
أثر تعليم المرأة على تغيير النموذج الزواجي في الجزائر
بن صدّيق زوبيدة،طالبة دكتوراه/جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان، الجزائر
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 43 الصفحة 25.
ملخّص :
إنّ التغيرات التي شهدها المجتمع الجزائري أدّت إلى ظهور نموذج زواج جديد ، و أبرز ما تجلّى من خلال هذا التغيّر هو الارتفاع المستمر لسنّ الزواج الأوّل بالنّسبة للذكور و الإناث و لعلّ التحقيقات السكانيّة التي أجريت مؤخّرا تبيّن بشكل واضح هذا التغيّر ، فبعد أن كان سن زواج المرأة غداة الاستقلال لا يتعدّى 18 سنة أصبح اليوم بعد فترة ليست بطويلة في حدود 29 سنة ، و المرأة بتعليمها أصبحت تطمح لتحقيق أهداف أخرى كالوصول إلى مستويات دراسية أعلى و بالتالي ظهور ميل لديهنّ إلى تأخير سنّ الزواج الأوّل ، دلالة على تراجع ظاهرة الزواج المبكّر الاقل من 20 سنة في المجتمع . فكيف يؤثّر تعليم المرأة على تغيير ثقافتها اتّجاه الزواج ؟
الكلمات المفتاحيّة : الزواج ، الجزائر، تعليم المرأة ، متوسّط سن الزواج.
مقدّمة :
يعتبر الزواج واحدا من أهمّ النظم الاجتماعية و أقدمها و الذّي من خلاله تتشكّل النواة الأساسية للمجتمع الإنساني ألا و هي الأسرة و قد مرّ على هذا النظام أطوار مختلفة و تميّز بعادات و تقاليد متباينة عبر العصور و لم يحظ بقوانين ثابتة تحفظ له الهدوء و التوزن.
و على الرّغم من قدم نظام الزواج فقد تعرّض لبعض التغيرات نتيجة لما تعرّضت له المجتمعات من تحوّلات اجتماعية ، اقتصادية ، ديموغرافية و سياسيّة و كغيره من المجتمعات شهد المجتمع الجزائري عدّة تحوّلات هامة أفرزت ظواهر لم يسبق و أن عرفها بالشكل الذّي تظهر عليه حاليّا و من بينها تأخّر سنّ الزواج حيث يعتبر التعليم و لا يزال من أهمّ المحدّدات و العوامل المساهمة في تأثيره على سنّ الزواج الأوّل خاصّة بالنسبة للإناث ، فمن خلال هذا المقال نسعى إلى معرفة نوع العلاقة بين تعليم المرأة و الزواج و مدى تأثير المتغيّر الأوّل و مساهمته في إحداث تغيير في المتغيّر الثاني.
أوّلا : المرأة و التعليم في الجزائر :1- وضع تعليم المرأة بعد الاستقلال :بعد حصول الجزائر على استقلالها السياسي سنة 1962 كان وضع التعليم عموما و تعليم المرأة خصوصا متدهورا للغاية حيث ادّت سياسة التجهيل التي مارسها المستعمر طيلة فترة الاحتلال إلى تفشّي الأمية بين كافة شرائح المجتمع.
