
البُنى الأسلوبيَّة في شعر محمود الورَّاق
تقديم طالب الماجستير: أحمد عبد الناصر مندو إشراف: أ. د. رئيفة السَّلُّومي
اختصاص: الدّراسات الأدبيّة دكتورة في جامعة البعث/ أدب قديم
جامعة البعث: حمص/ سوريّة
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 47 الصفحة 87.
ملخَّص البحث :
ترمي هذه الدّراسة إلى تجلية أسلوبيَّة النّص الشِّعريّ لدى الشَّاعر محمود الورَّاق، في محاولةٍ للتّعرف إلى كيفيَّة استثمار الورَّاق طاقات اللغة العربيَّة وأساليبها في تشكيل نصّه الشِّعريّ، فقد أدى الشَّاعر بشعره رسالة لغويَّة اعتمد عليها في التَّعبير عن أفكاره ومشاعره؛ ولهذا وقف الباحثُ على المستويات الأسلوبيَّة الآتية: المستوى الدّلاليّ، والمستوى الإيقاعيّ الداخلي، والمستوى التّركيبيّ؛ ليكشفَ من خلالها عن الأساليب الفنّيَّة والقيم التَّعبيريَّة والجماليَّة التي شحن بها الورَّاق خطابه الشِّعريّ، وقد خَلَصَ البحث إلى أنَّ الورَّاق امتلك قدرةً فنيّةً عاليةً في تشكيل المادة اللغويَّة لأشعاره، بدت قدرته ماثلة فيما اتَّسم به شعره من سماتٍ أسلوبيَّةٍ أسهمت في استبطان عمق التَّجربة الإنسانيَّة لديه.
الكلمات المفتاحيَّة: المستوى الدّلاليّ، المستوى الإيقاعيّ الداخلي، المستوى التّركيبيّ.
مقدّمة:
من المعلوم أنّ أدبنا العربيَّ يعدُّ ميراث الأمَّة المعرفيّ والحضاريّ؛ لما تضمَّن من أحداثٍ عظيمةٍ بقيت خالدة إلى يومنا هذا، وحفل هذا الأدب بإبداعات عددٍ كبيرٍ من الأدباء والشُّعراء، فمنهم من نال حظوته من العناية والاهتمام، ومنهم من بقي مغموراً بعيداً لم تمتد إليه أيدي الدَّراسين والباحثين، ومن بين هؤلاء الشُّعراء الذين لم ينالوا حقَّهم من العناية والاهتمام الشَّاعر محمود الورَّاق الذي اتَّسمت أشعاره بسماتٍ فنيَّةٍ ثرَّةٍ، ومعانٍ مكتنزةٍ جمَّةٍ، وبناءً على ما تقدَّم، وإيماناً منَّا بضرورة إحياء ما في تراثنا الأدبيّ من قيم الإبداع، عمدنا إلى دراسة شعر محمود الورَّاق للدخول في عالمه الشِّعريّ، وإبراز سماته وخصائصه الفنيَّة، وآثرنا أن ندرس شعره دراسةً أسلوبيَّة؛ لأنها تنفرد بالنّصوص الشِّعريَّة، وتستجلي معالمها وخباياها الفنيَّة، لتقف على أسلوب صاحبها الذي يعطيه طابعاً خاصاً يميّز صوته الشِّعريّ، ويجعل له خصائص تكسبه تفرُّداً بين أقرانه، وكيف لا وهو شاعر الحكمة والموعظة، ومما زاد من رغبتنا في دارسة هذا الشَّاعر أمران، أولهما: أنَّ القدماء أشادوا بشاعريته و فصاحته، وأجمعوا على تميّزه بفن الزُّهد حتى صار علماً فيه، وثانيهما: أنّ ديوان الورَّاق لم يحظ بأيّة دراسة أسلوبيَّة تفيه حقّه الأدبيّ، ويستثنى من ذلك تلك الإضاءات القيّمة التي أشار إليها د. وليد قصّاب محقق ديوان محمود الورَّاق “شاعر الحكمة والموعظة”، ولا أزعم في هذا البحث أنني وقفتُ على جميع القضايا والظَّواهر التي تتعلَّق بشعر الورَّاق كافة، وذلك لا يسعنا البحث للحديث عن جمعيها، وإنما وقفت على بعض الظَّواهر الأسلوبيَّة البارزة في شعره، وحاولت أن أقدّم إضافة يسيرة تفتح الباب أمام الدّراسين في شعره.
نبذة عن حياة الشاعر:
هو محمود بن الحسن الورَّاق (ت232هـــ تقريباً)، المعروف بأبي الحسن، شاعرٌ عباسيّ مشهور من شعراء القرنين الثَّاني والثَّالث المرموقين[1]، وقد ذُكر أنَّه كان مولى لبني زُهرة، وهو شاعر من بغداد، لذلك علق به لقب البغداديّ، واشتهر أيضاً بلقبين، أحدهما: الورَّاق، والآخر: النخَّاس، فأمَّا الورَّاق فهو النَّاسخ بالأجرة، ولعلَّها مهنة قد اشتغل بها أبو الحسن حتّى لُقِّب بها، ونُسِبَ إليها، وأمَّا لقبه الآخر فقد جاء من قبل المهنة كذلك، فقد امتهن النّخاسة، قال البغداديّ: “إنَّه كان نخَّاساً يبيع الرَّقيق”[2]، وقد أغفل الرّواة نسبه، وسنة ميلاده، وتنوَّعت أقوالهم في ذكر سنة وفاته، ولم يجودوا في إيراد أخباره، فقد شغلهم شعره أكثر ممَّا شغلتهم حياته.
و انطلاقاً من هذه العناية التي حظي بها شعر الورَّاق عند القدماء، تأتي هذه الدِّراسة للوقوف على شعره، ودراسته دراسةً أسلوبيَّة، وفق المحاور الآتية:
- أوّلاً: المستوى الدّلاليّ:
تعدُّ الألفاظ من العناصر الرَّئيسة التي يتناولها هذا المستوى بالدَّرس والتَّحليل؛ لأنَّها تمثّل محور التَّعبير والدّلالة، فبها يستطيع الأديب أو الشَّاعر أن يُظهر دلالات نصِّه الشِّعريّ، ويُوصل إلينا تجاربه، ويصيغ عواطفه وانفعالاته، ونظراً لأهمية العلاقة بين اللفظ والمعنى قد أشار ابن رشيق القيرواني إلى أنّ ” اللفظ جسم وروحُه المعنى، وارتباطه به كارتباط الروح بالجسم: يضعف بضعفه، ويقوى بقوته”[3] فاللغة منحة ربانية منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان واختصه بها من بين سائر المخلوقات، يقول الله تعالى في كتابه
العزيز الحكيم: ﵛ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾[4].
و اختص الله سبحانه وتعالى أمة العرب بهذه اللغة العظيمة التي شرّفها بنزول كتابه الكريم .
وللإبداع لغته فمما لا شكّ فيه أنّ اللغة وعاء تصاغ فيه أفكار المبدع، ومضامينه الإنسانيّة، ولغة الشاعر لغة مختارة ، فهي من ثم ذات خصوصية انتقائية، وطالما رأى النّقاد القدامى أنّ ” المختار من الكلام ما كان سهلاً جزلاً لا يشوبه شيء من كلام العامة وألفاظ الحشويّة، وما لم يُخالف فيه وجه الاستعمال”[5].
وأسرار الشعر تكمن في العلاقات التركيبيّة داخل بنائه اللغوي الفنيّ، لأن اللغة تحمل زخم التجربة الشِّعريَّة فهي تتعالق مع مضامين هذه التجربة وتتحد معها مما يحقق وحدة النّص الشِّعريّ الكلّيّة “إذ نرى القصائد تتحد أنغامها كما تتحد أساليبها ولغتها وتراكيبها، وكما تتحد معانيها وصورها وأخيلتها”[6].
