
الآراء النقدية بين الأدب واللغة في كتابي ” البيان والتبيين“ و“الكامل في اللغة والأدب“
د . قاسم قادة بن طيّب، قسم اللغة العربية معهد الآداب واللغات
المركز الجامعي أحمد بن يحي الونشريسي– تيسمسيلت – الجزائر
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 45 الصفحة 83.
ملخص
في بحثي هذا تتبعتُ ما جاء من أراء نقدية في كتابين من أُمّهات كتب الأدب الأرْبعة : “ البيان والتّبيين ” للجاحظ و ” الكامل في اللّغة والأدب “ للمبرّد مبيّنا أهمية الفعل المنجز من قبل المؤلفين، وما له من أثر ترقوي على مستوى الفكر واللغة العربية من جهة، وعلى مستوى القارئ لهما من جهة أخرى .
لقد ركّزت على الجانب الإجرائي من خلال البحث والتّنقيب على عيّنة من الأمثلة النقدية والتّطبيق عليها، مُستهلاّ ذلك بما جاء من نقد أدبي في كتاب البيان والتّبيين، ثمّ ما جاء من نقد لُغوي في كتاب الكامل، بين النّقدين : الأدبي، واللّغوي وقفت متسائلا تارة، ومُجيبا تارة أخرى عن فحوى ومضمون العملية النّقدية والمنهج المعتمد .
إنّ تتبّعي لنماذج من النقد الأدبي واللّغوي من الكتابين، وحرصي على تصنيف الأمثلة التي وقفت عليها، وضبطها، وتحليلها قد يعمل على تمكين القارئ من استنباط أثر المظهرين النقديين في الكتابين، وما لهما من أثر في ترقية الذّوق الأدبي السليم، واللّغوي الصّحيح.
الكلمات الدّالّة : النّقد الأدبي – النّقد اللغوي – كتاب “البيان والتبيين“ – كتاب “الكامل“ في اللغة والأدب – التّصنيف – المنهج –
مقدّمة
من المؤلفات التي نقرؤها، وتبقى قراءتنا لها حيّة باقية معنا، تلك التي تثير فينا شيئا من الاهتمام، وتأخذ بأيدينا إلى تمحيص القضايا المطروحة هي تلك التي يلجأ أصحابها إلى جمع معارف أدبية في مجالات مختلفة مع غربلة قضاياه المطروحة بشيء من الدّقة والعلمية، الأمرُ الذي يجعل من مثل هذه الكتابات حقلا معرفيا خصْبا يُمكن البحث في أجوائه .
مثل هذا المظهر نقف عليه في كثير من المؤلفات الأدبية، واللّغوية ذات الصّلة بالتّراث العربي القديم، حيث دأب مؤلفوها إلى اعتماد التعقيب على ما تمّ جمعه من نصوص أدبية، ولعلّ خير دليل على هذا التّوجّه ما يقف عليه القارئ في كتابي ” البيان والتبيين“ للجاحظ و “ الكامل“ في اللغة والأدب للمبرّد، من تعقيبات نقدية قد تعمل على توضيح الرّؤى للنّصوص المعقّب عليها، كما تأخذ بيد القارئ وتعمل على توجيهه أدبياً، ولغوياً.
لقد حرصا الجاحظ في كتابه ” البيان والتبيين“، والمبرّد في كتابه “الكامل“ في اللغة والأدب إلى التّعامل مع النّصوص الأدبية بشيء من التعليق عليها من الوجهة الأدبية، واللّسانية اللّغوية، وفي بحثي هذا حاولت أنْ أُجِيب على الإشكال التالي :
- هل ما اعْتمدَه الجاحظ، والمبرّد كتعقيب أدبي، ولُغوي على النّصوص الأدبية يدخل في إطار النّقد الأدبي واللُّغوي؟
ومن الأسئلة التي يمكن أن تدخل ضمن إطار إشكالية بحثنا هذا ما يلي :
- ما طبيعة النّقد الأدبي، واللّغوي المعتمَد في كتابي “البيان والتبيين“ للجاحظ، و “الكامل“ للمبرّد ؟
- هل تناولُ الكاتبين للقضايا الأدبية ونقدها من الوجهة الأدبية، واللغوية بمثابة مظهرين سارا عليهما في مؤلّفَيْهما ؟
- إلى أيّ مدى يمكن اعتبار المنجَز النقدي الأدبي، واللغوي للنّصوص والفقرات الأدبية رافدا لهذين الكتابين؟
- كيف يمكن لقارئ ” البيان والتبيين ” و “ الكامل“ التعرّف على المظاهر النقدية المعتمَدة من الكاتبين ؟
- هل لهذا المنحى شيء من التأثير على القارئ في ترقية حسّه الأدبي، واللّغوي ؟
مثل هذا الطّرح جدير بالبحث والتنقيب، ومن هنا تأتي دراستنا التي نَتوسّم فيها طابع الجدّة، حيث سنبْحث وباختصار في كتابي “البيان والتبيين“ للجاحظ، و“الكامل“ للمبرّد، كما سنبحث عن النقد الأدبي واللغوي، لنصل بعد ذلك إلى استنباط بعض الظواهر النّقدية الأدبية، واللّغوية الصّريحة الواردة في الكتابين، والتّعليق عليها- كلّما اقتضى الأمر ذلك -ولقد ناسبنا في دراستنا هذه المنهج الوصفي.
المبحث الأوّل : بين كتابي ” البيان والتبيين“ للجاحظ و” الكامل“ للمبرّد
ممّا يقف عليه القارئ في شأن مواصفات الكُتب وبيان قيمتها ما أوْردَه ابن خلدون في المقدّمة التي بيّن فيها أهمّ كُتب الأدب في قوله : ” وسمِعنا من شيوخنا في مجلس التعليم أنّ أصول هذا الفنّ وأركانه أربعة دواوين، وهي : “أدب الكاتب“ لابن قتيبة، وكتاب “الكامل“ للمبرّد، وكتاب “البيان والتبيين“ للجاحظ، وكتاب “النوادر“ لأبي علي القالي البغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتَبعٌ لها، وفروع عنها،” ([1]) ومحاولة منّا في تسليط الضوء على الجوانب النّقدية المتَضَمّنة في كتابي “البيان والتبيين“ للجاحظ، و“الكامل“ في اللغة والأدب للمبرّد تأتي دراستنا هذه للوقوف على مظهرين مختلفين من النّقد أحدهما يتّصل بالنّقد الأدبي، والثاني بالنّقد اللغوي، وباجتماعهما في بحثنا هذا نكون قد وقفنا على تميّز مثل هذه الكتب نتيجة تجاوز اعتماد أصحابها على الجمع والوقوف على الكثير من المظاهر النّقدية التي تعمل على تنوير للقارئ .
أ – “البيان والتبيين“ للجاحظ بين الماهية والتعريف
كثيرة هي المؤلفات التي ألّفها الجاحظ، ([2]) ولعلّ أشهرها البيان والتبيين ([3]) ويخطئ مَن يحكم على هذا المؤلّف باكتفاء صاحبه على جمع المادة، إذ لا يُعقل أن ينال شُهرته بفعل الجمع فَحسْب، ولعلّ لِلقراءة الواسعة الأثر الكبير في إكسابه فكرا فاحصا، الأمر الذي ترتّب عليه أن يقف أمام الكثير من القضايا الأدبية الفكرية موْقف المقَوّم الناقد لها .
بهذا الفهم لمنحى الكتابة والتأليف عند الجاحظ يمكن لنا مُوافقة ما توصّل إليه بعض الباحثين الذين خصّوا مؤلفاته بالبحث والتّنقيب، فمنهم مَن أقرّ ” بنقل الجاحظ لموضوع الأدب من معناه الضيّق المحدود إلى أوسع معنى، فجعله شاملا لكلّ شيء، جعله الحياة كلّها، فالحياة عنده هي مادّته، وهي موضوعه، فكان الأدب في رأيه هو الحياة نفسها، أو تعبيرا عنها، مرّة تصويرا لها، ومرّة نقدا وتوجيها،” ([4]) وبهذا الاستنباط يكون الجاحظ قد ميّز بنظرته لمفهوم الأدب الذي ينبغي أن يكون مُتضمّنا لتصوير الواقع مع نقده وتوجيهه .
