
خطاب الغروتيسك في الرواية الجزائرية مقاربة في روايتي:
” رأس المحنة” لعز الدين جلاوجي، و” الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء” للطاهر وطار
د. رحال عبد الواحد جامعة العربي التبسي- تبسة ـ الجزائر
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 45 الصفحة 45.
الملخـص
تسعى هذه الدراسة إلى ملامسة مفهوم ” الغروتيسك”، وتتبع مسارات ارتحاله منذ نشأته خلال (ق15م) في الثقافة الغربية في شكل خطاب بصري تحتفي به فنون الرسم والنحت، إلى أن تموضع كمظر من مظاهر التجريب في حقل الكتابة الروائية المعاصرة، يعكس رؤى الكتاب ويترجم مواقفهم إزاء الراهن، الذي يتم تقديمه إلى القارئ في شكل لوحات بشعة يتم صوغها في إطار كرنفالي، وتشكيل كاريكاتوري تهكمي فاضح يعبر عن قلق الإنسان المعاصر، ويكشف عن خوفه من الواقع المرعب.
ووفق التصور الباختيني للغروتيسك، وقع اختيار الدراسة على نموذجين روائيين، وتمت مقاربتهما من خلال الوقوف على تشكلات الخطاب الغروتيسكي المختلفة.
الكلمات المفتاحية: الخطاب؛ الرواية؛ الغروتيسك؛ التجريب؛ المفارقة؛ الكرنفال.
Abstract:
This study seeks to touch on the concept of “Grotesque ” and follow the paths of travel since its inception during the (15 BC) in Western culture in the form of visual discourse celebrates the art of painting and sculpture, to be positioned as an aspect of experimentation in the field of contemporary fiction, that reflects the views of the book and translate their attitudes towards The current, which is presented to the reader in the form of ugly paintings to be developed in the framework of Carnival and the formation of caricature sarcastic expression of the concern of contemporary man and reveals his fear of the reality of horror.
According to the Grotesque visual perception, the study was chosen on two novel models, and they were approached by identifying the different formations of the Grotesque discourse.
Keywords: discourse ; novel; Grotesque; experimentation; carnival; Sarcasm
توطئة:
إذا كان “الخطاب” في الرواية هو في النهاية تشكيل لغوي، فإن اللغة تصير مرهونة بوظيفتها التواصلية (Interpersonnel)، سواء أكان ذلك على مستوى خطاب الأحداث، أم على مستوى خطاب الأقوال.
إلا أن اللغة مع الرواية الجديدة/ التجريبية لم تعد مجرد أداة تعبير تقف محايدة وراء حدود الحكي، كما لم تعد إطارا خارجيا يسيّج المضامين، إنما صارت أداة بنائية بفعلها تحولت الرواية إلى نظام متّسق يرتبط فيه المكون الروائي بالتعبير البنائي/ اللغة، فإذا كانت » البنية تتحكّم في بناء الرواية فكريا فتوجّه حوادثها وترسم ملامح شخصياتها، وتقودها إلى دلالات محدّدة، فاللغة هي التي تحمل عبء تجسيدها «[1]، ومن هذا المنطلق صارت اللغة وعاءً ينصهر فيه الشكل والمضمون لتنعكس هذه الصُّهارة في شكل مشاهد Scènes) ) لغوية فسيفسائية، جعلت الرواية تتلامح مع النص المسرحي ضمن تنوع يحلق بالقارئ بين عوالم متناقضة، الوعي واللاوعي، الواقعي والميتافيزيقي، الحقيقي والمجازي… وهو تنوع يهدّد بتفكيك جمالية المنظومة اللغوية التقليدية، لتغدو معه اللغة أداة بنائية يصير معها الشكل مخادعا، يريد أن يتخذ سمة المضمون الذي يحتفي بحضور المشهد بدل الحدث.
ضمن هذا السياق يأتي “خطاب الغروتيسك” لينجز “المشهد” المخالف وليكشف للقارئ عن القلق النفسي الذي يغالب الإنسان المعاصر المعذب بوطأة الراهن، حين تنزاح اللغة عن منطقها وتفقد الأشياء طبيعتها وحجمها وشكلها، فتبدو اللغة مشاركا فاعلا في الحدث الروائي وليست مجرد ديكور، ويصبح-مع ذلك- وعي اللغة جزءً من وعي المعرفة.
- الغروتيسك، المفهوم والسياق:
ظهرت كلمة الغروتيسك (grotesque) في الثقافة الغربية خلال القرن الخامس عشر حين« سلط بعض الأركيولوجيين الضوء على حفريات أثرية تمثل رسوما لكائنات نصف إنسانية ونصف حيوانية أو نباتية، أُطلق عليها اسم “غروستيكو” (Grotesco)،أوغروتيسكا((Grotesca نسبة لكلمة (grotta) الإيطالية وتعني”الكهف” مكان العثور على هذه الرسومات، وفي القرن السادس عشر صارت كلمة الغروتيسك مصطلحا رائجا في الفنون التشكيلية ويطلق على اللوحات مشوهة المعالم والعجيبة الموحية بالتمثلات البدائية، كلوحات جيروم بوش(Jerome Bosch)، وبيتر بروغل Pieter Bruegel))، أو جاك كالو(jacques callot )، ثم كان لهذا المصطلح تأثير في الأدب حيث أطلق على كل تمظهرات التشوه الجسماني مثل الرجل-الحيوان، والأشكال الشاذة مثل الأقزام والعمالقة، والحدْب»[2].
وإذا كانت الرومانسية قد أبدت ذوقا جماليا مفرطا من هذه التشوهات الإنسانية، فإن الكلاسيكية كانت على خلاف هذا الذوق لارتباطها بقوانين فنية في الأعمال الأدبية وغيرها، مما جعل ” الغروستيك ” أكثر انتشارا في المرحلة الرومنسية،[3] وقد ذهب فيكتور هيجو(Victor-Marie Hugo )إلى أن« الغروستيك المضحك في فكر المعاصرين يأخذ دورا كبيرا، ويتخذ بعدين: أحدهما مشوّه ومخيف، والثاني هزلي فكاهي، ويتخذ من الكائنات الوسطية أشكالا متنافرة مضحكة كالتي تعطي لإبليس قرون الكبش وأرجله وأجنحة الخفاش»[4]، وتنكشف جمالية الغروتيسك حسب رأي الرومنسيين من خلال انتهاك حرمة المثالي عبر ما هو مشوه وشاذ، ذلك لأن« ملامسة المشوه منحت “الجليل” المعاصر شيئا ما أكثر نقاوة وعظمة وأكثر جلالا من الجميل القديم، وهذا يجب أن يحصل، فعندما يكون الفن منطقيا مع ذاته، يقود كل شيء بثبات إلى غايته»[5].
وقد ذهب باختين( M. Bakhtine) إلى أن الغروتيسك لا يعبر عن الخوف والقلق من العدائية واللاإنسانية التي تسود العالم كما يراه الرومانسيون[6]، بل نوع من التهكم ورفع الكلفة بشكل مطلق، وقد حرّر الكرنفالات والاحتفالات الشعبية، ومن ثمة ارتبط مفهوم الغروستيك بالطابع الكرنفالي التي يقوم على الإنزال Rabaissement))، والجسدانية ( Corporalisassions)[7]، وانتهاك المألوف، وتدنيس المقدس[8] وتشظية الجسد وتحويل المتسامي الروحي إلى مادي أرضي، وتكافؤ الأضداد، لتتحول العملية إلى « هجو فاضح ذات طبيعة أخلاقية أو سياسية اجتماعية، ولأصبحت أحادية المستوى الدلالي، ولفقدت طبيعتها الفنية إذ تتحول إلى كتابة اجتماعية عامة publicity عارية»[9]، كما يقوم الغروتيسك على طقوس الضحك الكرنفالي الذي تتكافأ بداخله الأضداد Ambivalence، والمحاكاة الساخرة، وكسر القيود والمحظورات وإلغاء الألقاب والمراتب الاجتماعية وكل ما يتعلق به من خوف، وتبجيل، وخضوع، وآداب وسلوك، وكل ما يترتب عن عدم المساواة الاجتماعية والوظيفية بين الناس، وكل أشكال التمايز، وهذا من أساسيات الغروتيسك الذي يعكس الموقف الكرنفالي من العالم. ويخترق نظام الحياة الاعتيادية بعيدا عن الكلفة[10].