ومن المؤكد أنَّ لغة الشَّاعر تخضع لمؤثرات نفسيّة و بيئيّة و ثقافيّة، فإنّ من يطالع المعجم الشِّعريّ عند محمود الورَّاق يلحظ أنَّه عُني بألفاظه فأجاد اختيارها، و أحسن تطويعها لخدمة فنّه، والتَّعبير عن أفكاره ومعانيه، مما جعل شعره ذا سماتٍ وخصائص معيَّنة، و أولى تلك السِّمات “السُّهولة و الوضوح”، إذ بيئة شاعرنا الورَّاق بيئة حضرية، وهو شاعر زاهد غايته الإرشاد والوعظ والتذكير، لذا كان لا بُدَّ أن يتَّسم خطابه الشِّعريّ بحضور ألفاظ سهلة مأنوسة واضحة لا تحتاج إلى معجم لغويّ لفهمها لأنه يسعى إلى بثّ مباشر لقيم أخلاقيَّة ينبغي أن تصل مضامينها إلى عقل المتلقي فيعيها بصُّورة مباشرة وهذا ما اقتضى منه وضوح اللغة وبساطتها بما لا يحتاج الأمر معه إلى جهد كبير لإدراك المعاني، وهذه السّمة سمة شُّعراء الزُّهد، فالمخاطَبون في شعر الزُّهد هم العامة من النَّاس، أي الطبقة الشعبية، ومن الظَّواهر البارزة في لغته الشِّعريّة كثرة استخدامه الألفاظ التي تُعدُّ جزءاً حيوياً في خطابه الوعظي فنجد ألفاظاً مثل:
(الصدق، الكذب)،( الحياة، الموت)، (البقاء، الفناء) ……. ، وعلى العموم لغة الشَّاعر تقريرية مباشرة لكنها لا تخلو من عوامل جذب للمتلقي فلا نجد فيها ابتذالاً أو ركاكة، أو ضحالة، و هو شّاعر زاهد عارف بأمور دينه علمته الخبرة كيف ينتقي ألفاظه، التي تثير مشاعر متلقيه دون تجريح أو إساءة للذوق الأصيل ولم يكن عصر الشّاعر يسمح بلغة خارج الأطر التقليدية.
و أوافق رأي د. وليد قصّاب حين تحدّث عن السهولة والبساطة في شعره قائلاً:
“ولقد كان الورَّاق– شأنه شأن شعراء الزهد– لا يتعمق هذا الشّعر، أو يتلبث في إعداده، أو يتوقف عنده طويلاً، وإنما هو خواطر سريعة، واندفاعات عجلى، تتناسب وطبيعتها وظرفها، لم يتح لها أن تأخذ
حظها الكافي من التنقيح أو التثقيف، ولذلك اتّسم شعر الورَّاق بالسُّهولة والبساطة، ولكن من غير ركة أو ابتذال، واتَّسم بالتقريرية والمباشرة، ولكن من غير فجاجة أو ضحالة”[7].
ولدينا أمثلة كثيرة عن “السُّهولة والوضوح” في شعره،يقول الورَّاق متحدثاً عن الظّلم الذي كان منتشراً بين أبناء مجتمعه، فمن ذلك قوله:
كُنَّا نَفِرُّ مِنَ الولا | ةِ الَجائرينَ إلى القضاة |
ويرى أن ّمنع العطاء وطلاقة الوجه وحسن الكلام خير من البذل بوجه منقبض، قائلاً:
التِّيهُ مَفسَدةٌ للدِّين مَنْقَصَة | للعقل مَجْلَبةٌ للذَمِّ والسَّخَطِ | ||
منعُ العطاء وبَسطُ الوجه أحسنُ من | بذل العطاء بوجه غير مُنَبسِطِ[9] |
ففي هذه الأبيات يبدو ميل الورَّاق الواضح إلى سهولة الألفاظ ووضوحها، وبعده عن التّكلّف والتَّقعُّر، فنحن لا نلمس لفظاً غريباً ثقيلاً، أو وحشياً مستكرهاً، بل جاءت ألفاظه فصيحة شائعة الاستعمال،
بدون أن يكون فيها إسفاف أو ابتذال، وجنَّبها كلّ ما يشين اللفظ من تنافر الحروف، وقبح المخارج، فأجاد في انتقاء ألفاظه، وتطويعها في خدمة معانيه الزُّهدية
وهذا لا يمنع من وجود ألفاظ غريبة وردت في شعره على قلَّة، كلفظة “اللِّهزمة”، في قوله:
لقد ألزمتَ لِهْزِمَتَيْكَ هوناً | وذُلاًلم يكُنْ لكَ في الحِسَابِ[10] |
فاللّهزِمتان ما تحت الأذنين من أعلى اللحيين والخدَّين، وقيل: هما عظمان ناتئان في اللحيين تحت الأذنين، واحدتها: لِهْزِمة، والجمع: اللّهازم[11]، فهذا اللفظ يحتاج للوقوف على معناه إلى النَّظر في معجمات اللغة العربيَّة، التي من شأنها أن تخفّف من وحشيَّة الألفاظ، وتُؤنس غرابتها.
ومما تجدر الإشارة إليه أنَّ هذه الظَّاهرة من “السُّهولة والوضوح” كان لها أثر واضح في جعل ألفاظ الورَّاق قريبة من المتلقي، تنفذ إليه بكلِّ يسرٍ وسهولة؛ لأنَّها خفيفة على اللسان، لطيفة على السّمع، وهذا ينسجم مع آراء علماء البلاغة وموقفهم من ضرورة أن يكون اللفظ المستخدم في النَّظم أليفاً مأنوساً؛ لأنَّ اللفظ كلَّما كان بعيداً عن التّعقيد، سالماً من الثّقل والغريب، كان أكثر قبولاً في النّفس، وهذا ما يذكرنا بقول ابن طباطبا العلويّ (ت 322هــــ): “فَإِذا كانَ الكَلامُ الوَاردُ على الفَهْم مَنظوماً، مُصَفَّى من كَدَر العِيِّ، مُقَوَّماً من أَوَدِ الخَطَأ واللَّحنِ، سَالماً من جَوْر التَّأليف، مَوْزوناً بِميزَانِ الصَّواب لفظا ومَعْنَىً وتَرْكيباً اتَّسَعَتْ طُرُقه، ولَطُفَتْ مَوَالجهُ فَقَبِلَهُ الفَهْمُ، وارتَاحَ لَهُ، وأَنِسَ بِهِ”[12]، و هذا ما عناه الورَّاق وسعى لتحقيقه في شعره.
وينقلنا الحديث عن لغة الشَّاعر إلى الوقوف على سمات فنيَّة و أسلوبيَّة أخرى استطاع الورَّاق من خلالها أن يؤدي وظائف متعدّدة على مستوى المبنى والمعنى، ولعلّ من أبرز تلك الظَّواهر الأسلوبيَّة التي برزت في شعره “المفارقة”( Irony): وهي من” المحسنات البلاغيَّة، عبارةٌ يبدو على ظاهرها أنَّه يناقض باطنها، ولكنَّها صحيحة؛ لأنّها تقوم على أساسٍ صحيحٍ يجمع بين النَّقيضين”[13]، فالمفارقة تعني المغايرة للواقع والتضاد، والفرق، والافتراق، والفصل، والتعدد، والتفرّع، والتباعد، والتباين، والتمييز بين شيئين، أو أمرين أو موقفين، لاسيّما إذا كان هذان الأمران على طرفي نقيض، أو أن أحدهما خلاف آخر أو ضده.
