
المنهاج التربوي وعلاقته بالثقافة التاريخية
“دراسة ميدانية في ثانويات الجزائر العاصمة و تيزي وزو”
The educational curriculum and its relation to the historical culture
“Field study in secondary schools of Algiers and Tizi Ouzou
د. الجوزي وهيبة/ جامعة مولود معمري – تيزي وزو-الجزائر
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 52 الصفحة 9.
ملخّص :في إطار تحضير أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، تأتي هذه الدراسة الموسومة” المنهاج التربوي وعلاقته بالثقافة التاريخية في المجتمع الجزائري”. وحاولنا من خلالها الوقوف على واقع إقبال الطلبة على كل ما يمكن أن يمد بصلة إلى المنظومة القيمية وثوابت المجتمع الذي ينتمون إليه والتي تسعى المدرسة الجزائري بناء مواطن المستقبل بشخصية مشبعة بقيم والثوابت الوطنية تعكس الهوية الوطنية له. ونخصّ في هذه الدراسة طلبة المرحلة النهائية من التعليم الثانوي، الذي تشهد فيه المادة التاريخية المقرّرة في منهاج تربوي خاص، عزوفا شبه كلّي من الطلبة الثانويين. كما تهدف هذه الدراسة إلى الكشف عن العوامل المؤدية لهذه الظاهرة في المؤسسات التعليمية الثانوية.
الكلمات المفتاحية: المنهاج التربوي – التعليم الثانوي – الهوية – المدرسة الجزائرية.
Abstract:
As part of the preparation of a PhD thesis, this study is entitled “The Educational Curriculum and Its Relation to Historical Culture in Algerian Society”. And we tried to identify the reality of students’ enthusiasm for everything that can be related to the value system and the values of the society to which they belong. The Algerian school seeks to build future citizens with a personality saturated with values and national constants that reflect its national identity. In this study, we examine the students of the final stage of secondary education, in which the historical material prescribed in a special educational curriculum attests to a near total exclusion of the secondary students. The aim of this study is to identify the factors leading to this phenomenon in secondary educational institutions.
Keywords: Educational curriculum – Secondary education – Identity – Algerian school.
مقدمة:إنّ قضية المناهج التربوية التقليدية، قضية جديرة بالاهتمام والدراسة. ومن بين المناهج التعليمية التي أثارت اهتمامنا، منهاج مادة التاريخ، لما تتميز به هذه المادة التعليمية من حساسية، باعتبارها الرابط بين الإنسان وأمّته وهويته. فالتاريخ ذاكرة المجتمع والأمّة، ومن خلاله يمكن للإنسان أن يستشف تجارب سابقيه وأسلافه عبر حقب زمنية ماضية. و تدريس المادة التاريخية يتطلّب مهارة من قبل مدرّسيها، لما تحمله من غايات وأهداف يرجى منها بالضرورة تكوين المواطن الصالح الذي يعوّل عليه في عملية بناء المجتمع. وتعليم التاريخ لأبنائنا، حتمية وضرورة تقتضيها الظروف المحليّة والوطنيّة والدوليّة، لأنّ معرفة التاريخ سبيل لصناعة حاضر نقي خال من الأخطاء ولمستقبل مزهر. ولقد تعرّضنا في محتويات هذا البحث ومعالجة الموضوع متبعين خطة منهجية هادفة. بدءا بتقسيم العمل إلى جانبين :
جانب المقاربة المنهجية والنظرية والجانب الميداني للدراسة.
1- أسباب اختيار موضوع الدراسة:
تحكّمت عدّة عوامل رئيسية في اختيارنا لهذا الموضوع، منها ما هو نابع من الذات – ذاتي – ومنها ما هو من صميم ملاحظاتنا لواقع المدرسة الجزائرية الذي نعتبر نحن جزءا منه، وإحدى ثماره.
* فمن العوامل الذاتية التي تحكّمت في ذلك:
- انتماؤنا سابقا لسلك التعليم، كأستاذة في التعليم الثانوي، مكنّنا من الإبقاء على الرؤية السوسيولوجية “la vision sociologique” المتواضعة، مفتوحة لترصد وملاحظة الواقع المدرسي والأسري ومشاكله وظروفه من داخل البنية التربوية.
- القناعة الشخصية بأن الله عزّ وجلّ جعل لكل إنسان دورا في الحياة، وجعل رسالتي في هذه الحياة التعليم والتدرّج فيه، بإذنه عزّ شأنه وجلاله. لذا فاهتمامي أكثر بالمواضيع ذات التخصّص الثقافي- التربوي.
- الغيرة على هذا القطاع الاستراتيجي، الذي عرف يوما قدْرا ومكانة، بالرّغم من الإمكانات المحدودة التي كانت تمنح له.
- إخلاص النيّة لله في طلب العلم والتدرّج في طلبه، وذلك بتحضير رسالة لنيل شهادة الدكتوراه.
* أما العوامل الموضوعية التي كانت دافعا هي الأخرى في اختيارنا لهذا الموضوع، فتكمن فيما يلي:
أولا: انتسابنا لعلم الاجتماع التربوي-الثقافي، كتخصص يهتم بالجانب الاجتماعي وعلاقته بالقضايا التربوية، وواقع التنشئة الاجتماعية وتأثيره على التحصيل التربوي، خاصة إذا اعتبرنا أن التربية هي عملية اجتماعية بالدرجة الأولى، تتم بين كائنين اجتماعيين، أحدهما معلم والآخر متعلم. وكلاهما يخضع لتحكّم الظروف الاجتماعية، موضوعية كانت أم ذاتية.
كما جاء في تعريف (إ.ا.دوركايم) للتربية بأنّها ذلك التأثير الذي تمارسه الأجيال الراشدة على تلك التي لم تتهيأ بعد للمشاركة في الحياة الاجتماعية.
ثانيا: محاولة التعرف بدّقة على نوعية المنهاج التربوي ومدى تأثيره على إقبال التلميذ الثانوي على المادة التاريخية، وإمكانية تأثير الوسط الأسري على اختيارات التلاميذ في إقبالهم على المواد التعليمية المقرّرة عليهم. علما أنّ الأسرة هي أكثر النظم الاجتماعية أهمية في المجتمع من حيث التأثير عليها والتأثر بها. و عليه فإن وعي الأسرة لدور المدرسة ووظائفها هو أحد أهم عوامل نجاح المدرسة والتربية في المجتمع.
ثالثا: قلّة الدراسات السوسيولوجية التي تناولت دراسة المنهاج التربوي، من الزاوية التي ارتأينا تناولها، وهي إظهار الثقافة التاريخية ومكانتها في البناء الأكاديمي للمنهاج التربوي، وفي ثقافة المتعلم داخل المؤسسات التعليمية (الثانوية).
رابعا: القناعة والوعي بالأهمية المحورية للمناهج في تفعيل العملية التربوية، فبنجاعتها يحكم على كل المنظومة التربوية بالنجاح والصلاح، لكونها محقّقة لطموحات الشعوب والأمم.. فهي روح المجتمع.
