
مظاهر السياسة التعليمية في الجزائر خلال فترة الاحتلال 1830-1962.
الباحثة: بلحيداس خديجة/ قسم اللغة والأدب العربي. جامعة مصطفى اسطمبولي معسكر.
أ. د. بوزوادة حبيب/ قسم اللغة والأدب العربي. جامعة مصطفى اسطمبولي معسكر.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 46 الصفحة 109.
الملخص:نعلم أن التعليم كان ولا يزال الأساس والمحور الحقيقي لأي تقدم أو تطور في حياة الشعوب والأمم، ولنا أن نطرح في تاريخ الجزائر المعاصر أحداث تمثلت في حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر، حيث تعددت مظاهر هذا الأخير بكل الصور من استغلال ونهب واضطهاد، وغيرها من صور الخزي لبلد الحضارة كما يدعون أنفسهم.
ولنا أن نطرح كما سبق الذكر مظهر من مظاهر الاضطهاد التي طبقت على الشعب الجزائري من طرف الاستعمار الفرنسي، ألا وهي السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر. حيث كانت تسعى إلى الطمس الكلي لأي أثر جزائري عربي، وهذا بسن جملة من الطرق والوسائل.
الكلمات المفتاح: السياسة التعليمية الفرنسية؛ المظاهر؛ تعليم المستعمر في الجزائر.
Résumé
Il est vrai que l’éducation a été et continue d’être le fondement et la véritable base de tout progrès ou développement des peuples et des nations. Nous pouvons présenter dans l’histoire de l’Algérie contemporaine les événements du colonialisme français ou l’Algérie a subi toutes sorte d’exploitation, pillage et persécution d’un pays soi-disant civilisé.
Comme nous l’avons mentionné plus haut, nous voudrions soulever une manifestation de l’oppression et de l’injustice flagrante dont le peuple algérien a subi pendant la période coloniale, concernant la politique éducative française en Algérie. OÙ le système colonial a tenté de couper les liens civilisation els de notre peuple à travers une invasion intellectuelle et culturelle, en appliquant un certain nombre de moyens.
Mots- clés : La Politique éducative Française-Manifestations- éducation du colonisateur en Algérie.
مقدمة:
تعتبر المدرسة أساس كل تقدم في المجتمع، وإذا كانت كذلك في الأمور العادية فهي من عوامل التجهيل عندما تصبح إحدى أدوات العمل الاستعماري. فتبنى الاستعمار الفرنسي في الجزائر سياسة تعليمية إزاء الجزائريين، بغية تقديم خدمة للمصالح العسكرية بالدرجة الأولى، وذلك لتوفير عدد من الأشخاص المناصرة والمساعدة في تسيير أمور البلاد، وشغل بعض الوظائف التي لا يستطيع الأوروبيون الالتحاق بها كالقضاء والإفتاء وغيرها من الوظائف الإدارية.
وعليه، ما لسياسة التعليمية التي طبقها المحتل إبان فترة الاستعمار ؟ وما هي أبرز قوانينها؟
لهذا، ارتأينا لدراسة البحث الفرضيات التالية:
1-تطبيق الاستعمار الفرنسي سياسة فرنسية مقننة بغية طمس الهوية الوطنية.
2-جعل الجزائر دولة تابعة تربويا لفرنسا.
1-السياسة التعليمية الفرنسية:
كانت السياسة التعليمية الفرنسية التي بدأت تتشكل منذ قدوم المستعمر تهدف إلى القضاء على الثقافة الوطنية، ونشر التعليم الفرنسي مكانة بين أوساط معينة من السكان لجعلها ميدان لتجاربها الاستعمارية. وكان الغرض هو تحويل المجتمع الجزائري إلى مجتمع فرنسي، وإلحاقه مباشرة بفرنسا. وقد ركزت مدرستها الاستعمارية كثيرا على هذا الجانب باحتواء برامجها التعليمية بشكل تفصيلي ومقنع، وبلبلة أفكار الجزائريين وتشكيكهم في أمر عروبتهم وإسلامهم[1].