إلّا أنّ وعي النخبة السياسية الحاكمة التي قادت البلاد مع بداية الاستقلال ساهم إلى حدّ بعيد في توسيع التعليم في كافّة أنحاء البلاد فالبنّسبة لمحو الأمية فقد بذلت الدولة الجزائريّة جهودا معتبرة قصد التقليص من نسبة الأميّة التي كانت غداة الاستقلال تمسّ نسبة 90% من السكّان و قد ادّى ذلك إلى تراجعها لتصل سنة 2003 إلى 26.5% و فيما يتعلّق بأميّة النساء فقد انخفضت من 40.33% سنة 1998 لتصل إلى 34.6% سنة 2003من مجموع النساء اللّاتي يبلغن من العمر أكثر من 40 سنة[1] ، فالجزائر جعلت مجانية التعليم واجب أساسي قامت عليه المنظومة التربويّة بالإضافة إلى انتهاجها سياسة تعميم التعليم و لكن أهم التغيّرات التي حصلت و التي يجوز و صفها بالتطوّر الكمّي بشأن مشاركة المرأة الجزائريّة تتمثّل في قطاع التعليم حيث ارتفعت نسبة تمدرس الفتيات ما بين 6-15 سنة من 36.9%سنة 1966 إلى 92% سنة²2008
كما عملت الدولة على توفير الخدمات الاجتماعية المدرسيّة كالمطاعم ، النقل المدرسي و المنح الدراسيّة كما سمحت الاستثمارات الضخمة في هياكل التعليم بتقريب المدرسة من التلاميذ ، خاصّة في الأرياف و المناطق النائيّة و هو ماساهم في ارتفاع نسبة التمدرس حيث التطوّر الملحوظ في تعليم البنات شكّل تحوّلا في تعليم المرأة في الجزائر و هو ما يؤهلها للمشاركة أكثر في الحياة الاجتماعية و يزيد من فرص تقلّدها مناصب المسؤوليّة، الأمر الذّي ينعكس إيجابا على مكانتها داخل الأسرة و خارجها من جهة أخرى شهدت ظاهرة تفوّق الإناث على الذكور في التعليم تصاعدا مستمرا عام بعد عام حيث شملت الظاهرة الآن كلّ الأطوار الدّراسيّة بما فيها الجامعي فبينما لم يكن عدد الطالبات الجزائريّات
سنة 1963 يتجاوز 420 طالبة من مجموع 2750 طالب أي بنسبة 15% فقط فإنّ نسبة الطالبات في التعليم العالي فقد ارتفعت إلى 57% في قسم التدرّج مقارنة ب 38% لدى الطلبة من الذّكور¹[2]جدول (1): تطوّر معدّل التمدرس حسب الجنس للفئة (16-14 سنة) خلال 1966-2008
النسبة الإجماليّة(%) | إناث(%) | ذكور(%) | السنوات |
47.2 | 39.6 | 56.8 | 1966 |
70.4 | 59.6 | 80.8 | 1977 |
79.86 | 71.56 | 87.75 | 1987 |
83.05 | 80.73 | 85.28 | 1998 |
90.25 | 88.4 | 92.02 | 2002 |
95.1 | 94.06 | 96.1 | 2006 |
95.39 | 94.31 | 96.43 | 2008 |
المصدر:تريكي حسان، حجام العربي، ص 6
جدول(2): نسبة البنات في التعليم الثانوي و الجامعي
2015 | 2005 | 2003 | 2000 | السنة | |
853780 | 1123123 | 1095730 | 975862 | التلاميذ المسجّلون | التعليم الثانوي |
58.48 | 57.72 | 56.73 | 56.15 | نسبة البنات(%) | |
/ | 721833 | 589993 | 466084 | الطلبة المسجّلون في التدرّج | التعليم الجامعي |
/ | 57.5 | 55 | 52.6 | نسبة البنات(%) |
المصدر: تريكي حسان، حجام العربي،ص6
:GPI2- مؤشّر التكافؤ بين الجنسين
يستخدم هذا المؤشّر لتقييم الفوارق بين الجنسين و قيمة مؤشّر التكافؤ بين الجنسين 1 و تعني أنّ لا فارق في المؤشّرين بين الفتيات و الفتيان فهما متساويان تماما.
فالمؤشّر الذّي يقلّ عن 1 يشير الى أنّ قيمة المؤشّر هي أعلى عند الفتيان منه عند الفتيات و يكون العكس صحيحا عندما يزيد مؤشّر التكافؤ عن الواحد.[3]
جدول(3): تطوّر مؤشّر التكافؤ بين الجنسين في الجزائر.
مؤشّر التكافؤ بين الجنسين | |||||||
التعليم الثانوي | التعليم الإبتدائي | ||||||
2012 | 2009 | 2004 | 1999 | 2012 | 2009 | 2004 | 1999 |
1.04 | 1.02 | 1.05 | 1.01 | 0.94 | 0.94 | 0.98 | 0.91 |
المصدر: 1999،2012 منظّمة الأمم المتّحدة،ص13
2004 تقرير التنمية البشريّة للعام 2006، ص 372
من خلال الجدول نلاحظ ارتفاع مؤشّر التكافؤ بين الجنسين من 0.91 سنة 1999 الى 0.94 سنة 2012 وهي قريبة من 1 ممّا يدل على اقترابها من تحقيق التساوي في التحاق نسب الفتيات بالمدرسة مقارنة بالفتيان و مع ذلك تبقى نسب التحاق الفتيان بالمدرسة أكبر من نسب التحاق الفتيات،أمّا على مستوى التعليم الثانوي فمؤشّر التكافؤ بين الجنسين أكبر من 1 في كلّ السنوات حيث ارتفع من1.01 سنة 1999 الى 1.04 سنة 2012 ممّا يدلّ على أنّ نسب التحاق الفتيات بالتعليم الثانوي أعلى منه عند الفتيان.
