
العنف ولغة الجسد في رواية “زوايا الصفر” للكتابة الجزائرية آسيا بودخانة
عيسى مروك – طالب دكتوراه – جامعة الجزائر2
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 45 الصفحة 121.
تعد ظاهرة العنف من الظواهر الاجتماعية والنفسية التي لفتت نظر المختصين بعد تزايد حدتها، ولأن الأدب يعكس بيئة الأديب تأثرا وتأثيرا، فإن التطرق للظاهرة لا يجب أن يغفل دور الأدباء وتعاملهم معها سلبا أو إيجابا. وتركز دراستنا هنا على الرواية النسوية باعتبار أن المرأة أكثر عرضة لهذه الظاهرة، فقد عانت وتعاني قسوة الرجل وظلمه من خلال الصورة النمطية التي تم قولبتها فيها، واعتبار الرجل المعيار الأكمل الذي تقاس به سلوكاتها من جهة، والشعور بالنقص والدونية والحط من قيمتها وإن ترقت المراتب، وفي المقابل مارست عنفا موازيا تجلى من خلال الكتابة الإبداعية كرد فعل عما يمارس ضدها نظرا لطبيعة معاملة المجتمع للمرأة ككل والمبدعة بصفة خاصة، وتعد الكتابة بالجسد من أهم السمات المميزة للأدب النسوي بما تمتلكه هذه اللغة من شحنات دلالية عنفية كردود أفعال على ممارسات الذكر المهيمن على الكيان الأنثوي.
الكلمات المفتاحية: العنف ، الرواية النسوية، الجسد، العنف الرمزي.
الجسد ولغة العنف:
يمارس العنف على الجسد الأنثوي بالتنصل منه وإنكاره نظرا للتشوه البسيكولوجي وعقدة الخصاء كما يرى فرويد، ونتيجة العوامل التربوية التي تحيط بتنشئة الأنثى والسياج الشائك من الأفكار والطابوهات والموروثات العقائدية والاجتماعية ،فتترسخ فكرة الجسد الأنثوي (العيب) في حين يعامل الذكر عكس ذلك بما يمنح من حرية التصرف والرفع من قيمته الاجتماعية ووضعه فوق القوانين والأعراف فلا يسأل عما يفعل ،وتغفر أخطاؤه عكس الأنثى التي تجرم أخطاؤها وإن كانت بسيطة بل تحمل الخطأ حتى وهي الضحية، “فأصبحت كتابة الجسد مرتبطة أشد الارتباط بالخرق السوسيو –ثقافي للمجتمع الذي أرسى خطابا نمطيا لجسد الأنثى”([1]) خطاب ضاقت به الأديبات ذرعا، وحاولن الثورة عليه وتغييره. وهو ما يضعنا أمام إشكالات منها:
كيف مارست الكاتبة عنفها ضد الآخر؟ وكيف وضفت الجسد وكتبته وكتبت به؟ وما هي الصورة التي رسمتها للرجل من خلال المتن المدروس؟
هذا ما تحاول هذه الورقة البحثية الإجابة عنه وغيره من الأسئلة.