وقد انتهجت الحكومة الاستعمارية سياسة فرنسية مقننة لتحقيق أهدافها الاستعمارية، ورأت في المدرسة والتعليم عامة وخاصة أنجع وسيلة لتحقيق سياستها بدعوى إزالة الأمية والجهل.
وبهذه الصورة تأسست المدارس العربية الفرنسية، وتمت السيطرة على التعليم الديني ومؤسساته ورجاله، مع توجيهه لخدمة أغراض المستعمرة وتظاهر أمام الجزائريين على أن الحكومة الفرنسية لا تنوي القضاء على التعليم العربي الإسلامي، بل تريد إصلاحه وتطويره، فمهمة المدارس العربية الفرنسية بث الدعاية الاستعمارية ورسالة الحضارة، بعرض رؤى أخرى، وتفكير مغاير لفكر المجتمع الجزائري، فالاستعمار يسعى لتحقيق مشروع فرنسي جزائري، واستئصال مجتمعنا من مقوماته الأساسية وذلك بعد إطلاع الشباب الجزائري على الحضارة المستعمرة[2]. واعتمدت في سياستها هذه على المكاتب العربية لتجسيد مشروعها لترسيخ وتعميق التفكير الاستعماري في أذهان المجتمع الجزائري.
2-البوادر الأولى للسياسة الاستعمارية في التعليم:
اقتصرت الفترة الأولى من 1830 إلى 1880 على العمليات الحربية التي نظمها الجيش الفرنسي ضد الشعب الجزائري، تحت قيادة الأمير عبد القادر في البداية. ولم تفكر إلا في تأسيس سياسة عنونتها تارة “بسياسة الإدماج” و”المكاتب العربية” والتجسس، وتارة بسياسة “المملكة
العربية”، ثم سياسة اندماجية أخرى[3]، ثم قانون خاص بأهل البلاد أي “قانون الأندجينا” التعسفي سنة 1881.
2-1-سياسة الإدماج:
كانت سياسة الاحتلال منذ البداية تخطط لدمج الجزائر في فرنسا بعد فرنستها وتنصيرها عن طريق ربطها سياسيا وإداريا بفرنسا، وإذابة كيانها الثقافي والحضاري في الشخصية الفرنسية. ومن هنا طبقت فرنسا الإدماج في الجزائر، وتغاضت عن فرض المساواة بين الجزائريين والأوروبيين في الحقوق والواجبات، أما الجزائريين فقد طبقت عليهم القوانين الاستثنائية (الأنديجينا) أو قانون الأهالي، ويعتبر الإدماج الركيزة الثالثة بعد الفرنسة والتنصر في السياسة التعليمية الفرنسية[4].
أما مفهوم الإدماج من الناحية السياسية: فيعني جعل الجزائريين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا فرنسيين يتمتعون بالحقوق السياسية الفرنسية، ويتعلمون ويرقون إلى الوظائف؛ أي: بالطرق التي تخولها القوانين الفرنسية للفرنسيين. أما من الناحية الإدارية فتكون الجزائر إقليما فرنسيا، غير أن هذا الإدماج لم يطبق في الجزائر إلا على أرض دون إنسان[5]، ففي هذا المنطق كانت تريد دمج الأرض الجزائرية لا تسوية بين الجزائريين والأوروبيين.
وكما نلاحظ فإن الإدماج إلى جانب كونه وسيلة فعالة من وسائل الفرنسة اللغوية والثقافية، فهو سد منيع أمام أية محاولة من طرف الجزائريين للمطالبة بالاستقلال عن الكيان الفرنسي، باعتبارهم عربا مسلمين مغايرين جوهريا لثقافة وانتماء وهوية المحتل الغاصب. وهو كما يبدو مفيدا لتحقيق المساواة بين الجزائريين والفرنسيين في الحقوق والواجبات، إلا أنه كان مغايرا؛ فهو أشبه ما يكون بحال العرب الفلسطينيين تحت الاحتلال الصهيوني في الوقت الحاضر.
