
ظاهرة التّرادف بين حجج المؤيّدين وحجج المنكرين
د. نورالدّين مذكور / جامعة محمد لمين دباغين ـ سطيف -2- الجزائر
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 41 الصفحة 95 .
ملخّص:
إنّ اللّغة العربيّة لغة ترادف؛ حيث شاع للمسمّى الواحد أسماء كثيرة، ولكن هناك مَن أنكر وجود هذه الظّاهرة (التّرادف)، وذهب إلى أنّ هذه الأسماء وإن كانت تظهر بأنّها مترادفة، فكلّ اسم منها يدلّ على معنى لا يوجد في ما يظنّ أنّه مرادف له.
وممّا تهدف إليه هذه الدّراسة محاولة معرفة حجج القائلين بوجود التّرادف، وأقوال المنكرين له، مع التّركيز على أقوال أبي هلال العسكريّ من خلال كتابه الفروق اللّغويّة.
الكلمات المفتاحيّة:
التّرادف، المرادف، أبوهلال العسكريّ.
مقدمة:
ممّا لا شكّ فيه أنّ اللّغة العربيّة غنيّة بمفرداتها، وممّا زاد من غناها وجود ظاهرة التّرادف، ولو أنّنا تتبّعنا مسمّى واحدا في معجم من المعاجم اللّغويّة لوجدنا له عشرات الأسماء، فقد قيل إنّ للعسل ثمانين اسما، وللسّيف خمسين اسما[1]، ويروى عن الأصمعيّ أنّ هارون الرّشيد سأله عن شعر من الغريب، ففسّره، فقال له الرّشيد: «يا أصمعي، إنّ الغريب عندك لغير غريب»، فقال الأصمعيّ: «يا أمير المؤمنين، ألا أكون كذلك، وقد حفظت للحجر سبعين اسما؟»[2]
ولكنّ هذه الظّاهرة (ظاهرة التّرادف) لم ينظر إليها اللّغويّون قديما وحديثا نظرة واحدة؛ فقد ذهب بعضهم إلى إنكارِ وجود التّرادف، وأنّ كلّ كلمة تعني غير الأخرى الّتي يُعتقَد أنّها تساويها في المعنى، ومن بين هؤلاء أبو هلال العسكريّ ت(395ه) الّذي ألّف كتابا، وسمّاه الفروق اللّغويّة، وبيّن فيه الفروق الموجودة بين الكلمات الّتي قيل بأنّها مترادفة، بينما قال فريق آخر بوجود ظاهرة التّرادف، وإنّها ظاهرة مسّت جميع اللّغات.
و يسعى الباحث من خلال هذا المقال إلى التّعريف بالتّرادف، ومعرفة أسباب ظهوره، والكشف عن حجج اللّغوييّن القائلين بوجوده، وحجج المنكرين له، ومحاولة تغليب أحد الرّأيين.
مفهوم التّرادف:
التّرادف في اللّغة كما قال ابن فارس في معجم مقاييس اللّغة: «الرّاء والدّال والفاء أصل واحد مطّرد، يدلّ على اتّباع الشّيء، فالتّرادف التّتابع، والرّديف الّذي يرادفك.»[3]
وقال ابن منظور: « الرّدف: ما تبع الشّيء، وكلّ شيء تبع شيئا فهو ردفه، وإذا تتابع شيء خلف شيء فهو التّرادف…وترادف الشّيء: تبع بعضه بعضا، والتّرادف: التّتابع.»[4]
أمّا التّرادف اصطلاحا فهو: « أن يكون للمعنى الواحد أكثر من لفظ يعبّر به عنه كالسّيف والحسام والصّيْقل.»[5] معنى هذا أن يكون للمسمّى الواحد أسماء كثيرة، أيّها أُطلِق دلّ على المسمّى.
وقد قسّم بعضهم التّرادف إلى نوعين[6]:
أ-التّرادف الكليّ (العام): وهو أن تتّحد لفظتان، أو عدّة ألفاظ في دلالة واحدة، وأن تقبل التّبادل فيما بينها في أيّ سياق.
