شبكة السّمات في اللغة العربية: مقاربة عرفانية
د عبد الكبير الحسني ـ جامعة السلطان المولى سليمان ـ المغرب
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 36 الصفحة 29.
تقديمإذا كان من الطبيعي أن يفهم الإنسان طبيعة التعقيد الذي يتحكم في مستوى لغته، فإن ذلك يتطلب البحث في السّمات (Feature) التي تتحكم في بنيات تراكيبها اللغوية، وهي السمات التي تشتغل داخل نظام محوسب ومنهجي يضمن للتركيب سلامة لغوية أكثر قوة وأقل هامشا للخطأ، لكن مع النظر بعين الاعتبار إلى المكانزمات التي تتولد وفق عمليات داخلية نتصور من خلالها اللغة نظاما نسقيا من السمات التي تتوزع بطريقة فعّالة ومنهجية داخل النظام الحاسوبي لبني البشر.
نفترض، بناء على هذه المعطيات، أن اللغة لا يمكن أن تُفصل عن باقي المكونات المَقولية التي يحركها الإدراك (Perception)، فهي ليست نشاطا مستقلا بذاته، بل تدخل في بناء خطاطات وصيغ (Schemes) تتولد من منطلق أنماط أولية وأصلية (Types primitive)، وعوامل (Operators)، فتعدّ السمات ، بهذا المعنى، شبكة مبنية من الدلالات التي تربط بينها علاقات متنوعة[1]، إذ تستمد المعاني المرتبطة بها من خلال اشتقاق تفاعلاتها الموجودة بين المعنى النووي[2] وتشكيل المعاني، بالإضافة إلى عامل مهم يتمثل في طبيعة المستعمل و مستوى معارفه ، ومن تم فإن التمثيل الدلالي إلى جانب الآليات المعرفية، إضافة إلى موقعة اللغة، كلّها تستنجد بتعدد السمات لبناء سمات دلالية على المستوى المعرفي في اللغات الطبيعية، اعتبارا أنها لا تملك خصائص دلالية ثابتة تتكرر في جميع الاستعمالات و السياقات انطلاقا من مبدأ التوافق الذي يربط بين المقولات و شروط دلالتها السياقي، لذلك يكون التمثيل الدلالي للسمات شرطا ضروريا لتزويد الشبكة العالمية بخصائص اللغة العربية عبر كل المستويات، و هو التمثيل الذي بَنيناه على فرضية أن خط السمات من حيت تسلسله و مصفوفته واحد، فكلّ متكلم ينتقي من سيرورة تلفظه ما يناسب سياقه الاستعمالي[3] .
- التمثيل الدلالي للسمات.
ما يحسب للسانيين اليوم أنهم استطاعوا أن يحللوا الكثير من الظواهر اللغوية القديمة ويعيدوا تفسيرها من جديد تعميقا وتحليلا ومعالجة، بل إنهم غيّروا من نظرتنا للنحو القديم بتجديدهم المتواصل لنظرتهم لتراثنا اللغوي القديم، وحتى لا نتحامل على الكثير من الباحثين المتعصبين ، فإن الدرس اللساني الحديث كشف كنوزا جديدة كانت مخبأة داخل قواعد سطحية، وظواهر لغوية بسيطة، وقواعد نحوية مستهلكة، وذلك من خلال الكشف عن عناصر جديدة فسّرت الموجود بطريقة محوسبة و ممنهجة [4].
من أشد الأمور حساسية و دقة في الدرس اللساني الحديث دراسة السمات، وهي الدراسة التي تشتغل على مسألة جوهرية ترتبط بظواهر الإصهار (Fusion) والكبس (compression) و الشطر (fussion) التي تحدث عنها الفاسي الفهري [5]1997. وهي مجموعة من العمليات التي ترتبط تحديدا بكون جميع المقولات اللغوية الفعلية مثلا تكبس ضمنها الكثير من السمات التي تحدد طبيعتها المقولية و المعجمية والدلالية ، بل إنها تعمل على تحديد حتى المجالات التي يجب أن ترد فيها تواصليا. ومن الأمثلة على ذلك أن تقول: [ضرب] فتحدد سماته المكبوسة داخله في كونها [+ف] [+حدث] [+فا] [+أثر] [+متعدي][+ضحية]… وهي السّمات التي يحتاجها الفعل في بناء المقولة ؛ إذ يصعب على اللغة أن تكشفها في كلّيتها، بل نكتفي في المعجم بالوقوف عند مستوى الصورة المعجمية (المدخل المعجمي) دون حتى الإشارة إلى مكونات الفعل الحقيقة.
فإذا كان المعجم لا يقدم تفاصيل حول السّمات التي تحملها مداخله معجمية ، فإن الأمر انعكس سلبا على باقي المستويات الأخرى المشاركة في عملية التحليل اللغوي، الشيء الذي دفعنا نحو البحث في السبل التي تجعل من السمات أقوى عملية تركيبية تشهدها لغات العالم، لأنها تؤشر بشكل كبير على المسار الدلالي للمفردة. وبما أن مشروع مركزية السمات الدلالة كما يتصوره الدلاليون المعرفيون (لانكاشير Langacher)، ( إيفانس Evans)، حاول أن يقدم نفسه في صورة شمولية تكتفي بالتحليل الدلالي في مركزيته، و دون إسقاط لباقي مكونات داخل العمليات التركيبية، فإن مشروع البحث في السمات الدلالية ودورها في تنظيم وحوسبة العمليات الذهنية للتراكيب اللغوية له أبعاد ترتبط بقوة اللغة وغناها المعرفي و الدلالي ، كما يساعدنا هذا المشروع في فهم و إدراك أن اللغة العربية من أقوى اللغات السامية التي استطاعت أن تجد لنفسها نظاما حاسوبيا غنيا استوعب بشكل كبير الكم الهائل من الأمواج المعلوماتية لدرجة أن الكثير من المشككين في قدرة صمودها تنبؤوا بقرب كتابة شهادة وافتها، وعليه فإن مشروع البحث الذي نقترحه هنا ينطلق من افتراض أن دلالة السّمات هي المسؤولة عن توزيع المفردات داخل بنية المعجم في اللغة العربية بناء على ما هو مقدم داخل مشروع مركزية السمات في الدلالة المعرفية، الشيء الذي يتحكم في توزيع الشبكة الدلالية للسمات وفق مقتضيات الاستعمال و الانتقاء على الشكل التالي:
المدخل المعجمي: [+ محور] [+ منفذ][+ ضحية] بالنسبة لسياق الرتبة [ف + فا+مف]
[+ف] [+اسم] [+ اسم]
[فعل] [+محور][زم][+حدث][+- متعدي][+-لازم][+-حالة/نشاط/إنجاز/إتمام]…
[اسم] [+فا][+-جامد][+-عاقل][-حدث][-زمن][+-حد][+-عدد][+-جنس][منفذ]…
[اسم] [+مف][+-جامد][+-عاقل][-حدث][-زمن][+-حد][+-عدد][+جنس][+فضلة]…
و عليه سيكون من السهل جدا أن ندافع عن فكرة أن مكونات السمات الدلالية في اللغة العربية قابلة لكي تبرمج معلوماتيا باعتبارها مداخل معجمية يتم برمجتها ذهنيا لكي تستجيب للتطور الهائل الذي تعرفه اللغة، و تعمل على تنظيم اللغة و حوسبتها وفق برامج آلية دقيقة تشبه إلى حدّ كبير البرمجة الذهنية للغة، كل هذه المعطيات لها ما يبررها لانسجامها مع العديد من الشروط الضرورية والكافية القادرة على رصد تحركات السمات اللغوية ضمن هندسة دلالية منظمة.
2 – هندسة السمات الدلالية.
أشارت كتب النحو العربي في مجملها أن مكونات الفعل العامة تتلخص في [زمن + حدث] وهي المكونات التي يمكن أن نعتبرها تلخص أكثر الجانب التركيبي للفعل ، مما يعطي الانطباع أن القواعد العامة المتحكمة في مقولة الفعل لا تخرج عن باب الزمن والحدث باعتبارها حدودا تفسر أن للفعل ثلاث أزمنة أساسية و حدث يتموقع وفق طبيعة الحدوث، و منفذه، و الذي يقع عليه.و هي جوانب منهجية رسمت الخطوط العريضة للتحليل اللغوي عند فقهاء اللغة.
