
النّقد النّسوي في تلقي التّحليل النّفسيّ الفرويديّ
د.علي كامل علي الشّريف/ جامعة زايد، الإمارات العربية المتحدة
Feminist criticism and Psychoanalysis “Sigmund Freud” an example
Dr.Ali Kamel Ali Al Sharef
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 52 الصفحة 73.
ملخص :
تتناول هذه الدراسة شكل التّفاعل النّقدي النّسوي، مع التّحليل النّفسيّ عند عالم النّفس النّمساويّ “سيجموند فرويد” (1856- 1939)، وقامتْ الدراسة بتوطئة وثلاثة محاور: تناول المحور الأول: أطروحاتِ فرويد في الأنوثة، وتناول المحور الثاني: تلقي مفكرات النّسوية لهذه الأطروحات، وشكل أليات الدفاع المطروحة أمام التّحليل النّفسيّ والتّصديّ له. أمّا المحور الأخير: فتناول فكر النسويات ممن دافعن عن فرويد. ويمكن القول، إنّ هذه الدّراسة تميط اللثام عن طبيعة الفكر النّسويّ.
الكلمات الدالة: التّحليل النّفسيّ،النّقدالنسوي ،سيجموندفرويد.Abstract:
This study deals with the form of women’s critical interaction with the psychological analysis of the Austrian psychologist Sigmund Freud (1856-1939). The study focused on the three axis. The first topic dealt with Freud’s treatises on femininity. The second axis dealt with women thinkers, defense against psychological analysis and response to it. The last axis deals with the thought of feminists who defended Freud. It can be said that this study reveals the nature of feminist thought. Key words: Psychoanalysis,Feminist criticism, Sigmund Freud.
توطئة:تعدُّ الدّراسات النّقدية النّسوية من إفرازات الخطاب ما بعد الاستعمار (الكونيالية)، والتي أخذت تتفيأ بظلال النقد الثقافي في تسليطه الضوء على الممارسات الثقافية، وعلاقتها بالسلطوية. الأمر الذي أفضى بهذه الدراسات إلى مساءلة تلك الممارسات نفسها، ومحاولة ردم الحدود التي رسمتها لا سيما حول قضايا المرأة.
وعلى الرغم من أن بعض النقاد يشككون بالنقد النسوي، إلا أن فلسفته مارست تأثيراً قوياً على الساحة النقدية، تبعاً للصراع النقدي الذي مارسه مع مختلف الاتجاهات، والتيارات. كان من أبرزها وقوفه في وجه الهيمنة البطريركية التي قدمت للرجل إمتيازات على حساب المرأة، وتصديه كذلك لنظريات التحليل النفسي بشكل خاص، إضافة إلى دخوله في متاهات الكتابة والاختلاف والجسد والجنوسة والنوع. وهو ما شكل فيما بعد ملامح الخطاب النقدي النسوي.
تحاول هذه الدراسة تتبع إشكاليّة الجدل الواقع في النّقد النسوي في تلقيه للتحليل النفسيالفرويديّ، ويرتكزمنهج الدراسة على البعد التاريخي في معاينة الأطروحات النسوية، وموقفها من التّحليل النّفسي حول الأنوثة عند فرويد، والإطار التحليلي للقراءات النسوية في ضوء المعرفة الخلفية حول تلك الأطروحات. كما أن هذه الدراسة لا ترمي إلى تناول كافة أشكال تصدى النقد النسوي لجميع أعلام التحليل النفسي، وإنما تعنى بإبراز شكل التفاعل والتصدي لأطروحات سيجموند فرويد على وجه التحديد.
وأيّاً ما يكون الأمر، فالذي يهمّ في هذه الدراسة هو التركيز على النواحي التي تتطرق إليها تحليل علم النفس حول الأنثى بالدرجة الأولى، لا سيما في الجدل القائم حول الاختلافات بين الجنسين، ولذلك سوف نتتبع النظريات النّفسية والتي هي مثار الجدل، والإشكال. وهي نظريات لا تسير على نسق واحد عند جميع المحليين النفسيين على السواء، غير أن الذي تلقى النصيب الأكبر من الانتقادات هو فرويد باعتباره أبا التحليل النفسي، وصاحب نظريات وصفت بأنها تؤذي المرأة.
النقدالأدبي وعلم النفس: PsychoanalysisLiteracy criticism and
اتجهت الدّراسات النّقدية المعاصرة إلى استثمار منجزات علم النّفس حتى غدا ما يُسمى ((النّقد النّفسانيّ والتّحليل النّفسيّ Psychological and Psychoanalysis Criticism))أحد روافد النّقد الأدبي لا غنىً عنها في دراسة عملية الإبداع الفني للتعرف على نفسية المبدع، ودراسة تأثير العمل الأدبي على نفسية المتلقي.
ظهرت الدراسات النفسية في أواخر القرن التاسع عشر على يد رائد مدرسة التحليل النفسي((سيغموند فرويدSigmund Freud))حيث لاقت أراؤه أصداء واسعة في أوساط المنشغلين بعلم النفس، والطب النفسي، ثم أخذت هذه الدرسات بالتوسع والتطور على يد ممن جاؤوا بعده من مثل:((كارل يونغ Carl Jung))[1]،(( ألفردآدلر Alfred Adler))[2]، و((جاك لاكان Jacques Lacan))[3]، وغيرهم.وعلى مدى السنوات الماضية انتقلت درسات علم النفس خارج نطاقها الطبي لتدخل فيما بعد مختلف العلوم والآداب.
قدم التحليل النفسي للأدب والنقد معيناً لا ينضب حتى غدتْ نُصوصُه نفسُها موضوع تفسير العمل الأدبي، وركيزة معالجة عملية الإبداع الفني لدى كثير من الدراسين أمثال: مصطفى سويففي كتابه ” الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة”، وعزالدين إسماعيل في كتابه ” التفسير النفسي للأدب “، ومحمد النويهيفي كتابه ” ثقافة الناقد الأدبي”، وغيرهممما لا يتسع المقام لذكرهم.
ولعلعباس محمودالعقادكان من أكثر النقاد افتتاناً بالمنهج النفسي، بل وقدمه على سائر المناهج النقدية الأخرى إذ يقول: ” إذا لم يكن بد من تفضيل إحدى مدارس النقد على سائر مدارسه الجامعة، فمدرسة ))النقد السيكولوجي(( أو النفساني أحقها جميعاً بالتفضيل في رأيي وفي ذوقي معاً؛ لأنها المدرسة التي نستغني بها عن غيرها ولا نفقد شيئاً من جوهر الفن أو الفنان المنقود”[4]، ويكفي أن نشير هنا إلى ما قدمه في دراسته أنماطاً نفسية في شخصية الشعراء من الذين تناولهم بالنقد والتحليل؛ فقد درس شخصية الشاعر أبي نواس 459هـ، دراسة نفسية مرتكزًا على التحليل النفسي في فهم مزاج الشاعر الفطري، والإبانة عن طبيعته، وكشف مكنوناتها، فخلص إلى كون الشاعر نرجسيا وعاشقا لذاته بحسب مدلولات علم النفس وتحيلاته.
مقابل هذا الاستيهام نجد من الباحثين مَن يعارض توظيف المنهج النفسي في الأدب والإبداع الفني بدعوى أن هذا التحليل أفضى إلى ” تبني اتجاهات تنظر إلى كل الإبداع الفني بوصفه نتاجاً للاضطرابات النفسية، أو تعويضاً عن الحرمان من الإشباع المستعصي لتلك النزعات اللبيدية المختلة”[5]، كما أن دراسة العملية الإبداعية على حساب الأثر النفسي قد ” مهد الطريق للنظريات التي تعترف بالدوافع الفردية في الوقت نفسه الذي تعمل فيه على وضع هذه الدوافع في إطار التشكيلات الثقافية والسياسية”[6].
ويعدّ محمد مندور ممن حذروا من إقحام علم النفس في النّقد الأدبي، فاستخدامه قد يَذهب بالأصالة الموجودة في العمل الأدبي، كما أن “علم النفس قد يساعد في فهم نفسية الكتّاب، وتحليل الشخصيات الروائية التي يخلقها أولئك الكتّاب، ولكنه قد يضللنا أيضًا في ذلك الفهم، وهذا التحليل”[7]. والرؤية عينها حملها عبدالملك مرتاض، في كتابه الموسوم بـ ” في نظرية النقد”،الذي تحدث فيه عن جملة من المآخذ التي تعترض سبيل ممارسين التحليل النفسي ” كعدم قدرة الأدباء على ممارسة التحليل النفسي، وتطبيقه على النص الإبداعي، لجهلهم بالمصطلحات النفسية، والأدوات الإجرائية. وعدم قدرة علماء التحلسفي القيام بالوظيفة النقدية لجهلهم الوظيفة الجمالية،الفنية الأدبية، واقتفار المنهج النفسي إلى أدوات منهجية، ومعرفية حقيقية، تمكنه من الممارسة النقدية الجادة”.[8] ولعل تعميم جهل النقاد بالمصطلحات النفسية أصبح ضرباً من الماضي، فلم يعد يخفى على أحد الانتشار الواسع الذي لحقبتلك المصلحات في الدراسات النقدية عموما، حتى غدت من مسلمات النقد، كالحديث عن العُقَدِ والنرجسية واللاشعور، وغيرها، وإن لم تشمل جميع المصطلحات إلا أن أكثرها شيوعا أصبحت من مفردات الناقد لاشعوريا.