ب-التّرادف الجزئي(النّاقص): وهو أن تتّحد لفظتان، أو عدّة ألفاظ في دلالة واحدة، وأن تقبل التّبادل في بعض السياقات فقط، ومثال ذلك كلمة فرس وحصان فإنّهما لا تتبادلان في جميع السّياقات، بل في بعضها فقط؛ فإذا قلنا: امتطى الرّجل فرسا، فالملاحظ أنّه يمكن أن تحلّ كلمة حصان محلّ كلمة فرس، دون أن يختلّ المعنى، أمّا إذا قلنا: وضعت الفرس مهرا، فلا يمكن أن تحلّ كلمة (الحصان) محلّ كلمة الفرس.
أسباب وجود التّرادف:
من الأسباب التي أدّت إلى وجود التّرادف:
-أن يكون الوضع من واضعين مختلفين يعني أن تضع القبيلة اسما لشيء، وتضع قبيلة أخرى اسما آخر للشّيء نفسه، من غير أن تعلم إحداهما بالأخرى، فيشتهر الاسمان[7]، فربّما أطلقت قبيلة على الأسد هذا الاسم، وسمّته قبيلة أخرى الهزبر، وسمّته قبيلة ثالثة اللّيث، وحين بدأ العلماء في جمع اللّغة سمعوا كلّ هذه الأسماء والّتي تدلّ على مسمّى واحد، فعدّوها ترادفا.
–كثرة اللّغات أي وضع حرف مكان حرف، فقد رُوِي عن الأصمعيّ أنّه قال: «اختلف رجلان في الصّقر، فقال أحدهما: الصّقر(بالصّاد)، وقال الآخر: السّقْر(بالسّين)، فتراضيا بأوّل وارد عليهما فحكيا له ما هما فيه: فقال: لا أقول كما قلتما إنّما هو الزّقر.»[8]، والملاحظ على هذه الحروف (الأصوات) أنّها تشترك في صفة واحدة؛ وهي أنّها حروف الصّفير، وقد حفلت كتب الإبدال بمثل هذه الكلمات الّتي عدّها اللّغويّون من المترادفات، وهي ليست كذلك.[9]
– الاقتراض من لغات أخرى، كما حدث مع لفظة (تلفون)، الّتي كانت تدلّ على أداة التّواصل بين النّاس، فقد أخذها العرب من لغة أجنبيّة، وكانت متداولة إلى حدّ بعيد، بعدها تمّ توليد لفظ جديد وهو (هاتف) فصار اللّفظان (تلفون وهاتف) مترادفين.[10]
– النّفور من كلمات معيّنة فيها حروف لا يقدر المتكلّم على نطقها، وتخيّر كلمات أخرى خالية من هذه الحروف، كأنْ يكون الرّجل ألثغ ( لا ينطق حرف الرّاء)[11] فيتخيّر الألفاظ المعبّرة عن المعنى نفسه، وتكون خالية من حرف الرّاء، كما فعل واصل بن عطاء حين ارتجل خطبة طويلة خالية من حرف الرّاء، قال بشار في ذلك:
تَكَلّفُوا القَولَ والأقوامُ قدْ حَفلُوا وحَبروا خُطَبا ناهيكَ مِنْ خُطُبِ
فقــــــــــــامَ مُرْتَــــــــجِـلا تَغْلِي بَداهَتُــه كمِرجل القينِ لَمّا حُفّ باللّهبِ
و جانَبَ الرّاءَ لم يَشعُــــر بِها أحَـدٌ قَبلَ التّصَفّحِ والإغْراقِ في الطّلبِ[12]
موقف اللّغويين من التّرادف:
لم يقف اللّغويّون موقفا واحدا حيال ظاهرة التّرادف؛ بل انقسموا إلى فريقين: الفريق الأوّل ذهب إلى وجوده، أمّا الفريق الثّاني فقد أنكر وجوده:
-القائلون بوجود التّرادف:
ذهب فريق من اللّغويين إلى القول بوجود التّرادف، وذكر أنّ سبب ظهوره هو تداخل اللّهجات، فبعض القبائل تسمّي الأشْياء بأسماء معيّنة، وبعضها تسمّي الأشْياء نفسها بأسماء أخرى، وتداخلت اللّهجات، وكثرت مرادفات المعنى الواحد[13]، وألّف هؤلاء كتبا تتضمّن في عناوينها كلمة (ألفاظ)[14] مثل:
-كتاب الألفاظ لابن السكّيت ت(244ه).
-كتاب الألفاظ الكتابيّة لعبد الرّحمن الهمذاني ت(327ه).
-جواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر ت(337ه).
