
الحركات الإسلامية في المغرب والمشاركة السياسية:
جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية نموذجا
The Islamic Movements and Political Participation in Morocco: Case Study of the Justice and Benevolence Movement andthe Justice and Development Party
نادية لهديلي، مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة سكاريا
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 16 الصفحة 107.
Abstract:
Since the Arab uprising, the issue of Islamic movements and political participation has been of contentious debate. This period has allowed political parties with Islamic ideology to rise into power. This paper aims to approach the reasons why do some Islamic movements decide to enter party politics, and become actively involved in the political field, while others do not? The article has selected two Islamic movements in Morocco: The Justice and Benevolence Movement (JBM), and the Justice and Development Party (JDP). The JBM deliberately avoided party politics and limited its engagement to unpolitical activities, while the JDP, shifted from the religious circle to the political one, entered party politics, and won the legislative elections. The paper is based on qualitative material, and argues that the ability of Islamic movements to translate their intellectual project into a functional process i.e. representative institutions, constitutes a factor of influence in the political scene.
Keywords:Islamic Movements, Justice and Benevolence Movement, Justice and Development Party, Arab Spring, Political Participation.
الملخص:تسعى هذه الورقة إلى تسليط الضوء على الحركات الإسلامية في المغربومسألة المشاركة السياسية. تدرس هذه الورقة حالتي جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية، والفترة الزمنية التي تركز عليها هي فترة الحراك العربي أوما يعرف اصطلاحا بالربيع العربي.هذه الفترة خولت لأحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية من الصعود إلى سدة الحكم. شهدالمغرب بدوره حراكا شعبيا.تمثلالإستثناء في مطالبة شعبية بالإصلاحات، وليس باسقاط النظام.سيطر حزب العدالة والتنمية على المشهد السياسي، وانتصر على خصومه في المعارضة خلال الإنتخابات التشريعية لسنتي 2011 و 2016.خلافا للحزب، تبنت حركة العدل والإحسان موقفا واضحا من المشاركة السياسية في المغرب، فهي ترفض الخوض في التجربة السياسية في غياب أرضية صالحة للعمل السياسي النزيه، ولعدم رغبتها الخضوع للخطوط الحمراء أو تقديم تنازلات. تبحث هذه الورقة فرضية مفادها أن قدرة الحركات الإسلامية على ترجمة مشروعها الفكري إلى عملي متمثل في مؤسسات سياسية وقاعدةحزبيةفاعلة، ودخولها العمل السياسي برهاناته وتقلباته، من أبرزعوامل إنتشارها.للإجابة على إشكالية الدراسة، تم الإعتماد على المنهج الوصفي لدراسة حالتي جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية في المغرب.
الكلمات المفتاحية:الحركات الإسلامية، جماعة العدل والإحسان،حزب العدالة والتنمية، الربيع العربي، المشاركة السياسية.
مقدمة:
تعد مسألة المشاركة السياسية لدى الحركات الإسلامية من المواضيع التي احتلت أهمية بارزة خلال فترة الربيع العربي. شهدت هذه المرحلة صعود أحزاب سياسية بمرجعيةإسلامية إلى السلطة.في المغرب، اطلعت الحركات الإسلامية كأدوات بدور المقاومة للمستعمر والدفاع عن القضية الوطنية.خلال فترة الاستعمار الفرنسي للبلاد وبحكم متطلبات المرحلة وأولوياتها، كانت الحركات الإسلامية تتطلع بدور المقاومة والدفاع عن القضية الوطنية سواء عبر المناشط المتاحة أو عبر بث الحماسة في نفوس المغاربة. ولما تحقق مطلب الاستقلال سنة 1956، انقسمت الحركات الإسلامية في علاقتها مع الأنظمة الحاكمة بين مؤيد ومعارض للمشاركة في السطلة والانسياق في العمل المدني. وعلى الرغم منهذه الاختلافات بينها أزمعت الحركات الإسلامية على مرجعيتها الإسلامية وعلى سعيها نحو تحقيق الإصلاح المجتمعي .
إن قدرة الحركات الإسلامية على ترجمة مشروعها الفكري إلى عملي متمثل في مؤسسات سياسية وقاعدةحزبيةفاعلة، ودخولها العمل السياسي برهاناته وتقلباته، كان من أبرزعوامل إنتشارها.
تكتسي هذه الدراسة أهمية بالغة، من خلال تناولها مسألة الحركات الإسلامية في المغرب ومسألة المشاركة السياسية. فهذا الموضوع يرتبط كذلك بمواضيع أساسية أخرى مثل الإسلام السياسي، الإسلام الراديكالي والإسلام المعتدل، ومسألة الفصل بين الدعوي والسياسي لدى الحركات الإسلامية.
للإجابة على إشكالية الدراسة، تم الإعتماد على المنهج الوصفي لدراسة حالتي جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية في المغرب.
تم تقسيم الدراسة إلى ثلاث محاور رئيسية، وهي:
المبحث الأول: التعريف بالحركات الإسلامية.
المبحث الثاني: جماعة العدل والإحسان. ويتطرق هذا المبحث إلى التعريف بالجماعة ومراحل تطورها، بنيتها الفكرية، آليات عمل الجماعة، مسألة المشاركة السياسية، قرار انسحاب الجماعة من حركة 20 فبراير، والسيناريوهات المرتقبة للجماعة.
المبحث الثالث: حزب العدالة والتنمية. ويتطرق هذا المبحث إلى التعريف بالحزب، بنيته الفكرية، مساره السياسي، ومقومات الحزب في العمل السياسي.
