
توظيف الفنون في رواية “رماد الشرق” لواسيني الأعرج
سمية بيدي ـ باحثة سنة ثانية دكتوراه ـ جامعة الجزائر 2 أبو القاسم سعد الله
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 45 الصفحة 97.
ملخص الدراسة :
تتناول هذه الدراسة موضوع توظيف الفنون في رواية “رماد الشرق“ لواسيني الأعرج ،إذ انفتحت هذه الرواية بفعل التجريب وتطور الخطاب السمعي البصري على عدة فنون لغوية وغير لغوية منها: الموسيقى وما انطوت عليه من شعر وأغنية وسيمفونية ، وفنون التمثيل كسينما والمسرح ، و الفنون التشكيلية من رسم والنحت ، وفني التصوير و الرقص ، حيث استعارت الرواية مختلف تقنيات وأساليب هذه الفنون ، وقد توقفت عند ما أضفاه كل فن من الفنون المتناولة من وظيفة جمالية أثرت على معمار الرواية وعلى أبعادها التركيبية والدلالية.
الكلمات المفتاحية : توظيف ، الفنون ، رواية رماد الشرق ، واسيني الأعرج ، الموسيقى ، فنون التمثيل ، الفنون التشكيلية .
تشهد الرواية الجزائرية المعاصرة ظاهرة تداخل وتفاعل بين الخطاب الروائي والفنون بأنواعها اللغوية وغير لغوية ، ومن بين هذه الفنون نذكر:الموسيقى ، الفن التشكيلي ، المسرح ، السينما ، الرقص وفن التصوير …، وهذا التداخل جاء استجابة لمتطلبات الرواية الحداثية أو ما يعرف بالتجريب الروائي فتطور الفنون والخطاب السمعي البصري ، جعل الأدباء يسعون لتوظيف ذلك والاستفادة من التقنيات المختلفة الموظفة من قبل الفنون ، ومن بين الروائيين الجزائريين الذين وظفوا الفنون في أعمالهم نجد : واسيني الأعرج إذ وقع اختيارنا على روايته ” رماد الشرق “، فالقارئ لهذه الرواية يجدها حافلة بمختلف أنواع الفنون كالموسيقى والفن التشكيلي، والرقص وفن التصوير بالإضافة إلى إفادتها من بعض تقنيات السينما والمسرح كالفلاش باك والحوار وحركية المشاهد والمونتاج والكولاج …
فتوظيف واسيني الأعرج للفنون في روايته “رماد الشرق” لم يأت اعتباطيا بل له أسبابه وخلفياته ، إذ ارتأيت أن هذه مسالة مهمة وجديرة بالدراسة ، وهذا ما سأحاول الاجابة عنه من خلال طرح التساؤلات الآتية :
كيف استثمر واسيني الأعرج الفنون في روايته رماد الشرق ؟ وأين تجلى توظيف الفنون في روايته هذه ؟ وما الذي دفعه لهذا ؟ هل هو بحث عن الموضوع أم تقنيات التعبير ؟
ولإجابة على هذه الاسئلة سأتطرق إلى العناصر الآتية :
– البناء الموسيقى للرواية (شعر ، أغنية ، سيمفونية )
– توظيف فنون التمثيل في الرواية (تقنيات السينما، تقنيات المسرح)
– توظيف الفن التشكيلي في الرواية (الرسم ، النحت )
– توظيف فن التصوير في الرواية
– توظيف فن الرقص في الرواية
أولا : البناء الموسيقي للرواية : يتجلى البناء الموسيقي لرواية “رماد الشرق” من خلال توظيفها لعدة أشعار وأغاني و سيمفونية ، إذ تضافرت فيما بينها لتحقق المغزى الجمالي والدلالي الذي أراد الكاتب تضمينه لروايته حيث وظفها كالآتي :
1ــ توظيف الشعر : لقد لجأ “واسيني الأعرج” إلى تطعيم روايته “رماد الشرق” ببعض المقاطع الشعرية إيمانا منه بدور المهم الذي تضفيه هذه المقاطع الشعرية على الرواية ، إذ “يعد تضمين الشعر داخل الرواية شكلا من أشكال التحاور بين الألوان الأدبية ، وهو في الوقت نفسه وسيلة من الوسائل المتعددة التي تكسر رتابة السرد ، كما يمكنها أن تشكل ملمحا ميتاقصيا سواء كانت منسوبة إلى شاعر آخر كشكل من أشكال التناص ، أو شاعر له حضوره الداخلي كشخصية من شخصيات الرواية”[1]
ومن بين الأشعار التي ضمنها واسيني الأعرج روايته مقطع من قصائد سليم الجزائري التي حفظها لاستيفان قبل أن يموت :
ههنا ننسج حرفا لم يقل
وهنا نكتب شعرا لا يطال
هذه أشرعتي مبحرة نحو المحال
ورياحي همسات الوجد لما ليس يقال[2]
هذا إضافة إلى توظيفه لأناشيد الكنيسة نذكر منها :
…المسيح قام من بين الأموات
ووطئ الموت بالموت
ووهب الحياة للذين في القبور…
ناح الحمام على نشت أهليها …
لهفي على أمة قتلت راعيها …[3]
فتوظيف “واسيني الأعرج” لهذه الأشعار لم يكن اعتباطيا بل كان توظيفا لغاية جمالية وخدمة لسياق السردي داخل الرواية ، فهو ” يسبر أغوار اللحظة ويبحر في نسغ التكوين الوجداني للشخصية بما يضئ الموقف ويستشرف آفاقه الآتية ، وهو جزء من البناء الحيوي للرواية أي أنه متداخل مع النسيج الابداعي لها”[4]، هذا إضافة إلى الايقاع أو الرتم الذي تحدثه هذه الأشعار في نفسية المتلقى تكسر بها رتابة السرد .
2ـ توظيف الأغنية : تحرص الأغنية ـ كبعد موسيقي ـ باعتبارها معينا سرديا أو ملفوظا يتوالد نصيا عبر مونتاج سمعي ـ مقروء يهاجم أذاننا بسيل من المؤثرات الصوتية تعمل على مستوى لا وعي السارد، إن الموسيقى / الأغنية توحي بعواطفه الباطنية و تحدد ملامح شخصيته[5]، إذ نجد في رواية رماد الشرق عدة أغاني منها مقطع للمغنية بديعة مصابني:
صح النوم ، ما تقوم يا حبيبي ،
ريق ريقك ع الحليب .
يالبن قشطة وحياة حبك ،
لو داقه العيان ليطيب .[6]
وكذلك وظف الأعرج أغنية أخرى لجون كندر(john kander ) وفريد ايب
Fred Ebb)):
نيويورك …نيويورك …
أخبروا الجميع باني سأرحل اليوم إلى نيويورك ،
زادي،حذائي وحقيبتي مثل الجوال
أريد أن أفتح عيني في مدينة لا تنام (…)
نيو…يوووووووك…[7]
فقد جاءت الأغاني هنا مرافقة للمشاهد السردية وذلك من أجل رغبة الروائي في مضاعفة الحدث الدرامي وتفعيل مجرى السرد ،إذ “يشكل النسق الموسيقي بامتداداته المختلفة ( غناء ، أداء ، لحنا ) رافدا من روافد البناء والمعرفة الروائية ومظاهر الهارمونية :الهارموني هو العلم الموسيقي المختص بالقواعد التي بمقتضاها يتم تحقيق توافق صوتي بين صوتين مختلفين أو أكثر يسمعان في نفس الوقت ،لكل منهما خصائصه الصوتية الخاصة”[8]
3ــ توظيف السيمفونية(Symphony ): تعد السيمفونية “قمة التعبير الموسيقي الذي يرتفع فيه مستوى التعبير إلى مستوى فلسفي يعتمد على تجسيد أصوات الآلات الموسيقية المختلفة ، وإعطائها شخصيات تتناسب مع طبيعة الصوت الذي يصدر منها ، ثم اعطائها أدوارا في النسيج الموسيقي ، فأصبحت السيمفونية عملا يناظر المسرحية أو القصة من حيث أن حوار الممثلين هو الذي يفسر موضوع السيمفونية ويشرحه حوار اللآلات المنفردة أو الممزوجة معا بعناية ، وحرص لتكون كتلا صوتية تتبادل الحوار أو تسمع مندمجة كلها مع بعضها في التعبيرات الصاخبة والانفعالات الدرامية العنيفة مؤدية تركيبات لحنية أو تآلفات صوتية يضعها المؤلف لإحداث المناخ العاطفي أو البطولي وفقا للموضوع أو الموقف”[9]، وهذا ماتجلى في رواية “رماد الشرق” إذ راهن “جاز” على عزف سيمفونية تشهد على الاعدامات والحروب التي عاشها جده على امتداد قرابة قرن من الزمن والتي أنهكت الأمة العربية وكانت وراء ضياع فلسطين ثم الهجرة إلى أمريكا وهو مانجح في تحقيقه بالفعل فقد قدم سيمفونيته التي سماها “رماد الشرق” رفقة صديقته ميترا وأعضاء فرقته الموسيقية في دار أوبرا بروكلين وتتجلى هذا في الفصل الأخير من الرواية المعنون ب: (أصداء الزمن المستعاد) الذي خصصه الكاتب لعزف هذه السيمفونية التي كانت بمثابة حلقة مفقودة في تاريخ الأمة العربية عمل “جاز” على تخليدها وقد قدمها على الشكل التالي :
بريلود افتتاحي
الحركة الأولى : مشانق الربيع الدامي
الحركة الثانية : خيبات ميسلون
الحركة الثالثة : رماد الشرق اليتيم
الحركة الرابعة : شبابيك اليس آيلند
مقطع اختتامي[10]
فقد قدمت السيمفونية في شكل أربع حركات جوهرية مع بريلود افتتاحي ومقطع اختتامي وذلك وفقا لتيمات التي تعالجها وهي : الاعدامات ، الثورة ، مأساة فلسطين، ثم الهجرة إلى أمريكا ، وأخيرا الصمت، حيث أرفقت كل مقطوعة من هذه السيمفونية بمشاهد تترجمها وتعبر عنها .
ثانيا:توظيف فنون التمثيل : ونقصد بفنون التمثيل فني السينما و المسرح إذ أفاد الأعرج من مختلف تقنياتهما كالأتي :
1ــ توظيف تقنيات السينما : لقد حرصت الرواية على الافادة من الفنون السمعية البصرية وبخاصة الفن السينمائي إذ استثمرت بعض تقنياته لتشكيل نسقها السردي والتخيلي ، و”عندما نتأمل مشهد الرواية العربية المعاصرة نجد أن الأسلوب السينمائي قد أخذ يتسلل إليه عبر مجموعة من القنوات بنسب متفاوتة”[11]، إذ أصبحت الرواية توظف مختلف الأساليب السينمائية مثل الفلاش باك والمونتاج والكولاج وحركية المشاهد وهذا ماعمل الأعرج على تحقيقه في روايته التي تلاحمت فيها مختلف هذه التقنيات وهذا ماسنعمل على تتبعه داخل الرواية إذ نجد فيها التقنيات السينمائية الاتية :
الفلاش باك: يعد الفلاش باك من الأساليب السينمائية الأكثر استعمالا في الرواية وهو “استرجاع الماضي سواء كان كشفا أوليا أو مدخلا أو موزعا “[12] ،إذ عمل الأعرج على تلاعب بالزمن من خلال شخصية الجد “بابا شريف” الذي قام باستحضار الزمن الماضي بكل مآسيه ، من ساحات الاعدام التي أعدم فيها الأتراك والده “سليم الجزائري” ورفقاؤه ، إلى الحروب الفاشلة ومعاهدة سايكس بيكو وضياع فلسطين وموت عائلته ولجوئه إلى أمريكا رفقة ابنته مايا فرارا من الموت .