أمّا على مستوى التعليم العالي و حسب تقرير التنمية البشريّة للعام 2006 فنسب التحاق الفتيات بالجامعة أكبر من نسب التحاق الفتيان حيث بلغ مؤشّر التكافؤ بين الجنسين 1.09 سنة 2004
ثانيّا :متوسّط سن الزواج الأوّل : يعتبر سن أوّل زواج حدثا غير متجدّد، ومتوسّط سن أوّل زواج هو المؤشّر الحقيقي لقيّاس تقدّم أو تأخّر سن الزواج لدى الرّجال أو النّساء حيث يعتبر متغيّر مستقل لتفسير النمط العمري للخصوبة، فتأخّر سن الزواج يؤدّي إلى تناقص فترة الخصوبة، و يعتبر المتوسّط الحسابي للعمر عند الزواج الأوّل من المقاييس التي تسمح بدراسة توقيت الزواج الأوّل[4]
شهد هذا المؤشّر مرحلتين بارزتين مستعرضا تاريخ هذه الظاهرة و تعكس في وقت معيّن الانتقال من نموذج الزواج التقليدي (الزواج المبكّر) إلى نموذج الزواج الحديث (الزواج المتأخّر)[5]
جدول(4): تطوّر متوسّط سن الزواج الأوّل في الجزائر
2008 | 2006 | 2002 | 1998 | 1992 | 1987 | 1977 | 1970 | 1966 | 1954 | 1948 | الجنس |
29.3 | 29.8 | 29.6 | 27.8 | 27.2 | 23.7 | 20.9 | 19.3 | 18.3 | 19.6 | 20.8 | نساء |
33 | 33.5 | 33 | 31.3 | 30.1 | 27.6 | 25.3 | 24.4 | 23.2 | 25.2 | 25.8 | رجال |
De 1948 à 1966، ONS 2001 ،donnée statistique N343 المصدر:
De 2002 à 2006 ،Hammouda N et kahinacherfiferoukhi
2008 ، dynamique démographique en Algerie
من خلال الجدول يمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل : الأولى من سنة 1948 إلى سنة 1966 حيث بلغ متوسّط سن الزواج لدى الذكور 25.8 سنةفي 1948 لينخفض إلى 25.2 سنة في 1954 أمّا بالنسبة للإناث فقد بلغ 20.8 سنةفي 1948 لينخفض كذلك إلى 19.6 سنة في 1954 حيث شهدت الجزائر سنة 1948 نهاية الحرب العالميّة التي شارك فيها عدد كبير من الشباب الجزائري مع فرنسا ضدّ ألمانيا ،أمّا سنة 1954 هو مشاركة الشباب الجزائري في الثورة التحريريّة [6]ليواصل متوسّط سنّ الزواج في الانخفاض سنة 1966 حيث بلغ 23.2 سنة بالنسبة للذكور و 18.3 سنة بالنسبة للإناث و يعود هذا الانخفاض إلى توقّف الحرب التحريريّة و استقرار الأمن و إطلاق صراح المساجين و عودة المجنّدين الذين كانوا في جيش التحرير الوطني و بالتالي ارتفاع معدّلات الزواج المرحلة الثانيّة بعد سنة 1970 حيث يلاحظ ارتفاع متوسّط سن الزواج إلى غاية سنة 2002 حيث بلغ هذا المتوسّط بالنسبة للإناث 20.9 سنة في 1977 ليصل إلى 29.6 سنة في 2002 أي بارتفاع 7 سنوات و هذا راجع إلى التّحوّلات الاجتماعية الديمغرافيّة و السيّاسيّة التي شهدها المجتمع الجزائري فهذا التحوّل مسّ المرأة