يعدّ الجسد أيقونة ذات حدين ،فمن جهة هي نقطة قوة لدى المرأة انطلاقا من تمايزها عن الرجل وتميّزها، غير أنّ النسق الثقافي حوله إلى عورة يمارس من خلالها الاضطهاد عليها لأن “التراث الفكري والثقافي العربي خضع لنسق ثقافي مضمر، تولى صياغة الرأي وتوجيه الموقف من المرأة. وقد تمثلت أبرز الغايات التي وجهت البحث في الكشف عن مظاهر تحيز الثقافة العربية ضد المرأة، وتحديد الآليات التي اعتمدها النسق التراثي من أجل تبرير وتسويغ النظرة المحافظة والمنتقصة من المرأة جسدا وخطابا”([2]) فالجسد الأنثوي ليس له كيان خاص بل هو ملك للرجل في حين أن الجسد الذكوري كيان خاص وعصي محاط بهالة من القداسة. وبذلك صور المرأة على أنّها كائن ناقص وقاصر وليس من حقّه التصرف في هذا الجسد الذي تملّكه الرجل عنوة بقوة العرف ،فصاغ خطابه مركزا “تركيزا واضحا على جسد المرأة في جانبه الشّبقي، باعتباره موضع الفتنة والاستيهام؛ وكأن هذا الملمح هو الأصل في المرأة. أما العقل، فعارض وثانوي”([3]) مما أدى إلى حصر المرأة في المعطى البيولوجي وإهمال جانب الكينونة الاجتماعية لها وحجب العقل والفكر عنها، تصورا في المخيال الجمعي يربطها بكل الشرور والخطايا وهو ما ” عملت الثقافة معززة بنصوص مقدسة من أجل إحكام السيطرة عليها، لا سيما على جسدها، وغلق الأبواب دونها … درءاً للفتنة التي يمكن أن يسببها الجسد”([4]) فالفتنة لصيقة بالأنثى من عهد آدم وخروجه من الجنة إلى يوم القيامة، كما دجاء في كثير من النصوص الدينية التي تحذر من فتنة النساء على الرجال.
كل ذلك يرسّخ لدى المرأة فكرة أنها لا تحتاج إلى رأس وعقل بل يكفيها ما دون ذلك فالمجتمع لقّنها أن لا حاجة لها بعقل يفكر، فغاية ما تطلب جسم جميل يمتّع الرجل الذي أسند له التفكير والتدبير و”تم اختزال المرأة في الجسد الجميل الذي يمنح اللذة ويحقق الإمتاع. ولذلك، استحسن فيها الجمال مع قلة التفكير وغياب العقل ، لأن التفكير يجهد النفس ويذهب بنضارة الروح وطراوة الجسد”([5]) فإذا كان امرؤ القيس يتغزل بالأنثى الممتلئة ويركز على خصلة يراها محبوبة عند معشر الرجال وهي البله والغباء فلا تبدي رأيا ولا تناقش موضوعا ولا يزيد كلامها عن الجواب إذا سئلت وإلا فالصمت زينتها.
يقول امرؤ القيس:
” وصادتــك غـراء وهـنانـة *** ثقال فما خالطـت مـن عـجل رقود الضحى ساجيـا طرفـهـا *** يميلهـا حيـن تمـشي الكسـل عظيمة حلـم إذا استـنطـقـت *** تطيل السكـوت إذا لــم تسـل بلهـاء من غيـر عـي بهــا *** يرى لبها ظاهـرا مـن عقــل”([6])
وهذا ما انعكس في الأدب العربي انصياعا بحكم تأصل في ثقافة المجتمع ومسايرتها للعرف السائد حينا، ورفضا وتمردا أحيانا أخرى لما تجده في نفسها وما تحسه من ضيم وهضم لوجودها الإنساني من خلال تكريس النزعة الذكورية في الحياة عموما وفي الثقافة خصوصا، وهي نزعة توثق تفوق الرجل بيولوجيا وبالتالي اجتماعيا وثقافيا.