فالمفارقة ظاهرة أسلوبيَّة متميزة، ولعبة لغوية في غاية المهارة والذكاء لذا لجأ إليها شاعرنا الورَّاق لما لها من دورٍ واضحٍ في المستوى الدّلاليّ والنَّفسيّ ، وهي تؤدي وظيفة تعبيريّة وإيحائية في النَّص الشِّعريّ، مما دفعه إلى أن يوظّف أنماطاً مختلفة من هذه السّمة الأسلوبيَّة ليبرزَ بها عيوب مجتمعه، ويشخّص تلك الأمراض الاجتماعيّة التي تفشت بين أبناء مجتمعه فكان خير الواعظ و الناصح، يقول الورَّاق محذراً من الدُّنيا والتذكير بالمصير:
يُحِبُّ الفتى طُولَ البقاءِ و إنَّهُ | على ثِقَةٍ أنَّ البَقَاءَ فَنَاءُ | ||
زيادتهُ في الجسم نقصُ حياته | وليس على نَقْص الحياةِ نماءُ | ||
إذا ما طوى يوماً طوى اليومُ بعضه | ويطويه- إنْ جنَّ المساءُ مساءُ | ||
جديدان لا يبقى الجميعُ عليهما | ولا لهما بعد الجميعِ بقاءُ[14] |
اعتمد الشَّاعر في هذه الأبيات على الأسلوب الخبري ليؤكد ويقرر حقيقة حبّ الإنسان للحياة، وحقيقة فناء الإنسان، وهو هنا يعتمد على المقابلة بين حبّ الحياة، وحتميّة الفناء، ومن هنا جاءت المفارقة في المعنى وهي “مفارقة السخريّة ” وهي من المفارقات التي وظَّفها الورَّاق في شعره، ويُقصد بها أن يأتي موقف “يناقض ما يُنتظر فعله تماماً، إذ يأتي الفعل مغايراً تماماً للوجهة التي يجدر بالإنسان أن يقوم بها”[15]، وتجلّت أيضاً المفارقة في الألفاظ في قوله: ( زيادة، نقص) و ( طوى، طوى اليوم بعضه)، واعتمد أيضاً على أسلوبِ التوكّيد ( أنّ البقاء فناءُ) ، من أكثر أدوات التوكّيد التي استخدمها الشَّاعر في شعره، كما اعتمد على أسلوب التقديم والـتأخير في قوله:
( ويطويه إنْ جنَّ المساءُ مساءُ) بتأخير الفاعل، وأيضاً ( وليس على نقص الحياة نماء) بتأخير اسم “ليس”( نماء) وذلك للتشويق وإثارة الذهن لدى المتلقي، كما اعتمد على إيقاعات موسيقية نتيجة التكرار في شعره مثل لفظة ” البقاء”: تكررت في البيت الأوّل، و “نقص” تكررت في البيت الثّاني ولفظة ” المساء” تكررت في البيت الثّالث و لفظة ” الجميع” تكررت في البيت الرّابع، وهي من قبيل رد العجز على الصدر أيضاً.
ولا شكّ أن هذا التكرار له دلالته النّفسيّة بتأكيد هذه المفارقة بين الحياة والموت، وحبّ البقاء وحتميّة الموت، وله أيضاً دلالته الفكرية بتأكيد فكرته، وله طاقته الإيقاعية، ومن المــُــــلاحظ في المقطوعة أنّ الشَّاعر مهتم بإيصال الفكرة دون أن يُشغل المتلقي كثيراً بالخيال فاعتمد على
بدائل أسلوبيَّة وبديعيّة منها المعنوي كالطباق، ومنها الموسيقى كالتكرار والمجانسة مثل ( طوى، يطوي).
كما وظَّف الورَّاق ما يعرف بــــــــ ” مفارقة الإنكار” وهي “منحى يفيض بالسُّخريَّة، لكنه يتوسل بالسؤال لإظهار السُّخريَّة، والإنكار لما يتحقَّق، والفرق بين مفارقة السُّخريَّة ومفارقة الإنكار، أنّ النّمط الأوّل يعتمد على اللغة الخبريّة، في حين أنَّ النّمط الثّاني يستخدم لغة الإنشاء”[16]،
ومن أمثلتها قوله:
يا عامر الدُّنيا على شيبه | فيك أعاجيبُ لمن يعجبُ | ||
ما عُذرُ من يَعْمُرُ بُنيانُهُ | وعُمرهُ مُستهدمٌ يُخربُ؟[17] |
في هذين البيتين نجد أن الشَّاعر اعتمد على الأساليب الإنشائية، ففي البيت الأوّل أسلوب النداء مما يدل على التعجّب والإنكار، و الذي يحمل معنى الزجر بقوله: “يا عامر الدُّنيا،” ثم يأتي بالمفارقة في شبه الجملة الحالية: “على شيبه” التي تدل على التمسُّك بالدُّنيا وطول الأمل فيها، و أتى في الشطر الثّاني بأسلوب خبري اعتمد فيه البناء اللغوي على التقديم والتأخير، بقوله: “فيك أعاجيب” بتقديم شبه الجملة الخبر على المبتدأ ( أعاجيبُ)، وجاءت اللفظة جمعاً لتدل على كثرة الأعاجيب وتنوعها لمن يريد أن يرى العجب، وتولدت الموسيقى من المجانسة بين لفظتي ( أعاجيبُ) و ( يعجبُ) ، ثم يأتي بأسلوب إنشائي آخر ( الاستفهام) بقوله: “ما عذر من يعمر” بما يفيد الاستنكار والتعجب، ويمضي سائراً على المفارقة المعنوية و اللفظية بين “يعمر بنيانه” و “عمره مستهدم يخرب” ، وكلمة “يعمر” إمّا بمعنى طول البقاء ، أو بمعنى ما هو ضد البقاء ، والشَّاعر بتنوع أساليبه ما بين النداء والاستفهام والأسلوب الخبريّ كأنّه يريد الإقناع بشتى الطرق والأساليب.
واللافت أن الشاعر استعان بالخيال في البيت الثّاني بقوله:( عمره مستهدمٌ يخربُ): فهي استعارة مكنّية حيث شبّه العمر بالبيت الذي على وشكِ التهدم بعد الخراب، وذلك ليرسم الصُّورة المخيفة للحقيقة المـــُرة ( الموت)، لتكون أكثر تأثيراً لمن يأمل البقاء في الدُّنيا، ومن الجدير بالإشارة استعمال بحر السريع يدل بإيقاعه على سرعة انتهاء العمر والحياة.
وبما أننا نبحث عن الخصائص الأسلوبيَّة ذات الصلة بالمستوى الدّلاليّ، لا بُدَّ لنا من الوقوف عند الصُّورة الفنيَّة في شعر الورَّاق، إذ لم يخلُ شعره من الصُّور الفنيَّة، والتَّعبيرات المجازيّة، وهي صورٌ غير قليلة ولكنَّها في معظمها واضحة غير معقَّدة، اتسمت بالصّدق والدقة في التَّعبير، وتظهر براعة الصُّورة في شعر الورَّاق بما تحمله من قيم فنيّة سعى الشَّاعر إلى تحقيقها من وراء هذا التصوير، و يعدُّ التشبيه أحد أهم العناصر في تشكيل الصُّورة الشِّعريّة، إذ يمكنّ الشَّاعر من الإفصاح عمّا يدور في نفسه إلى المتلقي، وعرّف المحدثون التشبيه بأنه” إلحاق أمر بأمر آخر في صفة أو أكثر بأداة من أدوات التشبيه ملفوظة أو ملحوظة،”[18] فهو ” أقدم صور البيان و وسائل الخيال وأقربها إلى الفهم و الأذهان”[19]. أكثر منه قدامى الشُّعراء، وربما طغى في استخدامه على الاستعارة.
ومن أمثلته، يقول:
ذممتُك أولاً حتى إذا ما | بلوتُ سواك عاد اللومُ حمدا | ||
ولم أحمدْك من خيرٍ ولكن | رأيتُ سواك شرَّاً منك جِدَّا | ||
فعدتُ إليك محتملاً خليلاً | لأني لم أجدْ من ذاك بُدَّا | ||
كمجهُود تحامى أكل ميتٍ | فلمّا اضطرّ عاد إليه شدّا[20] |
يعطي الشاعر صورة لصاحب سيء الخلق، هجره لسوء خلقه، وحين جرب غيره رآهم أكثر سوءاً، فعاد إليه عودة المضطر فكيف يُصور هذا المضطر؟؟؟، لقد استعان الشَّاعر بالصُّورة التشبيهية لتصويره، فجعل اضطراره كاضطرار من يقبل أكل الميتة عندما لا يجد بديلاً لها بجامع الاضطرار بين طرفي التشبيه، وقد أفاد الورَّاق في رسم هذه الصُّورة كما نلاحظ من ثقافته الدّينيّة، فهو يستمد عناصر صورته من قوله تعالى: ﵛ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾[21]، وعلى وفق هذا التشبيه تبرز الصُّورة وقوة خيال الشَّاعر.