2-الغروتيسك والكتابة الروائية:
إن الواقع الصادم بما يستبطنه من تناقضات، دفع بالرواية التجريبية إلى توظيف الخطاب الغروتيسكي كأداة تعبير تتكئ على المفارقة اللفظية[11](L’ironie verbal) لنقد هذا الواقع، انطلاقا من شعور الكاتب بالتوتر والضيق تجاه تشوهات الحياة المعاصرة « فيعتمد وسائط متعدّدة بعيدة الدّلالة موازنا بين العناصر اللسانية والوجدانية، إلى حدود الالتباس»[12].
والغروتيسك في الرواية ليس مجرّد مظهر مشهدي /كرنفالي، بل هو فعل لغوي يسعى إلى النّأي بالكتابة الروائية عن السّطحية، ويؤسس لبعد فني يحفر في المناطق النائية في الإنسان والمجتمع لتعرية الزيف الاجتماعي وفضح عبثية الحياة.
وبهذا المعنى يصبح الخطاب الغروتيسك تعبيرا عن موقف فكري، وفلسفة خاصة، نابعة من نظرة الكاتب تجاه لامعقولية الأشياء، حيث يصير الحزن متخفيا في أعماق الهزلي، والسرعة إلى الضّحك تكون بديلا عن السرعة إلى البكاء[13] ، وذلك من خلال ترجمة المواقف الانتقادية الرافضة لما يحدث في الواقع، والتي تحفّز في القارئ الشعور بالاستهجان والمفارقة الدلالية الباعثة على الضحك والسخرية من خلال ما يحدث، نتيجة التناقض بين المعنى الظاهر والمعنى الخفي، واستنادا إلى هذه الوظيفة فإن لوكاتش يرى بأن الغروتيسك ضرب من« التصحيح الذّاتي للهشاشة»[14]، حيث يأتي الخطاب الغروتيسكي في الكتابة الروائية التجريبية في شكل مشهدي كرنفالي لمواجهة كرنفالية الحياة وازدواجيتها، مما يعني بأن الرواية هي تمثيل للحياة بشكل مسرحي كرنفالي، يقوم على مبدأ التدنيس.
استطاع خطاب الغروتيسك «أن يدخل إلى عالم الأدب على امتداد آلاف السنين، وبالذات إلى الخط الحواري الخاص بتطور النثر الفني الروائي(…) كما حمل هذا المبدأ معه منطق العلاقات غير المتكافئة ومنطق التحقيرات التدنيسية، وأخيرا، استطاع أن يمارس تأثيرا عظيما في في تغيير الأسلوب اللفظي نفسه في الأدب »[15]
3-مظاهر التعالق بين الغروتيسك والرواية التجريبية:
- التجاوز:
إذا كان الغروتيسك يتأسس على التهكم ورفع الكلفة -حسب رأي لوكاتش- فينتهك القوانين والحدود ويتجاوز المراتب والألقاب والمحظورات الاجتماعية، فإن الرواية التجريبية تتأسس هي الأخرى على مبدأ كسر الميثاق السردي المتداول، والمعايير والجماليات الموروثة عن الرواية البلزاكية/ التقليدية، وتسعى إلى التحرّر المستمر من حدود القوانين، عبر تشظية السرد، وكسر خطية الزمن، وتشيؤ الشخصية، وتقنية المونتاج، وتعدد الأصوات، والتناص، وتذويب الحدود الأجناسية.
وإذا كان المشهد الغروستيكي في الرواية يقابله الاحتفال الكرنفالي كما يرى باختين، فإن هذا الأخير يقوم على منطق العلاقات غير المتكافئة؛ علاقة الإنسان بالإنسان وعلاقة الإنسان بالطبيعة بشكل تحقيري وغير متكافئ وبكيفية حرة يتماس فيها المقدّس بالمدنس، والمتعالي بالوضيع، والعاقل بالمجنون، والملك بالعبد وهو ما يسميه باختين بنزع التاج ، أو « التتويج المازح وما يعقبه من نزع للتاج عن الملك الكرنفالي حيث تكمن نواة الموقف الكرنفالي من العالم»[16]، ويتأسس هذا الموقف على ما هو غير مألوف من خلال السخرية والعجائبي وأنواع الشذوذ الجسماني، حتى أنه أحيانا « يتميز حتى باستخدام الأشياء استخداما عكسيا: ارتداء الملابس بصورة مقلوبة( أو وضعها في مكان هو عكس مكانها تماما) وضع البنطلون على الرأس، أو وضع الأواني في موضع أغطية الرأس، أو استخدام الأواني البيتية وكأنها أسلحة إلى غير ذلك »[17] أما الرواية التجريبية فتقوم هي لأخرى على مبدأ عدم إشاعة الكلفة، حيث شكّلت بنيتها على انتهاك بنية الرواية التقليدية ، فسميت تارة ” اللارواية” وتارة أخرى”الرواية المضادة” بسبب تدنيسها لنقاء وخصوصية الرواية وذلك باستبداله بالنص الهجين، وتوظيف اللابطل بدل البطل الملحمي أو البطل البلزاكي، والمحاكاة الساخرة، وإلغاء العلاقة الفوقية التي تربط بين الراوي العليم والشخصية الروائية، واستعمال اللغة المهجنة والبذيئة بدل اللغة المعيارية حيث « منطق التحقيرات التدنيسية استطاع أن يمارس تأثيرا عظيما في تغيير الأسلوب اللفظي نفسه في الأدب»[18]، مما يعني أن كرنفلة القيم الغروتيسكية كان له أثر واضح على مستوى الكتابة الروائية مما جعلها حقلا كرنفاليا بامتياز.
ب-الانفتـــاح:
حينما اعتبر باختين الخطاب الغروتيسكي هو بمثابة المرايا المشوهة –تطول وتصغّر، وتلوّي باتجاهات مختلفة وبدرجات متفاوتة لا تعرف الانسجام ولا تخضع لقانون، وبالتالي هو نمط كرنفالي من العالم[19] فهذا يعني أن المشهد الغروتيسكي في الرواية يستمد ‘ ”طبيعته من مفهوم النسبية التي تجعله منفتحا على كل الممكنات، وما دام الموقف الكرنفالي من الواقع يتسم بالإطلاق «ويرفض أي خاتمة نهائية، وكل خاتمة هي مجرد بداية جديدة »[20]، فإننا نجد الشيء نفسه في الرواية التجريبية التي تمثل بحثا دائما وسيرورة غير ناجزة، أحداثها تتناسل من بعضها بشكل لا نهائي، وللأبطال الرئيسيين تقريبا نجد أكثر من صنو واحد بحيث « يموت البطل ( أي يفنى) من أجل أن يتجدّد أي من أجل أن يتطهر ويسمو على نفسه ذاتها »[21]
وما يتفق عليه النقاد هو عدم ثبات الشكل الروائي التجريبي، بحيث اعتبروه بنية غير ناجزة « لا تتضمن أي قانون خاص كنوع أدبي مكتمل»[22]، ولعل جورج لوكاتش يسوغ عدم هذا الاكتمال عندما يربط بنية الرواية ببنية الأوضاع التاريخية التي مرت بها، وما دامت الرواية كذلك، فقد « استحقت أن تكون النوع الوحيد الذي لا يزال في صيرورة»[23]، ولعل الوسيلة في بناء هذا التجدد هو تحطيم العلاقة السببية بين الأشياء، والسير في طريق الهدم والبناء ، ووضع الكتابة الروائية موضع تساؤل والسخرية الضاحكة من الواقع.
وموجب تكافؤ الأضداد ( على حد تعبير باختين) في الكرنفال والرواية التجريبية، يمكن مشهدة الوجه الخفي للواقع من وراء الرموز، ليكتشف المتلقي ذلك المعنى العميق والمجهول للحياة.