إضافة إلى الجانب المنهجي المرتبط بالجوانب التركيبية للفعل ، هناك سبب آخر يدفعنا إلى السعي وراء إثبات أن هذا الجانب قد أصبح من علوم تراثنا النحوي القديم و المتمثل تحديدا في كون الفعل خزّان معجمي من السّمات التي تنصهر داخله بصورة منهجية و محوسبة. فإذا كانت الدلالة المعجمية تنطلق في البحث من الفعل نحو الجملة، فإن الدلالة المنطقية تنطلق من الجملة نحو الفعل لتمثيل الوقائع الدلالية التي ترتبط بالخصائص المتعلقة بالحدث في الفعل[6]. لذلك فإن الدلالة التي نحتاجها اليوم يجب أن تفسّر لنا حضور هذا الكم الهائل من السمات داخل البنيات المعجمية، بل ويجب على النظرية الدلالية أن تعمل على فحص (cheking)كلّ السمات من أجل بناء نظام لغوي متماسك ومُفسَّر بطريقة هندسية تحترم خصوصيات البناء الذهني، فلا يعقل أن يترك المجال إلى الصُّدفة، كما لا يعقل أن تنحصر محددات البحث في دلالة الفعل مثلا على المحور وموضوعاته، أو على المحور و المنفذ و الضحية. بل يجب على النظرية الدلالية أن تكون أكثر جرأة في الكشف عن السمات المعجمية المسؤولة على سلامة الفعل تركيبا، و بالتالي فإننا نعتقد أن مركزية التفسير الدلالي هي الأكثر حضورا وقوة من مركزية التركيب اللساني في هذه النقطة[7].
لقد تحدثت اللسانيات التوليدية عن وجود العديد من الأفعال التي تشتق منها سمات تحدد مقولة الفعل، و سمات أخرى تشتق منها مقولة الاسم ، وهي السمات التي ترتبط تحديدا بهندسة للسمات الإعرابية Feature geometry of case) ) كالوجه والموجه والزمن و التطابق…،وهي السمات التي تمت ترجمتها تركيبيا بالمقولات الوظيفية (Functional categories)، وهي المقولات التي تأتي دائما مصاحبة للمقولات المعجمية التي تكوّن التركيب ، وبالتالي تم الحديث عن الدور الذي تلعبه السمات في تحديد نوع الإسقاط المعجمي أو الوظيفي المناسب داخل مجال التركيب،إلا أن النظرية المؤطرة لطبيعة العلاقة بينهما تساق بناء على نظرية محددة و محوسبة بدقة متمثلة في “نظرية فحص السمات” كما وردت عند تشومسكي في البرنامج الأدنوي [8] .
إذا كان شيوع الشيء يقدم دليلا على صحته، فإننا نريد أن نفند هذه المزاعم لمحاولة زعزعة النظام المعرفي للنظرية التركيبية و محاولة إيقاظ أشباح النظرية الدلالية لكي نعيد مرة أخرى طرح بعض الأسئلة الجوهرية ضمن اللسانيات بشكل عام، فما تم اعتباره سمات للفعل ( الوجد ،الموجه،التطابق، المصدري…) في نظرية التركيبية نعتبره نخن سمات دلالية تساهم في إحاطة الفعل دلاليا، من جهة بالعوامل المتدخلة في تباته، ومن جهة أخرى، فإن كل تلك السمات ما هي إلا مقولات وظيفة تعمل على صياغة الفعل دلاليا لتمنحه سلطة الخروج إلى التركيب ،وبالتالي فإن مركزية الدلالة التي تمنح للفعل أو الاسم هي المساهم في نقله إلى التركيب ، و من تم إلى الاستعمال[9].
إذا كان الهدف من التحليل اللغوي هو معرفة خبايا الكلمة، فإن التفكير في البحث عن السمات شكل نقطة انطلاق مهمة لتبيان أن الكلمة ما هي إلا وجه بسيط جدا من المعلومات و المعاني، على اعتبار أن البحث في دواخلها ينم عن وجود عالم لغوي أخر له غناه و مسوغاته التي تدفع به إلى الاستعمال السليم داخل مجال اللغة، أما و أن نبرمج ذلك وفق آليات معلوماتية حديثة فإن ذلك يستجيب لضرورات حتمية فرضها التطور، لذلك فإن إي برمجة معلوماتية لأي مفردة يجب أن يؤسس له من منطلق هندسة لغوية عامة التي أفرزها البحث اللساني حول السمات، فمثلا إذا أخدنا مدخلا معجميا من قبيل : كتب أو جرى أو بلغ أو أتم أو أحب أو مرض أو رقص، فإننا نكون أمام عالم من السّمات التي تدفع بنا إلى التأكيد أن بينها بون شاسع من الاختلاف.
وما يدعونا إلى التساؤل هو أن طبيعة السمات الواردة في (كتب) مثلا قابليتها أن تؤول على الاستمرارية، إلا أن مجموعة من الملاحظات يمكن أن تستنبط عن بعد، وهي أنه إذا كان صادقا أن أحدا يكتب الآن ، فإنه وإن انتهى من الأمر في اللحظة الموالية، فإنه سيكون صادقا أنه كتب، ومن جهة أخرى، إنه وإن كان صادقا أن أحدا كتب ساعة حتى الآن، فإنه وإن انتهى من الكتابة في أي لحظة موالية، فإنه قد يكون صادقا أنه قد كتب في ساعة، بمعنى أدق، إذا توقف أحد عن الكتابة في ساعة، فإنه لن يكون قد كتب في ساعة، ولكن من يتوقف عن الكتابة يكون قد كتب، وبالتالي لا معنى للحديث عن إكمال الكتابة. فنصل إلى أنه إذا لم تكن الكتابة نقطة نهاية، فإن الكتابة في ساعة لها ذروة / قمّة يجب بلوغها، لذلك يكون السؤال عن ذلك بالمدة تحديدا (ما المدة التي استغرقتها في الكتابة؟). نستخلص كذلك من هذه الاعتبارات أنه إذا كان صادقا أن أحدا كان قد كتب لمدة ساعة من الزمن، فإنه يجب أن يكون صادقا أنه كتب خلال كل أطوار هذه الساعة، غير أنه إذا كان صادقا أن من كتب نصف ساعة، فلا يمكن أن يكون صادقا أن الكتابة كانت في ساعة كاملة من كلّ الأطوار الفعلية لهذه الكتابة، رغم كونه يبقى صادقا أنه كان يكتب ومنخرطا في ذلك خلال كل الأطوار الفرعية التي تتكون منها تلك الساعة، لذلك فإن كل جزء من الكتابة هو من طبيعة الكلّ نفسه[10].
إن ما ينطبق على الفعل كتب قد ينطبق على باقي الأفعال الأخرى، فنحن لا يهمنا جرد حصيلة كل الأفعال التي تشكل اللغة العربية، بل هدفنا أن ننبه أن بينها فوارق كبيرة في المعنى، و هي الفوارق التي تعزى إلى السمات التي يحملها الفعل داخل المعجم، كما ننبه إلى أن المعجم اللغوي لا يراعي كل تلك التمايزات الموجودة في الفعل كتب مثلا، فما بالك بباقي الأفعال الأخرى، لذلك يجب أن نبني معجما بديلا منظما يحترم الخصوصيات الداخلية التي تكبس داخل مداخله، و هو المعجم الذي يجب أن يبنى على معلومات تحترم خصوصيات السمات التي يحملها كل مدخل معجمي، بمعنى أدق يجب أن نبني معجما استراتجيا تظهر فيه الكلمة مع باقي سماتها التي ترافقه بالنظر إلى طبيعة الفعل كما هو مبين في المثال التالي:
- أحب: [+ فعل] يؤشر على الحالة Status: تؤشر الحالة إلى ظرفية زمنية محددة لكونها تعمل على تأطير الزمن.
- بلغ : [+ فعل] يؤشر على الإتمام Achievement: يؤشر الإتمام على خلفية زمنية نعبر عنها بالمدة (ثلاث ساعات)
- جرى: [+ فعل] يؤشر على النشاط Activity: يؤشر النشاط على خلفية زمنية مبنية على التواتر (دائما، كل يوم..)