خامسا: التأكيد من خلال ملاحظتنا في الميدان المهني، أن انحطاط وتراجع مكانة التعليم الماديةوالمعنوية راجع إلى تغيّر نظرة الأسرة والمجتمع للمدرسة من جهة، ولعدم ثقة الأسرة فيما تقدمه المدرسة من عمل تربوي يضمن النجاح من جهة أخرى، بدفعها أبناءها للبحث عن أقرب السبل للنجاح المادي المؤدي إلى النجاح الاجتماعي، حتى وإن كان على حساب القيم وثوابت الشخصية الفردية والوطنية.
سادسا: الغياب شبه الكلي للقيم والمعايير الأخلاقية لدى تلاميذ المدرسة الجزائرية أو بالأحرى في الوسط الجغرافي لعينة الدراسة ( طلبة ولاية الجزائرالعاصمة وطلبة ولاية تيزي وزو)، وهو ما لاحظناه من خلال الممارسة المهنية، ومآل ذلك تسرّب مدرسي أو الهدر المدرسي المقلق لطلبة المدارس و الثانويات.
* قياسا على ما سبق ذكره، وبعد استعراضنا لأهم الأسباب الذاتية والموضوعية التي كانت وراء اختيارنا لهذا الموضوع، ودافعا لدراسته وتحليله، لا يسعنا إلاّ أن نشير ونؤكد أن نجاح المنظومة التربويةوالمساهمة في حركية المجتمع على جميع الأصعدة، وخاصة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي للبلد، لا يتأتى إلاّ بوجود شراكة بين الأسرة والمدرسة، فكلاهما مكمل للآخر، والتعاون السليم الفعّال والتبادل بين هاتين المؤسّستين هو الذي يكتب ويوقّع النّجاح لكل مجتمع.
2– أهداف الدراسة:
الهدف من دراسة موضوع ” المنهاج التربوي وعلاقته بالثقافة التاريخية” هو الوقوف على واقع إقبال الطلبة على كل ما يمكن أن يمد بصلة إلى القيم وثوابت المجتمع الذي ينتمون إليه، ونخصّ في هذه الدراسة التعليم الثانوي، الذي تشهد فيه المادة التاريخية، المقرّرة بمنهاج تربوي خاص، عزوفا شبه كلي من الطلبة الثانويين. كما تهدف الدراسة إلى الكشف عن العوامل المؤدية لهذه الظاهرة داخل ثانوياتنا.
ومن وراء هذا الهدف العام للدراسة، هناك أهداف فرعية يمكن تحديدها على وجه الخصوص كما يلي:
- من خلال هذه الدراسة نسعى إلى الكشف عن مسببات قلّة إقبال الطلبة في التعليم الثانوي على المادة التاريخية.
- نطمح كذلك لإبراز المكانة الحقيقية للثقافة التاريخية التي تحظى بها مضامين المناهج في المدرسة الجزائرية.
- محاولة الإجابة على التساؤلات المصاغة في الإشكالية، والتوصل إلى تحقيق نتائج علمية وموضوعية. تفتح فضاء مستقبليا لدراسات في السوسيولوجية التربوية أكثر تعمقا في مكونات المنظومة التربوية الجزائرية.
- كما نسعى أيضا في هذه الدراسة ،إلى لفت الانتباه للمخاطر التربوية والاجتماعية والاقتصادية، التي تنجم عن تقزيم القيم والهوية الوطنية التي تطبع المجتمع، عند بناء المناهج التربوية، فما بقاء قوة وعظمة الدول إلاّ باحترامها لهويتها وتعظيمها لعظمائها وتاريخها.
3– الأهمية العلمية للدراسة:
المنهاج التربوي هو عصب العملية التربوية في كل مجتمعات العالم، وهو العامل الأساسي الذي يتوقف عليه نجاح التربية في بلوغ غايتها، وتحقيق مهمتها في التقدم الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، وتثبيت هويته من المنظور الثقافي والحضاري، ومن هذا المنطلق جاءت دراسة “المنهاج التربوي وعلاقته بالثقافة ألتاريخية. فمادة التاريخ، هي إحدى المواد التعليمية ذات الصفة الأدبية والإنسانية، المقررة في المناهج التربوية وفق نظام تربوي وطني يشمل جميع مستويات التعليم العام في الجزائر، ونخص بالدراسة في هذا البحث مرحلة التعليم الثانوي، الذي يعد مرحلة انتقالية يتدرج فيها الطالب من التعليم العام إلى التعليم الجامعي أين يسمح له بالتخصّص.
- كما أن البحث عبارة عن مساهمة علمية في حقل الاختصاص في علم الاجتماع الثقافي- التربوي، حيث أنّ من خلال الدراسات وأهميتها تتدارك المنظومة التربوية في العالم الكثير من النقائص التي تتخلّلها، والمسبّبة للخلل على مستوى المناهج التربوية تؤدي غالبا إلى فشلها.
- تأتي هذه الدراسة بالموازاة مع المشاريع المتتالية لتحسين نوعية التعليم بتحسين المناهج، بالنظر إلى تدني مستوى التلاميذ في جميع المواد الدراسية، ما أدى إلى التساؤل عن سبب الأزمة التي تعيشها المدرسة الجزائرية في الوقت الراهن.
- خصوصية المرحلة العمرية للمبحوث (المراهقة) التي تناولتها هذه الدراسة، من حيث مستقبل الحياة العملية للفرد. بمعنى آخر، أن نهاية المرحلة الثانوية (الأقسام النهائية) هي مفترق الطرق لحياة جديدة يشق فيها الطالب مستقبله، وبالتالي فإن معالجة القضايا التربوية في هذه المرحلة العمرية هي جد هامة، يجب إعطائها الأولوية في الدراسات والأبحاث السوسيولوجية لخدمة المجال والمجتمع.
4– إشكالية الدراسة:
شهدت المنظومة التربوية منذ العقد السابع من القرن العشرين، تغيرا جذريا، فاستحدثت مناهجها وجدّدت هيكلتها، فبرزت بذلك المدرسة الأساسية التي تعدّ أهم مشروع ” لفكر التغيير والإصلاح([1])، الذي أدخل على المنظومة التربوية في الجزائر منذ الاستقلال. إذ تضمنت استراتيجيات تعليمية جديدة، وبناء برامج تعليمية حديثة، ومعاصرة من حيث المضامين والأهداف والوسائل والطرائق التدريسية والتقويم. وقد كانت السنة الدراسية (1980 – 1981) بداية إصلاح التعليم العام في بلادنا، بينما في المستوى الثانوي فقد بدأ في السنة الدراسية (1985 – 1986). وهذا لما للتعليم الثانوي من أهمية أساسية في تكوين فكر المجتمع، فهو عبارة عن منبع مفيد وهام للنخبة المتعلمة، وهو الذي يترك آثارا عميقة، لا تمحى ولا تضمر مع مرور السنين. فمن منّا لا يتذكر المرحلة الثانوية من عمره الدراسي، خاصة القسم النهائي، وكيف حضر لنيل شهادة البكالوريا، والظروف العامة والخاصة التي عايشها المرء في هذه المرحلة القاعدية والأساسية في حياته، وهي أكثر أثرا وعمقا من المرحلة الجامعية نفسها. حيث تترك أيضا في نفسية وباطن التلميذ بصماتها السلبية منها والإيجابية لفترة زمنية معيّنة.
