متوارث عن أجدادهم، حيث يخبرنا أحد سكّان منطقة عين ببوش أنّه يستيقظ باكرا وقبل أن يقوم بطقس الدّم والذّبح المذكور أعلاه، فإنّه يتّجه إلى أرضه حيث يقوم فيها بتقليب إحدى الحجارة حيث يقول:
وِلاَّوْ يِعَرِّمْ ذِ اللَّغُو وْنَتَّافَا حَشَاكْ لْبَخَّاشْ… لْبَخَّاشْ ذِ لْحَدْ يَقْرَّ اتِّنَايِضْ …حَدْ يَقْرَّ اسُقَاسِ نْ مَا يَحْلَا[48]
أي انّ الرّجال صبيحة السّنة الجديدة يقلّبون الحجارة الموجودة على أراضيهم، فإذا وجدوا تحتها الحشرات (نمل – دود) فإنّ هذا يفرحهم، ويتنبؤون خيرا من السّنة الجديدة، وذلك بزيادة في الرزق وزيادة في عدد أفراد الأسرة بميلاد أطفال جدد، أو تزويج أحد الأبناء، لأنّ وجود كائنات حيّة دليل على الخصوبة والحياة الجيّدة، وحسب اعتقاد أهل المنطقة فإنّ مقلّب الحجارة في هذه الحالة يكون محظوظا طيلة السّنة ويحظى بعمر أطول لرؤية أحفاده وربّما حتى أحفاد أبنائه، أمّا إذا تمّ تقليب الحجارة وانعدمت الحشرات فإنّ السّنة الجديدة تكون سنة سيّئة وقليلة الخيرات، بدليل انعدام الحياة تحتها، وانعدام الخصوبة، كما أنّهم يعتقدون أنّ من يجد حفرة تحت الحجارة التي تمّ تقليبها يتنبأ بموته أو موت أحد أفراد أسرته في تلك السّنة، وتلك الحفر تدلّ على القبر، فيرجع الى بيته حزينا ويعيش تلك السّنة منتظرا موته أو موت أحد أفراد أسرته.
* وهناك طقس آخر ضمن طقوس الخصوبة كانت تقوم به النّساء صبيحة 12 من ينّاير، إلا أنّهن توقّفن عن القيام به مؤخّرا، ولم يعد له أهميّة بالغة في احتفالية ينّاير، ولاحظنا غيابه طيلة سنوات الدراسة الثلاث، حيث تقمن بإحضار نبات أخضر (اكليل الجبل ) وتضعنه في وسط المنزل، دليل على الخصوبة وتيمّنا بسنة خضراء ونافعة، وتبتعد النّساء عن احضار نبات الشّيح لمرارته، واعتقادهنّ بتأثيره السّلبي على السنة الجديدة.
* ومن خلال ملاحظتنا ومعايشتنا للشواهد الميدانيّة يمكننا القول بأنّ احتفالية يناير في المجتمع التبسّي تشكّل منظومة متكاملة من الطّقوس، كلّ طقس فيها يحاكي له دلالة معيّن.