و الاستعارة لها قيمة كبيرة أيضاً، إذ تكون صورها أكثر دقةً وأبعد خيالاً، وهي أداة توصيل جيدة تصور ما يجيش في صدر الشَّاعر، وتنقله إلى المتلقي بشكل مؤثر، وهي استخدام اللفظ في غير وضعه اللغوي لعلاقة المشابهة بينه وبين الوضع اللغوي.
وتنقسم الاستعارة من حيث ذكر طرفيها إلى قسمين[22]:
- الاستعارة التصريحيّة: وهي ما صُرِّح فيها بلفظ المشبّه به، أو ما استعير فيها لفظ المشبّه به للمشبّه.
- الاستعارة المكنيّة: هي ما حُذف فيها المشبّه به أو المستعار منه، ورُمز له بشيء من لوازمه.
والكناية: لفظ أُطلق وأُريدَ به لازمُ معناه.
وتأتي كلّ من الاستعارة والكناية نمطاً خاصاً في تأليف الصُّورة الفنيَّة عند الورَّاق، ولكنَّ استخدامه لهذين الأسلوبين جاء بنسبة أقل من التَّشبيه؛ ولعلَّ ذلك يعود إلى ميله إلى الوضوح في أشعاره والابتعاد عن كلّ ما من شأنه تعمية المعنى وغموضه، ومن الصُّور الاستعارية التي استخدمها الورَّاق حينما عبّر عن الدُّنيا والموت في قوله:
أنتَ في منزل إذا |
فالاستعارة في استخدام كلمتي( منزل ورحلة)، إذ لا يُقصد بالأولى إلاّ الدُّنيا، ولا يُراد بالثّانية إلا الموت، وقد حُذف المشبّهان: الدنيا والموت وأبقى على المشبّه بهما: المنزل والموت، وهذه الاستعارة استعارة تصريحيّة، وعلاقة المشابهة بين المشبّه والمشبّه به علاقة حالية، أي حال النازل والراحل.
ومن أمثلة الاستعارة المكنيّة في قوله:
واستُحصِد القومُ الذي أنا منهمُ | وكفى بذاك علامةً لحصادي[24] |
يُفهم من البيت السابق أنّ الشاعر شبّه القوم بالزرع أي النبات، فأصل الكلام القوم مثل الزرع، ثم حُذف المشبّه به وهو الزرع، ورُمز له بشيء من لوازمه وهو فعل الحصد، والحصد للقوم موتهم.
والمراد بالبيت: إنّ النَّاس الذين أنا منهم، وهم من جيلي، ماتوا وسبقوني بالرحيل، وهذه علامة على قرب رحيلي واقتراب أجلي.
ومن كناياته المعبّرة التي وجَّه من خلالها نقداً لأبناء مجتمعه، قوله:
وكُنتَ أخي أيَّامَ عودُك يابسٌ |
فهذا البيت يشير إلى ما يحدثه المال من خللٍ في العلاقات الاجتماعيَّة فهو يبدّل أحوال النَّاس ويحوّل المودّة والألفة التي تسود بينهم إلى جفاءٍ وفُرقة، وقد أجاد الورَّاق في تصوير هذا الحال من خلال هاتين الكنايتين البديعتين، فالعود اليابس كناية عن الفقر، واكتساء هذا العود واخضراره كناية عن الغنى ووفرة المال، وهكذا يلتقي الورَّاق مع تعريفات النّقاد المعاصرين للصُّورة بوصفها “إنّ الصُّورة في الشّعر ليست إلا تعبيراً عن حالة نفسيّة معينة يعانيها الشَّاعر إزاء موقف معيَّن من مواقفه مع الحياة”[26].
- ثانياً: المستوى الإيقاعيّ الداخلي:
إذا كانت موسيقى الشعر يحكمها خارجياً الإيقاع الخارجي المتمثل بالوزن والقافية، فإنها يحكمها داخلياً القيم الصوتية التي تمثّل الوحدات الداخلية التي ينتجها الإيقاع الطبيعيّ في اللغة، وليس هناك معيارية محددة تحكم الإيقاع الداخلي، إذ إنَّ ما يحكمه حركة الكلام وانسجامه مع خلجات الشَّاعر في تحقيق أنواع من النغم الداخلي فهو” فَنٌّ في إحداث إحساس مُسْتَحبّ بالإفادة من جرس الألفاظ، وتناغم العبارات، واستعمال الأسجاع و سواها من الوسائل الموسيقيّة الصّائتة، وإنَّ الإيقاع ضرورة تستدعيها الموسيقى الخفيّة في الشِّعر وبصورة طبيعيّة عفويّة.”[27]
ويعكس الإيقاع الداخلي إمكانات لغويّة إيقاعيّة تسهم فيها معطيات التكرار ورد العجز على الصدر والطباق، إذ تضفي جماليات أخرى تعلي من شأن الإيقاع النّصيّ،وقد سعى الورَّاق لتحقيق أكبر قدر من هذه الموسيقى في شعره، وليس الهدف هنا أن نستقصي أمثلة هذه الظَّواهر جمعيها، وحسبنا أن نقف عند بعضها، ومن أهم هذه الظَّواهر الإيقاعيّة الداخلية التي برزت في شعره هي:
- الطباق:
هو نوع من أشهر أنواع المحسنات البديعية، كثر في أشعار العرب القدماء كثرةً مميزة، وأشار إليه النقاد في كتبهم ومصنفاتهم وقيل في تعريفه: “الجمعُ بين الشيء وضدّه في جزء من أجزاء الرّسالة أو الخطبة أو البيت من بيوت القصيدة مثل الجمع بين البياض والسواد واللّيل والنهار والحرّ والبرد”[28] ، أو هو
“الجمع بين المتضادَّيْنِ، أي معنيين متقابلين في الجملة”[29]، وكثير من الشعراء استعمل هذا الفن البديعي لتقوية المعنى وتوضيحه فضلاً عن ذلك التردد الصوتي الناتج عن التضاد الذي يخلفه في استخدامه في البيت الشِّعريّ، وقد ورد نوعا الطباق، وهما: طباق الإيجاب وطباق السلب في شعر شاعرنا محمود الورَّاق ربما لأن الشاعر يضطر إلى إقامة نوع من الموازنة بين المتضادات الحية مثل الخير والشّر، والبقاء والفناء، والموت والحياة وهكذا، فيحقق له الطباق ما يريده من سرعة إلقاء مضامين خطابه، لأن هذه التضادات اللفظية تحمل قيماً إنسانية متضادة تستفز مشاعر المتلقي، ومما ورد في شعر الورَّاق طباق الإيجاب، في قوله:
مَنْ كَانَ ذا مالٍ كثيرٍ ولم |
جاء الورَّاق بطباق الإيجاب في هذه الأبيات بين: ( الموسر والمعسر ومقلَّا ومكثر والفقر والغنى) لتكون هذه التضادات اللفظية ذات المعاني المتضادة تبياناً لنقائض حياتية وضعها الورَّاق في معادلات متباينة النتائج، فكثير المال فقير إن لم يقتنع بما لديه، وقليل المال غني مع القناعة، والفقير غني إن اغتنت نفسه، والغني فقير إن طمعت نفسه وامتلأت بالجشع، وبهذه الضّديّات الثّلاث أعلن الورَّاق فلسفة عامة على الحكمة والتأمل في مكارم الأخلاق، وحقق إنجازاً فنياً على مستوى الإيقاع الداخلي من هذا التردد المتواتر لألفاظ التضاد.
واستعمل الورَّاق طباق السلب أيضاً وهو ما يقع بين اللفظ ومنفيه في قوله:
أما عجبٌ أنْ يكفل النَّاسُ بعضُهم |
وفي هذه الأبيات نغمات توحي بإيمانية عالية ومؤثرة ومما ساعد في إبرازها طباق السلب بين كلمتي (يرضى) و ( لم يرض) للتعبير عن وجود الثقة المطلقة بالخالق، فكيف يرضى الإنسان بكفالة عبدٍ مثله ولا يرضى بكفالة ربه الخالق؟؟؟؟؟ وهو على ثقة أنّ الله هو الوفيُّ الذي لا يخلف وعده، فاستخدام الطباق والتكرار بين ( يكفل كفيل، كفل ) هو بالتأكيد لا يخلو من القدرة والمهارة على صياغة الأفكار وإيضاح المفارقة في السلوك الإنساني من خلال الإثبات لشيء غير مثبت وهو الرِّضا بكفالة الإنسان للإنسان، والنفي لشيء مثبت وهو كفالة الله للعبد، وحقق الغاية الإيقاعية.