والحقيقة هي أن سياسة الإدماج قد فشلت في الجزائر، وظل الحائل الأكبر دون نجاحها، هو تمسك أفراد المجتمع الجزائري في غالبيتهم الساحقة بقانون الأحوال الشخصية الإسلامي الذي اشترطت الإدارة الفرنسية التخلي عنه، ومنح الجزائريين جميع الحقوق الاجتماعية مثل باقي الفرنسيين، ففضل الشعب الجزائري الأبي التمسك بالشرف الرباني على العلف العلماني، وقد عبر الإمام عبد الحميد بن باديس على لسان هذا الشعب العربي الأصيل موجها خطابه إلى الفرنسيين وبعض الجزائريين المتفرنسين في ذلك الوقت من الذين استهواهم الإدماج[6]، وأصبحوا يدعون له بين أهليهم، مثلما يقوم به أبناؤهم وأحفادهم اليوم ضد الإسلام والعربية.
2-2-الفرنسة:
رست السياسة التعليمية الفرنسية بالدرجة الأولى على القضاء على الشخصية الجزائرية عن طريق محو مقوماتها الأساسية لإذابتها في المجتمع الأوروبي، وسلخها من انتمائها العربي الإسلامي.
ونعني بالفرنسة إحلال الثقافة الفرنسية محل الثقافة العربية بالجزائر، وهذا بتخليهم عن لغتهم العربية مقابل لغة المستعمر، وهدف السياسة صبغ البلاد بصبغة فرنسية حتى تتقطع روابط الجزائر ماضيا وحاضرا ومستقبلا بثقافتها العربية الإسلامية، وبهذه الطريقة تصبح الجزائر أسهل انقيادا وأكثر قابلية لسياسة فرنسية وإدماج نهائي. فقد جاء في أحد التعليمات التي صدرت أيام الاحتلال أن “إيالة الجزائر لن تصبح حقيقة مملكة فرنسية إلا عندما تصبح لغتنا هناك لغة قومية والعمل الجبار الذي يترتب إنجازه هو السعي وراء نشر اللغة الفرنسية بين الأهالي بالتدريج إلى أن يقوم مقام اللغة العربية بينهم”[7]، فغيرت بهذا السياسة الفرنسية من وجه الجزائر العربي بتغيير أسماء المدن والقرى والأحياء والشوارع، وأطلقت عليها أسماء فرنسية.
2-3-التنصير:
كان الاستعمار الفرنسي في الجزائر يهدف إلى غايتين أساسيتين غزو الأرض وغزو الأفكار، فالغرض الأول تم تنفيذه، بينما الغرض الثاني فقد أسند إلى رجال الدين، وليس هذا فقط بل أسند كذلك لعدد من السياسيين والعسكريين. وفي حملة 1830 على الجزائر اصطحب الغزاة معهم رجال الدين حتى تنتصر المسيحية، وفور سقوط الجزائر أمر المسئولين الجيش بنهب وتدمير وتحويل المساجد إلى كنائس، وإلغاء الشريعة والأعياد الدينية الإسلامية والاستيلاء على الأوقاف.
وبعد انتصار الفرنسيين على المقاومة الوطنية اشتدت حركة الإرساليات التبشيرية، فكانت منهم إرساليات منظمة كالإخوان والأخوات، وقد عين الأسقف دبوش (Dupuch) للقيام بنشر الدعوة المسيحية في الجزائر، كما اشتهر أيضا الجنرال بيجو بسياسة الأرض المحروقة والتدمير الثقافي والحضاري[8]، ونجد أن المبشرين يقومون بدور بارز في التحضير لعملية الاستعمار الكاملة من أجل محاربة القرآن الكريم.
ونعني بالتنصير محاولة إخراج الجزائريين عن دينهم الإسلامي وإحلال المسيحية محل الديانة الإسلامية، وانتشار التبشير انتشارا واسعا من خلال تأسيس المدارس الدينية، خاصة في عهد الحاكم الرابع دو قيدون الذي حقد على الإسلام، وقد منع من إعطاء رخص السفر إلى البقاع المقدسة في سنة 1873، وفرض الرقابة على المدارس الإسلامية ومضايقتها.