4/أ – “رأس المحنة…”[24] غروتيسك الكشف والهَدم
الرواية التجريبية لا تصف الواقع بقدر ما تسائله ، رغبة منها في إعادة صياغته وفق رؤية جديدة، وبما أن خطاب الغروتيسك أصبح في الرواية التجريبية فعلا إنتاجيا يختلط فيه الهجاء بالبهجة[25] وأضحى أداة للتقصّي والمساءلة، فإنه في رواية “رأس المحنة 1+1=0” لعز الدين جلاوجي، يتأسس على المفارقة الاجتماعية ، ويتكئ على تعرية الصراع بين الطبقات الاجتماعية، التي أفرزها زمن الاستقلال، يقول السارد:«ها هو منير متخرّج من الجامعة، ماذا فعل بالشهادة التي يحملها؟ لايكاد يكسب قوت يومه، وها هو أحمد امْلَمّدْ أشكال الدّابة لا يحسن أن يرسم الواو الأعور يعيش كالملك…عصر المادة يا والدي قيمتك قدر ما تملك من مال، لا ما تملك من علم ولا من خلق»[26].
ومن الواضح إن خطاب الغروتيسك صار بمثابة الطريقة التي تنظم العلاقات بين شخصيات الرواية، وهذه الشخصيات حين تدين بعضها، فإنها أيضا تعبر بدقة عن حالة التصادم بين أطراف المجتمع وهي تتشبث بمواقعها، كما تشخص حدة التعارض الذي يشكل بنية الواقع القائم على التمايز الاجتماعي، مما دفع بالشخصيات الروائية إلى إزاحة الأقنعة عن بعضها، وإسقاط الكلفة بطريقة تفصح عن رؤية الكاتب إزاء بشاعة الراهن خصوصا في مرحلة ( المأساة الدموية)، وما أفرزته من تحولات غير موضوعية.
وخطاب الغروتيسك ذي النّبرة الانتقادية الحادة، يقدّم للقارئ تشكيلا مشوها يضفي على الشكل الخارجي للإنسان مسحة عجائبية، يقول صالح الرصاصة: « ومديرنا هذا وطنيّ حقّا لمّا عيّنوه كان كسلك الحديد.. كأنه مستورد من إثيوبيا.. البذلة الرمادية وحدها تمشي.. اليوم صار بضخامة ثور يكاد يسقط للخلف.. سرواله القديم لا يسع إصبعه »[27]، وقد جاء غروتيسك الجسم ليفضح المفارقة الزمنية الحادة نتيجة التحولات اللامنطقية للواقع الاجتماعي، وهذه المفارقة تدعو إلى الضحك لأنها تستدعي عناصر اللوحة من عالم الحيوان، وبالتالي يصير الوصف الغروتيسكي في الرواية غير محايد، بل يستبطن مشاعر القلق والتوتّر، ويتغيأ وظيفة نقدية تقويمية « تبيّن لي من ملامحه أنه شيطان ..لحية مبعثرة كلحية تيس.. وعينان تزيغان يمينا وشمالا كعين إبليس»[28]، وهنا تبرز اللغة لتشكل أمام القارئ مشهدا كرنفاليا مفعما بالفوضى، وهو أشبه ما يكون بإيقاعات انفعالية ورمزية تتراصف تباعا لتشكل وحدة واقعية ترسم أمام القارئ خريطة العالم المتوتر للإنسان المعاصر.
وإذا كانت « صورة الجسم الغروتيسكي تشترك في كثير من القواسم مع الكاريكتور، مثل مبالغة الغروتيسك في السخرية وذلك بإبراز سمات المظهر الجسدي بحيث يبدو التوازي بينهما هادفا إلى الهجاء»[29] فإن شكل “العجوز عُكّة” تحيله لغة السرد إلى حالة لا معقولة، نتيجة لتأثيرات الواقع الاجتماعي المتأزّم الذي انعكس على مظهر هذا العجوز، ليشكّل مدخلا يسمح بالغوص في أعماق هذه الشخصية المضطربة، وهي تبدو ذات ملامح جسمانية مشوهة «خرجت العجوز عكّة وتدحرجت نحوي في تثاقل كصهريج زفت..فتحتُ النافذة..سدّتها بجثّتها..وأنفاسها المبحوحة تكاد تنقطع ..مدّت يدها تصافحني..دسست في يدها مبلغ مائة دينار..أطلّت من مغارة فمها ابتسامة عريضة سال لها لعابها »[30]
وإذا كان الغروتيسك مادة للتشكيل وصياغة المواقف والرؤى وتشخيص الواقع، فإن السارد لم يكتف بتشويه ملامح الشخصيات بطريقة كاريكاتورية، بل صوّر بشاعة الواقع وانحطاط الأخلاق وتدني القيم، فالواقع المأزوم يقدّمه لنا السارد بأسلوب ساخرلا يتغيأ الإضحاك بقدر ما، يتغيأ التعرية والفضح ، ومن ثمّة يصبح الغروستيك عنصرا ناظما للعمل الفني، ويسهم في تأثيث فضاء الرواية وجعله وعاء ينضح بالتهكم والسخرية.
ويواصل السارد بلغة عنيفة مستهترة وجريئة، وصف الشخصيات في تفاعلاتهم اليومية، « فجأة ارتفع صوت أحدهم طالبا دلاّكا … وهرعت إليه مُلبّيا.. كان الزّبون طويلا عريضا متشحّما كجثة فيل ينبطح على بطنه.. حاولت أن أتعرّف عليه لكنني لم أستطع »[31]
ولا شك إن هذا المقطع السردي يبرز يضعنا أمام صورة الذّات الساردة في أعلى درجات التوتر، كانعكاس لعدم التوافق مع واقعها المأزوم، فيطفو هذا الاختلال النفسي على سطح الحوار، مما يجعل الهوة تزداد اتساعا بين الشخصيات بفعل تأثيرات اليومي، حيث انبثقت من هذا الراهن مواقف التهكم الدالة على خيبة الذّات وانكساراتها، ومن هنا تصبح هذه المواقف بمثابة النغمة التي تسود بناء الرواية كله.
وبطابع سجالي يتلقف الكاتب صورة كرنفالية مضمرة داخل كلّ شخصية تجاه نظيرتها، ليضع القارئ أمام مشهد التفاعل بين شخصيات الرواية وأحداثها، حيث العلاقات المتبادلة بين الشخصيات تبدو في شكل تركيب للمتناقضات، يقول امحمد امْلَمّدْ: « خرج صالح من مغارته كالشبح وقد اشتدّ سواده وتلألأت عيناه كأن إسهالا داهمه عاما كاملا.. كأنما عرفني فاندفع يفتح الباب ليركب.. كان الباب موصدا من الدّاخل لم أشأ أن افتحه (…) رايته أشبه بخنزير أليف.. قلت في نفسي: أبطرتك النّعمة يا ولد الكلب .. يا ولد الحركي(…) لم أشأ أن انحني ولا أن ألوّث يدي بمصافحته (…) ونزل خلفي يتبعني كالكلب»[32]، فالمواجهة بين صالح “الرصاصة الوطني”، وامحمد املمّد الانتهازي وابن الحركي، تسجّل بحدّة مفارقة الواقع وما يستبطنه من تناقضات تعيها ذات الشخصية، وتكابد آثارها بأسلوب هزلي ساخر.
ولعلّ هذه المواجهة التي اتخذت مشهدا غروتيسكيا، تتضح أكثر من خلال علاقة “صالح الرصاصة” بمدير المستشفى، وهي علاقة تصادمية تتسرّب منها وجهة نظر إيديولوجية، تبدو واضحة من إعلان “صالح الرصاصة” عن موقفه تجاه مديره الذي تعرّض كثيرا لمضايقاته، فانبثق غروتيسك المفارقة كأداة لمواجهته،«مديرنا إنسان وطني ضرب الرقم القياسي في احترام وقت عمله. يدخل لمكتبه بعد العاشرة يتصفّح الجرائد التي تشترى على حساب المشفى..يوقّع الوثائق ..يطّلع على المراسلات..يرشف قهوة..يحتضن السكرتيرة القنبلة التي اختارها بنفسه بعدما طرد السكرتيرة التي كانت قبلها.. يتفق معها على موعد السّهرة ويخرج. في الباب يلتفّ حوله العمّال المخلصون كالكلاب المدرّبة..يرقصون بلا إيقاع.. يملؤون له السيارة بخيرات المشفى (…) أمّا المرضى المساكين فلا يُعطى لهم إلا العدس بالماء، فكيف نسكت اليوم على هؤلاء الفئران»[33]، وللإمعان في فعل الفضح تنتقل بنا لغة الرواية من غروتيسك المظهر إلى غروتيسك الفعل لتعرية الوجه المفارق، فيبئّر السارد عيوب الشخصية كالبعد عن الوطنية، وانعدام الضمير الإنساني، والإهمال، والفساد الأخلاقي، وإذا كان هذا المقطع يعلن عن هذه السلبيات بالتصريح تارة، وبالتلميح تارة أخرى، فإن خطاب الغروتيسك بدا من أبرز محمولات اللغة السردية، التي تمكنت من تحقيق الامتداد الدلالي للشخصية الانتهازية التي تمثّل إحدى مفرزات الواقع المتراجع.