ومهما يكن من أمره، سيظل التّحليل النّفسي وجهةً مهمةً للنقاد والمتخصصين، لمتعة البحث في العملية الإبداعية،وشق غمار النفس المبدعة، وما يكتنفها من غموض وأسرار.
النقد النسوي: Feminist Criticism
يمثلالنّقد حلقةً مهمةً من حلقات النّقد الأدبي، والتي لا يمكن لأيّ باحثٍ أو متخصصٍ في الدراسات النّقديّة أن يتجاوزها، إذ لايكادالحديث عن هذا النقد يسير بمعزلٍ عن تفاعله مع الاتجاهات النّقديّةالأخرى، فتراه يسعى جاهداً لرسم ملامح نظرية تسهم في تطور الخطاب النسوي، ذلك أن “هذا النقد في العالم الغربي لا يتبع نظرية أو إجرائية محددة، وإنما تتسم ممارسته بتعدد وجهات النظر ونقاط الانطلاق وتنوعها. كما أنه يفيد من النظرية النفسية السيكولوجية والماركسية ونظريات ما بعد البنيوية عموماً”[9]، ولعل التشظي الذي يعتري هذه النظرية يجعلها موضع اتهام بأنها لا تمتلك معالمَ واضحةً تؤهلها بأن تكون ذا نظرية نقدية متفردة، وهو ما يعلل حجم التجاذب بين النسوية. ولعله من المفيد هنا التطرق لبعض المفاهيم التي تدخل ضمن دائرة النقد النسوي لإماطة اللثام عما يكتنفه من غموض.
تقترحالنّاقدة الفرنسية ((توريلموي[10]TorilMoi))في مقال لها بعنوان ((النسوية والأنثى والأنوثة Feminist, Female-feminine))(1989) التمييز بين تداخل المصطلحات، والمفاهيم النسوية على ” أن نميّز (النسوية) على أنها قضية سياسية، و(الأنثى) على أنها مسألة بيولوجية، و(الأنوثة) على أنها مجموعة من خصائص محددة ثقافيًا”[11]، وكون النسوية أكثر شمولية من الأنثوية فإنها تُعنى بالتطبيق النقدي، والنظري الذي ” يلتزم بالصراع ضد الأبوة (Patriarchy)، وضد التمييز الجنسي، وليس مجرد اهتمام بالجنس ( Gender ) في الأدب”[12]، وعلى العموم فإن رحى المفهوم يدور حول دراسة النساء بوصفهن كائنات إنسانية وجدن على نحو مشترك مع الرجال، ويحطّ من الأفكار الخاطئة عن تفوق الذكورة، أو الحطّ من قدر النساء.
ولقد مرّ النقدُ بموجات متعددة في محاولة تأطير شكله النّهائيّ، فكانت انطلاقة الموجة الأولى مع ظهور كتاب ((دفاعاً عن حقوق النساءA Vindication of the Rights of Woman))(1792)، ((لماري ولستون كروفت، Mary Wollstonecraft))[13]،وركزت هذه الموجة على ” المطالبة بحقوق التعليم والعمل وحقوق المرأة المتزوجة بالمكلية وحضانة الأطفال وحق الاقتراع”[14]. وتلتها الموجة النسوية الثانية، وهي الممتدة بين 1960 وحتى نهايات القرن العشرين، ” وفي هذه المرحلة بدأت الحركة النسوية تأخذ طابعًا عالميًايشمل المرأة في جميع أنحاء العالم، وفيها تجاوزت مطلب المساواة واعتمدت النقل العقلاني، وظهرت فيها تيارات ومذاهب عديدة،اعتمدت لغة التحرر من القمع السياسي والاجتماعي والجنسي”[15]. كما ظهرت موجة ثالثة تأثرت بما بعد الحداثة أطلق عليها ما بعد النسوية اعتمدت فلسفتها ” على تحولات ما بعد الحداثة في النظر إلى الذات العارفة من حيث إن لها الدور المحوري في عملية المعرفة، وأضافت إليها بناء على ذلك تأثير الجنوسة أو دورها في عملية المعرفة”[16].
ولعلّنا نجد في تعليق الناقدة ((إليزابيث غروسElizabeth Gross ))ما يوجز القول في شكلالصّراع النسوي منذ بدايته، فتقول:” إنني أؤمن – بعد صراع هام، وممانعة كبيرة غالباً – أن النسوية قد وصلت أخيراً إلى مرحلة أصبحت فيها قادرة على الدفاع عن نفسها من التدخلات الخارجية كالنقد البراني،ومنمواقف أخرى متهمة بالعداء للنسويةAntifeminism،والمركزيّةالقضيبيّة]الذّكوريّة[Phllo Centrism ، والنّزعة البطريركيّةPatriarchalis”[17].وفي هذه الدراسة ما يميط اللثام عن أحد أشكال هذا الصراع ألا وهو: صراعالنسوية مع جماعة التحليل النفسي من الذين اتهموا باطلاق المركزية الذكورية وهو (فرويد).
إشكالية النقد النسوي مع فرويد
أصبحت لغة النسويات، ولغة التّحليل النّفسي على طرفي نقيضٍ؛ حيث تتمحور قضية التّحليل النّفسيّ أساساً – في نظر النسوية – حول مشكلة التّذكير والتّأنيث. لا سيما منذ بداية طرح سيغموند فرويد ما أسماه بلغز طبيعة الأنثى، وتعدُّ ” العلاقة بين النظرية الفرويدية والنسوية علاقة إشكالية، لأن اهتمامه باكتساب النوع – أي اكتساب خصائص الذكورة أو الأنوثة – أدى به إلى وضع نظريات عن الميل الجنسي لدى المراة مبنية على فكرة الافتقاد “[18]، وهنا ينبغي علينا أن نطرح السؤال الآتي: ما الذي صدر من فرويد لتقوم عليه قائمة النسويات؟
حول هذه الإشكاليةكتب ((بير داكو Pierre Daco))في كتابه ((المرأة بحث في سيكولوجيةالأعماق LES FEMMES et Leurs psychologies profondes))(1999)، مقالاً تحت عنوان ” فرويد: من سوء حظ المرأة“، باعتباره صاحب نظريات لطالما كانت تؤذي المرأة فيقول: ” إن المرأة قد أصبحت ((مشوّهة)) بمرسوم علمي: إنها ضرب من نصف موجود، وضرب من رجل غير تام، محكوم عليها بالضغينة إزاء وضعها، ولاغيرة إزاء الرجل”[19]، في إشارة إلى نظريات فرويد العلمية التي جعلت من المرأة كائناً مشوهاً بمقتضى هذا المرسوم الفرويدي.
ويبدو من خلال أطروحات النّاقدات النسويات أن هناك جملةً من الأمور والقضايا أثارها فرويد حول الاختلاف الجنسي دفعت بهن نحو تقويض المشروع الفرويدي، ” فقد ظهر هذا النقد ليتحدى رأيه ] أي فرويد [ المثير للجدل بأن الهويّة الأنثويّة تتميز بالسّلبية وخصوصاً بمشاعر الغيرة من العضو الذكري، وهو إحساس يلازمها مدى الحياة، ] بأنها [ ذات هوية دنيا، وأنها ناقصة من الناحية الجسمانية “[20].
ولا يهم هنا الوقوف على جميع النظريات الفرويدية في علم التحليل النفسي، بقدر ما يهم تسليط الضوء على النظريات التي أفرزت الجدل النسويّ تجاهه. ذلك أن النسويات لم يلتفتن إلى انتقاد فرويد ونظرياته التي تطرق إليها في بداية تحليلاته النفسية؛ حيث إن ” دراسات فرويد المبكرة كانت في ((الهستيريا))، و((تفسير الأحلام))، واللتان لا تعتمدان على التمييز بين الجنسين، أو النظريات التي حركت النسويات ضده فيما بعد “[21]لذلك فإن البعض منهن يتفقن – عموماً – مع الخطوط العريضة لنظرياته في المرحلة التي تسمى (( بالمرحلة ما قبل الأودبية ))، ولعل هذا ما يفسر تقسيم التحليل الفرويدي إلى ثنائية ((المرحلة الأودبية ، وما قبل الأودبية ))، وعند هذه النقطة قد يكون من المفيد أن نلخص بإيجاز وصف فرويد لعلاقة التمييز بين الجنسين،”المرحلة الأودبية”، باعتبارها القضية الجوهرية التي تمس المرأة.
نظريات فرويد في المرأة
يمثل الحديث عن المرأة أحد المحاور الرئيسة الأساسية للدراسات النفسية عند فرويد، وهو إذ يُقر في مستهل حديثه عن (نفسية المرأة) بحقيقة أن هذا الموضوع مسلكه وعر، وأنه لغز عصي على التّحليل النّفسي حلّه، فيقول: إنّ” علم النّفس ليس في وسعه أن يحل لغز الأنوثة، وأن الحل لا بد أن يأتي من ناحية أخرى غيره”[22]، ثم يبدأ بتحليل هذه النّفسية ليصل إلى نتائج أثارت حفيظة النسويات، ومناط معاناة النساء، وسخطهن عليه، والتي يمكن إجمالها في العلاقة بين الجنسين من نحو: عقدةأوديبOedipus complex، عقدة الخصاءCastration complex ،وحسد العضو الذكري أو (الافتقاد)Penis Envy.
