
قراءة في كتاب:” واحات طاطا: سحر المجال وغنى التراث”
رشيد صديـق/باحث بسلك الدكتوراه/جامعة محمد الخامس الرباط المغرب
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 43 الصفحة 151.
ملخص:
حاولنا من خلال هذا المقال، قراءة مضامين كتاب واحات طاطا: سحر المجال وغنى التراث، قراءة تركيبية لفصول ومحاور هذه الدراسة وفق ثلاثة محاور أساسية. ويندرج هذا العمل ضمن سلسلة الدراسات تاريخ ومجتمعات المغرب الصحراوي التي تصدرها وكالة الجنوب للإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة المغربية.
الكلمات المفتاحية: الواحات، التراث، الجنوب المغربي، طاطا.
تقديم:
يعتبر كتاب واحات طاطا من بين منشورات سلسلة تاريخ ومجتمعات المغرب الصحراوي، التي تصدرها وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية. وهو حصيلة عمل جماعي، ساهم في إعداده وانجازه الباحثين: مبارك أيت عدي، والمحفوظ أسمهري[1]. من تقديم الأستاذ حسن اوريد.
يعد هذا الكتاب إضافة علمية ونوعية للخزانة المغربية، لسد النقص الحاصل في تاريخ وتراث المجتمعات الواحية الصحراوية والشبه الصحراوية المغربية. فما هي أهم مضامين فصول هذا الكتاب؟ وما المناهج المتبعة في هذه الدراسة؟ وما هي الخلاصات والاستنتاجات العلمية التي خلص إليها الباحثين في هذا العمل؟. وللإجابة على هذه التساؤلات المعرفية حاولنا قراءة هذا العمل وفق ثلاثة محاور أساسية وهي كالأتي:
المحور الأول: على مستوى الشكل
قبل الحديث عن أهم مضامين هذا الكتاب، لابد من الوقوف على أهم المرتكزات الشكلية له. فالكتاب الذي نحن بصدد إجراء قراءة فيه، يقع في 287 صفحة من الحجم الكبير. وهي من الكتب الجميلة المقرونة باللغة العربية. يحتوي الكتاب، على تقديم عام ومقدمة طلالية، وستة مباحث، وخاتمة.
المحور الثاني: على مستوي المضمون
في المقدمة، أشار الباحثين إلى أهمية الموقع الاستراتيجي لواحات طاطا، الذي لعب أدوارا تاريخية في ربط شمال المغرب وجنوب الصحراء. إذ شكلت هذه الواحات محطة إستراتيجية منذ العصور ماقبل التاريخ واستمرت حتى الفترة الإسلامية، ووصولا إلى الفترة الحديثة. ومن جانب أخر، ابرز الباحثين دور العنصريين المتحكمين في الإرث التاريخي والحضاري لهذه الواحات والمتمثل أساسا في الريادة الحضارية للمجال، والموقع الاستراتيجي لهذه الواحات ضمن خريطة المجالات الشبة الصحراوية والصحراوية المغربية.
إن المميزات الثقافية والجغرافية لهذه المجالات الواحية، تؤكد على التعدد اللغوي والثقافي في تاريخ المنطقة. ورغم ندرة المراجع حول التاريخ القديم والوسيط للمنطقة[2]، اعتمد المؤلفين على المعطيات المادية أغنت تاريخ المنطقة بشواهد تاريخية وحضارية، تشهد على أسرار الماضي وخباياه.
لم يكتفي الباحثين على الشواهد المادية التاريخية والحضارية للمنطقة، بل فحسب، حاولوا تتبع المسار العلمي والبحثي حول تاريخ مجال باني وواحاته إلى حدود القرن السادس عشر، حيث شهد هذا الأخير، طفرة نوعية في مجال التدوين والتأليف، نظرا، لاهتمام المتصوفة الدينية للحركة العلمية. فمن خلال المخطوطات وذخائر الخزانات العلمية للمنطقة، تبين أن تاريخ الهوامش الصحراوية المغربية لازالت تكتنف أحداث تاريخية تحتاج إلى البحث والتنقيب في المصادر التاريخية المهتمة بالتاريخ العام للمنطقة. كما تابع المؤلفين المسلسل التاريخي للمنطقة إلى حدود القرن التاسع عشر، انطلاق من الأبحاث الاستعمارية المتمثلة في المونوغرافية والأرشيف الفرنسي للمنطقة، باعتبارها جزء من مصادر تاريخ المنطقة خلال الفترة الراهنة.