- كتب: [+ فعل] يؤشر على الإنجاز Accomplishment: يؤشر الانجاز على فاصل زمني محدد (أنجزت العمل بين 8 و10)[11].
إن ربط اللغة بالسمات يعود بالأساس إلى النسق الذي يفرض علينا أحيانا أن نقرأ المداخل المعجمية من زوايا مختلفة، إذ يفرض علينا أيضا أن نجعل من الكتابة والبلوغ والجري والحب… طبقات فعلية لا يمكن أن تقوم إلا بالنظر إلى طبيعة السمات الذي تقع داخلها، بل إنها أفعال تُفحص (Cheking)وفق هندسة ذهنية قوية من قبيل: التواتر، السيرورة، اللاسيرورة، المحدودية، اللامحدودية، المدة، الفترة…. الخ، إننا نجعل من السمات رموزا إيحائية تساعدنا على فهم تصوراتنا للمقولة، وتساهم أيضا في رسم خطاطة تقنية عن طبيعة الحمولة الدلالية التي نبني من خلالها نسقنا اللغوي[12].
لذلك فنحن نقترح أن بمجرد أن يدون الباحث المدخل المعجمي المطلوب، تظهر له خانة جانبية تبين له كل السمات التي تتدخل في بناء معناه، و هذا باب لا يقتصر على الجوانب التركيبية و الدلالية، بل حتى طبيعة الأصوات التي تشكل البناء العام للكلمة، ليبقى على النظرية اللسانية أن تكشف عن السمات الكبرى التي تساعدنا بشكل أو بأخر على عملية الفحص.
نصل إلى خلاصة مفادها أننا لا يمكن أن نقيّد الأفعال ضمن طبقة محددة من السمات، بل يجب أن نراعي في ذلك مجموعة من الاعتبارات التي تُمنح من الهندسة العامة لبنياتها الداخلية، فما تحدثنا عنه لا يرتبط بسمات خاصة و محددة، بل إن التحليل المعجمي الذي يقوم على فكرة السمات يراعي العوالم اللغوية المنصهرة داخل المداخل العامة المشكلة للمعاجم العربية، الشيء الذي يؤكد الطرح الذي انطلقنا منه، وهو ضرورة التركيز على كلّ السمات الداخلية قبل الحسم في وجهة المدخل المقصودة، بل إن هذه الخلاصة تقودنا ، حقا، إلى اعتبار أن الشبكة العامة للسمات تعيش سيرورة تفاعلية قد تنقل النشاط إلى إنجاز، والإنجاز إلى إتمام، وهكذا، الشيء الذي يمنحها قابلة للتأويل والقراءة من جوانب مختلفة تجعلنا نعتبر الإنجاز كمّية محدودة، ونعتبر النشاط كمّية غير محدودة ، وهكذا…
إذن، نحن بصدد معالجة مهمة لمسألة معجمية معقدة جدّا، وهي المسألة التي تفترض وجود مجموعة من البنيات الداخلية من قبيل: [±محدود]، [±سيرورة]، [±انجاز]،[±إتمام]، وهي بنيات لا تؤشر عليها الأفعال في المعجم، بقدر ما يتم استحضارها عبر سمات تبنى فقط في التراكيب بواسطة حوسبة تأليفية[13].
وبهذا يكون نسق سمتي[±محدودية] في علاقته بالسمات الداخلية موزع على الشكل التالي:
[+ مح] ــــــــــــــ حدث مغلق (بلغت القمة في ساعة)
[+ مح] ــــــــــــــ حدث تكراري محدود (أكتب رواية)
[- مح] ــــــــــــــ سيرورة غير محدودة (أنام)
[- مح] ــــــــــــــ سيرورة تكرارية غير محدودة (أصلّي باستمرار)[14].
بناء على هذا التوزيع المعقد للسمات في اللغة العربية ، فإن من أشد الأمور وضوحا في تفسيرها أن يجد الباحث نفسه أمام عالم ميسر من المعلومات، و هي المعلومات المشخصة في شكل سمات مكبوسة يحتاجها المتكلم لتبيان النسق الداخلي للمدخل المعجمي المراد البحث عنه، لذلك نحتاج إلى ضرورة بناء برمجة معجمية للسمات لتسهيل عملية البحث وتيسيرها؛ لنربح بذلك الجانب المنهجي في توزيع مفردات اللغة ، و من زاوية أخرى نبيين أن اللغة العربية من اللغات التي تعرف غنى اشتقاقيا على مستوى التصريف و على مستوى السّمات.
3 – برمجة السمات الدلالية.
من المؤكد أن نظرية فحص السمات تعتبر في البرنامج التوليدي الأدنوي من المقاربات التي أولت اهتماما كبيرا للمقولات الوظيفية باعتبارها انعكاسا للبنية الصرفية في اللغات الطبيعية، وبالتالي فهي إسقاط لسمات الصرفية داخل مجال التركيب، وبالتالي فإن أهم عمل أسس لهذه المسألة يعود إلى بولوك(89) Pollock))[15] الذي افترض فيه أن المقولات الوظيفية ما هي إلا تفكيك للصرفة التي تتضمن مجموعة من السمات على الشكل التالي:
- الفعل (م معجمية) (م وظيفية) [ التطابق][ الزمن][الوجه] [المصدري]
فإذا كانت اللغة العربية من طينة اللغات التي تخضع تراكيبها لبنية ترابية تعمل على تصدير الفعل، فإن اشتقاق الرتبة فيها يكون [ف+فا+مف] ممّا يحتم على النظرية التركيبية أن تبحث في الدوافع و الملابسات التي تساهم في اشتقاق هذه الرتبة دون غيرها[16]. فمحاولة الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري أن يجد مبررات لهذه الرتبة من خلال حديثه أن اللغة العربية لما تصدّر الفعل فإن ذلك يكون للعناية و الاهتمام، وهي المقاربة نفسها التي نجدها في أعمال سيبويه الذي يعتبر رتبة [فا+ف+مف] رتبة شادة في اللغة العربية إن لم نقل لاحنة.
هناك مقاربة للدكتور محمد الرّحالي تبنى فيها أن الفعل في رتبه [ف+فا+مف] يصعد في البنية التركيبية إلى التطابق فيفحص السمة بدقة، ثم يصعد بعد ذلك إلى الزمن فيفحص السمة، فإذا كان الفعل في بنية تركيبية معينة تصحبه موضوعاته من قبيل [قرأ الولد الرسالة] فإن الفعل (قرأ) يخلق بنية ملحقة ويفحص سماته، وتصعد الرسالة إلى مكان مخصص، ويفحص سمات النصب ، بعد ذلك يصعد الفعل ويخلق لنفسه البنية نفسها، و الفاعل يصعد إلى مخصص الزمن، وبعد ذلك يصعد الفعل إلى التطابق فنحصل في النهاية على رتبة [ف+فا+مف][17].
من أهم الخلاصات التي يمكن استنباطها من هذه المقاربات أن سمات المقولات الوظيفية محددة لنوعين من السمات المقولية: [ +ف] [+ اسم]، و هي السمات التي تحرك الحوسبة (Computation) ، إذ يفترض في البرنامج الأدنوي التوليدي Generative Minimalist Program)) أن كلّ المقولات المعجمية تدخل إلى النظام الحاسوبي وهي تامة التصريف، فيضطلع النظام التركيبي بالبحث عما إذا وافقت السمات الموجودة في التعداد أم لا؛ أي أن السمات التي يتم فحصها في بنية تركيبية من قبيل [قرأ الولد الرسالة] تنطلق من أن كل مكونات هذه البنية تخرج من المعجم وهي تامة التصريف، أي أنها تدخل إلى التركيب بسمات صرفية، فنطبق عليها عمليات تركيبية للكشف عن مدى موافقة السمات الوظيفية للسمات المخصصة بها لهذه الكلمات، فالسمات الفعلية يتم فحصها من قبل المركب الفعلي ، و السمات الاسمية يفحصها المركب الاسمي في مجال المخصص، فيكون المبرر لوجود المخصص هي السمة الاسمية التي يملكها الرأس / الفعل ( المركب الفعلي)[18].