- عقدة أوديب Oedipus complex
يرى فرويد أن التشكُّل الأوديبي للطفل يبدأ في مراحل حياته الأولى، فيقول: ” إن أول موضوعٍ لحب الصّبي هو أمه، وإنه يبقى متعلقاً بها أثناء تكون عقدة أوديب، بل ويبقى حبها ملازم له طول حياته، كذلك الحال عند البنت الصغيرة، فأول موضوعٍ لحبها هي الأم، أو من يقمن مقامها: كالحاضنات، أو الخادمات، وغيرهن”[23].في حين أنّ هذا التعلق بالأم سرعان ما ينتهي بالزوال، ليحل محله التعلق بالأب وهي المرحلة الثانية من التعلق، حيث ” يصبح الأب موضوع حب البنت الصغيرة في الموقف الأوديبي، ولكن يتم نموها بصورة سوية، يجب أن يتحول موضوع حبها موضوع اختيارها الأخير. وهكذا يتعين على البنت إبان نموها أن تغيير موضوع حبها، ومنطقتها الشهوية جميعاً، في حين يحتفظ بها الصبي دون أن ينالها تغيير”[24]، فأساس عقدة أديب موجود في رغبة الطفل، وليست نتيجة إغراء أمومي.
- عقدة الخصاء Castration complex
يعزو فرويد هذا التحول من الأم إلى الأب إلى ما أسماه ” بعقدة الخصاء “، وهو ما كشفه التحليل النفسي من ” أن البنت ترى أن أمها هي المسؤولة عن حرمانها من العضو الذكري، فهي لا تغفر لها هذا الحرمان إطلاقاً “[25]البنت الصغيرة “تكتشف” أنها قد “أخصيت”، وتلوم أمها على ذلك، وتتحول إلى أبيها كموضوع بديل للحب. وهذا يبني الهوية المؤنثة السلبية “الطبيعية” للبنت، ولكنه يقاسم الطفل الذكر في هذه العقد، إلا أنه يرى أنها تفوق في الأنثى، فيقول:” من هذا ترون أننا نعزو إلى الأنثى ” عقدة الخصاء ” كما نعزوها إلى الذكر. ولدينا أسباب قوية لذلك، غير أن مضمون هذه العقدة عند البنات يختلف عن مضمونها عند الأولاد. فهي تتكون عند الصبي بعد أن يطلع على الجهاز التناسلي للأنثى فيرى أن القضيب – وهو عضو له قيمة كبيرة في نظره – ليس جزءاً لازماً في كل جسم إنساني “[26]. واللافت للأمر هنا أن فرويد يعطي قيمة للعضو الذكري باعتباره عضواً ظاهراً على خلاف الجهاز التناسلي الأنثوي.
- حسد العضو الذكري (الافتقاد): Penis Envy
يجد فرويد أن عقدة الخصاء تؤدي إلى مشكلة أخرى تتمثل فيما يسمى عنده بالحسادة، وهما عقدتان مرتبطتان مع بعضهما بعض، فيقول: ” كذلك تنشأ عقدة الخصاء عند البنت عندما تطلع على الأعضاء التناسلية للجنس الآخر، إذ ذاك لا تلبث أن تلحظ الفارق وأن تفطن أيضاً – وهذا ما يجب أن نسلم به – إلى ما ينطوي عليه من دلالة. ومن ثم تشعر بما لديها من قصور شعوراً عميقاً وكثيراً ما تصرح بأنها تود أن يكون لها “شيء مثله” وهكذا تقع فريسة ما يسمى “حسادة القضيب”، وهي حسادة تترك في تكوين خلقها وفي نموها آثاراً لا تمحى، ولا يمكن التغلب عليها حتى في أنسب الظروف إلا بعد بذل عناء نفسي كبير”[27]، ومن هذا التصور وجدت أكثر النسويات أنه ينطوي على امتهان كبير للمرأة، كما سيظهر لاحقاً من خلال أطروحات النسويات الرافضات لنظريات فرويد، وهو عنوان المحور التالي.
النّقدالرافض لنظريات فرويد:
حاولت منظراتومنظرو النسوية في غير موضع تناول تدخل التحليل النّفسي في مسألة ” المرأة ” باعتبارها قضية استفزتهم بقدر كبير، في الوقت الذي أشار الكثيرون منهمإلى إفادة النسوية من النظرية النّفسية السّيكولوجية، ومن الجدير بالذكر هنا أن مفكرات ومفكري النسوية تصدوا للأفكار التي حطت من شأن المرأة ورسخت الصورة النمطية لها؛ بدءًا من ” أفلاطون الذي يصنف المرأة في درجة دنيا مع العبيد والأشرار والمخبولين والمرضى، إلى الفلاسفة المتأخرين مثل (ديكارت) من خلال فلسفة الثنائية التي تقوم على العقل والمادة: فيربط العقل بالذكر، ويربط المادة بالمرأة، مرورًا بـ (كانط) الذي يصف المرأة بأنها ضعيفة في تكوينها ككل، وبخاصة في قدرتها العقلية، وانتهاءً بـ (جان جاك روسو) الذي يقول: إن المرأة وجدت من أجل الجنس، ومن أجل الإنجاب فقط “[28]. وبالنسبة لفرويد، فإن الأمر مختلف تماما؛ ذلك أن التصدي له أحدث تصدعاً في صفوف النسويات كان من إفرازاته أن سار خطابهن على مسارين: الأول يعارضه، والثاني يؤيده.
طرحت الناقدة ((بيتي فريدان Betty Friedan ))[29] في كتابها((اللغزالأنثويFeminine MystiqueThe))(1921)ما أسمته بـ “الأنانة[30] الجنسية لسيغموند فرويد“، باعتباره أعاد التحيزات القديمة التي تمارس ضد المرأة على السّاحة من جديد، في كون ” النساء حيوانات، أدنى من البشر، غير قادرات على التفكير كالرجال، وُلدن فقط لتغذية الرجال وخدمتهم”[31]؛وهي إذ ترى أن الفكر الفرويديّ المتعلق بجانب الأنثى قاد ” النّساء والذين درسوا النّساءإلى سوء تفسير إحباط أمهاتهن واستياء آبائهن وأخواتهن وأزواجهن، وعدم اكتفائهن وانفعالاتهن الخاصة الممكنة في الحياة “[32]. وقي الواقع أن من يرجع لما جاء به فرويد لا يجد مثل هذه الادعاءات، بل إن تناوله كان على أساس الغرائز الكامنة في تحديد العقد النفسية التي تزيد عند المرأة أكثر من الرجل، وإن لم يخلو الأمر من كليهما معاً.
وفي مقابل سوء التفسير الفرويدي تجدُ فريدان أنه ليس أمام المرأة سوى القبول بهذا القصور؛ ذلكأنها لا تتجرأ أن تشكَّ بالحقيقة الفرويدة، فـ ” طبيعة الفكر الفرويدي نفسها تجعله عملياً غير قابل للجدل، فكيف يمكن لامرأة أمريكية متعلمة – ليست هي نفسها محللة – أن تتجرأ على الشك بالحقيقة الفرويدية؟”[33] والحقيقة أن الفكر الفرويدي لم يكن بمعزل عن الانقادات حتى من أقرب الناس إليه؛ فقد شهدت مدرسته كثيرا ممن عارضوه وانشقوا عنه سواء أكانوا من تلامذته أم من غيرهم.
ورغم تأكيدها على عبقرية فرويد واكتشافاته وإسهاماته التي قدمها للثقافة وتأثيره النفسي، إلا أنها لا ترى الجدوى من تطبيق نظريته عن الأنوثة على نساء اليوم[34].ثم لا تفتئ فريدان تتعقب مغالطات فرويد حتى تنحى منحى آخر يأخذ الطابع الشخصي، فتتهمه بأنه أسير ثقافته في تحليلاته النفسية؛ ذلك أن ” فرويد كان مراقباً حاد الإدراك ودقيقاً للمشاكل المهمة في الشخصية الإنسانية، لكنه كان في وصف تلك المشاكل وتفسيرها أسير ثقافته، وفي حين كان يكون إطاراً جديداً لثقافتنا، لم يتمكن من التخلص من إطار ثقافته “[35]. كما أنها تذهب إلى أبعد من ذلك حيث ترى أن فرويد عاش في زمن يكثر في ” النفاق الثقافي “[36]، وتضع فريدان فرويد على كرسي التحليل النفسي لتبدأ رحلة البحث في تاريخه المليء بالعقد، والتي شكلت فيما بعد أسس نظرياته النفسية، فنظرياته إنما بُنيت “على ضوء حياته الخاصة”[37]. وهي بهذا إنما تجعل من فرويد هو الآخر مصاباً عصابياً، فجاءت تحليلاته وفق حياته الخاصة المليئة بالعقد.
وأخيراً تتوصل فريدان إلى نتيجة مفادها ” حتى إذا اعتبر فرويد ومعاصروه النساء أدنى شأناً بحكم الطبيعة النهائية التي منحها الله لهن، فإنّ العلم اليوم لا يبرر هذه النظرة الآن. فنحن نعرف الآن، أن سبب تلك الدونية هو قلّة تعليمهن وحجزهن في البيت. اليوم، قد أثبت العلم مساواة النساء للرجال في الذكاء، وظهرت قدراتهن المساوية لهم في كل مجال عدا القوة العضلية الصرف، فإن نظريةّ تقوم بوضوح على دونية المرأة الطبيعية ستبدو سخيفة وزائفة. لكن يبقى ذلك أساس نظرية فرويد عن النساء، على الرغم من قناع الحقيقة الجنسية الخالدة التي تخفي تفاصيلها اليوم”[38].