** طقوس ينّاير………الأدوار و الوظائف**
إنّ المجتمع في سياق سعيه للمحافظة على بنيته وقيمه الثقافية التي من شأنها ان تساعده في مواجهة التغيرات الواسعة التي تشهدها والتي يمكن أن تهدّده وتؤدي الى بعثرته وتشتته فإنّه يتّخذ طقوسا وممارسات تتحول في كثير من الاحيان الى معتقدات وشعائر لها دورها الفعّال في الحفاظ على أهم مميزات المجتمع وآليات التّمسّك بها. ولا خلاف في انّ الذاكرة الشعبية حافظت على هذا التراث المتواترتحت تأثير العادة والتكرار بحفظ أدقّ الطقوس وتجسيدها في ممارسات خلال فضاءات زمنية ومكانية محدّدة ليتمّ نقلها عبر العصور وعلى ممرّ الأجيال، واستنادا إلى ما ذكرناه في مقالنا هذا، ومن خلال تحليل شواهد الميدان واستنطاقها فقد تبين أنّ احتفالية ينّاير او راس العام كما هو متعارف عليه في مجتمع البحث والتي أصبحت تشكّل ثقافة البناء الكلي للمجتمع الجزائري وليس بعض المجتمعات المحلية امثال تبسة فقط، ظاهرة ثقافية ذات تعبير صادق عن تراث هذا الشعب ومرآة تنعكس عليها صور نابضة عن حياته ظاهرة ثقافية لها وظائف وأدوار عميقة بعمق مدلولات طقوسها وممارساتها، ظاهرة تنطوي على دلالات رمزية ومعان اجتماعية تزداد أهميّتها بعمق إدراك الأفراد لها، فيكفي أنّها إحدى أهمّ الآليات التي أنتجها المجتمع بعد مخاض عسير، يكفي أنّها نابعة من تجربته التي ميزته عن باقي المجتمعات، هي الآلية التي تعزّز وحدته وتماسكه، تحافظ على استمرار وجوده وكينونته بل وتعمل على تفسير وقائعه الاجتماعية كما يشير دوركايم الذي يرى أنّ” أيّ تفسير نفساني لواقعة من الواقعات المجتمعية لا بدّ أن يكون تفسيرا مغلوطا.”[49]
- طقوس أمنيّة…..ارضاء للطّبيعة والأرواح الخفيّة: يرى تايلور”أنّ الانسان في المجتمعات الأولى كان يتمتّع بقدرات خاصّة نتيجة نظرته العامّة إلى الكون وإيمانه بحيويّة الطبيعة لدرجة تصل إلى تجسيد مظاهرها كلّها على نحو رمزي، فالطقوس التي كان يؤدّيها كانت تهدف إلى أشياء أخرى غير ما تنبئ به ظواهر تلك الطقوس، بمعنى ان هذه الاخيرة كانت تجسيدا لبعض الأفكار الغامضة لديه عن وجود كائنات عليا تملأ الكون”[50] وحتى يتمّ التواصل معها واسترضائها بل وترويضها أحيانا لجأ إلى استعمال رموز وعبارات تمّ تجسيدها لتصبح طقوسا ممارسة في فضاءات محدّدة، و بهذا يمكن معالجة الطقوس على أنّها صيغ من التواصل القائم بين الناس والآلهة او الأرواح الخفيّة، مع أنّ هذه الاخيرة ليست شريكة مع الانسان في منظومة تواصل واحدة، و هذا ما يشير اليه العالم الانثروبولوجي الاسكتلندي جيمس فريزر James.Frazerحيث يرى أنّ ثمّة اعتقاد شائعفي المجتمعات القديمة بأنّ هناك وسائل تمكّنهم من اتّقاء شرورالطبيعة ” وأنّهم يستطيعون أن يعجلوا في سير الفصول او يبطئوا منه بفنّ السّحر لذا قاموا ببعض المراسم وقراءة الرّقى والتعاويذ ليحثوا المطر على السقوط والشمس على الاشراق والحيوانات على التكاثر وفواكه الأرض على النمو.”