- التكرار:
يعد التكرار ظاهرة أسلوبيَّة متميزة، وهو سمة من سمات الشعر العربيّ قديماً وحديثاً لما له من إضافة معنى أو معانٍ وإذا كان التكرار يعدُّ ظاهرة لغوية تعني تأكيد الفكرة فهو في الوقت ذاته ظاهرة فنيَّة تحقق حضورها الفاعل في الأداء الفنّيّ والجماليّ للنص بما يملكه من طاقات إيحائية عالية، وله أثر في صياغة الإيقاع في البيت الشّعريّ ولا شكّ أن التكرار يرتبط ببواعث فنيّة وجمالية وبواعث موضوعية منها، “الرغبة في تحقيق ((شبع)) شعوري في لحظة زمنية ثابتة. ولا نجد بذلك دوران النفس في حلقة شعورية مفرغة، ولكنه دوران داخل الذات”[32]
أكثر الورَّاق من استخدام التكرار في شعره، ويؤدي هذا الشكل وظيفة إيقاعية أولاً ثم وظيفة دلالية ثانياً وغالباً ما يتصل بالأداء الفنيّ للجملة الشّعريّة وهو يسهم في تماسك المقطع في القصيدة.
ومن أنواع التكرار التي وردت في شعر محمود الورَّاق نوعان، هما تكرار الكلمة وتكرار الحرف.
- تكرار الكلمة:
يؤدي هذا النوع من التكرار وظيفة إيقاعية وفنيَّة وأخرى نفسيّة نجدها تكشف عن ذات الشَّاعر، يكون في اللفظ والتركيب، ويهدف إلى تقرير المعنى في ذات المتلقي، فضلاً عما يحمله من شحنات انفعالية تؤكد في شعره تحقيق توجهات خطابه الشِّعريّ، فالتكرار ليس حالة عبثيّة، بل هو حالة نفسيّة وانفعالية تفرضها طبيعة التجربة الشّعريّة وزخمها وتكثيف لما يريد الشَّاعر التَّعبير عنه وإيصاله إلى المتلقي.
لقد أسهم التكرار في تحقيق الإيقاع الداخلي للنّص حيثما وجد في شعر الورَّاق في سياق وحدة شّعريّة يتصل بالأداء الفنيّ، يقول:
إذا كان شكري نعمةَ الله نعمةً |
نجد أنه كرر كلمة (الشكر) ثلاث مرات في بيتين من الشّعر دلالة واضحة على محاولة جادة من الشّاعر في استقطاب الأسماع إلى محور النص وهو كثرة الشكر لله سبحانه وتعالى، فضلاً عما أوجده هذا التوازي الكميّ لأحرف الكلمة من تحقيق لإيقاع النّفس عبر تناظر منتظم أسهم بصُّورة فعالة في التعبير عن حالة وجدانية زهدية يمر بها الشَّاعر في محاولة جادة لنقل أثرها إلى المخاطَب .
- تكرار الحرف:
يمثل تكرار الحرف في مقطعات محمود الورَّاق الشِّعريَّة ظاهرة ملحوظة، وربما كان هذا ناتجاً عن إحساس الشّاعر بقدرة التكرار الحرفي على تحقيق نوع من تأكيد مضامين الخطاب الذي يجهد الشَّاعر لإيصاله إلى المخاطب على اختلاف توجهاته، إذ إنّ إحساس الشاعر” ما يسمى بتآلف الحروف أو تداعيها هو نفس الشَّاعر وعاطفته التي تتدفق على طرف لسانه على شكل عبارات وتراكيب يستغل فيها الشَّاعر الدفقات الموسيقية لتتسابق في التَّعبير على عاطفته وإحساسه وتتناسب مع حالته النفسيّة في هدوئها وانفعالها”[34] ، ولهذا التكرار الحرفي سمات تضفي على النَّص جمالية سواء حدث ذلك في المعنى أو في الموسيقى فضلاً عن الدلالة النفسيّة التي يوحي لها تكرار حرف معين, ونسمع صوت الهاء تكرر بوضوح يستقطبُ الأسماع بما يمتلكه من انفتاح وقدرة على الامتداد، في قوله:
هي الدُّنيا وزُخرفُها |
تكرر حرف الهاء سبع مرات وهو “صوت حنجري احتكاكي مهموس”[36]، وقد افتتح النّص بهذه الهاء في ضمير الشأن ( هي) بكل ما تحمله من معنى التوكيد والتخصيص، المراد به أن تكون محوراً للنّص تؤازر مضامين الكلام وتدعمها، أما ألف الإطلاق فلها أثر في دعم قدرات الهاء على الامتداد والبوح والتّنفيس عما يكنّه الشّاعر، ونلاحظ استخدامه في هذه المقطوعة ما أمكنه من الثّنائيات الضّديّة
( غرَّت، وعظت، منابرها، مقابرها، غشَّت، نصحت، مواردها، مصادرها)، ونعرف ما لأسلوب الثّنائيات الضّديّة من دعم للحجة، وتقوية للمعنى وتحريك المشاعر.
- رد العجز على الصدر :
من الفنون البديعية التي تقوم على التكرار للفظ من الألفاظ في النّص الشِّعريّ، وهو ” أن يكون أحدهما في آخر البيت، والآخر إمّا في صدر المصراع الأول، أول في حشوه- أو في آخره وإمّا في صدر المصراع الثاني”[37]، وتأتي أهميته من دلالته الصوتية التي توازي وظيفته المعنوية، إذ إنّه يرتبط بقدرة الشّاعر على تصدير المعنى من المعاني وتنبيه المخاطب إليها، وهو أحد التلوينات الإيقاعيّة التي استخدمها الشُّعراء لتحريك النَّص الشِّعريّ وتفصيله، ويثير رد العجز على الصدر انتباه المتلقي فضلاً على تركيزه على قضية معينة، يحقق هذا الاستخدام للفظة أو المفردة إيقاعاً جميلاً عبر هذا الترديد في النَّص الشِّعريّ، وقد استعمل الورَّاق هذا النوع من المحسنات لتوظيف إمكاناته الفنيّة لخدمة النص، يقول:
وكم من مريضٍ نعاهُ الطَّبيبُ |
نلحظ تكرار كلمة (الطَّبيب) في عجز البيت الثّاني وردها على صدر البيت، وأحدث هذا التكرار نغماً إيقاعياً أضفى على البيت حركةٍ وخفة، فضلاً عما حققته لفظتا ( الطَّبيب) و( المريض) بتكرارهما من لفت انتباه المتلقي إلى تمحور النَّص حولهما، و نلاحظ المقابلة في هذا البيت الثّاني بين (مات، عاش) و (الطَّبيب، المريض).
وفي مقطوعة أخرى يصدر الشَّاعر قوله بلفظ يجعله بعد ذلك قافية للبيت، يقول:
إحدى وسبعُونَ لو مرَّت على حجر لكان من حُكمه أن يُفلقَ الحجرُ[39]
فلفظة ( الحجر) التي أتى بها في صدر البيت ثم جعلها في عجزه قافية له، تعطي معنى القوة والقسوة والجلد وهي تتلاءم مع تقلبات الزمن، هذه المعاناة تدفعه إلى نوع من البثّ الخارجي لمعاناته، فيجسدها بلفظة(الحجر) بكل ما تعطيه من معنى الشّدة و القسوة، واستخدامها في كل من العروض والضرب أدى إلى الوقوف عليها والتأمل واستدعاء ما توحيه من معانٍ، وساعد على ذلك أيضاً تكرارها مما دفع إلى التركيز عليها.
فالورَّاق كغيره من الشُّعراء، لجأ إلى أسلوب رد العجز إلى الصدر ليخلق توازناً موسيقياً في شطري البيت الواحد؛ فهذا الأسلوب من شأنه أن يضفي على البيت لمسة موسيقيّة خفيّة يدركها من له دراية بهذا الفن.