3- مظاهر السياسة الفرنسية في الجزائر:
3-1-محاربة اللغة العربية :
رأى الفرنسيون أن اللغة العربية هي أحدى أبرز مقومات الشخصية الجزائرية، “وبقاؤها هو بقاء للشخصية الجزائرية التي تناقض حضارتهم وتعرقل أهدافهم ومشاريعهم ، لهذا عملوا عليها بمختلف الطرق . ولتفكيك المجتمع الجزائري وفصله عن ماضيه ليسهل ضمه وابتلاعه[9]
فخاضت السلطات الفرنسية ثلاثة ميادين للقضاء على اللغة العربية وهي: المدارس، الصحافة والكتب والمخطوطات .
3-2-إنشاء مدارس فرنسية:
عرف الفرنسيون أن تعليم لغتهم لأبناء الجزائريين هو السبيل السهل للسيطرة عليهم، فدعوا إلى ذلك، ومن أشهر هؤلاء نجد “الجنرال بيجو” الذي كان يرفع شعار: السيف والمحراث والقلم، وكان “الدوق دومال” هو أيضا من المطالبين بهذا، حيث قال: “إن فتح المدرسة في وسط الأهالي يعد أفضل من فيلق عسكري لتهدئة البلاد ففتحوا مدارس لتعليم لغتهم، بهدف القضاء على ما يسمونه بالتعصب الديني، وغرس الوطنية الفرنسية في الأذهان الناشئة”[10].
بحيث لم يكن هدفهم نشر التعليم لرقي المجتمع، بل كان تعليما بسيطا أوليا؛ أي كان في حدود ضيقة للغاية، حتى يبقى الجزائريون أسرى الجهل والأمية. فتم إصلاح التعليم في هذه المدارس عدة مرات ليقوم بالدور المنوط به أحسن قيام.
كما اهتمت الكنيسة بالتعليم في الجزائر منذ 1838 وفتحت مدارس ابتدائية تحت سلطتها، و”في عقد الستينيات وبخاصة بعد كارثة المجاعة التي أصابت الحرث والنسل، قام “الكاردينال لافيجري” بتأسيس جمعية ” الآباء البيض” التي انتشرت في شمالي إفريقيا، في محاولة لتقريبهم من النصرانية”[11] وتفكيك تماسك الأسرة الجزائرية.
4-أهداف الفرنسيين من سياستهم التعليمية:
4-1-دعوى نشر الحضارة:
لقد تم رسم سياسة أوروبية مشتركة؛ “مؤداها أن الغرب- باعتبارها مشروعا حضاريا- عليه أن ينقذ الأمم التي هي دونه تحضرا بمساعدتها على الارتقاء إلى درجة المدينة في تجلياتها العامة”[12]. هكذا ادعى الفرنسيون أنهم جاؤوا لنشر الحضارة والتمدن بين أوساط الشعب الجزائري المتخلف. “وقد اتضح للفرنسيين أن التعليم هو السبيل الأول للتآلف معهم، وبواسطته يمكن تكوين عناصر قيادية، تعمل على تثبيت وجودهم والعمل تحت سلطتهم”[13].
وقد وظف الاستعمار كل إمكانياته من أجل الإستراتيجية الاستعمارية لإظهار غموض تاريخ الشعب الجزائري، وفقر إسهاماته الحضارية وسلبيتها، “وفي المقابل أظهر للمتعلمين قوة الحضارة الأوروبية وعظمتها، ووجوب تقليدها والعمل على منوالها”[14].
4-2-الإدماج:
كانت السياسة العامة لفرنسا هو إلحاق الجزائر بفرنسا أرضا وسكانا تحت شعارات متعددة. إذ لابد من الفرنسيين أن يتبعوا سياسة الفرنسة والتنصير لإذابة الشعب الجزائري في الكيان الفرنسي، بحيث أن الهيمنة الثقافية هي أشد ما تكون مكرا وخداعا، لا يمكن إلا أن تكون أشد ضررا وأكثر فسادا، وأعمق أثرا من السيطرة السياسية والعسكرية.