عموما فإن اللغة ينبغي أن تتضمن في تراكيبها ما هو ضروري فقط، أيّ كلّ ما يحتاجه النظام اللغوي لكي يؤول في الأنساق الخارجية أو الوجيهية، بمعنى أن النظام النحوي ينبغي أن يتضمن فقط ما يؤول في الصوت وما يؤول في المعنى، لكن ما يهمنا هنا هي المسوغات التي تحتاجها اللغة لكي تؤول مفرداتها وتراكيبها في المعنى، وهي مركز التأويل الدلالي الذي تمتلكه كلمات اللغة الطبيعية، فإذا كانت النظرية التركيبية في كلّ صيغها القوية قد حوسبت النظام التركيبي للكلمات وفق السمات التي تتحقق منها في التركيب، فكيف يمكن أن تفسّر لنا مسوغات التأويل الدلالي في : ” قرأ الولدُ الرسالةَ” فهل يجوز أن نقف عند حدود مجال التركيب لكي نفهم سياق الجملة؟ أم أن الدور الذي تلعبه الدلالة هنا يكاد يكون أقوى من الناحية النظرية من مسوغات التركيب، ثم ما هي السمات التي مكّنت الجملة من تحقيق سلامتها التركيبية؟
إذا كان السياق الوارد في “قرأ الولد الرسالة ” قد عولج وفق سماته التي دفعت به إلى وجهتي الصوت و المعنى، فإن الدافع الكبير الذي كان وراء ذلك هي الاعتبارات الدلالية التي يحملها الفعل (قرأ) وموضوعاته [ الولد +الرسالة] فلو تصورنا هذا التركيب بصورة مختلفة تماما من قبيل [ قرأ الحائط الرسالة] لتغير سمات النظرية المعرفية وتكونت سمات أخرى بقوالب غير مقبولة نسقيا، وبالتالي فإننا نحتاج ضمنيا إلى سمات دلالية مركزية تستهدف التراكيب لتؤوله مباشرة إلى صوت، ثم تنتقل إلى مقبولية الاستعمال لتؤسس للمعنى. وهي نتيجة تعود بالأساس إلى أن التركيب ما هو إلا واجهة خلفية للمعنى وخرج اكوستيكي (output) لما هو دلالي في الأصل، وليس العكس كما تدّعي الكثير من النظريات التركيبية المعاصرة. لنتأمل التراكيب التالية :
1 – قرأ زيد الرسالة.
2 – *قرأ الحائطُ الرسالة
-3 أكل الولد التفاحة.
-4 *أكل الحائطُ التفاحة.
إن المتأمل لهذه التراكيب يدرك نظريا أن الكثير منها شاد نحويا ودلاليا، ولكي تجد النظرية التركيبية حلا لطبيعة هذه الجمل اقترحت نوعين من الإعراب: إعراب بنيوي وهو في نظرنا إعراب مواقع فقط قد تحول الجمل في (2 ) ( 5 ) إلى جمل سليمة بحكم أن المواقع التي تشغلها تتوفر فيها سمات الرفع (الفاعل) ونصب (المفعول)، أما الإعراب الثاني هو الإعراب الدلالي وهو الذي يسقط البنى الواردة في ( 2) ( 5) وسيسمح بمرور البنى الواردة في ( 1 ) ( 3)، وهذا أكبر دليل على أن الاعتبارات الدلالية التي نحتاجها في تأويل التراكيب الواردة أعلاه مركزية وأساسية، لا غنى عنها لكي تسوغ بنياتها بطريقة سليمة، بل إن السمات الدلالية التي يجب أن تتوافر في الفعل (قرأ) و(أكل) يجب أن تنسجم مع طبيعة الموضوعات المرافقة له ( الولد، الحائط،) ، فإذا لم تنسجم تسقط البنية مباشرة . لتوضيح ذلك أكثر نفترض أن السمات الدلالية الموجودة في الفعل أكل وقرأ يمكن تفسيرها على الشكل التالي:
- أكل: [ + فعل] [ +حدث ] [ + زمن ] [ + مح ] [ + متعدي ]…
- قرأ: [ +فعل ] [ +حدث ] + [+ زمن] [ -مح ] [ + متعدي ]…
في حين أن السمات الدلالية التي تتطابق مع الأفعال تتركز حول:
- الولد : [ +اسم ] [ – حدث ] [ – فعل ] [ + حي] [+عاقل ] [ – فهم ]
- الحائط: [ +اسم ] [ – حي] [ + جماد ] [ -عاقل ] [ – فهم ]
إن سمة [ – عاقل ] بمقارنتها مع سمة [ + عاقل ] هي المسؤولة دلاليا على إسقاط السياق الوارد في(2) (5)، أي أن التقاطع الحاصل بين السمات [ +حدث ] [- حدث] في المستوى الدلالي للاسم /الفعل هو الذي جعل من عدم تطابقهما أمرا مستبعدا أو شادا بحكم أن الفعل ينتقي سماته بناء على طبيعة السمات التي ينبغي – بالضرورة – أن تتطابق معه في التركيب، لذلك لا يمكن – كما لا يعقل- أن تربط بين السمات الدلالية للفعل “قرأ” أو “أكل” وبين سمات الموضوعات التي رافقتها في التركيب ( الحائط…)
إن القيود الصارمة التي يفرضها مبدأ إسقاط السمات على الأفعال و الموضوعات هي من الأمور المهمة التي حفزت مشروع الدلالة المعرفية على اختزال الكثير من المقاربات من أجل فك شفرة التراكيب اللغوية داخل اللغة العربية، بل إن مشروع مركزية الدلالة في البحث اللساني الحديث قاد بالتأكيد إلى خلق فضاء معرفي جديد تبنى من خلاله منطلقات لسانية أخرى – مركزية التركيب- مركزية الصرف ، مركزية المعجم… لكي تحاط النظريات المعرفية كلّها بأهمية العودة إلى الدلالة باعتبارها مركز التأويل الدلالي و مركز خرج السياق في ارتباطه بالمعنى. تبعا لذلك يمكن أن نؤكد أن الفعل يرتبط أشد الارتباط بطبيعة الموضوعات التي تساوقه، على اعتبار أن كل موضوع يمثل تصوريا امتدادا لمعنى أو لجزء منه، و الجزء هنا يحيل على سمة من السمات التي تبني أساس المعنى الكلي، إلا أننا نؤكد أن كل المعاني الجزية هي في نظرنا سمات لمعنى نووي عام يضبط سيرورة تحرك المفردة في اللغة ، و خير مثال على ذلك أن تعرف أن العشق و الصبابة و الولع و الغرام …..تحمل كلها سمات لمعنى الحب لكن بدرجات مختلفة.
قد يعدو هذا الكلام قريبا من الوصف منه إلى التحليل ، لكن كل الحجج المقدمة في اللغة تثبت فعلا أن نظرية فحص السمات هي نظرية دلالية أكثر منها تركيبية رغم أنها ولدت في أحضان النظرية التركيبية للنحو التوليدي في صيغته المتأخرة، اعتبارا أنها تشتغل في البحث عن التوافق الحاصل بين سمات المقولات المعجمية و العناصر الممثلة لها في المقولات الوظيفية، وبذلك فهناك علاقة وطيدة بين المكون الدلالي و المقولات الوظيفية التي تعتبر مجالا لتمثيل السمات الصّرفية للمقولات ، أو لنقل المجال المقولي لتمثيل السمات الصرفية ، اعتبارا أن الفحص يكون في المستوى الوظيفي، و مادام أنه يكون في ذلك فإن المتحكم الأساس في ذلك هي الدلالة وليس التركيب ، لأن التركيب ما هو إلا واجهة بسيطة للدلالة، أو لنقل إن الأبنية التي تساق على المستوى الدلالي تتم ترجمتها على مستوى التركيب والاستعمال.