- ثالثاً: المستوى التَّركيبيّ:
تعدُّ دراسة التَّراكيب في النّصوص الإبداعيَّة، ولا سيما الشِّعريَّة، إحدى المحاور الأساسيَّة التي تقوم عليها الدّراسات الأسلوبيَّة؛ للوقوف على الأبعاد الدّلاليَّة لهذه التَّراكيب التي تمثّل عنصراً فاعلاً في عملية الإبداع الشِّعريّ، إذ إنّ أيَّ نص أدبيّ لا يمكن إدراك دلالته إلا من خلال التَّراكيب والسّياق؛ فالنص لا يُجرَّد من قيمته الدّلاليَّة عند الحديث عن سماته التَّركيبيَّة، بل يتضافر فيه هذان المستويان ليشكّلا بنية فنيَّة ذات نسق جماليّ، و لهذا نالت التَّراكيب حظوتها على يد القدماء والمحدثين؛ لما لها من أثرٍ في إحداث التميّز الذي يفرّق أسلوب شاعر عن آخر.
وهذا ما أشار إليه عبد القاهر الجرجاني ( ت 471هـــــ) في نظرية النَّظم حين قال:
“والألفاظ لا تُفيد حتى تُؤلَّف ضرباً خاصّاً من التأليف، ويُعْمَد بها إلى وجه دونِ وجهٍ من التركيب والترتيب، فلو أنك عَمَدت إلى بيت شعرٍ أو فَصْل نثرٍ فعددت كلماته عَدّاً كيف جاء واتَّفق، وأبطلت نضدَهُ ونظامه الذي عليه بُني، وفيه أُفرغ المعنى وأجري، وغيّرت ترتيبه…….. أخرجته من كمال البيان، إلى مجال الهَذَيان”[40]
وباتجاه ما يتطلّبه البحث من حيث معاينة شعر الورَّاق؛ لمعرفة ما فيه من منبِّهات أسلوبيَّة تركيبيَّة، وقفنا على عدد من التَّراكيب التي شكّلت ملمحاً بارزاً في مجموعه الشِّعريّ وهي كالآتي:
- أسلوب النَّهي:
يعد أسلوب النَّهي من الأساليب التي حرص محمود الورَّاق على توظيفها ضمن تجربته الشِّعريّة، وهو من الأساليب الإنشائية الطَّلبية ، و النَّهي هو “طلب الكفّ عن الفعل على وجه الاستعلاء. وله صيغة واحدة، وهي (لا) الناهية مع الفعل المضارع”[41]، وقبل الوقوف على أمثلة هذا الأسلوب، يجب أن نشير على مسألة مهمة في هذا الصَّدد، وهي أنّ الحالة النّفسيَّة لشّاعرنا الورَّاق كانت حاضرة بقوة في أثناء توظيف أسلوب النَّهي، ولا غرابة في ذلك، فشاعرنا داعية إصلاح وإرشاد، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، و قد أخذ على عاتقه محاربة الكثير من الأمراض الاجتماعيَّة التي أخذت تستشري بين أبناء مجتمعه، ولعلَّه وجد في بنية النَّهي بغيته، ووسيلة لجذب انتباه القارئ إلى تلك العيوب الاجتماعيّة التي أنكرها في مواضع مختلفة من شعره، يقول الوراق متحدثاً عن الحسد:
لا تحسُدنَّ أخاكَ وارْ |
ويقول متحدثاً عن الحرص:
لا يغلِبنَّك غالبُ الحرص | وأعلم بأنَّ النَّاس في نقص[43] |
ونراه محذراً من التجسّس على عيوب النَّاس والسعي إلى كشفها، وخروج النَّهي عنده في هذا البيت إلى معنى الإرشاد، و يعدُّ من أكثر معاني أسلوب النَّهي عنده ( الإرشاد)، يقول:
لا تلتمِسْ من مَساوي النَّاس ما سَترُوا |
فالورَّاق، كما تلاحظ، يحرص على افتتاح هذه الأبيات جمعيها بأسلوب النَّهي؛ ليعبّر من خلاله عن موقفه الرَّافض لهذه العادات والممارسات غير المستحبة بين أبناء مجتمعه، فظواهر اجتماعيّة كهذه تتطلّب النَّهي المباشر الواضح ليدرك القارئ ما يطلبه منه الشَّاعر.
وهكذا أسهم أسلوب النَّهي في إيصال الرِّسالة التي يحاول الشَّاعر أن يبوح بها إلى أبناء مجتمعه.
- أسلوب الأمر:
ينضوي أسلوب الأمر، كذلك تحت أقسام الإنشاء الطَّلبي، وتتمثّل دلالاته في طلب القيام بالفعل على وجه الاستعلاء، وقد اتحذ الورَّاق أسلوب الأمر واحداً من المؤثِّرات الأسلوبيَّة، لما له من أثرٍ فنيّ في النَّص، وما يؤديه من دلالة في السِّياق، فضلاً عن أثره في التَّعبير عمّا يجول في نفس الشَّاعر من مشاعر وأفكار، فالورَّاق _ كما أسلفنا سابقاً – أخذ على عاتقه إصلاح الفرد والمجتمع، ومحاربة الأمراض الاجتماعيّة التي انتشرت في مجتمعه، فإننا نجد الورَّاق يميل إلى هذا الأسلوب كثيراً، و من أمثلة ذلك،
قوله:
اصبر على الظُّلم ولا تَنَتصِرْ |
هنا لا شكّ أنّ الشَّاعر قصد ذلك الظُّلم الذي يقع على المرء خاصة منفرداً، فليس كل صبر يكون السكوتُ عليه مقبولاً، والملاحظ هنا أيضاً أنّ توظيف الشَّاعر لفعل الأمر له دلالة مهمة مرتبطة بتصوير شدة الانفعال المتأتي من الواقع الذي يحيط به، فهو يتكئ على أسلوب الأمر في بداية هذين البيتين
( اصبر، وكِلْ)، ليلج من خلاله إلى بثّ شكواه من آفة الظّلم التي شاعت في عصره شيوعاً كثيراً ، ولعلّ استخدام الشَّاعر لفظة ( ظلوم) التي هي صيغة مبالغة، القصد منها كثرة الظّلم التي شاعت في عصره بشكل كبير، وهنا إشارة واضحة إلى أنّ قدرة الله أكبر من جبروت الظالم ، وهو أن الله يمهل ولا يهمل، وهو ينظر إلى قوله تعالى: ﵛ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾[46]، وقوله تعالى أيضاً: ﵛ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾[47].
وليس للظلم علاج في نظر الشَّاعر سوى بالصبر على هذا الظّلم ، وإيكال الأمر إلى الله سبحانه وتعالى الذي لا يغفل عن عباده المظلومين.
وهكذا تعدَّدت أمثلة الأمر في تراكيب الورَّاق، ولو رحنا نستعرضها لطال بنا الحديث، ويكفي القول إنَّها جاءت جمعيها في مجال الوعظ والنُّصح والإرشاد، إذ يعدُّ أسلوب الأمر مع أسلوب النَّهي السَّابق ذكره من أقوى الوسائل التي تفصح عن مشاعر الورَّاق، فينفِّس به كثيراً عمّا يجول في خاطره من معانٍ وأفكار، ويكشف في الوقت نفسه عن القيم الأخلاقيّة الحميدة التي أخذت تتلاشى في مجتمعه، ممّا دفعه إلى أن يدعو إليها دعوة صريحة موظّفاً أسلوب الأمر؛ لأنّه أبلغ في الـتَّأثير في نفس المتلقي، وأجدى في دفعه للاستجابة.