و من القائلين بوجود التّرادف الأصمعيّ، حيث قال – لـمّا تعَجّب الرّشيد من قدرته على تفسير الغريب-: «يا أمير المؤمنين، ألا أكون كذلك وقد حفظت للحجر سبعين اسما؟»[15]، فقوله هذا إقرار صريح بأنّه من القائلين بوجود التّرادف في اللّغة.
كذلك ذهب سيبويه إلى وجود التّرادف حيث يقول في كتابه: «اعلم أنّ من كلامهم اختلاف اللّفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللّفظين والمعنى واحد، واتّفاق اللّفظين واختلاف المعنيين، وسترى ذلك إن شاء الله تعالى، فاختلاف اللّفظين لاختلاف المعنيين نحو: جلس وذهب، واختلاف اللّفظين والمعنى واحد نحو: ذهب وانطلق.»[16]، فقوله (اختلاف اللّفظين والمعنى واحد) هو التّرادف بعينه.
ومن حجج القائلين بوجود التّرادف، أنّه لولا تساوي المفردات في المعْنى (التّرادف) لما جاز تفسير: (لا ريب فيه) من قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾[17]، بلا شكّ فيه، فلو كان الشّكّ غير الرّيب، لكان التّفْسير خطأ[18]، بل يمكن أن نقول: لو أنّنا أنكرنا وجود التّرادف لما ظهر التّفسير أصلا.
-المنكرون لوجود التّرادف:
ومن اللّغويين من أنكر وجود التّرادف، وقال بأنّه لا ترادف في اللّغة، بل إنّ كلّ معنى له لفظ واحد، وما سواه من الألفاظ هي صفات جرت مجرى الاسم الأصل نتيجة كثرة الاستعمال[19]، وذهب بعضهم إلى أنّ الكلمات لا يمكن أن تتطابق فيما بينها بدرجة مطلقة في معانيها، ومردّ ذلك أنّ الطّبيعة نفسها لا تقبل التّشابه المطلق.[20]
وألّف المنكرون لظاهرة التّرادف كتبا تتضمّن في عناوينها كلمة (الفروق) أو (التّعريفات)، مثل:[21]
-الفروق اللّغويّة لأبي هلال العسكريّ ت(395ه).
-التّعريفات لعلي بن محمّد الجرجاني ت(816ه).
ومن الّذين أنكروا وجود التّرادف أبو علي الفارسيّ، فممّا حكي عنه أنّه كان بمجلس سيف الدّولة بحلب، وكان معه جماعة من أهل اللّغة، وفيهم ابن خالويه ت(370هـ)، فقال ابن خالويه: «أنا أحفظ للسّيف خمسين اسما»، فتبسّم أبو عليّ وقال: «ما أحفظ له إلاّ اسما واحدا وهو السّيف»، فقال ابن خالويه: «فأين المهنّد والصّارم وكذا و كذا؟» فقال أبو عليّ: «هذه صفات، وكأنّ الشّيخ لا يفرّق بين الاسم و الصّفة.»[22]
أمّا أحمد بن فارس فيقول في كتابه الصّاحبيّ: «يسمّى الشّيئان المختلفان بالاسمين المختلفين، وذلك أكثر الكلام، كرجل وفرس، وتسمّى الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد، نحو: ((عين الماء))، و((عين المال)) و((عين السّحاب))، ويسمّى الشّيء الواحد بالأسماء المختلفة، نحو: السّيف والمهنّد والحسام.»[23]
لكنّ ابن فارس ضدّ هذا الرّأي، لذا يقول: «والّذي نقوله في هذا: إنّ الاسم واحد، وهو ((السّيف)) وما بعده من الألقاب صفات، ومذهبنا أنّ كلّ صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى.»[24]
ثمّ يبيّن ابن فارس الفرق بين الكلمات الّتي يُعتقد أنّها مترادفة، يقول: « ونحن نقول: إنّ في قعد معنى ليس في جلس، ألا ترى أنّا نقول: ((قام ثمّ قعد))…ثمّ نقول: ((كان مضطجعا ثمّ جلس))، فيكون القعود عن قيام، والجلوس عن حالة هي دون الجلوس، لأنّ ((الجلْس: المرتفع)) فالجلوس ارتفاع عمّا هو دونه.»[25]