- الجسد المنتهك:
يرتبط الجسد المؤنث في الثقافة السائدة بصورة نمطية تجعله مجرد كومة إذا ما نزع عنه العقل ولكنه يحتفظ بالأجزاء التي تؤدي الوظيفة المنوطة بها اجتماعيا والمؤدية إلى إمتاع الرجل وتحقيق مآربه، جسد يتيح لها الرقص والإغراء لا غير ومفاتن تمنحها الحضور المادي، “الرجل يرغب في امتلاك المرأة والسيطرة عليها تبعا للموروث التقليدي تحت ضغط المفهوم الذكوري”([7])، ولا يمكنها التمرد على وضعها وسجنها الذي حبستها فيه العادات والتقاليد، تعدّ نفسها وتجمّلها لتحقيق رغبة الذكر. ويتم التركيز على أعضاء محددة كونها مصدر الجمال والشهوة تقول الروائية “كانت نظراته لا تتوه عن نهدي لحظة وإن تاهت فتتركز على شفتي مباشرة”([8])، وهو ما يدفعها تحت تأثير الوعي الاجتماعي إلى ستر هذا الجسد والتنصل منه بل يعرضها للعقاب وكأنها المخطئة، وتتحمل عواقب إغواء الرجل كما حملت من قبل أمها حواء خطيئة آدم “كثيرا ما تعرضت للضرب المبرح من أخي، لا لشيء سوى لأني اشتهيت أن أرى كحلا يغازل جفني، أو أحمر شفاه يبوس شفتي، أو لباسا مفصلا حسب تقاسيم جسدي ينحت جماله لأشبع به نرجسية أنوثتي”([9])، هو نفسه هذا الأخر الذي تروضه زوجته ويصبح ملبيا لطلباتها دون تردد بعدما أن يتحرر من هيمنته أمه، الأم/ الأنثى التي تشربت هذه العادات والتقاليد والنظرة الدونية للمرأة التي تعتبر عاهرة في عرف المجتمع إن اصغت لنداء الطبيعة واستجابت للفطرة التي جبلت عليها، إن المرأة مساهمة فعالة في إعادة إنتاج الهابتوس الاجتماعي من خلال تنشئة ابنتها وإقناعها بما تربت هي عليه “وكأن أنوثتنا عار يجب أن نحكم مداراته حتى في غرف نومنا، أغرب عن المرآة فزعا، وأرى صورة جسدي بين قطعتي منامة تحرص أمي أن يكون سروالها فضفاضا كي لا يحدد جزئي السفلي وقميصها طويل الذراعين ودائري الرقبة، كي ترضي عرفها وترحمها من دور الرقيب المداوم دون انقطاع…” ([10])، هذا الحرص ناشئ عن أعراف وتقاليد نسجت حول جسد المرأة الفتنة الذي يجب ستره وستر عقلها أيضا فلا تفكر لنفسها ولا تتخذ قراراتها بل تخضع للمجتمع وقوانينه مهما كانت جائرة في حقها وهي دوما في دائرة الاتهام مهما كانت الأسباب عكس الرجل المنزه عن الخطأ وإن وقع فيه فالسبب هي المرأة الغاوية اللعوب “عودتي في هذا الوقت للقرية مريبة جدا بالنسبة لمجتمع منغلق وأعرافه تدين المرأة التي تبيت خارج بيتها مهما كان السبب”([11])، هكذا يعامل المجتمع المرأة بدونية وامتهان يدفها للتمرد والثورة على أعرافه وتقاليده والضرب بها عرض الحائط.
- الجسد المتمرد