ب – “الكامل“ في اللغة والأدب للمبرّد بين الماهية والتعريف
كتاب ” الكامل ” ([5]) من أشهر ما ألّفه المبرّد، ([6]) ولقد تخيّر صاحبه في مُصنّفه هذا أقوال العرب من الشعر والنثر، ولم يتوقف عند عملية الجمع بل راح يُعقّب على ما جمعه من النّصوص إمّا شارحا، أو مُبيّنا ما فيها من فوائد لُغوية، كما اهتمّ فيها ببيان المشكلات اللّغوية، والنّحوية المستنبطة من تلك النّصوص .
وهو بهذا التعريف لمضمون كتابه يكون قد ضمّنه مُزاوجة فعلية بين ما اسْتحْسنه من مأثور القول، وما قام بتفسيره، وشرحه حتى يجعل من كتابه هذا سهل التّناول، وبذلك يضمَن استغناء القارئ عن الاحتماء بغيره من الكتب في معرفة مضمونه .
مِن الباحثين مَن أثبت انتماء المبرّد إلى مدرسة البصرة من خلال القضايا النحوية التي طرحها في كتابه الكامل، “وكشفت القضايا النحوية التي طرحها في مُصنّفه هذا عن مقدرة لغوية ونحوية وأدبية تمتّع بها، فاستحق أن يكون إمام العربية في بغداد وإمام نحاة البصرة في زمانه،” ([7]) الأمر الذي جعل الكثير من العلماء يشهدون له بالمكانة العلمية، وقد وصفه الخطيب البغدادي بأنه “شيخ أهل النحو، وحافظ علم العربية … وكان عالمِاً فاضلا موثوقا في الرواية، حُسن المحاضرة، مليح الأخبار، كثير النوادر”، ([8]) ومن أشهر ما خلّفه المبرّد بالإضافة إلى كتابه الكامل: كتاب الأمالي- الفاضل- المقتضب- شرح لامية العرب – ما اتّفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد- المذكر والمؤنث…
المبحث الثاني : بين النقد الأدبي والنّقد اللغوي
أ – النقد الأدبي
قد لا نختلف في شأن تنوّع الفعل النّقدي، إلاّ أنّ تركيزنا على النّقد الأدبي عن غيره من الأفعال النّقدية الأخرى إنّما أردناه ليخدم المقام المتضمّن في كتاب “البيان والتبيين“، وإنّ هذا التّوجّه في الحركة النّقدية يُفضي إلى شيء من الفحص والتّمحيص لقضايا الأدب والفكر المطروحة في الكتاب، وهو ما ينتج عنه تنوير القارئ، وتنبيهه لما قد يخفى عنه، ومن هذه المسلّمة دعا بعض الباحثين إلى وجوب ” العمل على فعالية النقد الثقافي انطلاقا من النقد الأدبي، وعبر أدواته التي حازت على ثقتنا بعدما أخضعناها للمعايير المعروفة عالميا، ولا شك بأنّه بات للنّقد الأدبي في بلادنا العربية من الحضور والسّمعة ما يؤكّد على أهميته في حياتنا الثقافية والأدبية، ” ([9] ) وقد يرجع الفضل في ذلك للسابقين الأوّلين من الأدباء والناقدين الذين عملوا على ترسيخ نهجه في مؤلفاتهم عبر الزمن .
إنّ الذي ينبغي أن نتفق عليه هو أنّ” النقد الأدبي لا يمكن أن يكون علما، وكلّ ما يمكن هو أن نستعين عليه أحيانا بطرق العلم في يسر ورفق وهوادة وأناة، من الممكن أن نخوض في النّقد بطرق العلم، ولكن بشروط :
1 – أن يكون النّاقد ضليعا في اللغة، واسع الاطّلاع في الأدب والأخبار…
2 – أن تكون عنده ملكة النّقد وذوقه الفنّي … ” ([10]) وبذلك يمكن أن نقف على ما يخدم الفعل النّقدي المتميّز نتيجة عدم تقيّد الناقد في هذا المجال بالضوابط العلمية التي تصبح موجّهة لعمله النقدي، وقد أكّد ذلك البحث في المجال حيث أثبت أنّ التعليق على العمل الأدبي في عمومه يعتمد على” القواعد والقياسات والصيغ المقنّنة، واستنادا إلى سامي الأعمال الماضية وأرقاها وفي الطريق المعهودة، وباسم الذّوق والمعقول والنزول إلى مستوى القارئ البسيط، ” ([11]) يمكن للعمل النقدي الأدبي أن يُفيد القارئ، ويوجّه قراءته إلى ما هو أسمى .
ب – النقد اللغوي
من موضوعات النّقد ما له ارتباط بالعناصر اللغوية، حيث يسعى أصحاب هذا الاتّجاه إلى التّركيز على ما هو لُغوي محض، وهو بذلك يتتبّع النّصوص الأدبية من حيث بنيتها، وتركيبها اللّغوي، فالناقد اللغوي لا يعنى بجو القصيدة وخيال الشاعر بقدر عنايته بلغته، ومتابعة مواطن أخطائه، والتّحقّق من صحة استعمالاته في اللّغة والنحو والصرف، ([12]) فالمجال النقدي في هذا الاتّجاه فضاؤه اللّغة، وما يتّصل بها، وهي في نظر ابن خلدون”عبارة المتكلم عن مقصوده ،”([13]) وإذا أردنا أن نُحدّد مفهوم ” عبارة المتكلّم “ بصورة دقيقة، فما علينا إلاّ أن نتمثل كلّ ما يدخل في بناء الجمل المتواصل بها بين المتكلّم والمستقبل، سواء أكانت بِنيات مُستقلة : أسماء – أفعال – أدوات – حروف ..أم مُركّبة جمل اسمية – فعلية -.. والناقد في هذا المجال لا يتعدّى تقويمه الضوابط اللّغوية للنّصّ الأدبي .
إنّ من تعريفات اللّغة التي التفت إليها الدّرس اللّساني المعاصر ما وقفنا عليه في كتاب مبادئ اللسانيات البنيوية حيث اعتبرها ” مجموعة من العلاقات والقوانين تحكم مجموعة العناصر المنتظمة في تناسق، وأنها نظام من العلامات لا قيمة لوحداتها وسائر مكوناتها إلاّ بالعلاقات القائمة فيما بينها،” ([14]) ومن هذا المنحى يمكن اعتبار اللغة جملة من المستويات: “ دلالي – نحوي – صوتي – صرفي “، وهي في تآلفها فيما بينها تؤدّي إلى نسق جُملي مُتكامل، ومن هذا المنظور فإنّ فعل النقد للّغة لا يتجاوز هذا الفضاء، وهو بذلك يُمثل الميزان والحكم، وبتفصيل آخر هو منهج تُدعمّه نظريات تتناول مدارس، أو أدباء، أو خصومات بالمناقشة للتبصير بمناقبها من جمال وقبح، “([15]) فتقوّم بذلك الأعمال الأدبية، وتتّضح للقارئ جماليات، ونقائص ما في نصوصها .
إنّ الذي ينبغي أن نُشير إليه هنا هو أنّ فعل النّقد اللّغوي المنجز من الناقد ينبغي بالإضافة إلى إلمامه باللغة أن يكون مُبدعا؛ لأنّ ” المعرفة التي يملكها النحوي، أو اللغوي لا تصنع الناقد اللغوي، ” ([16]) بل لا بُدّ من أن يكون على درجة من الإلمام بعناصر أخرى كتقنيات تجعل منه فعلا ناقداً، وإذا سلّمنا باهتمام النّقد اللّغوي إلاّ بما هو فعلا يتّصل باللّغة، فإنّ ما يصدرُ من النّاقد في هذا المجال يكون مشدودا بمعالم وضوابط تجعل من أحكامه تقترب إلى الموضوعية خاصّة حينما يقف على محاولات الأديب، أو الكاتب الداعية إلى التّجاوز والتّطاول عن القاعدة اللّغوية، فالنّاقد من هذا المنظور هو فعلا ” الناقد المحايد الذي لا تسمح له ثقافته بأن تتأرجح به الأهواء، ويضع في تقديره طبيعة العمل المنفرد، “ ([17]) وهو بهذا المسعى يعمل على تصويب ما وقع فيه الشاعر من تجاوز، ولا يبالي بما تدعو إليه الضرورة الشعرية التي تفرضها العناصر الشعرية .