[51]وبفعل الزّمن والتكرار استطاعت الطقوس أن تكتسب سمة القدسية حتى أنّها تحوّلت بفعل الزّمن الى معتقدات دينية ونشير في هذا المقام الى العالم الانثروبولوجي مالينوفسكي ودراسته حول جزر التروبرياند حيث ”وجد ان الاهالي يمارسون انماطا مختلفة من الطقوس السحرية، و بعد تعمّقه في البحث ومعايشته لهم لاحظ ان تلك الرقصات الشعائرية والطقوس الممارسة تساعدهم على تبديد مشاعر الخوف من العالم المجهول المحيط بهم[52]
- طقوس روتينيّة…..دليل بقاء واستمراريّة: اهتم الرّواد الاوائل من الانثروبولوجيين في مختلف بحوثهم ودراساتهم بالكشف عن الطرق والوسائل التي تعمل من خلالها العناصر والأنساق الثقافية في ترابط وتساند مستمر، وحركة المجتمع والمحافظة على كيانه المتميز، وطقوس احتفالية يناير من هذه الزاوية تعمل على تساند وترابط الأفراد المحتفلين، واشراكهم ضمن معتقد واحد وتاريخ واحد والافتخار به، فالطقوس هي إعادة بناء ماضي سحيق إلى زمنية الحاضر، أي إعادة بناء الماضي ضمن قواعد جديدة تتكهّن بمستقبل أحسن، ويشير الباحث نور الدين طوالبي الى أنّ دعوة الطقس تكمن في اثبات الحدث التاريخي والأسطوري الشهير، فالطقس في احتفالية يناير يميل أساسا من خلال تكرار واستدامة القواعد التي تثبته الى تكريس ديمومة الحدث الاجتماعي والأسطوري، وطقوس يناير لها طابع جمعي يعمل على تغيير الحالة النفسية والذهنية للأفراد، وهذا الطابع هو الذي يجدّد حماسهم ويعطيهم الإحساس بوحدة معتقداتهم وتاريخهم.
** يمكننا استقراء وظائف طقوس يناير و استنتاج ما يلي:
– تسعى الى تأصيل العلاقة السلمية بين الانسان والطبيعة، والتحذير من عصيانها والتمرد عليها (اسطورة العجوز)
– تعمل على تثبيت القوى الخيرة في النفوس من خلال تعاطف وتعاون افراد المجتمع في هذه التظاهرة الاحتفالية
– التعريف بتاريخ الشعوب وبطولاته، ونلمح ذلك من خلال اسطورة شيشناق حتى وان تضاربت حوله.
– محاولة السيطرة على الظواهر الطبيعية واسترضائها، من خلال الممارسات المتعلقة بالفلاحة.
– اعادة تكرار الطقوس تسعى الى ارساء دعائم المعتقدات المشكلة لأسس التنظيم الاجتماعي.
– كما تضمن هذه الطقوس نجاعة الاحتفالات الشعبية التي تتعلق بيناير (راس العام)
- يناير…… الزمن المقدّس بين الطقوس الواقعية والأساطير الوهمية* استعادة الزمن الميثولوجي*
إنّ تكرار الأفراد لطقوس ينّاير يهدف إلى إعادة إحياء الزّمن الميثولوجي لمنح الحياة الاجتماعية معنى، ولتدلّ به (الطقس) على المقدّس في حياتها، في الفضاء الزمني، وبالرّغم من تعدّديّة المكان ومحدوديّة الزّمان، لذا فإنّ فكرة قداسة الزّمان الخاص ب 12 من شهر ينّاير تضرب جذورها في عمق تاريخ المجتمع الجزائري على غرار المجتمعات المغاربية، فالفضاء الزمني لينّاير يحمل قيما رمزيّة ودلالات خفية ترابطت وظيفيا وتناسقت معنويا لتشكّل منظومة من الطقوس التي أضفت على احتفالية ينّاير قداستها في زمن سيطرت فيه الثقافات الدّخيلة والمنطوية تحت لواء العولمة والتكنولوجيا على عقول الأفراد ، ومنه فالقداسة ليست في الزّمان نفسه بمعزل عن طقوسه وممارساته حيث يقول الكيلاني ”ليست القداسة في الزّمان نفسه بل في نتيجة تقييم نوعي للظواهر وتقييما لقدراتها على تلبية الحاجات النفعية والجمالية والقدسية والدينية.”