ونلمسه أيضا في استرجاع “جاز” لذكرياته الجملية مع والدته “مايا” المتوفية الشغوفة بحب الرسم ، إذ لم يمنعها مرضها من رفع التحدي ومتابعة موهبتها حيث قام “جاز” باستحضار هذه الذكريات منها: “رأى أنامل أمه الرقيقة وهي تعجن الألوان الصفراء والأجرية والبنفسجية على الرغم من الآلام التي كانت كل يوم تأكل مساحة جديدة من جسدها ، كانت ترسم في الحديقة أو داخل الصالة الواسعة عندما تمنعها الأمطار من متعة الرسم في الخارج”[13] ، وأيضا “كانت كلما أرادت أن ترسم أحاسيسها المرتبكة ، عبرت الجسر العديد من المرات كمن يبحث عن شيء ضيعه ، المكان الوحيد الذي لا يمكن أن تمل من عبوره وهي تكتشف تفاصيله الصغيرة في كل مرة بشكل مخالف المدينة ياجاز ، مثل النهر ، لا نمر عليها مرتين متشابهتين هكذا كانت تقول مايا كلما عبرت الجسر مفتوحة العينين”[14]
ويعد الاستباق أيضا من التقنيات السينمائية إذ نلمسه في قول “مايا” لأبها “جاز” :”عندما تكبر ستضيف لها أراضي أخرى ، بعضها غريب وبعضها منك، وتسكنها لأنها تصير وقتها أرضك وجزيرتك الجميلة التي لن ينافسك فيها أحد … “[15]، وكذلك نجده في قول “جاز” لصديقته ميترا “أنا متأكد أن كلام جدي سيغير لدي الشيء الكثير . أنا أرى بالفعل ما يحدث يمكن أن يتحول إلى أوبرا من الطراز الرفيع أو كوميديا موسيقية ، تخيلي للحظة كوميديا موسيقية في برودوي ؟ ألا يغير هذا نظرة الناس إلى الأشياء السهلة ويدفع بهم على الأقل نحو التفكير قليلا ؟”[16] ، وكذلك قوله أيضا: “في شيء قريب من هذا لم تتضح بعد معالمه بشكل جيد ، كله مرتب على تعامل جدي معنا وعلى مرونة فيليب غلاس . أن أبقى في نفس مسار السيمفونية واستغلال الوسائل السمعية البصرية الحديثة ، شاشة كبيرة مثلا توضع في خلفية الفرقة أو على جوانب تجسد كل المراحل التاريخية التي تضبطها الايقاعات ، أعتقد أن ذلك ممكن من الناحية التقنية . لن يروق طبعا للمدارس الفيلارمونية المغلقة في نيويورك وخارجها ……العمل سيكون مقنعا وكبيرا وأعتقد جميلا كذلك”[17].
وتكمن جمالية توظيف الأعرج لتقنية الفلاش باك في جعل الأزمنة تتداخل والأحداث تتأرجح “بين الحاضر والماضي بكل ما فيه من ذكريات وتجارب وصور”[18] ، إذ تعمل هذه التقنية على تحطيم خطية السرد وتخصيبه بالأحداث الماضية والمتخيلة في الوقت نفسه .
المونتاج : هو”تقنية لجمع مقاطع متناقضة ومتنافرة لتكون في النهاية بنية متناسقة”[19]، وللمونتاج مجموعة من الأساليب التي يسلكها في أدائه فمنها المونتاج القائم على اللقطات المتناقضة ، وهناك المونتاج القائم على التوازي ، وفيه يتم تقديم حدثين متوازيين متداخلين بحيث تقدم اللقطات بالتبادل ، ومن أنواعها المونتاج القائم على أساس التماثل ، وفيه يتم تقديم اللقطات متتابعة يربطها موضوع واحد ، وأخيرا المونتاج القائم على تكرار لقطات معينة الحاحا على فكرة خاصة[20]، والملاحظ من الرواية المدروسة أن الكاتب اعتمد بكثرة على أسلوب المونتاج القائم على التوازي إذ جمع الكاتب بين حدثين متوازيين متداخلين وحرص على تقيم اللقطات بينها بالتناوب ، فقد جمع بين صور عزف السيمفونية في دار أوبرا بروكلين وكيفية أدائها من قبل جاز وصديقته متيرا رفقة أعضاء فرقتهما الموسيقية وبين صور الشاشة الخلفية المصاحبة لهذه السيمفونية بتقديمها صورا من التاريخ الماضي تكون بمثابة ترجمة أو شرح لهذه السيمفونية حيث تجلت هذه التقنية بكثرة في الفصل الأخير من الرواية المعنون ب :(أصداء الزمن المستعاد ) بداية من بريلود الافتتاحي مرورا بحركات الأربعة التي تليه إلى المقطع الاختتامي ،وسأكتفي باستشهاد بالمونتاج المستعمل في البريلود الافتتاحي :
ـــ ارتفع أنين الكمان هادئا ومتموجا . تمايلت ميترا قليلا برأسها ، يمينا ، ثم يسارا ، أغمضت عينيها وتركت أصابعها تنساب داخل نعومة القصبة التي كانت تنزلق بسلاسة على خيوط الكمان … في الخلفية ، ارتسمت على الشاشة في اللحظة نفسها تدفقات نهر هودسون في صور متلاحقة بالأبيض والأسود . أحصنة تركض مذعورة من هدير السفن الحرفية التي تحتل الحواف ، ووجوه لا خيار لها إلا الحرية التي لا حدود لها …تركض الأحصنة نحو رجال سيدتهم الشجاعة والحكمة والغليون الطويل. كانوا محاطين بأقوام لاحصر لها ، …لم يكن النغم مرتبكا ولا متلعثما ، ولكنه كان جميلا كجرح خيبة حب كبير . شعرت ميترا بنفسها تغوص في عمق الألوان …[21]
فقد عكس هذا المقطع من الرواية قدرة الكاتب على تمثل تقنية المونتاج وتحكم في أساليبها باستعماله لأسلوب المونتاج القائم على التوازي أو مايسمى بالمونتاج المتناوب .
الكولاج :أي الالصاق الذي “يعتمد على إعادة تصميم ولصق المزق الخشنة المأخوذة من مادة الحياة الأولية لتدخل في تكوين جمالي جديد ، بحيث يتم مسح ماعلق بمصدرها من بقايا الاستعمال الأول وتوظيفها في السياق الكلي الجديد”[22] إذ لجأ الأعرج إلى المزاوجة بين وحدات السرد الروائي ووحدات التوثيق الصحفي ووظف كذلك الرسائل ووثائق التاريخية ، فالنسبة لتوثيق الصحفي فنجده في المقطع الآتي: “الرحلة رقم 11 اصطدمت بالبرج الشمالي أقلعت من بوسطن . الرحلة 175 التي اخترقت البرج الجنوبي أقلعت هي كذلك من بوسطن … “[23]، أما بالنسبة لتوظيفه الرسائل فقد وظف صور لرسالتين: رسالة بعث بها “الأمير محمد السعيد” “للأمير فيصل” بشأن الوساطة لإنهاء حقن الدماء بين الأتراك والعرب ونجد هذا في (ص 217 )من الرواية ، أما الرسالة الثانية فكانت من “الأمير فيصل” إلى حضرة “جمال باشا” نجد هذا في (ص 219) ، ووظف أيضا مقطع من قصة “الساحرة الفارسية” أخذها من كتاب “الملوك لشهنامة” نذكر منها : “فلما سمعت الساحرة صوته استبشرت وفرحت وقالت : قد ظفرت بصيد ثم تصورت في صورة حورية بيضاء ذات مقلة كحلاء وقامة هيفاء…فاستحالت في الحال في صورة سبع عظيم… “[24]، هذا إضافة إلى تضمينه عدة وثائق تاريخية .
حركية المشاهد : يعد توظيف المشاهد الحافلة بالحركة في الرواية وليدة فن السينما ، إذ حرص الأعرج في سرد أحداث روايته ، على رصد الحركات و الأصوات ضمن مشهد حي يخاطب فينا حاستي السمع و البصر ويضفي على الحدث طابعا دراميا أقرب إلى دينامية السينما منه إلى سكونية الأدب مثل هذه المقاطع من الرواية : ” بدأت الطرقات الواسعة تكتظ بالسيارات وسيارات الاسعاف التي كانت أصواتها تسمع وهي تأتي من أمكنة ليست بعيدة”[25]، ونجده أيضا في :
” كانت سيارات الاسعاف تخترق كل الشوارع بعويلها . والأدخنة تزداد كثافة وثقلا . الناس مثل النمل ، يتجهون في كل الأمكنة. “[26] ، وكذلك في : “بحركة الية سحبت ميترا محفظتها وبحثت عن مفاتيح سيارة شيروكي x44 ، قبل أن تلحق بجاز الذي كان قد وقف عند مدخل الباب الخارجي ليطلب المصعد”[27].
المشاهد التفصيلة: أو ما يعرف “بتقريب الصورة (close-up) له نظائره في القصة كالأوصاف الواقعية في أعمال الطبيعيين الفرنسيين”[28]، إذ اشتغل الأعرج على تقنيات التجريب البصري من خلال تقديمه للشخصيات عبر صور مرئية لغوية ترصد أدق التفاصيل التي تنتاب الشخصية حتى غدت الرواية عند الأعرج “كتابة بالصورة (كالسينما)”[29]، إذ صار القارئ لهذه الرواية يشعر بأنه أمام عدسة كاميرا لا تفلت شيئا من تفاصيل الصورة والصوت والديكور، وكأنها معدة للإخراج والتصوير، يعترضنا مثل هذا كثيرا عند الأعرج حيث الحرص على استيفاء أبعاد المشهد يوحي بوجود نزعة سينمائية ترفد فعل السرد كما نلاحظ في هذه المقاطع :” جلست عائشة في الكرسي الخلفي للسيارة ، بينما استراح بابا شريف بجانب جاز وهو يقفل حزام الأمن”[30]، وأيضا “عندما التفت نحو ميترا كانت شبه غارقة في تأملاتها ، تحتضن من جديد الكمان . كان شعرها يتلألأ تحت ألوان الشمس الصباحية الكثيفة التي انكسرت على مربعات زجاج النافذة المشرعة وهي تحاول أن تستعيد علاقتها بالكمان الذي استعصى بين يديها” [31].
2ــ توظيف تقنيات المسرح : لقد لجأت الرواية المعاصرة إلى استعارة بعض تقنيات فن المسرح واستخدمتها في بنائها منها : الحوار و المونولوج و المشهد والديكور وغيرها ، إذ “يضيف الشكل الممسرح للسرد بعدا جديدا ، إذ أن السرد الذي يقترب من النص المسرحي يعني شيئا أكثر من كونه لغة مشابهة للغة المسرح ، وحسب تحليل ايخنباوم الشكلاني فإننا في السرد المشهدي لا نتلقى الأفعال كأفعال محكية ، وإنما كما لوكانت تتخلق أمامنا على الخشبة”[32] ، وقد عمل الأعرج على تمثل مختلف التقنيات المسرحية في روايته “رماد الشرق” منها :
الحوار المسرحي : يعرف الحوار بأنه “حديث يدور بين إثنين على الأقل ويتناول شتى الموضوعات وهو نمط تواصل : حيث يتبادل ويتعاقب الأشخاص ، على الإرسال والتلقي”[33] ، والملاحظ من المدونة المدروسة أن الأعرج ناوب بين السرد والحوار هذا الأخير الذي وظفه بكثرة خاصة حوار “جاز” مع جده ومع صديقته “ميترا”، وهذا ما سنلاحظه من خلال حوار “جاز” مع صديقته “ميترا”:
ـــ ميترا ؟ تريدين أن نجرب مرة أخرى ؟ المشكلة أن الوقت الذي بين أيدينا يتقلص كل يوم قليلا…
ـــ لا ياجاز . أنت تعرف أحسن مني ، في الموسيقى لا توجد معاودة . كل شيء نقوم به وكأننا نفعله لأول مرة .[34]
ـــ أنت لم تحدثني عن هذا من قبل .