يصبح الجسد تيمة ذات دلالة في المتن النسوي حين توظفه كمادة حكائية وسردية وتصبح الفضاءات الترميزية رهينة هذا الجسد المتمرد على كل ما سبق وأن قيده وامتهنه وصادر حريته في التعبير عن ذاته ذلك أن “الجسد واقعة اجتماعية، ومن ثم فهو واقعة دالة، يدل باعتباره موضوعا، ويدل باعتباره حجاجا إنسانيا، ويدل باعتباره شكلا، إنه علامة، ككل العلامات، لا يدرك إلا من خلال استعمالاته، وكل استعمال يحيل على نسق، وكل نسق يحيل على دلالة مثبتة في سجل الذات، وسجل الجسد، سجل الأشياء، إن أي محاولة لفهم هذه الدلالات والامساك بها، يمر عبر تحديد مسبق لمجموع النصوص التي يتحرك ضمنها، ومعها وضدها”([12]) فتتجسد ثورتها وتمردها من خلال توظيف هذا الجسد والكشف عن تفاصيله وممارسة الإغواء في أقصى صوره وأقساها داعية إلى تحريره من مكبوتاته “أهم باستحضار تفاصيله الحزينة … لتمتصها الحمى الكامنة بأنوثتي الصامتة ظاهريا، والتي أخوض معها معارك تمرد ضارية كلما اختلى بي باب وحدتي الموصد”([13])، ولكن هذا الباب لن يظل موصدا ولن تظل الثورة كامنة فالضغط يولد الانفجار ولابد للمقهور من ثورة تتيح لها التحرر مما ألزمها المجتمع التستر عليه وإن خالف فطرتها وطبيعتها “الساتان الناعم أشعر به يداعب جسدي فيثير بداخلي شحنات الرغبة”([14])، رغبة في الافصاح ورغبة في السرد وتقفي أثر جدتها شهرزاد التي غيرت مفاهيم شهريار، إنها دعوة للتحرر والرفض لواقع كرس معاناتها جعل منها حمقاء وبلهاء لا عقل لها “يسخر مني وعيي وكأن صراعي غيبوبة، شعرت بأني حمقاء وأنا أتصارع مع ذاتي على ثوب نومي وأنا وحيدة”([15]). إنها في تمردها تقف ضد ما تشربته من قيم تصارع نفسها قبل صراعها مع الأخر، صراع لتحرر إرادتها أولا قبل أن تحرر جسدها، إنها من غذت ابنها ليستعبد أخته والزوج ليستعبد زوجته لم تعمله الحب لأنها لم تذقه فكرست من خلال إعادة انتاجه “اللعنة كل شيء يلبسني ثوب الاستعباد له، ألم يحن الوقت لألبسه ثوب إرادتي؟”([16]).
- صورة الرجل المشوهة:
سعت الروائية إلى إعادة الاعتبار بنات جنسها من خلال رسم صورة سوداوية عن الرجل في الرواية واستبدال فاعليته بالمرأة التي تملكت زمام أمرها فصوته عاجزا وراضخا ومستسلما، بل قتلته وهو على قيد الحياة لتسلم شؤون الأسرة للزوجة تسيرها ولكن وفق نظرة القبيلة والعقلية الذكورية، فالرجل عندها لا ينظر إلى أنثاه ككائن يشاركه الحياة بل جسدا للمتعة لا غير “هو كغيره من بني آدم، الأنثى تساوي المتعة“([17])، أي أنه كائن جنسي لا يحفل بآدمية شريكته، همه اشباع غريزيته الحيوانية، فيصبح بذلك عبدا لشهواته، فتستغل الرواية نقطة الضعف هذه لتسيره كما تشاء، ومادام لا يقيم لعقلها وزنا فلن ترحم ضعفه “ترتجف رجولتي لك أشعرك طفولة تنسل من ضعفي، أرغب لو ألقي بكلي لك، أترجاك ترميم روحي العالقة بجسدي الممتهن لشبق اللحظة“([18])، وبين الضعف والاستسلام وانعدام الشخصية في حضور الانثى تدور شخصيات الرواية “سليمان” و“كريم” أما الوالد رمز الهيمنة الذكورية والحافظ لأعراف القبيلة فقد جعلت منه جسدا بلا روح، وكتلة بلا حراك “أصبح والدي مجرد جسد فاقد الصلاحية، لا نسمع له حسا ولا حركة”([19]).