أولا: تعريفالحركات الإسلامية
يصف الكاتب عبد الوهاب الأفندي الحركات الإسلامية بأنها حركات تؤمن بشمولية الإسلام في نواحي الحياة الدنيوية، وحركات حديثة نشأت نتيجة لرهانات الحداثة، وبالتالي فهذه الخاصية تدحض فكرة أن الحركات الإسلامية معادية للحداثة لأنه تم احتواء هذه الحركات داخل الإطار العلماني.
كما تعد هذه الحركات إحدى أبرز قوات المعارضة في العالم العربي، فنشأتها وتطورها كان بفعل عوامل داخلية وخارجية من ذلك شكل انهيار الخلافة الإسلامية سنة 1924 عامل بارزا في التمهيد لتشكيل حركات ذي مرجعية إسلامية، بينما تمثل العامل الخارجي في السيطرة الغربية الاستعمارية للدول العربية والإسلامية، والتي خلفت تبعية وأزمة قيم وانحراف المجتمعات المسلمة عن القيم الدينية، وبروز مفاهيم حديثة كمفهوم الدولة القطرية ذات الحدود الجغرافية كما مهدت لمفاهيم اقتصادية وسياسية كاليبرالية والرأسمالية والديمقراطية والعلمانية وغيرها من المفاهيم الدخيلة على المجتمعات الإسلامية والعربية. من جانب آخر، هناك من يرى أن المفاهيم التي تروج لها الحركات الإسلامية مثل مفهوم الدولة الإسلامية، الأحزاب والتنظيمات هي مفاهيم مستحدثة ومبتدعة.
دخلت الدول الحديثة في صراع من أجل اكتساب الشرعية، كما اصتدمت مع الحركات في الجانبين النظري والعملي لمفاهيم مدنية للدولة الحديثة. خلف هذا الصراع مواقف متباينة حول العمل السياسي، فمن الحركات الإسلامية من يؤيد ويدعو إلى الانخراط في العمل السياسي مثل حركة الإخوان المسلمين في مصر، ومن ينتقد ويرفض العمل السياسي كما هو حال الحركة الإسلامية في باكستان. من جانب آخر، أثر الواقع السياسي والسوسيو إقتصادي على القراءات الإيديولوجية للحركات الإسلامية، واقتراح وسائل تتماشى ومتغيرات الواقع الراهن، وقد أشارالأفندي إلى وجود خلل في البنية الفكرية والتنظيمية لهذه الحركات، وقد استدل في ذلك على حركة الإخوان المسلمين التي لم تنجح في تأسيس الدولة الإسلامية كما نظروا لها. رغم هذا، ظل الاهتمام الأبرز لهذه للحركات هو احداث تغيير جذري في المجتمع، الإصلاح، استعادة مجد الأمة ومحاربة الهيمنة الغربية والتبعية.
ثانيا: جماعة العدل والإحسان
تعد جماعة العدل والإحسانمن أكبر الحركات الإسلامية في المغرب وأبرزها تأثيرا، ويرجع تأسيسها إلى الشيخ عبد السلام ياسين،[1]كما تجمع الحركة الدعوية بين البعد الصوفي والسلف، وتتبنى المنهج التربوي في الدعوة لـبناءالمجتمع.تظهر نفحات الصوفية في كتب الأب الروحي للحركة التي روجت لتصور تربوي قائم على الصحبة والجماعة والذكر.
عرفت الجماعة عند تأسيسها بأسرة الجماعة، أطلق عليها بعد ذلك جمعية الجماعة، وبعدها تمت تسميتها بجماعة العدل والإحسان، واستلهمت الجماعة تسميتهامن الآية القرآنية: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون”.[2]
يرى الباحث التركي، محمد زاهد جول، أن جماعة العدل والإحسان على أنها أحد حركات العمل الإسلامي الحديث في المغرب، وأهم مدارس التغيير والتجديد في المغرب وفي المجتمع العربي والعالم الإسلامي عامة. تميزت عن غيرها من الحركات والجماعات الإسلامية باعتمادها على بيان مناهج التغييرالتأصيلي في القرآن الكريم والمنهاج النبوي العظيم، وإعطاء أجوبة شافية لأسئلة العصر مثل الحداثة والغزو الغربي للمجتمعات الإسلامية.[3]كما يمتاز تنظيم جماعة العدل والإحسان بالتأصيل الديني والفقهي على غرارطبيعة التنظيم الذي تطرق له كتاب “الهدي النبوي.[4]“
بالنسبةإلى علاقة الحركة مع النظام الحاكم في المغرب ومواقفها منه،وصفت حركة العدل والإحسان بأنهاحركةمعارضة للنظام السياسي على غرار الحركات والأحزاب اليسارية الراديكالية.هذا وقد شاركت الجماعة في احتجاجات حركة 20 فبرايرالمطالبة بالتغيير والإصلاح والتي انطلقت إبان موجة الحراك الشعبي في ما اصطلح عليه بالربيع العربي، لكن الجماعة انسحبت لاحقامن المظاهرات.تم قراءة مشاركة الحركة في هذه الاحتجاجات على أن الحركة تتبنى مواقف سياسية.