ـــ أنت تعرفين أن قصة جدي في غاية التعقيد ، مسكون بأندلسيته التي ورثتها له جدته.[35]
يمثل الحور في المدونة المدروسة امتداد وتكملة للسرد ” فاستعانة السارد بالحوار تعني الكشف عن الشخصيات وإطلاع القارئ على أفكارها ومزاجها وطبائعها لأنه مرتبط بها ، فضلا عن اسهامه في بنائها، وله دور مهم أيضا في بناء الحدث وتحريكه عن طريق الحوار المتبادل بين الشخصيات”[36] ، فعن طريق حوار إذن تتحقق وظيفتي التواصل والتعبير بين شخصيات المدونة المدروسة .
المونولوج : يعرف المونولوج بأنه “كلام يقع بين الأديب ونفسه أو من ينزله مقام نفسه كربة الشعر أو خيال الحبيبة …ويفرض فيه الإبانة عن الموقف ، والكشف عن خبايا النفس”[37]، وقد تجلى المونولوج بكثرة في هذه الرواية كما تبينه هذه المقاطع : “ردد جاز في أعماقه بحيرة بادية على ملامحه ‹‹ عائشة أخبرتني بأن الطائرة لن تتأخر إلا ربع ساعة . كانت في الطائرة عندما كلمتني لآخر مرة من الموبايل قبل أن تطفئه ، وكانت الطائرة قد أغلقت الأبواب وتستعد لإقلاع ؟ ››”[38]، وأيضا ‹‹ أي عيد ميلاد وسط خراب كهذا بدأنا نخرج من ركامه بصعوبة ؟ تساءل جاز وهو يبحث لها عن مبررات : من يدري ؟ ربما لأنها هي كذلك مأخوذة معي بنفس هاجس السيمفونية التي يجب أن أنتهي منها . هذا وحده كاف لأن يخلق حيرة كبيرة لدى الانسان ويحجر فكره ونباهته المعتادة في دائرة ضيقة هو الأقدر على الاحساس بها. ››[39]
المشهد :تتميز الرواية العربية الجديدة وبما فيها الرواية الجزائرية “بانسياب وتلاحق المشاهد الروائية ، والأحداث فيها تجري متشابكة أمام أعيننا ( وكأننا أمام عرض مسرحي ) “[40] ونمثل للمشهد بهذا المقطع من الرواية :
ـــ أنت مرهق … ما رأيك في كأس شاي ساخنة ؟
ـــ فكرة جيدة . أشكرك .
تناول جاز كأس الشاي بالليمون الذي قدمته له مونيكا . احتسى منه قليلا ، شعر بقوة الحرارة تخترق أمعاءه وبلذة خاصة . فجأة سرى الدفء في كامل جسده .
ـــ أنت متعب ، لم تنم منذ البارحة . من الأفضل أن ترتاح قليلا وإذا حدث أي شيء سأوقظك .
ـــ تمدد بظهره على الكرسي الطويل المخصص لاستراحة الجراحين وعمال المستشفى وغفا قليلا قبل ان يستيقظ على عويل احد الجرحى . “[41]
فقد حوى هذا المقطع إذن عدة مشاهد متتابعة مما حقق سمة العرض المسرحي ومواكبة الحدث الدرامي في هذه الرواية.
ثالثا : توظيف الفن التشكيلي : لقد تنوعت مرجعيات السرد الروائي عند الأعرج في روايته رماد الشرق ففضلا عن توظيفه لعدة الفنون من شعر وموسيقى وسينما ومسرح لجأ إلى استثمار الفنون التشكيلية ،إذ يرى “كونراد” أن الرواية :« كي تحقق ما تصوبوا إليه من تأثير ونجاح ، عليها أن تتعلم من فنون النحت والتصوير والموسيقى كيف تصل إلى الوجدان عن طريق الحواس . باستخدام التشكيل واللون وغيرها»[42] ، وقد راهنت رواية رماد الشرق على محاورة الفن التشكيلي مستفيدة من مختلف تقنياته منها :
1ــ الرسم :تعج الرواية المدروسة بلوحات فنية سردية رسمت بالكلمات إن صح التعبير إذ توحي اليك هذه الكلمات المنتقاة بعناية أن اللوحة التشكيلية مطروحة أمامك وكأنك تراها على صورتها الواقعية ويتجلى ذلك في عدة مقاطع من الرواية إذ اكتفيت باستشهاد بثلاث لوحات وهي :
اللوحة الاولى : “رأى صورة بلون حائل بين الصفرة العميقة واللون الرمادي الباهت . كتب تحتها :فلسطين 15مايو 1948. طفلة تركض في فراغ غير محدود . شعرها المبعثر ينتشر في الهواء ويختبئ قليلا من ابتسامتها .في يدها لعبة صغيرة لم تظهر في الصورة إلا الخيوط التي تقبضها . المؤكد أنها طائرة ورقية”[43]
اللوحة الثانية : “ثم وقف لحظة مع ميترا يتأملان الأضواء الملونة التي كانت تعلن عن سيمفونية رماد الشرق ، لربيع نيويورك الموسيقي . الذي أنجز اللوحة الاشهارية كان حساسا وشاعرا : وجه ميترا المليء بالأنوار وهي تسند رأسها إلى الكمان ،يتمادى حتى الذوبان في حركة جاز الذي لا يظهر إلا جزء جانبي من وجهه ويده اليمنى وهي ترفع القصبة الذهبية التي أحدثت خيطا من النور تشكل فوق رأس ميترا كهالة . في الخلفية البعيدة ، الفرقة الفيلارمونية لأوبرا بروكلين”[44]
اللوحة الثالثة : “وضعت في كل المعابر والمحطات والمطارات وأنفاق الميترو ، في نيويورك نفس اللوحة الإشهارية ، بعنوانها الكبير : سيمفونية رماد الشرق للموسيقي جاز كاليفي . وتحتها كتب بخط ناعم: خريف المائة عام الأخيرة ، سنوات التيه والانكسار والبحث المحموم عن الشرق المسروق”[45]
فقد مارس الأعرج هنا ما يعرف بالرسم بالكلمات شأنه في هذا شأن كتاب الرواية العربية الجديدة الذين “يمارسون الرسم بالكلمات مستخدمين الجانب التقني للوحة ( الإطار ، الخلفية ، المشهد ، المرسوم داخل اللوحة ، الكولاج ، الألوان المعبرة والموحية …الخ ) فرواياتهم تطفح بهذه العلاقة بين الصورة واللغة ، مما يجعلها لوحات سردية تتفاعل فيها الكلمة والصورة واللوحة تتشارك في بلورة وعي بصري جديد . لقد اقترن التشكيل والرسم بالسرد وعانقه ليحرره من سلطة الانغلاق رغم اختلاف لغتهما”[46]، فملاحظ إذن أن رواية رماد الشرق تمثل نموذجا لتلاقح فنين وتشابك آلياتهما : الرسم بالكلمات والرسم بالفرشاة ، فثقافة الكاتب التشكيلية مكنته من ملامسة جمالية هذا التلاقح .
2 ــ النحت : يعد النحت “فرعاً من فروع الفنون المرئية وفي نفس الوقت أحد أنواع الفنون التشكيلية”[47]، و “يرتكز هذا الفن على تكوين مجسمات بأبعاد ثلاثية، وتتم ممارسته على المعادن ، والصخور ، والخشب والسيراميك ، ومواد أخرى متنوعة”[48]، و قد استثمر الكاتب فن النحت في روايته المدروسة من خلال وصفه لمنحوتات المدينة من : بنايات وأقواس الأسواق ومدخل الفنون ومنحوتات الكسندر كالدير ، وكذلك النحوت التي على الطاولات ويظهر هذا في عدة مقاطع من الرواية منها: “بعض بنايات المدينة ، أقواس الأسواق ، ضيق طرقاتها ، بعض ممراتها وحاراتها وحتى مدخل الفنون بأعمدته الستة ، الذي يحتضن لوحات رونوار ومنحوتات الكسندر كالدير ومجموعة الفنون الزجاجية ، تبين أن قليلا من عطر الأندلس قد وصل إلى هنا وعبر هذه الشوارع الضيقة”[49] ، وأيضا “الطاولات المعشقة بزجاج دمشق وماس الخليج وخشب جزيرة كريت؟”[50]
رابعا: فنّ التصوير: وهو أحد أهم الفنون الجميلة الحديثة، والتي تتمثّل في التقاط لحظاتٍ مُعيّنة تشمل مناظر وظواهر طبيعية أو بشر أو حيوانات؛ إذ يستخدم المصوّر كاميرته لإلتقاط وتجسيد لحظات جميلة يعيشها، وبطريقة فنية[51]،إذ استثمر الأعرج تقنيات هذا الفن وتتمثل في استعماله لتقنية الصورة من خلال عرض باب شريف لعدد من الصور الفوتوغرافية كانت بحوزته ، لحفيده جاز منها : “أخرج صورة كانت لأمه : ماما صفية : امرأة جميلة ترتسم على محياها ابتسامة ساخرة كان من الصعب عليها كتمها . ووجهها مشرق كوجه الروسيات شرق آسيا . شعر كثيف وملامح واضحة ودقيقة وعينان غارقتان في الكحل والسواد . “[52]، وأيضا صورة أخرى ل”جمع من البشر يتقدمهم رجل بشاربين طويلين وطربوش وعصا يتكأ عليها بيسراه وفي يده الأخرى بقايا سيجارة ، وفي الخلفية رجال أشبه بالروس القوقازيين ، إلى جانبهم الأيمن رجل انجليزي بقبعته ولباسه القصير وحذائه الطويل وأخر في الخلفية يستند إلى بندقية ذات ماسورة طويلة. في الخلفية بعيدة قليلا ، يرفرف علم أبيض… “[53] ، فقد أحسن الكاتب تمثل هذه التقنية بحيث أنه نقل للمتلقي الصور بلغة فنية جميلة وكأنه يشاهد هذه الصور حقيقة أمام عينيه .
خامسا: توظيف فن الرقص: يعد الرقص في أبسط تعريفاته ذلك “التنسيق المبدع بين الحركة والإيقاع ، إنه حركة الجسد وهو ينظم الفضاء ويعطي ايقاعا للزمن في وحدة منسجمة مع طبيعته التكوينية”[54] ، ولقد عد الرقص “وسيلة من وسائل الابداع إذ تكمن فيه تقاليد الشعوب ولغتهم الفنية وتراثهم الموسيقي وشعورهم الجمعي ، لذلك كان البعد الروحي والجمالي من أهم أبعاد الرقص”[55]، وهناك أنواع كثيرة للرقص ” تؤدّى بشكل فردي أو ثنائي أو يؤدّونها مجموعة من الأشخاص ومن هذه الأنواع رقص الباليه، والتانغو، والسالسا، والشرقي والتعبيري الإيمائي”[56].