الجزائريّة و بالأخص زيادة نسبتها في التعليم ممّا أدّى إلى زوال النظرة القديمة نحو الزواج على أنّه وسيلة لتحقيق غاية ألا و هيّ إنجاب الأطفال فأصبحت تفكّر في التعليم قبل الزواج و ذلك كأولويّة من أولويّاتها في الحياة المرحلة الثالثة بعد سنة 2002 حيث شهد متوسّط سنّ الزواج بالنّسبة لكلّ من الذكور و الإناث استقرارا إلى غاية سنة 2008 حيث قدّر ب 29 سنة لدى الإناث و 33 سنة بالنسبة للذكور
جدول(5): متوسّط عدد المواليد الأحياء للسيّدات(45-49) حسب السّن عند الزواج
30-49 | 25-29 | 22-24 | 20-21 | 18-19 | 15-17 | 10-14 | السن عند الزواج |
2.3 | 4.4 | 5.2 | 6.9 | 7.4 | 8.1 | 8.4 | 1992 |
1.8 | 3.8 | 5.4 | 5.9 | 6.8 | 7.4 | 6.7 | 2002 |
المصدر : EASF 2002
يعدّ عمر الفتاة عند زواجها الأوّل في سنّ مبكّرة من المتغيّرات الهامّة في تفسير تباينات الخصوبة و معرفة محدّداتها و مؤشّرا حيويّا على مدى ارتفاع مستويات الخصوبة داخل المجتمع[7] حيث أوضحت نتائج بعض المسوح التي أجريت على عيّنات من سكّان الهند أنّ معدّل خصوبتهم يرجع إلى الاتفاق السائد بينهم على أن يكون الزواج مبكّرا جدّا إلى الحدّ الذي تزداد معه فرص الإنجاب مع طول مدّة الزواج[8] أمّا في الجزائر نجد أنّ النّساء اللاّتي تزوّجن دون 15 سنة قد أنجبن بمتوسّط 8.4 طفل سنة 1992 و 7.6 طفل سنة 2002 في حين جاء هذا المتوسّط بمقدار 2.3 طفل سنة 1992 و 1.8 طفل سنة 2002 للنّساء اللاّتي تزوجن في عمر 30سنة فأكثر،هذا الانخفاض في عدد الأطفال مع زيادة العمر عند الزواج الأوّل راجع إلى طول فترة تمدرس المرأة و دخولها سوق العمل و بالتالي تأخر سن الزواج ممّا يؤدّي إلى تقلّص مدّة الحياة الإنجابيّة ثالثا : التعليم كعامل من عوامل تغيّر النّموذج الزواجي:
1- تعليم المرأة و ارتفاع متوسّط سنّ الزواج : يعتبر التعليم و لا يزال من أهمّ المحدّدات و العوامل المساهمة في تطوّر الخصوبة وهو لا يقلّ أهميّة في تأثيره على سنّ الزواج الأوّل خاصّة بالنسبة للمرأة فحسب دراسةJacques vallin التي أجراها في الجزائر سنة 1970 عن المحدّدات السوسيوإقتصاديّة المؤثّرة على سنّ الزواج عند النّساء تبيّن أنّ التعليم يبقى العامل الأكثر تأثيرا على هذا المؤشّر وقد ميّز الباحث بين عاملين مؤثّرين :
لأوّل مباشر وهو أنّ فترة تمدرس الإناث قد يؤخّر سنّ زواجهن لسنوات عديدة ، الثاني غير مباشر وهو أنّ المرأة كلّما زاد مستواها التعليمي كلّما قلّ تأثير العادات و القيّم الاجتماعية المرتبطة بالزواج المبكّر و اتّسعت دائرة الحريّة و اختيار الشريك المناسب في التوقيت المناسب لها .