في المبحث الأول، تطرق الباحثين إلى أهمية العامل الجيولوجي “الزمن ما قبل الكمبري”، والذي ساهم في تكوين الواحات الشبه الصحراوية والسلسلة الجبلية للأطلس الصغير التي تعد جزءا من التراث الجيولوجي والطبيعي بالمغرب. بإضافة إلى هذا، ساعدت الطبيعة الجيولوجية للمنطقة، الإنسان القديم في انجاز وتشكيل لوحات صخرية وفنية، تعبر عن معتقداته وطبيعة البيئة اليكولوجية والحيوانية خلال فترتي ماقبل وماقبيل التاريخ.
من جانب أخر، أكد الباحثين على دور المجاري المائية والروافد التي تخترق المنطقة في خلق الواحات، إذ ساهمت بشكل أساسي في استيطان المجموعات البشرية من العصور القديمة، وحفظ التوازنات البيئية والطبيعية للمنطقة منذ تلك الفترة. كما أنها ساهمت في تشكيل ممرات طبوغرافية وطبيعية، وتنوع الفضاء النباتي والفرشة المائية لهذه المجالات الواحية، الشيء الذي أنتج تراث طبيعيا غنيا بشكل عام، ومجالا متميزا بخصوصيات ومشاهد طبيعية متعددة ومتنوعة على وجه الخصوص.
في نفس السياق، ذهب الباحثين إلى التركيز على التركيبة البشرية للواحات طاطا، باعتبارها محددا أساسيا في تنوع وتعدد المجموعات البشرية المستقرة فيها[3]، من خلال المعطيات التاريخية الميدانية من نقوش صخرية ومقابر جنائزية ومواقع الصناعات الحجرية، التي تدل على أقدمية المنطقة وعلى عمق الذاكرة الجماعية الضاربة في أعماق التاريخ، المتنوعة والمتعددة الأصول والاثنيات، والأجناس البشرية الوافدة على المنطقة[4].
من زاوية أخرى، تؤكد الروايات الشفوية حول المنطقة عن تواجد حضارات قديمة منها: فئة اليهود، والمسيح، والتي استقرت بالمنطقة عبر مراحل تاريخية قديمة. وقد رجح الباحثين أن التاريخ البشري لواحات طاطا، يعد محطة وصول أولى الهجرات المعقيلية خلال الفترة الإسلامية والتي أغنت النسيج البشري للمنطقة. عموما، خلص الباحثين في هذا المبحث على اعتبار أن التاريخ البشري للمنطقة جزء من التاريخ العام للواحات المغربية، إذ لا يمكن فصله عن تاريخ باقي المجالات الواحية الصحراوية المغاربية.
وكاستنتاج عام لما سبق، ذهب الباحثين في المبحث الثاني إلى إبراز العمق التاريخي والحضاري لواحات طاطا، من خلال التركيز على مجموعة من المظاهر التي تؤكد الاستقرار البشري، وهي القاسم المشترك بين جل المناطق الشبة الصحراوية والصحراوية ومن أهمها: حضارات ما قبل التاريخ: وتتجلى أساسا في مواقع الصناعات الحجرية إلى تزخر بها المنطقة، وهي مواقع لحضارات العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث والفن الصخري: وهو من أهم الشواهد التاريخية لكتابة تاريخ المنطقة. لقد أكد الباحثين أن منطقة طاطا تعتبر أولا، متاحف تاريخية للنقوش الصخرية، والتي تتميز بمراحل مختلفة من الاستقرار البشري منذ مرحلة ماقبل التاريخ حتى الفترة الليبية الامازيغية…إلا أنها، تحتاج اليوم إلى اتخاذ إجراءات كفيلة لحماية هذا الموروث التاريخي والحد من المخاطر والمشاكل التي يعاني منها في الوقت الراهن. ثانيا، مجالا غنيا بالمدافن ماقبل الإسلام والتي تشكل مظهرا من مظاهر الاستقرار البشري بالمنطقة، وجانب من جوانب تاريخ المنطقة الغير المعروف خلال الفترة ما قبل الإسلام[5].