[53]وبهذا يستطيع الأفراد استعادة الزّمن الميثولوجي بتكرار أحداثه عن طريق ممارسة الطقوس الممثّلة لذلك بهدف الايحاء للطّبيعة النباتية بالانبعاث بطرق وممارسات تلائم متطلبات المجتمع وتواكب سيرورة الحاضر. واستنادا الى شواهد الميدان نلاحظ انّ لطقوس ينّايرجذورا ميثولوجية توحي بالخصوبة، والهدف من الامتثال لها وتطبيقها هو اخضاع الطبيعة وارضائها عن طريق مبدا المحاكاة الذي يكمن في استرجاع الزّمن المقدّس، حيث ينطلق الأفراد في تفسيراتهم للظواهر الطبيعية في كثير من الأحيان من منطلقات وهميّة وخرافية، بل تفسيرات ميتافيزيقية أسطورية،وبما انّ الأسطورة ولدت من رحم المجتمع كما يقال فهي تعكس ثقافة المجتمع الذي صنعها، وتنقلها للأجيال اللاّحقة بسلبياتها وإيجابياتها، ورغم ثقافة الأفراد المحدودة سابقا، إلّا أنّهم وُفِّقُوا في توريثها للأجيال اللاّحقة وصولا إلى ما نحن عليه الآن، وفي ذلك يقول كلود ليفي ستروس” أقرّ الاثنولوجيون غالبا بوجود علاقة متبادلة منتظمة بين ثقافة المجتمع وأساطيره”[54]وعلى غرار كلّ الطقوس السّابقة التي تُنْبِئ بسنة فلاحية جديدة، في الذاكرة الجماعية للأفراد، إلّا أنّهم يذكرون الملك الأمازيغي شيشناق ويتغنّون به في شعرهم بذكر مكانته المهمّة، وما لاحظناه هو أنّهم كانوا يجهلون حقيقة إرجاع احتفال ينّاير الى950 ق. م، والحرب التي دارت بين شيشناق و فرعون مصر، وتأسيس الأسرة الفرعونية الامازيغية رقم 22، الاّ في سنوات قليلة مضت، ومع ذلك فهم على دراية من أجدادهم السابقين أنّ جدّهم الأمازيغي شيشناق كان يعيش في الجبال وكان شهما ومغوارا ويدافع عن أراضيه، إذ يقول أحد الأفراد شعرا بلهجته الشاوية وهي أحد لهجات اللّغة الامازيغية يمدح فيه جد الأمازيغ دون علمه بأحداث وتفاصيل هذا المدح والتّعظيم، وبرر ذلك بأنّه سمع أجداده يردّدونه فتوارثوه شفويا:
اِذْشْفِيْغْ اَيْ اَكْدِشْفِيْغْ ذِ تَّارِيْخِ نَّ جْدُوْد انِّغْ أتذكّر وأذكّرك بتاريخ الأجداد
اَيْ تَّارِيْخِ نَّ اِيْمَازِيْغِنْ زِيْكْ جِدْ اَيْنُو شِيْشْنَاقْ وتاريخ الأمازيغ وجدّي شيشناق
يْرُوحْ اَرْ النِّيْلْ اَيْ سْقَسْ يِتْسُو ذهب لنهر النيل ومنه شرب
شِيْشْنَاقْ اَمِقْرَانْ اَيْ اَرْقَازْ شيشناق عظيم ورجل شهم
اَيْ ذِفِحَّالْ اَحْرِيْشْ ..ذِيْ اَذْرَارْ يْعِيْشْ بطل مغوار…وفي الجبال ترعرع
والمقصود بهذا الشعر هو الافتخار بتاريخ أجدادنا الامازيغ وتعظيم الملك شيشناق وذكر بعض خصاله ونمط عيشه.