من الحسنات التي يقدمها هذا المشروع أن أساس بنية الذهن البنيوي مبني ومؤسس على عمليات حاسوبية دقيقة ومعقدة تؤمن أنه كلّما كانت العمليات الحاسوبية أكثر دقة تكون المعالجة الدلالية أسرع في إخراج البنى السليمة ، لذلك قد نتصور الذهن البشري عبارة عن آلة تعمل على رصد العمليات الحسابية بصورة دقيقة وسريعة، كما يساعدنا هذا الطرح على إمكانية إخراج معجم معلوماتي مبني على تشخيص دقيق لسمات المداخل المعجمية، هي الصورة التي تعكس بقوة أن ما هو معالج على المستوى الدلالي من انتقاء وفرز، هي في الأصل إلا عمليات حسابية تتسم بقوة الحضور وسلامة التركيب، التركيب بهذا المعنى نتيجة لما هو مؤول و محوسب داخل مجال الدلالة ، ولا يمكن أن نعتبره سببا في كشف ملابسات البنى الدلالية.
4 – لا تعالق سمات الدلالة وسمات التركيب
يملك ذهن الإنسان الكثير من الطاقات و القدرات التي تدفع إلى القيام بالعديد من العمليات الحسابية للغة ، وبالمعالجة الفورية للمعلومات اللغوية التي يخزنها (المعجم الذهني) أو الوافدة عليه من المحيط اللغوي الذي يعيش فيه ( العشيرة اللغوية)[19]، فإن الهندسة العامة للذهن البشري توافق بين دلالة وتركيبها، وهو التوافق الذي نفترض أنه يتجسد من خلال قدرة الذهن البشري على قولبة المقولات الأنطلوجية وفق الترابط الذي تسمح به علاقة اللغة بالفكر ، و هي العلاقة التي تسمح لنا برصد خلاصات مفادها :
- إن للفكر وظيفة ذهنية منفصلة تماما عن اللغة ويمكن لها أن تعمل في غيابها.
- إن اللغة بناء يمكن من إيجاد أنواع من التفكير أعقَد من التي في متناول الذوات غير اللغوية[20] .
بناء على هذين الاستنتاجين نطرح السؤال صحبة محمد غاليم (2007) عن مقدار هذا الجزء من قدراتنا على التفكير الذي يرتبط فقط بأدمغتنا الذكية، وما مقدار الجزء الذي يرتبط بشكل خاص بوجود ملكة لغوية ولماذا. و قدّم الرجل مثالا على ذلك، كون أن قالب اللغة ( المختص بترميز البنيات النحوية بمستوياتها التركيبية و الصوتية و الدلالية) لا يتفاعل مع قالب البنية التصورية (المختص بترميز الأفراد و المقولات والتأليف في ورودات و أنماط حالات وأحداث في المجالات المحسوسة و المجردة على السواء) والذي يتفاعل بدوره مع قالب المعرفة الفضائية[21].
يمكن أن نلخص ما قيل في فكرتين جوهرتين: أولهما أن قالب اللغة مرتبط أشدّ الارتباط بكمية التصورات التي يشكلها الأفراد داخل مجتمعهم اللغوي، بمعنى أن العشيرة اللغوية هي التي تمنح للفرد كمية عن طبيعة تصوراته وحجمها ودلالتها،وهو التفسير الذي يمكن أن يساهم بشكل كبير في فك ذلك التحالف الذي ظل صامدا بين التركيب والدلالة ، فلو سلّمنا جدلا أن اللغة تشتغل بعيدا عن الفكر، وأن الفكر له ارتباط بالوظيفة الذهنية للدماغ، فإن ما يمكن أن نسميه تفكير لغوي، أو لغة الفكر أو المفكر فيه لغويا ما هي إلا عوالم لها قوائمها الذاتية ومحيطها الذي تشتغل فيه. فالملكة اللغوية في كلّ جزئياتها تسمح للدلالة أن تشتغل بعيدا عن التركيب وليس العكس ،لأن المحيط الذي يفسح المجال للتركيب اللغوي يجب أن يستند في بداية مشواره الداخلي على مسلمات دلالية مركزية وليس العكس ، بمعنى لا يمكن أن نستنتج التركيب ثم نبحث عن دلالته، فلو كان هذا الكلام صحيحا لما أمكن لنا أن نتحدث بالطريقة المعتمدة حاليا، بل إن ما يزكي ذلك هي النظرية التي تقدم بها فكونيي (Gilles Fauconnier) (85) حول الفضاءات الذهنية عند الإنسان ملخصا إيّاها في كون العمليات الذهنية التي تكون على مستوى الدماغ البشري فيما يتعلق بإنتاج اللغة لا توازيها البساطة في طرح مفرداتها، أي أن الدماغ سيفعل الكثير من المكانزمات الداخلية المعقدة قبل أن يسمح لعبارة ما للخروج على المستوى الصوتي. وهذا دليل آخر ينضاف إلى الأدلة التي تبين مركزية التحليل الدلالي للسمات في إنتاج الخطاب اللغوي وسلطته القوية على تراكيب اللغة العربية[22].
فإذا كانت بنية النحو عند التوليديين في نماذجها المتأخرة (نظرية المبادئ و الوسائط(Principles and Parametres) ، و البرنامج الأدنوي قد شكلت وفق منظور حسابي يمكن تلخيصه على الشكل التالي:
أ – نظرية المبادئ و الوسائط:
معجــــم
بنية عميقة
بنية سطحية
صورة صوتية |
صورة منطقية |
- نظرية البرنامج الأدنوي:
معجـــم
(ضم)و(نقل)
صورة صوتية |
صورة منطقية |
إذا ما حاولنا أن نعيد قراءة الطريقة التي انبنى بها النحو في النظرية التوليدية سنقف عند خاصيتين أساسيتين رسمت الخطوط العريضة للنحو بشكل عام ، وهي أن الافتراض الذي انطلقت منه نظرية المبادئ و الوسائط كان يميز بين نوعين من النحو: كلي وآخر خاص، وهما نحوان يرتكزان على مرحلتين أساسيتين في اكتساب وتعلم اللغة ، من منطلق أن ما يعرف بالنحو الكلّي هو عبارة عن مبادئ وقواعد ثابتة ومستقلة عن اللغات ، في حين يتم التأليف بين وحدات اللغة هنا بتدخل العديد من الوسائط التي تعمل على تجسيد ما تم تعلمه من قواعد خاصة (النحو الخاص) ، إلا أن المهم في هذا هو أن كل وسيط من وسائط اللغة يرتبط بسمات صرفية محددة، تعمل على الربط بين العلامات التصريفية الموجودة في المقولات المعجمية وبين باقي المقولات الوظيفية (الزمن+ الجهة + الموجه + التطابق…)، وبالتالي يمكن أن نفهم الطريقة التي تم تصور النحو بها في نظرية المبادئ والوسائط، وهي طريقة تعتمد تحديدا على أن الكلمة عندما تخرج من المعجم لا تخرج وهي تامة التصريف ، بل تخضع إلى مراحل دقيقة تتحكم في بنيتين أساسيتين : البنية العميقة و البنية السطحية باعتبارهما مجالين مختلفين من حيث المكونات و البناءات، إذ يتم الانتقال من البنية العميقة إلى البنية السطحية عبر عملية النقـل (move)، أي ضرورة أن يتم إخراج المفردة أو الكلمة من المعجم ثم بعد ذلك نقلها إلى البنية السطحية باعتبارها المختبر الذي تخضع فيه السمات الصرفية إلى الفحص و الانتقاء، لتحط الكلمة رحالها في الصورة الصوتية عبر وسيط التهجية (spell- out) ثم تمنح لها معنى في الصورة المنطقية باعتبارها صورة للتأويل الدلالي (Interprétation Semantic).
أما في البرنامج الأدنوي فتم تقليص هذا الكم الهائل من العمليات عبر تغطية أكبر عدد من الوقائع عبر عدد قليل من الاستنتاجات، وبالتالي تمت إعادة النظر في طرق بناء النظرية النحوية من خلال الافتراض أن كلّ الكلمات تخرج من المعجم وهي تامة التصريف، بل تكتفي الحوسبة النحوية بفحص السمات الواردة و التأكد منها، فإذا توافقت السمات كانت البنية سليمة، وإذا لم تتوافق السمات سقط (Crashes) البنية فورا، بمعنى طرح إشكال التوافق بين مكونات المقولات المعجمية وبين السمات التي تحملها، و مشكل المستوى الذي يجب أن يكون فيه الفحص. وعليه فإن بنية النحو العام أصبحت تتحدث عن البساطة (Simplicity) و التقليص (Reduction) في عدد من العمليات التي يستهدفها النحو بشكل عام[23].