وبذلك تكون قد جعلت المرأة مركز الرواية وأحالت الرجل على الهامش في إعادة ترتيب للواقع الذي تصوره في محالة للانتقام من منظومة اجتماعية همشت المرأة ومارست عليها القهر مستغلة إمكانات اللغة وما تختزنه من عنف من جهة وتطويعها للسرد بوصفه معبرا وجسرا تخترق من خلاله المنظومة الاجتماعية ” تعامل المرأة مع اللغة، في سبيل التحول من كونها موضوع أو مجاز لغوي، أي من مجرد مفعول به إلى فاعل، حيث تدخل تاء التأنيث على الفاعل اللغوي، ويدخل الضمير المؤنث على المرجع النحوي، وحيث تقلب المرأة أوراق اللعبة؛ فتدخل الرجل معها في سجن اللغة، ويتقابل المسجون مع السجان، ويتبارى الرجل والمرأة، في مناورة ما بين الأنوثة والفحولة”([20])
4-عنف اللغة من الإيحاء إلى الاستفزاز:
اللغة ظاهرة اجتماعية حاملة لأفكار المجتمع وتصوراته ومشحونة بحمولاته المعرفية المبنية على تراتبية اجتماعية معينة تضع المرأة في مرتبة دونية وتعلي من شأن الرجل، فهي استجابة للشروط الاجتماعية وانعكاس للعلاقات السائدة، وهو ما يجعل المرأة نفسها عاجزة عن تحميل مشاعرها للغة ذكورية منحازة تحتاج لجهود كي تطوّعها وعقود لتروضها، لغة اكتسبت فحولتها من ممارسات المجتمع الأبوي، هذا العجز يتحول إلى استفزاز لاستخراج مكنونات اللغة وحمولاتها العنفية في تحد صارخ للسلطة المجتمعية التي تجبر المرأة على التحفظ والتلطف في القول عكس الرجل الذي يسمح له باستعمال قاموس أكثر عنفا ويميل في كثير من الأحيان إلى خدش الحياء بألفاظ نابية وما استعارتها من الروائية على لسان البطلة سراب إلا استفزاز للذكورة المهيمنة و تحد للقيم الاجتماعية التي تعاملها بدونية وتشدد القيود عليها ، وإذا كانت هذه اللغة “توحي بدلالة القبح والواقعية الفجة التي تستحضر الصفات المذمومة والمبتذلة “([21]) فذلك لأنها ثورة على ما ترسب في الذهن مجتمع لا يرى المرأة إلا فاجرة وعاهرة يجب تأديبها وردها إلى بيت الطاعة ” أنا لست عاهرة… أنا هنا لأبحث عن ذاتي المفقودة”([22]).
حين توظف الروائية الجسد فإنه يتحرر من المعنى المعجمي ويشحن بدلالات كثيرة، يفرضها السياق وتفرضها القرائن الموازية لتمثلات للجسد، ّ ، كما ّ تسهم أعضاء الجسد في التحولات الدلالّية المتشعبة التي تثري السرد وتشحنه بالحركية والتكثيف، تتكون بذلك التراكيب في معظمها من مفردات المعجم اللغوي الجسدي الذي يشكّل دعامة لبنائه، فتسهم في تفعيل العوالم السردية المشحونة بالحلم والحب والجنس ولا تكتفي بذلك فتعمد إلى الزج باللغة العامية والسوقية منها لتشكل رافد للعنف الذي تضمره الساردة للبنية المجتمعية المتسلطة في محاولة لفضح الممارسات الذكورية وتعريتها ونقدها اجتماعيا فنجد ظاهرة المعاكسة التي تنتشر بين الشباب ” أكثر رواد السوق هم النساء، الرجال القلة الذين فيه لا أحد منهم يقترب من بائع أو سلعة، كلهم يتوقفون قبالة الصبية التي يمشي خلفها مباشرة والتي توقفت لاقتناء شيء ما، إذن ما سبب وجود الرجال في السوق؟ النتيجة واحدة ” التحكال”…”([23]) تعمد الروائية إلى توصيف ظاهرة المعاكسة والتحرش المنتشرة في الأسواق بكلمة واحدة “التحكال” بكل ما تحمله من عنف ومن حمولة دلالية يستعر المجتمع من ذكرها.