تشكل الجماعة حركة مضادة للتيار السلفي الجهادي الذي تنتسبه إليه بعض الحركات الجهادية أمثال جماعة الصراط المستقيم، والجماعة السلفية، وأهل السنة والجماعة، والتكفير والهجرة.وفي حوار مع السيدة نادية ياسين، المشرفة على العمل النسائي داخل الجماعة، أشارت إلىأن النظام الحاكم يستفيد من وجود جماعة كجماعة العدل والإحسان، فأعضاء الجماعة من الشباب الذين تتراوح معدلات أعمارهم بين ثلاثين وخمسة وثلاثين عاما عاشوا وضعا إقتصاديا حرجا، قد يولد بداخلهم غضبا قابلا للانفجار، والجماعة تحتوي هذا الغضب وتحاول توجيهه إلى العمل المنظم، وعليه: “النظام يرحب بنا كخصوم له بدلا من التيارات الأخرى التي لا تؤمن إلا بالعنف”.[5]
يعتبر الموروث الفكري الذي ساهم فيه الشيخ عبد السلام ياسين مرجعية فكرية بارزة للجماعة. انطلق المشروع الفكري بكتابي “الإسلام بين الدعوة والدولة” 1972، و”الإسلام غدا” 1973 اللذين وضعا أسس ومنطلقات مدرسة المنهاج النبوي، تلاه كتاب “المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا” 1982 الذي تضمن المعالم الكبرى لهذه المدرسة من خلال تقديم تصور تربوي وتنظيمي متكامل للعمل الدعوي الإسلامي، لذلك يعد هذا الكتاب الإطار الإيديولوجي لجماعة العدل والإحسان.جاءت كتب أخرى تفصل مفردات هذا التصور في مختلف المجالات، مثل كتاب “الإسلام والقومية العلمانية” 1989، الذي يتناول موقف الجماعة من العلمانية والنزعة القومية في المجتمعات المسلمة، وكتاب “نظرات في الفقه والتاريخ” 1990، وكتاب “تنوير المؤمنات” 1996 في جزأين، الذي يطرح فيه العلامة ياسين موقع المرأة المسلمة في معركة التغيير والبناء، وكتاب “الإحسان” في جزأين، 1998-1999 وهو عماد “مشروع المنهاج النبوي” بما تضمنه من تحليل عميق لما عرف بالتصوف، وتأكيد على محورية الأساس التربوي في العمل الإسلامي، وكتاب “العدل: الإسلاميون والحكم”، 2000 الذييمثل تنظيرا شاملا للحكم الإسلامي وتحدياته.[6]إن الإطلاع على هذا الموروث الفكري يمكن استخدامه كقاعدة لفهم آليات العمل والتنظيم الممنهج للجماعة.
برز لدى حركة العدل والإحسان توجها صوفيا، واختارت وسائل سلمية لتنشر قيمها وأفكارها بما يخدم رسالتها وتوجهها. ترتكز ممارسة الجماعة على مرجعية فكرية وبناء نظري وفق المنهاج النبوي. ورغم علاقتها المعارضة للنظام الملكي بالمغرب، إلا أن جماعة العدل والإحسان اعتمدت على خطاب مدن رافض للعنف، إيمانا منها أن العنف لايولد سوى العنف.
أكدت الجماعة في أهدافها ووسائلها أنها لا ترضى بهدف اجتماعي سياسي دون العدل على شريعة الله، ولا بغاية دون الإحسان.[7]وفي سبيل تحقيق رؤيتها، تسعى الجماعة إلى خلق بينية مجتمعية بكيان تربوي منظم قابل للتغيير، وشامل لغايات الدين والدنيا، في الدعوة والدولة.[8]كما ترتكز بينة الجماعة على وضع تصور مبني على نقد للتاريخ والرجوع إلىالأصل في سعيها إلى بناء الفرد والمجتمع علر أسس العدل والإستقامة.[9]وعليه، فالجماعة لا تسعى إلى الانقلاب على النظام الحاكم ولا إحداث فوضى في المجتمع، ولكن المشروع الإصلاحيللجماعة غايته توعية الأفراد بالقضايا الدينية.[10]
مرت جماعة العدل والإحسان بسلسلة من الأطوار يمكن اختزالها في خمسة محطات كبرى.[11] تعتبرالمرحلة الأولى مرحلة التأسيس والجهاد، إذ تأسست الجماعة على يد الشيخ عبد السلام ياسين،[12]وكان مرشدها العام إلى غاية 2012، ليخلفه محمد عبادي أميناعاما للحركة.[13] اعتبر الشيخ عبد السلام ياسين المرحلة التأسيسية 1974 و1981 مرحلة “جهاد الكلمة ومحنة الإسلام أو الطوفان”، حيث ناضل الشيخ في سبيل الله وآثر السير على المنهاج النبوي. حمل الشيخ ياسينمسؤولية التبليغ وعمل جاهدا في النصح لأئمة المسلمين وعامة المسلمين، أملا في تصالح والتقاء الدعوة بالدولة والنهوض بواجب النصرة. مهد لهذه المرحلة إطار نظري تمثل في كتابي الإسلام بين الدعوة والدولة، والإسلام غدا.