إنّه حينما يسعى النقد اللغوي بتقويماته الموضوعية الدّاعية إلى تصويب العناصر اللغوية في النّصوص الأدبية، يُصبح الأديب على درجة من الاهتمام بكلّ ما يتّصل باللّغة، وعندئذ يصدر منه إنتاج أدبي أقلّ ما نقول عنه إنّه سليم من الناحية اللّغوية، “وإذا كان الشعر ذاتيا، يُصوّر تجربة ذاتية للشاعر يختصّ بها، ولها سماتها ومعالمها التي تخصّه وحده، فإنّ على الشّاعر أن يتّخذ هذه التّجربة الذّاتية موضوع تأمّله يُحكّم فيها عقله، وينفُذُ فيها ببصيرته ويعرضها على تفكيره، ليقبل منها ما يرضاه عقله، ويرفض منها ما لا يرضاه، ” ([18]) سواء أتعلق ذلك بالفكرة التي عالجها، أم بالمبنى الذي يحملها، قد تقف أمام الشاعر ” صعوبة في التّعبير عن الحالة الدّاخلية، ونقل ذلك الغيب النفسي من الشعور إلى حيّز الشّكل في الألفاظ والصّور .” ([19])
مثل هذا العائق يسعى النقد اللغوي إلى تذليله، وتصويبه بُغية إفادة القارئ وإبعاد كلّ خلل، أو خطأ في البنية اللغوية، باعتبار ” أنّ الرّموز اللّغوية كلّها تكون بغير معنى إلاّ إذا وضع الرّمز في قضيّة، لماذا ؟ لأنّ قوام العالم الخارجي هو كائناته الجزئية وهي مُجتمعة بعضها مع بعض في وقائع، والواقعة الواحدة لا تُصوّرها إلاّ جملة تكون كلماتها مقابلة للجزئيات التي هي أطراف الواقعة، “ ([20]) والبحث في النقد اللّغوي يتتبّع النّصوص الأدبية من حيث تشكيلاتها اللّغوية في إفرادها وتركيبها مُريدا بذلك تصويبها وتصحيح أخطائها.
مهما كانت شخصية الأديب من حيث المهارة اللّغوية، إلاّ أنّ الضرورة الشعرية قد تُملي عليه تراكيب لُغوية وفق مقاسات مُخالفة لما هو معروف في القاعدة، الأمر الذي يدفع بالنّاقد اللّغوي إلى تصويب ما ورد من الخطأ في النّصوص الأدبية، وهو ما سأحاول بيانه في المبحث الموالي من خلال ما وقف عليه المبرّد من تعقيبات على النصوص الأدبية في كتابه “الكامل“، بُغية ضبط توجهاتها وفق ما يتماشى والقاعدة اللغوية .
المبحث الثالث
بين الظواهر النقدية الأدبية واللغوية في كتابي: “البيان والتبيين“ و“الكامل“ في اللغة والأدب
أ – من الظواهر النقدية الأدبية في كتاب “البيان والتبيين“
ما كان لكتاب “البيان والتبيين“ أن يسمّى بهذه التسمية إلاّ لكونه أنّه تضمّن الكثير من المسائل الأدبية التي خصّها الجاحظ بالبيان والتوضيح، ومن منطلق هذه المسلّمة التي يمكن اعتبارها ركيزة قائمة فيه انصاع الكثير من القرّاء إلى تبنّي فحواه باعتبار ما جاء فيه أخضعه الجاحظ لرؤاه الفكرية والنقدية التي يُمكن أن يقف عليها القارئ بين الحين والآخر، ولعلّ منها ما وقع عليه نظري وأنا أتتبّع مضامينه نحو قوله : ” وقال أبو النّجم فيما هو أبعد من هذا، ووصف العير والمعيوراء، وهو الوضع الذي يكون فيه الأعيار : * وظلّ يُوقي الأَكَمَ ابنُ خالِها * فهذا مِمّا يدلُّ على توسُّعِهم في الكلام، وحملِ بَعضِهِ على بعض، واشتقاق بعضه من بعض. ” ([21])
إنّ تعقيب الجاحظ على قول أبي النّجم، وما أراده كفكرة بيّن لنا إمكانية فعل التوسّع الذي قد يقع كنتيجة حتمية تتولّد من خلالها الأفكار، بل قد ينتج عن الفكر الإبداعي في مجال الأدب طرح نقدي يمتاز بمواصفات الجدّة والإبداع كذلك، وهو ما وقف عليه البحث في هذا المجال الذي أثبت لنا أنّه كلّما ظهرت أعمال مُتقنة وأخضعت لتصميم مُحكم، وصيغت بدقة، نتجت، وتولّدت عنها أحكام نقدية أكثر موضوعية، ([22]) وبهذا يصبح للأدب الراقي الأثر الكبير في ارتقاء الفعل النقدي.
إنّ القارئ لما جاء به الجاحظ في قوله : ” والمعلمون عندي على ضربين: منهم رجال ارتفعوا عن تعليم أولاد العامّة إلى تعليم أولاد الخاصّة، ومنهم رجالٌ ارتفعوا عن تعليم أولاد الخاصّة إلى تعليم أولاد الملوك أنفسهم المرَشّحين للخلافة، فكيف تستطيع أن تَزعَمَ أنّ مثلَ عليّ بن حمزة الكسائيِّ، ومحمد بن المستنير الذي يقال له قطرب، وأشباه هؤلاء، يقال لهم حمقى، ولا يجوز هذا القولُ على هؤلاء، ولا على الطّبقة التي دُونهم… ” ([23]) والمتَضمن لدفاعه عن فكرة دور المعلّم نتيجة إيمانه بأهميته في حياة الناس .
مثل هذا الموقف الذي سجّله الجاحظ يمكن اعتباره تقويما لما كان سائدا في أذهان النّاس حول المعلّم، فالنّقد في مثل هذه المواقف لا يمكن اعتباره ” من الفنون الفكرية العديدة، بل يُصبح هو العمل الفكري برمّته،” ([24]) وحينما يرتقي الفعل النّقدي إلى هذه المواصفات تُعدّل الكثير من الانحرافات الفكرية على المستوى العام، فتستقيم به نظرة الناس .
ممّا استوقف الجاحظ في كتابه “البيان والتبيين“ أثر حسن انتقاء اللغة، وربط صيغها وأساليبها بمقام الحديث، إذْ كلّما كانت اللّغة المنسوجة مشدودة بواقع وظيفي أدّت أثرها في ترقية المعنى، ومنها قوله: ” ومن الأسجاع الحسنة قولُ الأعرابية حينما خاصمت ابنها إلى عامل الماء فقالت: ” أما كان بطني لك وِعاءَ ؟ أما كان حِجري لك فناء ؟ أما كان ثدي لك سِقاء “ فقال ابنها : لقد أصبحتِ خطيبة – رضي الله عنك – ؛ لأنّها قد أتتْ على حاجتها بالكلام المتخيّر كما يبلُغُ ذلك الخطيبُ بخُطبته، ” ([25]) وبهذا يكون تعقيب الجاحظ متضمّنا لإقراره بأثر انتقاء الوحدات اللغوية في بيان المراد من الأفكار .
إنّ اعتماد الجاحظ على مثل هذه النّصوص هو إقرار منه على أنّ ” المنهج التاريخي يبقى من أكثر المناهج اعتمادا في ميدان البحث الأدبي؛ لأنّه أكثر صلاحية لتتبّع الظواهر الكبرى في الأدب، ” ([26]) وبتوظيفه له تتجلّى الكثير من الرؤى .