لكنّنا لو تصفّحنا كتابا آخر لابن فارس، وهو كتاب الفَرق، فإنّنا نجده يقرّ بوجود التّرادف، حيث يقول: «ولدت المرأة، ووضعت، ونُفست، ونَفست.»[26]
وقد حاول الثّعاليبي التّفريق بين بعض الكلمات قائلا: «لا يقال كأس إلاّ إذا كان فيه شراب، وإلاّ فهو زجاجة، ولا يقال مائدة إلاّ إذا كان عليها طعام، وإلاّ فهي خوان، ولا يقال كوز إلاّ إذا كانت له عروة، وإلاّ فهو كوب.»[27]
أمّا أبو هلال العَسْكريّ فقد أنكر وجود التّرادف، وألّف كتابا سمّاه (الفروق اللّغويّة) وقال بأنّ هذه الكلمات الّتي يعتقد بأنّها مترادفة، وأنّها تدلّ على معنى واحد، هي في الأصل مختلفة، وبينها فروق، ومن الأمثلة التي ذكرها في كتابه الفروق اللّغويّة:
-الفرق بين الحفظ و الرّعاية:
يذهب أبو هلال إلى أنّ نقيض الحفظ الإضاعة، ونقيض الرّعاية الإهمال، ولذا يُقال للماشية الّتي ليس لها راع الهمل، والإهمال يؤدّي حتما إلى الضّياع، لهذا يكون الحفظ: صرف المكاره عن الشّيء لئلا يهلك، أمّا الرّعاية: فهي فعل السّبب الّذي يصرف المكاره عنه.[28]
-الفرق بين الدّين و الملّة:
يقول أبو هلال بأنّ الملّة اسم لجملة الشّريعة، والدّين اسم لما عليه كلّ واحد من أهلها، لهذا يقال: فلان حسنُ الدّين، ولا يقال فلان حسن الملّة.[29]
-الفرق بين المحظور و الحرام:
يقول أبو هلال بأنّ المحظور هو ما نهى عنه ناه، وقد يكون حسنا؛ كنهي السّلطان عن التّعامل ببعض النّقود، وفرض بعضها، ونهيه عن الرّعي في بعض الأماكن، وهذا قد يكون غير قبيح، أمّا الحرامُ فلا يكون إلاّ قبيحا.[30]
-الفرق بين الخشوع و الخضوع:
يقول أبو هلال العسكريّ بأنّ فاعل الخشوع يرى بأنّه دون الّذي يخشع له، وأنّه يراه أعظم منه، وذهب إلى أنّ الخشوع يكون في الكلام خاصّة، واستشهد بقوله تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا﴾[31]، أمّا الخاضع فهو المطأطئ رأسه وعنقه، واستشهد بقوله تعالى: ﴿ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾[32]، فالخشوع يقتضي خوف الخاشع من المخشوع له، أمّا الخضوع فلا يقتضي أن يكون معه الخوف.[33]
-الفرق بين اللّمس و المسّ:
يذهب أبو هلال إلى أنّ اللّمس يكون باليد خاصّة ليعرف اللّين من الخشونة، والحرارة من البرودة، أمّا المسّ فيكون باليد وبالحجر وغير ذلك، ولا يفترض أن يكون باليد، ثمّ يستشهد بقوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾[34]، وقوله: ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[35]، ثمّ يعلّق على ذلك قائلا بأنّ الله سبحانه وتعالى قال يمسسك، ولم يقل يلمسك.[36]
يظهر ممّا سبق أنّ أبا هلال يُنكر وجود التّرادف، بينما لو نظرنا في كتابه الموسوم بـالمعجم في بقيّة الأشياء فإنّنا نجده ينسى هذا المبدأ الرّافض للتّرادف، ويذكر أشياء كثيرة ويشرحها بعبارة واحدة، ولم يقتصر ذلك على مثال واحد؛ بل أمثلة كثيرة، يقول:
«السّؤر: ما يبقى في الإناء من الشّراب بعدما شرب.»[37]
«الشّفافة: بقيّة الماء في الإناء بعدما شرب.»[38]
«الصّبابة: ما يبقى في الإناء من الشّراب بعدما شرب.»[39]
معنى هذا أنّ الكلمات: (السّؤر والشّفافة والصّبابة) تدلّ على معنى واحد، وهذا هو عين التّرادف.