إذن فالتعليم الثانوي أهم وأصعب مراحل التعليم التي يمر بها الإنسان، لأنّه يتم فيها تربيته وتهيئته للقيام بدوره في هذه الحياة. والتعليم كان ولا يزال، هو الأساس الذي لابد منه من أجل استثمار العنصر البشري في كل مجتمعات العالم، فقد أصبح الإنسان بفضل العلم قادرا على تسخير عناصر الطبيعية لتحقيقأهدافه وإشباع حاجاته. ومع تعاظم أهمية التعليم، يتعاظم وبصورة أكبر الدور الذي يمكن للمنهاج التربوي أن يقوم به في العمل التربوي، باعتباره عصب العملية التربوية الذي بواسطته يمكن للمجتمع أن يتطلع لغد أفضل، محققا أهدافه المتضمّنة في الأهداف التربوية، والتي يتوقع من المتعلم الوصول إليها في نهاية الوحدة التعلّمية ([2]).
فالمنهاج التربوي عليه يتوقف نجاح أو فشل المنظومة التعليمية، ففشلها يعني فشل مشروع مجتمع ككل، لأن المناهج هي الناقلة عبر الأجيال لقيم المجتمع، لأنّها نابعة من مقومات الأمة وبعدها الحضاري.
ومن المناهج التعليمية المثيرة لاهتمامنا وفضولنا، منهاج مادة التاريخ، الذي يحمل دلالة الحفاظ على تاريخ هذا المجتمع، ما دام التاريخ هو شاهد الأمّة، كما جاء في قول “مبارك الميلي”*([3]): “عندما يدرس أبناء أمّة تاريخهم، سيعرفون واقعهم. وإذن سيعرفون أن القومية الموجودة (الأجنبية الفرنسية) سوف لا تبتلع قوميتهم”. ([4])
إذن فتدريس مادة التاريخ في المؤسسات التربوية هو حماية للمجتمع من النسيان، ويحقق التواصل بين الأجيال، ويعمل على معرفة الماضي لتحصين الحاضر والتطلع للمستقبل.
هذا الهدف الذي يتوقع تحقيقه، يكوّن لدى التلميذ مجموعة من الخبرات التعليمية القيمة تنعكس في سلوكه داخل أو خارج الحقل التعليمي، فالقيم ومعايير المجتمع لا نجد أساسها الصحيح إلاّ في العلم والتعليم،كما تقول النزعة السوسيولوجية إذا ما نظرنا إليها من زاوية الفرد أو من زاوية المجتمع.([5])
ولا يتحقق التعلّم إلاّ إذا كان منسجما مع فلسفة المجتمع وتصوراته نحو نوعية الناشئة، التي يراد تهيئتها، تعليمها وتكوينها، تجاه الحاضر والمستقبل، لتواجه بكفاءة وقدرة ما يحدث من تغيرات في مختلف مجالات الحياة. خاصة إذا اعتبرنا بداية الألفية الثانية عهد التحديات والعولمة، أين غزت الوسائل التكنولوجية القنوات والحقول التعليمية، ومنها المدرسة في إطار تقنيات التعلم. لذا فهي الآن مجبرة على تكييف أدواتها التعليمية من مناهج وطرق تدريس، مع حيثيات التطور التكنولوجي السريع. حيث أصبح مفهوم الأمّية في عصرنا – عصر السرعة – يطلق على من لا يتقن استعمال الحاسوب (الإعلام الآلي)، خاصة إذا لاحظنا أن تلميذ ومتعلّم هذا لجيل، ينمو بطبعه ميالا إلى حب الإطلاع.
وقياسا على ذلك، وحتى يتمكن المنهاج التربوي الحامل لفلسفة التربية وفلسفة المجتمع من تلبية احتياجاته في إطار التنمية الشاملة لهذا المجتمع، فهو يواجه الكثير من التحديات لتكوين نوعية جديدة من النشء، قادرين على معرفة أنفسهم، وفهم الآخرين وعلى مواجهة متطلبات الحاضر والمستقبل، والعيش في “القرية العالمية” دون أن ينسلخوا عن جذورهم، ودون أن يشعروا بالتمزق في هويتهم بين العولمة والبحث عن الجذور والانتماءات. وأن يتمكنوا من تسيير حياتهم ومعيشتهم على ضوء من المبادئ القيمة للمجتمع والمرسخة للثوابت الوطنية، اللغوية والعقائدية والتاريخية. لهذا، كان على المنظومة التربوية عموما بما تقدمه من مادة خام أن تقوم “بتنمية الشخصية السوية والمتكاملة “.([6]) وهو ما تسعى المنظومة التربوية في بلادنا لتحقيقه، ليتمكّن الفرد بعد تكوينه وتعليمه، من رفع التحديات المستحدثة والعصرية، ولا يتأتى ذلك إلاّ من خلال بناء مناهج حديثة، تتماشى وعصر العولمة والانفجار التكنولوجي والمعرفي العلمي المتسارع، الذي استقطب أذهان تلاميذ هذا العصر في كل المجتمعات المتطورة منها والمتخلفة. ودلالة ذلك هي التعديلات التي لحقت بالمناهج التربوية مرارا وتكرارا. خاصة تلك التي شهدتها مناهج التعليم الثانوي، فعلى سبيل المثال لا الحصر أن التغيرات المتكررة والسريعة التي مسّت منهاج التاريخ في المرحلة الثانوية وبالأخص الأقسام النهائية (أقسام السنة الثالثة ثانوي) والتي تقدم سنويا أكثر من (65000) مترشحا للبكالوريا، حدثت خلال أربع سنوات فقط أي من سنة (1990-1994) ([7])، وهي مدة غير كافية لتغيير أو تعديل برنامج مصيري للمجتمع، ما جعل التطبيق الفعلي للمنهاج لا يعرف استقرارا، وهاجس كل الفاعلين له، وخاصة الأساتذة. فالتغيير يجب أن يكون. لأن الكل الاجتماعي في حركية مستمرة وفي بيئة لا تعرف الثبات. كما أن البرامج ليست خارجة عن الزّمن، وإنما هي إنتاج مجتمع في فترة زمنية محدّدة، لتلبية حاجات مجتمعية معيّنة، فبناء البرامج تكون على أساس تنشئة الفرد المرغوب فيه من قبل المجتمع عن طريق المدرسة. وتعديل أو بناء أي منهاج تربوي يجب أن يحمل بالضرورة ميكانيزمات مشروع مستقبلي واعد، منطلقا من الواقع ومتطلعا إلى مستقبل جديد بحاجاته المتنوعة واهتماماته ومهاراته وأيضا التجديد في أساليبه.