لقد التفت الجاحظ في ثنايا نقده للأفكار، وربط سموّها ورفعتها بإيجازها وحسن انتقاء ألفاظها، كالذي نقف عليه في قوله: ” وقال عليّ – رحمه الله – ” قيمةُ كلّ امرئٍ ما يُحسِنُ “ فلو لم نقف من هذا الكتاب إلاّ على هذه الكلمة لوجدناها شافية كافية، ومُجزِئة مُغنية… وأحسنُ الكلامِ ما كان قليلُهُ يُغنيكَ عن كثيرِه، ومعناهُ في ظاهرِ لَفظِهِ،” ([27]) مثل هذا التعقيب قد يفيد القارئ ويعمل على توجيهه إلى ما هو أحسن في التّعامل مع اللغة قصد إجلاء الأفكار والمعاني أكثر، باعتبار” دراسة الآداب العليا فرع من فروع المعرفة… وغايتها البحث المجرّد عن الحقيقة، ” ([28]) وبهذا المنحى تتجلّى الكثير من الحقائق.
من مواطن النّقد الفكري ما عمده الجاحظ في “البيان والتبيين“ كمنهج منه غير مباشر في إصلاح المجتمع صحيّا، ومنها قوله : ” وقال عمر : ” الرّاحة عُقلَة، وإيّاكم والسِّمنة فإنّها عُقلَة ” ولهذه العلّة قُتِل خالدُ بن سعيد بن العاصي، حين غشيه العدوّ وأراد الرّكوب ولم يجد من يحملُه، ولذلك قال عمر حين رأى المهاجرين والأنصار قد أُخصِبوا، وهمّ كثير منهم بمقاربة عيش العجم : ” تمعددوا، واخشوشنوا، واقطعوا الرُكُبَ، وانزُوا على الخيل نزوا، “([29]) فهو في مثل هذه الحالات يسبّق الحكم، ثمّ يليه بما شاع وما عُرف عنه، بعدها يخصّ القارئ بتوجيه في المجال، وبهذا الأسلوب المفعم بالجانب المنهجي يمكن أن يصبح هذا التوجيه فعلا فيه من النّسق([30]) نتيجة تضمّنه لجوانب إجرائية ملموسة .
من النّقد الأدبي في كتاب “البيان والتبيين“ ما هو عام، حيث يكتفي الجاحظ بإصدار حكم نحو قوله: ” ومن جيّد الشّعر قول جرير :
لإن عَمِرَتْ تَيمٌ زماناً بغِرّةٍ *** لقد حُدِيَت تيمٌ حُداء عَصبْصبا فلا يضْغمنَّ اللّيثُ تَيما بغرّةٍ *** وتَيم يشَمّونَ الفريس المُنيّبا ([31]) وإنّ اكتفاءه بإيراد الحكم دون تبرير ومعاينة مواطن الجدّة في قول جرير، فيه من التأثير على القارئ ودفعه إلى محاولة معرفة المضمون، الأمر الذي يترتّب عليه مدارسة النّصوص الأدبية والحرص على معرفة جيّدها من رديئها، وبهذا الأسلوب تُكتسَبُ معايير الذّوق والتّمييز .
لقد كان لرؤية الجاحظ في المجال النّقدي الأدبي من البعد الذي مكّنه من التّمييز بين آداب الأمم، وهو ما يتجلّى في قوله : ” إنّنا لا نعرف الخطَبَ إلاّ للعرب والفرس، فأمّا الهندُ فإنّما لهم معانٍ مدوّنة، وكتبٌ مُخلّدَة، لا تُضاف إلى رجل معروف، ولا إلى عالِم موصوف، وإنّما هي كتب مُتوارَثة، وآدابٌ على وجه الدّهر سائرة مذكورة، ” ([32]) مثل هذا الرّأي حرص صاحب البيان على تدليله بُغية إقناع القارئ بما ذهب إليه، وعموما يبقى ” النّصّ الأدبي جزء من سياق تاريخي يتفاعل مع مكونات الثقافة الأخرى، ” ([33]) وبذلك تنطبع الكثير من النصوص الأدبية في مضمونها ببيئتها، ويبقى” انتقال مادة أدبية من أدب إلى أدب قومي آخر ليس مسألة عشوائية، بل هو علاقة تاريخية قائمة على السببية.” ([34])
ممّا التفت إليه الجاحظ في محطاته النقدية الأدبية إشارته الصريحة لتحقيق الفعل البلاغي الذي ينبغي أن يتجاوب فيه موقف القائل بتطلعات المتكلّم، وهو ما نقف عليه في قوله : ” وتكلّم رجلٌ عند الحسن بمواعظَ جمّة ومعانٍ تدعو إلى الرّقة، فلم يُرَ الحسنُ رقّ، فقال الحسنُ: إمّا أن يكون بنا شرٌ أو يكون بك ! يذهبُ إلى أنّ المستمع يرِقّ على قدر رقّة القائل، والدّليل الواضح، والشاهد القاطع، قولُ النّبيّ – صلى الله عليه وسلّم – ” نُصِرتُ بالصَّبا، وأعطيتُ جوامعَ الكَلِم “ وهو القليل الجامع للكثير، “([35]) إذ كلّما كان المُتكلّم على درجة من القناعة بالفكرة حصل بينه وبين المستمع شيئا من التوافق الذي يُفضي إلى حدوث التّجاوب، وهو ما أثبته البحث في مجال النقد الأدبي حيث رأى أنّ ” العمل الأدبي الخاص عنصر تابع ومن ثم لا ينفصل عمليا عن المحيط الأدبي، ” ([36]) وفي حال التوافق بينهما ينتج تحقّق فعل التّبليغ .
من تعليقات الجاحظ على النّصوص الأدبية ما يدعو إلى التماس ضعفها، وعدم تأثيرها، نحو قوله: وأمّا قولُ الأخطلِ:
وقدْ سرّني من قيسِ عَيلانَ أنّني *** رأيتُ بني العجلانِ سادوا بني بدرِ
فإنّ هذا البيت لم ينفع بني العجلان، ولم يضرّ بني بدر، ” ([37]) ولعلّ سكوت الجاحظ، وعدم إفصاحه لسبب موقفه النّقدي دليل على عدم فاعلية فكرة البيت الشعري، ويبقى ” المعنى الذي يريد الأديب أن يتحدّث عنه له عناصر شتّى، ونواح كثيرة، فينبغي للأديب أن يعرف هذه العناصر والنّواحي، وأن يبذل جهده في الكشف عنها، ثمّ يعرف قيمة كلّ عنصر وناحيته، فمنها ما هو في صميم الموضوع يجب عليه أن يتناوله بالعرض والدّراسة والتّحليل، ومنها ما هو عرضي ليس في صلب الموضوع، فيتناوله برفق، حيث لا يطغى على ما هو أصيل، ” ([38]) وبهذه الطريقة تصل الأفكار إلى الغير .
ب – من الظواهر النقدية اللغوية في كتاب الكامل في اللغة والأدب
لقد تضمن كتاب الكامل للمبرّد الذي اعتمدته في دراستي أربعة أجزاء : الجزء الأوّل استهلّه بباب عنوانه : وصف رسول الله للأنصار، أمّا الجزء الثاني فقد بدأه بباب عنوانه : في المختار من أشعار المولّدين، والباب الأوّل من الجزء الثالث عنونه بـــــ : من الحزن إلى السهل ومن الجدّ إلى الهزل، وفيما يتعلّق بالجزء الرابع فقد عنون بابه الأوّل بــــ : في اختصار الخطب والمواعظ، “([39]) وقد حاولت في بحثي هذا أن أتتبّع الظواهر اللغوية التي خصّها المؤلّف بالنّقد والتعليق، ولكثرتها ركّزت على استخراج نماذج صريحة في النّقد اللّغوي، مُريدا بهذه المحطات النّقدية اللّغوية إثبات أجرأة صاحب الكامل للفعل النّقدي اللّغوي، ومن الأمثلة على ذلك :
” قال الرّاعي : حتى أضاءَ سِراحٌ دُونَهُ بَقَرٌ *** حُمْرُ الأنامِلِ عِينٌ طَرْفُها ساحٍ
وقوله : “ طَرْفُها ساحٍ “ ولم يقل ” أطرافها ” لأنّ تقديرها تقدير المصدر من طَرَفْتُ طَرْفاً، قال الله عزّ وجلّ : (ختمَ اللهُ على قُلوبهم وعلى سمعهم ) سورة البقرة، الآية 07؛ لأنّ السّمع في الأصل مصدر، قال جرير :
إنّ العُيونَ التي في طَرْفِها مَرَضٌ *** قَتلَتْنا ثُمّ لَمْ يُحِيينَ قتْلانا ” ([40])
يقف المبرّد في نقده اللغوي أحيانا تارة مُؤيّدا لبناء القول حيث يقوم بعرض الشاهد ( البيت الشعري ) ثمّ التركيز على ما بدا له من الناحية اللّغوية كإشكال، ويتجلّى دفاعه لما جاء به الشاعر كبناء من خلال تبريره على صحّة ما ذهب إليه الشاعر، بعدها يقوم بتدعيم منحاه مُستدلاّ بنصوص من القرآن والشعر لتأكيد صحّة موقفه، وهو ما يقوم به جوهر النّقد الأدبي حيث يُركّز ” أوّلاً على الكشف عن جوانب النّضج الفنّي في النتاج الأدبي وتمييزها ممّا سواها على طريق الشّرح والتّحليل، ثمّ يأتي بعد ذلك الحكم العام عليها . ” ([41])
مثل هذا الفعل التعاملي في المنهج النّقدي اللّغوي المُتّبع من قبل المبرّد يُوحي للقارئ سعة إطّلاعه، ومعرفته لخبايا اللّغة العربية، ثمّ إنّ الفعل الافتراضي منه في قوله : وقوله : “ طَرْفُها ساحٍ “ ولم يقل ” أطرافها ” هو بمثابة تنبيه للقارئ، والأخذ بيده إلى المظهر اللّغوي الجدير بالالتفات في البيت الشعري، وهو بهذا المنحى يعمل على إثارة القارئ لما هو جوهري في الحقل اللّغوي، بعدها يقوم بعرض إجابته للقضية المطروحة، مع إردافها بشيء من التّدليل .
