
التعددية الدلالية القواعدية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم (مقاربة إدراكية)
د. ناديا دادپور، خريجة مرحلة الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة أصفهان
أ. د. سيد محمدرضا ابن الرسول[1] ، أستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة أصفهان
أ.م د.حدائق رضائي، أستاذ مساعد في قسم الألسنيات بجامعة أصفهان
principled polysemy of verb “Akhaza” in Qur’an
(Cognitive Approach)
Nadiya Dadpour, ph. D of Arabic language and literature, faculty of foreign languages, university of Isfahan
Sayyed Mohammadreza Ibnorrasool, corresponding author, professor of Arabic language and literature, faculty of foreign languages, university of Isfahan
Hadaeq Rezaei, Assistant Professor of linguistics, faculty of foreign languages, university of Isfahan
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 47 الصفحة 61.
Abstract
cognitive linguistics is a method that applies new perspective in the field of text analyzing. It means that this method is a useful and beneficial tool to clarify how to use text’s elements including word, noun and verb. Tyler and Evans worked in this field and could present a worthy pattern in polysemy analyzing of a word in their book “The Semantics of English Prepositions “. This framework which is called principled polysemy tries to draw semantic network of studied data by investigating meanings of a word and finding their cognitive relations.
The aim of this paper is studying the meanings of verb “Akhaza” in Qur’an based on Tyler and Evans suggested framework i.e. principled polysemy. The used method is analytical descriptive and wants to draw semantic network after investigating the meanings of “Akhaza” in Qur’an and finding their cognitive relations.
Findings indicates that The most frequent cognitive tool in creating new meanings of “Akhaza” is foregrounding in Qur’an. Transferring of physical spaces to abstract spaces is the second tool to create the meanings for this verb. The semantic network of “Akhaza” in Qur’an is a wide semantic network which its first meaning is less important in network. Contrariwise “Mind: getting know” is the record holder in other meanings in “Akhada” network. This high frequency shows the importance of Learning in the destiny of man and the ups and downs of worldly life.
Keywords: cognitive linguistics, principled polysemy, moving verbs, Qur’an, Akhaza
الملخصاللسانيات الإدراكية التي أبصرت النور في العشرينيات الأخيرة تعطي رؤى مستجدة لتحليل النصوص وفي حلقة متضايقة تقدّم آلية فاعلة لتحديد كيفية توظيف المؤشرات النصية، من حرف أو فعل أو اسم. ومن الذين شمّروا عن سواعدهم ليخصبوا ثمار هذه الرؤية وليخرجوها من النضوب، هما: تايلور وإيوانس اللذان اقترحا نمذجة لائقة لتحليل التعددية الدلالية تحليلاً قواعدياً يبتعد عن العشوائية إلى حد كبير؛ فاستهدف البحث رصد دلالات المؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم وصولاً إلى شبكته الدلالية وذلك انطلاقاً من مقترح تايلور وإيوانس وقد تبنّت هذه الدراسة المتواضعة المنهج الوصفي التحليلي أساساً لهندستها وقواماً لهندامها. وما توصلت إليها هذه المحاولة هو أنّ لتقنية التضخيم دوراً بارزاً في التوسيع الدلالي للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم، ثم الجنوح من المادة إلى اللامادة تعدّ الركيزة الثانية في خلق الإيحاءات المستجدة لهذا المؤشر، وهنالك انزياح مفاجئ في كيفية التواترات الدلالية حيث إن “أخذ” في دلالته المعجمية النووية لا يلعب دوراً قاتماً في القرآن الكريم؛ بل دلالة “أخـ ذ: اعتبر” تحطّم الرقم القياسي قياساً لنظرائها وهذا الأمر إن دلّ على شيء يدلّ على الأهمية التي يحتظيها الاعتبار بشتى أنواعه في مصيرة الإنسان وحياته في الدنيا والأخرى.
الكلمات المفتاحية: القرآن الكريم، اللسانيات الإدراكية، التعددية الدلالية القواعدية، أفعال الحركة، أخذ
- المقدمة
1-1. تحديد الموضوع
اللسانيات الإدراكية تعطي اهتماماً بالغاً لدلالة الألفاظ والإيحاءات التي تسطع عنها وليست الأفعال في هذه الأنظمة اللسانية بمعزل عن أخرى الألفاظ بل تشكل زاوية معنية في هذا الاتجاه اللساني. وتختلف اللسانيات الإدراكية عن سائر الاتجاهات اللسانية بالأصول التي تؤكد عليها وتطوف في مدارها؛ وهما أصلان رئيسان أصل الإدراك[2] وأصل التعميم[3]. ثمة التعددية الدلالية من القضايا الحاسمة التي تقع في إطار اللسانيات الإدراكية، وقد ظهرت رؤى عديدة للتعددية الدلالية لكن التعددية الدلالية القواعدية التي اقترحها تايلور وإيوانس في كتابهما[4] قد فازت بقصب السبق في هذا الميدان ذلك أن الحلقات الدلالية التي تنشأ انطلاقاً من هذه الرؤية، تتميز بالدقة وعدم العشوائية، إذ يمرّ كل مؤشر من المؤشرات أو كل دلالة من الدلالات بمراحل انتقاء المعنى المجزأ وكذلك المعنى المركزي لشبكة الإيحاءات لا يسجّل نهائياً إلا بعد اجتياز خطوات خمسة من الاختبارات الدقيقة. أما التوزيع الدلالي للمؤشرات اللغوية فيعدّ سمة كبرى يتميز بها القرآن الكريم ثمة المؤشر الفعلي “أخذ” من أكثر أفعال الحركة تواتراً وأشدها نشاطاً في إضاف المعنى المستجد في المصحف الشريف.
2- 1. ضرورة البحث
الكشف عن الإيحاءات الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم ورسم شبكته الدلالية يقدمان بضاعة ثمينة لائقة ويزيحان الستار عن صفحة من صفحات إعجاز القرآن الكريم الخفية كما أنهما يمهدان الأرضية المناسبة لاستيعاب فحوى القرآن استيعاباً يصفو عن أي كدر ويستشف لدى البصر.
3-1. هدف البحث
يرنو هذا البحث المتواضع إلى استكشاف إيحاءات المؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم وتبيين كيفياته الدلالية والخيوط العلائقية بينها كما يهدف رصد الآليات التي تساعد على خلق هذه المعاني وتبيين الطقوس البارزة التي تستقر في حضنها هذه الدلالات وذلك كله وصولاً إلى الشبكة الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم وتبيين دلالاته العنقودية من غيرها.
4- 1. أسئلة البحث
الأسئلة التي يحاول البحث أن يكشف الغطاء عن وجهها ويحل لغزها تتلخص فيما يلي:
- ما هي الكيفيات الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” وطقوس استقراره في القرآن الكريم ؟
- ما هي أبرز الآليات الفاعلة لإنشاء العلاقات الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم؟
- كيف تهندَس الشبكة الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم؟
5- 1. منهج البحث
المنهج الذي تَتَبَّعَهُ البحث في خطواته هو المنهج الوصفي التحليلي، فقامت الدراسة بادي الأمر بتبيين الخطوط العريضة لمقترح تايلور وإيوانس وأصول التعددية الدلالية القواعدية عندهما، ثم يجنح إلى القرآن الكريم فيدرس المؤشر الفعلي “أخذ” انطلاقاً من الأسس المقترحة ويتلوه بتقديم إحصاء تتبيّن من نافذته الأجواء الدلالية للمؤشر المدروس.
6- 1.خلفية البحث
الدراسات التي سبقت هذه الدراسة تتوزع على قسمين؛ ما يخصّ حقل التنظير ويرتبط بنظرية التعددية الدلالية القواعدية في جهة من جهاتها والثاني: ما يتعلق بكيفيات التحليل الدلالي وصولاً إلى الشبكات الدلالية.
ففي القسم الأول يقتدي البحث بالكتاب “دلالة الحروف الإنجليزية”[5] لتايلور وإيوانس ويقتبس أسس تحليله مما ورد فيه. وقد شرح المؤلفان في الشق الأول من الكتاب الأصول الأساسية للسانيات الإدراكية وقد استقصيا في طرح مرايا التعددية الدلالية القواعدية ودهاليزها الخفية وما يميزها عن أخرى نظريات التعددية الدلالية. أما الشق الثاني من الكتاب فيقدّم تحليلاً راقياً للمؤشر الحرفي “over” ويعالجه معالجة دقيقة تنتهي إلى رسم شبكته الدلالية.
والكتاب «علم الدلالة والعرفانية» لراي جاكندوف، شرح فيه المؤلف الأصول العامة للعرفنيات وما يتعلق بالدراسات الإدراكية، نشأة وتاريخاً وتأصيلاً، شارحاً فيه الأنماط التصوّرية والحقول الدلالية والمقولات، ما يكون خير عون على الدارس في مجال اللغويات الإدراكية.
أما القسم الثاني من الدراسات السابقة التي تخصّ التحليل فيتجلى في أعمال متكاثفة متراكمة من نماذجها:
باللغة الفارسية:
المقالة المعنونة بـ «بررسى مقوله “بر” در گلستان سعدی» للباحث حدائق رضائي وآخرين؛ وقد عالجت الدّراسة هذه، التعددية الدلالية للمؤشر الحرفي “بر” في کتاب روضة الورد؛ فبعد وصف دلالات هذا المؤشر ورصفها، يصرّح المقال بالعلاقات الدلالية التي تتواجد بين المعاني الهامشية والمعنى المركزي النووي إلى أن انتهى بتقديم خريطة تصوّر الشبكة الدلالية للمؤشر “بر” في الكتاب المدروس.
والمقال الذي عنون بـ «ابعاد معنایی “انداختن” و”بریدن” با رویکردی درزمانی: چندمعنایی، همنامی یا هممعنایی بافت مقید؟» لـ إحسان جنكيزي وسبيدة عبدالكريمي؛ وقد درست هذه المقالة المؤشرين الفعليين “رمى” و”قطع” باللغة الفارسية وأزاحت الستار عن كيفياتهما الدلالية وراح يفصل بعضها عن بعض أهي ترتبط بالتعددية أو تتعلق بالهومونيمي أو هي ناتجة عن الاشتراك اللفظي السياقي؟ وبهذا المنهج يتمّ عرض إيحاءات المؤشرين المدروسين وتتحدّد أنظمتها الوظيفية.