ويقول كذلك:
«العفافة: ما يبقى في الضّرع من اللّبن.»[40]
«العلالة: بقيّة اللّبن في الضّرع.»[41]
«الغبر: بقيّة اللّبن في الضّرع.»[42]
أمثلةٌ مِن التّرادُف:
ذكر السّيوطي أنّ الفيروز آبادي ألّف كتابا ذكر فيه أسماء العسل، ووسمه بترقيق الأسل لتصفيق العسل، حيث أورد للعسل ثمانين اسما، منها: العسل، والضّرب، والضّربة، والضّريب، والشّوب، والذّوب، والحميت[43]…
وللفيروز آبادي كتاب سمّاه الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف[44].
ومن أمثلة التّرادف منظومة السّيوطي لأسماء الكلب، وسبب نظمها أنّ السّيوطي أراد التّبرّي من معرّة أبي العلاء المعريّ، وقد بلغ عدد الأبيات سبعة وثلاثين بيتا.
حيث تقول الرّواياتُ إنّ أبا العلاء المعريّ دخل على الشّريف المرتضى، فعثر برجل، فقال الشّريف المرتضى: من هذا الكلب؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما، فقال السّيوطي: «وقد تتبّعت كتب اللّغة فحصّلتها ونظمتها في أرجوزة وسمّيتها: التّبرّي من معرّة المعرّي.»[45]
وممّا جاء فيها:[46]
للهِ الحمـدُ دائِــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمُ الوَليّ ثُـمّ الصّــلاةُ عَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلـى النّبيّ
قَدْ نقلَ الثّقاتُ عن أبي العلا لـمّا أتـــــــــــــــــــــــــــــــــى لِلمرتضى ودخَـلا
قال له: شخْصٌ بـــــه قدْ عثرا مَنْ ذلكَ الكلبُ الذي ما أبْصرا؟
فقالَ في جوابِه قـــــــــــــــوْلا جَلي معــيرا لـذلكَ المـــُــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــجهــل
الكلبُ مَــــنْ لم يدرِ مِنْ أسمائِه سبعيـنَ مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــوميـا إلى علائِــه
وقـــــــــــــــــــــــد تتبّعتُ دواوينَ اللّغه لعلّني أجمعُ مِـــــــــــــــــــــــــــــــــــن ذا مبلغــه
فَجِئتُ مِنها عَــــــــــــــــــــــــــددا كَثيرا وأَرْتَجـي فيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــما بَقِيَ تَيْسيره
وقَدْ نَظمتُ ذاكَ في هذا الرّجَز لِيَسْتفيدَها الّـــــــــــــــــــــذي عنها عجَز
فسَمِّه – هُــــــــــــــــديتَ- بالتّبــرّي يا صــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاحِ مِـنْ مَعرّةِ المعرّي
مِـنْ ذاكَ البــــــــــــــــــــــــاقِعُ ثمّ الــوازِعُ والكلْبُ والأبْقَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــُع ثمّ الزّارِعُ
والخيْطلُ، السّخــــــــــامُ ثمّ الأسَد والعرْبجُ، العـــــــــــــــــــــــــــــجوزُ ثمّ الأعْقـد
والأعْنقُ، الدِّرباسُ، والعــملس والقطرب الفــــــــــــــــــــــرني ثمّ الفحلـس
ومِن أمثلة التّرادف ما ذكره البابيدي من أسماء الأسد، فقد بلغ عدد الأسماء الّتي ذكرها الكاتب للأسد ثلاثمائة وواحدا وعشرين اسما(321).[47]
منها: أبو العبّاس، أبو ضيغم، أبو التّامور، أبو الأشبال، أبو الأبطال، البيهس، البهنس، المبهنس، المتبهنس، الجذع، الجراهم، الجرهام، المدرّب، الجهضم، الحمارس، الحطوم…
وذكر للجمل والنّاقة ثلاثمائة وواحدا وأربعين اسما(341).[48]
أهميّة التّــرادف:
تظهر أهميّة التّرادف في ما يلي:
-يعدّ التّرادف مظهرا لثراء اللّغة، حيث تكثر الألفاظ لمعنى واحد.
-التّرادف وسيلة تساعد على التّوسّع في سلوك طُرق الفصاحة، وأسلوب النّظم، وإظهار ألوان المعاني.[49]
-يساعد على التّنويعِ في الإخْبار قصد التّفنّن في الكلام شعره ونثره، فقد يحتاج الشّاعر إلى كلمة معيّنة لإقامة الوزن، ويحتاج الخطيب كذلك إلى كلمة لها دورها في تأدية غرض بلاغيّ كالطّباق، والجناس، والسّجع…
– يعين على إفراغ المعنى الواحد في قوالب متعدّدة، ما يتيح للكتّاب والخطباء والشّعراء تخيّر الألفاظ المناسبة للتّعبير عن المواقف المختلفة.