وملاحظ من الرواية المدروسة أن “الأعرج” ذو ثقافة عالمية مكنته من محاورة تقنيات رقصة التانغو الأرجنتينية التي لها تقاليدها الخاصة إذ نلمسها في الرقصة التي أدتها ميترا مع صديقها جاز في سهرة عيد ميلاده وتجلى هذا في الرواية من خلال المقطع التالي : ” مدت له يدها اليمنى فاحتضنها في عمق يده اليسري ، كعصفور هارب ، وعندما قبضت قليلا بيدها اليسرى على ذراعه الأيمن ، كان يمد هو كفه مفتوحة عن آخرها على ظهرها العاري . سحبها قليلا نحوه …تذكر حركة الايقاع خطا خطوة نحو الجهة اليمنى مع التفات خفيف باتجاه اليسار في آخر الحركة الثالثة ليترك رجله تتمادى بين حافتي ساقيها وبين اللباس المنفتح حتى الأعلى . وقبل أن يستقر على الوضع تنسحب هي في حركة شبه مماثلة ، ترفع قدمها اليمنى …ثم تنسحب قليلا إلى الوراء ، تتحرر قبل أن تعود إلى نفس وضعية الأسر . ضغط جاز على الأرضية ، توازن قليلا ، ثم سحبها نحوه ن وقبل أن تصل إليه تتراجع قليلا بشراسة ثم تنسحب قليلا إلى الوراء ، تتحرر قبل أن تعود إلى نفس وضعية الأسر . ضغط جاز على الأرضية ، توازن قليلا ، ثم سحبها نحوه …ثم تنسحب دون أن تترك رؤوس أصابع يده اليمنى التي شدت عليها بقوة … “[57]، فقد خصص الكاتب أكثر من صفحة في وصف طريقة رقص التانغو، وبهذا “انتقلت اللغة من وظيفتها السمعية لتنزاح إلى الوظيفة البصرية لتسهم في تقديم الصور الحركية التي يضطلع بها الرقص “[58] .
وقد استثمره الأعرج في بناء نصه السردي بصورة مباشرة بذكر فعل الرقص وتجسيد الحركات والأفعال التي تقوم عليها رقصة التانغو من البداية حتى النهاية وهذا ماتجسد كما رأينا في رقصة “جاز” وصديقته “ميترا”.
وختاما يمكن القول أن رواية “رماد الشرق” ” لواسيني الأعرج” قد انفتحت على عدة فنون هي : فن الموسيقى وفن السينما وفن المسرح والفن التشكيلي وفن التصوير وفن الرقص ، إذ حاورتها وأفادت من تقنياتها المختلفة ، زيادة على انتقاء الروائي لشخصيات فنانة مثل “جاز” وصديقته “ميترا” الموسيقيين وأمه”مايا” الرسامة ، وكذلك تضمينه لعدد من الفنانين ومختلف الآلات الموسيقية والمسارح ودار الأوبرا ، وبهذا كان توظيف الفنون في رواية رماد الشرق بحثا عن الموضوع بحكم أنها تتناول قضية فنان راهن على عزف سيمفونية تحاكي تاريخ جده من جهة ، ومن جهة أخرى هو تقنيات تعبير فرضتها متطلبات الرواية الحداثية أو مايعرف التجريب الروائي الذي فتح المجال واسعا أمام الرواية فكانت بهذا ملتقى لجميع الخطابات والفنون .
مصادر البحث ومراجعه :
المصادر :
واسيني الأعرج :
ـ رواية رماد الشرق ، ج1 ، ط1 ، منشورات الجمل ، بيروت ـ لبنان ، 2013
ـ رواية رماد الشرق ، ج2 ، ط1 ، منشورات الجمل ، بيروت ـ لبنان ، 2013
المراجع :
ـ أ.أ. مندلاو ،الزمن والرواية ، تر: بكر عباس ، مراجعة : احسان عباس ، ط1 ،دار صادر ، بيروت ـ لبنان ، 1997.
ـ بشرى البستاني :
1 ـ في الريادة والفن (قراءة في شعر شاذل طاقة ) ، ط1 ،دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ، عمان ـ الاردن ، 2010 .
2 ـ وحدة الابداع وحوارية الفنون ، ط1 ،دار فضاءات للنشر والتوزيع ،عمان ـ الأردن ،2015.
ــ جبور عبد النور ، المعجم الأدبي ، ط2 ، دار العلم للملايين ، بيروت ـ لبنان 1984.
ـ حسن لشكر : الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، دط ، مجلة العربية، الرياض ـ المملكة العربية السعودية ،1431 ه .
ـ صلاح فضل ، أساليب السرد في الرواية العربية ، ط1 ، دار المدى للثقافة والنشر ، دمشق ـ سوريا ،2003 .
ـ عطا عدي ، أثر توظيف الحدث التاريخي في صياغة السيناريو و صناعة الفيلم السينمائي، ط1، دار البداية، الأردن،2011.
ــ فخري صالح ، في الرواية العربية الجديدة ، ط1 ، الدار العربية للعلوم ناشرون ،
بيروت ـ لبنان 2009.
ــ فاتن غانم ، تداخل الفنون في الخطاب النسوي شعر بشرى البستاني نموذجا ، ط1،
دار فضاءات للنشر والتوزيع ، عمان ـ الاردن ، 2015 .
ــ محمد حمد ، الميتاقص في الرواية العربية (مرايا السرد النرجسي ) ،ط1، مجمع القاسيمي للغة العربية وآدابها ، أكاديمية القاسيمي (ج م )، باقة الغربية ، 2011.
ـ محمد صالح السنطي ، تداخل الأنواع في الرواية الأردنية ، مؤتمر النقد الدولي الثاني عشر (تداخل الأنواع الأدبية ) ، دط ،جامعة اليرموك ،مؤسسة عبد الحميد شومان ، عمان ـ الأردن ، مجلد 2، 22/24 تموز2008.
المواقع الالكترونية :
ــ فاطمة القضاة ، تعريف الفنون الجميلة ،http://mawdoo3.com ، 28 يناير 2016
ــ هايل الجازي ، تعريف النحت ، http://mawdoo3.com ، تاريخ النشر 18 يناير 2016
ــ ويكبيديا الموسوعة الحرة ، نحت / https://ar.wikipedia.org/wiki
[1]ـ ينظر : محمد حمد ، الميتاقص في الرواية العربية (مرايا السرد النرجسي ) ،ط1، مجمع القاسيمي للغة العربية وآدابها ، أكاديمية القاسيمي (ج م )، باقة الغربية ، 2011، ص 140
[2]ـ واسيني الأعرج ، رواية رماد الشرق ،ج2 ، ط1 ، منشورات الجمل ، بيروت ـ لبنان ،2013 ، ص85
[3]ـ رواية رماد الشرق ، ج 2 ، ص 182
[4]ـ محمد صالح السنطي ، تداخل الانواع في الرواية الاردنية ، مؤتمر النقد الدولي الثاني عشر (تداخل الأنواع الأدبية ) ، دط ،جامعة اليرموك ،مؤسسة عبد الحميد شومان ، عمان ـ الاردن ، 22/24 تموز2008،
مجلد 2،ص 71
[5]ـ ينظر :حسن لشكر ، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، دط ، مجلة العربية ،الرياض ـ المملكة العربية السعودية ،1431 ه ، ص 98
[6]ـ رواية رماد الشرق ، ج 2 ، ص 43
[7]ـ رواية رماد الشرق ، ج 1 ، ص 96
[8]ـ حسن لشكر ، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، ص 105
[9]ـ المرجع نفسه ،ص 75
[10]ـ رواية رماد الشرق ، ج2 ، ص 286
[11] ـ صلاح فضل ، أساليب السرد في الرواية العربية ، ط1 ، دار المدى للثقافة والنشر ، دمشق ـ سوريا ،2003، ص195
[12]ـ أ.أ. مندلاو ، الزمن والرواية ، تر: بكر عباس ، مراجعة : احسان عباس ، ط1 ، دار صادر ، بيروت ـ لبنان ، 1997، ص 67
[13]ـ واسيني الأعرج ، رواية رماد الشرق ، ج1، ط1 ، منشورات الجمل ، بيروت ـ لبنان ، 2013 ، ص 14
[14]ـ المرجع نفسه ، ص 64
[15] ـ المرجع نفسه ، ص 71
[16] ـ المرجع نفسه ، 79
[17]ـ رواية رماد الشرق ، ج1 ، ص 83، 84
[18]عطا. عدي ، أثر توظيف الحدث التاريخي في صياغة السيناريو و صناعة الفلم السينمائي، ط1، دار البداية، الأردن، ، 2011، ص.129
[19]ـ حسن لشكر ، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ،ص 13 ،14
[20] ـ ينظر:بشرى البستاني ، وحدة الابداع وحوارية الفنون ، ط1 ، دار فضاءات للنشر والتوزيع ،عمان ـ الأردن، 2015، ص 27
[21]ـ رواية رماد الشرق ، ج2 ، ص 395، 396
[22]ـ صلاح فضل ، أساليب السرد في الرواية العربية المعاصرة ، ص 212
[23]ـ رواية رماد الشرق ، ج1 ، ص 21
[24]ـ المرجع نفسه ، ص 57
[25] ـ رواية رماد الشرق ،ج1 ، ص 20
[26] ـ المرجع نفسه ، ص 23
[27] ـ المرجع نفسه ، ص 25
[28] ـ أ.أ. مندلاو ، الزمن والرواية ، ص 67
[29] ـ حسن لشكر ، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، ص 33
[30]ـ رواية رماد الشرق ، ج2 ، ص 380
[31]ـ رواية رماد الشرق ، ج 1، ص 18
[32] ـ فخري صالح ، في الرواية العربية الجديدة ، ط1 ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ـ لبنان 2009 ، ص 121
[33] ـ فاتن غانم ، تداخل الفنون في الخطاب النسوي شعر بشرى البستاني نموذجا ، ط1، دار فضاءات للنشر والتوزيع ، عمان ـ الاردن ، 2015 ، ص 175
[34]ـ رواية رماد الشرق ، ج1 ، ص 18
[35] ـ المرجع نفسه ، ص 105
[36] ـ فاتن غانم ، المرجع نفسه ، ص 175ـ 176
[37] ـ جبور عبد النور ، المعجم الأدبي ، ط2 ، دار العلم للملايين ، لبنان ـ بيروت ، 1984، ص100
[38]ـ رواية رماد الشرق ، ج2 ، ص 376، 377
[39] ـ رواية رماد الشرق ، ج1 ، ص 80
[40] ـ حسن لشكر، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، ص 183
[41]ـ رواية رماد الشرق ، ج 1 ، ص 35
[42]ـ حسن لشكر، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، ص 108
[43]ـ رواية رماد الشرق ، ج1 ، ص 68
[44]ـ رواية رماد الشرق ، ج 2 ، ص 352
[45]ـ المرجع نفسه ، ص 353
[46]ـ حسن لشكر ، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، ص 142
[47] ـ ويكبيديا الموسوعة الحرة ، نحت / https://ar.wikipedia.org/wiki
[48]ـ هايل الجازي ، تعريف النحت / http://mawdoo3.com ،تاريخ النشر 18 يناير 2016
[49]ـ رواية رماد الشرق ، ج 1 ، ص 106
[50]ـ المرجع نفسه ، ص 263
[51] ـ ينظر :فاطمة القضاة ، تعريف الفنون الجميلة / http://mawdoo3.com ، تاريخ النشر 28 يناير 2016
[52]ـ رواية رماد الشرق ، ج2 ، ص 18
[53] ـ المرجع نفسه ، ص 18 ،19
[54]ـ بشرى البستاني ، في الريادة والفن (قراءة في شعر شاذل طاقة ) ، ط1 ، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ، عمان ، ط1 ، 2010 ، ص 122
[55] ـ فاتن غانم ، تداخل الفنون في الخطاب النسوي ، ص 354
[56] فاطمة القضاة ، تعريف الفنون الجميلة ،http://mawdoo3.com ، 28 يناير 2016
[57] رماد الشرق ، ص 85 ،86
[58] ـ فاتن غانم ، المرجع نفسه ص 354
ـ باحثة سنة ثانية دكتوراه ـ جامعة الجزائر 2 أبو القاسم سعد الله
ملخص الدراسة :
تتناول هذه الدراسة موضوع توظيف الفنون في رواية “رماد الشرق“ لواسيني الأعرج ،إذ انفتحت هذه الرواية بفعل التجريب وتطور الخطاب السمعي البصري على عدة فنون لغوية وغير لغوية منها: الموسيقى وما انطوت عليه من شعر وأغنية وسيمفونية ، وفنون التمثيل كسينما والمسرح ، و الفنون التشكيلية من رسم والنحت ، وفني التصوير و الرقص ، حيث استعارت الرواية مختلف تقنيات وأساليب هذه الفنون ، وقد توقفت عند ما أضفاه كل فن من الفنون المتناولة من وظيفة جمالية أثرت على معمار الرواية وعلى أبعادها التركيبية والدلالية.