- أسلوب الشرط:
يضاف إلى الأسلوبين السَّابقين أسلوب الشَّرط الذي عمد إليه الورَّاق في شعره؛ لما له من أثر في تحقيق الانسجام والتّواصل بين أجزاء البيت الواحد؛ لأن الشرط كما هو معروف يجب أن تتحقق فيه ثلاثة عناصر رئيسة هي: أداة الشَّرط، وفعلها، و جوابها، والمتأمّل في شعر الورَّاق يلاحظ أنّه استخدم هذه الصيغة التركيبيّة للإفصاح عن المعاني التي أراد البوح عنها، وقد كان لأداة الشَّرط ( إذا) النَّصيب الأوفر الذي شكّل ملمحاً أسلوبياً بارزاً في شعر الورَّاق، ومن أمثلته:
إذا أعطَى القليل فتىً شريفٌ |
نلاحظ من خلال هذين البيتين أنّ الورَّاق ضمّن أداتي الشّرط ( إذا، إن)، ليوازن بين عطاء الرّجل الشّريف، وعطاء الرجل الدّني، وليتمكّن من تعميق الفرق بين عطاء كلّ من هذين الرَّجلين، ونلاحظ إنه لم يكتف بأسلوب الشّرط فحسب، وإنَّما آثر أن يكون جواب الشّرط مكوناً من ( إنّ، واسمها، وخبرها) لما تتضمّنه الجملة الاسميَّة من ثبات واستمرار، وهذا يتناسب مع عطاء كلّ من الرَّجلين، فعطاء الرّجل الشَّريف، وإن كان قليلاً فهو حسن جميل دائماً، وعطاء الرّجل الدّني، وإن كان كثيراً فهو مذمومٌ دائماً، وهذا التَّوظيف الرّائع لأسلوبي الشَّرط والتَّوكيد والجمع بينهما في سياقٍ واحدٍ يُظهر لنا براعة الورَّاق في اختيار النَّسق الذي يتلاءم مع المعنى الذي يريد التّعبير عنه.
ونخلص ممَّا سبق أنّ الورَّاق كان ميّالاً إلى العنّاية بتراكيبه وانتقائها، وصياغة أسلوبه صياغةً محكمة، وحسبنا ما ظهر لنا من السُّهولة والوضوح في ألفاظه، وحسن السَّبك، والدقة في التَّعبير، ولقد توافرت أنماط أخرى من الأساليب التي أضفت على تراكيبه سمات فنيّة وأبعاداً جماليَّة من مثل التّقديم والـتّأخير، والتّوكيد، ومن أكثر أدوات التوكّيد التي برزت في شعره( إنّ) وغيرها من (القسم) و(قد) و(نونا التوكّيد الخفيفة والثقيلة)……، غير أننا نكتفي بهذا القدر، فإنَّ فيه الكفاية فيما اعتقد.
خاتمة:
حاول هذا البحثُ دراسة شعر محمود الورَّاق دراسةً أسلوبيَّة، للوقوف على إبداع هذا الشَّاعر في شعره، وما تجلّى فيه من جماليات، تمثَّلت في دقة التَّعبير، وروعة التَّصوير، وحسن التَّركيب، كما تمثَّلت فيما تضمنته الألفاظ والتراكيب والصُّور من تجارب صادقة، ومعانٍ نبيلة.
وقد خَلَصَ البحثُ إلى جملة من النتائج أهمها:
- على المستوى الدِّلاليّ: امتازت لغة الورَّاق بالسُّهولة والوضوح، وهما من الوسائل التي استخدمها في شعره الوعظي التعليمي، بل يستطيع القارئ أن يدرك معانيها بدون جهد أو عناء، وليس هذا بحسب، بل إنَّ صوره الفنيَّة جاءت أيضاً بسيطة غير معقَّدة، تتسم بالصّدق والعفوية وروعة انتقاء الألفاظ، والدقة في التَّعبير عن المعنى المراد.
- على المستوى الإيقاعيّ الداخلي: حرص الورَّاق على تحقيق أكبر قدر من الموسيقى الداخلية في شعره، فيلجأ إلى الطباق والمقابلة بكثرة عندما تحتاج النصيحة إلى النقيض لبيان الهدف التعليمي منها، بالإضافة إلى التكرار ورد العجز على الصدر ليخلق لوناً موسيقياً يشدُّ السَّامع ويطربه.
- على المستوى التَّركيبيّ :وظف الورَّاق بعض الظَّواهر الأسلوبيَّة في شعره كأسلوب الأمر والنَّهي والشّرط، وقد أحسن استخدام هذه الأساليب التي حاول من خلالها إيصال رسالته إلى أبناء مجتمعه، ونلاحظ استخدام الورَّاق أساليب الشّرط بصورة لافتة للنظر، قد يشير هذا إلى: رغبة الشَّاعر في إثارة ذهن المتلقي من خلال جذب انتباهه لجواب الشَّرط المنتظر، وتأثر الورَّاق بالقياس والمنطق واستخدامه في النصح والإرشاد.
قائمة المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني( ت471هــ)، قرأه وعلق عليه: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، و دار المدني، جدّة د.ط، د.تا.
- الأسود بن يعفر النهشلي حياته وشعره، توفيق إبراهيم صالح الجبوري، رسالة ماجستير، جامعة تكريت، العراق، 1989م.
- الإيضاح في علوم البلاغة: المعاني والبيان والبديع، محمد بن عبد الرّحمن جلال الدين القزويني (ت739هـــ)، وضع حواشيه: إبراهيم شمس الدّين، دار الكتب العلميَّة، بيروت، ط1، 2003م.
- البلاغة الاصطلاحية، عبده عبد العزيز قلقيلة، دار الفكر العربيّ، القاهرة، ط3، 1412هــ/1992م.
- البنيات الدالة في شعر أمل دنقل، د. عبد السلام المساوي، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، ط1، 1994م.
- تاريخ بغداد، الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ( ت 463هــــ)، تحقيق: د. بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1422هـــــ/ 2002م.
- جواهر البلاغة، في المعاني والبيان والبديع، السيّد أحمد الهاشمي، ضبط وتدقيق وتوثيق: د. يوسف الصميلي، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ط1، 1999م.
- ديوان عدي بن زيد العبادي، حققه وجمعه: محمد جبّار المعيبد، دار الجمهورية للنشر والتوزيع، بغداد، ط1، 1385هـــــ/ 1965م.
- ديوان محمود الورَّاق: شاعر الحكمة والموعظة، جمع ودراسة وتحقيق: وليد قصّاب، مؤسسة الفنون، عجَمان، ط1، 1412هـــــ/ 1991م.
- العصر العباسيّ الأول، د. شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، د.ط، 1966م.
- علم الأصوات، د. كمال بشر، دار غريب، القاهرة، ط16، 2000م.
- علم البيان، عبد العزيز عتيق، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، د.ط، 1405هـــــ/ 1985م.
- العمدة في محاسن الشّعر و آدابه ونقده، أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني(ت463هـ)،حققه وفصله وعلّق حواشيه: محمد محيي الدّين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط5، 1401هـــــ، 1981م.
- عيار الشّعر، محمد أحمد بن طباطبا العلوي ( ت 322هــــــ)، شرح وتحقيق: عباس عبد الساتر، مراجعة: نعيم زرزور، دار الكتب العلميَّة، بيروت، ط2، 1426هــــ/ 2005م.
- فضاءات الشعرية، دراسة نقدية في ديوان أمل دنقل، د.سامح الرواشدة، المركز القوميّ للنشر، إربد، الأردن، د.ط، د.تا.
- الفنُّ ومذاهبه في الشّعر العربيّ، د. شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط4، 1960م.
- فنون بلاغيّة، البيان والبديع، د. أحمد مطلوب، دار البحوث العلميّة، الكويت، ط1، 1395هــــ/1975م.
- قضايا النّقد الأدبيّ بين القديم والحديث، د. محمد زكي العشماوي، دار النهضة العربيّة للطباعة والنشر، بيروت، د.ط، 1979م.
- كتاب الصّناعتين الكتابة والشعر، أبو هلال العسكري ( ت395)، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاهُ القاهرة، ط1، 1371هـــ/1952م.
- لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الإفريقي (ت: 711هـ)، دار صادر بيروت، د.ط، د.تا.
- المعجم الأدبيّ، جبّور عبد النّور، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1984م.
- معجم البلاغة العربيّة، د. بدوي طبانة، دار المنارة، جدّة، و دار الرّفاعي للنشر والطباعة والتوزيع، الرياض، ط3، 1988م.
- موسوعة المصطلح النقدي، د. سي ميويك، ترجمة: د. عبد الواحد لؤلؤة، المؤسسة العربية للدّراسات والنشر، بيروت، ط1، 1993م.
- الموشح، في مآخذ العلماء على الشّعراء، أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني
( ت384ه)، تحقيق وتقديم: محمد حسين شمس الدِّين، دار الكتب العلميَّة، بيروت، ط1، 1415هــــــ/1995م.