لقد حرص المُبرّد في طرحه لقضايا النّقد اللّغوي على الدّقة، ومن أمثلة ذلك ما وقفنا عليه في قوله : ” وقال أعرابيّ أنشدنيه أبو العالية :
ألاَ تَسألُ المَكّيَّ ذا العلمِ ما الذي *** يحلُّ من التّقبيلِ في رَمضانِ ؟
فقال لِيَ المَكِيُّ، أمّا لِزوجـــــــــــــــــــــــةٍ *** فسبْعٌ، وأمّا خُلّةٍ فثمانـــــــــــــــــــي
قال أبو الحسن: وفيه عيب آخر أنّ ” أمّا ” ليست من العطف في شيء وقد أجرى “ خُلّة “ بعدها مجراها بعد حروف العطف حملا على المعنى، فكأنّه قال لزوجة كذا، ولخُلّةٍ كذا .” ([42])
مثل هذا النّقد فيه من التصويب لما أورده الشاعر في شأن وظيفةٍ ” أمّا ” التي عدّها عاطفة، وهو ما أعابه عليه المبرّد. مثل هذا مُفيد في فهم النّصّ الأدبي، وهو ما أقرّ الكثير من النّقاد في حاجتنا ” الماسّة إلى دراسات تتناول الصّرف، والنّحو، والإنشاء، وتستند إلى القواعد،” ([43]) وهو ما يرتبط بالنّقد اللّغوي .
إنّ دقّة ملاحظة الناّقد تكمن في تتبّعه لقضايا قد لا يُعيرها القارئ اهتماما، أو أنّ علاقة القارئ بالمستوى اللغوي لا ترقى حتى يتمكن من اكتشاف الخلل في البناء اللّغوي، الأمر الذي ينجرّ عنه تقويم بناء النّصّ الشّعري بناء يتماشى وسلامة اللّغة العربية .
إذا اعتبرنا أنّ وظيفة النّقد اللّغوي محصورة في الأساس على تتبّع العناصر اللّغوية وتقويمها تقويما يتماشى والأصل اللّغوي العربي الصحيح، فمعنى ذلك أنّ ما يصل إلى القارئ بعد تمحيصه من الناقد اللّغوي تلتقي فيه عملية الإبداع الفنّي بالتقويم اللّغوي، وعندئذ تجتمع في النّصّ الأدبي صفة الإبداع بسلامة اللغة العربية.
لم ينحصر اهتمام المُبرّد في المجال النّقدي اللّغوي الذي تضمنه كتابه الكامل في مُستوى لُغوي مُعيّن، وإنّما جاء مُتنوّعا حسب الخلل المُلاحظ في النصوص الأدبية، ومن ذلك : ” * هل أنتم غير أوشابٍ زعانِفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــةٍ *
فالأُشابة جماعة تدخل في قوم وليست منهم، وإنّما هو مأخوذ من الأمر الأشِبِ، أي: المُختلِطِ، ويزعم بعض الرّواة أنّ أصله فارسي أُعرِبَ، يُقال بالفارسية : وقع القومُ في آشوب أي: في اختلاط، ثمّ تصرّف فقيل : تأشّب النّبتُ فصُنِع منه فعل . ” ([44])
إنّ وقفة المُبرّد في مثل هذه الحالات هي وقفة المتأمّل لما يحول دون فهم القارئ للنّصّ، وهو في هذا القول استوقفته كلمة أوشابٍ، وبعد أن تتبّع دلالتها أثبت غرابتها، وبيّن أصلها الفارسي، وفي العملية النّقدية البحث عن الحقيقة هو الهدف المقصود، ولن نصل إليه إلاّ ” بالحجة والبرهان، أو الدّليل والإقناع . ” ([45])
مثل هذه الوقفة النّقدية اللّغوية في شأن المستوى الدّلالي هي بمثابة إثبات للقارئ بتنوّع المعرفة اللّغوية عند الناقد اللّغوي الذي ينبغي أن يكون مُلمّا بأصول المفردات ومعانيها .
ممّا يقف عليه القارئ لكتاب “ الكامل “ كنقد لُغوي صريح من المبرّد قوله :
” ” ولكنّك أغريْت بعثمان المُهاجرين “ فهو من الإغراء وهو التّحضيض عليه، يقال أَغريتُهُ به، وآسدْتُهُ عليه، وآسدْتُ الكلبَ على الصّيد أُوسِدُهُ إيساداً، ومَن قال : أشليْتُ الكلبَ في معنى أغريتُ فقد أخطأَ، إنّما أشليتُهُ دعوْتُهُ إليّ، وآسدْتُهُ أغريتُهُ، ” ([46]) بمثل هذا الفصل في دلالة الكلمة يقف القارئ على حقيقة الفعل النّقدي اللّغوي، والمُبرّد في مثل هذه المواقف قام بإثبات بيان الصواب من الخطأ فيما له علاقة بدلالة الألفاظ، وهو بهذا الفصل في استعمال دلالة الكلمات يكون قد أثبت إلمامه بالدلالة الصحيحة للمفردات أثناء الاستعمال .
إنّ طبيعة النّقد اللّغوي الذي تضمّنه كتاب الكامل يوحي تضلع صاحبه في مختلف علوم اللّغة، ومن ذلك ما وقفنا عليه : ” ففي الأرضِ عن دارِ المَذَلّةِ مَذْهَبٌ *** وكلّ بـــــــــــــــــــــــــــــــــلادٍ أُوطِنَتْ كبلادِي
كذا وقعت الرّواية بضمّ الهمزة وكسر الطّاء، والأصحُّ ” أوْطَنَتْ “ بفتح الهمزة وفتح الطّاء، قاله ش . “([47])
إنّ وقوف المُبرّد على مثل هذا التّقويم هو إثبات منه أنّ قراءته للنّصوص الأدبية فرضت عليه طابع الرّوية والتّأني وهو في مثل هذه الحالات التفت إلى حركة البنية اللّغوية وصوّبها، ومثل هذا العمل المتضمن للتّصويب في مجال ضبط حركة الأفعال والأسماء له من التأثير الايجابي في الحفاظ على سلامة البناء اللغوي العربي .