ولعلّ غروتيسك الموقف يكون أشد تعرية وإفصاحا من غروتيسك الشكل الخارجي الذي يعتمد على التشويه الكاريكاتوري، خاصة لمّا يتّخذ السارد موقفا غير محايد، فلا يكتفي بتوصيف الأفعال، إنما يعلن عن موقفه صراحة تجاه السلطة التي يمثلها مدير المستشفى، وامحمد املمّد، ورئيس البلدية الفاسد، والسعيد محافظ الشرطة المرتشي، وهي نماذج تعكس تعفن الجهاز الإداري الذي يتولى قيادة المجتمع « أمّا نحن فليس لنا الآن إلا شهريارات تحكمنا على طول الخط.. لا يصدق فيها إلا قول الأديب الجزائري المسيلي ابن رشيق وهو يصف حكامه في نهاية القرن الحادي عشر:
ألقاب سلطنة في غير موضعها… كالقط يحكي انتفاخا صولة الأسد»[34]
إن ما يعنيه غروتيسك المفارقة هنا هو الإحباط وخيبة الأمل، وقد تصدى له السارد بسلاح الهجاء موظفا في ذلك استراتيجية التناص، بحيث يرسم لنا البيت السابق تقاسيم لوحة هازئة تشي بجرأة رسّامها في نقده للسلطة، فيغوص في عمق الدّلالة وهو يصف بسخرية طبيعة الحاكم المهزوم حين تراه مستأسدا، وهو في الحقيقة يخفي وراء هذا المظهر الزّائف علامات الضعف والفشل.
إن الكاتب يقتنص فساد السلطة ويجعل منه حافزا لتصوير مجتمع كرنفالي، يطفح بالمفارقات، كلّ ما فيه يدعو إلى السخرية والهجاء، فلم يعد يُنظر إلى الشخصية كذات، بل كنموذج مُشعّ بدلالات الظّلم والفساد الذي ينخر المجتمع «إيه يا زمان نانّا!! »[35]، مما يدل على أن المشهد الغروتيسكي في رواية ” رأس المحنة” ليس مجرد صورة تتم الاستعانة بها للكشف عن الرؤى والتصورات، بل تصبح المهمة الفنية التي تسيطر على وعي الكاتب ويجري تفسيرها من خلال مادة الرواية نفسها، مما يجعل البعد الدلالي في الرواية يتأسس على أفكار الشخصيات الإيحائية كمبدأ يتكئ عليه تصوير الكاتب، ويحدد بنية العالم الروائي بشكل عام.
إن البعد الدلالي في “رأس المحنة” يتأسس على هذه الرؤية، فالكاتب يدين واقع المجتمع المرهون بالقيم الزائفة، والمؤسسات الرسمية في صورة أشخاص ذوي نفوذ، هي التي تحمي هذه القيم « رحم الله الشاعر العربي نزّار قباني لمّا قال:
لبسنا قشور الحضارة والروح جاهلية
ضرب على المحسب وواصل:
– ماذا تنتظرين من مجتمع لا يضع الحضارة لكنه يستهلكها بغباء»[36]
إن التشخيص السّاخر لأعطاب المجتمع ومفارقات الواقع، يتجلى كذلك من خلال رصد تمزقات الإنسان في “حارة الحفرة” وهي المكان الذي جرت فيه أحداث الرواية، هذه الحارة التي صارت رمزا للفقر والضياع والجنون والنّفاق، وقد انعكست هذه المعاني على الشخصيات التي تخترق هذا المكان، انطلاقا من الألقاب الواصفة لهذه الشخصيات، والتي منحت للرواية نكهة واقعية خاصّة، يصير معها اليومي أداة لتشكيل بؤرة الحكي، لأن اللقب Surnom)) في طرحه الدّلالي والرمزي، مستمدّ من عمق التفاعل الاجتماعي، ثمّ يتم ترسيمه على مستوى الوجدان الجماعي المحلّي، ليصير مصدرا للسخرية وأداة لغوية ووظيفية، تفصح عن مجتمع “حارة الحفرة” كنموذج مهمّش، ذي المستوى التعليمي المحدود، والمشكلات النفسية والاجتماعية المتراكمة.
إن الشخصيات الفاعلة في مسار الأحداث، هي التي يكشف عنها السارد بألقابها التي تحيل بدلالاتها في مدار التواصل الاجتماعي إلى مرجعية اجتماعية فـ” إبراهيم جحا، وامحمد املمّد، والخيّر البلّوط، والعجوز عكّة” كلها ألقاب تفسّر الوعي الاجتماعي الذي حدّدها، ثم رسّخها في الذاكرة المحلية وفق معطيات اجتماعية محدّدة، بحيث لا يمكن أن تخرج عن السياق الاجتماعي الذي وُجدت فيه، كما أن هذه الألقاب تنفتح على دلالة لا تفسّر طبيعة صاحبها فحسب، بل تمثّل أيضا إطارا مرجعيا للواقع الاجتماعي المشوّه.
وبقدر ما تشير هذه الألقاب إلى التهكم ورفع الكلفة كما ذكر (باختين)، بقدر ما تفصح عن مواقف وسلوكات تتصل بالعلاقات الاجتماعية، وقد وجدت” حارة الحفرة” في هذه الألقاب وسيلة لترجمة موقف السارد تجاه الصورة المقلوبة التي بدا عليها الراهن الجزائري، فـ” البلعوط” ملفوظ يتحرك على مستويات دلالية عديدة، ويحمل معاني الحيلة، النفاق، الكذب، الغشّ، وهذه المعاني تستقطب الانتباه لمسألة تشظّي الانسجام السلوكي، ممّا يزيد في تعميق الهوة داخل البناء الاجتماعي.
و”الخيّر البلعوط” عازف على آلة “الزّرنة”، ومن صانعي زمن الشيطنة في “حارة الحفرة”، يعود كلّ مساء إلى بيته مخمورا، ويلقاه الصّبية بالحجارة، وإذا كان “البلعوط” قد اكتسب هذا اللقب نتيجة مظهر سلوكي، فإن “العجوز عكّة”، قد اكتسبت لقبها من مظهرها الخارجي، وقد شاع هذا اللقب بين الناس، حتى تحوّل بمرور الزّمن إلى اسم تعرف به، ولا تّعرف بغيره، وبعض الناس معروفون في المجتمع بألقابهم وتتلاشى أسماؤهم من الذاكرة، تحت وطأة اللقب وسعة انتشاره، و”عكّة” تنمّ عن رسم كاريكاتوري فاجع فشكلها يماثل شكل العكّة، (وهي وعاء جلدي يستعمل لتجميع السّمن)، قصيرة القامة، ضخمة الجسم، سوداء اللون، تجول بين النّاس وتشتم الأخبار، ثم تجمعها لتعيد صياغتها بطريقتها الخاصة، تحترف السّحر، وتبيع قلوب الكلاب للنساء اللواتي يُردن إذلال أزواجهنّ، ولقب ” عكّة” يكشف بدقة دلالته البلاغية عن سلوك العجوز وطبيعة تفاعلها مع مجتمع”حارة الحفرة”.
أما “إبراهيم جحا” بائع الشاي بالنعناع داخل استراحة الحمّام فقد كان مرحا مع الناس« يمسح عن جفون حارة الحفرة أتراحها وأحزانها (…) حتى قيل إنه يضحك الموتى»[37]، لكنه كان يعيش حياته الخاصة حزينا، فقد طلّق زوجته، وتمّ اغتصاب ابنته من طرف ذوي النفوذ، وإذا كان لقب “جحا” يختزل بدلالته معاني الفرح والضحك، إلا أنه كان يعيش بنفسية مقهورة، سرعان ما تنفصل عنه حينما يتصل بالناس، وهو بهذا المعنى يقدّم للقارئ مفارقة صادمة، فهو يضحك الناس لكنه حزين، ويسعد المجتمع لكن هذا المجتمع اغتصب يوما ابنته، وهذه صورة لواقع متناقض يضعه أمامنا السارد في كامل عُريه.