وعليه، فلا يمكن تصور فلسفة تربوية غريبة عن مقومات المجتمع وتطلعاته، لأن إستراتيجية بناء المناهج تستوجب وضع تخطيط مسبق ومدروس، هو ما يعرف في الدول المتطورة بـ (هندسة المناهج)، كما عليها أن تشرك المحيط الاجتماعي في بنائها، خاصة الأسرة. “والعملية التعليمية –أساسا- هي ناتجة عن القرارات الرسمية التربوية تقدم للمتعلم عن طريق المعلم، لكن هي لا تخص المتعلم والمعلم فقط، بل يجب أن يستشار أولياء المتعلم فيما يخص محتويات المواد التربوية التي يجب أن تقدّم للتلميذ”.([8]) إنّه واقع يعيشه قطاع التربية والتعليم في الجزائر، أين نجد الشريك الاجتماعي وهو الأسرة وكل الفئات الاجتماعية يرفع أصابع الاتهام للمدرسة والفاعلين فيها، لتبرير السلبيات المنتشرة في المجتمع. ومن هذه السلبيات، نشير خاصة إلى ظاهرة تلاشي القيم والأخلاق، في بيئة طغت عليها المنفعة الذاتية، المادية والمعنوية-حب الذات- وما أنتجته من سلوكات في أوساط المتعلمين، كالعزوف عن كل المعارف القيمية والمعيارية، وهذا ما لمسناه من سلوك لدى التلاميذ في المؤسسات التعليمية، حيث ينفر التلميذ عنوة من تعلم المواد الاجتماعية ومنها مادة التاريخ، التي لها دلالة معرفية قيمية، بالإضافة إلى كل المواد الإنسانية الأخرى ويقبل أكثر على المواد التعليمية –العلمية- بدافع ذاتي أو أسري، وهو الوضع الذي آلت إليه المدرسة منذ التسعينات إلى يومنا هذا، حيث أن التلميذ الثانوي أصبح صاحب القرار، في الإقبال على مادة، والعزوف عن أخرى، بشكل تلقائي وعفوي أو مقصود وواع، وفق ما تمليه خواطره وحاجياته، كمعامل المادة مثلا الذي هو (2) في الشعب الأدبية و(1) في الشعب العلمية. ما جعل المدرسة تعاني مؤخرا من الإهدار التربوي، رغم الجهود التي تبذل دون مردود يرضي المحيط التربوي والاجتماعي، خاصة إذا علمنا أن هناك إحصائيات معتبرة تدل فعلا على التكلفة المالية التي يستفيد منها القطاع سنويا وهي تقدر بحوالي (64 مليار سنتيم)، كما أن القطاع يتوفر على أكثر من (60) ألف أستاذ ثانوي وأكثر من (1400) ثانوية ومتقنة أو تزيد، على المستوى الوطني([9]). لكن بالرغم من كل ما يعبّر عنه الغلاف المالي سنويا من اهتمام بهذا القطاع الحساس، إلا أنّه يدفع إلى الشارع سنويا بأكثر من (5000) تلميذ، وهذا العدد المتزايد باستمرار، هو حصيلة ظاهرة التسرّب المدرسي. هذه الظاهرة السلبية لوضعية التحصيل الدراسي في البلاد تجعلنا نتساءل: لماذا يتكرّر سنويا هذا الوضع السلبي في بلادنا؟
وقياسا على كل ما سبق، دفع بنا الفضول إلى البحث عن الأسباب وراء ظاهرة الفشل التي تعرفها المناهج التربوية الخاصة بالمعارف الاجتماعية الإنسانية، وقد ركّزنا في بحثنا على ظاهرة العزوف عن الثقافة التاريخية المقرّرة في برامج التعليم الثانوي وخاصة على الطلبة المترشحين لامتحان البكالوريا. مع العلم أنها مادة يمتحن فيها كل الطلبة وفي جميع الشعب- الأدبية والعلمية – في البكالوريا. وذلك بطرح
السؤال المحوري لنا المعتبر:
- هل للمنهاج التربوي علاقة بعزوف الطلبة عن الثقافة التاريخية في الأقسام النهائية؟
هذا التساؤل الأساسي والمحوري، يجرّنا إلى التعمق في دلالته السببية والمشكلة من التساؤلات الفرعية التالية:
- هل محتوى الكتاب المدرسي للمادة التاريخية، له تأثير على إقبال التلاميذ عليه؟
- هل لشخصية الأستاذ ونوعية طرق التدريس، يأثران على إقبال التلاميذ على الثقافة التاريخية؟! وهل هي مكيّفة مع حاجيات التلميذ، المنفتح على مختلف تكنولوجيات التعليم والاتصال ؟
- هل للأسرة دور في نشر مبدأ التفاوت بين المواد التعليمية؟
- هل التقويم التربوي يؤثر على المردود الدراسي للتلميذ؟
5- الفرضيات:
كانت تلك هي التساؤلات التي ارتأينا طرحها، لفتح فضاء على البحث في مسببات ظاهرة العزوف عن الثقافة التاريخية وعلاقتها الارتباطية بالمنهاج التربوي بطريقة علمية ” كخاصية تتميز بها الظواهر الاجتماعية” ([10]). وعليه قمنا بترجمتها إلى فرضيات عمل. وهي:
أ- الفرضية العامة للبحث:
المنهاج التربوي له علاقة بظاهرة عزوف تلاميذ الأقسام النهائية عن المادة التاريخية.
ب- الفرضيات الجزئية:
- محتوى الكتاب المدرسي لمادة التاريخ ، يؤثر على إقبال التلاميذ على هذه المادة.
- طبيعة شخصية بعض الأساتذة ونوعية طرق التدريس، غير مكيّفتين وحاجيات التلميذ المتفتح على تكنولوجيات الاتصال والتعلم الحديثة.
- للأسرة دور في تحديد مبدأ التفاوت بين المواد التعليمية لأبنائنا بتفضيلهم للمواد العلمية على حساب الاجتماعية (التاريخ).
- التقويم التربوي يؤثر على المردود الدراسي للتلميذ.