ثمة المقالة المسمّاة بـ: «شبکه معنایی فعل گرفتن براساس انگاره چندمعنایی اصولمند» للباحث محمد عموزاده والآخرين؛ هذا البحث يقترب من البحث الحاضر اقتراباً شديداً وقد توصّل الباحث من خلال دراسته للمؤشر الفعلي “گرفتن” إلى شبكة هذا المؤشر الدلالية بصورة شاملة من دون تحديد الدراسة في نطاق نص مميّز.
وباللغة العربية يمكن الإشارة إلى الدراسات التالية وما يماثلها من الدراسات:
المقالة المسماة بـ «التعدد الدلالي بين النظر والتطبيق؛ سورة يوسف نموذجاً» للباحثة نادية رمضان النجّار؛ وقد درست مظاهر التعددية الدلالية في سورة يوسف في القرآن الكريم بعدما تحدّثت عن رطب هذه القضية ويابسها إلا أنها لم تجنح نحو التعددية الدلالية القواعدية بالضبط ولم تختر لبحثها مؤشراً من المؤشرات بل انطلقت من مبدء عام في التحليل.
ورسالة جامعية تحت عنوان «تعدد المعنى في كلمة “الدين” في القرآن الكريم» لـ فضلك يزيدة وقد درس فيه الباحث دلالات المؤشر الاسمي “الدين” في القرآن الكريم من دون أن يتتبع في خطواته منهجاً لسانياً بارزاً.
وباللغة الإنجليزية:
The role of intertextual polysemy in Qur`anic exegesis
للباحث عبدالله جلادري، قامت هذه الدراسة بمعالجة كيفيات التعددية الدلالية الداخلنصية، بناء على رؤى تفسيرية، فتهدف هذه الدراسة من وراء ذلك تمحيض نُظُم قواعدية للظاهرة المدروسة في القرآن الكريم.
Transferring POLYSEMIC Words from Arabic into English: A comparative Study of Some Samples from the Holy Quran
للباحث أبي بكر علي، وآخرين. قامت هذه الدراسة بالفحص عن كيفيات الألفاظ المشتركة مترجمة من العربية إلى الإنجليزية بانتقاء عينات من القرآن الكريم. وقد خلصت هذه الدراسة إلى نتائج أهمها تبرز في أن عملية الترجمة توتّر ظاهرة المشترك اللفظي المتواجدة في العينات المدروسة آونة حدوث النقل وقد تمنح هذه المقالة للمتلقي شبكة دلالية ضمنية للمفردات المعنيّة ما يساعد على وضع خطة لائقة لأطر هذا البحث.
7-1. إبداعات البحث
ما أبدعته هذه الدراسة يتجلى في أمرين؛ الأول: تطبيق التعددية الدلالية القواعدية للمنظرين تايلور وإيوانس على القرآن كريم، والثاني: انصباب هذا المجهود في قولبة مقولية موحّدة هو المؤشر الفعلي “أخذ” في النص المختار؛ فبينما الدراسات التي سبقت هذه الدراسة تقدم بضاعة جديرة وتنال الاستحسان لكنها لم تتطرق إلى معالجة التعددية الدلالية القواعدية في القرآن الكريم ولم تكن ـ على ما علم ـ تعتني بالفحص عن النفقات الدلالية المتواجدة في حلقات هذا المؤشر الدلالي أي “أخذ” ما يسجل سمة بارزة للدراسة الحاضرة.
- مفهوم الشبكة التعددية الدلالية لدى تايلور وإيوانس
يعتقد تايلور وإيوانس أن الشبكات الدلالية تولد عبر العلاقات الوظيفية التي تتواجد بين استعمال بدائي وبين مفهوم أولي بدائي؛ فالمتحدثون في محادثاتهم يزحفون بالألفاظ نحو الاستعمال المجازي. وهذه الاستعمالات المجازية في هذه الرؤية لا تأتي عن صدفة ولا تخلقها العشوائية ولا تتيح العبثية للمتحدثين خيار ألفاظ من دون غيرها للولوج في الفضاءات الانتزاعية الخاصة بل هنالك طاقات كامنة تجعل لاستعمال اللفظة مثلاً “over” في الطقوس اللامادية مبرراً. فعليه يعتقد تايلور وإيوانس أنه تتواجد علاقات تلقائية لاإرادية، غير واعية فيما بين المفاهيم الأولية البدائية وبين المفاهيم المجزأة في أحشاء حلقة من الدلالات لمؤشر لغوي ما، والحق أنّ هذا ما يشكّل الحجر الأساس لما ادّعاه تايلور وإيوانس في مقترحهما التنظيري.
فالقضايا الأساسية التي تصطدم بها نظرية التعددية الدلالية القواعدية تتلخص في أمرين؛ أولاً: كيفية نمذجة إعادة المفاهيم البدائية إعادة لائقة، وثانياً:كيفية تنسيق علاقات العناصر في شبكة واحدة. فلابد لتنظير كهذا أن يتمكن من الإجابة عن أسئلة ترتبط بالقضايا التالية؛ الإعادة اللائقة للمفاهيم البدائية أولاً، وتبيين الكيفيات العلائقية المتواجدة بين عناصر شبكة ما ثانياً. وينبغي الإشارة إلى أن النمذجة المناسبة للتعددية الدلالية تتمكن من أن تقدّم معايير مستشفة للتمييز بين التعابير الـ آنقولية[6] والمفاهيم المدّخرة في الذّاكرة[7].
1-2. تحديد المعنى المركزي
الركيزة الأساسية التي تؤكد عليها التعددية الدلالية القواعدية هو اقتراح معايير لتحديد المعنى المركزي الذي تتمحور حوله أخرى الدلالات ولا تفتأ تكون في علاقة مستمرة معه، فلا يوجد معنى من المعاني في الشبكة إلا أن يكون في علاقة وطيدة مع هذا المعنى المركزي أما المعايير التي اقترحتها هذه النظرية فها هي:
- المعيار الأول يشير إلى أنّ المعاني التاريخية هي التي تعد البؤرة المركزية لأخرى المعاني، كما أن المعاني التي أكل الدهر عليها وشرب سواء اندرست واندثرت تحت ركام الألفاظ الجديدة أو بقيت حية مستعملة؛ ما زالت ولاتزال تشكل نواة المعاني الجديدة المتواجدة في العناصر الفضائية بشكل ما، وبالتحديد يمكن القول أن المعاني التي توغلت في التاريخ هي التي تفرعت وتشعّبت منها المعاني المستحدثة، وبالتالي هي أولى بأن تكون النموذج البدائي لهذه المعاني المستجدة أياً كانت.
- أما المعيار الثاني فهو يؤكد على أنّ أكثر المعاني تواتراً في الشبكة الدلالية تستأهل بأن تحلّ المكانة الأولى من بين المعاني المتواجدة في الشبكة. ولا يقصد بالتواتر، التواتر اللفظي، بل يعنى به على أنه تواتر الكيفيات المشتركة في إلقاء المعانى في حقل دلالي ما؛ ففي المؤشر الفضائي “over” استحضار “الْمُنْتَقِلِ”[8] فوق “الْمَعْلَمِ”[9] هو ما يتجلى في جلّ الدلالات الساطعة عن هذا المؤشر الفضائي، فعليه يمكن اعتبار “”over” بهذه الهندسة التراكيبية نموذجاً بدائياً سائداً على الشبكة.
- أما المعيار الثالث فهي الكيفيات العلائقية بين مؤشر فضائي ما وأخرى المؤشرات التركيبية، فهناك صورتان -على الحد الأدنى- تندمج فيها العناصر الفضائية أي الحروف في اللغة الإنجليزية؛ الصور المركبة؛ نحو: “overcoat” والتوظيف في الصور الفعلية؛ نحو: “look over”، حيث المؤشر الحرفي “over” في كليهما يبوح بحالة إدراكية مماثلة هي السيطرة والإحاطة التي تنجم عن الاعتلاء. وهنالك مؤشر آخر في هذا المعيار الثالث يساعد على تمحيض المعنى المركزي مساعدة لائقة هو الانتباه إلى المجموعات المتباينة التي ترتبط بالمؤشر الفضائي المدروس فمن الواضح أن الضد يعرف بالضدّ فعند الكشف عن أقنعة المعنى المركزي في الشبكة، لابد من معرفة المعاني المضادة المغايرة، وهذه المعرفة تبني حجراً أساسيّاً یرشد المتلقي إلى المعنى الصائب المميز ویكشف له الوجوه الخافية.
- والمعيار الأخير لتحديد المعنى النموذجي عند تايلور وإيوانس يكشف عن إمكانية توقع القواعد النحوية وتخمينها تخميناً صائباً. فإذا أدركنا أن بعض المعاني المجزئة حالياً قد اشتقت عن معنى موحد وأنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعنى بدائي مسبق وأنها انشعبت وافترقت عبر التوظيف اليومي للغة وعبر مضي الزمن يمكن تخمين عدد من هذه المعاني التي اقتبست دلالاتها مباشرة من المعنى الأوّلي؛ فعليه يجب تتبع خطوات المعاني التي لم تشتقّ من المعنى الأولي البدائي في سائر المعاني التي اشتقت منه. فهذه الرؤية في دراسة التعددية الدلالية تؤكد على أن اللغة تقوم على أنظمة استنتاجية ويرأسها مدار وظيفي يحوم حوله هذا النظام اللغوي. ومن منظور قواعدي يستأهل كل معنى مجزأ أن يستعاد مباشراً إلى المعنى البدائي وأن يستحضر في سياقات جملية؛ السياقات التي تتضمن المعنى البدائي المركزي وتضيف إليه معنى أو معان[10] هذه هي أهم الأطر التنظيمية للتعددية الدلالية القواعدية والتي ترتبط بحساسية فائقة برصد المستويات الدلالية والكشف عن الخيوط العلائقية بينها في تناول مؤشر لفظي ما، ورسم شبكته الدلالية. فيأخذ البحث في التالي بهذه الأصول ليضع المؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم تحت مجهريته تحليلاً ودرساً وفحصاً عميقاً.