وتحاول الفيلسوفة الفرنسية الوجودية ((سيمون دي بوفوار[39]((Simone de Beauvoirالإجابة على السؤال الذي يشغل بال الكثيرين: لماذا تكون المرأة الجنس الآخر؟ وذلك من خلال الحفر العميق في معرفة ما فعلته الإنسانية بالأنثى البشرية، ويأتي الحديث عن دور علم النفس التحليلي، وما قدمه للأنثى في طليعة كتابها ((الجنس الآخرThe second Sex))(1949)،بطرح السّؤال الآتي: ماذا يقول علم النفس التحليلي؟ أي في المرأة.
تبدأسيمون نقد فرويد من خلال المفاضلة بينه وبين (( آدلرAdler)) ، فترى أن تحليلات فرويد في علم النفس جانبت الصّواب، على العكس من تحليلات آدلر التي وجدت في نظرياته علامات القبول والرضا، فتقول: ” على حين يعزو فرويد تطور الحياة الإنسانيّة إلى الغرائز فقط، فإنَّ آدلر الذي انشق عليه، يأخذ بعين الاعتبار الشّخصية الكليّة، وبينما يرى فرويد أن السّلوك بمجموعه ينجم عن الرغبة، أي البحث عن اللذة، فإن آدلر يرى أن الإنسان يضع نصب عينيه بعض الأهداف، ويفسح آدلر للذكاء مجالاً واسعاً بحيث لا يكتسب العامل الجنسي عنده في الغالب سوى قيمة رمزية “[40]، ولعل في كلام سيمون هنا ما يثير القبول نظرا لما لاقته نظريات آدلر من قبول الكثيرين.
من جانب أخر فإن دي بوفوار ترضى بالطرح الذي قدمه (آدلر) بما يتعلق بقضية “مركب النقص” تجاه المرأة باعتباره شكلاً من أشكال الرفض المخجل لأنوثتها، وليس بسبب حرمانها من صفات الذكورة كما يظن فرويد، بل مجموع الوضع،[41] وترى سيمون أن الإحساس بالتفوق لدى الذكور مرده ” أن المكان الذي يحتله الأب في الأسرة والأفضلية العامة للذكور والتربية كل شيء يوطد فيها فكرة تفوق الذكور”[42].إن في تأثير الثقافة وقيود المجتمع ما يأتي عن طريق الذاكرة، واللاوعي الجمعي، ولا أحسب أن لفرود يداً في ذلك.
وفي الإشارة إلى جوهر الضعف لمدرسة التحليل النفسي، فإن سيمون تشير إلى مسألة وضع المرأة في دائرة القيم بدلاً من تصنيفها ضمن دلالات الغريزية حيث ” يرفض أصحاب مدرسة التحليل النفسي رفضًا تامًا فكرة ((الاصطفاء))، و((مفهوم القيمة)) المرتبط بها، هذا هو الضعف الداخلي لهذه المدرسة، وبما أن فرويد يفصل بين الدوافع وبين الاصطفاء الوجودي، فإنه يفشل في تفسير منشئها ويعدّها كمعطيات”[43].
وترفض سيمون أن تنعت المرأة بالأنثى كونه أحد إفرازات مدرسة التحليل النفسي، لما يشوب المصطلح من قصور في المدلول، فتقول: ” لا يكفي القول إن المرأة هي أنثى، ولا يمكن أيضًا تعريفها على أساس الشعور الذي يتملكها بأنوثتها، إنها تشعر بأنوثتها ضمن مجتمع هي أحد أعضائه. إن لغة التحليل النفسي ذاتها باستقطابها كل الحياة النفسية، توحي بأن مأساة الفرد تجري ضمن ذاته: هذا ما تفرضه كلمات: عُقد، ميول … لكن الحياة علاقة بالعالم، وأن الفرد يحدد بما يصطفيه لنفسه”[44].
وعلى حدّتعيبرها فإنه ينظر إلى المرأة ” ككائن إنساني يبحث عن القيم ضمن عالم من القيم، ضمن عالم لابد من معرفة تكوينه الاقتصادي والاجتماعي، لذلك نحن ندرس المرأة من زاوية وجودية من خلال وضعها الكلي”[45].
فالمسألة إذن، عند دي بوفوار تكمن في التركيز الفرويدي على الغريزة واللذة والجنس في تحليلاته النّفسية، في حين أنها قيم رمزيّة كما بيّنها آدلر، وهذا ما جعل دي بوفوار ترى ” أنَّ مدرسة التحليل النّفسي تفشل بصورة خاصة في أن تفسر لماذا تكون المرأة الجنس الآخر”[46]، وبالتالي فإنها ترفض طريقة التحليل النفسي بناءّ على هذا القصور، مع اعترافها بأن بعض ملاحظاتها ذات نفع.
وفي كتاب آخر لها بعنوان ” كيف تفكر المرأة ” ترفض سيمون في تضاعيفه تحت عنوان: ” كذب نظريتي أدويب وإلكترا “، في إشارة واضحة إلى فرويد، وترى أن التسليم بنظريتيه ضرب من الخيال العقيم لا يمكن للعقل أو المنطق قبوله أبداً، وكل ” من يكتب دون وعي عن الغيرة ونسبتها إلى عقدة إلكترا أين كانت الغيرة قبل وجودهما – أي أديب وإلكترا – إلا في خيال من اخترعهما؟ وإذا كانت الغيرة حديثة العهد ولم نعلمه إلا من حياة هذين التعيسين، فلماذا قتل هابيل أخاه قابيل بدافع الغيرة؟ لقد سبق وجود هذين الرجلين كلا من وجود إلكترا وأوديب بالآف السنين “[47].
وتعزو دي بوفوار عقدتي أديب وإلكترا إلى إحساس المرء بالغيرة، ذلك أن ما ” ينسف هذه النظرية من جذورها ويبعثرها في مهب الريح أن الغيرة لها رد فعل دائما في ثلاثة محاور: الغيور، وموضوع الغيرة، وسبب الغيرة؛ بمعنى إذا أحب رجل امرأة وكان هناك منافساً له فغيرته تشمله وترد فعلها على المرأة، والرجل معاً، وهما موضوع وسبب غيرته على التوالي”[48].
وأخيراً ترى سيمون أن هذه الغيرة جزء أساسي من مكونات النفس البشرية ومتتم لها،ولا يمكن الاستغناء عنها، وأن ” عاطفة الأمومة والأبوة قوامها الحب الصادق وغذاؤها التضحية دون النظر لمبدأ المعاملة بالمثل، وتأبى هذه العاطفة النبيلة السماح للغيرة بالعبث بها والتدخل في عواطف هؤلاء المحبين؛ لأن الغيرة منافية للحب، يستحيل أن تتفق معه أو أن تتولد عنه أو حتى تعيش معه”[49].
وتستند ((كيت ميلتKate Millet))في كتابها ((السّياسة الجنسيةSexual Politics))(1969)،إلى الاعتقاد بأن نظريات فرويد النفسية أثرت بشكل كبير في توجيه السّياسة الجنسية المعادية للمرأة؛ ففي مقال لها بعنوان (( فرويد وتأثير الفكر النفسيFreud and the Influence of Psychoanalytic Thought )) ترى ميلت أن فرويد شكل أكبر قوة معادية للفكر الجنسي، فاق معاداة السّياسة البطريركية والسّلطة الأبوية[50]. لذلك فإن الثورة المضادة التي قامت على الثورة الجنسية لم تكن وليدة الإحساس بالضغوط والقمع تجاه المرأة بالقدر التي جاءت نتيجة كون الثورة الجنسية لم تأت لتحرير ” الأنثى الإنسانة” من التبعية التقليدية. وإنما جاءت في خدمة الموقف المعادي لهذه الثورة بقوة، وأنّ الآثار والنتائج التي جاءت بها نظريات فرويد كانت صادمة ومؤسفة ومبتذلة أكثر من نوايا فرويد نفسه. لقد كانت في معاداة الحركة النسوية ولا يخلو الأمر من في ذلك من مسؤولية فرويد.[51]
وترى ميلت أنه في الوقت الذي دامت فيها أبحاث فرويد على مدار ثلاثين عاماً إلا أنه فشل في التوصل لمعرفة حقيقة ” ماذا تريد المرأة ؟ “، ورغم هذا فإنه مضى قدماً في بناء علم النفس ودراساته على المرأة،[52] ثم تذهب ميلت إلى فرضية التسليم بصحة نظريات فرويد حول المرأة، غير أنها تظل تتساءل حول علة تفوق الذكورة على الأنوثة، ومصدر القوة التي دفعت مثل هذه الأفكار في التحليل النفسي.[53] ولعل في مسألة تفوق الذكورة – تفوق رمزي – ما يجانب الصواب؛ ذلك أن التفوق لم يكن حكراً على جنس دون آخر، والذاكرة تزخر بالتفوق لكلا الجنسين.