6– منهجية الدراسة:
لمّا كان الدافع إلى هذا البحث الموسوم ” المنهاج التربوي وعلاقته بالثقافة التاريخية” هو الوعي والإدراك بأهمية المنهاج التربوي وتفعيله في العملية التربوية، وكذا الإحساس العميق بمشكلة معايشة، يطرحه الواقع التربوي. كان هاجسنا هو الوصول إلى إبراز هذا الإحساس والشعور، علّنا نصل إلى إيضاح مسببات هذا ألإشكال. كما نحاول الكشف عن بعض الشوائب والاختلال الموجود في المنظومة التربوية. ولما كان البحث السوسيولوجي يعتمد أساسا على وضع منهجا علميا يخدم مراحل البحث خاصة في جانبه الميداني، لأن المنهج العلمي هو: “طريقة وأسلوب للتفكير، وهو أداة للتحقق، ويعتبر أجود الوسائل التي تمكن الإنسان والباحث من الوصول إلى حقائق جديدة، التي هي: التمحيص والبحث والاستكشاف”.([11])
7- مناهج الدراسة: استخدام المنهج يخضع حتما لطبيعة الموضوعو، وعلى هذا الأساس فقد اخترنا:
المنهج الوصفي التحليلي: وقد تم اختيارنا لهذا المنهج للاعتبارات والخصائص التالية:
- توفر المراجع والبحوث والدراسات التي تقارب جوانب معينة من بحثنا، ذلك أن هذا المنهج يتطلب الإحاطة بأبعاد و جوانب الظاهرة المدروسة من بحوث استطلاعية ووصفية، قد أجريت حول ذات الظاهرة. 7- مواصفات عيّنة الدراسة و طريقة اختيارها:
أ- مواصفات عينة الطلبة (الإستمارة):
مجتمع البحث في هذه الدراسة الميدانية، يضم طلبة السنة الثالثة ثانوي المقدر عددهم بـ (900 تلميذ و تلميذة) في الولايتين العاصمة وتيزي وزو، مسجلون خلال السنة الدراسية ( 2016-2017). لكن لكي تشمل الدراسة جنس الذكور والإناث، والشعب الثلاث (آداب و فلسفة وعلوم تجريبية، وتسيير واقتصاد) تمّ الاعتماد على المعاينة بالحصص. وكما هومعلوم، أن استخدام هذه الطريقة، التي يتم تطبيقها في اختيار أفراد من بين الفئات ذات خصائص مختلفة. وعليه تمّ اختيار العيّنة على أساس متغيرات المراقبة كالآتي:
- المستوى: السنة الثالثة ثانوي.
- الجنس : (الذكور والإناث).
- الشعبة : (آداب وفلسفة، علوم تجريبية، وتسيير واقتصاد).
ومن أهم الأسباب التي أدّت إلى اختيار هذه الطريقة دون غيرها ما يلي:
- وجود متغيرات ضابطة ومراقبة تساعد على سحب العيّنة.
- تتم بسرعة كبيرة، وسهلة في نفس الوقت.
- تتميز بقدرتها على إعطاء معلومات وأدلّة كافية عن طبيعة مجتمع البحث.
وعلى هذا الأساس تمّ الإعتماد على نسبة سبر 3/1 مما أعطى عيّنة حجمها 300 مبحوث.
300 = 3/1 × 900 = 3/1 × N = n 3/1.F 900 = N |
n = حجم العيّنة.
N = المجتمع الأصلي.
F = نسبة السبر.
وبالتالي تعيين وتحديد الحصص، تم طبقا للتوزيع الإحصائي للفئات حسب متغيّر الشعبة، مختارة داخل المجتمع الأصلي. كما يوضح ذلك الجدول الآتي:
جدول رقم 01: التوزيع الإحصائي للفئات حسب متغيّر الشعبة
الشعبة |
900 = 216 + 390 + 294 = N = N′1 + N′2 + N′3 |
300 = 72 + 130 +98 = n = n′1 + n′2 + n′3
جدول رقم 02: خاص بتوزيع أفراد عيّنة البحث.
الشعبةالجنس | آداب و فلسفة | علوم تجريبية | تسيير واقتصاد | المجموع الكلي | ||||
ك | % | ك | % | ك | % | ك | % | |
الذكور | 52 | 53.06 | 68 | 52.30 | 42 | 58.33 | 162 | 54 |
الإناث | 46 | 46.93 | 62 | 47.69 | 30 | 41.66 | 138 | 46 |
المجموع | 98 | 100 | 130 | 100 | 72 | 100 | 300 | 100 |
وعليه فقد قدرت نسبة السبر حسب القانون:
T = n بـ: 300 = 0.33% من مجموع المجتمع الأصلي للبحث.N 900 |
وبالتالي يكون حجم عينة الدراسة 300 وحدة بحث.
8- مواصفات عيّنة الأساتذة (المقابلة):
أجريت المقابلة مع عيّنة من الأساتذة يمثلون أساتذة مادة التاريخ في (ولاية الجزائر العاصمة) و في (ولاية تيزي وزو). غالبيتهم من حاملي شهادة الليسانس في مادة التاريخ. يدرّسون في ثانويات ذات النظام التعليمي العام تحت وصاية وزارة التربية الوطنية ، يتراوح أعمارهم من 25 سنة إلى أكثر من 50 سنة.
تمّ إختيارنا للعيّنة على أساس منظم ، بهدف الإطلاع والكشف عن أسباب ظاهرة عزوف التلاميذ عن المادة التاريخية، من موقع الفاعلين، وهم الأساتذة. وأيضا للمقاربة بين تصريحات المجتمع الأصلي للبحث، وهم التلاميذ وتصريحات الأساتذة حول تفعيل منهاج مادة التاريخ في عملية التحليل السوسيولوجي للدراسة. و تمّ أجرأة المقابلة عن طريق توزيع إستبيان المقابلة.على (20 أستاذ من مجموع 60 أستاذ) في ولاية الجزائر. وعلى( 25 أستاذ من مجموع 75 أستاذ) في ولاية تيزى وزو.
وقد تمّ الاعتماد في ذلك على نسبة سبر 3/1. ولقد اعتمدنا في بناء اللأسئلة على النموذج التالي: (دليل المقابلة)،الذي جاء في الدراسة السوسيو- تربوية، قام بها الدكتور. محمد بومخلوف وآخرون، في إطار نشاط مخبر الوقاية و الأرغنوميا لجامعة العلوم الإنسانية والاجتماعية- الجزائر2. ([12])
وقد قمت بذلك في مركز تصحيح البكالوريا في ثانوية ابن الهيثم بروي سو .وتعد من أكبر ثانويات العاصمة وأعرقها،.التي إستدعي لهذا المركز أساتذة مصحّحون يمثلون الجزائر العاصمة والولايات المجاورة. و ثانوية الخنساء في تيزي وزو. وهي فرصة يلتقي فيها الأساتذة للقيام بعملية التصحيح ،و تبادل الآراء حول إمكانيات وظروف العمل.
و تشخيص قدرات التلاميذ ومستواهم التعليمي، وكيفيات تقويمهم، ومدى نجاعة المردود الدراسي في بلادنا. وكان ذلك عن طريق اشراك أساتذة زملاء لي في القطاع سابقا، مع بعض المفتشين التربويين.
و الملاحظ من طرف الباحثة أن الأساتذة أبدوا استعدادا للتعاون والمساعدة، بعدما قدمنا توضيحا لأسباب وأهداف الدراسة، وإقناعهم بأهميتها في توظيف نتائجها، لتحسين عملية تدريس مادة التاريخ. هو ما اعتبرناه عيّنة الأساتذة فرصة للتعبير عن رؤيتها حول هذه المادة. وكذا تنفيسا لها من ما تَكْبُتُه من رؤية لم تجد لها صاغ. كما لاحظنا أيضا حماسا من قبل الأساتذة، يحمل دلالة صدق ودقّة التصريحات التي أفادت الدراسة أكثر في التحليل.