خاتمة :
جُلّ الطقوس الاحتفالية التي تمّ دراستها ترتبط ارتباطا وثيقا بالرّموز الطّبيعيّة، لتشترك في مدلول واحد مقدّس وهو الخصوبة وتقديس الأرض والفلاحة. حيث تمّ تقسيم فضاء الاحتفال بينّاير من خلال الطّقوس المركّبة له الى فضاء رجالي وآخر نسائي، حيث يُمنع طقس المطبخ والحنّاء على الرّجال، بينما ينفرد الرّجال بطقسي الذّبح وتقليب الحجارة دون النّساء. كما لاحظنا شرعيّة الممارسة الطّقوسية لدى مفردات العيّنة وتقبّلها دون التقصّي والبحث عن جذورها التي أغلبها ذات صبغة وثنيّة، مثل الأضحية الالزاميّة المقدّمة في عشاء ينّاير، تعود جذورها إلى تقديم القرابين التي كان يرجى من ورائها توثيق الصّلة بين البشر وآلهتهم قديما. و رغم إيمان أفراد المجتمع المحلي بالقضاء والقدر وبمحدودية علم السّاعة وانفراد الله عزّ وجلّ بها إلّا أنّهم يمارسون نوعا من التطيّر أو التكهّن وذلك عن طريق تقليب الحجارة وربط الحفر بالموت القريب، وربّما نرجع هذا الاعتقاد والتّمسّك به الى المستوى التّعليمي لدى مفردات العيّنة
في ختام ورقتنا البحثية هذه لا يمكننا سوى القول بأنّ ثقافة ينّاير تمثّل أحد أبرز الخصوصيّات المحلية التي تصبّ في رحم الوحدة الوطنيّة والتنوع الثقافي الجزائري و أحد أهم معالم التراث الرّوحي الذي يجمع شمل الأفراد في بعده الوطني الكلي، حيث كشفت شواهد الميدان ونتائجهأنّهذا الاحتفال لا يقتصر على منطقة دون سواها، إذ تبرز مظاهره بشكل جلي في مختلف ربوع الوطن، بشكل يؤكّد أنّ الاحتفال بينّاير لم يعد يقتصر على سكّان منطقة القبائل التي تعتبر الأكثر تشبّثا بالثقافة الأمازيغية، وبدأ يرتسم كعادة جزائرية في مختلف ربوع الوطن الجزائري وأضحى يمثّل عنوان الخصوبة والعطاء، بتداخل العديد من الأساطير والمرجعيّات التي تقريبا جُلّها ينطوي تحت رمزيات تثمن وتقديس الأرض ،بعد أن كانت العلاقة بين الإنسان والطّبيعة في المجتمعات التقليدية علاقة متوترة أساسها الخوف من غدر الطبيعة.
قائمة الراجع :
- ايفانز بريتشارد، الأناسة المجتمعية ديانة البدائيين في نظر الإناسيين، ت حسن قبيسي، دار الحداثة للطباعة والنشر ، بيروت ط1، 1986.
- إيكة هولتكرانس، قاموس مصطلحات الاثنولوجيا و الفلكلور ، ت محمد الجوهري وحسن الشامي: دار المعارف، القاهرة، ط2، 1973
- جان كوبان، المسح الاثنولوجي الميداني، ت جهيدة لاوند، معهد الدراسات الاستراتيجية، العراق، ط1، 2007
- جيمس فريزر،”ادونيس أو تموز”دراسة في علم الأساطير والاديان الشرقية، ت جبرا ابراهيم جبرا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1982
- روني باصي Renet Basset، أبحاث في دين الامازيغ، ت حمو بوشخار، الناشر دفاتر وجهة نظر، ط1، 2012
- سمير زمّال، صفحات من تاريخ تبسّة، دار هومة للطّباعة والنّشر والتّوزيع، الجزائر، د ط، 2013
- شارلوت سيمور، موسوعة علم الانسان، ت محمد الجوهري واخرون، مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة القاهرة، 2005
- شاكر مصطفى سليم، قاموس الانثروبولوجيا، انجليزي – عربي، جامعة الكويت، ط1، 1981
- شمس الدين الكيلاني، رمزية المقدس الروحية، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005
- عبد الحميد حوّاس، أوراق في الثقافة الشعبية، الهيئة العامّة لقصور الثقافة، القاهرة، ط1،2005
- عبد الرحمان بوزيدة واخرون، قاموس الاساطير الجزائرية ، المركز الوطني للبحث في الانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، وهران، الجزائر، 2005
- عبد العزيز فيلالي، بحوث في تاريخ المغرب الاوسط في العصر الوسيط، دار الهدى للطباعة والنشر، عين مليلة، الجزائر، ج1، 2014
- عبد الكريم بركة، طقوس الاحتفال بالمناسبات والأعياد بشمال افريقيا، مجلة الثقافة الشعبية، العدد 19 ارشيف الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، البحرين، ، 2012.