في المبحث الثالث، اعتبر الباحثين أن واحات طاطا شهدت خلال العصر الوسيط أدوار تاريخية وسياسية في تاريخ المغرب، وذلك راجع إلى دور الزعامات الصوفية والدينية التي قادت الحملات العسكرية على السواحل المغربية ضد المستعمر، والتي كان لها دورا مهما في دعم وقيادة الحركات إلى الحكم المركزي، والمساهمة في تكوين دول حكمت المغرب خلال الفترة الوسيطية -منها الدولة المرابطية والسعدية- مما أهلها لتكون حاضرة عريقة في تاريخ المغرب العام.
وقف الباحثين في المبحث الرابع على جوانب من التراث المعماري الأصيل لواحات طاطا.. ومنها مدينة تامدولت التاريخية، وتعتبر أول الجوانب المعمارية التي استوقفت الباحثين مع الذاكرة التاريخية للمنطقة، إذ تعتبر من أقدم المراكز التجارية بالمغرب خلال الفترة الوسيطية والحديثة، والتي حيرت المؤرخين منذ المرحلة المرابطية إلى يومنا هذا، نظرا لغياب معلومات تاريخية حول عمرانها وأسباب تخريبها.
يتحدث الجانب الثاني عن النظام المعماري الاجتماعي المعروف بالأطلس الصغير بالمخازن الجماعية أو إكودار. حيث أكد الباحثين أن واحات طاطا غنية ومعروفة بهذا النوع المعماري العريق الذي يقوم بأدوار ووظائف اجتماعية وثقافية بامتياز. وصنفوا هذا النوع إلى صنفين: مخازن الواحات، والتي توجد في السهول والمنبسطات والمبنية بتقنيات التراب المدكوك. أما الصنف الثاني، وهي مخازن أهل الجبل، وتستعمل فيها الحجارة كمادة أساسية في مواد البناء، وأبراج الحراسة لمراقبة الخطر الخارجي، لضمان استمرارية وحماية الممتلكات من الهجمات والحروب.
وبخصوص الجانب الثالث، فقد خصصه الباحثين للعمارة الدينية بالمنطقة. وقد صنفها الباحثين إلى نوعين: الزوايا والأضرحة. بالنسبة للنوع الأول، تم تقسيمه حسب الفترة التاريخية، بحيث نجد زوايا القرن 16م، التي ساهمت في محاربة المسيحيين ومحاولة ترسيخ أسس الدين الإسلامي كزوايا سيديي محمد مبارك الاقاوي وسيدي محمد يعقوب والمتميز بنمط معماري وهندسة وزخرفة أصليتين. و زوايا القرن 19م، والتي بناءها شيوخ الزوايا والتجار، وقد ساهمت في إعادة العلاقات الروحية والتجارية بين بلاد السودان والمغرب. أما النوع الثاني من العمارة الدينية، فهو الأضرحة. إذ تنتشر كثيرا في أرجاء المنطقة وهي أضرحة يهودية[6]. وتم تصنيفها إلى نوعين أضرحة مجهولة-يهودية وأضرحة لشخصيات دينية معروفة.
أما الجانب الثالث، فقد خصص للعمارة الدفاعية والعسكرية. أهمها القصبات والحصون. بالنسبة القصبات تم تقسيمها إلى أنواع حسب التقسيم الجغرافي والمجالي للقبائل: ومنها قصبات الموجودة في مجال تحكات وتاكيزولت. والنوع الثالث، في الحدود إمارة تزروالت، ومن أهم هذه القصبات تكديرت نتيكمار، تاكديرت أويون، تكاديرت أوكليد… وبإضافة إلى ذلك، أضاف الباحثين نوع أخر وهو القصبات المخزنية. منها المخصصة للقواد كقصبة خليفة الباشا الكلاوي، وقصبات القائدية المتميزة بطابع خاص معماري هندسي فريد. ومع بداية الفترة الاستعمارية، سجل الباحثين أن العمارة التقليدية الأصلية عرفت تراجعا على مستوى البناء والمعمار، حيث ظهرت “الرياضات” كشكل معماري يحمل تأثيرات جديدة، ومحافظ على زخارف تبويحيات[7]. ومن أهم هذه الرياضات رياض قواد ايت بونعيلات، ورياض التاجر الحاج الحسين بلكاغ…
وبإضافة إلى الجانب الرابع، لم يغفل الباحثين دور العمارة اليهودية في تاريخ وتراث المجتمع الواحي الطاطوي، كأحد جوانب التراث المعماري بالمنطقة، إذ تعتبر الملاحات والأضرحة والمقابر اليهودية جزءا لا يتجزأ من العمارة الواحية التي تشترك بعض مميزاتها وخصوصياتها مع العمارة الإسلامية بالمنطقة. ومن أهم هذه المميزات المشتركة، تشابه العمارة الواحية واليهودية من حيث نمط ومواد البناء، وعدم انعزالها عن قصور ومساكن المسلمين.