“ففي سياسة فرق تسد؛ ركز الفرنسيون جهودهم على منطقة القبائل، حيث أظهرت العديد من الكتابات منذ السنوات الأولى للاحتلال، أن سكان هذه المناطق هم أقرب إلى الأوروبيين منهم إلى العرب، وعليه يجب فرنستهم وإعادتهم إلى النصرانية التي كانت سائدة بينهم خلال العهد الروماني”[15].
دون نسيان قانون الأهالي الذي صدر 1871 والذي كان له الفضل الكبير في فرنسة الجزائريين والتي لازال أثرها إلى يومنا هذا. فانبثق عنه التعليم الأهلي الذي شمل حراسة المساجد والزوايا التي تعتبرها مراكز لتخرج عناصر متعصبة معادية للسلطة الفرنسية، أساسها الدين وهو جوهر هذه المسألة في تفكير الاستعمار.
ذلك أن الطالب والعالم والمرابط والزاوية كانوا يترجمون هذا المثل الديني، كما كانوا يحظون بمكانة متميزة في وسط المجتمع المسلم، نظرا للدور الذي يلعبونه في توعية الشعب الجزائري وتعبئته ضد العدو[16]، فترجم هذا في تعنت ضباط الاحتلال وتشددهم لوقفهم اتجاه الطلبة والمدرسون، واعتبروهم الأعداء الحقيقيون لهم.
بالإضافة إلى سن قوانين أخرى من أجل طمس الهوية الوطنية، وتركها في الظلمات والجهل منها: سياسة التنصير، والحث على التعليم المختلط لمس عرف المجتمع الجزائري الإسلامي ومحاولة فرنصته.
ومع كل هذه المجهودات لم يستطيع الاستعمار الفرنسي القضاء على الثقافة الوطنية للشعب الجزائري، وحفاظ الشعب على مقوماته الأساسية وهي اللغة العربية والدين الإسلامي. “لتظهر بوادر النهضة الحديثة من 1930 إلى 1954 بظهور العديد من الجمعيات والأحزاب والنوادي والمجلات محاولين نشر العربية والحفاظ على الإسلام”[17].
5-نتائج السياسة الفرنسية:
5-1-المدارس العربية الفرنسية:
تأسست هذه المدارس في عهد الجمهورية الفرنسية الثانية بموجب مرسوم 1850، وقد أخذت طابع إدماجها، وكان غرضها (التسييس) وهو طابع سياسي. غير أن سياسة المدارس المختلطة لم يكتب لها النجاح لمعارضة البلديات، وكذلك رفض الأوروبيين لأي فكرة أو محاولة لتأسيس المدارس العربية الفرنسية.
وفي سنة 1865م صدر مرسوم حكومي نص على وضع المدارس العربية الفرنسية تحت مسؤولية البلديات في المناطق المدنية، ورفضت هذه السياسة ومنها أخذت المدارس العربية الفرنسية تتلاشى وتندثر[18]
5-2-المعاهد العربية الفرنسية:
شملت عملية التعليم الخاص بالجزائريين ذو المستوى الثالث قصد توفير مقاعد دراسية لخريجي المدارس العربية الفرنسية، فكان صدور مرسوم خاص بتأسيس المعاهد (الكوليجات) العربية الفرنسية بعد تقرير وزير الحرب الفرنسي الماريشال فايون سنة 1857م، وجاء فحواه ضرورة تأسيس معهد عربي فرنسي، ومنه صدور مرسوم 14-03-1857 تأسس بموجبه أول معهد عربي فرنسي، وقد التحق به الطبقات المميزة في المجتمع والموالون لفرنسا، مع سن شروط للالتحاق به منها: أن يكون فرنسيا أو متجنس بالفرنسية، وضرورة معرفة اللغة الفرنسية، وقد ركزت السلطات الفرنسية على الجانب الفرنسي على العربي في البرامج التعليمية، وكغيرها لم تستمر هذه لمعارضة الأوروبيون لها[19].