وفي سياق كرنفالي يقوم على “الإنزال” و “التدنيس” يتجلى لقب “امحمّد املمّد” رئيس البلدية، الذي يسمح للقارئ أن يرسم إطارا تصوّريا للعلاقة القائمة بين هذا اللقب والمرجعية الثقافية للمجتمع على المستوى الشعبي، فـ” لمّد” بمعنى ” جمعَ” والجمع هنا يتلخّص في ما تشبعت به هذه الشخصية من قيم سلبية، فهي شخصية انتهازية حيث ألصق بمنير تهمة تؤدي به إلى الإعدام.. منافق يمارس الإرهاب ويتهم الناس به[38]، يستغلّ نفوذه لنشر الفساد والظّلم، قام باغتصاب ” علية الحلوة” بنت “إبراهيم جحا”، وقد حكم عليه بالبراءة، بعد شهادة زور من طرف أحد الوجهاء، يتظاهر بالخير ويلقّبه الناس بالحاج، لكن دواخله الشرّيرة، كانت تفضح سلوكاته على أرض الواقع.
إن شخصية “أمحمد املمّد” تبدو من خلال الحكي، ذاتا تتراكم في دواخلها القيم المنحطّة، وإذا كان السارد يقدّم إلينا هذه الشخصية كبعد فردي/ ذاتي، ينطلق من واقع ضيّق لا يتعدى حدود “حارة الحفرة”،إلاّ أن رمزيته تنفتح على أفق أوسع، لتضع أمام القارئ صورة تكشف عن عالم منحطّ.
واشتغال الرواية على هذا النموذج الاجتماعي بشكل ساخر، إنما هو محاولة « لاستعادة الحقيقة الأصلية للعالم (…)[وتهيئة] الجوّ لتصوّر العالم من خلال روح السّلب التي تساعد على تجاوز ذاك العالم»[39].
لعلّ رؤية “عز الدين جلاوجي” في روايته ” رأس المحنة 1+1=0 قد اتضحت وهي تتوشّح الخطاب الغروتيسكي الذي يلتقط من خلاله الكاتب مفاتيح الواقع، ويضخ عبره طاقة إبداعية تجريبية تنهض بوظيفة تقويمية، من خلال تعبير الشخصيات عن مواقفها ضمن علاقاتها ببعضها، فنرى ” جلاوجي” يصطاد لحظات الضحك من عمق التوتر والقلق الذي سيّج حياة الإنسان في المجتمع الجزائري المعاصر، وهو بذلك يرسّخ أسلوبا جديدا في الكتابة الروائية الجزائرية يحقّق من الواقعي والخيالي منجزا روائيا، يشتغل على صناعة المشهد الغروتيسكي لخلق المفارقات المثقلة بالسخرية الموجعة، والثائرة على عبثية المعيش، والدّاعية إلى تعميق الإحساس بالراهن، وإعادة صياغة واقع جديد.
4/ب.”الولي الطاهريرفع يديه بالدعاء،”[40] الغروتيسك باستجلاب المفارقة:
تبدو رواية “الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء” مشبعة بالروح الكرنفالية، وتستثمر الغروتيسك كأداة إبلاغية تترجم انكسارات الراهن العربي، وانهيار أحلامه، فكان خطاب الخيبة مهيمنا على مفاصل الأحداث ليجعل من خيبة الذات العربية في واقع منهار هي البؤرة السردية التي تؤسس للرواية، والسارد في ذلك يسلط الضوء على هذا الواقع المتراجع، وسط سياسة دولية يوجهها منطق القوة.
وبرؤية ساخرة، تقدّم لنا الرواية هذا الواقع على هيئة ظلام تتخبّط فيه الشعوب العربية، إذ« بدتْ الكتلة في أبعادها الثلاثة، مرة في شكل جلد بعير،ومرة في شكل شكوة أو قربة، ومرة في شكل حبّة بلّوط كبيرة»[41]، وهنا نلاحظ بأن المشهد الغروتيسكي هو نتاج سياقات الواقع العربي إذ يبدو المشهد جارحا خصوصا لما يتم تشخيصه بلغة تتكئ على معجم البيئة العربية البدوية( القربة- جلد البعير- الشّكوة)، وهذا الظلام الدامس كما اكتشفته الأقمار الصناعية الغربية كان سببه «كرة مستديرة في شكل بطن منتفخة ، ومرة تتحدث عن شيء مستطيل أشبه ما يكون بقربة معز مشعّرة»[42]، لقد صار الواقع العربي بمحمولاته مدعاة للتهكم، حينما يتمظهر على شاكلة البطون المنتفخة للزعماء والقادة العرب، وفي صورة الأشياء ذات الاستعمال اليومي، كالقربة التي كانت في الماضي تستعمل لتبريد الماء في فصل الحرّ.
ويغوص بنا السارد إلى العمق وهو يستثمر خطاب الغروتيسك، ليزيل الأقنعة ويعرّي حقيقة الواقع، حيث المشاريع العربية التي تدّعي التمرّد على الغرب، والثورة على الواقع السياسي، بدت موهومة وفاشلة، فأسلحة الدّمار الشامل العراقية في عهد صدّام ما هي إلا أكذوبة، عادت على العراق بالوبال، وتهديدات القاعدة الموجّهة للغرب، كانت سببا في خراب العالم الإسلامي « من بين المعلومات الأخيرة التي تواجدت في ليبيا والجزائر، أن صدام حسين استورد من شمال إفريقيا كميات معتبرة من البلّوط، وأوضحت التحليلات التي أجراها الخبراء، في أمريكا وفي إسرائيل أنّ البلّوط، إذا ما استهلك بكميات كبيرة ووصفات معينة، ينتج عنه نوع من الغاز الملّون، يدمّر الحياة بشكل واسع وشامل، ويظهر أن مفعول البلّوط، استعمله أنصار صدّام، وجماعة القاعدة»[43]وهنا تتضح المفارقة الساخرة من خلال معنيين متعارضين، يتعلّق الأول بأسلحة الدمار الشامل التي في حوزة “صدّام” و”بن لادن” بغرض استعمالها ضد إسرائيل وأمريكا، والحقيقة إن هذه الأسلحة المزعومة لا تتعدى مفعول البلّوط الذي يتسبّب في انتفاخ البطن والاكتفاء بإخراج غازات كريهة، وهنا تتضح دلالة الغروتيسك باعتباره «محاكاة بصورة ساخرة تعني تكوين ازدواج مفضوح»[44].
كما عمد السارد إلى كرنفلة المشهد السياسي العربي ليعري من خلاله عبر معنى ظاهر غير مقصود، الأنظمة العربية مستعملا في ذلك خطاب البيان السياسي الكاذب « وقد جاء في بيان لقيادة حزب البعث السوري، إن الأمة تستعين بكل قواها الفاعلة من أجل الوحدة والحرية والاشتراكية، ومن أجل فلسطين وكل الأراضي العربية المحتلّة بما فيها لواء الإسكندرون، وسبتة، ومليلية، والجولان »[45]، فالنظام السوري صار محلّ سخرية من طرف الكاتب، جعل منه نظاما ثائرا يصدر خطابات الوحدة والحرية لاسترجاع كل الأراضي العربية التي تعيش تحت سطوة الاحتلال في المشرق والمغرب.
كما أن العجز المسجل على مستوى المواقف الرسمية، كان حافزا على ” رفع الكلفة” والتهكم من سياسة الحاكم العربي التي فشلت في الإجابة عن انتظارات الشعوب العربية « تنتقل إلى الخرطوم(…) حيث وافانا من هناك مراسلنا عبد الرّحيم فقراء، بما مفاده (…) أن القيادة السياسية انضمت إلى المعارضة، وأعلنت الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية »[46]، وهذه المفارقات السياسية بقدر ما هي باعثة على الضحك فإنها ترسخ معاني البشاعة والاحتقار في وعي القارئ، تجاه هذا الحاكم المنبطح أمام مخططات الغرب الموجهة للسيطرة على الشعوب العربية واستغلال مقدراتها.