من المهم جدا أن نعرف أيضا أن المعجم في هذا التصور أصبح ينبني على ثلاث سمات أساسية ترتبط بمداخلة: سمات دلالية، و سمات صرفية، و سمات تركيبية، مع العلم أن مجال تأويل السمات الدلالية هو المجال التصوري – القصدي، ومجال تأويل السمات الصرفية هو المجال النطقي الإدراكي ، في حين أن مجال تأويل السمات التركيبية فيجمع بين السمات المقولية (فعل،اسم،حرف)، والسمات الإحالية (الشخص، العدد، الجنس…). وبالتالي فإن هذا الجمع هو الذي يؤثر في وضع الكلمات التركيبي[24].
إلا أن هذه الخطة التركيبية لابد لها من تمثيل مشروع (Pegitimate objects) ترتبط وجيهتاه (Interfaces) بالمكونات النحو التركيبية الداخلية وبين أحد المكونين الإنجازين الخارجيين (الصورة الصوتية+الصورة المنطقية)، وعليه فإننا نتصور أن سمات الصوت و المعنى هما قوتان إنجازيتان تغذيان النسق التركيبي بتعليمات تأويلية.
5– مركزية السمات الدلالية
إذا كنا نفهم المعجم باعتباره نسقا حاسوبيا، نسلم أن مكوناته ترتكز على ثلاث سمات أساسية : دلالية، صوتية، تركيبية، فإن الملاحظ أن كلّ مستوى من هذه المستويات يشتغل على المادة المعجمية نفسها رغم أن لكل واحد آليات انشغاله الخاصة، فإذا افترضنا أن كل مستويات التحليل اللغوي عبارة عن مركزيات خاصة، فإن كل مكون يشمل على سمات يصعب على النظرية النحوية عموما أن تستغني عن أحدهما، ولو سلمنا جدلا أن المركزية الصوتية تهتم بمحيط التهجية والنطق والإدراك، وأن المركزية الدلالية تشتغل على تأويل المعنى +التصور+القصدية+وأن المركزية التركيبية تهم بالمقولات ( الفعل، و اسم و الحرف والحوسبة و النحو…) فإننا نجد أن التحليل اللساني سيقف عاجزا أمام إسقاط أحد المركزيات عن المعجم تحديدا ، إلا أن هذا التصور -على الرغم من قوته الإجرائية – لا يعدو أن يكون إلا من مسلمات الفكر الجاهز، فالنظام العام الذي يتحكم في بناء الأنساق اللغوية يحدد لكل مجال مادته ومنهجيته الخاصة في الاشتغال، فلا يمكن أن نتحدث عن تحالف التركيب و الدلالة في ظل مستلزمات كل واحد منهما ومعطياته، كما لا يمكن أن نجمع بين الفعل و أدواره المحورية إلا من خلال ما تستدعيه الضرورة التركيبية ، لنتأمل المثال التالي:
5 – قذف اللاعبَ الكرةُ
ما يجعل البنية لاحنة (Agrammaticale Structure ) أنها لا تملك أي تأويل زمني ، وبما أنها كذلك فإن السياق التركيبي الذي نؤشر عليه لا يجعلها تدخل ضمن مصاف الجمل ، إلا أن أهم تفسير يمكن أن يدفعنا إلى القول إن هذه البنية هي بنية لاحنة هو أن الفعل يجب أن يوزع أدوارا محورية على بقية موضوعاته، وهي الأدوار التي تم إسنادها وفق اعتبارات دلالية صرفة، لأنها عبارة عن عناصر محيلة لذلك ينبغي أن يكون لها دور دلالي.
فبتأكيد أن كل العناصر المكونة للتركيب، تحتاج بشكل قوي إلى أن تؤول دلاليا، وبالتالي فإذا كانت النظرية تأخذ بالمفاهيم المنطقية في معالجة مشاكلها التركيبية، فإن النظر إلى اللغة باعتبارها موضوعا طبيعيا يتنافى مع ذلك جملة وتفصيلا، أي أن اللغة بكل مكوناتها لابد وأن تخضع إلى معالجة دقيقة لسماتها تفصل التركيب عن الدلالة، وفي الآن نفسه تعتبرهما معا أساس بناء النظرية اللسانية بشكل عام. فمركزية سمات التركيب يجب أن تشتغل على المقولات المعجمية ، في حين أن مركزية سمات التحليل الدلالي يجب أن تنظر إلى الأدوار المحورية بناء على طبيعة السمات التي تحملها.
إن هذه الخلاصة تجعلنا نؤكد أن طبيعة السمات التي تحملها كلمات اللغة العربية هي التي تدفعنا إلى القول بعدم توافق التركيب مع الدلالة في التحليل اللساني الحديث ، فالدلالة تشتغل بمكونات وسمات خاصة ، في حين أن التركيب يشتغل على مكونات أخرى مختلفة ، فرغم أن المدخل المعجمي يمكن أن يكون واحدا إلا أن مستويات التحليل فيه تختلف من مجال لأخر، فما نؤشر عليه في التركيب من طبيعة مقولية اسمية أو فعلية أو حرفية يبقى محصورا ضمن ما تقدمه المقولات المعجمية من معلومات تخص التركيب فقط، إلا أن الدلالة تتحرك من زاوية البحث عن معلومات أخرى تخص القصدية و السمات الجهة، الوجه، الزمن،المحور، المنفذ… لكي نجعل منها أساس بناء الكلمة وسلامتها. مع العلم أن سلامة التركيب ينطلق في البداية من الإسناد المحوري للمقولات قبل تشخيص ذلك في صورة بنية تركيبية سليمة كما هو مبين في البنية التالية:
6- ضرب الولدُ الكرةَ
يمكن أن نفسّر سلامة الجملة تركيبيا بناء على طبيعة الأدوار المحورية التي يوزعها الفعل على موضوعاته، وهي الأدوار التي تنبني تحديدا على طبيعة السمات التي توزع أو تُسقط على موضوعات الفعل الأساسية ، فإذا كان الفعل (ضرب) عبارة عن مقولة معجمية تتضمن العديد من السمات المكبوسة داخله من قبيل:
ضرب: [+ف ] [+ حدث] [+زمن ] [+محور ] [+زمن ]
فإن الموضوعات التي ترافقه يجب أن تشخص هذه السمات وتتعرف عليها ثم تنسجم معها في التركيب من قبيل :
الولد: [+ فا] [+منفذ ] [+حي ] [+ عاقل] [- جماد ]
الكرة: [+ مف] [+ضحية ] [+فضلة ] [+ جامد] [- حي ]
بمعنى آخر فإن التفسير العام الذي يمكن أن يُمَقول التركيب السابق يمكن أن يبسط على الشكل التالي
ضرب الولد الكرة إعراب تركيبي
محور [ +منفذ] ضحية إعراب دلالي
فمن غير المعقول أبدا أن ننطلق من الإعراب التركيبي (البنيوي) كي نصل إلى سلامة التركيب، وإلا فكيف يمكن أن نفسّر لحـن جملة من قبيل:
7 – ضرب الحائطُ الكرةَ.