5-3-المدارس الإسلامية الحكومية:
جاء مع المرسوم الثاني من السياسة التعليمية الفرنسية في 30-09-1850؛ حيث أنشأت ثلاث مدارس إسلامية في كل من الجزائر العاصمة، تلمسان، قسنطينة، حيث تكونهم في العدول ومعلمي اللغة العربية. تحت إشراف أشخاص فرنسيون، وكانت تهدف من خلال هذه السياسة إلى جعل هذه الأخيرة تحت رقابتها، وإبعاد رجال الدين الأحرار، كذلك لتنافس بها الزوايا الموجودة في البلاد المجاورة (تونس، المغرب)[20] ، ويشترط للدخول فيها معرفة اللغة الفرنسية، ونجد أن هذه المدارس لم تجلب عددا كبيرا من التلاميذ الجزائريين، مما أدى إلى فشلها.
ومن ” 1954 إلى 1962 واصل الشعب الجزائري الغيور على وطنه كفاحه خاصة جمعية العلماء المسلمين المتنكرين للاستعمار، واندلاع الثورة الجزائرية ليتحد القلم والسلاح للتخلص من الاستعمار”[21]. ولم يتغافلوا أبدا عن تكوين الإطارات وتحضيرها للجزائر الحرة، ففتحت “مدارس” في الجبال الشامخة، وأرسلت بعثات طلابية إلى البلدان الشقيقة ليتسنى للجزائر أن تخوض بعد الاستقلال معركة أضخم وأشق وهي معركة البناء والتشييد.
خاتمة:
من خلال العرض والتحليل لموضوع البحث توصلنا إلى تحقيق الفرضيتين على أرض الواقع في الفترة الاستعمارية، بحيث:
-هدفت السياسة التعليمية الفرنسية إلى تحطيم الشعب الجزائري اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
-نسبة تعليم الجزائريين كانت ضئيلة جدا مقارنة مع المعمرين، وهذا مفاده أن هذه السياسة شملت المعمرين على حساب الجزائريين.
-استخدام التعليم في الجزائر لخدمة الاستعمار وتثبيت ركائزه.
ورغم أن الجزائر نالت الاستقلال لقرابة الخمسين عاما، إلا أن تأثير هذه السياسة لازال واضحا خاصة في المنظومة التربوية الجزائرية، بالتحديد في المناهج؛ فالوثائق التعليمية لحد الساعة باللغة الفرنسية. ومناهج الجيل الثاني خير دليل على أثر السياسة التعليمية الفرنسية على المنظومة التربوية الجزائرية، وهذا بتعميم اللغة الفرنسية في كامل الأطوار التعليمية من الابتدائي، فالمتوسط وصولا إلى الثانوي.
قائمة المصادر والمراجع:
1-المختصر في تاريخ الجزائر، صالح فركوس، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2002.
2-محاضرات في تاريخ الجزائر بداية الاحتلال، أبو القاسم سعد الله، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1983، ج.1،ط.3.
3-التعليم في الجزائر قبل وبعد الاستقلال، الطاهر زرهوني، المؤسسة الوطنية للفنون للنشر المطبعية، وحدة رغاية الجزائر، 1994، د.ط.
4-المرآة: تعريب وتقديم العربي الزبيري، حمدان بن عثمان خوجة، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1975.
5-اشهدي يا جزائر، أحمد بن نعمان، دار الأمة، الجزائر، 2002.
6-حياة الكفاح، أحمد توفيق المدني، الشركة الوطنية لل للنشر والتوزيع، الجزائر، 1984، ج.1.
7- المجابهات الثقافية في الجزائر المستعمرة من (1880-1940)، بوعمران الشيخ، مجلة الأصالة، العدد 6، الجزائر، 1972.
8-مواقف جزائرية، محمد الميلي، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1986.
9-نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر المعاصر ( 1830- 1900 )، عبد الحميد زوزو، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985، د.ط.