أرسل عبد السلام ياسين نصيحة مفتوحة بعنوان “الإسلام أو الطوفان” للملك الحسن الثاني سنة 1974، سجن على إثرها الشيخ دون محاكمة. ومن بين ما جاء في الرسالة: “اعلموا أن صاحبكم (يقصد الملك) إن طرح النصيحة وماطل وراوغ ذاهب أمره وصائر إلى ما يصير إليه من أخذته العزة بالإثم حين قيل له”:اتق الله”. شكل “الإسلام أو الطوفان” نقطة صراع بين النظام والجماعة، صراع استمر حتى بعد تولي الملك محمد السادس الحكم، الذي تلقى بدوره رسالة تحت عنوان “إلى من يهمه الأمر”[14].تطرقالمرشد على إثرها إلى نقاط حساسة من إقامة البيعة بناء على تعاقد بين الحاكم والمحكوم، ومحاربة الفساد لإعادة الثقة إلى الشعب، والبناء المشترك للبلاد. يتجلى الاختلاف بين المرحلتين في اتساع حرية التعبير والحديث عن مواضيع كانت محظورة. وبالرغم من ذلك، أصدرت السلطات بيانات للطعن في المذكرة، وخصصت العدد 910 من مجلة “ميثاق الرابطة” للرد على المذكرة والدفاع عن النظام.[15]من جانب آخر، تم التضييق على الشيخ ياسين بعد خروجه من السجن، حيث منع من القاء دروسه والتحدث إلى العامة. في تلك الفترة، اتصل الشيخ بأقطاب الحركات الإسلامية بالمغرب لإنشاء جماعة إسلامية موحدة في إطار “حزب إسلامي” وتوسيع الدائرة الإسلامية، لكن دعوته قوبلت بالرفض بسبب مفهومه لتوحيد العمل الإسلامي.[16]لم تمنع المضايقات الشيخ من المظي في مسيرته الدعوية، فقد أصدرمجلة “الجماعة” لنشرأفكاره،واعتبرتأداة عمل وتوعية،وتعارف بين الإسلاميين.[17]
تميزتالمرحلة الثانيةبتأسيس العمل المنظم. كما آثر الشيخ ياسين العمل المنظم بعد مرحلة جهاد الكلمة، وهذا مابينهفي العدد السابع من “الجماعة” الذي صدر سنة 1981. في هذا العدد، أعلن الشيخ عن تأسيسالجماعة، ووضع الإطار النظري لعملها تمثل في “المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا”.[18] تم مصادرة”الجماعة”،وقبل وقفها تماما كتب فيها مقالا تحت عنوان: “قول وفعل” رد فيه الشيخ على رسالة ملكية نشرها الحسن الثاني بمناسبة حلول القرن الخامس عشر الهجري، وقد كان هذا المقال السبب في اعتقاله الثاني سنة 1983.
تعتبرالمرحلة الثالثة في تاريخ الجماعة مرحلة التنفيذ ومحنة الحصار ومحاولة الإحتواء.[19]في هذه المرحلة، اعتقل الشيخ سنة 1983 وحكم عليه بالسجن عامين وغرامة مالية، كما تم اعتقال بعض المنتسبين للجماعة، ومن بينهم عبد الله أرسلان ومحمد بشيري وسعيد الغنيمي، كما صادرت السلطات العدد السادس عشر لمجلة “الجماعة”. بدأت مرحلة التأسيس الفعلي للجماعةبعد خروج عبد السلام ياسين من السجن، وتميزت هذه المرحلة بتأسيس المجلس التنفيذي واللجان التنفيذية المتفرعة. في ظل هذه المرحلة والظروف المعادية والتضييق على الجماعة، ازداد تأثيرها بين المؤيدين لعملها.يرى الأفندي أنه كلما توسع تأثير الحركات الإسلامية في ظروف معادية، كلما أبانت على تأثيرها وفاعليتها، وزادت قاعدتها.[20]
تميزت المرحلة الرابعة بالخروج القوي للجماعة، حيث قادت مسيرات واعتصامات دفاعا عن القضايا التي تتخبط فيها الأمةالإسلامية. شمل تأثير الجماعة فئة الطلاب تمثل في فصيل طلبة العدل والإحسان، مما زاد من شعبيتها. نظمت قيادة طلبة العدل والإحسان مسيرات وتظاهرات في مختلف الجامعات المغربية تنديدا بالغزو الأمريكي للعراق. حاولت السلطات الدخول في مساومات مع الجماعة لاحتوائها واجهاض عملها الدعوي، كما شنت حملات واعتقالات متزايدة على خلفية تهم من قبيل توزيع منشورات من شأنها الإخلال بالنظام والأمن العام، المساس بمقدسات الدولة، وعلى هذه الخلفية، نظمت الجماعة اعتصاما كبيرا أماممحكمة الإستئناف فيالرباط عقب بدء المحاكمة الإستئنافية لأعضاء مجلس الإرشاد، للبث في الحكم الابتدائي، وقد وافق هذا الاعتصام يوم الإعلان عن تأسيس “المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان” التابع للحكومة، كما استثيأفراد الجماعة من العفو الملكي على خلفية ملف المعتقلين السياسيين، والذي تم اعتباره خطوة ممنهجة للتآمر على الجماعة. من جانب آخر، شكلت إصدارات هذه المرحلة وجها من أوجه الظهورالفكري الراسخ حيث غلب على أكثرها الطابع الحواري ومعالجة قضايا الساحة الكبرى كما كانت تأسيسا نظريا للمرحلة القادمة.[21]
تميزتالمرحلة الخامسة بالتوجه نحو فتح دور لحفظ القرآن والإعتناء به، وتأسيس مجالس النصيحة لتغذية إيمان الفرد على القيم الأخلاقية، وتقديم النصح في أموره الدينية، وإرشاده في الأمور الفقهية. وعملا بمبدأ الاعتدال، أسست الجماعة مؤسسة الدائرة السياسية التي ضمت فئة الشباب، النساء، الطلاب، والنقابات العمالية التي كانت تعمل تحت لواء “الرابطة النقابية لجماعة العدل والإحسان”،وكان الهدف من الدائرة الاهتمام بالشأن العام ومجالس النصيحة للتطلع للغاية الإحسانية. وقد ساهم في تأطير هذه المرحلة كتاب “الإحسان”و”الإسلام والحداثة”، و”العدل، الإسلاميون والحكم”و”الخلافة والملك” و”رجال القومة والإصلاح.[22]“ومن الآليات الأخرى التي ساعدت الجماعة كذلك على نشر فكرها وقيمها هناكالمخيمات الصيفيةوالتي لقيت إقبالا قويا لحسن تنظيمها وتنوع برامجها وأنشطتها في جو تسودهالحشمة والمحبة والأمن والوقار.