شروط قبول التّرادف:
وضع بعض اللّغوييّن شروطا لقبول التّرادف، بِعدّه ظاهرة مسّت جميع لغات العالم:[50]
-أن تتّفق الكلمتان في المعنى اتّفاقا تامّا، ويمكن استعمال أحد اللّفظين، واستبداله بآخر في جميع السّياقات.
-الاتّفاق في البيئة اللّغويّة.
-الاتّحاد في العصر.
-ألاّ يكون أحد اللّفظين نتيجة تطوّر صوتيّ، مثل كلمتي (الجثل) و(الجفل) بمعنى النّمل، فلا شكّ في أنّ أحد اللّفظين هو الأصل، والآخر هو الفرع.
خاتمة:
يمكن أن نخلص ممّا سبق إلى أنّ ظاهرة التّرادف موجودة بالفعل في اللّغة العربيّة، والمنكر لها يحكم على مفسّري القرآن الكريم ببطلان عملهم، على أساس أنّ التّفسير هو ذكر المرادف للّفظة، بينما هناك كلمات في اللّغة ليست مترادفة، بل بينها فروق دقيقة، مثل المهنّد (السّيف المصنوع بالهند)، واليمانيّ (السّيف المصنوع باليمن).
المصادر و المراجع:
القرآن الكريم.
1- أحمد أمين. -ضحى الإسلام، دار ابن الجوزي، القاهرة، مصر، الطّبعة الأولى، 2010.
2- البابيدي أحمد بن مصطفى الدّمشقيّ. -معجم أسماء الأشياء، دراسة وتحقيق: أحمد عبد التّواب عوض، دار الفضيلة للنّشر والتّوزيع، القاهرة، مصر.
3- بلعيد صالح. -في قضايا فقه اللّغة العربيّة، ديوان المطبوعات الجامعيّة، السّاحة المركزيّة، بن عكنون، الجزائر، سنة الطّبع: 1995.
4- الثعاليبي أبو منصور. -فقه اللّغة وسرّ العربيّة مذيّلا بثلاثة كتب في فقه اللّغة للأصمعيّ، وابن مسلم، وابن الأجدابي، حقّقه وشرحه وقدّم له د. عمر الطّباع، الطّبعة الأولى، 2012، مؤسّسة الكتب الثّقافيّة، بيروت، لبنان.
5- الجاحظ أبو عثمان. البيان والتّبيين، دار الفكر للجميع، بيروت، لبنان، سنة الطّبع 1968.
6- ابن جنّي أبو الفتح. الخصائص، تحقيق: محمّد عليّ النّجار، المكتبة العلميّة، 1952، مصر.
7- حاتم عماد. في فقه اللّغة وتاريخ الكتابة، المنشأة العامّة للنّشر و التّوزيع و الإعلان، طرابلس، ليبيا، الطّبعة الأولى، 1982.
8- رمضان عبد التّواب. فصول في فقه العربيّة، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطّبعة السّادسة، 1999.
9- سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان. كتاب سيبويه، تحقيق وشرح: عبد السّلام محمّد هارون، دار الجيل، بيروت، لبنان.
10- السّيوطي جلال الدّين. المزهر في علوم اللّغة وأنواعها، شرح وتعليق: محمّد جاد المولى بك و محمّد أبو الفضل إبراهيم، وعليّ محمّد البجاوي، منشورات المكتبة العصريّة، بيروت، لبنان، تاريخ الطّبع: 1987.
11- العسكريّ أبو هلال. الفروق اللّغويّة، تحقيق: أبي عمرو عماد زكي البارودي، المكتبة التّوفيقيّة، القاهرة، مصر.
-المعجم في بقيّة الأشياء مع ذيل أسماء بقيّة الأشياء، دراسة وتحقيق: أحمد عبد التّواب عوض، دار الفضيلة للنّشر والتّوزيع والتّصدير، القاهرة، مصر.
12- ابن فارس أحمد.
– معجم مقاييس اللّغة، وضع حواشيه: إبراهيم شمس الدّين، منشورات محمّد عليّ بيضون، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الطّبعة الأولى، 1999.