[1] تاريخ بغداد، الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ( ت 463هــــ)، تحقيق: د. بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1422هــــــ/ 2002م، 15/103. ويُنْظَر: العصر العباسيّ الأوّل، د. شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، د.ط، 1966م، ص409.
[2] تاريخ بغداد، 15/ 103.
[3] العمدة في محاسن الشّعر و آدابه ونقده، أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني( ت 463هـــــ)،حققه وفصله وعلّق حواشيه: محمد محيي الدّين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط5،1401هـــــ/1981م،1/124.
[4] سورة الرُّوم، الآية:22.
[5] كتاب الصناعتين الكتابة والشّعر، أبو هلال العسكري ( ت395هــــ)، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاهُ، القاهرة، ط1، 1371هــــ/ 1952م ، ص149.
[6] الفنُّ ومذاهبه في الشّعر العربيّ، د. شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط4، 1960م، ص19.
[7] ديوان محمود الورَّاق: شاعر الحكمة والموعظة، جمع ودراسة وتحقيق: وليد قصّاب، مؤسسة الفنون، عجَمان، ط1، 1412هــــ/1991م، ص52.
[8] ديوانه، القطعة: 30، ص90.
[9] ديوانه، القطعة: 92، ص141، ويُنْظَر كذلك: إلى ” سمة السُّهولة والوضوح” أيضاً في مقطوعات شعره: 52، ص110، والقطعة: 148، ص189.
[10] ديوانه، القطعة: 17، ص78.
[11] يُنْظَر: لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي (ت 711هــ)، دار صادر، بيروت، د.ط، د.تا، مادة
(لهزم).
[12]عيار الشّعر، محمّد أحمد بن طباطبا العلويّ ( ت 322هــــــ)، شرح وتحقيق: عباس عبد الساتر، مراجعة: نعيم زرزور، دار الكتب العلميَّة، بيروت، ط2، 1426هــــ/ 2005م. ص20.
[13]موسوعة المصطلح النقدي، د. سي ميويك، ترجمة: د. عبد الواحد لؤلؤة، المؤسسة العربية للدّراسات والنشر، بيروت، ط1، 1993م، 4/114.
[14] ديوانه، القطعة: 2، ص67.
[15] فضاءات الشعرية، دراسة نقدية في ديوان أمل دنقل، د.سامح الرواشدة، المركز القوميّ للنشر، إربد، الأردن، د.ط، د.تا، ص18.
[16] المرجع السابق، ص20.
[17] ديوانه، القطعة: 10، ص73.
[18] البلاغة الاصطلاحية، عبده عبد العزيز قلقيلة، دار الفكر العربيّ، القاهرة، ط3، 1412هـــــ /1992م، ص37.
[19] فنون بلاغيّة، البيان والبديع، د. أحمد مطلوب، دار البحوث العلميّة، الكويت، ط1، 1395هـ /1975م، ص27.
[20]ديوانه، القطعة: 38، ص98. وقد وظف الورَّاق لوناً آخر من التشبيه برز في شعره ” التشبيه التمثيلي”، وهو تشبيهٌ يكون فيها وجه الشبه مُنتزعاً من متعدّد مع وجود أداة التشبيه، أو فيه أكثر من وجه للشبه، أو تشبيه صورةٍ محسوسة بصورةٍ مُتخيَّلة، كما في القطعة: 67، ص120.
[21]سورة البقرة، الآية: 173.
[22] علم البيان، عبد العزيز عتيق، دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، بيروت، د.ط، 1405هــــــ/ 1985م، ص176.
[23] ديوانه، القطعة: 204، ص255، 256.
[24] ديوانه، القطعة: 197، ص248.
[25] ديوانه، القطعة: 73، ص125.
[26] قضايا النّقد الأدبيّ بين القديم والحديث، د. محمد زكي العشماوي، دار النهضة العربيّة للطباعة والنشر، بيروت، د.ط، 1979م، ص108.
[27] المعجم الأدبيّ، جبّور عبد النّور، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1984م، ص44.
[28] كتاب الصّناعتين الكتابة والشعر ، ص307.
[29] الإيضاح في علوم البلاغة: المعاني والبيان والبديع، محمد بن عبد الرّحمن جلال الدين القزويني (ت739هـــ)، وضع حواشيه: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلميَّة، بيروت، ط1، 1424هــــــ/ 2003م، ص255.
[30] ديوانه: القطعة: 59، ص114، ويُنْظَر كذلك: أيضاً إلى الطباق بين ( البياض والسواد) في تلك الصورة التشبيهية بين سواد الليل وبياض الشعر، في القطعة: 67، ص120، وأيضا: في القطعة: 135، ص177.
[31] ديوانه، القطعة: 9، ص72، ويُنْظَر كذلك: إلى الطباق السلب في القطعة: 33، ص93، والقطعة: 70، ص122.
[32] البنيات الدالة في شعر أمل دنقل، د. عبد السلام المساوي، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، ط1، 1994م، ص75.
[33] ديوانه، القطعة: 69، ص121. وقد يلجأ الورّاق إلى تكرار العبارة التي تعطي امتداداً أكثر في الزمن مفتتحاً بها النّص وموالياً تكرارها كما في القطعة: 129، ص172.
[34] الأسود بن يعفر النهشلي حياته وشعره، توفيق إبراهيم صالح الجبوري، رسالة ماجستير، جامعة تكريت، العراق، 1989م، ص201.
[35] ديوانه، القطعة: 80، ص131. ويُنْظَر كذلك: في القطعة: 132، ص174. إذ كرر الشّاعر ( حرف اللام) في هذه المقطوعة سبع عشرة مرة، وتكرار اللام فيه إيحاء بأهمية ما أراد الشّاعر أن يوصله من توجيه إلى المخاطب، وتبيان تقلبات الدّهر، واغترار الإنسان بالمظاهر الدنيوية الزائلة، ولا شكّ أنّ ما يحمله حرف اللام من تكرار وغنة يضفي إلى نوع من الإيقاع المتناغم الذي يستفز سمع المتلقي.
[36] علم الأصوات، د. كمال بشر، دار غريب، القاهرة ،ط16، 2000م، ص305.
[37] جواهر البلاغة، في المعاني والبيان والبديع، السيّد أحمد الهاشمي، ضبط وتدقيق وتوثيق: د. يوسف الصميلي، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ط1، 1999م، ص333.
[38] ديوانه، القطعة: 7، ص70، وقد أخذ محمود الورَّاق البيتين السّابقين من قول عدي بن زيد شاعر جاهليّ:
وصحيحٍ أضحى يعود مريضاً | وهو أدنى للموت ممّن يعُودُ |
- هذا الاقتباس ذهب إليه المرزباني، الموشح، في مآخذ العلماء على الشّعراء، أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني (ت384هــ) ، تحقيق وتقديم: محمد حسين شمس الدِّين، دار الكتب العلميَّة، بيروت، ط1، 1415هــــــ/ 1995م، ص388.
- ديوان عدي بن زيد العبادي، حققه وجمعه: محمد جبّار المعيبد، دار الجمهورية للنشر والتوزيع، بغداد، ط1، 1385هــ/ 1965م، ص122.
[39] ديوانه، القطعة: 173، ص220.
[40] أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني( ت 471هــ)، قرأه وعلق عليه: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة و دار المدني، جدّة ، د.ط د.تا، ص5،4.
[41] معجم البلاغة العربيّة، د. بدوي طبانة، دار المنارة للنشر والتوزيع، جدّة ، و دار الرّفاعي للنشر والطباعة والتوزيع، الرياض، ط3، 1408ه/ 1988م، ص681.
[42] ديوانه، القطعة: 51، ص109.
[43] ديوانه، القطعة: 88، ص137.
[44] ديوانه، القطعة: 114، 158.
[45] ديوانه، القطعة: 139، ص180. ويُنْظَر كذلك: إلى أسلوب الأمر في الحضّ على مكارم الأخلاق، كالدّعوة إلى التوبة قبل فوات العمر كما في القطعة: 152، ص193.
[46] سورة إبراهيم، الآية: 42.
[47] سورة النساء: الآية:131.
[48] ديوانه، القطعة:151، ص192.