- الفيروز ابادي : القاموس المحيط، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ج3، ط3، 1979
- كاملي بلحاج، اثر التراث الشعبي في تشكيل القصيدة العربية المعاصرة . منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، سوريا، 2004
- كلود ليفي ستروس، الانثروبولوجيا البنيوية الجزء2، ت مصطفى صالح، منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي، دمشق، 1983
- – مبروك بوطقوقة: ظاهرة الفانطازيا في المجتمع الجزائري- مقاربة سوسيو أنثروبولوجية بولاية تيارت، أطروحة دكتوراه، جامعة مستغانم، الجزائر، 2016- 2017.
- محمد عبد الرحمان الشرنوبي، معجم مصطلحات الانثروبولوجيا، مجمع اللغة العربية، القاهرةط1، 2013
- محمد بن رمضان شاوش، باقة السوسان في التعريف بحضارة تلمسان عاصمة دولة بني زيان، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،ط1. 1995
- محمد الجوهري واخرون، التراث و التغير الاجتماعي، مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، القاهرة، ط1، 2002
- محمد سعيدي، الانثروبولوجيا، مفهومها وفروعها واتجاهاتها، دار الخلدونية، 2013،
- محمد سعيدي : من اجل تحديد الاطار المعرفي والاجتماعي للمعتقدات والخرافات الشعبية، مطبوعات مركز الابحاث في الانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، الجزائر، د ط ، 1995
- محمد عباس ابراهيم، الثقافة الشعبية الثبات والتغير، دار المعرفة الجامعية للطباعة والنشر والتوزيع، الاسكندرية، مصر، 2009
- محمد عباس ابراهيم : الثقافة الشعبيّة الثابت والمتغير، دار المعرفة الجامعية، مصر، 2009، د ط
- نسيمة طيلب، الابعاد الاسطورية للطقوس الاحتفالية في منطقة القبائل بالجزائر، رسالة ماجيستير، كلية العلوم السياسية والاعلام، جامعة الجزائر 3، 2010- 2011.
- نهى الزيني، أيام الامازيغ اضواء على التاريخ السياسي الاسلامي، دار الشروق ، القاهرة، مصر، ط1، 2011
- نور الدين طوالبي: الدين والطقوس والتغيرات، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1988
- Edmond Doutté, Magie & Religion dans l’Afrique du Nord, Alger, 1909.
- JEAN COPANS : L’ENQUETE ETHNOLOGIQUE DE TERRAIN, Nathan- Université, Paris, 1998
- Kamal Chehrit, Les Chachnaq; Pharaons Berbères d’Egypte, Alger– Livres Editions, Alger,2016.
- Marian Berlewi, Dictionnaire des Symboles, Seghers, France
- chebel, Dictionnaire des Symboles musulmans, Albin Michel, 1995, Song
- Pierre Bourdieu. Le sens pratique. Minuit .Paris. 1980.
- Robert P. petit robert : dictionnaire de la langue françaises ; dictionnaire de robert, paris, 1967
[1]JEAN COPANS : L’ENQUETE ETHNOLOGIQUE DE TERRAIN, Nathan- Université, Paris, 1998,p 81
[2] بوطقوقة مبروك: ظاهرة الفانطازيا في المجتمع الجزائري- مقاربة سوسيو أنثروبولوجية بولاية تيارت، أطروحة دكتوراه، جامعة مستغانم، الجزائر، 2016- 2017.