وحسب التحقيق الوطني لسنة 1970 تبيّن أنّ هناك اختلافات مهمّة في سنّ الزواج الأوّل حسب مستوى التعليم و حسب الجنس ، و التباين كان أكبر بالنسبة للإناث حيث بلغ سنّ الزواج عند الأميّات حالي 18.5 سنة بينما وصل إلى حدود 24 سنة عند المتحصّلات على المستوى الثانوي أو العالي أي بفارق 5 سنوات تقريبا و مع مرور السنوات زاد متوسّط سن الزواج عند كلّ الفئات و المستويات التعليميّة لكن مع استمرار الفروق و الاختلاف بين مستوى آخر.[9]
جدول (6): تطوّر سنّ الزواج الأوّل حسب الجنس و المستوى التعليمي
ذكور | إناث | |||||
1992 | 2002 | 2006 | 1992 | 2002 | 2006 | |
المستوى التعليمي | ||||||
أمّي | 27.4 | 31 | 30.4 | 23.6 | 28.3 | 28.7 |
يقرأ و يكتب | 29.7 | 32.2 | 25.6 | 28.7 | ||
إبتدائي | 31 | 33.4 | 32.9 | 25.6 | 29.3 | 29.6 |
متوسّط | 30.9 | 33.2 | 33.9 | 26.9 | 30.7 | 29 |
ثانوي+ | 31.6 | 35.5 | 33.8ثانوي 34.8جامعي | 30.3 | 33.2 | 29.6ثانوي 33.2جامعي |
المجموع | 30.1 | 33 | 33.5 | 25.9 | 29.6 | 29.8 |
المصدر : EASME 1992 EASF 2002 MICS 2006
2- معدّلات العزوبة و مستوى تعليم المرأة :
يعتبر التعليم من أهمّ المؤشّرات التي يقاس بها درجة تقدّم و تطوّر المجتمعات إذ أنّ تنميّة الأمم و الشعوب مرتبطة بالمستوى التعليمي و الثقافي الذي يحقّقه أفرادها ، فكلّما زاد المستوى التعليمي للسّكان انعكس ذلك على العديد من الخصائص الاجتماعية و الدّيمغرافيّة لهذه الدّول.
فارتفاع مستوى تعليم الإناث أدّى في كثير من الدّول إلى ارتفاع سن الزواج الأوّل كما أنّه ينعكس في كثير من الحالات على معدّلات العزوبة في مختلف الفئات العمريّة .
فمن خلال الدّراسة التي أجراها philipe Antoine عن ارتفاع نسب العازبات في بعض دوّل إفريقيا و من بينها السّنغال وجد أنّ التعليم يحدث فروقا هامّة بين النّساء العازبات حيث تبيّن أنّ معدّلات العزوبة عند المتعلّمات أعلى منها بكثير عند غير المتعلّمات[10]،و الجزائر أيضا عرفت تغيّرات في سوق الزواج حيث كان للتعليم الدّور الكبير في ذلك فمن خلال تحقيق 2002 فالاختلاف في معدّلات العزوبة يبدأ من الفئة العمريّة 20-24 سنة حيث يمكن تمييز النّساء العازبات اللّواتي بلغن المستوى الثانوي عن باقي الفئات الأخرى فالعزوبة مسّت ما يقارب نصفهنّ في الفئة العمريّة 30-34 سنة حيث أنّ نسبة النّساء العازبات في هذا المستوى هي ضعف النّساء الأميّات وذلك في نفس الفئة
كذلك فإنّ العزوبة تقدّر بـ 3 أضعاف في المستوى الثانوي مقارنة بالأميّات في الفئة 35-39 سنةجدول (7) : تطوّر نسب العزوبة في الجزائر حسب المستوى التعليمي لدى الإناث
أمّي | يقرأ و يكتب | إبتدائي | متوسّط | ثانوي | |
15-19 | 96.09 | 96.17 | 98.11 | 99.5 | 99.35 |
20-24 | 79.28 | 80.53 | 77.76 | 85.01 | 95.81 |
25-29 | 50.83 | 52.80 | 54.04 | 59.81 | 78.52 |
30-34 | 26.95 | 28.05 | 35.11 | 41.54 | 49.30 |
35-39 | 11.18 | 14.95 | 20.57 | 21.81 | 32.95 |
40-44 | 5.69 | 10.35 | 11.27 | 16.40 | 27.59 |
45-49 | 1.94 | 5.05 | 5.41 | 15.23 | 5.56 |
50-54 | 1.62 | 2.81 | 5.83 | 3.85 | 17.65 |
55-59 | 1.30 | – | 8.11 | – | – |
60-64 | 0.65 | – | – | – | – |
65-69 | 0.96 | – | – | – | – |
70+ | 0.23 | – | – | – | – |
المصدر : EASF 2002
3- تعليم المرأة و عمليّة اختيار الشريك (الخروج من نطاق الزواج الدّاخلي) :
إنّ الوعي الثقافي جعل الفرد يعتقد أنّ مسالة الزواج تتعلّق به شخصيّا لا بأهله فتعليم المرأة و انتشار ظاهرة الاختلاط في المؤسّسات التعليميّة و تبادل الآراء و ظهور حركات تحرّر المرأة كلّها شكّلت عوامل لها تأثير حالي و مستقبلي على نمط الأسرة ، و يبدو أنّ مجال الاختيار لم يعد يجعل الزّواج الدّاخلي (القرابي) ذلك الزواج المفضّل ، فاختيار الشريك لم يعد بدوره محصورا في نطاق ابنة العمّ أو الخال بل ظهر أسلوب الزواج الخارجي.