كثيرة هي الوقفات النّقدية اللّغوية المُنجَزة من المُبرّد في كتابه الكامل، ومنها :
“ولا تُهينَ الكَريمَ علّكَ أنْ *** ترْكعَ يوماً والدّهرُ قد رفَعَهُ
أرادَ “ ولا تُهينَنْ ” بالنون الخفيفة، فحذفها لالتقاء الساكنين، وهذا الحكم فيها. ” ([48])
في مثل هذه الوقفات النّقدية اللّغوية يكتفي المُبرّد بما أراده الشاعر ويسعى إلى توضيحه؛ ومثل هذا المنحى الذي يأخذ بيد القارئ إلى المعرفة السليمة للغة العربية، يعكس تتبّعه للعناصر اللّغوية المتضمّنة في النّصوص الأدبية وتتبّعها بشيء من التعقيب .
من مظاهر النّقد المعتمدة في كتاب الكامل التي تجعلك تحسّ بليونة التصويب، وربط البديل بأسلوب إقناعي من خلال اعتماد صاحب المُدوّنة على التّدليل لبلوغ التأثير في القارئ واستمالته لتقبّل التصويب اللّغوي، وهو ما يقف عليه القارئ نحو : ” لهُ صَريفٌ صَريفَ القَعْوِ بالمَسَدِ
أي: يصرِفُ صريفاً، فما كان من هذا نكِرةً فنصْبُهُ على وجْهَيْن، على المصدَرِ، وتقديره: يَصرِفُ صريفاً مثلَ صريفِ جملٍ، وإن شئت جعلتَهُ حالاً، وتقديره؛ يُخرِجُهُ في هذه الحالُ، وما كان معرفة لم يكن حالا، ولكن على المصدر، فإن كان الأوّل في غير معنى الفعل لم يكن النصبُ البتّة، ولم يصلح إلاّ الرّفعُ على البدل، تقول: له رأسٌ رأسُ ثورٍ، وله كفٌّ كفُّ أسدِ، فالمرتفع الثاني إذا كان نكرة كان بدلا أو نعتا، وإذا كان معرفة كان بدلا ولم يكن نعتا؛ لأنّ النّكرة لا تُنعتُ بالمعرفة، وكذلك إذا كان الأوّل ابتداء لم يجُزْ إلاّ الرّفعُ …” ([49])
مثل هذا النّقد المتعلّق بالحركة الإعرابية لكلمة صريف الثانية لجأ المبرّد إلى بيان أولوية رفعها خاصة إذا تأكد لدينا وقوع ” صريف الثانية ” في غير معنى ” صريف الأولى “ ، مُعقّبا على حكمه هذا بالتّمثيل، والدّليل، ولتجاوز مثل هذه السقطات رأى بعض النّقاد وجوب ” إحاطة الأديب بفصيح اللّغة وتمكنه من استعمالها في تنزيل الكلام، ومعرفة الإعراب، والأبنية، والتّصاريف، وبعد النّظر في معاني البلاغة، وأساليب الفصاحة، والاقتدار عليهما نظما ونثرا، ثمّ معرفة الرّجال ومراتبهم وطبقات كلامهم ، وأثارهم واختلاف العصور بهم مع البصر بالنقد ومواضع المؤاخذة إلى الطبع السمع والفطنة المواتية حتى لا يكون برما بالحجة إذا نوزع بها، ولا ضعيف الدّليل إذا حاول. ” ([50])
وقف المُبرّد موقف المنبّه للقارئ فيما يستشكل من الأقوال، نحو : ” سُبّي الحماةَ وابْهَتي عليها
إنّما يُريدُ: أبْهَتيها، فوضع ” اَبْهَتِي “ في موضع ” اكذبي “ فمن ثمّ وصلها بـــــ “ على ” ([51])
مثل هذا التعامل مع الأقوال يُذلّل للقارئ صعوبة التعامل مع النّصوص الأدبية، ويعمل على تمكينه من التّجاوب معها، وهي من وظائف النّقد اللّغوي .
ومن النّقد اللّغوي الذي يقف عليه القارئ في كتاب الكامل ما أثبت فيه المُبرّد موقفه الصريح من البناء اللّغوي للنّصّ الأدبي، نحو: ” بالكلب خيراً والحماة شراً
كلامٌ مَعيبٌ عند النّحويين، وبعضهم لا يُجيزُهُ، وذلك لأنّه عَطَفَ على عاملين : على الباء، وعلى الفعل… ” ([52]) مثل هذا الإجراء يجعل من القارئ لمثل هذه النّصوص على درجة من الوعي في بنائها اللّغوي، وخاصّة حينما يعمد على تسبيق الحكم، وموالاته بالتّعليل .
مظاهر التنويع النّقدي اللغوي مُتجلية في كتاب الكامل، وهو ما يوحي إلمام المُبرّد بخبايا اللغة العربية، نحو :
” برّاقُ أصْلاَدِ الجبينِ الأجْلَهِ
يُريدُ الأجْلحِ، والعربُ تقولُ : جلَحَ الرّجُلُ جلحاً، وجَلِهَ يجْلَهُ جلْهاً ، وجليَ يجْلى جلى، والمعنى واحدٌ .” ([53])
كثيرة هي الحروف العربية التي يقع فيها التّبديل نتيجة تقارب مخارجها، وباعتبار حرفي الحاء والهاء من الحروف الحلقية يحدث فيها التبادل، والمبرّد في موقفه هذا بيّن للقارئ أنّ كلمة “ الأجله ” هي نفسها ” الأجلح “
إنّ اعتماد المُبرّد على تقنية بلورة الظاهرة اللّغوية وفق ما تقتضيه اللّغة العربية هو منحى نقدي يقف عليه القارئ في كتاب الكامل، نحو :
” يا زَيْدَ زيدَ اليعملات الذُّيَلِ *** تطاوَلَ اللّيلُ عليكَ فانْزِلِ
فإن لم تُردْ التّوكيد والتكرير لم يجُز إلاّ رفع الأوّل ” يا زَيْدُ زيدَ اليعملات، ” ([54])
مثل هذا النّقد اللّغوي المنجز من المبرّد في شأن صدر البيت نحويا يوحي بتتبّعه الواعي للنّصوص الأدبية المختارة في كتابه، وهو في بيانه لجواز الرّفع على النّصب الوارد في الاسم الأوّل من قول الشاعر : “ يا زَيْدَ زيدَ ” اشترط ذلك بعدم إرادة التوكيد منه، بعدها أكّد هذا المسعى النّقدي بمثال لتبرير ما ذهب إليه .
خاتمة
ومجمل القول فإنّ الفعل النقدي بنوعيه: الأدبي واللغوي يحتاج من النّاقد للنصوص أن يكون – بالإضافة إلى إلمامه بمختلف القضايا الأدبية، والمستويات اللغوية : نحوا، وصرفا، ودلالة، وصوتا – على درجة من النباهة والفطانة أثناء النقد لها، كما ينبغي أن يسعى إلى تقويمها وفق فنيات يفرضها العمل النّقدي، وهو ما يصل إلى القارئ العادي، أو المتخصّص فيُحدِث بذلك تنبيها وتصويبا لما يتّصل بالقضايا الأدبية، والعناصر اللّغوية، الأمر الذي ينجرّ عنه تفعيل قراءة جديدة للنّصوص الأدبية، وبمثل ما وقفنا عليه من وقفات نقدية في الكتابين يمكن نعت مثل هذه المؤلفات بالكتب المعلّمة، نتيجة تنبيه قارئها إلى قضايا قد تخفى عليه في حقل الأدب واللغة.
مثل هذه الاستنباطات النقدية التي وقفنا على نماذج منها في بحثنا هذا، هي بمثابة إجابة عن إشكالية مدى تضمن “ البيان والتبيين “ و” الكامل“ في اللغة والأدب لقضايا نقدية مهمّة، ومن النتائج التي يمكن الوقوف عليها بعد تحليلنا لهذا البحث ما يلي :
- إنّ طبيعة النّقد الأدبي، واللّغوي المعتمَدين في كتابي “البيان والتبيين“ للجاحظ، و “الكامل“ للمبرّد عفوية صادرة عن عالمين لهما من الاطّلاع الواسع في المجال الأدبي واللّغوي، وهي تعكس سعة علميهما في المجال.
- إنّ تناول الكاتبين للقضايا الأدبية ونقدها من الوجهة الأدبية، واللغوية يمثل مظهرا مُميّزا للفعل النقدي بنوعيه الأدبي واللغوي الذي سارا عليه في مؤلّفَيْهما.