من جانب آخر، أسستالجماعة مراكزدراسات وبحوث علمية، وهنا تكمن خصوصية آليات عمل الحركة عن باقي الحركات الإسلامية الأخرى.تصدر الجماعة تقارير سنوية شاملة عن حالة المغرب على كافة الأصعدة، كما تصدر تقارير مختصة في كل شؤون المغرب والعالم الإسلامي وهو عامل مهم لزيادة الوعي لدى هيئات الجماعة. وعملت الحركة على تدشين مركز للدراسات في تركيا لنشر فكر الجماعة والتعريف بآلياتها العملية من تنظير وتأهيل والتنظيم. من جانب آخر، يعد المركز منبرا للتواصل مع الجماعات والحركات الإسلامية في العالم الإسلامي وللإنتشار على مستوى الخارج.هذا الحضور القوي للجماعة داخل وخارج المغرب رغم محاولات إضعافهامنحها نوعا من الهيمنة مما جعل البعض يعتبرها كيانا موازيا[23].
إن مسألة المشاركة السياسية يعتمد بالأساس على مواقف الجماعة من السياسة واختزالها في برنامج سياسي عملي. رغم أنجماعة العدل والإحسان تتبنى مواقف سياسية، إلا أنها ظلت غائبة عن المشاركة السياسية الفعلية. يمكن ارجاع ذلك إلى التوجس من التأثير السلبي للمواقف السياسية على مصداقية الخطاب الدعوي.
تعتبر الجماعة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية مرهونة بتوفر شروط النزاهة من آليات وقوانين منظمة للإطار العام للعمل السياسي، وضمانات المصداقية، ومخرجات من مؤسسات وهيئات منتخبة تمارس صلاحيات فعلية. في هذا الجانب، صرح فتح الله أرسلان، نائب الأمين العام والناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، أن تحول الجماعة إلى حزب سياسي هي مشكلة الدولة التي لا ترخص لإنشاء حزب إلا لمن خضع للخطوط الحمراء الموضوعة سلفا، كما أن مشكلة العمل الحزبي بالمغرب ليست بالقانون أوالدستور، بل بالتعليمات التي يصدرها صانعوا القرار بالبلاد.[24]وعليه، فالمشاركة السياسية تحكمها قرارت وعراقيل نظامية، في ظل غياب نصوص قانونية تمنع الحركات باختلاف أطيافها الفكرية وتوجهاتها السياسية من المشاركة في الحياة العامة. من جانبه، يرى حسن بناجح أن المشاركة السياسية من داخل المؤسسات بالشكل الحالي توجه غير صائب في ظل انتخابات تفرز حكومة لا تحكم فعليا ونظام حاكم لا يخضع للمساءلة.[25]
انسحبتجماعة العدل والإحسانمن المسيرات الاحتجاجية التي قادتها حركة 20 فبراير التي طالبت باصلاحات عقب موجة الحراك الشعبي على خلفية أحداث تونس. وعللت هذا الموقف بما وصفته بتحويل المظاهرات إلى وسيلة لتصفية حسابات مع خصوم وهميين، ومحاولة صبغ هذا الحراك بلون إيديولوجي أوسياسي دخيل على هوية الشعب المغربي المسلم في تناقض مع ما يميز حركة الشارع في باقي الدول العربية.[26]
من جانبه، فسر القيادي في الجماعة، حسن بناجح، الإنسحاب من حركة 20 فبراير بأمرين: الأول تمثل في عدمالإنضباط بالمنطلقات التي من أجلها خرجت الجماعة بفعل معيقات لإجهاض تجربتها النضالية، أما السبب الثاني فتمثل في فرض منحى معين؛ في البدئ، كان الجماعة مقتنعة أن الحركة حاضنة لمختلف التياراتلإقتناعها بمشروعية مطالبها، وقدرتها على توحيد الغايات، غير أن الحركة اتجهت نحو مسار إيديولوجي لم ترضى به الجماعة.[27]
من جانب آخر، قاطعت الجماعةالإنتخابات التشريعية (25 نونبر 2011)، على غرار اليسار الإشتراكي الموحد والبديل الحضاري وحزب الأمة، ودعا بيان للجماعة عقب انعقاد الدورة الإستثنائية للمجلس القطري للدائرة السياسية للجماعةالنخبة المغربية (الدعوية، السياسية، العلمية، الفكرية، الجمعوية، الإقتصادية، الرياضية والفنية) الإنضمام إلى حركة 20 فبراير، وطالبت بحق المراقبة، ومخاطبة الشعب عبر وسائل الإعلام العمومية.[28]ومن أبرز الإصلاحات التي قام بها النظام الحاكم عقب هذه الفترة هيالتعديل الدستوري لتؤكد على تفعيل ملكية دستورية، وتقليص بعض من صلاحيات الملك.صرحت جماعة العدل والإحسان أن الدستور الحالي غير ديمقراطي ولا يناسب المغرب المرغوب لأنه لا ينبع من إرادة الشعب، وإنما جاء فقط لاحتواء غضبه، كما تسائلت عن المساحة الفعلية لصلاحيات الملك.[29]
عن السيناريوهات المرتقبة للجماعة، ضمنت الباحثة فيش ساكتيفال في تقريرها المعنون ب”جماعة العدل والإحسان، في قلب التحدي الإسلامي بالمغرب” ثلاث سيناريوهات، وهي:[30]
-أولا،المصالحة مع القصر، والإندماج في الحقل السياسي السائد.
-ثانيا،التحالف مع قوى سياسية أخرى.
-ثالثا،استمرار عدم المشاركة الرسمية، والتمسك بمواقفها.