فاختيار الشريك أو الشريكة يتم في إطار الصراع بين الاباء و الأبناء حيث يظنّ الاباء أنّه باختيار رشيد منهم للشريك من عائلة المصاهرة أو القرابة سوف يحتفظون بمهمّات كبيرة مع أبنائهم ، بينما يرى الأبناء أنّه باختيارهم الفردي للشريك و المبني على العاطفة المتبادلة سوف يضمنون التوازن في حياتهم الزوجيّة المقبلة[11] .
و ممّا ساهم في توسيع دائرة الاختيار الزواجي التطوّر الاجتماعي لوضعيّة المرأة أمام اختيارها لزوجها فشجّعها كذلك على الزواج الخارجي و أصبح الفرد المقبل على الزّواج يميل إلى اختيار شريكة حياته خارج دائرة قرابته و اتّجهت عمليّة الاختيار إلى نمط أخر كاختيار زميلة الدّراسة أو زميلة العمل و أصبح أسلوب الاختيار الوالدي إضافة إلى دائرة القرابة يلقيان الكثير من النّقد و الرّفض من طرف الأبناء على عكس الاختيار الحرّ الذّي يحظى بالتقدير و المكانة لدى الأبناء ، حيث أنّ الاتجاه العالمي الجديد الذي يتزايد يوما بعد يوم يعطي حريّة أكثر للمرأة و رفع القيود التي كانت تعوق حركتها من خلال اشتراكها في الحياة الاقتصادية ، الاجتماعية ، السيّاسيّة ، التربويّة و التعليميّة في مجتمعنا ، كما أصبحت المرأة تتعلّم الآن مثل الرّجل ، كلّ هذا التغيّر في مركز المرأة تبعه بالضرورة تغيّرات مصاحبة فيما يتعلّق بالزواج و بالاختيار في الزواج فقد أصبحت المرأة في العصر الحديث أقلّ احتمالا لزواج لا تتوفّر فيه عوامل الاطمئنان و السّعادة و هيّ تسارع أكثر من ذي قبل بطلب الحريّة إن وجدت لأنّ زواجها لا يسير سيرا هادئا طبيعيّا ، كما أصبحت تفضّل شخص عن اخر أو تفضّل شخصا بعينه في مجال الزّواج [12]وإذا حاولنا الرّبط بين التعليم و نمط الزواج الدّاخلي في الجزائر نجده يمارس تأثيرا واضحا على معدّلات الزواج ، فحسب إحصائيات الدّيوان الوطني للإحصاء لسنة 1984 يتبيّن الإرتباط السّلبي بين مستوى التّعليم و معدّلات الزواج الدّاخلي حيث أنّه كلّما ارتفع المستوى التعليمي للمرأة قلّت صلة القرابة مع الزوج.