إن السخرية اللفظية في الرواية، تتغيأ تغيير معتقدات القارئ العربي تجاه سياسة الحاكم العربي، وتعلن المفارقة التي تفتح مساحة شاسعة للسخرية الموقفية الشاهدة على التناقض بين ظاهر الأشياء وباطنها وبين المعلن والمخفي، وما يتولّد عن ذلك من أفعال تفضح برامج القادة والزعماء وتعري تناقضات الانفتاح على الغرب، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية « ليبيا تضيف وكالة الأنباء الأمريكية، إذ تدين بشدّة الاستعمار والامبريالية، تضع ثقتها التّامة في الولايات المتحدة الأمريكية (…) وتنصح إيران بالاستماع إلى نصائح العالم الجليل، ضرططوخ، فتحذو حذو ليبيا، وتتخلّص من توجّهها النّووي. وقد صرّح القائد قائلا:- طز في الأسلحة النووية، وفي من يسعى إليها، وحاشا من يمتلكها »[47].
ولعل سياسة الحاكم العربي توسع دائرة المفارقة بين الواقعي والحلمي وتصير باعثا على الازدراء، فالقائد الليبي الذي كان يردّد في خطاباته الحماسية عبارة ( طز في أمريكا) يسلّم مصانع التسليح النووي إلى الولايات المتحدة، ثم ينصح إيران بالسّير على منواله، وهو يردّد ( طز في السلاح النووي، وطز في من يحاول امتلاكه).
ولعل الدلالة الأخرى التي يكشف عنها غروستيك المفارقة في هذه الرواية، تتمثّل في التستّر على الحقيقي في الواقع الفلسطيني، والتصريح بما هو حلمي« هنا الأفراح تندلع من كلّ بيت فلسطيني. النّواح ينبعث من كلّ بيت يهودي.نعم نعم فقد عمّ بسرعة البرق خبر حلّ الدّولة العبريّة، ورحيل جميع اليهود الوافدين، وإعطاء الخيار لليهود من أصل فلسطيني في البقاء أو الرّحيل »[48]، ولاشكّ إن لهذه المفارقة معنيان، المعنى الظاهر، الذي توهم به المفارقة، و هو نهاية الدولة العبرية، والمعنى الخفي الذي ينفي المعنى الأول ليؤكد ضديته في الواقع « خليفة المسلمين، أمير المؤمنين الصديق العزيز أسامة بن لادن، أعرض عليه وعلى كافة المسلمين، أن تكون عاصمة الخلافة، القدس الشريف، الله أكبر والعزّة للمسلمين، الجلسة مرفوعة »[49].
إن خطاب الغروتيسك يؤدي وظيفته التّهكمية، من خلال إظهار التعارض القائم بين ظاهر المعنى وباطنه، وبين سطحه وعمقه، ولعل غاية السخرية هنا هي إيراد معنى إقامة خلافة إسلامية في البلاد العربية تحت قيادة زعيم القاعدة أسامة بن لادن، والمقصود بهذا المعنى، هو مغايرة دلالة الظاهر من المقول، حيث يستبعد الكاتب استقلال فلسطين وحلّ الكيان الصهيوني، وإقامة خلافة إسلامية، في ضلّ السياق العالمي المعاصر.
كما يرسم لنا السارد مشهدا غروتيسكيا آخر حين يصف الحركات الإسلامية العربية بـ”منظمة العمي” وينطلق هذا التهكم من موقف الكاتب تجاه هذه الحركات في مصر والجزائر واليمن، ولعل رؤية الكاتب هنا لا تختلف كثيرا عن المواقف العربي الرسمي، وحين يوظف النص القرآني دون أن يقصد ظاهر الدلالة فلعلّه يكشف عن وعي رافض لثقافة لهذه الفئة وقيمها« تبقى إذن الآمال معلّقة على العمي، الذين نشطوا والذين أضحوا خطرا لا يُستهان به في بعض البلدان، مثل مصر والجزائر(…) والعمي أيها السادة والسيدات، عوّضهم المولى عزّ وجلّ عن أبصارهم بالبصير الحادّة وصدق الله العظيم، إذ يقول: لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب…وهم شديدو الذّكاء بالغو الحيلة والمكر»[50].
إن موقف الكاتب من هذه الحركات السّاعية، إلى بسط نفوذها في البلاد العربية، جعلها محلّ سخرية في الرواية، وتؤول السخرية من هذه المنظمات، إلى شعور بالاستخفاف نابع من الموقف تجاه أساليب الخطأ والعجز التي تمارسها هذه المنظمات، سواء أكان ذلك على مستوى الحكم أم على مستوى المعارضة، « يقول مراسلنا من مصر والجزائر، أن هذين البلدين وخاصة الجزائر لهما تجربة كبيرة في حركات المكفوفين، فتنظيماتهم قوية، تنبثّ على كل المناطق، وما من كفيف جزائري إلا ويحمل بطاقة المنظمة»[51].
إن الخلفية التي تؤطّر هذا الخطاب الغروتيسكي، قد تكون سياسية بالأساس، حيث منظمة العمي قد تنسحب بدلالتها على الطبقة الحاكمة أيضا، الفاقدة لأبجديات الحكامة، والخطاب الغروتيسكي يشير إلى استخفاف بالمؤسسة السياسية الرسمية « فمن خلال السخرية تُنتقد بعض المؤسسات الاجتماعية والسياسية وبعض الشخصيات والسلوكيات، كذلك بهدف خفض التّوتّر، أو تصحيح بعض الأوضاع الخاطئة، ما دام الإحباط هو أحد أهم مصادر»[52] السخرية، حيث لا توجد سخرية ما لم يكن هناك ضعف أو عجز، وتكون السخرية في مثل هذه المواقف، بديلا عن الخطاب النقدي المباشر الموجّه إلى بؤر الفساد، وأساليب النّقص« أمّا مؤسسات الأمن المدنية ، فبدءً من وزارة الداخلية، إلى آخر نقطة شرطة في تراب الجمهورية، هي تحت الإشراف التام للعمي ومَن والاهم»[53]
إن رواية “الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء” تحاول أن تعبّر عن الوضع الاجتماعي العربي وفق رؤية جديدة تضع حدودا لدوائر الوهم والحلم على مستوى الطبقة الحاكمة في المجتمع، وتواجه الواقع السياسي كما هو، لتضع القارئ في علاقة تصادمية مع هذا الواقع، فبالإضافة إلى الأنظمة السياسية الفاسدة، هناك تراجع أخلاقي سائد، حيث خطاب الغروتيسك يصير أداة لتعرية الواقع والكشف عن عورة الذّات العربية، وعليه يصير هذا النوع من الخطابات أحد رهانات الكتابة الروائية لدى “الطاهر وطار”، ومكوّنا أساسيا للكتابة الروائية لديه.
لهذا فإنّ المفارقة في هذه الرواية تمّ استجلابها كتقنية تسمح بتحويل المعيش إلى معطى لغوي، يطفح بمحمولات سياسية، واجتماعية، وأخلاقية، ويسعى إلى النّأي عن السرد المباشر، ممّا يدفع بالقارئ إلى التفاعل بجديّة مع الحدث الروائي، وكذا الشخصيات التي تحتكم في غالبيتها إلى بنية صدامية، ضمن المحكي العربي والإسرائيلي، والعربي والغربي، والجماهيري والرسمي.
وإذا كانت الرواية تسعى دوما إلى تبئير اليومي، وفق رؤية فنية تطمح إلى خلق عالم بديل، فإن رواية ” الولي الطاهر…” أبدت مرونة في استيعاب الواقع العربي، وحاولت استنباط ملامحه موظفة خطاب الغروتيسك كمكوّن فني وجمالي يحث على إثارة انفعالات القارئ إزاء المشهد الاجتماعي.