ينطلق السيناريو الأول من فرضية أن هناك من ينتمي إلىالدائرة السياسية للجماعة الذين يميلون إلى اقتحام العمل السياسي، بما في ذلك المفاوضة مع النظام. وهذا ما يعبر عنه أرسلان حين صرح بأن تحول الجماعة إلى حزب سياسي ليس مشكلة الجماعة بل مشكلة النظام، الذي لايزال لا يقبل إلا بالأحزاب التي ترضخ للخطوط الحمراء وتنصهر في اللعبة السياسية.
يختلف موقف أرسلان عن مواقف الشيخ عبد السلام ياسين، الذي يعتبر أن المشاركة السياسية ترتبط بنضج الظروف الإجتماعية وليس برغبة النظام.[31]كذلك يختلف موقف أرسلان عن موقف العبادي حين يقول:”الحكم المعتمد في المغرب ليس من الإسلام في شيء… نظام الحكم في الإسلام محدد شرعا، وهو نظام قائم على الشورى وليس على الوراثة…مشروعنا قائم على محاربة الإستئثار بالسلطة وبالمسؤولية دون إرادة الأمة…الشورى عندنا عقيدة وعبادة قبل أن تكون أسلوبا في التدبير والتسيير واختيار المسؤولين، وممارستها تقرب إلى الله تعالى وليست تسويقا خارجيا، ومن ذلك أن الإنتخابات معتمدة داخل الجماعة على جميع المستويات والوظائف والمجالس المسؤولة”.[32]
من جهته، يرى الباحث فرانشيسكو كافاطورطا أن عدم دخول جماعة العدل والإحسان المعترك السياسي قد يفسره وعيها بأن نجاحها مبني على رفضها الجلوس على نفس الطاولة مع فاعلين سياسيين آخرين، ورفضها التنازل على أسس ومبادئ إسلامية.[33]وهناك كذلك مسألة علاقة النظام بالجماعة مابعد المصالحة، وصلاحيات وتنازلات كل طرف، ومدى تأثير دخول الجماعةإلىالمعترك السياسية على الخطاب الدعوي والقاعدة الشعبوية. كما قد يقرؤ نشاط جماعة العدل والإحسانفي الميدان الحزبي انتصارا للسلطة وخضوع الجماعة لشروطها.
السيناريو الثاني يرجح دخول الجماعة في تحالفات مع من همشتهم السلطة. ويعتمد هذا السيناريو على ما قامت به الجماعة غداة الحراك الشعبي حينما آثرت شبيبة الجماعة الإنضمام إلى صفوف حركة 20 فبراير التي تلونت بتيارات مختلفة، ولكن الجماعة لم تستمر في المشاركة في التظاهرات الاحتجاجية للأسباب المذكورة سلفا.
من جانب آخر، لايستبعد هذا السيناريو تحالف الجماعة مع أحزاب وتجمعات ذات تجربة سياسة، مثل حزب العدالة والتنمية، الذي دعا الجماعة إلى العمل السياسي من داخل المؤسسات الرسمية. من جانبها، أبدت الجماعة ترحيبها بمبادرات الحوار الجماعي مع تيارات إسلامية وغير إسلامية (استنادا إلى المرجعيات الفكرية) على غرار التجربتين المصرية والتونسية.يرتكز هذا السيناريو على فكرة الخيار التشاركي الذي يعتمد على بناء حل جماعي لمشروع مجتمعي متكامل، وبحث الجماعة عن تيارات تتقاسم معها قيم مشتركة مثل العدالة الإجتماعية.
نظمت الجماعة في صيف 2014 لقاء تواصليمع أعضاء من حزب الاستقلال، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ويساريين آخرين، للتطرقإلىمواضيع آنيةمثل الديمقراطية،[34]الإسلام السياسي،السلطة، العلمانية، والإرهاب.وخلاصة القول أن الجماعة قد تميل إلىالتحالف كوسيلةضد المؤسسات الصورية التي تحتكر السلطة.
يحتكم السيناريو الثالثإلى نظرية التربص، كما يستند إلى مواقف بعض أعضاء الجماعة من مأسسة العمل السياسي. تتخذ الدائرة السياسية للجماعة الحيطةحتى لا تخسر شعبيتها وأدوات تأثيرها، فالخلط بين الدعوي والسياسي قد تنشأ عنه فرضية مفادها أن دخول الحركات الإسلاميةالمعترك السياسي قد يفقد الخطاب الدعوي مصداقيته. وقياسا على المعيقات التي تعيشها تيارات الإسلام السياسي مابعد الربيع العربي، فإنه من المستبعد أن تغامر الجماعة بالولوج للمعتركالسياسي في غياب أرضية سليمة للمشروع الديمقراطي، لما له من تأثير مباشر على هوية الجماعة، أو انسحاق التطلع الإحساني.
يطرح هذا السيناريو مسألة التنازلات التي يمكن للجماعة أن تقدمها في سبيل دخول المعترك السياسي ومأسسة العمل السياسي، وعن احتمال ظهور انقسامات داخل الجماعة بين من يندفع للعمل السياسي المقنن، وبين من يسعى للحفاظ على غاية الجماعة مستشهدين بالتاريخ النضالي والتضحيات التي قدمتها الجماعة في سبيل الدفاع عن مشروعها التجديدي.
وبالتالي، فمسألة المشاركة السياسية لجماعة العدل والإحسان رهين بعوامل نابعة من مواقف أعضاء الجهاز التنظيمي من العمل السياسي المؤسساتي، المشروع السياسي الذي يؤسس لعلاقة الدعوة بالدولة، قراءة الجماعة للمشهد السياسي الراهن وآليات التأقلم مع الواقع، الرهاناتالتي يحملهافاعلون سياسيون وإجبارالجماعة الخضوع لقواعد اللعبة.