وتجد ميلت أن فكرةفرويد في كون الأنثى كائناً مشوهاًولدت ومن أصل ذكوري نابعة من قوة الثقافة المسيطرة آنذاك، والتي يوجهها المجتمع الأبويالذي لم يفوت الفرصة في الاستثمار في الظواهر البيولوجية وحتى علم التشريح ليدعم مزاعمه باعتباره قوة رمزية، يماثل هذا المنحى فكرة الاضطهاد العرقي القائم على مولد الطفل الأسود في مجتمع عنصري أبيض يستثمر لون البشرة كقيمة رمزية في سبيل ترسيخ مبدأ التفرقة.[54] ففرويد في نظرها التحق بركب من سبقوه ممن أساءوا للمرأة من سلطتي الثقافة والمجتمع، ولكنه جاء بنظريات تماثل ما جاء به أصحاب السلطة، ولكنها أشد تأثيراً.
وقد انتقدت((جيرمين غريرGermaine Greer))[55]في مقالٍ عنوانه تهكمي وهو ” البيع السيكولوجي“،نظرية التحليل النفسي–بشكل عام – في كتابها ((المرأة المخصّية The Female Eunuch)) (1970)،فبينت جيرمين أن إرشاد المحللين النفسيين – الأبوي في نظرها- لم يفهم طبيعة المرأة، وإن نتائج إرشاده مشكوك فيها؛ غير أن المرأة لا تمتلك سوى التكيّف معها؛ لأنها لا تمتلك أي أمل في تغييرها.[56] بل وترى أن إقبال المرأة على التحليل النفسي يعود عليها بالنتائج السلبية تفوق خطر تحيّز المجتمع تجاه المرأة، فتقول: ” المرأة التي تقبل توصيفات التحليل النفسي لها ولمشكلاتها تجد نفسها أمام أخطار محدّدة أكبر بكثير من آثار التحيزات الشخصية لدى النصف الآخر من المجتمع”[57]. وكغيرها من الناقدات النسويات فإن (جيرمين) تقدم توصيفا للمسار المأساوي الذي رسمه فرويد للمرأة، والذي تفتقر فيه إلى القدرة على تغيره.
وبسخرية مردّها الإحساس بالألم تهاجم جيرمين فرويد–بشكل خاص – باعتباره صاحب نظريات التحليل النفسي القاصرة، فتقول ساخرةً: ” فرويد أبو التحليل النفسي، لكن التحليل النفسي ليس له أم، وهو ليس والده الوحيد “[58]. في إشارة إلى عبث المحللين النفسيين وضلالاتهم، وهم كُثر. غير أن التحليل النفسي لم يقتصر دوره على الرجال وحسب؛ فقد عرف الكثير من النسويات اللواتي أسهمن فيه، كـ (آنا فرويد)، و(كارني هورني)، ( ميلاني كلاين) وغيرهن. فهل أصبح استحقاق لقب الريادة الذي استحقه فرويد بأن يكون أبا التحليل النفسي ذنب وتهمة؟
وفي نظر جيرمن فإن علم النفس قدم للمرأة لذة الألم والاضطهاد من نشأتها الأولى، فتقول: ” إن علم النفس، في تقديمه الدور المازوشي على أنه الدور المناسب للمرأة، يعزز التطفيل الذي استمر منذ ولادتها. وهكذا لا تنبثق عذاباتها من فشلها في النمو لتصل إلى الأنوثة الناضجة. لقد مورس عليها من لحظة ولادتها ضغط لتعود إلى الرحم، وقيّدت من ساعتها الأولى إلى مهد، واستمر تقييدها حتى آخر سترة مجانين فرضت عليها”[59].وثمة ملح آخر في انتقاد جيرمين، إضافة إلى التهكم والسخرية، من شأنه دعم هذا الافتراض بأن هنال تحاملاً على فرويد يتمثل بلغة الاستمالة والشاعرية في طرح أفكارها، فتراها تقول: “وما سباق التسلح والحرب الباردة سوى استمرار لروح التنافس والعدوان المذكرين في المجال اللاإنساني لمؤسسات تديرها حواسيب؟! إذا كانت النساء سيتوقفن عن إنتاج الرجال وقوداً للمحرقة الأخيرة، فلا بدّ أن ينقذن الرجال من ضلالات استقطابهم. قد يكون الصراع طويلاً وأكثر إيلاماً حتى من الاستسلام. سيكون صراعًا في الظلام؛ لأن أي معرفة نتبجح بامتلاكها، عملية كانتأم لا، لا تستطيع أن تصف الإمكانية البديلة. فهل يستحق الأمر العناء؟ “[60]إن من يمحص النظر في انتقاد جيرمن لا يرى سوى ما يرثي حال المرأة الذي يستند على البرهانالمقنع رغم تخصصها في علم النفس.
على الرغم من منطقية محاجة النسويات لفرويد أحياناً، ومعقوليتها الظاهرة، وعلى الرغم من وفرة الأدلة فيها، فإن سؤالاً من الأسئلة والشكوك ينبري على إثرها هو: هل حقاً كان فرويد في تحليله النفسي معادياً للمرأة؟ وللإجابة على هذا السؤال كان لابد من الاستماع إلى وجهات نظر النسويات ممن دافهن عن فرويد، وهو عنوان المحور التالي من هذه الدراسة.
النقد النسوي وقبول نظرية التّحليل النّفسي
على الرغم من أن بعض الناقدات النسويات يشككن في جدوى التحليل النفسي الفرويدي في فهم طبيعة المرأة، وتحديد ماهية ماذا تكون المرأة؟ إلا أن ذلك لم يمنع الحديث عن إفادة النقد النسوي من النظرية النفسية السيكولوجية، وبرغم ” تأكيدهن على أن التحليل كان أداة من أقوى أدوات تكريس النظام الأبوي، إلا أنهن قررن استخدامه بما يفي بأهدافهن، ومن هنا كان اختيارهن لخطاب فرويد وهو من أهم الخطابات الأبوية، لاستخدامه كأداة لدراسة النظام الأبوي، ونقده بما يمكّن من الفكاك من ثنائية الذكر/ الأنثى التي تحكم منطق هذا النقد”[61]. ظهر اتجاه آخر من النسويات ممن أخذن يدافعن عن التحليل النفسي ورأين فيه ما يخدم أغراضهن. فعلى المستوى الأدبي ” جعلت نقاد الأدب النسوي يستخدمن التحليل النفسي في استجواب الفرضيات المتحيزة ضدة المرأة في النصوص المُؤلفة من قبل الذكور”[62]، وهذا يماثل شأن دراسة النصوص الإبداعية وتحليلها وفق المنهج النفسي بشكل عام.
من جانب آخر، فإن الجدل الدائر حول التحليل النفسي، شكل إفرازاً مهماً من إفرازات تطور الخطاب النسوي، تمثل في الحضور النسوي الذي سعى جاهدا لإضاءة جانب من جوانب معالم النقد النسوي، والذي طالما اتهم بالضبابية، لذلك فإن” وجود مؤسسة التحليل التي دفعت المجال واسعاً للخطاب حول الذات الإنسانية بأبعادها المجنسنة، سمحت بالنقد والاعتراض النظري من قبل النساء والرجال حتى ولو أدى ذلك إلى انشقاقات داخل الحركة التحليلية، أضف أن النساء ساهمن إلى درجة كبيرة بتعديل الخطاب الفرويدي وتنقيحه من الداخل، ليس في خطابهن فحسب، وإنما بحضورهن”.[63]
قدمت جولييت ميتشل Juliet Mitchellرؤية جديدة فيما يتعلق بالتحليل النفسي في كتابها ” التحليل النفسي والنسوية ” (1974) Psychoanalysis and Feminism،لم تُعهد من النسويات اللاتي حاربن فيه فرويد وتحليلاته. تقول ميتشل: ” معظم النسوية تعتبر فرويد عدواً لها، إذ ترى أن التحليل النفسي تبرير للواقع الراهن البرجوازي الأبوي، إلا أن رفض التحليل النفسي وأعمال فرويد قد يكون له تأثير على النسوية… فالتحليل النفسي ليس له توصية لخلق المجتمع الأبوي، ولكنه تحليل له”[64]. وما بين التّوصية، والتحليل بون شاسع؛ فالتوصية ترمي إلى ما يجب أن تفعله المرأة، وما هو متوقع منها فعله. وأما التحليل فقائم على أساس فرضيات علمية ليست اعتباطية.
كما تبرئ ميتشل فرويد من تهمة كرهه للنساء، وترى أن ” التحليل النفسي يزود الحركة النسوية بأدوات هامة لفهم تاريخ الذات، وأن كتاب فرويد لا يحمل كرهاً للنساء، أو يحدد ما هي المرأة أو ما يجب أن تكون، ولكنه في الواقع محاولةقيّمة للحركة النسائية، لتشرع في الاستفسار عن كيف تأتي إلى الوجود”[65]، وعلى هذا الأساس ترى (ميتشل) أن المطلوب هو الإسهام في فهم فرويد، بدلا من عدّه عقبة أو أزمة في تاريخ المرأة.
وتجد ميتشل أن رؤية فرويد للنساء ” هي أكثر إيحائية، وأقل اختزالاً من رؤية المحللين النفسانيين الآخرين من عصره. إذ تعتقد ميتشل أن أولئك المحللين، من بينهم كارن هورني وأرنست جونز، الذين شرعوا بنبل في تعديل رؤية فرويد العدائية للنساء، قد وجدوا أنفسهم يطرحون الاختلاف الأنثوي بشكل أكثر تميزاً بوصفه هوية مستقلة وغير متكافئة، مبررين إيّاه بمفهومي الغرائز والرغبة المجنوسين”[66].