10-نشاط المبشرين ودوره الاستعماري، علال الفاسي، محاضرة منشورة على الانترنيت، ملتقى التعرف على الفكر الإسلامي، تيزي وزو، 1973.
11-سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر، عبد القادر حلوش، شركة دار الأمة، الجزائر، 1999، د.ط.
12-تاريخ الجزائر المعاصر، شارل روبير أجيرون، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1982، د.ط.
13-التعليم القومي والشخصية الجزائرية، تركي رابح، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1981، د.ط.
14- تاريخ الجزائر ما قبل التاريخ إلى غاية الاستقلال ( المراحل الكبرى )، صالح فركوس، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة، 2005، د.ط.
15-القضايا الوطنية في اهتمامات الأنتلجانسيا الجزائرية: ما بين 1876- 1927، مجلة حولية المؤرخ، العدد الثاني، 2002.
16- كتاب الجزائر،توفيق المدني، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984.
17- المجابهات الثقافية في الجزائر المستعمرة من (1880-1940)، بوعمران الشيخ، مجلة الأصالة، العدد 6، 1972، الجزائر.
[1] -المختصر في تاريخ الجزائر، صالح فركوس، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2002، ص 175.
[2] – محاضرات في تاريخ الجزائر بداية الاحتلال، أبو القاسم سعد الله، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1983، ج.1،ط.3، ص 306.
[3] – ينظر: التعليم في الجزائر قبل وبعد الاستقلال، الطاهر زرهوني، المؤسسة الوطنية للفنون للنشر المطبعية، وحدة رغاية الجزائر، 1994، د.ط، ص من 13إلى 15.
[4] – المرآة: تعريب وتقديم العربي الزبيري، حمدان بن عثمان خوجة، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1975، ص 265.
[5] – اشهدي يا جزائر، أحمد بن نعمان، دار الأمة، الجزائر، 2002، ص 106.
[6] -حياة الكفاح، أحمد توفيق المدني، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1984، ج.1، ص 105.
[7] -المجابهات الثقافية في الجزائر المستعمرة من (1880-1940)، بوعمران الشيخ، مجلة الأصالة، العدد 6، الجزائر، 1972، ص 113.
[8] – مواقف جزائرية، محمد الميلي، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1986، ص 148.
[9] -نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر المعاصر ( 1830- 1900 )، عبد الحميد زوزو، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985، د.ط، ص 206.
[10] -نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر المعاصر ( 1830- 1900 )، عبد الحميد زوزو، ص 206.
[11] -نشاط المبشرين ودوره الاستعماري، علال الفاسي، محاضرة منشورة على الانترنيت، ملتقى التعرف على الفكر الإسلامي، تيزي وزو، 1973.
[12] -سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر، عبد القادر حلوش، شركة دار الأمة، الجزائر، 1999، د.ط، ص 64.
[13] -تاريخ الجزائر المعاصر، شارل روبير أجيرون، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1982، د.ط، ص 106.
[14] – المرجع نفسه، ص 107.
[15] -التعليم القومي والشخصية الجزائرية، تركي رابح، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1981، د.ط، ص 98.
[16] -ينظر: تاريخ الجزائر ما قبل التاريخ إلى غاية الاستقلال ( المراحل الكبرى )، صالح فركوس، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة، 2005، د.ط، ص 382- 383.
[17] -القضايا الوطنية في اهتمامات الأنتلجانسيا الجزائرية: ما بين 1876- 1927، مجلة حولية المؤرخ، العدد الثاني، 2002، ص 36.
[18] -كتاب الجزائر، توفيق المدني، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984، ص 276.
[19] -سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر،عبد القادر حلوش، د.نا، 2010، الجزائر، ص58-59.
[20] -المجابهات الثقافية في الجزائر المستعمرة من (1880-1940)، بوعمران الشيخ، مجلة الأصالة، العدد 6، 1972، الجزائر، ص 12.
[21] -القضايا الوطنية في اهتمامات الأنتلجانسيا الجزائرية: ما بين 1876- 1927، ص 37.