ومن وراء المشهد الكاريكاتوري يفصح الكاتب عن موقفه الساخر، فالتّشوه العضوي الذي تبدو عليه الشخصيات في الرواية يبعث على الإضحاك خاصة لما يتسيج هذا الوصف بالإيديولوجي لأن « الوصف يرتّب ويصف ولا يكون أبدا محايدا وهو يشفّ دوما عن وجهة نظر ما ويدرج قيمة »[54]، والسخرية الواصفة لدى ” وطار” تكشف عن حالة من التصادم والمواجهة، خاصة لمّا يصير الموصوف هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ” جورج بوش” يقول السارد: « كما أن هناك رسوما كاريكاتورية، تُظهر الرئيس الأمريكي فأْرا يقرض ورقة من فئة ألف دولار. أو تّظهره وهو يُقاد إلى سّجن أبو غريب بالعراق منزوع السروال »[55]، ولعلّ الحديث عن سجن “أبو غريب” هو إيحاء بالمفارقة الساخرة، ومحاولة من الكاتب الهروب من ضغط الواقع المفجع ؛ واقع العراق المغمور بالأسى والآمال الخائبة، وإلا كيف يمكن أن يُزجّ بالرئيس الأمريكي في سجن أبو غريب، وهو الذي صنعه لتعذيب العراقيين؟!
وحين يضعنا السارد في أجواء كاريكاتورية، وهو يصف شخصياته الروائية، فليس ذلك سوى حركة تمرّد ونقد للواقع، المرتبط في هذه الرواية بهموم الإنسان العربي ( العراقي) وهو يعاني وطأة الاحتلال الأمريكي، ولذلك يلجأ إلى تقنية الرسم والتشكيل، التي تقرّب القارئ من الحقيقة التي يستهدفها السرد.
واللغة هنا تصير بمثابة الألوان، التي يرسم بها الكاتب لوحاته الباعثة على السّخرية، ويضعنا من خلالها في عوالم الرسوم المتحركة « قالت مستشارة الرئيس الأمريكي للأمن القومي، وقد ظهرت للمرة الأولى كما تشاهدونها في هذا التسجيل ، دون زينة وفي لباس رياضي بنّي داكن،فتبدو في سنّ غير تلك التي كانت تبدو بها، كما أن فمها، تخلّص من مراقبتها له، فبدا عريضا جدّا، يظهر كامل أسنانها الناصعة البياض كلّما فتحته، ويجعل ذقنها تظهر وتختفي كلما تحرّكت وأنفها الغريب يعجز عن الاستقرار في وجهها، بينما ازدادت عيناها ضيقا وصغرا وحدّة، فتكشفان عمّا يكمن في رأسها من عدوانية واحتقار»[56]
استنادا إلى هذا الوصف الكاريكاتوري المكثّف، الذي يشوّه ملامح بعض الشخصيات، يمكن القول بأن “الطاهر وطار”، يجعل من السخرية فلسفة للتصدي والمقاومة، اعتمادا على تقنية الوجوه المشوهة(Grotesque faces) في الفن التشكيلي حيث تصير التقاسيم إيماءات تتصيد الضحك من وسط القتامة، وترسّخ انقلابا لصالح الدّلالة المرتبطة بموقف الإنسان العربي، وببنيته الذّهنية، ومن هنا تؤول الكتابة الروائية إلى أداة للمجابهة.
وحين يعمل السارد على تحويل صورة الحياة اليومية، إلى حركات تعبيرية قلقة بشكل مضحك، فإنه يكشف أيضا عن نبرة انتقادية ساخرة، ولعل هذا القلق والتوتّر المصاحب لحركة الشخصية، يكون صدى لقلق اليومي في حياة الإنسان العربي المعاصر، فهاهو الشعب اليمني عندما تجفّ أوراق القات يعيش« مناحة كبرى (…) النّاس يلطمون خدودهم، ويمزّقون جيوبهم، ويذرفون الدّمع الحار، وهم حيناً يحتضنون بعضهم، مواساة وعزاءً، وأحيانا يتمرّغون على الأرض، ضاربين رؤوسهم على كلّ ما صادفهم، وقد تساقطت من رؤوس الكثيرين منهم، العمائم، كما تساقطت قطع القماش التي يلفّون بها نصفهم السّفلي، فيبدون، حفاة عراة في منتهى الهزال عجفا ضامرين، يذكّروننا بغاندي رحمه الله»[57]، وهذا الموقف الكرنفالي الناقد يسهم في الكشف عن الجوانب الخفية من الطبيعة البشرية فلإنسان اليمني عبر ما هو ملموس.
والسخرية من الواقع العربي تدخل ضمن جَلد الذّات بما تحمله من تقاليد وقيم تدعو إلى الغرابة، بحيث يتجاوز هذا النقد ما هو سطحي إلى تعريّة العمق، وتمكين القارئ من مواجهة المشهد العربي، المضمخ بمعاني الزّيف والرداءة.
ولعلّ ما يبرّر هذا الكشف والفضح، هو أن الكاتب في الوقت الذي يحلم فيه بواقع عربي أفضل، يجد واقعا فعليا قد أفضى إلى ما هو أسوأ، وهنا تحصل المفارقة وتعيش الذات الساردة حالة التوتّر، لتتحوّل هذه الحالة إلى نوع من الثورة التي تعرّي الواقع بلا هوادة.
كما تتعدى سخرية “وطار” إلى استخدام الأسماء الغريبة في الرواية، فـ “حنزليقة” دكتور وباحث عربي مختص في الشؤون الإسرائيلية « في حين ركزت على وجهة نظر الدكتور حنزليقة رغم ما فيها من أحكام مسبقة»[58]، والمفارقة هنا تبدو في عدم انسجام الاسم مع المكانة العلمية لهذه الشخصية المرجعية في رسم التوجهات الدبلوماسية، وهو ما يفصح عن الرؤية الناقدة للمشهد السياسي العربي الذي تصنعه مثل هذه الأسماء، بأفكارها وآرائها حتى صارت « المرجع الوحيد في الأزمة»[59].
إضافة إلى ذلك نجد “ضرططوخ” وهو منظّر للسياسة العالمية، وغالبا ما تستعين الدبلوماسية العربية بخبراته، وتستضيء باستشرافاته وتوقعاته، « ويبدو أن جامعة الدول العربية، وطبعا من ورائها بعض الدّول، والسلطة العربية بالذّات، تميل إلى الرّأي الصادر عن الساحر الإسرائيلي الكبير، الدكتور ضرططوخ »[60] وأقل ما يمكن أن يقال عن هذا الدكتور صاحب اللقب المذموم، إنه كبير السّحرة الذين يخطّطون ويرسمون ملامح الزمن العربي والعالمي المأساوي.
وإذا كانت الأسماء الغريبة دالّة على مسميات مضحكة، فإن حضورها في الرواية كملفوظات ساخرة دالة على صفات توحي بالدّونية، فإن ذلك يرسّخ موقف الرفض الذي يتخذه الإنسان العربي لهذا تجاه سذاجة الواقع السياسي الذي هو في الأخير صنيعة “حنزليقة” و”ضرططوخ”، ذات الدلالات المهزوزة والمشوهة، والتي لا تصنع سوى المواقف الساخرة المهزوزة مثلها.
الخاتمــة:
- الغروتيسك مفهوم نبت في حقل الثقافة الرومانية القديمة، تحول من خطاب بصري تحتفي به فنون الرسم والنحت إلى خطاب لغوي توظفه الرواية في نقد الواقع البشع ورسم مشاهد السخرية والاشمئزاز.
- يستبطن خطاب الغروتيسك نسقا من أشكال التحقير وإشاعة روح عدم الكلفة والتوفيق بين الأضداد والتشكيل الكاريكاتوري ورسم المواقف الكرنفالية.
- يحتفي خطاب الغروتيسك بنقد الواقع عبر الربط بين صورة الحياة الاجتماعية والمشهد الكرنفالي الذي تنقلب فيه الأشياء، وتتلاشى القوانين والمحظورات التي تسيّج نظام الحياة كما يلغى نظام الألقاب والمراتب وما يتبعها من خوف وتمجيد.
- خطاب الغروتيسك انعكس تأثيره على بنية اللغة الروائية، حيث التعبير يجري مجرى الملموس، ومعه تصير اللغة إنجازا يؤسس لبناء الصورة ومشاهد التشويه والتهريج ومواقف الخوف والسخرية.
- يتعاطى خطاب الغروتيسك مع العالم بالمفهوم الكرنفالي والهجاء السياسي والاجتماعي والأخلاقي الفاضح.
- يتقاطع خطاب الغروتيسك مع الرواية الجديدة/ التجريبية في مسألة التجاوز، وانتهاك المألوف، وعدم إشاعة الكلفة، وكذا الانفتاح على كل الممكنات، ورفض الناجز.