- التعددية الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم
1-3. المؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم
الفحص عن المؤشر الفعلي الحركي “أخذ” في القرآن الكريم ووضع عدسة مكبرة عليه ومقارنة استعمالاته القرآنية باستعمالاته التداولية بناء على ما ورد في “معجم أمهات الأفعال، معانيها وأوجه استعمالها” يكشف عن أهمية انتقاء هذا المؤشر الفعلي وأسباب انتقاءه من دون أخرى المؤشرات ويفضي إلى نتائج جمة، أهمها هي:
- التنويع الدلالي لـ “أخذ” في القرآن الكريم تنويع جدير ملحوظ ويؤكد على أن شبكته، شبكة دلالية موسعة وليست استعمالاته القرآنية منسكبة في قارورة مقوقعة بل تتلاءم والاستعمالات التداولية.
- إن التدنّي الإحصائي بين الدلالات القرآنية لـ”أخذ” ودلالاته التداولية تبعث على الاعتقاد بالتماثل المئوي بين الفريقين، والحق أنه ليس كذلك؛ فهنالك من الدلالات ما لا تتواجد في نص القرآن نحو: دلالة “أخذ” على: يستخدم، ويعاب عليه، ويباغت، ويقطع، ويشرع في، ويتأثر به، ويتعلّم، ويُعجب به، ويفرض على، ولا ينفع، ويؤمن، ورأى[11]. فهذه التباينات الإيحائية تكشف عن الخلاف القائم بين الأمور التي يؤكد عليها القرآن الكريم ويعطيها العناية المتفوّقة والشؤون التي يركز عليها الناس في حياتهم الاعتيادية ومحادثاتهم اليومية.
- وهنالك بعض الدلالات القرآنية ترسخت فيها العلاقات التوزيعية الجوارية حيث يتمكن البحث من استثمارها كأسلوب متجذر عميق توحي بدلالة ثابتة أينما وجدت. وهذه هي الإيحاءات الأسلوبية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم: استهزأ، وعاهد، ووالى، وحذر، وعبد، وعذّب، ويقترب من، ويتبنّى، وصادق، وذهب، وغصب، وأحسن إلى، ولهى، ورحم، وهجر، واستشفع، وتوكل على، وتزوّج، و آب. ما يلفت النظر في هذه الدلالات الأسلوبية هو أنها نجمت من “اتخذ” من دون أخرى وجوه “أخذ” وأبوابه وهذا ما يؤكد بإلحاح على دور الجهية[12] في الدلالات الأسلوبية لـ “أخذ” في القرآن الكريم.
ينبغي للبحث بعد هذه الإضاءة أن يدخل في خضم الموضوع متمسكاً بالخطوة الأولى من إنشاء الشبكة الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم ألا وهو تحديد المعنى المركزي.
2-3. تحديد المعنى المركزي للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم
انطلاقاً مما ورد في معجم تاج العروس من معان لـ “أخذ” يبرز المشهد الأساسي للمؤشر الفعلي المدروس على يد مَعْلَم أي آخذ نشيط يؤثر على حركة المنتقل وهو الشيء المأخوذ؛ وهذا المعلم الذي يتموقع المنتقل في نطاقه، إما إنسان وإما جماد وإما كينون يؤنسن، وتتبيّن هذه الأنسنة إثر الطقوس النصية التي تحكم على النص. فحركة المنتقل في “أخذ” ليست حركة ذاتية وإنما تتحقق عبر شحن الطاقة من فاعل خارجي إلى المنتقل.
ففي الشريحة الدلالية التالية:
*أخذتُ الكرة من علي.
المنتقل یتجسّد في”الكرة” والمعلم يظهر في الضمير المتصل “تُ” المحيل إلى الفاعل؛ فالخطاطة الصورية لـ “أخذ” ترسم كما يلي:
وأحياناً المعلم نفسه يصبح الحافز على حركة المنتقل كما يصبح محطة استقراره بشكل متزامن؛ وذلك يتمثل في الشريحة الدلالية التالية وما يماثلها من الشرائح الدلالية:
*أخذتُ الكرةَ
هذه الشريحة ترسم مشهداً يتحرك فيه المنتقل بدافع المعلم ويستقرّ في حضنه. فيقوم معلم موحّد، بسحب المنتقل والقبض عليه وإمساكه.
فيبدو أن المشهد الأساسي وانتقاء المعنى المركزي للمؤشر الفعلي “أخذ” لايخرج عن اصطفاء أحد المشهدين السابقين. وما ورد في تاج العروس يؤيد هذا المقال حيث ورد فيه: “أخذ: خلاف أعطى”، هذا ما يتناسق والمشهد الأساسي الأول، ثم ورد فيه “أخذه: تناوله”[13]. وهو ما ينطبق انطباقاً مئويّاً على الشريحة الثانية.
غير أن ما ورد في المعجم لا يعطي الكفاية لوجدان المعنى المركزي المتأصّل لـ “أخذ” بل يساعد على انتقاء مرشحين يستأهلان الحلول في موضع المعنى المركزي هما “أخذ” خلاف أعطى و”أخذ” بمعنى تناول، فهنالك التنظير يرد ليدسّ أنفه في هذا الخيار وليتدخّل في تمييز الدلالة الممحّضة لـ “أخذ”، فأول خطوة في تحديد المعنى المركزي هي انتقاء الدلالة التي تقترب من المحسوس وعند اقتران الدلالتين المرشحتين يُرى أن الميزان لايعلو جانباه على الآخر. فالأخذ الذي يعاكس العطاء والأخذ الذي يدل على التناول، كلاهما يتماثلان من دون ترجيح إذا قورنا بماديتهما، فالمعيار الأول والثاني لا يقدمان الحل المناسب لخيار المعنى البدائي المركزي للشبكة الدلالية.
أما وضع “أخذ” في التصنيف الدلالي للأفعال التي تتماثل والكيفيات الحركة الناقلة للمنتقل نحو المعلم فتسفر عن الحقيقة وتسعف البحث على خيار المعنى البدائي مركزي خياراً صائباً:
- أخذ الحقيبة وأعطى النقود للبائع!
- استلم النقود وأخذها من الزبائن.
- قبل الهدية من زميله وأخذها.
- أخذ الملابس وأعادها إلى صاحبها.
- هو يأخذ الكتاب ويرفض غيره.
- أخذ الحاسوب ثم عوّضه بالجوال.
- قدّمت له مساعدة وأخذت أجري.
- قبضوا ما أرادوا وأخذوا ما شاؤوا من الأموال!
هذه الأفعال التي تشابه المؤشر الفعلي “أخذ” في حركتها الانتقالية وغيرها في نحو: ردّ، اشترى، استأجر، باع، سرق، وتسلّم، عندما تقع في علاقة جوارية مع “أخذ” تبيّن المعنى الأساسي الذي يتمتع به في حقيقته وهذا المعنى يرشدنا إلى المعنى المركزي المرنو، فما يتمحّض من الشرائح الدلالية التي ذكرت أعلاه وما يشابهها من أخرى الشرائح هو أنّ الأخذ في هذا التصنيف المقولي يدل على ما يعاكس “العطاء” لا على ما يدل على “التناول” فعليه يتفوّق المرشح الأول للمعنى المركزي أي ما يعاكس أعطى بدرجة على المرشح الثاني أي “أخذ: تناول”.
والملحوظ في هذا المجال هو أن العكسية المتواجدة بين “أخذ: تناول” و”أ خذ: مقابل أعطى” هي عكسية اتجاهية تبرز في كيفية انتقال المنتقل من المبدئية إلى المقصدية وهنالك تبرير آخر على رجحان الثاني منهما هو أن التناول يدلّ أكثر ما يدلّ على مسك الشيئ ومن هنا أتت دلالته على الأكل ومسك الطعام بالأسنان وهذه الصورة جزء من المشهد الذي يرسمه الأخذ الذي يقابل الإعطاء ومسك الشيئ إن يعدّ، يعدّ نتيجة أو أثراً يتركه الآخذ على المأخوذ.
ويجنح البحث في هذه الآونة إلى غربلة المرشحَين من زاوية أخرى هو الاختبار الدلالي التركيبي إلا أنّ خصوصية اللغة العربية واشتقاقيّتها وانضواء الأبعاد التركيبية في خلق العبارات تحول دون إجراء هذا التحليل إجراء مئوياً فلرفع هذا العائق يعوّض البحث عن التركيب بالاشتقاق فيحاول البحث استجلاء الإيحاء المسيطر على التوظيفات الاشتقاقية لـ “أخذ” في القرآن الكريم ذلك أن الإيحاء المتواتر المخيم على اشتقاقات “أخذ” في القرآن الكريم يدفع الدارس إلى الخيار الصائب في الموازنة بين المرشحين وبالتالي يعطي المفتاح الذهبي لتحديد المعنى المركزي بالضبط.
إلقاء النظرة على مدى تواتر مشتقات “أخذ” في القرآن والكريم وإحصائها يبين أنها تقترب من الاضمحلال والنضوب لقلّتها قياساً لمدى التواتر الوظيفي الذي ينصبّ فيه المؤشر الفعلي “أخذ” حيث ورد مئتين وست وخمسين مرة في القرآن الكريم، خلافاً للتواتر الوظيفي الذي انسكبت فيه مشتقات “أخذ” حيث لا يتجاوز عددها عن أصابع اليدين؛ وهي:
﴿وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ﴾[14]. ﴿وَأْتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بالمعَرُوفِ مُحصنَاتٍ غَيْرَ مُسافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾[15]. ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَ رَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[16]. ﴿وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وهِىَ ظَالِمَةٌ إِنَ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيْدٌ﴾[17]. ﴿ما أَشْهَدتُهُم خَلقَ السَّموتِ وَالأَرضِ ولا خَلقَ أَنفُسِهِم وما كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلّينَ عَضُداً﴾[18]. ﴿آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ﴾[19].