وعلى الرغم من محاولة ميتشل التقريب بين النسويات وفرويد، إلا أن دفاعها عنه ” لم يلق القبول عند العديد من ممثلات الحركة النسائية، فقد أظهرت جين جالوب Jane Gallop أن ميتشل تدين لأفكار لاكان في محاولتها رد اعتبار فرويد، ولكنها تفشل في تعميق الاستخدام الإستراتيجي الذي يقوم به لاكان لعلم اللغة عند دي سوسير”[67].
في الجهة المقابلة لمساعي جولييت ميتشل، تتبعجاكلين روز Jacqueline Roseمساراً مشابهاً في نقدها للنقطة في دفاعها عن التحليل النفسي، وهي إذ ترى أنه اتُّهم بالوظفانية وقد ” قيل هذا لاتهام كنظرية تتعلق بالطريقة التي يتم فيها إقناع النساء نفسياً بالحركة النسوية من قبل ثقافة البطريركية، لكنه اتهم أيضاً بإدامة هذه العملية، إما من خلال ممارسة يفترض أنها “توجيهية” عن دور المرأة (هذا ما يجب أن تفعله النساء)، أو لأن فعالية الأمر من حيث كونه وصفاً (هذا ما هو مطلوب من النساء، وهذا يتوقع منهن فعله) لا تترك مجالاً للتغيير”[68]. إن مفهوم الوظفانية يمكن أن يفهم على خير وجه إذا نظر إليه على أنه يقوم بدور (الوصف)، وهو أكثر فاعلية من كونه توجيهياً، وهذا على غرار مفهوم (التوصية) عند ميتشل الذي رفضته وآثرت عليه التحليل.
وتبدو روز أكثر صراحة من ميتشل بأنها تعترف إذ ترى أن أن النسويات وقعن تحت وطأة الخطأ حين دخلن في نقد فرويد حول رؤيته (التطويرية)، فتقول: ” لذلك أظن أننا نخطئ ثانية إن خضنا السجال حول ما إذا كانت رواية فرويد تطورية أو ليس متوافقة تماماً مع كتاباته الخاصة. وبالتأكيد تظهر فكرة التطور أحياناً في أعماله. لكنها لا تظهر كفاية بالنسبة إلى كثير من معاصريه الذين تولوا المسألة وأعادوا إدخال فكرة التطور في العلاقة مع التقدم الجنسي للفتاة تحديداً (عبورها إلى النسوّة)[69]، وثمة سبب لوقوعهن في هذا الخطأ، وهو انصرافهن عن معاصري فرويد ممن أسهبوا القول في التطوير، وهي مسألة تناولتها جوليا كريستفيا بشيء من التفصيل كما سيظهر لاحقا.
كما ترى روز أنَّ تحامل النسويات على فرويد نابعٌ من اتهامات المحللين النفسيين أنفسِهم؛ ذلك أنّ” التحليل النفسي ليس كياناً مفرداً. لقد طرحت التقسيمات المؤسسية – ضمن التحليل النفسي – الأسئلة المتعلقة بالمركزية القضيبية للمحللين، ومعنى الأنوثة، وسلسة التطور النفسي ومعاييره، والتي كان النسيويون مهتمين بها. وأتت الاتهامات من المحللين أنفسهم، لكن الاتهامات الأولى أنتج لوم فرويد توصيفاً للأنوثة كان أكثر”[70]. وهو ما أفضى إلى إلى سوء فهم فرويد لأمور كثيرة.
وفي الوقت الذي رفضت فيه الحركة النسوية الأمريكية فرويد ونظرياته، قامت الحركة النسوية الفرنسيية بتجاوز نظريات فرويد، ووجدن في التحليل النفسي طريقا لإدراك سبل مواجهة قمع النساء، ” كما ذهبت ((توريلمويTorilMoi))في تحول إلى اتجاهات التحليل النفسي باعتباره نظرية تحريرية للذات، وطريقة لاكتشاف اللاوعي، وهما مسألتان لهما أهمية خاصة في تحليل القمع الذي تتعرض له النساء داخل أي مجتمع أبوي”[71]. من جانب آخر فإن بعض ممثلات الحركة النسوية الفرنسية ” أكدن أن القضيب أو العضو مفهوم رمزي عند فرويد وليس حقيقة بيولوجية”[72] .
وإلى جانب مساعي ميتشل وروز تتخذ ((جوليا كريستيفاJulia Kristeva ))[73]موقفا آخر في الدفاع عن فرويد يعد أكثر موضوعيةً، إذ تطالب النسويات بالتروي، والسعي إلى محاولة فهم قصد فرويد لا سيما في مسألتي: الحسد، والخصاء، بشكل دقيق وواعٍ، دون النظر إليهما كمصدر خوف وريبة؛ ذلك أنهما مجرد فرضيتان، ولمّا يثبتْ صحتهما بعد، وهي إذ ترى أن ” توهم الخصاء، ولازمته (حسد القضيب)، بوصفهما فرضية مسبقة عن (المشهد الأصلي)، كلاهما افتراضيان مسبقان أساسيان للنظرية نفسها، بمعنى أنهما ليست خيالات أيديولوجية من خيالات مخترعها، بل ضرورات منطقية يجب وضعها عند (أصلها)، لشرح ما يعمل دون توقف في خطاب العصابي”[74].
إذن، ما قام به فرويد لا يتجاوز كونه طرح فرضيات ناجمة عن تشكيلات خيالية في خطاب العصابيين، ممن يعانون اضطرابات عصابية نفسية، فلا ينظر إليها على أساس أنها من المسلمات، وإنما على أساس الصواب والخطأ، وهذا من ناحية.
من ناحية ثانية تقارب كريستيفا بين فرضيات فرويد وفرضيات نشوء الكون، إذ لم يثبت صحة الأخيرة، غير أنه لا مفر من قبولها، حيث يمكن ” التعبير عن الأمر بطريقة أخرى، ذلك أن حقيقة الخصاء ليست أكثر صحة من فرضية الانفجار حسب الفيزياء الفلكية الحديثة، فلا شيء يثبته، أي ((أصل الكون))، وهو – بمعنى ما- مسألة إيمان، والفارق الوحيد هو أن عدداً كبيراً من ظواهر الحياة في ((الانفجار الكبير)) هذا، لا يمكن تفسيرها إلا عن طريق هذه الفرضية الأولية”.[75] وعلى أساس هذا فإن ما جاء به فرويد يظل من قبيل الفرضيات المشروعة – وإن لم تصح – لأنها تعطي أقوى التفسيرات المتاحة حالياً.
ومن ناحية أخرى، فإن كريستيفا ترى أن بعض النصوص التي كتبها فرويد جاءت عبر نقولات مأخوذة من النموذج الأصل، العادات، والتقاليد، والموروثات، وغيرها، وهو ما يدعم فكرة الخصاء عنده، وهو باختصار”البناء الخيالي لعملية راديكالية تشكل الميدان الرمزي، وجميع الكائنات منقوشة فيه، وتشكل هذه الإشارات والتراكيب؛ أي اللغة، بوصفها انفصالاً عن حالة مفترضة عن الطبيعة… وهذا ما يجب أن يقوله لنا اكتشاف فرويد حول هذه المسألة”[76]. وهنا يظهر تفرد كريستيفا في مسألة دور نظام اللغة في الترسيخ الرمزي في اللاوعي الجمعي، والثقافي، وهي التفاتة لم تعهد عن سابقاتها ممن آثرن دراسة ما جاء به فرويد على النحو البيولوجي وحسب.
وهنا يمكن القول: إن جوليا كريستفا قدمت ممارسة في تاريخ الأفكار، ليست دفاعيةً، أو تهكميةً، في معالجة تلك الأفكار حول الهوية الأنثوية، ومسألتي الحسد والخصاء، كما أنها قدمت أيضاً أكثر الأطروحات منطقية؛ لاتكائها على التحليل المرتكز على مقدمات تتماهى مع النتائج، والتي لم تصدر أحكاماً مسبقة على فرويد إلا من خلال موضوعية مطلقة جاءت خلوًا من الغلو والإسراف في التحليل، ذلك أنها ناقشت أفكار فرويد، وأطروحاته، في حين انصب نقاش الأخريات على شخص فرويد نفسه.
خاتمة:
قدم فرويد تفسيرات، وتحليلات علمية، من منظور علم النفس التحليلي عن المرأة، وتشكيلات العلاقة بين الجنسين، أثارت موجة من السخط والكراهيةفي أوساط الناقدات النسويات، وهو ما أدى إلى انشقاقات داخل الحركة النسوية.
تجلى موقف الناقدات النسويات من التحليل النفسي الفرويدي في موقفين: تمثل الأول في الرفض التام، بدعوى أنها نظريات تقوم على التّحيز ضد المرأة من جانب، وترفع من شأن الرجل من جانب آخر. غير أنهن لم يتطرقن في مجابهتن للتحليل النفسي لجميع نظرياته، وإنما في الجانب المتعلق بالأنوثة، باعتباره مركز القضية الخلافية.
استنتجت أغلب النسويات أن نظريات فرويد في إظهار صورة الأنثى باعتبارها جنسا مشوها، من أصل ذكوري، ليست من أفكار فرويد نفسه، وإنما من تأثير الثقافة التي عايشها،والمستمدة من أفكاروقيم المجتمع الأبوي. وكأنهن بذلك ينفين كون نظرياته جاءت على أساس التجربة العلمية.