- يمثل الفعل النقدي الأدبي، واللغوي للنّصوص والفقرات الأدبية في“ البيان والتبيين “ و” الكامل“ في اللغة والأدب رافدا مُميّزا لهذين الكتابين، الأمر الذي يجعل منهما على درجة من الاستقطاب.
- تجلّي الموضوعية، والأمانة العلمية في كتابي” البيان والتبيين ” و“ الكامل“ وذلك من خلال تمكين القارئ من التعرّف على الأقوال الأدبية والوقفات النقدية.
- مثل هذا المنحى الذي وقفنا عليه في الكتابين له من التأثير على القارئ الواعي حيث يجعل منه على درجة من المعرفة الأدبية واللّغوية، وبمثل هذا الأسلوب المعتمد في الكتابين نضمن حبّ القارئ للّغة العربية الذي ينتج عنه ذيوعها وتوسّع استعمالها.
مصادر ومراجع البحث:
- المصادر :
– أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، الكامل في اللّغة والأدب، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية 2004م.
– أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري، تهذيب اللغة، تحقيق محمد عبد السلام هارون، راجعه محمد علي النّجار، الدار المصرية للتّأليف والترجمة.
– الجاحظ، البيان والتبيين ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للنشر والتوزيع.
– الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.
– ابن خلدون، المقدمة، المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذي الشأن الأكبر، دار الفكر العربي بيروت، طبعة محققة 2002م.
ب- المراجع :
– أحمد أحمد بدوي، بين النّقد والأدب ( المجموعة الرابعة ) ، مكتبة نهضة مصر بالفجالة، د . تا،
– الأدب واللغة، إعداد المكتب العالمي للبحوث، منشورات بيروت للطباعة والنّشر1983م.
– إياد عبد المجيد إبراهيم، الأصمعي وجهوده في رواية الشعر العربي، الطبعة الأولى، مؤسسة الوراق للنشر، 2001 م.
– أحمد كمال زكي، دراسات في النقد الأدبي، دار الأقباس للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1980م .
– أحمد محمد نتوف، النقد التطبيقي عند العرب في القرنين الرابع والخامس، دار النوادر سوريا، الطبعة الأولى 2010م.
– إيليا الحاوي، في النّقد الأدبي، دار الكتاب اللّبناني بيروت، الطبعة الرابعة 1979م.
– حامد حفني داود، تاريخ الأدب العربي في العصر العباسي الأوّل، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر1982م.
– حلمي مرزوق، تطور النّقد والتّفكير الأدبي الحديث، دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت 1982م .
– الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان .
– الربعي بن سلامة، الوجيز في مناهج البحث الأدبي وفنيات البحث العلمي، منشورات جامعة منتوري قسنطينة 2001م- 2002م.
– رينيه ويليك، النقد الأدبي نظرة تاريخية ضمن كتاب ( ما هو النقد ) ترجمة : سلامة حجازي، مراجعة عبد الوهاب الوكيل، الطبعة الأولى، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 1996م.
– سعد الباوعي وميجان الروويلي، دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي بيروت لبنان، الطبعة الثانية 2000م.
– طه أحمد إبراهيم، تاريخ النّقد الأدبي عند العرب – من العصر الجاهلي إلى القرن الرابع الهجري – دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1985م .
– الطيب دبه، مبادئ اللسانيات البنيوية دراسة تحليلية ابستمولوجية، جمعية الأدب للأساتذة الباحثين، د. ط ، د. تا.
– عاطف أحمد، نقد العقل الوضعي، الدّار الطليعة للطباعة والنّشر بيروت، الطبعة الأولى 1980م .
– عمر أبو النصر، آثار الجاحظ، الطبعة الأولى 1969م .
– محمد عبد المنعم خفاجي، أبو عثمان الجاحظ، دار الكتاب اللّبناني بيروت .
– محمد غنيمي هلال، النّقد الأدبي الحديث، الطبعة الأولى 1982م، دار العودة بيروت.
– محمد مفتاح، المفاهيم معالم نحو تأويل واقعي، الطبعة الأولى بيروت، الدار البيضاء المركز الثقافي العربي1999م.
– محمد مصايف، النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر1984م .
– نعمة رحيم العزاوي، النقد اللغوي بين التحرر والجمود، منشورات دائرة الشؤون الثقافية والنشر، بغداد 1984م .
– يوسف بكار – خليل الشيخ، الأدب المقارن، الطبعة 12 الشركة العربية المتحدة مصر 2008م.
المراجع المترجمة :
– ك. م نيوتن التاريخ الأدبي ومناهجهه ضمن كتاب نظرية الأدب في القرن العشرين، ترجمة: عيسى على المذكوب، الطبعة الأولى القاهرة 1996م.
– كارلوني و فيللو، تطور النّقد الأدبي في العصر الحديث، ترجمة : جورج سعد يونس، منشورات دار مكتبة الحياة.
المجلات :
– رشيد العلوي، النقد الثقافي عند عبد الله الغذامي، مجلة دروب العدد 22، سبتمبر 2009م.
المواقع الالكترونية :
( – https://ar.wikipedia.org/wiki/ )
– http://alwatan.com/details/26602
[1]– ابن خلدون، المقدمة، المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، دار الفكر العربي بيروت، طبعة محققة 2002م، ص552 .
[2] – ” هو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني البصري، عميد الكتاب …ولد بالبصرة، ونشأ ببغداد، ودرس على أبي إسحاق النظّام، ونظر في علوم الفلاسفة، واشتغل بالكتابة والتأليف، تنوّعت مؤلفاته بين الكتب والرسائل، من أشهرها كتاب “البيان والتبيين” .
لُقّب بشيخ كتاب العربية، وإمام الأدباء في القرن الثالث الهجري، وهو من كبار المعتزلة، بلغ من الجمع والتحصيل من ثقافات الفرس واليونان، والأمم الدخيلة، وأخبار العرب، وقد تضلّع في علوم العربية وآدابها قدرا لم يسبقه إليه أحد من معاصريه، حتى قيل ممّا فضّل به الله به أمّة محمد – صلى الله عليه وسلّم – على غيرها من الأمم / عمر بن الخطاب بسياسته، والحسن البصري بعلمه، والجاحظ ببيانه . “
( – حامد حفني داود، تاريخ الأدب العربي في العصر العباسي الأوّل، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر1982م، ص93- 94. )
[3] – ” وهو كتاب في الأدب حوى مختارات من آي القرآن والحديث والشعر والحكمة وضروب الأمثال، وقد مزجها بآرائه في المسائل المختلفة التي كان يدور حولها الجدل في عهده. ” (- عمر أبو النصر، آثار الجاحظ، الطبعة الأولى1969م، ص17.)
ممّا بيّنه الجاحظ وعرّف به مضمون كتابه “البيان والتبيين“ قوله : ” هذا سوى ما رسمنا في كتابنا هذا من مقطّعات كلام العرب الفصحاء، وجمل كلام الأعراب الخُلّص، وأهلُ اللَّسَن من رِجالات قُريش والعرب، وأهل الخَطابة من أهلِ الحجاز، ونُتُفٍ من كلام النُّسّاك، ومواعظَ من كلام الزّهاد، مع قلّة كلامهم، وشدّة توقِّيهم .” (- الجاحظ، البيان والتبيين، 2 / 7. )
[4] – محمد عبد المنعم خفاجي، أبو عثمان الجاحظ، دار الكتاب اللّبناني بيروت، ص202.
[5] – ممّا جاء في مُقدّمته : ” هذا كتاب ألّفناه يجمع ضروبا من الآداب، ما بين كلام منثور، وشعر مرصوف، ومثل سائر، وموعظة بالغة، واختيار من خطبة شريفة، ورسالة بليغة .