الشريحة الدلالية الأولى والأخيرة ورد فيها الأخذ بصيغة اسم الفاعل بدلالة موحدة هو التقاط الشيئ وأخذه ما يعادل الدلالة الحسية البحتة من دون أي انحراف، الدلالة الحسية التي تطابق ما يرنو إليه المرشح الأول للمعنى المركزي”أخذ: مقابل أعطى” وأما الشريحة الثالثة فورد فيه الأخذ على صيغة اسم الفاعل أيضاً إلا أن الدلالة لم تكن دلالة الأخذ بعينه بل توسعت لتدلّ على تكفّل أمور جميع الدوابّ بيد الله سبحانه وتعالى، وهذه الدلالة نجمت عن “أخذ مقابل أعطى” وتوسّعت، ذلك أن امتلاك الناصية لا تصحّ على جميع الدواب لفقدانهم هذا الموضع، وهذا التعبير أي “أخذ الناصية” تعبير مجازي يدل على تكفل الأمور إلا أن المهم هو أن هذه الدلالة استقت إيحائيتها عما يدل عليه المرشح الأول.
والشريحتان الثالثة والسادسة ورد الأخذ فيهما على صيغة اسم الفاعل من باب افتعال “متخذ” وهما أيضاً يخرقان أطر الدلالة المادية البحتة التي عهده المتلقّون في “أخذ”، فليس الأخذ في “متخذات أخدان” و”متخذ المضلين” أخذاً اعتيادياً بل هو أخذ اعتباري يفوق المادة ویدل على جعل الأخدان واعتبار المضلين عضداً وما يعتني البحث به هو أن هذه الدلالة منبثقة عن المرشح الأول للمعنى المركزي أي أخذ الذي يعاكس أعطى من دون المرشح الثاني.
فالدّلالات الاشتقاقية لـ “أخذ” في القرآن الكريم تميل نحو المرشح الأول وتعطيه كأس البطولة في هذه الحلقة من الاختبار.
أما التوقّعات القواعدية التي يعدها التنظير في حسبانه ويضعها في المحطة الأولى لعملية فحص المعنى المركزي فلا تعمل في هذه الدراسة لأنها معالجة للمؤشر الفعلي “أخذ”، والأفعال لها من الإيحاء ما لا ينقاس بالحروف التي تنعدم فيها تلك النفسية وتذوب فيها تلك الحيوية التي يتميز بها الفعل. فهذه الركيزة غير ناشطة في البحث هذا، فيولي عنه الأدبار؛ ولئن فُتِحَتْ لها براعم الفائدة فتنفتح في تحديد المعاني الهامشية التي ترد في التأطير الأسلوبي المحدد ما يخضع للتوقع والتكهن الدلالي في جلّ الأحايين، اللهم إلا ما قلّ وندر.
انطلاقاً مما سبق القول فيه، أن المرشح الأول للمعنى المركزي أي أخذ الذي يقابل أعطى هو الفائز في منافسة تحديد المعنى المركزي وبرتبة ممتازة ولم يضرب البحث صفحاً عن دراسة الغلبة الدلالية في المعاني الهامشية والدلالات العنقودية وهي أيضاً تؤيد ما توصل إليه البحث من أن المرشح الأول هو المستأهل للجلوس على منصة المعاني وتصدّرها في المنظومة الدلالية لـ “أخذ” لأجل تخييمه على الشبكة الدلالية للعيّنة المدروسة.
3-3. الكيفيات الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم
خلقاً للشبكة الدلالية لاستعمالات المؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم لابد من التحديق في المعاني المتباينة واختبار صحتها على أنها معاني مميزة في حقيقتها وليست دلالات سياقية ابتدعها نسيج النص. ومن الضروري في هذا المنوال إزاحة الستار عن التقنيات الموظفة بهذا الصدد، هي التي تقدم رصيداً محترماً للعينات الدلالية المكتشفة. فينضّد البحث أهم المعاني المستجدة نظراً إلى كيفية استقرار المعلم والمنتقل، المؤشران اللّذان يعملان بشكل سافر على إنشاء معاني مغايرة للمعنى البدائي المعجمي.
- 3- 3. وقوع “المنتقل” في قرارة “المعلم” وقوعاً تامّاً
“أخذ” بمعنى “قَبِلَ”:
وظّف “أخذ” بمعنى “قَبِلَ” في الآية: ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلايُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُون﴾[20]. وردت هذه الآية لتبين أنّ يوم القيامة ليس مكاناً لقبول الشفاعة أو أخذ الفدية إزاء الأخطاء التي اغترفها الخاطئون فـ «لو جاءت النفس بكل شيء من الأعمال من كبير أو صغير أو كثير أو قليل لم يتقبل ذلك منها، ولا شيء منه عند حصولهم في القيامة»[21]. والمؤشر الفعلي “أخذ” ها هنا يدلّ على “قَبِلَ” والقبول يختلف عن “الأخذ” على أنه يتميّز برضى المقتبل والإثابة على هذا القبول[22].
ثمة “قَبِلَ” يضخّم المرحلة المبدئية لعملية “الأخذ” وهو الرضى والرغبة، فمن دون هذه الرغبة لا تقام عملية الأخذ على سوقها ومن ثمّ “القبول” تترجّح فيه كفة التجريد من دون التجسيد اللهم إلا في الشرائح الدلالية التي تنعكس الحركة الدلالية في جهتها وعندئذ يتماثل “القبول” و”الأخذ”.
ومجيئ “أخذ” في الدلالة على “قَبِلَ” ملمح دلالي مجزأ وليس هذا المعنى متوقّفاً على السياق توقيفاً تاماً، إذن اختبار هذا المعنى على أساس معايير انتقاء المعنى المجزأ يعطي وجهة محترمة لهذه الدلالة فـ تایلور وإیوانس يؤكدان على تحديد المعنى المجزأ انطلاقاً من الخطوات التالية:
- المعنى المجزأ لابد أن يتميّز بمعنى متزايد على المعنى البدائي وذلك يتحقق إما بولوج الدلالة في الساحات الانتزاعية وإما بتغاير كيفية استقرار المنتقل والمعلم[23]. وهذه الخصوصية تتواجد في الأخذ بمعنى القبول لأن المؤشر الفعلي “قبل” يعني الأخذ عن رضى، كما أن قبول القول يعني تصديقه[24]. فلم یکن هذا الأخذ الذي دلّ على القبول في جميع الميادين أخذاً مادياً بل يخرج عن القبول المادي الذي يماثل الأخذ تماثلاً شبه تام إلى التصديق البحت والرضى عن إنجاز الفعل إنجازاً مقنعاً، ولم يكن هذا التوظيف الدلالي خلقاً آنيّاً لهذه الدلالة وإنما هي من الدلالات التي ترسخت في الذاكرة اللغوية عند الشعب الناطق باللغة العربية المبينة وتتزاحم حضور هذه الدلالة في الأعمال الأدبية ولغة الصحافة.
فخروج هذه الدلالة عن التمنطقات المجسدنة وجنوحها نحو اللامادة يؤدي إلى اضمحلال دور المنتقل والمعلم أو قُل في أدنى الحالات يشوّه الكيفيات الهندسية للمنتقل والمعلم ويوتّر تمييزها على الدارس، فعند الوقوف نموذجاً على الآية: ﴿أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾[25]. يتضح منها أنّ أخذ الصدقات من قبل الله سبحانه وتعالى يعني قبولها كما يعني مثوبة المتصدق على تصدّقه، ففي هذا المشهد الذي يتمحور حول قبول العمل وبالضبط قبول الصدقة من قبل الله سبحانه وتعالى ومكافأة المتصدق على تصدّقه، لربما يسهل تمييز المنتقل من المعلم حيث أن المنتقل هي “الصدقة” والمعلم هو الله سبحانه وتعالى لكن المحاولة لإزاحة الستار عن كيفية استقرار المنتقل والمعلم والعلاقة بينهما محاولة عقيمة ولاغرو تبوء بالفشل المرير.
فالمؤشر الفعلي “أخذ” الذي يوحي بالقبول في دلالته يسجل نجاحاً في الاختبار الأول لتحديد المعنى المجزأ إذ هو يضفي على دلالة “أخذ” في المشهد البدائي إيحاء مستجداً بتغير الكيفيات التموقعية للمعلم والمنتقل والولوج في الساحات اللاماديّة.
- أما الاختبار الثاني الذي يؤكد على استقلالية المعنى المختار وتجزئته عن أخرى المعاني فهو تأكيد إيحاءه الدلالي إيحاء مجرداً عن السياق، ولا يقصد بهذا التجريد تجريداً بحتاً لأنه من المستحيل أن يستحضر معنى في نسيج السياق ولايتأثر به ولو بقدر ضئيل وهذا ما يشير إليه التأطير التنظيري للتعددية الدلالية القواعدية المختارة تحت عنوان “الترسيخ الوظيفي الإدراكي لإيحائية اللفظة”[26] بل المعنى المجزأ عند تايلور وإيوانس يعني أنه لا يخصّ السياق المدروس بعينه بل يتواتر هذا المعنى في السياقات المماثلة من دون أن ينخدش وجه الدلالة[27] وهذا يدل على أن المعنى يتميّز باستقلالية محترمة حيث تقبله السياقات المتباينة ولابأس أن تتقارب هذه السياقات في زاوية من زواياها. أما المؤشر الفعلي “أخذ” الدال على القبول فيجرب استقلالية دلالية بحتة وذلك انطلاقاً من التواتر الدلالي لهذا الإيحاء في كمية ملحوظة من السياقات القرآنية.
- وقوف حركة “المنتقل” في محور حركة “المعلم ” والتأثربه
“أخذ ” بمعنى “عَبَدَ”
المؤشر الفعلي “أخذ” في معنى “عبد” يشكل مشهداً أساسياً تتضخم فيه حركة المنتقل التوجيهية نحو المعلم والعلاقة التي تنعقد بينهما، وليست هذه العلاقة ثنائية إذ يغلب عليها توجيه المنتقل إلى المعلم ووقوعه وقوعاً مغلقاً بين يديه. وهذه الدلالة تقترب من معنى “الحبس” إلا أنّ هذه الرؤية تتمايل نحو التجريد خلاف الحبس، فاتخاذ الإله، يعني عبادة الإله والوقوع في طاعته في شتى أمور الحياة. وتشهد هذه الدلالة حضورها في القرآن الكريم في الآيات التالية:
﴿ثُمَ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ﴾[28] و﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾[29] و﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابَاً مِن دُونِ اللَّهِ﴾[30] و﴿وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾[31] و﴿هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً﴾[32] و﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ﴾[33] و﴿قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾[34]. و﴿وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ﴾[35].