كما نشير أيضا إلى وجود تخوّف أقلّية من الأساتذة للتجاوب معنا، تفاديا للمشاكل كما جاء في أقوال البعض منهم مثل ما صرّح لنا به أستاذ من العاصمة: ” أو تلعبنّا بالخبزة ” وآخر ” أنت حبيتي تباصيني..بمعنى تأتي بآخرتي…”. وهو ما حال دون إشراكهم في العملية. ضمانا لمصداقية المعطيات المتحصل عليها وصدق النتائج المتوصل إليها في نهاية هذه الدراسة.
و هذا ما دفع بنا كباحثة، إلى إختيار عيّنة المقابلة عن قصد وقناعة، بطريقة منظمة وهادفة.
جدول رقم (01) توزيع المبحوثين حسب الولاية
يبين لنا الجدول أن توزيع المبحوثين حسب الولاية متباين نوعا ما، حيث بلغت نسبة المبحوثين في في ولاية الجزائر 4,44 %. وفي ولاية تيزي وزو6,55 %.
توزيع المبحوثين حسب الولاية
جدول رقم (02) توزيع المبحوثين حسب الجنس
الجنس | التكرار | النسبة ( % ) |
ذكور | 18 | 40 |
إناث | 27 | 60 |
المجموع | 45 | 100 |
يظهر لنا الجدول، توزيع المبحوثين حسب الجنس، أن نسبة الإناث تفوق نسبة الذكور، حيث بلغت على الترتيب 60% و 40%.
شكل رقم (02) توزيع المبحوثين حسب الجنس
جدول رقم (03) توزيع المبحوثين حسب المستوى التعليمي
المستوى التعليمي | التكرار | النسبة ( % ) |
ليسانس | 41 | 91.1 |
ما بعد التدرج | 04 | 08.9 |
المجموع | 45 | 100 |
يتبين لنا من خلال توزيع المبحوثين حسب مستواهم التعليمي، أن معظمهم متحصلين على شهادة الليسانس بنسبة 91.1 %، بينما واصل 08.9 % منهم دراستهم إلى ما بعد التدرج.
شكل رقم (03) توزيع المبحوثين حسب المستوى التعليمي
جدول رقم (04) توزيع المبحوثين حسب طريقة التوظيف في الثانوي
طريقة التوظيف | التكرار | النسبة ( % ) |
خريج (ة) المدرسة العليا للأساتذة | 14 | 31.1 |
مسابقة التوظيف | 23 | 51.1 |
دون إجابة | 08 | 17.8 |
المجموع | 45 | 100 |
من خلال جدول توزيع المبحوثين حسب طريقة توظيفهم في التعليم، لاحظنا أن نصف أفراد العينة التحقوا بوظيفة التعليم عن طريق مسابقة التوظيف، كما بلغت نسبة خريجي المدرسة العليا للأساتذة 31.1 %.
شكل رقم (04) توزيع المبحوثين حسب طريقة التوظيف في الثانوي
جدول رقم (05) توزيع المبحوثين حسب الاقدمية في تدريس مادة التاريخ في الثانوي
الأقدمية في تدريس مادة التاريخ | التكرار | النسبة ( % ) |
أقل من10 سنوات | 06 | 13.3 |
من 11 إلى 20 سنة | 09 | 20 |
من 21 إلى 30 سنة | 28 | 62.2 |
دون إجابة | 02 | 04.4 |
المجموع | 45 | 100 |
يبيّن لنا الجدول أن نسبة هامة من المبحوثين مقدرة بـ 62.2 % تفوق أقدميتهم في التدريس الـ 20 سنة، بينما بلغت نسبة المدرسين الذين تراوحت أقدميتهم بين 11 و 20 سنة 20 %، كما بلغت 13.3 % بالنسبة للمدرسين الذين لا تفوت خبرتهم في التعليم الـ 10 سنوات.
شكل رقم (05) توزيع المبحوثين حسب الاقدمية في تدريس مادة التاريخ في الثانوي
* ومن المعطيات المجمّعة باستعمال تقنية المقابلة مع أساتذة مادة التاريخ، إرتأينا تحميلها بأمانة في جدول. نظرا لأهميتها و وزنها في التحليل السوسيولوجي للمعطيات، حسب الأجوبة الخاصة بـ: ” مدى ملائمة محتوى المقرّر ومستوى التلاميذ التعليمي”.
9- مناهج الدراسة:
استخدام المنهج يخضع حتما لطبيعة الموضوعو، وعلى هذا الأساس فقد إخترنا:
- المنهج الوصفي التحليلي: تم اختيارنا لهذا المنهج للاعتبارات والخصائص التالية:
1- توفر المراجع والبحوث والدراسات التي تقارب جوانب معينة من بحثنا، ذلك أن هذا المنهج يتطلب الإحاطة بأبعاد وجوانب الظاهرة المدروسة من بحوث استطلاعية ووصفية، قد أجريت حول الظاهرة.
2- يعمل المنهج الوصفي على رصد أي شيء، كالخصائص المادية أو المعنوية أو أي شيء آخر نشاط [سلوك] إنساني مثلا، وكذا أنماط التفاعل بين البشر، ويكون هذا الرصد كميا و كيفيا .([13])
3- يقوم المنهج الوصفي على رصد الظاهرة المراد دراستها وجمع معلومات دقيقة عنها، ويعتمد على دراسة الواقعة أو الظاهرة كما توجد في الواقع ثم التعبير عنها كيفيا بوصفها، وتوضيح خصائصها، ليأتي التعبير الكمي لإعطائها وصفا رقميا مقدُّرا لحجم الظاهرة ودرجة ارتباطها بالظواهر الأخرى.
4- يرتكز المنهج الوصفي على عدة أسس، منها الاستعانة بتقنيات تجمع البيانات كالاستمارة والمقابلة والملاحظة. وكذا وصف الظاهرة المدرسية كميا وكيفيا ودراسة أسبابها وشروطها.. وأخيرا تعميم نتائج الدراسة على مجتمع البحث الذي يعتبر مطلبا للدراسات الوصفية.([14])
أ- الإحصاء:
لا يمكن إدراجه كمنهج، بل هو وسيلة تساعد الباحث في جمع وتحليل البيانات:
“يظهر من خلال جمع البيانات بالاستمارة وتفريعها في جداول إحصائية، تساعد على التفسير والتحليل أكثر، وتضمن بذلك جزءا ولو يسيرا من الفعل المنهجي، والقطيعة الإبستمولوجية بين الأنا والموضوع”.([15])
10- تقنيات الدراسة:
للتحقق من فرضيات الدراسة كان لابد من اختيار التقنية العملية، المناسبة التي تمكننا من الحصول على المعطيات المناسبة والخاصة بموضوع الدراسة.