ثالثا: حزب العدالة والتنمية
نشأ حزب العدالة والتنمية كحركة تحررية، وقد غير تسميته سنة 1998 من حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية إلى حزب العدالة والتنمية.هناك من يصل جذور الحزب بالشبيبة الإسلامية المعادية للنظام،والتي آمنت بفكرة الانقلاب على الحكم في فترة السبعينات.[35]في سنة 1967، قرر القياديعبد الكريم الخطيب وابن عبد الله الكوتي وأعضاءآخرون الإنسحاب من حزب الحركة الشعبية، وتأسيس الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بسبب المواقف السياسية للحزب. من جانب آخر، حصل تقارب فكري عقب لقاء الحزب بقيادات إسلامية من رابطة المستقبل الإسلامي، وحركة الإصلاح والتجديد.قدم الخطيب[36]سنة1972مذكرة إلى الملك طالبه فيها بالرجوع إلى الكتاب والسنة لإيجاد حلول لما تتخبط فيه البلاد من أزمات، والإهتمام بالثقافة الأمازيغية، وتدعيم الديمقراطية، وإجراء إنتخابات نزيهة، وتعيين حكومة منبثقة من أغلبية برلمانية، وإصلاح القضاء.[37]نظم حزب الحركة الشعبية الدستورية في يونيو 1996مؤتمرا استثنائيا، شاركت فيه أطر منحركة التوحيد والإصلاح،التي أصبحت إسما جديدا لإتحاد رابطة المستقبل، وحركة الإصلاح والتجديد، وأعاد هيكلته التنظيمية، وانتخب الخطيب أمينا عاما، والدكتور سعد الدين العثماني نائبا له. وتعد الولادة الفعلية للحزب حينما غير إسمهإلىحزب العدالة والتنمية في المجلس الوطني سنة 1998، واتخذ المصباح رمزا له.[38] يتم النظر إلى حركة الإصلاح والتجديدعلى أنها الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، وأن هذا الارتباط العضوي يمنح للحزب دعما وقاعدة شعبية مهمين[39].
من جانب آخر، أوضح الباحث ماتيو بوهلرفي دراسة قدمها بجامعة تكساس الأمريكية في مايو 2010، أن حزب العدالة والتنمية في المغرب والإخوان المسلمون في مصر يتقاسمان خصائص تنظيمية كالمعتقدات الإيديولوجية،والممارسات الديمقراطية الداخلية، ولكن رغم التقارب الفكري، فإن حزب العدالة والتنمية يعتبرأكثر اعتدالا،[40]في حين يتم التعامل مع الإخوان المسلمين على أنها حركة راديكالية. رصدت الدراسة كذلك لمسألةتمييز حزب العدالة والتنمية عن التنظيمات المتطرفة الأخرى في المغرب.كما أشارت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي سنة 2003 للمشاركةالإنتخابية، والذي على الرغم من خسارته للإنتخابات البرلمانية بسبب الخروقات، ظل يحتفظ بموقعه في المشهد السياسي الوطني،وذكر المعهد الوطني الديمقراطي في تقييمه لإنتخابات 2007 في المغرب، أن الحزبيعتمد على القيم الإسلامية المعتدلة، وخطابه السياسي القريب من الطبقة البسيطة.[41]
أكد الحزب في ورقته المذهبية، أنه حزب سياسي وطني يسعى انطلاقا من المرجعية الإسلامية وفي إطار الملكية الدستورية القائمة على إمارة المؤمنين إلى الإسهام في بناء مغرب ديموقراطي حديث، مزدهر ومتكافل، مغرب يعتز بأصالته التاريخية ويسهم إيجابا في مسيرة الحضارة الإنسانية.[42]من هنا يتبين أن الحزب يدمج مفهومين جدليين وهما الملكية الدستورية والديمقراطية، في محاولته لتأطير المرجعية الإسلامية في بنيته الفكرية.
شارك حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات التشريعية في نوفمبر1997، وحصل على 9 مقاعد من أصل 325 مقعدا، وبعد إعادة الإقتراع في بعض الدوائر الإنتخابية تحصلعلى 3 مقاعد إضافية، كما التحق برلمانيين إثنين بصفوفه مما رفع عدد أعضاء فريقه البرلماني إلى 14 عضوا. وفي الإنتخابات التشريعية 27 سبتمبر 2002، حصل الحزبعلى 42 مقعدا بمجلس النواب، وبذلك حل في المرتبة الثالثة مشكلا بذلك أكبر كتلة برلمانية في المعارضة. وفي الإنتخابات التشريعية لسنة 2011، حاز الحزب على 107 مقعدا بمجلس النواب، أي بارتفاع يفوق 60 بالمئة، وعلى 125 مقعدا من أصل 395 في الإنتخابات التشريعية الأخيرة.
شكلت تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية (16 ماي 2003) منعطفا حساسا إذ تم توظيف الأحداث في محاولة لإجهاض المشاركة السياسية وحضورالحزب في المشهد السياسي المغربي، فخصوم الحزب السياسيين اليساريين حاولوا إلقاء اللوم على ما يدعون أنه خلط بين الدعوة والسياسة، وتحميله المسؤولية المعنوية.
إن التطرق إلى مقومات الحزب هو محاولةللإجابة على إشكالية هذه الورقة البحثية حول الأسباب التي ساعدته في الصعود إلى رئاسة الحكومة لولايتين متتاليتين، واستمراريته في صناعة المشهد السياسي والسياسات العامة للمغرب.تتلخص هذه المقومات في ثلاث، كما وضعها الباحث في الشؤون السياسية، محمد شقير، وهيالبراغماتية، الشرعية الديمقراطية، والتوافق مع السلطة.