والنّية فيه أنّ نُفسّر كلّ ما وقع في هذا الكتاب من كلام غريب، أو معنى مُستغلق، وأن نشرح ما يعرض فيه من الإعراب شرحا شافيا، وحتى يكون هذا الكتاب بنفسه مُكتفيا، وعن أن يُرجَع إلى أحد في تفسيره مُستغنياً . (- أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، “الكامل“ في اللّغة والأدب، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية 2004م، 1 / 06. )
ممّا وصفه به الأزهري في مُقدّمة التّهذيب قوله: ” كان محمد بن يزيد أعذب الرجلين بيانا، وأحفظهما للشعر المحدَث، والنّادرة الطريفة، والأخبار الفصيحة، وكان من أعلم الناس بمذاهب البصريين في النحو ومقاييسه. ” (- أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري، تهذيب اللغة، تحقيق محمد عبد السلام هارون، راجعه محمد علي النّجار، الدار المصرية للتّأليف والترجمة، 1 / 27. )
[6] – ” أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المعروف بالمبرّد ينتهي نسبه بثمالة، وهو عوف بن أسلم من الأزد، ولد يوم 10 ذو الحجة 210هـ 825م، وتوفي عام 286هـ 889م، أحد العلماء الجهابذة في علوم البلاغة والنحو والنقد، عاش في العصر العباسي في القرن الثالث الهجري ( التاسع الميلادي ).
كان المبرِّد واحدا من العلماء الذين تشعّبت معارفهم، وتنوّعت ثقافاتهم لتشمل العديد من العلوم والفنون، وإن غلبت عليه العلوم البلاغية، والنقدية والنحوية، فإن ذلك ربّما كان يرجع إلى غيرته الشديدة على قوميته العربية، ولغتها، وآدابها في عصر انْفتحت فيه الحضارة العربية على كل العلوم والثقافات، وظهرت فيه ألوان من العلوم والفنون لم تألفها العرب من قبل.
ولد المبرّد بالبصرة، ولقب بالمبرّد قيل: لحسن وجهه، وقيل: لدقّته وحسن جوابه، ونسبه بعضهم إلى البرّدة تهكما، وذلك غيرة وحسدا.
تلقى العلم في البصرة على يد عدد كبير من أعلام عصره في اللغة والأدب والنحو منهم: أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي، وكان فقيها عالما بالنحو واللغة، وأبو عثمان بكر بن محمد بن عثمان المازني الذي وصفه “المبرد” بأنه كان أعلم الناس بالنحو بعد سيبويه، كما تردد على الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر، وسمع منه وروى عنه حتى عد من شيوخه، وأخذ عن أبي حاتم السجستاني، وكان من كبار علماء عصره في اللغة والشعر والنحو، كما تلقى عن التوزي -أبو محمد عبد الله بن محمد-، وكان من أعلم الناس بالشعر. ” ( – https://ar.wikipedia.org/wiki/ )
[7] – http://alwatan.com/details/26602
[8] – الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، 3 380 /.
[9] – رشيد العلوي، النقد الثقافي عند عبد الله الغذامي، مجلة دروب العدد 22، سبتمبر 2009م، ص35.
[10] – طه أحمد إبراهيم، تاريخ النّقد الأدبي عند العرب – من العصر الجاهلي إلى القرن الرابع الهجري – دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1985م، ص130.
[11] – محمد مصايف، النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر1984م، ص412.
[12] – إياد عبد المجيد إبراهيم، الأصمعي وجهوده في رواية الشعر العربي، الطبعة الأولى، مؤسسة الوراق للنشر، 2001 م، ص.419
[13] – ابن خلدون، المقدّمة، ص565.
[14] – الطيب دبه، مبادئ اللسانيات البنيوية دراسة تحليلية ابستمولوجية، جمعية الأدب للأساتذة الباحثين، د. ط ، د. تا، ص51.
[15] – أحمد كمال زكي، دراسات في النقد الأدبي، دار الأقباس للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1980م، ص06.
[16] – نعمة رحيم العزاوي، النقد اللغوي بين التحرر والجمود، منشورات دائرة الشؤون الثقافية والنشر، بغداد 1984م، ص01.
[17] – أحمد كمال زكي، دراسات في النقد الأدبي، ص107.
[18] – أحمد أحمد بدوي، بين النّقد والأدب ( المجموعة الرابعة )، مكتبة نهضة مصر بالفجالة، د . تا، ص152.
[19] – ايليا الحاوي، في النّقد الأدبي، دار الكتاب اللّبناني بيروت، الطبعة الرابعة 1979م، 1 / 119.
[20] – عاطف أحمد، نقد العقل الوضعي، الدّار الطليعة للطباعة والنّشر بيروت، الطبعة الأولى 1980م، ص82.
[21] – الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للنشر والتوزيع، 1 /229 – 230.
[22] – ينظر : أحمد محمد نتوف، النقد التطبيقي عند العرب في القرنين الرابع والخامس، دار النوادر سوريا، الطبعة الأولى 2010م، ص29.
[23] – الجاحظ، البيان والتبيين، 1 / 251.
[24] – رينيه ويليك، النقد الأدبي نظرة تاريخية ضمن كتاب ( ما هو النقد ) ترجمة : سلامة حجازي، مراجعة عبد الوهاب الوكيل، الطبعة الأولى، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 1996م، ص308.
[25] – الجاحظ، البيان والتبيين، 1 / 408.
[26] – الربعي بن سلامة ، الوجيز في مناهج البحث الأدبي وفنيات البحث العلمي، منشورات جامعة منتوري قسنطينة 2001م- 2002م، ص38.
[27] – الجاحظ، البيان والتبيين، 1 / 83.
[28] – الأدب واللغة، إعداد المكتب العالمي للبحوث، منشورات بيروت للطباعة والنّشر1983م، ص11.
[29] – الجاحظ، البيان والتبيين، 3 / 23 – 24.
[30] – وهو مجموعة من ” العناصر المترابطة المتفاعلة المتمايزة، وتبعا لهذا، فإنّ كلّ ظاهرة أو شيء ما يعتبر نسقا ديناميا ” ( – محمد مفتاح، المفاهيم معالم نحو تأويل واقعي، الطبعة الأولى بيروت، الدار البيضاء المركز الثقافي العربي1999م، ص135. )
[31] – الجاحظ، البيان والتبيين ، 3/ 222- 223 .
[32] – المصدر نفسه، 3/ 27.
[33] – سعد الباوعي وميجان الروويلي، دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي بيروت لبنان، الطبعة الثانية 2000م، ص46.
[34] – يوسف بكار – خليل الشيخ، الأدب المقارن، الطبعة 12 الشركة العربية المتحدة مصر 2008م، ص09.
[35] – الجاحظ، البيان والتبيين، 4 / 29 .
[36] – ك. م نيوتن التاريخ الأدبي ومناهجه ضمن كتاب نظرية الأدب في القرن العشرين، ترجمة: عيسى على المذكوب، الطبعة الأولى القاهرة 1996م، ص29.
[37] – الجاحظ، البيان والتبيين، 4 / 37 .
[38] – أحمد أحمد بدوي، بين النّقد والأدب ( المجموعة الرابعة )، ص122.
[39] – أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، الكامل في اللّغة والأدب، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية 2004م.
[40] – المصدر نفسه، 1 / 213 – 214.
[41] – محمد غنيمي هلال، النّقد الأدبي الحديث، الطبعة الأولى 1982م، دار العودة بيروت، ص11.
[42] – أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، الكامل في اللّغة والأدب، 1/ 216 – 217 .
[43] – كارلوني و فيللو، تطور النّقد الأدبي في العصر الحديث، ترجمة : جورج سعد يونس، منشورات دار مكتبة الحياة، ص76.
[44] – أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، الكامل في اللّغة والأدب، 2/ 336 .
[45] – حلمي مرزوق، تطور النّقد والتّفكير الأدبي الحديث، دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت 1982م، ص09 .
[46] – أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، الكامل في اللّغة والأدب، 1/ 244.
[47] – أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، الكامل في اللّغة والأدب، 2/ 367 – 368 .
[48] – المصدر نفسه، 2/ 390.
[49] – أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، الكامل في اللّغة والأدب، 2 / 494 .
[50] – حلمي مرزوق، تطور النّقد والتّفكير الأدبي الحديث ، ص386.
[51] – أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، الكامل في اللّغة والأدب، 3 / 70 .
[52] – المصدر نفسه ، 3 / 72 .
[53] – المصدر نفسه أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، الكامل في اللّغة والأدب، 3 / 104.
[54] – المصدر نفسه، 3 / 155.