فاتخاذ العجل، واتخاذ الأنداد، واتخاذ الأرباب، واتخاذ الإله، واتّخاذ الأوثان، يعني عبادتهم. ففي هذه الأفضية النصية “اتّخذ” والمفاعيل التي تلتحق به، في نحو: [العجل، والأنداد، والأرباب، والإله، والأوثان] تشكل أسلوباً دلالياً يوحي بالعبادة؛ ذلك أن الأخذ بمعناه المتأصل لا يؤخذ بعين الاعتبار في هذه الشرائح الدلالية ومن المستحيل أن يؤخذ بناصيته بل ما يتضخّم في هذا المشهد هي نتيجة الاتخاذ أو غايته أي العبادة.
وتنجح هذه الدلالة عند الجلوس في خانة الأصول التي يقترحها تايلور وإيوانس لانتقاء المعنى المجزأ؛ ذلك أنّ المؤشر الفعلي “اتّخذ” بمعنى “عبد” يضفي على المعنى البدائي بعداً لدلالياً جديداً من جهتين؛ الجهة الأولى تتعلق بالخروج عن المواضع المحسوسة إلى المعنى اللامحسوس غير المادي، ذلك أنّ العبادة وهي الإطاعة التامة تبتعد عن المرايا المجسدنة وتلتصق بالحلقات الانتزاعية. فالعبد عبد في جميع حالاته في سكناته ووجناته وهو يطيع المعبود ولم تكن العبادة حكراً على دائرة الأعمال العبادية من صلاة وصوم وزكاة بل تتعدى ذلك إلى خلوص النية واصطفاء القلب والانتباه المتواصل للمعبود. والجهة الثانية تبرز سافرة في الخيط العلائقي المتواجد في “اتخذ” في هذا المعنى إذ يخلق هذا الخيط زاوية عديمة في الأخذ الممحض أي علاقة العبد بالربّ إثر العبادة. وهذا ما يلبي دعوة المعنى المجزأ في نسق القواعد التنظيرية المختارة؛ فيتكلّل إثر هذه التلبية الاختبار الأول لمعنى “أخذ: عبد” بنجاح.
أما في الخطوة الثانية لتحديد المعنى المجزأ فلابد من استشفاف مدى استقلالية هذه الدلالة عن السياق بوضع العدسة على مواضع استعمال هذه الدلالة في الفضاء النصي للقرآن الكريم وبالتالي في الفضاءات النصية الخارجية التي تعطي رصيداً مقبولاً لاعتبار المعنى المرنو، معنىً مجزأً؛ فالجولة في الشرائح الدلالية لهذا الاستعمال الدلالي يكشف أن “الاتخاذ” إذا اقترن بما يمكن جعله إلاهاً يوحي في تلك الآونة بالعبادة:
فهذه العلاقات التجاورية تساعد بشكل ملحوظ على شحن هذا المؤشر الفعلي بدلالته فإذا استبدل “العجل” بـ”الكتاب” مثلاً فيتخلّى المؤشر الفعلي “اتخذ” عن دلالته هذه وعندئذ لم يدل بعد على العبادة؛ فالوحدة الدلالية “اتخذتُ الكتاب صديقاً” لا تشير إلى العبادة بأي وجه من الوجوه إلا أنها تدل على علاقة مستمرة بين الكتاب والصديق. فهذا ما يستدعي المتلقي إلى الشك في تجزئة دلالة “اتخذ:عبد” واستقلاليته؛ إلا أن الاختبار لاينتهي في هذه الآونة بل هنالك تجربة أخرى يقوم البحث بإقامتها اضمحلالاً للشكوك وتصويباً للأخطاء المحتملة ألا وهو استبدال المؤشر الفعلي “اتخذ” بمؤشر فعلي آخر نحو: “جعل” الذي يقاربه في كثير من المميزات القواعدية.
فيبصر الدارس أنّ الدلالة تتدهور وتتغير إثر هذا الاستبدال فالوحدة الدلالية: «جعله أرباباً» أو «جعله إلهاً» أو «جعله عجلاً» يعني الفعل فيها الاختيار أو الانتصاب، ولايعني التسليم والعبادة؛ ففي جميع هذه الوحدات الدلالية يصاب “أخذ: جعل” بشيئ كبير من الارتباك الدلالي باعتباره مؤشراً دلالياً يدل على “عَبَد” وإن صحّت هذه الدلالة في بعض الحالات، نحو: “جعله إلاهاً لنفسه”، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى إن التواتر التركيبي لـ [اتخذ+ اسم= عبد] في الفضاء النصي القرآني يحكم فتل هذه الدلالة ويشدّ وثاقها وهذا ما يلائم قاعدة “الترسيخ الادراكي الوظيفي للمفردة” فدلالة “أخذ:عبد” ترسخت في الذاكرة اللغوية للناطقين بالعربية ومقدرة هؤلاء الإدراكية تلتقط مفهوم هذا الاستعمال التركيبي للفعل انطلاقاً من العبادة والطاعة، ما يسمح للبحث أن يقدم ورقة قبول لهذا التوظيف الدلالي للمؤشر الفعلي “أخذ” بمعنى “عبد” في القرآن الكريم.
3-3-3. تموقع “المنتقل” بجانب “المعلم” تموقعاً متعانقاً متماسكاً
“أخذ” بمعنى “أصاب”
وقد يتمّ هذا المعنى في أمثال الوحدة الدلالية: ﴿يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَ آتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً﴾[36]. فـ “المعلم” في هذه الوحدة هو ما يدل عليه الضمير المفعولي “هم” في البيئة المدركة وهم أهل الكتاب عندما سألوا النبي موسى عليه السلام أن يريهم الله جهرة فأصابتهم الصاعقة. فالصاعقة في هذا المشهد هي المنتقل لأنها تتوجه في حركتها نحو المصاب إلا أنّ هذا التموقع يصبح تموقعاً عكسياً في السياق القرآني حيث الصاعقة تمثل دور الآخذ وأهل الكتاب تلتقطهم الصاعقة فيتحوّلون إلى منتقل حراكيّ نشيط وهذا التموقع العكسي ينتج عن التوسع الاستعاري الذي تؤنسن في ظلاله الصاعقةُ وتأخذ شخصية إنسانية يمكنها الأخذ والاختطاف.
أما علاقة “الإصابة” بـ “الأخذ” فهي علاقة التأثير والنتيجة النهائية التي تثبت بعد “الأخذ” هذا، وهو الموت فمن تصيبه الصاعقة يكتب له الموت شاء أم أبى. فما يبرز في هذا المشهد هي نقطة اصطدام المنتقل بالمعلم أولاً، وثانياً وهو الأهم في هذه العلاقة هي النتيجة لهذا الاصطدام أي الموت والاحتراق وفقدان الحياة. ويجدر بأن تنسكب هذه الوحدة في تمنطق أسلوبي موحّد يعبر عن مجاميعه بالمؤشر الفعلي ” صعق /يصعق”:[أخذ + مفعول به + الصاعقة: صعق/مات].
- ملازمة “المعلم” بـ “المنتقل” ملازمة تمليكيةً تجريديّةً
“أخذ” بمعنى “ألزم”
يقع “المعلم” من “المنتقل” في هذا المعنى موقعه في المشهد الأساسي لـ”أخذ” من دون أي انزياح أما السبب في التغير الدلالي لهذا المؤشر ها هنا، فيعود إلى عنصرين؛ هما: قضية التجريد والانتزاع، ثم كيفية التضخيم[37]. فالأخذ يجعل “المنتقل” في ساحة “المعلم” يتصرف فيه كيف يشاء، كما أنّ الأخذ يقدّر للآخذ خيطاً علائقيّاً يعبّر عنه بالمالكية، فالمنتقل يصبح ملكاً للمعلم وهذه المالكية تؤدي إلى أن يلتزم ويتعهّد المعلم بالمنتقل الذي ناله ودخل في حيازه فهذا الالتزام هو نتيجة لعلاقة المعلم بالمنتقل.
هذه المقدمة تمهد الأرضية المناسبة لتبين فاعلية عنصر التجريد في التقاط دلالة الوحدة:﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[38]، والميثاق في هذه الوحدة هو العهد الذي يكتب على الورقة فأخذ الميثاق يعني أخذ الاتفاقية التي رقمت على الورقة. فهذه الوحدة تصور مشهداً يلتقط فيه المعلم الاتفاقية على أنها المنتقل وإثر هذا الأخذ تلج الاتفاقية في حياز المعلم وهو الآخذ وهذا الأمر يؤكد قسراً على تحقيق ما ورد في الميثاق وتطبيقه على أرض الواقع. أما النتيجة التي يبعث عليها هذا المشهد ويثير فتتعلق بما وراء المشهد وهو المقدِّم للميثاق، فعندما يمتلك المعلمُ المنتقلَ في هذا النطاق، المعطي يستشعر بالالتزام تجاه ما ورد في حقل الآخذ على أنه أصبح ملكاً له ويسمح له التصرف فيه ولا يخفى أن هذا الالتزام غير مرئي، وما يحمل المتلقي على إدراك معنى الالزام في هذه الشريحة الدلالية وما شابهها هي البيئة التي يعيشها المتلقي فالوحدة “أخذنا ميثاقكم” تعني ألزمناكم بالميثاق الذي كتبتموه وهذا المعنى لا ينبغي أن يكون إلا بعد تجزئة الطقوس البيئية وتحليلها إدراكياً والانتقال من الساحات العينية المادية إلى الأفضية التجريدية.
أما العنصر الثاني أي التضخيم فيلعب دوراً بارزاً في بناء النسيج الدلالي للمؤشر الفعلي “أخذ” هاهنا ويفصّل البحثُ الأمرَ على أن الوحدة “أخذنا ميثاقكم” تتميز بجهتين؛ جهة الإرسال، وجهة التلقي. والظاهر أن جهة الإرسال لها السمة البارزة على منصة هذه الشريحة الدلالية “نحن أخذنا ميثاقكم” فالضمير “نحن” يوكد على جهة الإرسال لكن الإيحاء الدلالي يلوّن جهة التلقي “ألزمناكم” وذلك يعني أخْذَنا الميثاق منكم له نتيجة هي إلزامكم لذلك الميثاق الذي أخذناه.