الكلمات المفتاحية : توظيف ، الفنون ، رواية رماد الشرق ، واسيني الأعرج ، الموسيقى ، فنون التمثيل ، الفنون التشكيلية .
تشهد الرواية الجزائرية المعاصرة ظاهرة تداخل وتفاعل بين الخطاب الروائي والفنون بأنواعها اللغوية وغير لغوية ، ومن بين هذه الفنون نذكر:الموسيقى ، الفن التشكيلي ، المسرح ، السينما ، الرقص وفن التصوير …، وهذا التداخل جاء استجابة لمتطلبات الرواية الحداثية أو ما يعرف بالتجريب الروائي فتطور الفنون والخطاب السمعي البصري ، جعل الأدباء يسعون لتوظيف ذلك والاستفادة من التقنيات المختلفة الموظفة من قبل الفنون ، ومن بين الروائيين الجزائريين الذين وظفوا الفنون في أعمالهم نجد : واسيني الأعرج إذ وقع اختيارنا على روايته ” رماد الشرق “، فالقارئ لهذه الرواية يجدها حافلة بمختلف أنواع الفنون كالموسيقى والفن التشكيلي، والرقص وفن التصوير بالإضافة إلى إفادتها من بعض تقنيات السينما والمسرح كالفلاش باك والحوار وحركية المشاهد والمونتاج والكولاج …
فتوظيف واسيني الأعرج للفنون في روايته “رماد الشرق” لم يأت اعتباطيا بل له أسبابه وخلفياته ، إذ ارتأيت أن هذه مسالة مهمة وجديرة بالدراسة ، وهذا ما سأحاول الاجابة عنه من خلال طرح التساؤلات الآتية :
كيف استثمر واسيني الأعرج الفنون في روايته رماد الشرق ؟ وأين تجلى توظيف الفنون في روايته هذه ؟ وما الذي دفعه لهذا ؟ هل هو بحث عن الموضوع أم تقنيات التعبير ؟
ولإجابة على هذه الاسئلة سأتطرق إلى العناصر الآتية :
– البناء الموسيقى للرواية (شعر ، أغنية ، سيمفونية )
– توظيف فنون التمثيل في الرواية (تقنيات السينما، تقنيات المسرح)
– توظيف الفن التشكيلي في الرواية (الرسم ، النحت )
– توظيف فن التصوير في الرواية
– توظيف فن الرقص في الرواية
أولا : البناء الموسيقي للرواية : يتجلى البناء الموسيقي لرواية “رماد الشرق” من خلال توظيفها لعدة أشعار وأغاني و سيمفونية ، إذ تضافرت فيما بينها لتحقق المغزى الجمالي والدلالي الذي أراد الكاتب تضمينه لروايته حيث وظفها كالآتي :
1ــ توظيف الشعر : لقد لجأ “واسيني الأعرج” إلى تطعيم روايته “رماد الشرق” ببعض المقاطع الشعرية إيمانا منه بدور المهم الذي تضفيه هذه المقاطع الشعرية على الرواية ، إذ “يعد تضمين الشعر داخل الرواية شكلا من أشكال التحاور بين الألوان الأدبية ، وهو في الوقت نفسه وسيلة من الوسائل المتعددة التي تكسر رتابة السرد ، كما يمكنها أن تشكل ملمحا ميتاقصيا سواء كانت منسوبة إلى شاعر آخر كشكل من أشكال التناص ، أو شاعر له حضوره الداخلي كشخصية من شخصيات الرواية”[1]
ومن بين الأشعار التي ضمنها واسيني الأعرج روايته مقطع من قصائد سليم الجزائري التي حفظها لاستيفان قبل أن يموت :
ههنا ننسج حرفا لم يقل
وهنا نكتب شعرا لا يطال
هذه أشرعتي مبحرة نحو المحال
ورياحي همسات الوجد لما ليس يقال[2]
هذا إضافة إلى توظيفه لأناشيد الكنيسة نذكر منها :
…المسيح قام من بين الأموات
ووطئ الموت بالموت
ووهب الحياة للذين في القبور…
ناح الحمام على نشت أهليها …
لهفي على أمة قتلت راعيها …[3]
فتوظيف “واسيني الأعرج” لهذه الأشعار لم يكن اعتباطيا بل كان توظيفا لغاية جمالية وخدمة لسياق السردي داخل الرواية ، فهو ” يسبر أغوار اللحظة ويبحر في نسغ التكوين الوجداني للشخصية بما يضئ الموقف ويستشرف آفاقه الآتية ، وهو جزء من البناء الحيوي للرواية أي أنه متداخل مع النسيج الابداعي لها”[4]، هذا إضافة إلى الايقاع أو الرتم الذي تحدثه هذه الأشعار في نفسية المتلقى تكسر بها رتابة السرد .
2ـ توظيف الأغنية : تحرص الأغنية ـ كبعد موسيقي ـ باعتبارها معينا سرديا أو ملفوظا يتوالد نصيا عبر مونتاج سمعي ـ مقروء يهاجم أذاننا بسيل من المؤثرات الصوتية تعمل على مستوى لا وعي السارد، إن الموسيقى / الأغنية توحي بعواطفه الباطنية و تحدد ملامح شخصيته[5]، إذ نجد في رواية رماد الشرق عدة أغاني منها مقطع للمغنية بديعة مصابني:
صح النوم ، ما تقوم يا حبيبي ،
ريق ريقك ع الحليب .
يالبن قشطة وحياة حبك ،
لو داقه العيان ليطيب .[6]
وكذلك وظف الأعرج أغنية أخرى لجون كندر(john kander ) وفريد ايب
Fred Ebb)):
نيويورك …نيويورك …
أخبروا الجميع باني سأرحل اليوم إلى نيويورك ،
زادي،حذائي وحقيبتي مثل الجوال
أريد أن أفتح عيني في مدينة لا تنام (…)
نيو…يوووووووك…[7]
فقد جاءت الأغاني هنا مرافقة للمشاهد السردية وذلك من أجل رغبة الروائي في مضاعفة الحدث الدرامي وتفعيل مجرى السرد ،إذ “يشكل النسق الموسيقي بامتداداته المختلفة ( غناء ، أداء ، لحنا ) رافدا من روافد البناء والمعرفة الروائية ومظاهر الهارمونية :الهارموني هو العلم الموسيقي المختص بالقواعد التي بمقتضاها يتم تحقيق توافق صوتي بين صوتين مختلفين أو أكثر يسمعان في نفس الوقت ،لكل منهما خصائصه الصوتية الخاصة”[8]
3ــ توظيف السيمفونية(Symphony ): تعد السيمفونية “قمة التعبير الموسيقي الذي يرتفع فيه مستوى التعبير إلى مستوى فلسفي يعتمد على تجسيد أصوات الآلات الموسيقية المختلفة ، وإعطائها شخصيات تتناسب مع طبيعة الصوت الذي يصدر منها ، ثم اعطائها أدوارا في النسيج الموسيقي ، فأصبحت السيمفونية عملا يناظر المسرحية أو القصة من حيث أن حوار الممثلين هو الذي يفسر موضوع السيمفونية ويشرحه حوار اللآلات المنفردة أو الممزوجة معا بعناية ، وحرص لتكون كتلا صوتية تتبادل الحوار أو تسمع مندمجة كلها مع بعضها في التعبيرات الصاخبة والانفعالات الدرامية العنيفة مؤدية تركيبات لحنية أو تآلفات صوتية يضعها المؤلف لإحداث المناخ العاطفي أو البطولي وفقا للموضوع أو الموقف”[9]، وهذا ماتجلى في رواية “رماد الشرق” إذ راهن “جاز” على عزف سيمفونية تشهد على الاعدامات والحروب التي عاشها جده على امتداد قرابة قرن من الزمن والتي أنهكت الأمة العربية وكانت وراء ضياع فلسطين ثم الهجرة إلى أمريكا وهو مانجح في تحقيقه بالفعل فقد قدم سيمفونيته التي سماها “رماد الشرق” رفقة صديقته ميترا وأعضاء فرقته الموسيقية في دار أوبرا بروكلين وتتجلى هذا في الفصل الأخير من الرواية المعنون ب: (أصداء الزمن المستعاد) الذي خصصه الكاتب لعزف هذه السيمفونية التي كانت بمثابة حلقة مفقودة في تاريخ الأمة العربية عمل “جاز” على تخليدها وقد قدمها على الشكل التالي :
بريلود افتتاحي
الحركة الأولى : مشانق الربيع الدامي
الحركة الثانية : خيبات ميسلون
الحركة الثالثة : رماد الشرق اليتيم
الحركة الرابعة : شبابيك اليس آيلند
مقطع اختتامي[10]
فقد قدمت السيمفونية في شكل أربع حركات جوهرية مع بريلود افتتاحي ومقطع اختتامي وذلك وفقا لتيمات التي تعالجها وهي : الاعدامات ، الثورة ، مأساة فلسطين، ثم الهجرة إلى أمريكا ، وأخيرا الصمت، حيث أرفقت كل مقطوعة من هذه السيمفونية بمشاهد تترجمها وتعبر عنها .
ثانيا:توظيف فنون التمثيل : ونقصد بفنون التمثيل فني السينما و المسرح إذ أفاد الأعرج من مختلف تقنياتهما كالأتي :
1ــ توظيف تقنيات السينما : لقد حرصت الرواية على الافادة من الفنون السمعية البصرية وبخاصة الفن السينمائي إذ استثمرت بعض تقنياته لتشكيل نسقها السردي والتخيلي ، و”عندما نتأمل مشهد الرواية العربية المعاصرة نجد أن الأسلوب السينمائي قد أخذ يتسلل إليه عبر مجموعة من القنوات بنسب متفاوتة”[11]، إذ أصبحت الرواية توظف مختلف الأساليب السينمائية مثل الفلاش باك والمونتاج والكولاج وحركية المشاهد وهذا ماعمل الأعرج على تحقيقه في روايته التي تلاحمت فيها مختلف هذه التقنيات وهذا ماسنعمل على تتبعه داخل الرواية إذ نجد فيها التقنيات السينمائية الاتية :
الفلاش باك: يعد الفلاش باك من الأساليب السينمائية الأكثر استعمالا في الرواية وهو “استرجاع الماضي سواء كان كشفا أوليا أو مدخلا أو موزعا “[12] ،إذ عمل الأعرج على تلاعب بالزمن من خلال شخصية الجد “بابا شريف” الذي قام باستحضار الزمن الماضي بكل مآسيه ، من ساحات الاعدام التي أعدم فيها الأتراك والده “سليم الجزائري” ورفقاؤه ، إلى الحروب الفاشلة ومعاهدة سايكس بيكو وضياع فلسطين وموت عائلته ولجوئه إلى أمريكا رفقة ابنته مايا فرارا من الموت .