-الصّاحبي في فقه اللّغة العربيّة وسنن العرب في كلامها، علّق عليه ووضع حواشيه: أحمد حسن بسج، منشورات محمّد عليّ بيضون، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الطّبعة الأولى، 1997.
-كتاب الفرق، حقّقه وقدّم له وعلّق عليه: د. رمضان عبد التّواب، مكتبة الخانجي بالقاهرة، مصر، الطّبعة الأولى، 1982.
13- القاسمي عليّ. علم المصطلح أسسه النّظريّة وتطبيقاته العمليّة، مكتبة لبنان، ناشرون، بيروت، لبنان، الطّبعة الأولى، 2008.
14- محمّد سعيد إسبر/بلال جنيدي. الشّامل معجم في علوم اللّغة العربيّة و مصطلحاتها، ، دار العودة بيروت، لبنان، الطّبعة الثّانية، 1985.
15- ابن منظور. لسان العرب، قدّم له: الشّيخ عبد الله العلايلي، أعاد بناءه على الحرف الأوّل من الكلمة: يوسف خيّاط، دار الجيل، بيروت/دار لسان العرب، بيروت، لبنان طبع سنة: 1988.
[1] – ينظر ضحى الإسلام، أحمد أمين، دار ابن الجوزي، القاهرة، مصر، الطّبعة الأولى، 2010، الجزء: الثّاني، ص: 211.
[2] – الصّاحبي في فقه اللّغة العربيّة وسنن العرب في كلامها، تأليف الإمام أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا، علّق عليه ووضع حواشيه: أحمد حسن بسج، منشورات محمّد عليّ بيضون، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الطّبعة الأولى، 1997، ص: 22.
[3] – معجم مقاييس اللّغة، تأليف أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا الرّازي، وضع حواشيه: إبراهيم شمس الدّين، منشورات محمّد عليّ بيضون، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الطّبعة الأولى، 1999، الجزء: الأوّل، ص: 519.
[4] – لسان العرب، ابن منظور، قدّم له: الشّيخ عبد الله العلايلي، أعاد بناءه على الحرف الأوّل من الكلمة: يوسف خيّاط، دار الجيل، بيروت/دار لسان العرب، بيروت، لبنان طبع سنة: 1988، المجلّد الثّاني، ص: 1152.
[5] – الشّامل معجم في علوم اللّغة العربيّة و مصطلحاتها، محمّد سعيد إسبر/بلال جنيدي، دار العودة بيروت، لبنان، الطّبعة الثّانية، 1985، ص: 279.
[6] – ينظر علم المصطلح أسسه النّظريّة وتطبيقاته العمليّة، د. عليّ القاسمي، مكتبة لبنان، ناشرون، بيروت، لبنان، الطّبعة الأولى، 2008، ص: 371-372.
[7] – يُنظر المزهر في علوم اللّغة وأنواعها، جلال الدّين السّيوطي، شرح وتعليق: محمّد جاد المولى بك و محمّد أبو الفضل إبراهيم، وعليّ محمّد البجاوي، منشورات المكتبة العصريّة، بيروت، لبنان، تاريخ الطّبع: 1987، الجزء: الأوّل، ص ص: 405-406.
[8] – الخصائص، ابن جنّي أبو الفتح عثمان، تحقيق: محمّد عليّ النّجار، المكتبة العلميّة، مصر، 1952، الجزء: الأوّل، ص: 374.
[9] -ينظر فصول في فقه العربيّة، د. رمضان عبد التّواب، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطّبعة السّادسة، 1999، ص: 320.
[10] – ينظر علم المصطلح أسسه النّظريّة وتطبيقاته العمليّة، ص: 368.
[11] – يُنظر المزهر في علوم اللّغة و أنواعها، الجزء: الأوّل، ص: 406.
[12] – البيان والتّبيين، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، المجلّد الأوّل، الجزء الأوّل، ص: 22، سنة الطّبع 1968، دار الفكر للجميع، بيروت، لبنان.
[13] – يُنظر معجم الشّامل في علوم اللّغة العربيّة و مصطلحاتها، ص: 279.
[14] – ينظر علم المصطلح أسسه النّظريّة وتطبيقاته العمليّة، ص: 366.
[15] – الصّاحبيّ في فقه اللّغة العربيّة ومسائلها وسنن العرب في كلامها، ص: 22.
[16] – كتاب سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، تحقيق وشرح: عبد السّلام محمّد هارون، دار الجيل، بيروت، لبنان، الجزء: الأوّل، ص: 24.