[3]محمد سعيدي، الانثروبولوجيا، مفهومها وفروعها واتجاهاتها، دار الخلدونية، 2013، ص 30 / 33 ( بتصرف)
[4]محمد عبد الرحمان الشرنوبي واخرون: معجم مصطلحات الانثروبولوجيا، مجمع اللغة العربية، القاهرة، ط1، 2013، ص 33
[5]محمد عباس ابراهيم : الثقافة الشعبيّة الثابت والمتغير، دار المعرفة الجامعية، مصر، 2009، د ط ، ص 13.
[6]عبد الحميد حوّاس: أوراق في الثقافة الشعبية، الهيئة العامّة لقصور الثقافة، القاهرة، 2005، ط1، ص 119.
[7]إيكة هولتكرانس: قاموس مصطلحات الاثنولوجيا و الفلكلور ، ت محمد الجوهري وحسن الشامي: دار المعارف، القاهرة، ط2، 1973، ص 246
[8]محمد الجوهري واخرون: التراث و التغير الاجتماعي، مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب، القاهرة، ط1، 2002، ص 13.
[9]محمد سعيدي : من اجل تحديد الاطار المعرفي والاجتماعي للمعتقدات والخرافات الشعبية، مطبوعات مركز الابحاث في الانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، الجزائر، د ط ، 1995 ، ص3
[10]كاملي بلحاج: اثر التراث الشعبي في تشكيل القصيدة العربية المعاصرة . منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، سوريا، 2004، ص 121.
[11]شاكر مصطفى سليم، قاموس الانثروبولوجيا، انجليزي – عربي، جامعة الكويت، ط1، 1981، ص824.
[12]نور الدين طوالبي: الدين والطقوس والتغيرات، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1988، ص34
[13]الفيروز ابادي : القاموس المحيط، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ج3، ط3، 1979، ص347.
[14]شاكر مصطفى سليم : مرجع سابق، ص161.
[15]، راجع ويكيبيديا الموسوعة الحرّةhttp: //or. m. Wikipédia. orgتحت عنوان: ينّاير (شهر)،09/11/2016على14:54 سا
[16]محمد بن رمضان شاوش، باقة السوسان في التعريف بحضارة تلمسان عاصمة دولة بني زيان، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،ط1. 1995، ص378.
[17]سمير زمّال، صفحات من تاريخ تبسّة، دار هومة للطّباعة والنّشر والتّوزيع، الجزائر، د ط، 2013، ص 15/ 21 / 109. بتصرّف
[18]المرجع نفسه، ص208.
[19]مها عيساوي، مجلّة التّراث، مدينة تبسّة في العصور القديمة، ص 31.
[20]نهى الزيني، أيام الامازيغ اضواء على التاريخ السياسي الاسلامي، دار الشروق ، القاهرة، مصر، ط1، 2011، ص 11/ 12 / 15 (بتصرف)
[21]جان كوبان، المسح الاثنولوجي الميداني، ترجمة جهيدة لاوند، معهد الدراسات الاستراتيجية، العراق، ط1، 2007، ص 114
[22]عبد الكريم بركة، طقوس الاحتفال بالمناسبات والأعياد بشمال افريقيا، مجلة الثقافة الشعبية، العدد 19، ارشيف الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، البحرين، ، 2012، ص 97.
[23]Kamal Chehrit ,Les Chachnaq ; Pharaons Berbères d’Egypte, Alger – Livres Editions , Alger ,2016, p 12.
[24]عبد العزيز فيلالي، بحوث في تاريخ المغرب الاوسط في العصر الوسيط، دار الهدى للطباعة والنشر، عين مليلة، الجزائر، ج1، 2014، ص 161.
[25]اكرم نزار، هكذا يحتفل الجزائريون براس السنة الامازيغية، الرابط: http:// www.echouroukonline.com 09/11/2016على 15:31سا
[26]المرجع نفسه، ص 251.