لقد أجمع الباحثين أن هذه العمارة المحلية تعد من الشواهد المادية التي تدل على وجود تواصل ثقافي وديني ببن المنطقة وباقي المناطق الصحراوية والشبه الصحراوية خلال فترات تاريخية قديمة.
في المبحث الخامس، خصصه الباحثين لتقديم جوانب من التراث المادي المرتبط بالخبرات والمهارات والصناعات المعدنية والجلدية والطبيعية. وركزوا أساسا على بعض النماذج من الخبرات المحلية ومنها: الصناعات اليدوية: وهي كل الحرف والفنون المرتبطة أساسا بشجرة النخيل. والمقسمة إلى قسمين: صناعات يدوية مرتبطة بالمرأة، وتشمل كل الأدوات ذات الاستعمال المنزلي. وأخرى مرتبطة بالرجل، وهي ذات الطابع الفلاحي بالخصوص. أما الصناعات المعدنية: فيرجع الباحثين ازدهارها إلى كثرة المنجم المعدنية بالمنطقة، والى استقرار أعرق المجموعات اليهودية بالمنطقة، وتأثير هذه الأخيرة، بالمسالك التجارة الصحراوية البعيدة المدى. و الصناعة الثالثة: وهي صناعة قديمة تعود إلى ثلاثة ألف سنة قبل الميلاد، حيث تؤكد الحلي المعدنية الموجودة في قبور ما قبل الإسلام عن أقديمة الصناعة واستعمالها القديم. أما الصناعة الرابعة وهي مرتبطة بالجلد تستمد قيمتها من خلال الألوان الزخروفية والصباغات المنقوشة فيها، ويرجع سبب ازدهارها في الواحات إلى تنوع المهارات والخبرات التي يملكها الرحل والمستقرين بالمنطقة.
أما الشق المرتبط بصناعة الأعشاب الطبيعية، فقد أكد المؤلفين أن واحات طاطا عموما واحتي تسينت وتوزونين خصوصا، تزخر بالعديد من الأعشاب الطبية والمستعملة في التداوي والتطبيب والتجميل، بحيث تساهم المؤهلات الطبيعية والمعدنية الموجودة بالمنطقة في توفير المادة الأولية لأهالي المنطقة، مما يساعدهم في امتلاك هذه الصناعات عبر الأجيال.
المبحث السادس والأخير، المخصص لأنواع وأشكال اللباس والفرجة وعادات الطبخ. حاول الباحثين تأصيل العمق الحضاري والتاريخي والتنوع الثقافي للمنطقة انطلاقا من هذه النماذج المدروسة، مبينا في ذلك العوامل المتداخلة في صناعة اللباس. لقد قسم الباحثين أنواع اللباس إلى ثلاثة أنواع رئيسية: لباس ساكنة واحات باني، ولباس ساكنة واحات السفوح الجنوبية للأطلس الصغير، ولباس الرحل. فلاحظوا وجود قواسم مشتركة والمتمثلة في طغيان اللون الأسود، والأبيض، والأزرق، وكذا شاسعة الثوب المخصصة للباس. كما أنهم قاموا بمقارنة بين أوجه الاختلاف والتشابه في اللباس الرجل والمرأة في الجنوب المغربي.