[17] – سورة البقرة، الآية: 2.
[18] – يُنظر الصّاحبيّ في فقه اللّغة العربيّة ومسائلها وسنن العرب في كلامها، ص ص: 59-60.
[19] – يُنظر معجم الشّامل في علوم اللّغة العربيّة و مصطلحاتها، ص: 279.
[20] – ينظر في فقه اللّغة وتاريخ الكتابة، د. عماد حاتم، المنشأة العامّة للنّشر و التّوزيع و الإعلان، طرابلس، ليبيا، الطّبعة الأولى، 1982، ص: 32.
[21] – علم المصطلح أسسه وتطبيقاته العمليّة، ص: 366-367.
[22] – يُنظر المزهر في علوم اللّغة و أنواعها، الجزء: الأوّل، ص: 405.
[23] -الصّاحبيّ في فقه اللّغة العربيّة ومسائلها وسنن العرب في كلامها، ص: 59.
[24] – الصّاحبيّ في فقه اللّغة العربيّة ومسائلها وسنن العرب في كلامها، ص: 59.
[25] – الصّاحبيّ في فقه اللّغة العربيّة ومسائلها وسنن العرب في كلامها، ص: 60.
[26] -كتاب الفرق، لابن فارس اللّغويّ، حقّقه وقدّم له وعلّق عليه: د. رمضان عبد التّواب، مكتبة الخانجي بالقاهرة، مصر، الطّبعة الأولى، 1982، ص: 78.
[27] – فقه اللّغة وسرّ العربيّة مذيّلا بثلاثة كتب في فقه اللّغة للأصمعيّ، وابن مسلم، وابن الأجدابي، أبو منصور الثعاليبي، حقّقه وشرحه وقدّم له د. عمر الطّباع، الطّبعة الأولى، 2012، مؤسّسة الكتب الثّقافيّة، بيروت، لبنان، ص: 38.
[28] – ينظر الفروق اللّغويّة، الإمام الأديب اللّغويّ أبو هلال العسكريّ، تحقيق: أبي عمرو عماد زكي البارودي، المكتبة التّوفيقيّة، القاهرة، مصر، ص: 217.
[29] – ينظر الفروق اللّغويّة، ص: 233.
[30] – ينظر الفروق اللّغويّة، ص: 243.
[31] – سورة طه، الآية: 108.
[32] – سورة الشّعراء، الآية: 4.
[33] – يُنظر الفروق اللّغويّة، ص ص: 262-263.
[34] – سورة البقرة، الآية: 214.
[35] – سورة الأنعام، الآية: 17.
[36] – ينظر الفروق اللّغويّة، ص: 323.
[37] -المعجم في بقيّة الأشياء مع ذيل أسماء بقيّة الأشياء، لأبي هلال العسكريّ، دراسة وتحقيق: أحمد عبد التّواب عوض، دار الفضيلة للنّشر والتّوزيع والتّصدير، القاهرة، مصر، ص: 98.
[38] – المعجم في بقيّة الأشياء مع ذيل أسماء بقيّة الأشياء، ص: 103.
[39] -المصدر نفسه، ص: 105.
[40] – المصدر نفسه، ص: 114.
[41] -المصدر نفسه، ص: 114.
[42] -المصدر نفسه، ص: 117.
[43] – يُنظر المزهر في علوم اللّغة و أنواعها، الجزء: الأوّل، ص: 407.
[44] – يُنظر المزهر في علوم اللّغة و أنواعها، الجزء: الأوّل، ص: 407.
[45] – يُنظر معجم أسماء الأشياء، البابيدي أحمد بن مصطفى الدّمشقيّ، دراسة وتحقيق: أحمد عبد التّواب عوض، دار الفضيلة للنّشر والتّوزيع، القاهرة، مصر، ص: 13.
[46] – يُنظر معجم أسماء الأشياء، ص ص: 14-15.
[47] – يُنظر معجم أسماء الأشياء، ص ص: 66-69.
[48] – يُنظر معجم أسماء الأشياء، ص ص: 78-86.
[49] – ينظر في قضايا فقه اللّغة العربيّة، صالح بلعيد، ديوان المطبوعات الجامعيّة، السّاحة المركزيّة، بن عكنون، الجزائر، سنة الطّبع: 1995 ،ص: 114.
[50] -ينظر فصول في فقه العربية، ص ص: 222-223.