[27]المخبرة الحاجة وريدة مراح، 79 سنة، مربية، امية، ريف بئر القوسة، بلدية الماء الابيض، 12 /01/ 2017. على السّاعة 14.30 سا
[28]عبد الرحمان بوزيدة واخرون، قاموس الاساطير الجزائرية ، المركز الوطني للبحث في الانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، وهران،الجزائر، 2005،ص 65.
[29]روني باصي Renet Basset، أبحاث في دين الامازيغ، ت حمو بوشخار، الناشر دفاتر وجهة نظر، ط1، 2012، ص 13.
[30]شاكر مصطفى سليم، مرجع سابق، ص 788.
[31]Bourdieu pierre. Le sens pratique. Minuit .Paris. 1980. p 88
[32]مقابلة مع السيدة فطوم ، 50سنة، مربية وامية، ريف بئر القوسة، بلدية الماء الابيض ، بتاريخ 11جانفي 2018 على الساعة 15.30سا
[33]طيلب نسيمة، الابعاد الاسطورية للطقوس الاحتفالية في منطقة القبائل بالجزائر، رسالة ماجيستير، كلية العلوم السياسية والاعلام، جامعة الجزائر 3، 2010- 2011، ص164.
[34]شاكر مصطفى سليم، مرجع سبق ذكره، ص 824.
[35]Edmond Doutté, Magie & Religion dans l’Afrique du Nord, Alger, 1909, P 85.
[36]المخبر الحاج احمد، 87 سنة، فلاح، امي، ريف بئر القوسة، بلدية الماء الابيض، تبسة، بتاريخ 11 /01/ 2018 على الساعة 15.00 سا
[37]ايفانز بريتشارد، الأناسة المجتمعية ديانة البدائيين في نظر الإناسيين، ت حسن قبيسي، دار الحداثة للطباعة والنشر ، بيروت ط1، 1686، ص 220.
[38]M. chebel, Dictionnaire des Symboles musulmans, Albin Michel, 1995, p 376 / Song
[39]Marian Berlewi, Dictionnaire des Symboles, Seghers, France, P 140.
[40]روني باصي، ت حمو بوشخار، مرجع سبق ذكره، ص 14 / 16/ 17 بتصرّف
[41]المخبرة الحاجة رحيلة بوزيدة. (سبق التعريف بها)
[42]سمير زمال، مرجع سبق ذكره، ص 168.
[43]المخبرة الحاجة سبيكة عبد المالك، 70 سنة، مربيّة، منطقة عين ببّوش، بلدية المزرعة، تبسة، بتاريخ 13 /01/ 2017 على 13.30سا
[44]المخبرة الحاجة رحيلة بوزيدة. (سبق التعريف بها)
[45]لطيفة دوش، راس السنة الامازيغية بين الطقوس الاحتفالية والرمزية السياسة، ص 2 / 3 . (بتصرف) الرابط http://www.hespress.com
[46]طيلب نسيمة، مرجع سابق، ص 162
[47]المخبرة الحاجة سبيكة سيق التعريف بها
[48]المخبر الحاج غرماس بلقاسم بن حفيّظ، 70 سنة، فلاح، منطقة عين ببوش، المزرعة، بتاريخ: 13 /01/ 2017 على 15.30سا
[49]ايفانز بريتشارد، مرجع سابق. ص 207.
[50]طيلب نسيمة، مرجع سابق، ص 119.
[51]جيمس فريزر، ‘ادونيس او تموز ‘دراسة في علم الاساطير والاديان الشرقية، ت جبرا ابراهيم، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 1982، ص15.
[52]محمد عباس ابراهيم، الثقافة الشعبية الثبات والتغير، دار المعرفة الجامعية للطباعة والنشر والتوزيع، الاسكندرية، مصر، 2009، ص
[53]شمس الدين الكيلاني، رمزية المقدس الروحية، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005، ص 10 / 11 ( بتصرف)
[54]كلود ليفي ستروس، الانثروبولوجيا البنيوية الجزء 2، ت مصطفى صالح، منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي، دمشق، 1983، ص 292