ونلمسه أيضا في استرجاع “جاز” لذكرياته الجملية مع والدته “مايا” المتوفية الشغوفة بحب الرسم ، إذ لم يمنعها مرضها من رفع التحدي ومتابعة موهبتها حيث قام “جاز” باستحضار هذه الذكريات منها: “رأى أنامل أمه الرقيقة وهي تعجن الألوان الصفراء والأجرية والبنفسجية على الرغم من الآلام التي كانت كل يوم تأكل مساحة جديدة من جسدها ، كانت ترسم في الحديقة أو داخل الصالة الواسعة عندما تمنعها الأمطار من متعة الرسم في الخارج”[13] ، وأيضا “كانت كلما أرادت أن ترسم أحاسيسها المرتبكة ، عبرت الجسر العديد من المرات كمن يبحث عن شيء ضيعه ، المكان الوحيد الذي لا يمكن أن تمل من عبوره وهي تكتشف تفاصيله الصغيرة في كل مرة بشكل مخالف المدينة ياجاز ، مثل النهر ، لا نمر عليها مرتين متشابهتين هكذا كانت تقول مايا كلما عبرت الجسر مفتوحة العينين”[14]
ويعد الاستباق أيضا من التقنيات السينمائية إذ نلمسه في قول “مايا” لأبها “جاز” :”عندما تكبر ستضيف لها أراضي أخرى ، بعضها غريب وبعضها منك، وتسكنها لأنها تصير وقتها أرضك وجزيرتك الجميلة التي لن ينافسك فيها أحد … “[15]، وكذلك نجده في قول “جاز” لصديقته ميترا “أنا متأكد أن كلام جدي سيغير لدي الشيء الكثير . أنا أرى بالفعل ما يحدث يمكن أن يتحول إلى أوبرا من الطراز الرفيع أو كوميديا موسيقية ، تخيلي للحظة كوميديا موسيقية في برودوي ؟ ألا يغير هذا نظرة الناس إلى الأشياء السهلة ويدفع بهم على الأقل نحو التفكير قليلا ؟”[16] ، وكذلك قوله أيضا: “في شيء قريب من هذا لم تتضح بعد معالمه بشكل جيد ، كله مرتب على تعامل جدي معنا وعلى مرونة فيليب غلاس . أن أبقى في نفس مسار السيمفونية واستغلال الوسائل السمعية البصرية الحديثة ، شاشة كبيرة مثلا توضع في خلفية الفرقة أو على جوانب تجسد كل المراحل التاريخية التي تضبطها الايقاعات ، أعتقد أن ذلك ممكن من الناحية التقنية . لن يروق طبعا للمدارس الفيلارمونية المغلقة في نيويورك وخارجها ……العمل سيكون مقنعا وكبيرا وأعتقد جميلا كذلك”[17].
وتكمن جمالية توظيف الأعرج لتقنية الفلاش باك في جعل الأزمنة تتداخل والأحداث تتأرجح “بين الحاضر والماضي بكل ما فيه من ذكريات وتجارب وصور”[18] ، إذ تعمل هذه التقنية على تحطيم خطية السرد وتخصيبه بالأحداث الماضية والمتخيلة في الوقت نفسه .
المونتاج : هو”تقنية لجمع مقاطع متناقضة ومتنافرة لتكون في النهاية بنية متناسقة”[19]، وللمونتاج مجموعة من الأساليب التي يسلكها في أدائه فمنها المونتاج القائم على اللقطات المتناقضة ، وهناك المونتاج القائم على التوازي ، وفيه يتم تقديم حدثين متوازيين متداخلين بحيث تقدم اللقطات بالتبادل ، ومن أنواعها المونتاج القائم على أساس التماثل ، وفيه يتم تقديم اللقطات متتابعة يربطها موضوع واحد ، وأخيرا المونتاج القائم على تكرار لقطات معينة الحاحا على فكرة خاصة[20]، والملاحظ من الرواية المدروسة أن الكاتب اعتمد بكثرة على أسلوب المونتاج القائم على التوازي إذ جمع الكاتب بين حدثين متوازيين متداخلين وحرص على تقيم اللقطات بينها بالتناوب ، فقد جمع بين صور عزف السيمفونية في دار أوبرا بروكلين وكيفية أدائها من قبل جاز وصديقته متيرا رفقة أعضاء فرقتهما الموسيقية وبين صور الشاشة الخلفية المصاحبة لهذه السيمفونية بتقديمها صورا من التاريخ الماضي تكون بمثابة ترجمة أو شرح لهذه السيمفونية حيث تجلت هذه التقنية بكثرة في الفصل الأخير من الرواية المعنون ب :(أصداء الزمن المستعاد ) بداية من بريلود الافتتاحي مرورا بحركات الأربعة التي تليه إلى المقطع الاختتامي ،وسأكتفي باستشهاد بالمونتاج المستعمل في البريلود الافتتاحي :
ـــ ارتفع أنين الكمان هادئا ومتموجا . تمايلت ميترا قليلا برأسها ، يمينا ، ثم يسارا ، أغمضت عينيها وتركت أصابعها تنساب داخل نعومة القصبة التي كانت تنزلق بسلاسة على خيوط الكمان … في الخلفية ، ارتسمت على الشاشة في اللحظة نفسها تدفقات نهر هودسون في صور متلاحقة بالأبيض والأسود . أحصنة تركض مذعورة من هدير السفن الحرفية التي تحتل الحواف ، ووجوه لا خيار لها إلا الحرية التي لا حدود لها …تركض الأحصنة نحو رجال سيدتهم الشجاعة والحكمة والغليون الطويل. كانوا محاطين بأقوام لاحصر لها ، …لم يكن النغم مرتبكا ولا متلعثما ، ولكنه كان جميلا كجرح خيبة حب كبير . شعرت ميترا بنفسها تغوص في عمق الألوان …[21]
فقد عكس هذا المقطع من الرواية قدرة الكاتب على تمثل تقنية المونتاج وتحكم في أساليبها باستعماله لأسلوب المونتاج القائم على التوازي أو مايسمى بالمونتاج المتناوب .
الكولاج :أي الالصاق الذي “يعتمد على إعادة تصميم ولصق المزق الخشنة المأخوذة من مادة الحياة الأولية لتدخل في تكوين جمالي جديد ، بحيث يتم مسح ماعلق بمصدرها من بقايا الاستعمال الأول وتوظيفها في السياق الكلي الجديد”[22] إذ لجأ الأعرج إلى المزاوجة بين وحدات السرد الروائي ووحدات التوثيق الصحفي ووظف كذلك الرسائل ووثائق التاريخية ، فالنسبة لتوثيق الصحفي فنجده في المقطع الآتي: “الرحلة رقم 11 اصطدمت بالبرج الشمالي أقلعت من بوسطن . الرحلة 175 التي اخترقت البرج الجنوبي أقلعت هي كذلك من بوسطن … “[23]، أما بالنسبة لتوظيفه الرسائل فقد وظف صور لرسالتين: رسالة بعث بها “الأمير محمد السعيد” “للأمير فيصل” بشأن الوساطة لإنهاء حقن الدماء بين الأتراك والعرب ونجد هذا في (ص 217 )من الرواية ، أما الرسالة الثانية فكانت من “الأمير فيصل” إلى حضرة “جمال باشا” نجد هذا في (ص 219) ، ووظف أيضا مقطع من قصة “الساحرة الفارسية” أخذها من كتاب “الملوك لشهنامة” نذكر منها : “فلما سمعت الساحرة صوته استبشرت وفرحت وقالت : قد ظفرت بصيد ثم تصورت في صورة حورية بيضاء ذات مقلة كحلاء وقامة هيفاء…فاستحالت في الحال في صورة سبع عظيم… “[24]، هذا إضافة إلى تضمينه عدة وثائق تاريخية .
حركية المشاهد : يعد توظيف المشاهد الحافلة بالحركة في الرواية وليدة فن السينما ، إذ حرص الأعرج في سرد أحداث روايته ، على رصد الحركات و الأصوات ضمن مشهد حي يخاطب فينا حاستي السمع و البصر ويضفي على الحدث طابعا دراميا أقرب إلى دينامية السينما منه إلى سكونية الأدب مثل هذه المقاطع من الرواية : ” بدأت الطرقات الواسعة تكتظ بالسيارات وسيارات الاسعاف التي كانت أصواتها تسمع وهي تأتي من أمكنة ليست بعيدة”[25]، ونجده أيضا في :
” كانت سيارات الاسعاف تخترق كل الشوارع بعويلها . والأدخنة تزداد كثافة وثقلا . الناس مثل النمل ، يتجهون في كل الأمكنة. “[26] ، وكذلك في : “بحركة الية سحبت ميترا محفظتها وبحثت عن مفاتيح سيارة شيروكي x44 ، قبل أن تلحق بجاز الذي كان قد وقف عند مدخل الباب الخارجي ليطلب المصعد”[27].
المشاهد التفصيلة: أو ما يعرف “بتقريب الصورة (close-up) له نظائره في القصة كالأوصاف الواقعية في أعمال الطبيعيين الفرنسيين”[28]، إذ اشتغل الأعرج على تقنيات التجريب البصري من خلال تقديمه للشخصيات عبر صور مرئية لغوية ترصد أدق التفاصيل التي تنتاب الشخصية حتى غدت الرواية عند الأعرج “كتابة بالصورة (كالسينما)”[29]، إذ صار القارئ لهذه الرواية يشعر بأنه أمام عدسة كاميرا لا تفلت شيئا من تفاصيل الصورة والصوت والديكور، وكأنها معدة للإخراج والتصوير، يعترضنا مثل هذا كثيرا عند الأعرج حيث الحرص على استيفاء أبعاد المشهد يوحي بوجود نزعة سينمائية ترفد فعل السرد كما نلاحظ في هذه المقاطع :” جلست عائشة في الكرسي الخلفي للسيارة ، بينما استراح بابا شريف بجانب جاز وهو يقفل حزام الأمن”[30]، وأيضا “عندما التفت نحو ميترا كانت شبه غارقة في تأملاتها ، تحتضن من جديد الكمان . كان شعرها يتلألأ تحت ألوان الشمس الصباحية الكثيفة التي انكسرت على مربعات زجاج النافذة المشرعة وهي تحاول أن تستعيد علاقتها بالكمان الذي استعصى بين يديها” [31].
2ــ توظيف تقنيات المسرح : لقد لجأت الرواية المعاصرة إلى استعارة بعض تقنيات فن المسرح واستخدمتها في بنائها منها : الحوار و المونولوج و المشهد والديكور وغيرها ، إذ “يضيف الشكل الممسرح للسرد بعدا جديدا ، إذ أن السرد الذي يقترب من النص المسرحي يعني شيئا أكثر من كونه لغة مشابهة للغة المسرح ، وحسب تحليل ايخنباوم الشكلاني فإننا في السرد المشهدي لا نتلقى الأفعال كأفعال محكية ، وإنما كما لوكانت تتخلق أمامنا على الخشبة”[32] ، وقد عمل الأعرج على تمثل مختلف التقنيات المسرحية في روايته “رماد الشرق” منها :
الحوار المسرحي : يعرف الحوار بأنه “حديث يدور بين إثنين على الأقل ويتناول شتى الموضوعات وهو نمط تواصل : حيث يتبادل ويتعاقب الأشخاص ، على الإرسال والتلقي”[33] ، والملاحظ من المدونة المدروسة أن الأعرج ناوب بين السرد والحوار هذا الأخير الذي وظفه بكثرة خاصة حوار “جاز” مع جده ومع صديقته “ميترا”، وهذا ما سنلاحظه من خلال حوار “جاز” مع صديقته “ميترا”:
ـــ ميترا ؟ تريدين أن نجرب مرة أخرى ؟ المشكلة أن الوقت الذي بين أيدينا يتقلص كل يوم قليلا…
ـــ لا ياجاز . أنت تعرف أحسن مني ، في الموسيقى لا توجد معاودة . كل شيء نقوم به وكأننا نفعله لأول مرة .[34]
ـــ أنت لم تحدثني عن هذا من قبل .