التحديق في دلالة المؤشر الفعلي “أخ ذ: ألزم” في القرآن الكريم يكشف للمخاطب عن حقيقة هي أن هذه الدلالة لا تعطي أكلها أضعافاً مضاعفة ولا تثمر ثمارها ناضجة إلا في أسلوب تركيبي مميز هو [اتخذ + الميثاق /العهد/الإصر]، فتواتر هذه العلاقة التجاورية تشد فتل استقلالية هذه الدلالة في القرآن الكريم.
5-3-3. أن يجعل “المعلمُ” “المنتقلَ” في تموقع مكاني خاص أو يضعه في ظروف متميزة
“أخذ” بمعنى “جعل”
تستحضر هذه الدلالة في القرآن الكريم في الإيحاء التركيبي التالي: [اتخذ + اسم] وفي الآيات التالية: ﴿وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ﴾[39]، و﴿وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ﴾[40]، و﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾[41]، و﴿لَّايَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[42]، و﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَاتَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ﴾[43]، و﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾[44]، و﴿وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً﴾[45]، و﴿وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[46]، و﴿وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[47]، و﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾[48]، و﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً﴾[49].
استقرار “المنتقل” في قرارة “المعلم” يشكل أسلوباً يستعمل في القرآن الكريم استعمالاً متواتراً وهذا الاستقرار الذي يروح الكلام عنه، ليس استقراراً ذاتياً بل هو استقرار قسري يحمله المعلم على المنتقل سواء كانت نتيجة هذا الإكراه سلباً أو إيجاباً. أما علاقة “جعل” في هذا المشهد والمعنى البدائي لـ “أخذ” فتنجم عن الأثر الذي يتركه الأخذ على المنتقل، فعندما يتم الأخذ، يقع المنتقل في دائرة المعلم وقوعاً شاملاً فـ “اتخذ” في هذا المشهد أيضاً يحمل بين عطفيه معنى “جعل” وهذا الجعل موجّه من قبل المعلم نحو المنتقل وهذا التوجيه له أبعاده وزواياه حسب ما يتطلبه المؤشر الاسمي الذي يليه؛ فاتخاذ الأفراد هزواً يجرّهم قسراً إلى الطقوس التي تذخر بالسخرية المريرة، واتخاذ الولد لله سبحانه وتعالى يجعل الله في ميدان الإنجاب، وهو الأحد الذي لم يلد ولم يولد، ثم اتخاذ المصلى من مقام إبراهيم لاغرو يجعل ذاك المكان في منطقة العبادة والصلاة ويحمله ظروفاً خاصة، ثمة اتخاذ ما ينفق قربات لله عز وجل، يسكب النفقات في إطار القرب من الله أو من الآلهة حسب معتقد الذين ينفقون، فكل هذه الاستعمالات التي تقولبت في نطاق أسلوب: [اتخذ + الاسم] تشهد على إبراز نقطة من المشهد البدائي هو التموقع المكاني للمنتقل ما يؤدي إلى إنشاء معنى جديد في الشرائح الدلالية المذكورة وهذا المعنى المستحدث هو “الجعل”.
وتتوسع دلالة التموقع، باجتياح الدلالات الحسية المستحضرة في الواجهة والركون عند أرصفة اللاحس وهذا ما يتبلور في المؤشر الفعلی “اتخذوا” في الوحدة: ﴿اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً﴾[50] وما يماثلها. حيث وقوع الدِّين في مضمار اللعب يعتبر توسّعاً دلالياً مكانياً، ففي المنظور الإدراكي الذي يتصدره البحث أن الدين مثلاً وهو المنتقل المتخلي عن المادة ينسحب على يد الذين لايدينون بدين الحق ـ وهم هاهنا يمثّلون المعلم ـ إلى حقل الملاهي، فيُجعل الدين في نطاق اللهو واللعب وإن تفوّق هذا الجعل على الكينونات الحسية لكنه تَوسُّعٌ متضايق محصور في أفضية خاصّة التي ترتبط بالمادة ارتباطاً متواصلاً مستمراً. وهذا التموقع المكاني المميّز يمرّ بمرحلتين من التوسع ليستقر مكانه؛ وهاتان المرحلتان تظهر في: الوقوع في الأفضية التجريدية اللامادية أولاً، ثم توظيف التضامن التجريبي[51] أو التماثل الإدراكي[52] ثانياً.
قضية التجريد والانتزاع تسبق التماثل الإدراكي في هذه العينات اللغوية؛ فلابد من خلق مفهوم مسبق؛ هو أنّ «المفاهيم الانتزاعية تماثل المفاهيم المادية» ثم «جمیع المفاهیم أشياء تخضع للأخذ». فانطلاقاً من هذا التماثل الإدراكي، یبدو أن جميع الأسماء التي تقع بعد المؤشر الفعلي بصفتها مفعولاً لـ “اتخذ” تماثل المحسوسات وهذا التماثل يسمح لها بأن تؤخذ أو تكون باعثاً على الأخذ؛ فالأول يتمثل بـ ﴿اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً﴾[53] حيث الدين أُؤتخذ لهواً، والثاني يشاهد في نحو: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾[54]. فالعامل الخارجي أي الفاعل المضمر بعث وشجّع على جعل المكان منصة للصلاة والعبادة.
6-3-3. أن يستر “المنتقلُ” “المعلم َ” ويحيط به
“أخذ” بمعنى “سيطر”
يبدو أن هذا المعنى يبرز سافراً في الشرائح الدلالية التالية:﴿وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ﴾[55]. و﴿اللَّهُ لا الهَ الَّا هُوَ الحَىُّ الْقَيُّومُ لاتَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلانَوْمٌ﴾[56]. و﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[57].
ينطوي المؤشر الفعلي “أخذ” بمعنى “سيطر” على تموقع مميز للمنتقل والمعلم في المشهد الذي يرسمه حيث إن المنتقل فيه يشكل ورقة سميكة تغطي المعلم تغطية تامة وهذا المشهد في المستوىات التمهيدية مشهد حسي يتمثل في أمثال الوحدة: ﴿حَتَّى إِذَا أخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ﴾[58]، فالمؤشر الفعلي “أخذ” يدل على “ألبس”، وارتداء الثياب في معناه العام يوحي بالاستتار وهذا الاستتار إذا تنحّى عن الساحات المادية وابتعد عن الطقوس الحسية وسلك طريقه نحو التجريد ينقلب إلى دلالة مستجدة هي “السيطرة والإحاطة” فأخذ على هذا المعنى يعتبر خطوة راقية لـ “أخذ” بمعنى “ستر” إذ هو انتقال من الحس إلى اللاحس.
يتبقى للبحث في هذه المرحلة أن يعالج الكيفيات العلائقية التي تقام بين المعلم والمنتقل في المعنى البدائي للمؤشر الفعلي “أخذ” و”أخذ” الذي يدل على ” غلب” فوصولاً إلى هذا المبتغاة ينبغي للبحث أن يحدق على بؤرة بنائية هي أن المنتقل لو كان ضخماً أو كان يستوعب مساحة ملحوظة يسبب تغطية ما يقع خلفه تغطية شبه تامة هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن عملية الأخذ هي حركة المنتقل ووقوفه أمام المعلم، فالمعلم يتوارى بحجاب المنتقل لو كان المنتقل يهندس بهيكل عظيم. فـ”أخذ” الذي هو المسبب لفاعلية المنتقل على ستر المعلم يوظف هاهنا كسبب مباشر للتغطية وهذا الاستبدال أي استبدال المسبب بالسبب هي استجابة لعلاقة لغوية هو المجاز الذي منح الفرصة لاستعمال “أخذ” بمعنى “ستر” في المجالات الحسية وفتح الأبواب على مصاريعها لاستعمال أخذ بمعنى “غلب” في الميادين الانتزاعية.
وهنالك تقنية التضخيم تؤكد على كيفية المنتقل في الوحدة ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾[59]. وما شابهها، فالسيطرة والاستتار يصدقان على منتقل يتصف بهيكل عظيم. فجسد المنتقل وهيكله يتضخم في هذا المشهد من دون أخرى العناصر المتواجدة في المشهد البدائي. وعندما تسيطر العزة على نفس الإنسان تستره وتحيط به إحاطة تنتهي به إلى ارتكاب الآثام؛ فهذه الوحدة تعني «أنه للعزة يرتكب ما لا ينبغى أن يرتكبه بما يؤثمه. و كأن العزة حملته على ذلك و قلة الخشوع»[60].
تعدّ هذه الدلالة أي “أخذ: سيطر” دلالة عنقودية تستبطن في أحشائها بعض الدلالات أهمّها “ألبس” و”ستر” و”غلب”، وهذه الإيحاءات تتميز عن الجوهر الدلالي لـ “أخذ” في معناه البدائي لأجل خروجها عن الساحات الحسية إلى الأجواء اللامادية ولاسيما في “غلب” في نحو:﴿لاتَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلانَوْمٌ﴾[61]. حيث عبّر عن غلبة النوم بـ “الأخذ” وهو شعور لامادي؛ ثمة هذه الإيحاءات تركز على نتيجة الأخذ وهو استتار المعلم وهذا التركيز ينعدم في “أخذ” في معناه البدائي.