جدول (8): توزيع الأزواج حسب صلة القرابة و مستوى تعليم المرأة
أمّي | إبتدائي | متوسّط | جامعي | المجموع | |
توجد صلة قرابة | 32.91 | 14.15 | 4.78 | 0.37 | 52.21 |
لا توجد صلة قرابة | 23.34 | 18.37 | 5.40 | 0.62 | 47.79 |
المجموع | 56.25 | 32.52 | 10.18 | 1.05 | 100 |
المصدر: ONS، démographie Algerienne 1985
وإذا ما انتقلنا إلى التحقيقين الوطنيّين 1992 و 2002 نجد دائما تأثير المستوى التعليمي للمرأة على معدّلات الزواج الداخلي و الجدول التالي يبيّن ذلك
جدول (9): توزيع النّساء حسب صلة القرابة مع الزّوج و مستوى التّعليم
المستوى التّعليمي | السّنة | |||
1992 | 2002 | |||
توجد صلة قرابة | لا توجد صلة قرابة | توجد صلة قرابة | لا توجد صلة قرابة | |
أمّي | 38.3 | 61.6 | 39.2 | 60.8 |
يقرأ و يكتب | 31.2 | 68.8 | 32.1 | 67.9 |
إبتدائي | 29.3 | 70.4 | 28.8 | 71 |
متوسّط | 32.9 | 67.2 | 25.7 | 74.1 |
ثانوي+ | 21.5 | 78.6 | 12.8 | 78.1 |
المصدر: BedrouniMohamed،La nuptialité Algerienne:variation dans
Le temps et l’espace.
من خلال الجدول نلاحظ أن النّساء الأميّات انتقل معدّل زواجهنّ من الأقارب من 38.3% في تحقيق 1992 ليرتفع إلى 39.2% ثمّ يبدأ الانخفاض يبرز لدى النّساء ذوات المستوى الابتدائي و المتوسّط و الثانوي حيث انخفض معدّل زواج الأقارب لديهنّ من 29.3% سنة 1992 إلى 28.8% في المستوى الابتدائي و من 32.9% سنة1992 إلى 25.7% سنة 2002 في المستوى المتوسّط ومن 21.5% سنة 1992 إلى 12.8% سنة 2002 و بهذا انخفض المعدّل بنسبة 9% و ذلك في المستوى الثانوي و الجامعي وعموما يمكن القول انّه تغيّرت النظرة للزواج الخارجي و أصبحت تلقى إقبالا أكثر من قبل خاصّة لدى الأفراد الذّين يغلبون مصالحهم الفرديّة على مصلحة وعلاقة القرابة و عليه برز شكل زواجي جديد هو الزواج الخارجي الذّي تعدّى نطاق العائلة ( الأسرة الممتدّة) و ساهم في تكثيف العلاقات الاجتماعية كما أنّ خروج المرأة للتّعليم و بروز الاستقلالية الفرديّة و غيرها من أساليب التقدّم المادي و الفكري و تغيّر الكثير من المفاهيم و الأدوار أدّى إلى اختلاف نظام الزّواج من الأسلوب التقليدي إلى الأسلوب المعاصر هذا الاختلاف يكمن أساسا في عمليّة الاختيار[13]
لذلك فقد أكّدت دراسة 2002 حول صحّة الأسرة أنّ الرّجل غالبا ما يختار امرأة أقلّ منه سنّا بنسبة 91% فاختلاف المستوى الدّراسي و المستوى المعيشي لا يغيّر شيئا في عمليّة الاختيار الخاصّ بالسّن في حين أنّ المرأة تتطلّع دائما إلى رجل أعلى منها مرتبة و نادرا ما تقبل برجل بطّال أو يشغل منصبا متواضعا أو أقل من منصبها و هذا ما يعرّض الكثير من النّساء ذوات مستويات عالية و مناصب عمل رقيّة إلى امتداد فترة العزوبة إلى ما بعد 35 سنة .
خاتمة:
عرف الزّواج في الجزائر كما في باقي الدّول العربيّة من النّاحية الاجتماعية و الدّيمغرافيّة تغيّرات عميقة ظهرت في ارتفاع سنّ أوّل زواج و زيادة نسب العزّاب و نمط الاختيار الزواجي فكلّ هذه التغيّرات التّي طرأت على الزواج إنّما تعكس تغيّرا في الظروف الاجتماعية الاقتصادية و الثقافيّة خاصّة في مجال التّعليم بالإضافة إلى تغيّر نمط التّفكير.
قائمة المراجع:
- السّعيد مريبعي ، التغيّرات السكّانيّة في الجزائر 1936-1966،المؤسّسة الوطنيّة للكتاب، 1984.
- مسعودة كسال، مشكلة الطّلاق في المجتمع الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعيّة، الجزائر، 1986.
- ساميّة حسن الساعاتي، الاختيار الزواجي و التغيّر الاجتماعي، دار النهضة، لبنان، 1981 .