ـــ أنت تعرفين أن قصة جدي في غاية التعقيد ، مسكون بأندلسيته التي ورثتها له جدته.[35]
يمثل الحور في المدونة المدروسة امتداد وتكملة للسرد ” فاستعانة السارد بالحوار تعني الكشف عن الشخصيات وإطلاع القارئ على أفكارها ومزاجها وطبائعها لأنه مرتبط بها ، فضلا عن اسهامه في بنائها، وله دور مهم أيضا في بناء الحدث وتحريكه عن طريق الحوار المتبادل بين الشخصيات”[36] ، فعن طريق حوار إذن تتحقق وظيفتي التواصل والتعبير بين شخصيات المدونة المدروسة .
المونولوج : يعرف المونولوج بأنه “كلام يقع بين الأديب ونفسه أو من ينزله مقام نفسه كربة الشعر أو خيال الحبيبة …ويفرض فيه الإبانة عن الموقف ، والكشف عن خبايا النفس”[37]، وقد تجلى المونولوج بكثرة في هذه الرواية كما تبينه هذه المقاطع : “ردد جاز في أعماقه بحيرة بادية على ملامحه ‹‹ عائشة أخبرتني بأن الطائرة لن تتأخر إلا ربع ساعة . كانت في الطائرة عندما كلمتني لآخر مرة من الموبايل قبل أن تطفئه ، وكانت الطائرة قد أغلقت الأبواب وتستعد لإقلاع ؟ ››”[38]، وأيضا ‹‹ أي عيد ميلاد وسط خراب كهذا بدأنا نخرج من ركامه بصعوبة ؟ تساءل جاز وهو يبحث لها عن مبررات : من يدري ؟ ربما لأنها هي كذلك مأخوذة معي بنفس هاجس السيمفونية التي يجب أن أنتهي منها . هذا وحده كاف لأن يخلق حيرة كبيرة لدى الانسان ويحجر فكره ونباهته المعتادة في دائرة ضيقة هو الأقدر على الاحساس بها. ››[39]
المشهد :تتميز الرواية العربية الجديدة وبما فيها الرواية الجزائرية “بانسياب وتلاحق المشاهد الروائية ، والأحداث فيها تجري متشابكة أمام أعيننا ( وكأننا أمام عرض مسرحي ) “[40] ونمثل للمشهد بهذا المقطع من الرواية :
ـــ أنت مرهق … ما رأيك في كأس شاي ساخنة ؟
ـــ فكرة جيدة . أشكرك .
تناول جاز كأس الشاي بالليمون الذي قدمته له مونيكا . احتسى منه قليلا ، شعر بقوة الحرارة تخترق أمعاءه وبلذة خاصة . فجأة سرى الدفء في كامل جسده .
ـــ أنت متعب ، لم تنم منذ البارحة . من الأفضل أن ترتاح قليلا وإذا حدث أي شيء سأوقظك .
ـــ تمدد بظهره على الكرسي الطويل المخصص لاستراحة الجراحين وعمال المستشفى وغفا قليلا قبل ان يستيقظ على عويل احد الجرحى . “[41]
فقد حوى هذا المقطع إذن عدة مشاهد متتابعة مما حقق سمة العرض المسرحي ومواكبة الحدث الدرامي في هذه الرواية.
ثالثا : توظيف الفن التشكيلي : لقد تنوعت مرجعيات السرد الروائي عند الأعرج في روايته رماد الشرق ففضلا عن توظيفه لعدة الفنون من شعر وموسيقى وسينما ومسرح لجأ إلى استثمار الفنون التشكيلية ،إذ يرى “كونراد” أن الرواية :« كي تحقق ما تصوبوا إليه من تأثير ونجاح ، عليها أن تتعلم من فنون النحت والتصوير والموسيقى كيف تصل إلى الوجدان عن طريق الحواس . باستخدام التشكيل واللون وغيرها»[42] ، وقد راهنت رواية رماد الشرق على محاورة الفن التشكيلي مستفيدة من مختلف تقنياته منها :
1ــ الرسم :تعج الرواية المدروسة بلوحات فنية سردية رسمت بالكلمات إن صح التعبير إذ توحي اليك هذه الكلمات المنتقاة بعناية أن اللوحة التشكيلية مطروحة أمامك وكأنك تراها على صورتها الواقعية ويتجلى ذلك في عدة مقاطع من الرواية إذ اكتفيت باستشهاد بثلاث لوحات وهي :
اللوحة الاولى : “رأى صورة بلون حائل بين الصفرة العميقة واللون الرمادي الباهت . كتب تحتها :فلسطين 15مايو 1948. طفلة تركض في فراغ غير محدود . شعرها المبعثر ينتشر في الهواء ويختبئ قليلا من ابتسامتها .في يدها لعبة صغيرة لم تظهر في الصورة إلا الخيوط التي تقبضها . المؤكد أنها طائرة ورقية”[43]
اللوحة الثانية : “ثم وقف لحظة مع ميترا يتأملان الأضواء الملونة التي كانت تعلن عن سيمفونية رماد الشرق ، لربيع نيويورك الموسيقي . الذي أنجز اللوحة الاشهارية كان حساسا وشاعرا : وجه ميترا المليء بالأنوار وهي تسند رأسها إلى الكمان ،يتمادى حتى الذوبان في حركة جاز الذي لا يظهر إلا جزء جانبي من وجهه ويده اليمنى وهي ترفع القصبة الذهبية التي أحدثت خيطا من النور تشكل فوق رأس ميترا كهالة . في الخلفية البعيدة ، الفرقة الفيلارمونية لأوبرا بروكلين”[44]
اللوحة الثالثة : “وضعت في كل المعابر والمحطات والمطارات وأنفاق الميترو ، في نيويورك نفس اللوحة الإشهارية ، بعنوانها الكبير : سيمفونية رماد الشرق للموسيقي جاز كاليفي . وتحتها كتب بخط ناعم: خريف المائة عام الأخيرة ، سنوات التيه والانكسار والبحث المحموم عن الشرق المسروق”[45]
فقد مارس الأعرج هنا ما يعرف بالرسم بالكلمات شأنه في هذا شأن كتاب الرواية العربية الجديدة الذين “يمارسون الرسم بالكلمات مستخدمين الجانب التقني للوحة ( الإطار ، الخلفية ، المشهد ، المرسوم داخل اللوحة ، الكولاج ، الألوان المعبرة والموحية …الخ ) فرواياتهم تطفح بهذه العلاقة بين الصورة واللغة ، مما يجعلها لوحات سردية تتفاعل فيها الكلمة والصورة واللوحة تتشارك في بلورة وعي بصري جديد . لقد اقترن التشكيل والرسم بالسرد وعانقه ليحرره من سلطة الانغلاق رغم اختلاف لغتهما”[46]، فملاحظ إذن أن رواية رماد الشرق تمثل نموذجا لتلاقح فنين وتشابك آلياتهما : الرسم بالكلمات والرسم بالفرشاة ، فثقافة الكاتب التشكيلية مكنته من ملامسة جمالية هذا التلاقح .
2 ــ النحت : يعد النحت “فرعاً من فروع الفنون المرئية وفي نفس الوقت أحد أنواع الفنون التشكيلية”[47]، و “يرتكز هذا الفن على تكوين مجسمات بأبعاد ثلاثية، وتتم ممارسته على المعادن ، والصخور ، والخشب والسيراميك ، ومواد أخرى متنوعة”[48]، و قد استثمر الكاتب فن النحت في روايته المدروسة من خلال وصفه لمنحوتات المدينة من : بنايات وأقواس الأسواق ومدخل الفنون ومنحوتات الكسندر كالدير ، وكذلك النحوت التي على الطاولات ويظهر هذا في عدة مقاطع من الرواية منها: “بعض بنايات المدينة ، أقواس الأسواق ، ضيق طرقاتها ، بعض ممراتها وحاراتها وحتى مدخل الفنون بأعمدته الستة ، الذي يحتضن لوحات رونوار ومنحوتات الكسندر كالدير ومجموعة الفنون الزجاجية ، تبين أن قليلا من عطر الأندلس قد وصل إلى هنا وعبر هذه الشوارع الضيقة”[49] ، وأيضا “الطاولات المعشقة بزجاج دمشق وماس الخليج وخشب جزيرة كريت؟”[50]
رابعا: فنّ التصوير: وهو أحد أهم الفنون الجميلة الحديثة، والتي تتمثّل في التقاط لحظاتٍ مُعيّنة تشمل مناظر وظواهر طبيعية أو بشر أو حيوانات؛ إذ يستخدم المصوّر كاميرته لإلتقاط وتجسيد لحظات جميلة يعيشها، وبطريقة فنية[51]،إذ استثمر الأعرج تقنيات هذا الفن وتتمثل في استعماله لتقنية الصورة من خلال عرض باب شريف لعدد من الصور الفوتوغرافية كانت بحوزته ، لحفيده جاز منها : “أخرج صورة كانت لأمه : ماما صفية : امرأة جميلة ترتسم على محياها ابتسامة ساخرة كان من الصعب عليها كتمها . ووجهها مشرق كوجه الروسيات شرق آسيا . شعر كثيف وملامح واضحة ودقيقة وعينان غارقتان في الكحل والسواد . “[52]، وأيضا صورة أخرى ل”جمع من البشر يتقدمهم رجل بشاربين طويلين وطربوش وعصا يتكأ عليها بيسراه وفي يده الأخرى بقايا سيجارة ، وفي الخلفية رجال أشبه بالروس القوقازيين ، إلى جانبهم الأيمن رجل انجليزي بقبعته ولباسه القصير وحذائه الطويل وأخر في الخلفية يستند إلى بندقية ذات ماسورة طويلة. في الخلفية بعيدة قليلا ، يرفرف علم أبيض… “[53] ، فقد أحسن الكاتب تمثل هذه التقنية بحيث أنه نقل للمتلقي الصور بلغة فنية جميلة وكأنه يشاهد هذه الصور حقيقة أمام عينيه .
خامسا: توظيف فن الرقص: يعد الرقص في أبسط تعريفاته ذلك “التنسيق المبدع بين الحركة والإيقاع ، إنه حركة الجسد وهو ينظم الفضاء ويعطي ايقاعا للزمن في وحدة منسجمة مع طبيعته التكوينية”[54] ، ولقد عد الرقص “وسيلة من وسائل الابداع إذ تكمن فيه تقاليد الشعوب ولغتهم الفنية وتراثهم الموسيقي وشعورهم الجمعي ، لذلك كان البعد الروحي والجمالي من أهم أبعاد الرقص”[55]، وهناك أنواع كثيرة للرقص ” تؤدّى بشكل فردي أو ثنائي أو يؤدّونها مجموعة من الأشخاص ومن هذه الأنواع رقص الباليه، والتانغو، والسالسا، والشرقي والتعبيري الإيمائي”[56].