7- 3- 3. التركيز على هدف إنجاز الفعل
“أخذ” بمعنى “يعاقب”
المؤشر الفعلي “أخذ” في استعمالين يوحي بالعقوبة والمجازاة، الصورة الأولى تتحقق عبرالتوكيد على نقطة الإمساك في “أخذ” وهذا التوكيد يترك أثره على الكيفيات التركيبية ويظهر ذلك بعد التحاق “أخذ” إلى “باء” الإلصاق وهذا الاستعمال من الاستعمالات المترسخة عند أصحاب اللغة، وقد ذكرته المعاجم المتأصلة على أنّ “الأخذ بالذنب” يدلّ دلالة قاطعة على أنّ المذنب يكال له الصاع بالصاع ويُحبس ويقبض عليه بسبب الذنب الذي اقترفه؛ والصورة الثانية التي يتجلّى فيها “الأخذ” على أنه العقوبة وعلى أنه السبب لوقوع المنتقل بيد المعلم هو توظيف “أخذ” في باب المفاعلة في نحو الآية: ﴿وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾[62]. والظن الراجح، يحثّ البحث على الاعتقاد بالتماثل الدلالي التام بين “يؤاخذ” و”أخذ بـ” التماثل الناجم عن كيفية التركيز على سبب استقرار المعلم والمنتقل وهندستهما؛ حيث المؤشر الفعلي “يؤاخذ” يدل على “يعاقب” وهذه الدلالة تكشف الغطاء عن الأهمية التي تحتظيها السببية وهذا يعني المؤاخذه هو حبس المذنب بسبب ذنبه الذي اقترفه، أما قولبة المؤشر الفعلي “أخذ” في نطاق المفاعلة فيأتي لغرض بلاغي هو التوكيد المعنوي والتضخيم الدلالي والمؤاخذة في هذا المعنى تساوي “أخذ” وتزيد عليه بنقطة هي توكيد الإيحاء وتوسيعه. وما ورد في قاموس القرآن يؤيد هذا التفسير إذ يشير إلى أنّ المفاعلة يرد أحياناً بمعناه الثلاثي وليست المشاركة دلالة قسرية لهذا التصنيف المقولي أي “المفاعلة” كما في «سافرت شهراً» و«عاقبت اللّص»[63]. ففي هاتين الوحدتين تضمحل دلالة المشاركة من واجهة الأفعال “سافرت” و”عاقبت”.
أصالة إيحاء المؤشر الفعلي “يؤاخذ: يعاقب” تبرز في علاقته بالمعنى البدائي لـ “أخذ” حيث إنه تضخيم لزواية خاصة من المشهد هو هدف الأخذ، وهذا التضخيم وفتور أخرى الزوايا يؤديان إلى رسم معنى مستجد هي المعاقبة وليس هذا الرسم رسماً عمياء يسير خبط عشواء بل ينسكب في تأطير منسق منسجم إذ قلما ينزاح إلى دلالة أخرى. وهذا التوسيع الدلالي الذي يكاد ينقطع عن منجمه يكتب نجاحاً ملفتاً لهذا المؤشر في اختبار المعنى المجزأ. فعليه يمكن القول أن أخذ النعم من الكافر بها أو أخذ المذنب وحبسه لأجل الذنب الذي يقترفه يتمّان عبر ما يسمى بالمعاقبة فالمعاقبة هو الهدف المرنوّ من وراء المؤاخذة في كلا المشهدين.
8- 3-3. التركيز على الاتجاه الذي يسير به المنتقل وصولاً إلى المعلم
“أخذ” بمعنى “ذهب”
أحد المواضع الذي يحوم المدار المفاهيمي فيه على جسدنة المسار وعلمنته هي الآية ﴿قالَ أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً﴾[64] حيث “الاتخاذ” يدل في هذه الآية على “الذهاب”[65]. فالحوت ذهب في سبيله نحو البحر في حالة غريبة غير مترقبة مثيرة للدهشة والإعجاب. المعلم في هذه الوحدة يتمثل في البحر والمنتقل هو الحوت، ومسار حركة المعلم نحو المنتقل يتجلى في عنصرين؛ الأول المؤشر الفعلي الذي يدل على “ذهب” والثاني المؤشر الاسمي “سبيل” الذي يوحي سافراً بالمسافة التي يسلكها الساري أي المنتقل. «أما الاتخاذ: فهو الأخذ مع الدقة والتوجه»[66]. وعلى هذا التعبير يكون المنتقل هو النبي موسى عليه السلام الذي اتبع بدقة فائقة وانتباه نافذ خطوات الحوت إلى البحر كي يجد هناك النبي خضر عليه السلام[67].
أما علاقة “ذهب” بـ “أخذ” فتبرز في تضخيم المسار والتركيز على نقطة انطلاق المنتقل فالجهة في الذهاب ليست جهة شاقولية عامودية بل جهة المسار جهة ممتدة امتداد السطور على الأوراق أي امتداداً مسطحاً.
ثمة حركة المنتقل في المؤشرين الفعلين “ذهب” و”اتخذ” حركة ذاتية ناشطة فعندما يقال: “ذهب علي” علي وهو المنتقل ينطلق ذاهباً نحو مقصده من دون حافز خارجي يدفعه على الذهاب قسراً. وكذلك الأمر في الوحدة الدلالية:”اتخذ الحوت طريقه في البحر” فانطلاق الحوت ليس انطلاقاً قسرياً بل حركة الحوت نحو البحر تنشأ عن دافع ذاتي خلافاً لما نرى في الوحدة ” أخذ موسى عليه السلام الألواح” فالمنتقل وهي”الألواح” يقع في تيار حركة متصاعدة على يد عامل خارجي هو الفاعل.
9- 3- 3. التركيز على انفصال “المنتقل” عن تموقعه البدائي
“أخذ” بمعنى “أخرج”
المؤشر الفعلي “أخذ” يدل في بعض استعمالاته على “أخرج” وهذا الخروج يوحي بكيفية انفصال المنتقل عن مبدئه الذي انطلق منه إلى أن يستقر في قرارة المعلم الذي يتماهى والمقصد الذي يرنو إليه وهذه الدلالة تتبلور جليّة في الآية: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[68]. والصدقة هي «ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة»[69]. فالمشهد الأساسي لهذه الشريحة الدلالية يتميز بالاستبدال الدلالي الناضج الذي تطوّع للحضور في هذه الوحدة إثر حلول المؤشر الفعلي “خذ” محل “أخرِج”، فقسم من الأموال يقف على منصة المبدأ بوصفه منتقلاً مستعداً للخروج من مقرّه ثم المعلم وهو فاعل “خذ” أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرسم المقصدية التي تعمل بنشاط على انطلاق المنتقل من حقل المبدأ واستقراره في المقصد.
أما علاقة الخروج بالأخذ فتظهر في إبراز حركة المنتقل المبدئية نحو الخارج وتضخيم هذا الانتقال المكاني الذي يحدث في “أخذ”، ثمة الأخذ يوجّه حركة المنتقل ومبتغاه وهذا التوجيه يعد منعطفاً لغوياً يمنح استبدال الخروج بالأخذ.
وهنالك علاقة أخرى بين “خذ” و”أخرج” تنسجه الأفضية المفاهيمية هي العلاقة الكلية إذ كل أخذ يتضمن خروجاً للمنتقل عن تموقعه البدائي فيمكن القول بأن هذا الاستبدال اللغوي لاينشأ عن الفراغ بل هو استبدال مؤهل يصدر عن العلاقة المفاهيمية التي تستحضر بين المؤشرين.
- التواترات الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم
قضية التواتر الدلالي في نص قضية خطيرة فالتفت نظر البحث إليها وقد أسهمت هذه القضية الإحصائية إسهاماً بارزاً في تحديد المعنى المركزي في الشبكة المعنيّة إلا أنها ليست عاملاً ممحضاً في تحديد أصل الدلالة وتمحيضها. فإليكم الرسم البياني الذي يجعل أمام المتلقي الحلقات المتداخلة لتواتر الإيحاءات المؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم:
بعد تسليط الأضواء على الرسم البياني للتواترات الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” يتبيّن ما يخالف الظنون جمة، فما يخطر بالبال بدء الأمر هو سيطرة الدلالة الحسية المادية المعجمية أي “أخذ: مقابل أعطى” لكن هذه الدلالة تحتل المكانة الثانية وبخلاف شاسع عن المعنى الذي يحطّم الرقم القياسي أي “اعتبر” وهذا الأمر إن دلّ على شيئ يدلّ على الأهمية التي يحتظيها الاعتبار بشتى أنواعه في مصيرة الإنسان وحياته في الدنيا والأخرى. فانتقاء الصديق واختياره ثم اعتبار الأصنام رباً وعبادتها واعتبار الشيطان عدوّاً والكثير الكثير من الاعتبارات الصائبة والخاطئة التي توجّه حركة الحياة إلى سعادة أو شقاء وتتوجها بأكاليل الخيبة أو الرجاء تدخل ضمن هذا الإيحاء.
وكأنّ “أخذ” في معناه البدائي يقلّ أهمية في النص القرآني ويبدو أنّ سبب هذا النضوب الإيحائي يعود إلى أنّ فضاءات توظيف هذه الدلالة تنحصر في المشاهد الحسية وهي تتكفل بإبلاغ رسالتها عبر اندماج بالفضاءات الانتزاعية لتقدم بضاعة ثمينة.
الشبكة الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم
الشبكة الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” تتجلى في الخطاطة التالية:
المعنى المركزي |
:الربطة الدلالية |
:الدلالة الهامشية |
القراءة الفاحصة في الشبكة الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” تعبّر عن حقائق جمّة، أهمّها:
- الشبكة الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم تعدّ من الشبكات الدلالية الموسعة في القرآن حيث تحتضن أكثر من خمسين دلالة انضوت أخيراً وبعد الدراسة والتصنيف المقولي، تحت سبع عشرة دلالة؛ هي: عاقب، ومنع، وبنى، واحتاط، وقبل، وألزم، واتّبع، وجعل، وأخرج، وتناول، وعبد، ورفع، وذهب، استخرج، وأصاب، وألبس، وسيطر.
- الكيفيات التموقعية للمنتقل والمعلم التي أدّت إلى إنشاء معاني مستجدة في شبكة “أخـ ذ” الدلالية، هي: التركيز على وقوع المنتقل في قرارة المعلم، والتركيز على هدف وقوع المنتقل في قرارة المعلم، والتركيز على سبب أو نتيجة إنجاز الفعل، ملازمة المنتقل للمعلم ملازمة تجريدية، والتركيز على انفصال المنتقل عن تموقعه البدائي، ووقوع حركة المنتقل في محور حركة المعلم والتركيز على الاتجاه الحركي والمسار الذي يتميز به المنتقل وصولاً للمعلم.