- تبنّت الكتابة الروائية الجزائرية ذات النزوع التجريبي خطاب الغروتيسك، ووظفته كأداة لنقد الواقع الاجتماعي والسياسي من خلال تجربة عز الدين جلاوجي في روايته ” رأس المحنة”، وتجربة الطاهر وطار في روايته” الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء.
- من أبرز ملامح الغروتيسك التي وظفها عز الدين جلاوجي وهو يرصد المفارقات الاجتماعية ويعري الصراع الطبقي في المجتمع الجزائري، التشوه الجسدي عبر الرسم الكاريكاتوري، والاحتفاء بالجسم الغروتيسكي المبالغ في السخرية.
- أما رواية” الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء” للطاهر وطار، فقد أسست مساراتها السردية على نقد الواقع السياسي والاجتماعي والأخلاقي العربي، ووظفت في سبيل ذلك المشهد الكرنفالي، واللغة ذات السخرية العنيفة، والتشوه العضوي وربطه بالإيديولوجي، وتحويل تفاصيل الحياة اليومية العربية إلى حركات تعبيرية قلقة ومضحكة.
قائمة المصادر والمراجع:
- المصادر:
- جلاوجي عز الدين: رأس المحنة 1+1=0، دار هومة للطباعة والنّشر والتوزيع، الجزائر، 2004.
- وطّار الطاهر: الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء، موفم للنشر، الجزائر، (ط1)، 2007.
- المراجع:
أ- المراجع العربية.
– العمري محمد: البلاغة الجديدة بين التخييل والتداول، إفريقيا للنشر، الدار البيضاء، (ط02)،2012.
– الفيصل سمر روحي: الرواية العربية البناء والرؤيا ( مقاربة نقدية)، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2003.
– بحراوي حسن: بنية الشكل الروائي( الفضاء- الزمن- الشخصية)، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، (ط01)، 1990.
– عبد الجليل حسن: المفارقة في شعر عدي بن زيد، دار الوفاء لدنيا الطباعة، الإسكندرية، (ط1)، 2009.
– عمامي امحمد نجيب: فنّ الوصف بين النظرية والنص السّردي، دار امحمد علي للنشر، تونس، ( ط1)، 2005.
– هادي أحمد قيس: الإنسان المعاصر عند هربرت ماركيوز، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، (ط1)، 1980.
ب- المراجع المترجمة:
– باختين ميخائيل: شعرية دوستويفسكي، تر: جميل نصيف التكريتي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، (ط01)، 1986.
– لوكاتش جورج: نظرية الرواية، ترجمة: الحسين سحبان، منشورات التّل، الرباط، (ط1)، 1988.
جـ- المراجع الأجنبية:
– Maarten. Van BuuREN, Witold Gombrowicz et le grotesque, revue littérature, paris 6, N48. Décembre 1982.
-Mikhaïl Bakhtine, L’œuvre de François Rabelais et la culture populaire au Moyen Âge et sous la Renaissance, traduire par Andrée Robel, ed. Gallimard, 1970.
-Victor Hugo, Préface de Cromwell, la société d’Editions Littéraire et Artistiques, Libraire Paul Ollendorff, Paris, 1912.
د- الدوريات:
– شاكر عبد الحميد: (الفكاهة والضّحك)، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد289، 2003.
[1] – سمر روحي الفيصل: الرواية العربية البناء والرؤيا ( مقاربة نقدية)، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2003، ص202.
[2]– Maarten. Van BuuREN, Witold Gombrowicz et le grotesque, revue littérature, paris 6, N48. Décembre 1982, la rousse, p.58.
[3] -Victor Hugo, Préface de Cromwell, la société d’Editions Littéraire et Artistiques, Libraire Paul Ollendorff, Paris, 1912, p.72- 73.
[4]– Ibid. p. 98.
[5]– Ibid. p. 104.
[6] -Mikhaïl Bakhtine, L’œuvre de François Rabelais et la culture populaire au Moyen Âge et sous la Renaissance, traduire par Andrée Robel, ed. Gallimard, 1970, p48.
[7] – Victor Hugo, Préface de Cromwell, p.29.
[8] – ميخائيل باختين: شعرية دوستويفسكي، تر: جميل نصيف التكريتي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، (ط01)، 1986، ص180.
[9] – المرجع نفسه، ص184.
[10] – المرجع نفسه، ص179.
[11] – هي تحوّل ساخر يعرّي تناقضات الواقع، والرواية التجريبية، اشتغلت على لغة المفارقة، للكشف عن التعارضات بين الأطراف، وعن اجتماع ثنائيات ضديّة لا يجب أم تجتمع. للاطلاع، ينظر: حسن عبد الجليل: المفارقة في شعر عدي بن زيد، دار الوفاء لدنيا الطباعة، الإسكندرية، (ط1)، 2009، ص01.
[12] – محمد العمري: البلاغة الجديدة بين التخييل والتداول، إفريقيا للنشر، الدار البيضاء، (ط02)،2012. ص93.
[13] – ينظر: المرجع نفسه، ص 96.
[14] – جورج لوكاتش: نظرية الرواية، ترجمة: الحسين سحبان، منشورات التّل، الرباط، (ط1)، 1988، ص70.
[15] – ميخائيل باختين: شعرية دوستويفسكي، ص 180،181.
[16] – المرجع نفسه، ص181.
[17] – المرجع نفسه، ص184.
[18] – المرجع نفسه، ص181.
[19]– ينظر، ميخائيل باختين: شعرية دوستويفسكي، ص 186.
[20] – المرجع نفسه، ص 243.
[21] – المرجع نفسه، ص 187.
[22] – حسن بحراوي: بنية الشكل الروائي( الفضاء- الزمن- الشخصية)، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، (ط01)، 1990، ص09.
[23] – المرجع السابق، ض10.
[24] – عز الدين جلاوجي: رأس المحنة 1+1=0، دار هومة للطباعة والنّشر والتوزيع، الجزائر، 2004.
[25] – ينظر، ميخائيل باختين: شعرية دوستويفسكي، ص 185.
[26] – عز الدين جلاوجي: رأس المحنة، ص90.
[27] – المصدر السابق، ص 32.
[28] – المصدر نفسه، ص 141.
[29] – Maarten. Van BuuREN, Witold Gombrowicz et le grotesque ,op. cit., p.60
[30] – عز الدين جلاوجي: رأس المحنة، ص171.
[31] – المصدر السابق، ص75, 76.
[32] – المصدر نفسه، ص ص 82،83.
[33] – المصدر نفسه، ص 32.
[34] – المصدر السابق، ص107.
[35] – المصدر نفسه، ص105.
[36] – المصدر نفسه، ص 184.
[37] – المصدر السابق، ص74.
[38] – ينظر، المصدر السابق، ص175.
[39] – قيس هادي أحمد: الإنسان المعاصر عند هربرت ماركيوز، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، (ط1)، 1980، ص144.
[40] – الطاهر وطّار: الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء، موفم للنشر، الجزائر، (ط1)، 2007.
[41] – المصدر نفسه ، ص43.
[42] – المصدر السابق، ص31.
[43] – المصدر نفسه، ص42.
[44] – ميخائيل باختين: شعرية دوستويفسكي، ص 186.
[45] – الطاهر وطّار: الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء ، ص 74.
[46] – المصدر نفسه، ص ص 74،75.
[47] – المصدر السابق، ص41.
[48] – المصدر نفسه ، ص100.
[49] – المصدر نفسه، ص103.
[50] – المصدر نفسه ، ص59.
[51] – المصدر السابق ، ص60.
[52] – عبد الحميد شاكر: الفكاهة والضّحك، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد289، 2003، ص36.
[53] – الطاهر وطار: الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء، ص66.
[54] – امحمد نجيب عمامي: فنّ الوصف بين النظرية والنص السّردي، دار امحمد علي للنشر، تونس، ( ط1)، 2005، ص 180.
[55] – الطاهر وطار: الولي الطاهر، ص ص 50- 51.
[56] – المصدر نفسه، ص 84.
[57] – المصدر نفسه، ص 89.
[58] – المصدر السابق، ص 46.
[59] – المصدر نفسه، ص 110.
[60] – المصدر نفسه ، ص 39.