وفي القسم الخاص بأشكال الفرجة، صنف الباحثين أنواع الفرجة إلى نوعين: الأول، فهو التراث الغنائي الخاص بالمستقرين بالواحات والمرتبط بالحراطين والبيض كالدرست، وأهنقار، واحواش الفتيات. وهو من الفنون الشعبية المشتركة بين النساء والرجال والذي يختلف من منطقة إلى أخرى حسب المحددات التاريخية والاجتماعية لكل الوحدات البشرية المستقرة بالمنطقة. أما الثاني، وهو التراث الغنائي الخاص بالرجال الامازيغ والعرب في نفس الوقت. فهو لا يختلف عن باقي الأنواع الأخرى، لكنه يرتبط بالقبائل الرحال المستقرة بالمنطق، ويتميز بغياب الآلات الموسيقية. ومن بين الأنواع المشهور فيه: رقصة تاحواشت، ترحالت، رقصة لهرمة، الشمرة، الكدرة، وفن الرسمة، والهوارية، والطحاني…الخ. والنوع الثالث المرتبط بأحواش ن اسمكان أو كناوة. وهو من الفنون التي ارتبطت بالتمظهرات الاجتماعية للفئة العبيد والمعبرة عن معاناتهم وأحوالهم وظروفهم الاجتماعية والثقافية، حيث يعد هذا الفن من الفنون التي تستمد أصولها من جنوب الصحراء، والتي خظيت بأهمية بالغة لدى ساكنة المنطقة، إذ يعكس التمازج الثقافي والحضاري بين الجنوب المغربي ودول جنوب إفريقيا عبر التاريخ. أما النوع الثالث والأخير، ويسمى أحواش هاوي. وهو شكل غنائي من الأشكال الفرجوية المرتبطة بالقرن السادس عشر، ذات الطابع الديني ومن أشهر هذا النوع أحواش ن هاوي بواحة تمنارت جنوب المغرب.
المحور الثالث: على مستوى المنهج
بعد الحديث عن مضامين فصول ومحاور الدراسة، لا تخلو أي دراسة ميدانية من منهج أو مناهج علمية متنوعة، إلا في حالات ناذرة ،كالتي تسوق الدراسات كمنتوج تسوقي ربحي دون هدف أو تأصيل علمي جديد. فالعمل الذي بين أيدينا، نجح الباحثون إلى امتلاك منهجية علمية تحترم أسس ومبادئ البحث العلمي الرصين.
لقد استعمل الباحثين في هذه الدراسة مجموعة من التقنيات المنهجية المرتبط بالبحث التاريخي والجغرافي والأثري في آن واحد، بل أيضا وظفوا صور فوتوغرافية ذات جودة عالية لتأكيد صحة المعلومات.
إن المنهج التاريخي المستعمل في هذه الدراسة احترم بشكل شمولي تقنياته من وصف وتحليل ومقارنة، حيث اعتمد مؤلفيه على روايات شفوية، ووثائق ورسائل وظهائير سلطانية ثم أرشيف فرنسي في كتابة التاريخ الجهوي لواحات طاطا عبر المراحل التاريخية.
وفي نفس السياق، استند الباحثين على منهجية أثرية تتجلى في توظيف المادة الأثرية الخامة في دراسة التراث الاركيولوجي للواحات المدروسة، والمتمثلة أساسا في اللوحات الصخرية وأشكال المقابر الجنائزية ماقبل الإسلام.
ومن الناحية الجغرافية، وظف الباحثين الخرائط الجغرافية لتوطين المجال المدروس والقصور والقصبات والحصون، ومواقع الفن الصخري بواحات طاطا، والتي توحي بوعي المؤلفين بأهمية التوطين الجغرافي في الدراسات الأثرية والتراثية. كما أنها تمكن القارئ من وضع تصور أولي لقراءة المؤهلات الثقافية والتاريخية للواحات قصد فهم العوامل المتحكمة والمساعدة في تركز الأشكال التراثية والأثرية في منطقة معينة دون أخرى. ومن جهة أخرى، تساهم في صنع القرارات السياسات التنموية للمنطقة.
والجدير بذكر في هذه الدراسة، هي محاولات الباحثين طرح تساؤلات معرفية حول تاريخ الفن الصخري والعمارة اليهودية والاستقرار البشري بالمنطقة، وهي بمثابة وقفات تاريخية ولحظات استقرائية حول الإشكالات المطروحة في الساحة المعرفية والبحث العلمي حول المنطقة.
وعلاوة على ما سبق، لم يكتفي الباحثين على المناهج العلمية السابقة، بل اعتمدوا على ببلوغرافية متنوعة ومتعددة منها مراجع ومصادر ومقالات علمية باللغتين الفرنسية والعربية. إجمالا، لقد أضفت كل هذه المناهج و التقنيات والخطوات العلمية للكتاب طابعا علميا فريدا ومتميزا ومتناسقا في فصوله.