- إنّ الدلالة المركزية لشبكة “أخذ” نسجت مخيّماً إيحائياً موحّداً مسيطراً على جلّ الإيحاءات الهامشية فالمعاقبة مثلاً هي أخذ النعم وسلبها، والمنع يعني أخذ الحرية، ثم استرجع يعني الأخذ عن تطوّع المعطي وكذلك أخرى الدلالات ترتبط بالأخذ الذي يقابل العطاء في جهة من جهاتها. وهذا كلّه إلى جانب الكيفيات التموقعية للمعلم والمنتقل ما يعطي رصيداً محترماً لتصدير المعنى المركزي في هذه الشبكة.
- هنالك بعض الدلالات الهامشية في نحو: “أ خـ ذ:ألبس وسيطر” ترتبط ارتباطاً غير مباشر بالمعنى المركزي؛ فهي ترتبط بالإصابة أولاً والإصابة ترتبط بالأخذ ثانياً، هذا الأمر يسمح للمتلقي أن يطلق على هذه الإيحاءات وما يماثلها بـ “الإيحاءات الهامشية الهامشية” أو “الإيحاءات الثانوية المستبعدة”.
- الجدير بالذكر أن مقترح تايلور وإيوانس يفتح المجال للدارس أن يفتّش عن كيفيات علائقية غائبة من دون وضع علامة ماسحة على الكيفيات المسبقة فمَن وجد قنوات دلالية أخرى من دون ما ذكرها البحث يمكن له أن يضمها إلى هذه الشبكة. فالشبكات في التعددية الدلالية القواعدية لم تكن شبكات مغلقة بل مفتحة على مصراعيها.
- من الدلالات ما أنتجتها العلاقات التجاورية التوزيعية وتواترت في الاستعمالات التداولية حتى أصبحت دلالة أسلوبية مترسخة في ذاكرة اللغة وهذه العينة الإيحائية تتمثل في شبكة “أخذ” في الكيفيات التالية: [اتخذ + إله: عبد] و[اتخذه+ خليلاً: جعل] و[أخذته + الصاعقة: صعق] و[اتخذ + سبيله: ذهب].
حصيلة البحث
النتائج المتوخاة من هذه البضاعة المزجاة تتلخص في المواضع التالية:
- الكيفيات الدلالية والطقوس المعنوية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم تشير إلى أن هذا الفعل لم يرد في أفضية دلالية موحدة تسفر عن إيجاب بحت أو سلب محض ولم يكن فيها الأخذ صادراً عن الربّ أو مختصاً بالخلق، فكما أن دلالات “أخذ” مترامية الأطراف واسعة المجال كذلك الطقوس القرآنية التي وظف فيها هذا المؤشر تخلق فسيفساء ملوناً. فتارة يتعلق الأخذ بيوم القيامة حيث لا يقبل فيه شفاعة الشافعين إلا من رحمه ربّه، ثم الفضاء السردي القصصي يتجلى في جل الإيحاءات فـ “عبد” مثلاً يأتي ليعرض أنانية فرعون الذي كان ينادي وبأعلى صوت: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ اَلْأَعْلىٰ﴾[70]. وفي دلالة الأخذ على الإصابة يقوم النص باستدعاء قصة النبي موسى عليه السلام وقومه الممتلئين عناداً ولجاجة إذ قالوا: ﴿يٰا مُوسىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى اَللّٰهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ اَلصّٰاعِقَةُ﴾[71]. وهنالك استدعاء آخر لقصة موسى عليه السلام في “أخذ: ذهب” حيث الحوت: ﴿اِتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي اَلْبَحْرِ عَجَباً﴾[72]. وهنالك فضاء تنذيري تحذيري في دلالة الأخذ على المعاقبة وهناك شرح للحكم الإلهي ووجوب إقامته في دلالة “أ خـ ذ: سيطر”: ﴿اَلزّٰانِيَةُ وَاَلزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاٰ تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰه﴾[73].
- الآليات التي ظهرت في الواجهة لتنشئ دلالات مستجدة في شبكة المؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم؛ تتجلى في خطاطة التالية:
فآلية التضخيم تسود أخرى الآليات الدلالية التي تعمل على الإنشاء الدلالي وبالضبط تضخيم نتيجة إنجاز الفعل الذي يتكفل دعم كثير من إيحاءات “أخذ” في هذه الشبكة.
- استقراء التواترات الدلالية للمؤشر الفعلي “أخذ” في القرآن الكريم يبين أن دلالة “أ خـ ذ: اعتبر” تحطم الرقم القياسي في هذه الشبكة وهذا التواتر يتلاءم والطقوس الدلالية لهذا الإيحاء كما يسفر عن الأهمية التي يحتظيها الاعتبار في مسار حياة الإنسان ومصيره في الدنيا والأخرى.
مصادر البحث
أ. العربية
۞ القرآن الکریم
ـ الآملي، سيدحيدر بن علي (1422ﻫ). تفسير المحيط الأعظم و البحر الخضم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم، تحقيق: محسن موسوي تبريزي، ط 3، قم: نور على نور.
ـ الأزهري، محمد بن أحمد (1421ﻫ). تهذيب اللغة، بيروت: دار إحياء تراث العربي.
ـ بكير، أحمد عبد الوهاب (1997م). معجم أمهات الأفعال معانيها وأوجه استعمالها، بيروت: دار الغرب الإسلامي.
ـ تايلور وإيوانس، 2003م § Tyler. Andera and Vyvyan Evans (2003)
ـ التستري، سهل بن عبدالله (1423ﻫ). تفسير التسترى، تحقيق: عيون سود، محمد باسل، بيروت: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون.
ـ جاكندوف، راي (2010م). علم الدلالة والعرفانية، ترجمة وتقديم: بنور عبد الرزّاق، تونس: منشورات دار سيناترا – المركز الوطني للترجمة.
ـ الزبيدي، محمد بن محمد بن عبدالرزاق المرتضى (د.ت). تاج العروس من جواهر القاموس، الطبعة الثانية، كويت: مطبعة الكويت.
ـ الزجاج، إبراهيم بن سري (1416ﻫ). إعراب القرآن، تحقيق: إبراهيم آبيارى، ط 3، قم: دار التفسير.
ـ الطبرسي، الفضل بن الحسن (1372ﻫ. ش).مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق: فضل الله يزدي طباطبائي وهاشم رسولي، ط 3، تهران: ناصر خسرو.
ـ الطريحي، فخرالدين بن محمد (1375ﻫ. ش). مجمع البحرين، تحقيق: أحمد حسيني اشكوري، ط 3، تهران: مرتضوي.
ـ المصطفوي، حسن (1430ﻫ). التحقيق فى كلمات القرآن الكريم، ط 3، بيروت: دار الكتب العلمية.
ـ النجار، نادية رمضان (2008م). التعدد الدلالي بين النظر والتطبيق؛ سورة “يوسف” نموذجاً، تمّ نشره بكتاب المؤتمر العاشر لكلية دار العلوم بعنوان: التفكير المنهجي في العلوم العربية والإسلامية.
ـ يزيدة، فضلك (2014م). تعدد المعنى في كلمة “الدّين”، بحث مقدم إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية جاكرتا، استكمالاً لمتطلبات الحصول على الدرجة الجامعية الأولى (S.Hum)، قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
ب. الفارسية
ـ چنگیز، احسان، وسپیده عبدالکریمی (1395ﻫ. ش). ابعاد معنایی «انداختن» و«بریدن» با رویکردی درزمانی: چندمعنایی، همنامی یا هممعنایی بافت مقید؟، دوفصلنامه زبانشناسی گویشهای ایرانی دانشگاه شیراز، سال اول، شماره اول، ص 86 – 115.
ـ رضايی، حدائق، ومختاری، شهره (1392ﻫ. ش). «بررسي مقوله “بر” در گلستان سعدی»، نشريه پژوهشهای زبانشناسی تطبيقی، سال سوم، شماره 6، ص 19-8.
ـ عموزاده، محمد، وغلامحسین کریمی دوستان، وبابک شریف (1394ﻫ. ش). شبکه معنایی فعل گرفتن براساس انگاره چندمعنایی اصولمند، پژوهشهای زبانی، سال 7، شماره 1، ص 117 – 136.
ـ قرشى، على اكبر، (1371ﻫ. ش). قاموس قرآن، چ 6، تهران: دار الكتب الاسلاميه.
ج. الإنجليزية
– Abobaker Ali, M. Alsaleh Brakhw, Dr. Munif Zarirruddin Fikri bin Nordin (2014). Transferring POLYSEMIC Words from Arabic into English: A comparative Study of Some Samples from the Holy Quran, Australian Journal of Basic and Applied Sciences, PP: 38-43.
– Galadari, Abdulla (2013). The role of intertextual polysemy in qur`anic exegesis, International Journal on Quranic Research (IJQR), Vol.3, No. 4, June 2013, PP. 35-56.
– Tyler. Andera and Vyvyan Evans (2003). The Semantics of English preposition spatial scenc, embodied meaning and cognition. Cambrige university. More imformation: www. cambrage. Org1.
[2]. cognitive commitmant
[3]. generalilation commitment
[4]. The Semantics of English Prepositions
[5]. The Semantics of English Prepositions
[6]. Online Meanings
[7] . راجع: تايلور وإيوانس، 2003م: 63- 79.
[8]. Trajector
[9]. Land Mark
[10] . راجع: المصدر نفسه، 46- 79.
[11] . راجع: عبدالوهّاب، 1997م: مادة: أخـ ذ.
[12]. modality
[13] . راجع: الزبيدي، د.ت: مادة أخـ ذ
[14] . البقرة، 2: 267.
. راجع: الأزهري، 1421ﻫ: 136.[22]
. راجع: تايلور وإيوانس، المصدر نفسه. [23]
. راجع: الآملي، 1422ﻫ: 428.[24]
[26]. Pragmatic strengthening
. راجع: تايلور وإيوانس، المصدر نفسه: 59- 63.[27]
[37]. Foregrounding
[51]. Experiential correlation
[52] .perceptual resemblance
. راجع: قرشي، 1371ﻫ. ش: 103.[63]
. راجع: الطبرسي، 1372ﻫ. ش: 741.[65]
. راجع: الطريحي، 1375ﻫ. ش: 115.[67]