ضرب [الحائطُ ] الكرةَ …………… إعراب بنيوي
محور [ – منفذ] ضحية …………… إعراب دلالي
إن لحن الجملة مرتبط بدواع انتقائية خاصة، فلو أمكننا أن نغيّر من المركب المعجمي (الحائط) لكي يتلاءم مع السمة الدلالية (+منفذ) لتغيرت وجهة الجملة إلى تركيب سليم، لذلك فإن الانطلاق من وضع السمات الدلالية يحفّز على إيجاد الملازمات التركيبية المناسبة لكي يتم إخراج الجملة في سياق مقبول. وبالتالي نعيد قراءة النحو بناء على مركزية السمات في التحليل الدلالي وفق النموذج المقترح التالي:
المحور [ +منفذ] [ +الضحية] إعراب دلالي
الفعل الفاعل مف به إعراب بنيوي
ضرب الولد الكرة إعراب تركيبي
يصعب أن نفسّر كل هذا الكم الهائل من السمات بناء على توافق التركيب والدلالة، فمجال الاشتغال داخل اللغة يجب أن يحترم خصوصيات التحليل اللغوي لكلّ مكون على حدة، أو لنقل يجب أن تبحث في الدلالة عن الخطوط العريضة التي يمكن بها أن نفيد البحث اللساني ونطوره ، فمشروع مركزية السمات الدلالية هو مشروع طموح يحاول أن يزعج النظرية اللسانية بالعديد من الأسئلة المحرجة و المقلقة أحيانا ، على اعتبار أن السعي وراء هذا المشروع سيزيد من أفق البحث العلمي من جهة، ومن جهة سيصحح المسار العام الذي ظلت اللسانيات العربية تشتغل عليه . لذلك فإن البحث في السمات هو بحث في أنواع العلاقات الدلالية الخفي التي تبرمج بطريقة محوسبة، وبكيفية سريعة ومذهلة من أجل فرز آليات تحفظ للبناء اللغوي سلامته المطلوبة في التركيب، فكان لزاما كذلك على النظرية الدلالية العامة أن تجدد من طرق بحثها ، و أن لا تظل حبيسة نظريات تآكلت وأصبحت من أدبيات البحث العلمي و اللغوي.
لقد حدثنا محمد غاليم[25] عن بعض الثغرات التي توجد في اللغة ملخصا إياها في أن أصغر وحدة للفكر يمكن التعبير عنها باعتبارها مدركا مستقلا هي الكلمة، ولأن الكلمة مدرك ثابت في تجربتنا، فإننا نعامل الفكرة التي تعبر عنها باعتبارها فكرة ثابتة، قبل أن يحدد موقفه من ذلك بكون النظر في استعمالات الكلمة الواحدة يثير الإشكال المتعلق بها إذا كانت تعبر عن تصور واحد مرن أو عن أسرة من التصورات المتحجرة المتعالقة، ولكي يثبت ذلك، فإن أستاذنا قدم مثالين نعتبرها محور الإشكال المطروح “الشاي في الكأس” و “الشق في الكأس”، لكي يبين أن الحرف “في” في المثالين يحمل دلالات مختلفة، ويبيّن فعلا أن الأفكار ليست ككلمات.
فإذا كان محمد غاليم هنا يوضح ويبين أن ما نعتبره فكرة لا يمكن أن نترجمها في كل مرة باللغة نفسها، فإن الإسقاط العام الذي يستوقفنا هنا يمكن أن يفسر لنا إجمالا أن اللغة شيء والفكرة شيء آخر، كما يمكن أن يقودنا هذا الاعتقاد إلى صياغة خلاصة مفادها أن محمولات اللغة غالبا ما تقول أشياء غير الموضوعات التي تأتي مرافقة لها، بمعنى أدق إن تركيب اللغة يحمل وهم التوافق بينها وبين سمات الدلالة العامة ، فالسمات هنا يمكن أن تقاس على الأفكار التي يصعب أن تتطابق مع الكلمات تصوريا، وبالتالي فالحكم المطلق في توافق سمات التركيب مع سمات الدلالة يدخل ضمن الغريزة اللغوية التي تحتاج إلى الكثير من القلق المعرفي والتحليلي .
خلاصة
لقد حاولنا أن نبين في هذا البحث عن فكرة أنه بإمكاننا أن نعالج مداخل اللغة العربية بطريقة معلوماتية تحترم خصوصيات الهندسة العامة للسمات، و هي الهندسة التي نعتبرها أساسية للكشف عن التمايزات التي تعرفها مفردات اللغة،اعتبارا أن اللغة تعرف غنى مزدوج المعالم تصريفي يستهدف التوزيع الصرفي ، و أخر يستهدف الحجم الكبير من السمات التي تكبسها، لذلك حاولنا أن نشتغل في إطار يعتبر التحليل المركزي للسمات الدلالية مقاربة جريئة نناقش من خلالها أن السمات الدلالية هي المسؤولة على خرج التراكيب اللغوية بطريقة سليمة عكس ما ظل يروج له في كون التركيب يسبق الدلالة في ذلك، مدافعين عن ذلك بالكثير من الأدلة و الحجج من داخل النظام العام للغة العربية.
لائحة المراجع العربية
– أبو بكر العزاوي(2002)، سلسلة محاضرات جامعية،كلية الأداب و العلوم الإنسانية – بني ملال- المغرب
-جاكندوف(2002)، الدلالة مشروعا ذهنيا، ضمن دلالة اللغة و تصميمها، ترجمة محمد غاليم، دار توبقال للنشر، المغرب.
– – حسان البوكيلي (2010)،فرضية المركب الحدي المتمفصل و بنية الإضافة ، ضمن السمات في التحليل اللغوي، مختبر اللسانيات والتوصل، إعداد خالد برادة، عبد المجيد جحفة، منشورات المختبر،/ كلية الآداب، بن امسيك – البيضاء.
– ديكلي و فلاكول (98) ، الدلالة المعرفية للعمل، ترجمة أحمد برسول ،ضمن أبحاث لسانية ، المجلد 5 ، العدد 1: 2000، معهد الدراسات و الأبحاث للتعريب، الرباط.
– عبد المجيد جحفة (2010)،في سمات الحدث، ضمن السمات في التحليل اللغوي، مختبر اللسانيات والتوصل، إعداد خالد برادة، عبد المجيد جحفة، منشورات المختبر،/ كلية الآداب، بني امسيك – البيضاء.
– عبد المجيد جحفة (2000) ، مدخل إلى الدلالة التوليدية ، دار توبقال للنشر،الدار البيضاء، المغرب.
– عبد القادرالفاسي الفهري(2005)، سلسلة محاضرات و عروض بمعهد الدراسات والأبحاث للتعريب.
– عبد القادر الفاسي الفهري (1997) ، المعجمة و التوسيط ، نظرات جديدة في قضايا اللغة العربية، الصادر عن المركز الثقافي العربي، بيروث
– عبد الكبير الحسني (2015)،البنيات الدلالية للزمن في اللغة العربية: من اللغة إلى الذهن، داز كنوز المعرفة، الأردن.
– محمد غاليم (2007)، النظرية اللسانية والدلالة العربية المقارنة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء ، المغرب.
-محمد غاليم (2001)، سمات جيهية في الأشياء والأوضاع، أبحاث لسانية، المجلد6 العدد 2 ، معهد الدراسات و الأبحاث للتعريب ، الرباط.
– محمد غاليم (1999)، المعنى والتوافق، مبادئ لتأصيل البحث الدلالي العربي، معهد الدراسات و الأبحاث للتعريب ، الرباط ، المغرب.
– محمد الملاخ (2010)، الزمن في اللغة العربية ، بنياته التركيبية و الدلالية ، دار الأمان، الرباط.
لائحة المراجع الأجنبية
-Chomsky ,N (75) . Reflection on Language , Pantheon , New York
-Chomsky,Noam, (72). Questions de semantique,Seuil ,Paris
– Croft, W & Cruse, D (2004). Cognitive linguistics. Cambridge: Cambridge University Press.
– Katz & Fodor (63) .The structure of a semantic theory, language;39
– Fauconner, G.(1987) .Mental Représentations, MIT Press , Cambridge Mass.
– Fillmore, Charles. (1985).Frames and the semantics of understanding .ms, university of California, berkel.
– -Lakoff, G(2006).Conceptual metaphor, in cognitive linguistics, Gruyterberlin, New York
[1] – ديكلي و فلاكول (98) ، الدلالة المعرفية للعمل، ترجمة أحمد برسول ،ضمن أبحاث لسانية ، المجلد 5 ، العدد 1: 2000، ص 68.
[2]- نقصد بالمعنى النووي ذلك المعنى الذي تعود إليه كل المعاني الأخرى المشتقة، و هو المعنى المؤسس لها وفق توزيع يخضع لمعيار الدرجة كما تصورته إليانور روش (Rosh) ، و يمكن أن نوضح ذلك بشكل كبير عندما نتحدث عن درجة حضور الحب في العشق و الصبابة و الولع و الجنون و الغرام…فالأكيد أنها معاني مختلفة بحسب حضور الحب ضمنها،و بالتالي يكون الحب هو المعنى النووي الذي تشتق منه باقي المعاني الأخرى.