وباعتبار أن بحثنا يندرج ضمن دراسة ميدانية تبحث عن الأسباب وراء عزوف التلاميذ عن المادة التاريخية في التعليم الثانوي. وكذا ارتباطها بمحتوى منهاج المادة التاريخية، ودور الأسرة في توجيه اهتمامات أبنائها داخل المدرسة. وكيفية تعاملهم مع المواد التعليمية المختلفة المقرّرة عليهم لدراستها، وتحليل المعطيات المتحصل عليها وتحديد أبعادها سلبية كانت أم ايجابية تعود على الفرد أو المجتمع أو كلاهما معا. لكل ذلك، ارتأينا أن نختار ونعتمد على تقنيات البحث التالية:
الاستمارة: هي تقنية يمكن بواسطتها جمع المعلومات الضرورية حول الموضوع من خلال عينة البحث، كما أنها توفر الكثير من الوقت والجهد في تطبيقها، وتسمح أيضا للمبحوث بالتفكير في موضوع البحث والإجابة على الأسئلة المطروحة عليه. والاستمارة كما عرفها (فاخر عاقل) في كتابه “أسس البحث العلمي”: “أداة مفيدة من أدوات البحث العلمي، وهي مستعملة على نطاق واسع للحصول على الحقائق والتوصل إلى الوقائع والتعرف على الظروف والأحوال ودراسة المواقف والاتجاهات والآراء”.([16]) بينما (إحسان محمد حسن) فقد عرفها على أنها : “الدليل أو المرشد الذي يوجه المقابلة التي تقع بين الباحث والمبحوث بعد أن يرسم مساراتها ويحدد موضوعاتها ويشخص طبيعة المعلومات التي يطلبها الباحث من المبحوث”.([17])
وعليه تمّ وضع وتحديد أسئلة الاستمارة وفق ما تفرضه صياغة فرضيات بحثنا، بهدف التحقق منها في الميدان. وقد قمنا بصياغة أسئلة محاور الإستمارة بتوظيف طريقة الأسئلة المركّبة التي وجدتها في الدراسات الأكاديمية الأجنبية.خاصة الفرنسية التي وجدناها في مكتبة الجامعة الفرنسية كجامعة الصوربون، وفي المكتبة المركزية لجامعة باريس paris 8) 8 ( L’Université de في فرنسا. في إطار تشجيع الوصايا للبحث العلمي الأكاديمي في الجزائر.
2) المقابلة:
يعتبر التحقيق بواسطة المقابلة تقنية يطرح خلالها الباحث مجموعة من الأسئلة مدروسة ومدققة على مجموعة مختارة من عينة البحث. و”تعتبر الطريقة الأكثر استعمالا في البحث، وهي شكل من الاتصال المميز في المجتمع الحديث”([18]).
في هذا البحث قمنا بإجراء المقابلة مع بعض الأساتذة الثانويين للإستفادة من تجاربهم وخبرتهم في تفعيل المنهاج التربوي ومردود ذلك على الطلبة، سواء على المستوى الداخلي في إقبالهم على المادة، “مادة التاريخ” موضوع الدراسة، أو تحصيلهم القيمي على مستوى نتائج شهادة البكالوريا. وكذا مع أولياء التلاميذ، بغرض التعرف على دور الولي في تحصيل و اختيارات الأبناء التعليمية، ودرجة إطلاعهم على المقرّرات التعليمية.
3) تحليل المحتوى: باعتبار بحثنا يندرج ضمن دراسة المنهاج التربوي وعلاقة محتواه بعزوف التلاميذ عن الثقافة التاريخية، كان لابد من تناول محاور من المقرر، نصوصا أو دروس عادية، مقرّرة على التلميذ الثانوي في القسم النهائي من قبل المصالح الرسمية التربوية، وهي وزارة االتربية الوطنية. والعمل على تحليلها، بغية التوصل إلى ما يبرّر هذا العزوف من قبل تلامذتنا وأبنائنا. معتمدين في ذلك على تقنية تحليل المحتوى، والهدف منه الوصف الموضوعي للمادة التعليمية. وهي المحاور المتضمنة في المنهاج. منتهين بتفسير موضوعي ودقيق لمضامينها. وهو ما جاء في قول “laswel”: “تحليل المحتوى يستهدف الوصف الدقيق والموضوعي لما يقال عن موضوع معيّن في وقت معيّن”.([19])
ويعرّف “kaplan ” التقنية بأنها: تهدف إلى التصنيف الكمّي لمضمون معيّن، وذلك في ضوء نظام للفئات صمّم ليعطي بيانات مناسبة لفروض محددة خاصة بهذا المضمون”.([20]) وتحليل المحتوى يختص بالكشف عن الظواهر التي تيسر في الاتصال التربوي أي –الكتاب المدرسي-، فيساعدنا على رصد معدل التكرار ومواطن التركيز عليها والعبارات المصاحبة لها، وهذه الخطوات المنهجية هي التي تسمح بالوقوف على نقاط القوّة والضعف فيه.
11- الاستنتاجات العامّة للدراسة:
لقد أفرزت هذه الدراسة جملة من النتائج نقوم بعرضها كما يلي:
- إقرار المجتمع التربوي والبيداغوجي بأهمية المنهاج التربوي في إنجاح العملية التعليمية. وتثبيت مسألة الهوية الوطنية والشعور بالإنتماء الجمعي، التي تبدو ضعيفة ومهمشة في المؤسسات التربوية من خلال المقررات التعليمية في الجزائر.
- إنّ عملية اختيار المواضيع في الكتاب المدرسي المقرر على التلاميذ، خاصة كتاب مادة التاريخ، توضع لتحقيق غايات وأهداف تربوية تدعم وتخدم أهداف الخطاب الرسمي لا غير.مع تهميش الفاعلين الأساسيين وهم الأساتذة.
- عدم كفاية الكتاب المدرسي في تناول الشخصيات الوطنية. هو ما أثّر سلبا، على درجات اهتمام ومعرفة النشء بالشخصيات الوطنية التاريخية. التي لها من الوزن الحسّي والوطني والقومي، يشهد لها التاريخ المعاصر. ومُبجّلة لها، كل الشعوب الرافضة للإضطهاد والإستعمار، لما لها من خصال التضحية والعلو والإحترام.
- إعتبار التلاميذ مادة التاريخ المادة المسقطة في البكالوريا. أنتج ظاهرة التهميش القصدي لمواضيع التاريخ الوطني من قبل التلاميذ في إمتحان البكالوريا.
- المؤسسات التربوية في الجزائر، تعيش ظاهرة اللاتوافق بين مواضيع البرامج الدراسية مع الحجم الساعي، المخصص لها بشكل عام. ما أنتج أزمة بيداغوجية داخل هذه المؤسسات وهي، عدم تمكّن الأساتذة من إنهاء البرنامج. وأيضا ضآلة وضعف المعامل في مادة التاريخ، مقارنة بمعاملات المواد التعليمية الأخرى.
- التوزيع اللاعقلاني لحصص مادة التاريخ. حيث تعتبرها إدارة المؤسسة المكلّفة بالمسائل البيداغوجية من المواد التثقيفية، تملأ بها الفراغ (bouche trou) بعد توزيع المواد العلمية الأخرى. ما يجعل التفاضل واللاعدل في توزيع المواد على التوقيت اليومي والأسبوعي، يؤثر سلبا على درجة اهتمام الطالب بهذه المادة. فبرمجتها في الفترة المسائية غالبا، يضعف إقبال التلميذ والأستاذ معا عليها.