خاتمة:
وفي الختام، خلص الباحثين إلى أن الموقع الاستراتيجي للمجالات الواحية لطاطا، ساهم بشكل كبير في تمركز استقرار البشري قديم وتنوع أصول وثقافته، الشيء الذي أعطى لواحات طاطا عمقا تاريخيا وحضاريا متميزا في تاريخ المملكة الغربية العام.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة لم تكتفي فقط بجرد المؤهلات التاريخية والتراثية لواحات طاطا، بل ساهمت في إبراز مختلف التحولات التي عرفتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة والتي أثرت بشكل سلبي على التراث الثقافي المادي واللامادي للواحات، حيث أصبحت تهدده بالاندثار والزوال في الأفق القريب. الأمر الذي دفع المؤلفين إلى دعوة الجهات المعنية والوصية بقطاع التراث والثقافة والسياحة بالمملكة المغربية بضرورة الرقي بالمؤهلات واستثمرها في التنمية المحلية والسياحة الواحاتية لخدمة أهداف التنمية الشاملة والمستدامة.
ومجمل القول، لابد من الاعتراف بأهمية وقيمة هذا العمل الرصين، والمتجسد في غنى وتنوع النتائج المحصلة عليها. وفي الأخير، إن هذه المحاولة ليست إلا مساهمة متواضعة لقراءة كتاب علمي قراءة تركيبة، وليست نقدية لمضامينه، فهو عمل يحمل في طياته أحداث تاريخية واجتماعية غنية تحتاج إلى المزيد من البحث والتنقيب والتنقيح لإزالة الغبار عن تاريخ وتراث واحات طاطا بالخصوص، وباقي المجالات الواحية الصحراوية والشبه الصحراوية عامة. وأخيرا، يعد هذا الكتاب دعوة خاصة للباحثين من جميع التخصصات العلمية والجهات المعنية بالاهتمام ورد الاعتبار لتاريخ وتراث المجتمعات الواحية المغربية خاصة والمغاربية عموما.
[1] – باحثين من المعهد الملكي للثقافة الامازيغية للمملكة المغربية، حاصلين على شهادة الدكتوراه في التاريخ بجامعة محمد الخامس أكدال الرباط.
[2]– يرجع الباحثين قلة المراجع حول تاريخ المنطقة إلى عدم اهتمام المؤرخين القدماء بما وراء سلسلة باني، وتركز الدراسات حول المجالات الساحلية: كماسة، ونون، ودرعة…
[3] – يؤكد الباحثين أن هذا التنوع البشري للمنطقة ليس وليد اليوم، بل هو نتاج مسلسل تاريخي امتد منذ البدايات الأولى للهجرات البشرية عبر التاريخ.
[4] – رجع الباحثين إن النقص الحاصل في عدم معرفة الأصول التاريخية للمجوعات البشرية في المنطقة، راجع إلى قلة الأبحاث الاركيولوجية والحفريات الأثرية التي من شأنها المساهمة في كشف أسرار التاريخ البشري للمنطقة.
[5] – حسب تعبير الباحثين تبقى معرفة خصائص ومميزات حضارات ما قبل التاريخ وما قبل الإسلام نسبية وقليلة مقارنة مع المناطق الأخرى، فهي تحتاج إلى دراسات أثرية علمية معمقة تساعد الباحثين الإجابة على مختلف التساؤلات المرتبطة بالمعتقدات الجنائزية وطرق الدفن والمعمار القديم.
[6] – أكد الباحثين أن معظم أضرحة المنطقة أصلها يهودي. فانطلاقا من تسمياتها يبدوا منذ الوهلة الأولى أنها يهودية، لكننا نكشف أن الغموض الفكري لازال مطروحا إلى يومنا. فربما يعود أصل هذه أضرحة إلى قبور ماقبل التاريخ والعكس صحيح، قد تكون مزارات لأولياء من الفترة الإسلامية وتم انتسابها إلى يهود المنطقة أثناء استقرارهم بها. يبقى السؤال والفضول الفكري لازال مطروح إلى حدود إزالة اللبس والغموض عن أصل هذه المزارات والأضرحة.
[7] – هي نخبة محلية تنتمي إلى عائلة عريقة بإقليم طاطا متخصصة في فن العمارة، وقد صنف الباحثين عمارة هذه العائلة تبويحيات أي العمارة الراقية كإرث محلي مخصص للنخب المحلية بالمنطقة