تبين من خلال معاينة الخطاب النسوي الرافض لفرويد وتحليلاته التعالق الوثيق في وجهات نظر النسويات في تحديد فشل فرويد في تحديد حقيقة المرأة، وقصور تحليلاته النفسية، لذا يمكن تسجيل أبرز نقاط النقد والاعتراض الموجه له كالآتي:
- أساء فرويد تفسير طبيعة المرأة، وأن تفسيراته أخذت الطابع الشخصيله.
- أثرت نظريات فرويد في السياسة الجنسية المعادية للمرأة، فاقمعاداة السلطة البطريركية، والسلطة الأبوية اللتين تغذيان الهيمنة الذكورية.
- إن قوة التحليل النفسي مستمدة من النظام البطريركي، ومن تأثير الثقافة التي انعكست على توصيفاتهم في المرأة.
- أصبحت المرأة كائناً مشوهاً بمقتضى مرسوم فرويد العلمي، فهي ضرب من رجل غير تام.
في حين تمثل الموقف الآخر في الدفاع عن التحليل النفسي، كونه يقدم أقوى التفسيرات المتاحة حالياً حول المرأة، وأن ما قدمه فرويد جاء نتيجة تجاربه النفسية والعلمية، وهو بحد ذاته مهم لدفع الخطاب النسوي للحديث عن التفسيرات المتعلقة بالهوية والجنسنة، وهنا، يمكن إجمال ما تحدث به أصحاب هذا الاتجاه في النقاط الآتية:
- لم يقدم فرويد توصية على المرأة، وإنما قدم تحليلاً لها.
- كان تناولُ فرويد (للعضو) من قبيل الرمز، وليس على أساس أنه حقيقة بيولوجية.
- إن ما جاء به فرويد مجرد فرضيات لا تستدعي الخوف والريبة؛ لأنه لا ينظر إليها على أساس أنها مسلمات.
يمكن القول: إن أهمية هذه الدراسة لا تكمن في تحديد موقف النقد النسوي من التحليل النفسي وحسب، بل أيضا في تحديد مسار النقد النسوي نفسه، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات أخرى من نحو: كيف تلقى النقد النسوي المناهج النقدية الأخرى؟ عندها نستطيع أن نرسم حدود هذا النقد الذي طالما نعت بالضبابية.
قائمة المراجع:
- إيجلتون، ماري. (2016). “نظرية الأدب النسوي”. ترجمة عدنان حسن- رنا بشور، ط1، دار الحوار للنشر والتوزيع، سورية. بريستو، جوزيف. (2007). “الجنسانية”. ترجمة عدنان حسن، ط1، دار الحوار للنشر والتوزيع، سورية.
- جامبل، سارة (2002). “النسوية وما بعد النسوية”. ترجمة: أحمد الشامي وهدى الصدة، ط1، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.
- داكو، بيير.(1983). “المرأة بحث في سيكولوجية الأعماق”. ترجمة: وجيه أسعد، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق.
- دي بوفوار، سيمون (2016). “الجنس الآخر”. ترجمة: عبدالله بديع فاضل، ط1، دار الرحبة، دمشق.
- دي بوفوار، سيمون. ” كيف تفكر المرأة”. ترجمة: مكتبة معروف إخوان، المركز العربي للنشر والتوزيع، الإسكندرية.
- دي بوفوار،سيمون.(2009).”المثقفون“. ترجمة: ماري طواف، ط1، دار الآداب، بيروت.
- الرحبي، مي. (2014). “النسوية مفاهيم وقضايا”. الرحبة للنشر والتوزيع، ط١، ٢٠١٤. سوريا.
- الرويلي، ميجان والبازغي، سعد (2002). دليل الناقد الأدبي. ط3، المركز العربي الثقافي، الدار البيضاء.
- رينر، إميج. (2005). ” النقد الأدبي واتجاهات التحليل النفسي “. ترجمة: فاتن مرسي، موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي، المجلد 9، العدد 919، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، مصر.
- سلدن، رامان: “النظرية الأدبية المعاصرة”. ترجمة: جابر عصفور، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة.
- كريستيفا، جوليا. (2015).”مقالات في النسوية”. مجموعة من المؤلفات، ترجمة ضحوك رقية، وعبدالله فاضل، ط1، الرحبة للنشر والتوزيع، سوريا.
- كيه، ويندي. وآخرون. (2010). “النظرية النسوية مقتطفات مختارة”. ترجمة: عماد إبراهيم، الطبعة الأولى، الأهلية، عمان.
- العقاد، عباس محمود(1963). يوميات. دار المعارف، مصر.
- غروس، إليزابيث. (2009). ” الأنطولوجيا والالتباس: سياسة ديريدا في الاختلاف الجنسي “، ثنائية الكينونة: النسوية والاختلاف “، تحرير: نيكول فرمون، وآخرون، ط2، دار الحوار للنشر والتوزيع، سوريا.
- غرير، جيرمن. (2014). المرأة المخصيّة. ترجمة: عبدالله بديع فاضل، ط1،دار الرحبة، دمشق.
- غلوفر،ديفيد. كابلان،كوار. (2008). الجنوسة – الجندر. ترجمة عدنان حسن، ط1، دار الحوار للنشر والتوزيع، سورية.
- فرمون، نيكول. وآخرون. (2009). ثنائية الكينونة، النسوية والاختلاف الجنسي. ترجمة:عمان حسن، ط2، دار الحوار للنشر والتوزيع، سورية.
- فرويد، سيغموند. “محاضرات تمهيدية جديدة في التحليل النفسي”. ترجمة: عزت راجح، دار مصر للطباعة، مصر.
- فريدان، بيتي. (2014). “اللغز الأنثوي”. ترجمة: عبدالله بديع فاضل، ط1، دار الرحبة، دمشق.
- مرتاض، عبد الملك. (2005). في نظرية النقد متابعة لأهم المدارس النقدية المعاصرة وصد لنظرياتها، دار هومة، الجزائر،دط.
- مرعي، أنيسة الأمين. (2010). التحليل النفسي والنساءفي العشرينيات. النساء العربيات في العشرينيات حضوراً وهوية. ط2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
- مندور، محمد. (1988). في الأدب والنقد. نهضة مصر للنشر والطباعة والتوزيع، الفجالة، القاهرة.
- موسى، نبيل. (2002).موسوعة مشاهير العالم، أعلام علم النفس وأعلام التربية والطب النفسي والتحليل النفسي، ط1، دار الصداقة العربية، بيروت.
- موي، توريل. (1993). ” النسوية والأنثى والأنوثة “. ترجمة: كورنيليا الخالد، مجلة الآداب الأجنبية، العدد 74، 1 يناير، سوريا.
- نلوولف، كريستا(2010). ” تاريخ النقد النسوي “. ترجمة: فاتن مرسي، موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي، المجلد 9، العدد 919، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، مصر.
- ولستونكرافت، ماري. (2015). “دفاعاً عن حقوق المرأة”، عبدالله فاضل، وعلي الصارم. ط١، الرحبة للنشر والتوزيع، سوريا.
- Gill Plain & Susan Sellers (2007). A history of feminist literary criticism. First published. Cambridge University Press. Cambridge.
- Kate Millet (2000). Sexual Politics. University of Illinois press. Urbana & Chicago.
- http://www.drhatemalhaj.com/ar
[1]– كارل جوستاف يونغ من أكبر علماء حركة التحليل النفسي، ويعتبر هو وأدلروفرويد الأعمدة الثلاثة الرئيسة في الحركة، وكان فرويد يريده خليفة له على تللك الحركة، إلا أنه رفض ذلك لأنه كان لا يوافقه في نظرية الجنسية. موسى، نبيل، موسوعة مشاهير العالم،، دار الصداقة العربية، بيروت، ج2، 2002، ص471.
[2] – مؤسس علم النفس الفردي (1870- 1937)، ولد في فينيا، من أعماله: ما الذي ينبغي أن تعنيه لك الحياة؟ والصالح الاجتماعي، نفسه، ص18.
[3] – محلل نفسي (1901-1981)، أعاد قراءة أعمال (فرويد)، مما كان له أثر كبير في الدراسات الأدبية، والفكر النسوي، وتمثل آراؤه نواة لنظريات التحليل النفسي المتعلقة بالوعي الأنثوي، والهوية الأنثوية، التي طرحتها النسويات الفرنسيات. جامبل، سارة. النسوية وما بعد النسوية. ترجمة: أحمد الشامي وهدى الصدة، ط1، المشروع القومي للترجمة، المجلس العلى للثقافة، القاهرة،2002. ص 358.
[4] العقاد، عباس محمود: يوميات. دار المعارف، مصر، 1963، ص 7.
[5] رينر، إميج: ” النقد الأدبي واتجاهات التحليل النفسي “. ترجمة: فاتن مرسي، موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي، المجلد 9، العدد 919، ط1، 2005، المجلس الأعلى للثقافة، مصر. ص 271- 297.
[6]نفسه، ص 277.
[7] مندور، محمد: في الأدب والنقد. نهضة مصر للنشر والطباعة والتوزيع، الفجالة، القاهرة، 1988، ص40.
[8] – مرتاض، عبد الملك. في نظرية النقد متابعة لأهم المدارس النقدية المعاصرة وصد لنظرياتها، دار هومة، الجزائر،دط،2005، ص 149.