وملاحظ من الرواية المدروسة أن “الأعرج” ذو ثقافة عالمية مكنته من محاورة تقنيات رقصة التانغو الأرجنتينية التي لها تقاليدها الخاصة إذ نلمسها في الرقصة التي أدتها ميترا مع صديقها جاز في سهرة عيد ميلاده وتجلى هذا في الرواية من خلال المقطع التالي : ” مدت له يدها اليمنى فاحتضنها في عمق يده اليسري ، كعصفور هارب ، وعندما قبضت قليلا بيدها اليسرى على ذراعه الأيمن ، كان يمد هو كفه مفتوحة عن آخرها على ظهرها العاري . سحبها قليلا نحوه …تذكر حركة الايقاع خطا خطوة نحو الجهة اليمنى مع التفات خفيف باتجاه اليسار في آخر الحركة الثالثة ليترك رجله تتمادى بين حافتي ساقيها وبين اللباس المنفتح حتى الأعلى . وقبل أن يستقر على الوضع تنسحب هي في حركة شبه مماثلة ، ترفع قدمها اليمنى …ثم تنسحب قليلا إلى الوراء ، تتحرر قبل أن تعود إلى نفس وضعية الأسر . ضغط جاز على الأرضية ، توازن قليلا ، ثم سحبها نحوه ن وقبل أن تصل إليه تتراجع قليلا بشراسة ثم تنسحب قليلا إلى الوراء ، تتحرر قبل أن تعود إلى نفس وضعية الأسر . ضغط جاز على الأرضية ، توازن قليلا ، ثم سحبها نحوه …ثم تنسحب دون أن تترك رؤوس أصابع يده اليمنى التي شدت عليها بقوة … “[57]، فقد خصص الكاتب أكثر من صفحة في وصف طريقة رقص التانغو، وبهذا “انتقلت اللغة من وظيفتها السمعية لتنزاح إلى الوظيفة البصرية لتسهم في تقديم الصور الحركية التي يضطلع بها الرقص “[58] .
وقد استثمره الأعرج في بناء نصه السردي بصورة مباشرة بذكر فعل الرقص وتجسيد الحركات والأفعال التي تقوم عليها رقصة التانغو من البداية حتى النهاية وهذا ماتجسد كما رأينا في رقصة “جاز” وصديقته “ميترا”.
وختاما يمكن القول أن رواية “رماد الشرق” ” لواسيني الأعرج” قد انفتحت على عدة فنون هي : فن الموسيقى وفن السينما وفن المسرح والفن التشكيلي وفن التصوير وفن الرقص ، إذ حاورتها وأفادت من تقنياتها المختلفة ، زيادة على انتقاء الروائي لشخصيات فنانة مثل “جاز” وصديقته “ميترا” الموسيقيين وأمه”مايا” الرسامة ، وكذلك تضمينه لعدد من الفنانين ومختلف الآلات الموسيقية والمسارح ودار الأوبرا ، وبهذا كان توظيف الفنون في رواية رماد الشرق بحثا عن الموضوع بحكم أنها تتناول قضية فنان راهن على عزف سيمفونية تحاكي تاريخ جده من جهة ، ومن جهة أخرى هو تقنيات تعبير فرضتها متطلبات الرواية الحداثية أو مايعرف التجريب الروائي الذي فتح المجال واسعا أمام الرواية فكانت بهذا ملتقى لجميع الخطابات والفنون .
مصادر البحث ومراجعه :
المصادر :
واسيني الأعرج :
ـ رواية رماد الشرق ، ج1 ، ط1 ، منشورات الجمل ، بيروت ـ لبنان ، 2013
ـ رواية رماد الشرق ، ج2 ، ط1 ، منشورات الجمل ، بيروت ـ لبنان ، 2013
المراجع :
ـ أ.أ. مندلاو ،الزمن والرواية ، تر: بكر عباس ، مراجعة : احسان عباس ، ط1 ،دار صادر ، بيروت ـ لبنان ، 1997.
ـ بشرى البستاني :
1 ـ في الريادة والفن (قراءة في شعر شاذل طاقة ) ، ط1 ،دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ، عمان ـ الاردن ، 2010 .
2 ـ وحدة الابداع وحوارية الفنون ، ط1 ،دار فضاءات للنشر والتوزيع ،عمان ـ الأردن ،2015.
ــ جبور عبد النور ، المعجم الأدبي ، ط2 ، دار العلم للملايين ، بيروت ـ لبنان 1984.
ـ حسن لشكر : الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، دط ، مجلة العربية، الرياض ـ المملكة العربية السعودية ،1431 ه .
ـ صلاح فضل ، أساليب السرد في الرواية العربية ، ط1 ، دار المدى للثقافة والنشر ، دمشق ـ سوريا ،2003 .
ـ عطا عدي ، أثر توظيف الحدث التاريخي في صياغة السيناريو و صناعة الفيلم السينمائي، ط1، دار البداية، الأردن،2011.
ــ فخري صالح ، في الرواية العربية الجديدة ، ط1 ، الدار العربية للعلوم ناشرون ،
بيروت ـ لبنان 2009.
ــ فاتن غانم ، تداخل الفنون في الخطاب النسوي شعر بشرى البستاني نموذجا ، ط1،
دار فضاءات للنشر والتوزيع ، عمان ـ الاردن ، 2015 .
ــ محمد حمد ، الميتاقص في الرواية العربية (مرايا السرد النرجسي ) ،ط1، مجمع القاسيمي للغة العربية وآدابها ، أكاديمية القاسيمي (ج م )، باقة الغربية ، 2011.
ـ محمد صالح السنطي ، تداخل الأنواع في الرواية الأردنية ، مؤتمر النقد الدولي الثاني عشر (تداخل الأنواع الأدبية ) ، دط ،جامعة اليرموك ،مؤسسة عبد الحميد شومان ، عمان ـ الأردن ، مجلد 2، 22/24 تموز2008.
المواقع الالكترونية :
ــ فاطمة القضاة ، تعريف الفنون الجميلة ،http://mawdoo3.com ، 28 يناير 2016
ــ هايل الجازي ، تعريف النحت ، http://mawdoo3.com ، تاريخ النشر 18 يناير 2016
ــ ويكبيديا الموسوعة الحرة ، نحت / https://ar.wikipedia.org/wiki
[1]ـ ينظر : محمد حمد ، الميتاقص في الرواية العربية (مرايا السرد النرجسي ) ،ط1، مجمع القاسيمي للغة العربية وآدابها ، أكاديمية القاسيمي (ج م )، باقة الغربية ، 2011، ص 140
[2]ـ واسيني الأعرج ، رواية رماد الشرق ،ج2 ، ط1 ، منشورات الجمل ، بيروت ـ لبنان ،2013 ، ص85
[3]ـ رواية رماد الشرق ، ج 2 ، ص 182
[4]ـ محمد صالح السنطي ، تداخل الانواع في الرواية الاردنية ، مؤتمر النقد الدولي الثاني عشر (تداخل الأنواع الأدبية ) ، دط ،جامعة اليرموك ،مؤسسة عبد الحميد شومان ، عمان ـ الاردن ، 22/24 تموز2008،
مجلد 2،ص 71
[5]ـ ينظر :حسن لشكر ، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، دط ، مجلة العربية ،الرياض ـ المملكة العربية السعودية ،1431 ه ، ص 98
[6]ـ رواية رماد الشرق ، ج 2 ، ص 43
[7]ـ رواية رماد الشرق ، ج 1 ، ص 96
[8]ـ حسن لشكر ، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، ص 105
[9]ـ المرجع نفسه ،ص 75
[10]ـ رواية رماد الشرق ، ج2 ، ص 286
[11] ـ صلاح فضل ، أساليب السرد في الرواية العربية ، ط1 ، دار المدى للثقافة والنشر ، دمشق ـ سوريا ،2003، ص195
[12]ـ أ.أ. مندلاو ، الزمن والرواية ، تر: بكر عباس ، مراجعة : احسان عباس ، ط1 ، دار صادر ، بيروت ـ لبنان ، 1997، ص 67
[13]ـ واسيني الأعرج ، رواية رماد الشرق ، ج1، ط1 ، منشورات الجمل ، بيروت ـ لبنان ، 2013 ، ص 14
[14]ـ المرجع نفسه ، ص 64
[15] ـ المرجع نفسه ، ص 71
[16] ـ المرجع نفسه ، 79
[17]ـ رواية رماد الشرق ، ج1 ، ص 83، 84
[18]عطا. عدي ، أثر توظيف الحدث التاريخي في صياغة السيناريو و صناعة الفلم السينمائي، ط1، دار البداية، الأردن، ، 2011، ص.129
[19]ـ حسن لشكر ، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ،ص 13 ،14
[20] ـ ينظر:بشرى البستاني ، وحدة الابداع وحوارية الفنون ، ط1 ، دار فضاءات للنشر والتوزيع ،عمان ـ الأردن، 2015، ص 27
[21]ـ رواية رماد الشرق ، ج2 ، ص 395، 396
[22]ـ صلاح فضل ، أساليب السرد في الرواية العربية المعاصرة ، ص 212
[23]ـ رواية رماد الشرق ، ج1 ، ص 21
[24]ـ المرجع نفسه ، ص 57
[25] ـ رواية رماد الشرق ،ج1 ، ص 20
[26] ـ المرجع نفسه ، ص 23
[27] ـ المرجع نفسه ، ص 25
[28] ـ أ.أ. مندلاو ، الزمن والرواية ، ص 67
[29] ـ حسن لشكر ، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، ص 33
[30]ـ رواية رماد الشرق ، ج2 ، ص 380
[31]ـ رواية رماد الشرق ، ج 1، ص 18
[32] ـ فخري صالح ، في الرواية العربية الجديدة ، ط1 ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ـ لبنان 2009 ، ص 121
[33] ـ فاتن غانم ، تداخل الفنون في الخطاب النسوي شعر بشرى البستاني نموذجا ، ط1، دار فضاءات للنشر والتوزيع ، عمان ـ الاردن ، 2015 ، ص 175
[34]ـ رواية رماد الشرق ، ج1 ، ص 18
[35] ـ المرجع نفسه ، ص 105
[36] ـ فاتن غانم ، المرجع نفسه ، ص 175ـ 176
[37] ـ جبور عبد النور ، المعجم الأدبي ، ط2 ، دار العلم للملايين ، لبنان ـ بيروت ، 1984، ص100
[38]ـ رواية رماد الشرق ، ج2 ، ص 376، 377
[39] ـ رواية رماد الشرق ، ج1 ، ص 80
[40] ـ حسن لشكر، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، ص 183
[41]ـ رواية رماد الشرق ، ج 1 ، ص 35
[42]ـ حسن لشكر، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، ص 108
[43]ـ رواية رماد الشرق ، ج1 ، ص 68
[44]ـ رواية رماد الشرق ، ج 2 ، ص 352
[45]ـ المرجع نفسه ، ص 353
[46]ـ حسن لشكر ، الرواية العربية والفنون السمعية البصرية ، ص 142
[47] ـ ويكبيديا الموسوعة الحرة ، نحت / https://ar.wikipedia.org/wiki
[48]ـ هايل الجازي ، تعريف النحت / http://mawdoo3.com ،تاريخ النشر 18 يناير 2016
[49]ـ رواية رماد الشرق ، ج 1 ، ص 106
[50]ـ المرجع نفسه ، ص 263
[51] ـ ينظر :فاطمة القضاة ، تعريف الفنون الجميلة / http://mawdoo3.com ، تاريخ النشر 28 يناير 2016
[52]ـ رواية رماد الشرق ، ج2 ، ص 18
[53] ـ المرجع نفسه ، ص 18 ،19
[54]ـ بشرى البستاني ، في الريادة والفن (قراءة في شعر شاذل طاقة ) ، ط1 ، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ، عمان ، ط1 ، 2010 ، ص 122
[55] ـ فاتن غانم ، تداخل الفنون في الخطاب النسوي ، ص 354
[56] فاطمة القضاة ، تعريف الفنون الجميلة ،http://mawdoo3.com ، 28 يناير 2016
[57] رماد الشرق ، ص 85 ،86
[58] ـ فاتن غانم ، المرجع نفسه ص 354