- مصطفى بوتفنوشت،العائلة الجزائريّة التطوّر و الخصائص الحديثة، ترجمة دمري أحمد، ديوان المطبوعات الجامعيّة، الجزائر،1984
- عبد الرزاق جلبي، علم اجتماع السكّان، دار المعرفة الجامعيّة، ط4، الإسكندريّة.
- طفياني مليكة، واقع المشاريع التعليميّة الموجّهة للمرأة في الجمهوريّة الجزائريّة
- بلقاسم بن زنين، المرأة الجزائريّة و التغيير، المجلّة الجزائريّة في الأنثروبولوجيا و العلوم الاجتماعية، 2015 8- تريكي حسان، حجام العربي، الأبعاد الإجتماعيّة و الثقافيّة لمشاركة المرأة الجزائريّة في العمليّة التنمويّة 9-تقرير المرصد العربي للتربيّة، التعليم في الوطن العربيّ،2012
10- تقرير التنميّة البشريّة للعام 2006
11- منظّمة الأمم المتّحدة للتربيّة و العلوم و الثقافة، تقرير إقليمي عن الدوّل العربيّة ، 2012
12-الأمم المتّحدة، السكّان و التعليم و التنميّة، 2003
13- عمريّة ميمون، تغيّر نموذج الزواج في الجزائر،رسالة ماجستير في الدّيموغرافيا، جامعة باتنة،2009
14- حسام سليمان عيد، بعض محدّدات خصوبة المرأة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، مجلّة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانيّة و الاجتماعية، العدد2، 2010
15- kouaouciAli،Elements d’analyse démographique،office des publication universitaires،alger،1994
16-Delenda aissa،le nouveau modèle de la nuptialité،actes de séminaire national sur la situation démographique de l’algerie 17- BedrouniMohamed،La nuptialité algerienne:variation dans le temps et l’éspace.
– طفياني مليكة، واقع المشاريع التعليميّة الموجّهة للمرأة في الجمهوريّة الجزائريّة، ص 22[1]
²- بلقاسم بن زنين، المرأة الجزائريّة و التغيير، المجلّة الجزائريّة في الأنثروبولوجيا و العلوم الاجتماعية، 2015، ص 9
¹ تريكي حسان، حجام العربي، الأبعاد الاجتماعية و الثقافيّة لمشاركة المرأة الجزائريّة في العمليّة التنمويّة، ص 5-6.
تقرير المرصد العربي للتربيّة، التعليم في الوطن العربي، 2012، ص15[3]
[4]KouaouciAli ،Elements d’analyse démographique، Alger، office des publications universitaires، 1994،p 61
[5]DelendaAissa،Le nouveau modèle de la nuptialité، actes de séminaire national sur la situation démographique de l’alerie، p22
السّعيد مريبعي، التغيّرات السكّانيّة في الجزائر (1936- 1966)، المؤسّسة الوطنيّة للكتاب، 1984 ، ص 135[6]
¹حسام سليمان عيد، بعض محدّدات خصوبة المرأة الفلسطينيّة في قطاع غزّة ،مجلّة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانيّة و الاجتماعية، العدد 2
2010، ص 153
عبد الرزاق جلبي، علم إجتماع السكّانّ دار المعرفة الجامعيّة ، ط1 الإسكندريّة ، 2008، ص 249[8]
صلاح الدّين فافي ، عوامل ارتفاع سنّ الزواج الأوّل في الجزائر ، جامعة باتنة ، ص8[9]
عمريّة ميمون ، تغيّر نموذج الزواج في الجزائر ، رسالة ماجستير في الدّيمغرافيا ، جامعة باتنة ، 2009 ، ص 65[10]
مسعودة كسال ، مشكلة الطّلاق في المجتمع الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعيّة ، الجزائر ، 1986 ،ص 90[11]
ساميّة حسن السّاعاتي ، الاختيار الزّواجي و التغيّر الاجتماعي ، دار النهضة ، لبنان ، 1981 ، ص 80[12]
¹مصطفى بوتفنوشت، العائلة الجزائريّة التطوّر و الخصائص الحديثة، ترجمة دمري أحمد ، ديوان المطبوعات الجامعيّة، الجزائر ، 1984، ص259