- إنّ الطريقة المعتمدة في تدريس مواضيع التاريخ المقرّرة على التلاميذ، جعلت من التلاميذ يعتمدون على الحفظ. و أكسبتهم ثقافة تميل نحو أسلوب التعميم، في طرح وفهم القضايا. وأيضا أدى إلى عجزهم عن معالجة القضايا بدّقة وتخصيص، لقضايا الواقع الاجتماعي المعاش.
- على الوسط التربوي أن يهتم أكثر بتحسين طريقة التدريس، لنقل وغرس المبادئ التربوية. والأفكار الناقلة لثقافة المجتمع، بأسلوب مشوّق يُحَبِّبُها للتلميذ. وأيضا تطوير عملية التقويم في العمل التربوي. ويتحقق ذلك، بالجمع ما بين العقل والوجدان في قالب موضوعي هادف.
- المصادر المدرسية كالكتاب المدرسي. لعدم كفايتها وعجزها عن إشباع رغبة وفضول الناشئة، و تعطشها للمعرفة الحقيقية بالواقع المحلي والدولي.
خاتمة:
لقد أكّدت لنا هذه الدراسة، أنّ مادة التاريخ تعد من أهم المواد الدراسية التي تعمل على تنشئة الطفل المحب للوطن وللأمّة التي ينتسب إليها. وذلك بتلقينه الرموز والثوابت الوطنية وغرس القيم الأخلاقية والإنسانية والوطنية فيه. وتمكينه من اكتساب ثقافة تاريخية، تمكّنه من فهم وتفسير الأحداث، التي تتعرض لها الشعوب والأمم. لذلك محتوى منهاج مادة التاريخ، يعتبر مساهما فعالا في تكوين الوعي التاريخي الوطني لدى التلميذ.
قائمة المراجع:
- عبد المجيد نشواثي،1987، علم النفس التربوي، ط03، دار الفرقان، الأردن.
- عبد الرحمان عدس ومحي الدين توق، 1984،أساسيات علم النفس التربوي، ط 04، دار جون ويلي للنّشر، الأردن.
- أبو القاسم سعد الله، 1997،الحركة الوطنية الجزائرية، ج 02، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر .
- محمد عابد الجابري ،1997، قضايا في الفكر المعاصر،مركز الوحدة العربية ، بيروت .
- أحمد حسين اللقاني،1995، المنهج، الأسس، المكوّنات، التنظيمات، ط01، عالم الكتاب، القاهرة.
- وزارة التربية الوطنية، جوان-2000، النشرة الرسمية للتربية الوطنية، المديرية الفرعية للتوثيق.
- جمال معتوق،2004 ، صفحات مشرقة، من الفكر التربوي عند المسلمين، الجزائر.
- إميل دوركايم،1990، قواعد المنهج في علم الاجتماع، “تقديم عبد الرحمان بوزيدة “، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر.
- رابح كشاد،2005، معارف نظرية وتمارين تطبيقية، مطبوعات جامعية، جامعة سعد دحلب،البليدة،الجزائر.
10- محمد بومخلوف وآخرون ،2008، واقع الأسرة الجزائريّة ،والتحديات التربوية في الوسط الحضري “القطيعة المستحيلة”، دار الملكية للنشر والتوزيع ،الجزائر.
11- عمار بوحوش ومحمد محمود الذنيبات، 1995، مناهج البحث العلمي وطرق إعداد البحوث، ديوان المطبوعات الجامعية،(د.م.ج)، الجزائر، 1995.
12- فاخر عاقل، أسس البحث العلمي، دار العلم للملايين، بيروت 1979م.
13 – تيودور كابلوف، ترجمة : نجاة عيّاش، البحث السوسيولوجي، دار الفكر الجديد بيروت 1979.
14- محمد عبد الحميد، تحليل المحتوى في بحوث الإعلام، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1979.
15- رشيد أحمد طعيمة،، تحليل المحتوى في العلوم الإنسانية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1997.
16– Centre de Recherche en culturelle, 1995.comment en Enseigne l’Histoire en Algerie, Actes du colloque enseignement de l’histoire Oran 27 – 28 Fevrier1992 Ed, CRASC,
17–Ali El Kenz, 1995. Au fil de la crise, 4 études sur l’Algérie et le Monde Arabe, Edition Bouchain, Alger.
18- Raymond Boudan. Les méthodes en sociologie. Coll. p.u.f. éd. paris. 1988.
([1]) عبد المجيد نشواثي، علم النفس التربوي، ط03، دار الفرقان، الأردن، 1987، ص 22.
([2]) عبد الرحمان عدس ومحي الدين توق، أساسيات علم النفس التربوي، ط 04، دار جون ويلي للنّشر، الأردن 1984، ص 32.
*([3]) مبارك الميلي: عالم جزائري مسلم، وعضو بارز في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وشارك في حركة الإصلاح للمجتمع الجزائري أثناء عهد الاستعمار..
([4]) أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج 02، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1978، ص 426.
([5]) محمد عابد الجابري ، قضايا في الفكر المعاصر، مركز الوحدة العربية ، بيروت، 1997، ص43.
([6]) أحمد حسين اللقاني، المنهج، الأسس، المكوّنات، التنظيمات، ط01، عالم الكتاب، القاهرة، 1995، ص121.
([7]) وزارة التربية الوطنية، النشرة الرسمية للتربية الوطنية، المديرية الفرعية للتوثيق، جوان 2000، ص146.
([8]) جمال معتوق، صفحات مشرقة، من الفكر التربوي عند المسلمين، ط01، الجزائر 2004، ص 11.
([9]) إحصائيات وزارة التربية الوطنية 2014.
([10]) إميل دوركايم، قواعد المنهج في علم الاجتماع، “تقديم عبد الرحمان بوزيدة “، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر 1990، ص41.
([11]) رابح كشاد، معارف نظرية وتمارين تطبيقية، مطبوعات جامعية، جامعة سعد دحلب، البليدة، الجزائر، 2005، ص 38.
[12]– محمد بومخلوف وآخرون ، واقع الأسرة الجزائريّة ،والتحديات التربوية في الوسط الحضري “القطيعة المستحيلة”، دار الملكية للنشر والتوزيع ،الجزائر،2008 ، ص ص 297-305.
(1) عمار بوحوش ومحمد محمود الذنيبات، مناهج البحث العلمي وطرق إعداد البحوث، د.م.ج، الجزائر، 1995، ص128.
[14] –نفس المرجع، ص ص 131-132.
([15]) Raymond Boudan. Les méthodes en sociologie. Coll. p.u.f. éd. paris. 1988. p31.
([17]) إحسان محمد حسن، الأسس العلمية لمناهج البحث العلمي، ط 02، دار الطليعة، بيروت، 1986، ص 65.
([18]) تيودور كابلوف، ترجمة : نجاة عيّاش، البحث السوسيولوجي، دار الفكر الجديد بيروت 1979، ص 171.
([19]) محمد عبد الحميد، تحليل المحتوى في بحوث الإعلام، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1979، ص 13.
([20]) رشيد أحمد طعيمة،، تحليل المحتوى في العلوم الإنسانية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1997.، ص 21.