[3] – محمد الملاخ (2009)،الزمن في اللغة العربية،ص ، 482 .
[4] – فإذا زعم بعضنا أن يقف عند النحو العربي القديم ، فإن للأمر تفسيران أساسيان: أولهما يمكن أن يعود إلى طبيعة المادة اللغوية المعالجة، فهي قواعد ميتة لا يمكن أن يسلم العقل بتجديدها ومساسها أو حتى مناقشتها، وهو ما ذهب وراءه الكثير من النحويين السلفيين الذين وقفوا عند حدود “أن الأوائل لم يتركوا للمتأخرين شيئا إلا ودرسوه” و هذا أمر يدخل ضمن التفسير الثاني، أي أن الوقوف عند مستوى ما قدّم في النحو العربي يقدم نفسه بأمرين ، إما مادة ميتة أو باحث حيث (تشومسكي).إذ أصبح مما لا شك فيه أن تتم معالجة النحو العربي القديم بطريقة معاصرة، وهي المعالجة التي يجب أن تنصَبّ على ضبط المناهج و الظواهر اللغوية التي اشتغل النحو العربي على دراستها وتحليلها، ولا يوجد شكّ واحد في أن هناك جيلا من الباحثين المعاصرين أكدوا بالملموس و الحجة و الدليل أن الدرس النحوي العربي فيه الكثير من نقط الضعف التي لم تفرز فيها دراسات وتحاليل كافية تفسّرها وفق متطلبات اللغة و النحو والدلالة.
[5] – للاطلاع أكثر على هذه العمليات المرجو العودة إلى مؤلف الأستاذ عبد القادر الفاسي الفهري (1997) ، المعجمة و التوسيط ، نظرات جديدة في قضايا اللغة العربية، الصادر عن المركز الثقافي العربي، بيروت
[6] – عبد المجيد جحفة (2010)، في سمات الحدث، ضمن كتاب السمات في التحليل اللغوي، منشورات المختبرات التابع لجامعة الحسن الثاني ،ص، 14، الدار البيضاء – المغرب-
[7] – عندما نتحدث عن مركزية الدلالة فإننا نقصد بذلك المشروع الطموح الذي رفعه العديد من اللسانيين الحداثيين أمثال فكونيي و لانكاشير و جاكندوف و لايكوف…، إذ اعتبروا هذا المشروع نقطة مركزية و أساسية لتفسير الظواهر اللغوية، إلا أنه في الوقت نفسه لا يقصي باقي المكونات الأخرى ، بل يدخل معها في تكامل و انسجام لإعطاء صورة واضحة و شاملة عن اللغة، مع العلم أن لكل واحد ضوابطه التي تقييد تحركاته داخل فضاء اللغة العام.
[8] – تعد نظرية فحص السمات من الركائز النظرية للبرنامج الأدنوي كما طرحه تشومسكي (95) ،إذ يعتبر أن الكلمة تخرج تامة التصريف من المعجم ، فتقوم هذه النظرية بفحص المقولات وفق السمات التي تحملها، فما تطابق معها كان سليما، وما لم يتطابق معها تسقط البنية مباشرة. و من الأمثلة على ذلك أن تقول أكل الولد الحائط ؛ فسمات الفعل أكل لا تنسجم مع الضحية و بالتالي يسقط التركيب بأكمله فنقول بلحن الجملة (Agramatical) ، وفي ذلك قواعد كثيرة للتعرف عليها أكثر يرجى العود إلى .شومسكي (95) ، الفاسي الفهري (2000)، محمد الرّحالي (2003)…
[9] – نجد تبريرا لهذه الصيغة عند الكثير من اللسانيين الذين ظلوا ينادون بمركزية الدلالية في المشروع اللساني الحديث من قبيل: ( لانكفير)،( جاكندوف) ، وبالتالي ندافع هنا عن افتراض أن السمات التي تتطابق مع الفعل في اللغة العربية هي سمات دلالية أكثر منها تركيبية، مؤكدين في السياق نفسه أن تركيبية فحص السمات ما هي إلا نظرية دلالية تساهم في بلورة مشروعية الاستعمال اللغوي و التركيبي لأي مقولة كيفما كان نوعها.
[10] عبد الكبير الحسني (2015)،البنيات الدلالية للزمن في اللغة العربية: من اللغة إلى الذهن، ص 249
[11] – هناك ظاهرة تعرف في اللسانيات الحديثة بنظرية الانزلاق الدلالي (Semantic Drift)، و هي نظرية شائعة في طبقات الأفعال ، إذ تتحول بموجبها الإتمامات إلى إنجازات أو نشاطات..الشيء الذي يعكس أن هذه الطبقات لا تشكل جزرا لا تتقاطع فيما بينها ، بل بإمكان أن تتحول الانجازات (بلغت القمة في ساعة)إلى إتمامات (بلغت القمة الآن) أو إلى حالات ( أحب بلوغ القمة ) أو نشاطات (أجري نحو بلوغ القمة).
[12] – عبد الكبير الحسني (2015)،البنيات الدلالية للزمن في اللغة العربية: من اللغة إلى الذهن، ص 243
[13]– محمد الملاح (2009)، الزمن في اللغة العربية، ص: 344.
[14]– عبد الكبير الحسني (2015) البنيات الدلالية للزمن في اللغة العربية، ص،261 .
[15] – pollock,J-V 1989 , Verb Movement, Universal Grammar and the structure if IP. Linguistic Inquiry 20.
[16] – من الملاحظات المهمة في الصيغة الأولى للمقاربة الأدنوية للسمات أنها كانت مقاربة اشتقاقية أكثر منها تمثيلية إذ تنظر إلى النحو باعتباره نسقا معجميا و حاسوبيا يعمل على مسألة التأليف بين الوحدات المعجمية و يصلها بالنسق التصوري، و هي عملية تساعدنا على تحويل مسألة التأليف من النسق الحاسوبي للإنسان إلى النسق المعلوماتي الآلي بصورة أكثر دقة .
[17] – من المفارقات التي نجم عنها هذا التسلسل في السمات هو الاختلاف الحاصل بين العديد من اللسانيين حول أسبقية سمة عن أخرى، فمثلا: إذا كان بلوك (Pollok) يجعل الزمن فوق التطابق ، في حين أن أوحلا يعتبر في لغات ) فا. ف. مف (أن التطابق فوق الزمن ، أما إذا كانت اللغات من طينة ) ف. فا. مف ) (فإن الزمن يكون فوق التطابق ،و بالتأليف فإن رتبة المقولات الوظيفية لم تستقر على حال واحدة ، بل تعددت المقاربات في الأمر اعتبارا أن كل اللسانين يملكون مقاربة خاصة في توزيعها.
[18] – يفترض تشومسكي في مؤلفه (The Minimaliste Program 95)وجود نوعين من السمات : السمات الملازمة التي تكون معطاة ضمن الوحدات المعجمية، و السمات الاختيارية التي يفرضها سياق الاستعمال لكونها تضاف حين تدخل الوحدات المعجمية إلى التعداد Numeration.
[19] – نقصد بالعشيرة اللغوية المجتمع اللغوي الذي ينمو فيه الإنسان، و الذي يساهم بشكل كبير في بناء أنساقه اللغوية و المعرفية و الاجتماعية.
[20] محمد غاليم (2007) ، النظرية اللسانية والدلالة العربية المقارنة ، دار توبقال ،ص 82.
[21] محمد غاليم (2007) المرجع نفسه،ص82.
[22] – أبو بكر العزاوي (2002)، سلسلة محاضرات جامعية برحاب كلية الأداب و العلوم الإنسانية- بني ملال- المغرب
[23] – هناك صيغة متأخرة للبرنامج الأدنوي الذي اقترحه تسومسكي بإضافة بعض التعديلات التقنية المرتبطة بالاستغناء عن الفحص و تعويضه بما أسماه ب طابق ، و هي عملية تهدف إلى ضرورة الربط بين المجس probe بالهدف gool
-[24] عبد القادر الفاسي الفهري (1998) المقارنة والتخطيط ، دار توبقال، ص:20.19 .
[25] – محمد غاليم (2007) النظرية اللسانية و الدلالة العربية المقارنة ، ص: 90.