ولأن المرأة محل شبه فإنها متهمة دائما في أخلاقها وما هو مسموح به للرجل محرم عليها، ويصب المجتمع عليها لعناته إن خالفت التقاليد التي وضعها الدكر المهيمن، فخطواتها محسوبة وأنفاسها معدودة، “كنا نسير في الشارع وكأننا بائعات هوى، مشيتنا البطيئة المتململة جعلت كل من يمر بنا كان راكبا أم راجلا يعرض علينا صحبته مقابل مبلغ ما إضافة إلى إغرائنا أنه يتقن فن الدلال جيدا مؤكدا أنه سيمتعنا كما لم نستمتع قبلا” وهل كان قبلا لنطمع في بعده” نقول هذه العبارة في آن واحد لنضحك كثيرا فنزيد من الشبهات حولنا…” ([24])، وهو ما يدفع الكاتبة للثورة على هده الأحكام المسبقة ورفضها لأنها انتهاك لخصوصيتها وحد لحريتها التي تسعى لافتكاكها، لأن الخلل في الدهنية التي تضع الأحكام المسبقة وتحكم على مظاهر أحكام مشينة دون مبرر منطقي فتأتي لغتها صادمة مثل تصرفاتها المستفزة.
الخاتمة:
يمكن إرجاع العنف إلى مسببات نفسية أو إلى عوامل التنشئة الاجتماعية غير أنه في الأدب عموما والنسوي خصوصا يكتسي أهمية خاصة باعتبار السرد النسوي ينتمي إلى أدب الهامش الذي يناضل لكشف واقع فئة تعاني القهر والحرمان والتسلط الذكوري ولأن العنف يولد عنفا مضادا يختزن هذا الدب شحنات دلالية عنفية تتبدى من خلال الاساليب والبنى التي توظفها الساردة من جهة، وتشريحها لواقع الحال وما تكرسه الأعراف والتقاليد من ممارسات تهضم حق المرأة ككائن كامل وتفضح الصورة النمطية السائدة التي تجردها من العقل وتجعلها مجرد جسد لا أكثر، ويتجلى رد فعلها من خلال الصور السلبية التي ترسمها عن الرجل الشهواني وأسير شهواته والخاضع للأنثى اللعوب أو المسترجلة، كل ذلك لا يؤسس لعلاقة سوية بين الجنسيين قائمة على أساس الاحترام وحفظ إنسانيته ومعاملته بندية ،موظفة في ذلك لغة جريئة تفضح سلوكات اجتماعية مرضية تتسبب بالأذى للمرأة ولا ترى فيها إلا جسدا منتهكا .
[1]) عبد النور إدريس، التمثلات الثقافية للجسد الأنثوي ،ص6
[2] ) مصطفى الغرافي، المرأة ونظام الثقافة: هيمنة الذكورة، مجلة ذوات، المغرب ، العدد 15 أكتوبر 2015 ص 77
[3] ) المرجع نفسه، ص 78
[4] ) إلهام البوزيدي، الأنثى/المرأة بين أسر اللغة والثقافة، مجلة ذوات، ص36
[5] ) المرجع نفسه، ص 82
[6] ) ديوان امرئ القيس، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، ط5، ص296.
[7] ) رشيدة بنمسعود، المرأة وسؤال الكتابة : سؤال الخصوصية / بلاغة الاختلاف، ص114
[8] (آسيا بودخانة، زوايا الصفر، الرابطة الولائية للفكر والإبداع، الوادي، الجزائر، 2016، ص53
[9]) آسيا بودخانة، زوايا الصفر، ص58
[10] (المرجع نفسه، ص13
[11] (المرجع نفسه، ص60
[12] ) سعيد بنكراد، السيميائيات، (مفاهيمها وتطبيقاتها)، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط. 2003، ص141
[13] (آسيا بودخانة، زوايا الصفر، ص13
[14] (المرجع نفسه، ص13
[15] (المرجع نفسه، ص13
[16] (المرجع نفسه، ص67
[17] (آسيا بودخانة، زوايا الصفر، ص17
[18] (آسيا بودخانة، زوايا الصفر، ص25
[19] (المرجع نفسه، ص44
[20] ) عبد الله الغذامي، المرأة واللغة،، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط3، 2006، ص180
[21]) أحمد يوسف، يتم النص: الجينيالوجيا الضائعة، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2002، ص221
[22] (آسيا بودخانة، زوايا الصفر، ص112
[23] (المرجع نفسه، ص126
[24] (المرجع نفسه، ص88