[9] – الرويلي، ميجان والبازغي، سعد. دليل الناقد الأدبي. الطبعة الثالثة، المركز العربي الثقافي، الدار البيضاء،2002.ص330.
[10] – كاتبة معاصرة من مؤلفاتها “السياسة الجنسية النصية ، لندن 1985، قامت بتحرير “قارئ كريستيفا”، 1986، و”الفكر النسوي الفرنسي”، 1987. كورنيليا الخالد، هامش مجلة الآداب الأجنبية، العدد 74، 1 يناير، 1993، سوريا. ص23.
[11]– موي، توريل: ” النسوية والأنثى والأنوثة “. ترجمة: كورنيليا الخالد، مجلة الآداب الأجنبية، العدد 74، 1 يناير، 1993، سوريا.ص23- 46.
[12]– نفسه، ص23- 46.
[13] – ولدت ماري ولستونكرافت في لندن في عام 1759. يعد كتابها (دفاعاً عن حقوق المرأة ) أول كتاب في النسوية، انتقلت إلى فرنسا أثناء الثورة الفرنسية فكتبت في عام 1790 كتابها (دفاعاً عن حقوق الرجال) رداً على النقد الذي وجهه إدموند بيرك للثورة الفرنسية. عبدالله فاضل، وعلي الصارم. مقدمة كتاب: دفاعاً عن حقوق المرأة. ص9 وما بعدها.
[14]– الرحبي، مي: النسوية مفاهيم وقضايا. ط١، الرحبة للنشر والتوزيع، ٢٠١٤. سوريا. ص15.
[15] – نفسه، ص17.
[16] – نفسه، ص32.
[17]– غروس، إليزابيث: ” الأنطولوجيا والالتباس: سياسة ديريدا في الاختلاف الجنسي “، ثنائية الكينونة : النسوية والاختلاف “، تحرير: نيكول فرمون، وآخرون، ط2، دار الحوار للنشر والتوزيع، سوريا، 2009، ص109.
[18]– جامبل، سارة. النسوية وما بعد النسوية. ص347.
[19]– داكو، بيير.المرأة بحث في سيكولوجية الأعماق. ترجمة: وجيه أسعد، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق،1983. ص74.
[20]– جامبل، سارة. النسوية وما بعد النسوية. ص246.
[21]– Gill Plain & Susan Sellers (2007). A history of feminist literary criticism. First published. Cambridge University Press. Cambridge. p:236
[22]– فرويد، سيغموند: محاضرات تمهيدية جديدة في التحليل النفسي. ترجمة: عزت راجح، دار مصر للطباعة، مصر، ص104.
[23]– نفسه، ص107.
[24]– نفسه، ص107.
[25]– نفسه، ص113.
[26]– نفسه، ص113.
[27]– نفسه، ص113.
[28]– الرحبي، ميّة: النسوية مفاهيم وقضايا. ص 15.
[29] – كاتبة نسوية أمريكية (1921- )، متخصصة في علم النفس، يعد كتابها الأول ( اللغز الأنثوي ) بمثابة تأثير قوي على النسويات الناشئة، حيث عملت فيه على تفكيك الشكل النسائي للحلم الأمريكي الذي يغرس في نفس المرأة التطلع إلى حياة البيت المثالية.جامبل، سارة. النسوية وما بعد النسوية. ص349.
[30] – الأنانة (Solipsism) نظرية فلسفية رديئة، حتى أنها من شدة رداءتها لم يتبنها – في أجلى صورها- أحد من أباطرة الفلسفة ممن يهيمون في كل الوديان. والأنانة هي الإيمان بأنه لا يمكن التيقن إلا بوجود الذات (العقل/الوعي) فقط، وفي أكثر صورها تطرفًا تعني بالنسبة إلى معتنقها أن كل ما حوله ليس إلا نتاجًا لوعيه، وأن وعيه وحده هو فقط الموجود حقيقة. طبعًا صاحب هذه المقالة ينبغي ألا يخبرنا بها، إن كان صادقًا في اعتقاده، لأننا ببساطة “غير موجودين”. موقع إلكتروني: http://www.drhatemalhaj.com/ar
[31]– فريدان، بيتي. اللغز الأنثوي. ترجمة: عبدالله بديع فاضل، ط1، دار الرحبة، دمشق،2014. ص 139.
[32]– نفسه، ص 139.
[33]– نفسه، ص 140.
[34]– نفسه،ص 140.
[35]– نفسه،ص 142.
[36]– نفسه،ص 143.
[37]– نفسه،ص 150.
[38]– نفسه،ص159.
[39] – كاتبة نسوية فرنسية ولدت في بارس (1908م-1986م)، ارتكزت شهرتها إلى كتابها “الجنس الثاني”، أو “الآخر”، والذي يعد الكتاب الرائد في تحرير المرأة، ومرجعاً أساسياً للحركة النسوية في العالم، وفيه قالت جملتها الشهيرة: ” نحن لا نولد نساء بل نصبح كذلك”، من أعمالها: ” رواية المثقفون 1957″، و” الشيخوخة 1972″، و “ميتة هادئة جداً”، وغيرها. انظر: سيمون، دي بوفوار، مقدمة رواية المثقفون. ترجمة: ماري طواف، دار الآداب، بيروت، ط1، 2009، ص15- ص 19.
[40]– دي بوفوار، سيمون.الجنس الآخر. ترجمة: عبدالله بديع فاضل، دار الرحبة، دمشق،ط1،2016، ص 23.
[41]– نفسه، ص 23.
[42]– نفسه،ص 23.
[43]– نفسه،ص 23.
[44]– نفسه،ص 24.
[45]– نفسه،ص 24.
[46]– نفسه،ص 23.
[47]– دي بوفوار، سيمون. كيف تفكر المرأة. ترجمة: مكتبة معروف إخوان، المركز العربي للنشر والتوزيع، الإسكندرية، ص 57.
[48]– نفسه،ص 58.
[49]– نفسه،ص 58.
[50]– Millet, Kate. Sexual Politics. University of Illinois press. Urbana & Chicago.2000. P: 178.
[51]– Millet, Kate: Sexual Politics. P: 178.
[52]-Millet, Kate: Sexual Politics. P: 178.
[53]– Millet, Kate: Sexual Politics. P: 178.
[54]– Millet, Kate: Sexual Politics. P: 180.
[55] – أكاديمية، وصحفية، ومذيعة (1939- )، متخصصة في علم النفس، ولدت في ملبورن بأستراليا، في أول مؤلفاتها بعنوان (المرأة المخصية) وضعت منهجاً قوياً للجدل المتعامل مع المقولات النسوية. جامبل، سارة. النسوية وما بعد النسوية.ص 358.
[56] – انظر:غرير، جيرمن. المرأة المخصيّة. ترجمة: عبدالله بديع فاضل، ط1،دار الرحبة، دمشق.2014.ص 133.
[57]– نفسه،ص 134.
[58]– نفسه،ص 135.
[59]– نفسه،ص 144.
[60]– نفسه،ص 145.
[61]– نلوولف، كريستا: ” تاريخ النقد النسوي “. ترجمة: فاتن مرسي، موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي، المجلد 9، العدد 919، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، مصر.2005. ص 301- 321.
[62]Gill Plain. p:242
[63] – أنيسة الأمين مرعي، التحليل النفسي والنساءفي العشرينيات . النساء العربيات في العشرينيات حضوراً وهوية. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت. ط2 ، 2010 . ص 259 –280.
[64]– جامبل، سارة. النسوية وما بعد النسوية.ص 245.
[65]– كيه، ويندي. وآخرون. النظرية النسوية مقتطفات مختارة. ترجمة: عماد إبراهيم، ط1، الأهلية، عمان.2010.ص 101.
[66]– غلوفر،ديفيد. كابلان،كوار. الجنوسة – الجندر. ترجمة عدنان حسن، ط1، دار الحوار للنشر والتوزيع، سورية.2008. ص70
[67] سلدن، رامان: النظرية الأدبية المعاصرة. ترجمة: جابر عصفور، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1998، ص 208.
[68]– إيجلتون، ماري. نظرية الأدب النسوي. ترجمة عدنان حسن- رنا بشور، ط1، دار الحوار للنشر والتوزيع، سورية. 2016. ص526.
[69]– نفسه، ص530.
[70]– نفسه، ص530.
[71]– نلوولف، كريستا: ” تاريخ النقد النسوي “. ترجمة: فاتن مرسي، موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي، المجلد 9، العدد 919، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، مصر.2005. ص 301- 321.
[72]– سلدن، رامان. النظرية الأدبية المعاصرة. ص 209.
[73] – محللة نفسية وعالمة لغويات ومنظرة وروائية وكاتبة (1941- )، تزاول التحليل النفسي، وتشتغل بالفلسفة، وتدريس اللغويات، وعلى الرغم من رفضها لمصطلح ( النسوية–Feminism) إلا أنها تهتم في كتاباتها بمسألة الاختلاف بين الجنسين. جامبل، سارة. النسوية وما بعد النسوية.ص 383.
[74] – كريستيفا، جوليا. مقالات في النسوية. مجموعة من المؤلفات، ترجمة ضحوك رقية، وعبدالله فاضل، ط1، الرحبة للنشر والتوزيع، سوريا،2015. ص 218.
[75] – نفسه،ص 218.
[76] – نفسه، ص 219.