–البراغماتية:نجاح تجربة العدالة والتنمية في اقتحام الساحة السياسية تكمن في تعامله البراغماتي مع المؤسسة الملكية، وعدم المساس بالخطوط الحمراء. خلقحزب العدالة والتنمية الحدث حينما فاز في الإنتخابات التشريعية لولايتين متتاليتين، كما دخل في مفاوضات لتشكيل ائتلاف حكومي مع أحزاب كانت إلى غاية 2011 تحتكر المشهد السياسي مثل حزب الإستقلال، واندمج حزب العدالة والتنمية في اللعبة الديمقراطية. كذلك، المعطيات الإقليمية لم تكن مواتية لإحتكار الحكومة كحزب وحيد مسيطر.من جانب آخر، هناك من يفسر هذا الإئتلاف بقلة التجربة السياسية بحكم أن الحزب تصدر المشهد القيادي بمقومات غير كافية، وقيادته لوزارات حساسة.
–الشرعية الديمقراطية: إن الشرعية الديمقراطية والخطاب الشعبوي للحزب الذي يمس مختلف شرائح المجتمع ويعكس واقعهم، منحت حزبالعدالة والتنمية بطاقة العبور، وزادت من شعبيته بعدما كان يحسب على صفوف المعارضة. هذه الشرعية ساعدته في قيادة ائتلاف في ظل المؤسسة الملكية. والأهم أن الخطاب الذي تبناه الحزب كان الأقرب إلى الواقع لأنه عكس الإرادة الشعبية للمجتمع المغربي الذي خرج في مسيرات شعبية للإصلاح عقب أحداث الربيع العربي.
–التوافق مع السلطة:إن التنازلات التي قدمها الحزب، جعلته يفهم أن تصدر الحكومة ينبغي أن يتم عبر التوافق مع النظام الحاكم وليس معاداته، لأن بنية النظام تقوم قبل كل شيء على الصلاحيات الإستراتيجية للملك، فرئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، صرح في أكثر من مناسبة أنه موظف لدى الملك، وأنه على الشعب الوقوف معه في مسيرة المغرب الإصلاحية. التوافق مع النظام هو ماخول للحزب أن يكون فاعلا سياسيا مرحبا به في الأوساط السياسية.[43]من جانب آخر، دعا بنكيرانجماعة العدل والإحسانإلى عدم اللعب بالنار[44]،وصرح أن حزبه لم يأتي ليحكم رغما عن الإرادة الملكية، بل ليحكم معها مستخدما المنطق الديني في نبذ التنازع.
خاتمة:
خلصت هذه الورقة البحثيةإلى أن قدرة الحركات الإسلامية على ترجمة البنية الفكرية إلى عملية تمثل في مؤسسات وقاعدةحزبيةفاعلة، ودخولها العمل السياسي برهاناته وتقلباته، كان من أبرزعوامل إنتشارها. وعليه، فالمشاركة عامل أساسي في تقييمتجربة حزب العدالة والتنمية الذي ارتأى العمل من داخل المؤسسات الرسمية. فعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان ينطلقان من مرجعية إسلامية، إلا أنه بين النظري والعملي تتجلى أوجه الإختلاف بين الإثنين.
تسعى حركة العدل والإحسان إلى إحداثتغيير جذري في بنية النظام،كما أنها تؤمن بتغييرهذه البنية ورفض تام للتنازل على قناعاتها أي كانت الظروف، ووعيها بعواقب دخول العمل السياسي ومدى تأثير الدائرة السياسية على الدائرة الدعوية للجماعة. من الجانب الآخر، يسعى حزب العدالة والتنمية الموالي للنظام الملكي إلى محاربة الفساد رغم قلة خبرته العملية. لكن رغم الوعود التي قطعها الحزب من إصلاحات وقطع أيدي المفسدين، هناك من يرى أن حصيلته كانت ضعيفة ولا ترقى إلى التطلعات العالية التي وضعها المغاربة فيه.والحقيقة أن حزب العدالة والتنمية جرد من الصلاحيات[45]التيتخول له ملاحقة المفسدين. من جانب آخر، تتجلى مضامين الخطوط الحمراء في انحراف الأولويات التي يبني عليها الحزب برنامجه السياسي.[46]
وخلاصة القولأن جماعة العدل والإحسانوحزب العدالة والتنمية يحملان مشروعين مختلفين للإصلاح، فمشروع الجماعة قائم على التدين الصوفي، وتحقيق شروط القومة كأداة للفعل السياسي، وقد ينظرإلى هذا المشروع على أنه راديكالي، أما حزب العدالة والتنمية، فيدافع عن مشروع نظامي مؤسساتي قائم على الفهم البرغماتي القريب من تجربة الإخوان المسلمين في مصر،والإيمان بفكرة الإصلاح من الداخل، والتناوب على القيادة، والأهم التوافق مع النظام الحاكم.وعليه، فالعمل داخل المؤسسات الرسمية المعترف بها من قبل النظام ساعدت الحزب على اكتساح الساحة السياسية المغربية، خلافا لجماعة العدل والإحسان. وعليه، فالإيديولوجية الإسلامية قد تنتشر بوجود بنية سياسية ومؤسساتية فاعلة داعمة للتصور الفكري للحركات الإسلامية.
قائمة المراجع
- الأفندي، عبد الوهاب وآخرون. الحركات الإسلامية وآثرها في الاستقرار السياسي في العالم العربي، مركزالإمارات للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، أبو ظبي- الإمارات العربية المتحدة، 2000.ط 1.
- أوريد، حسن.الإسلام السياسي في الميزان: حالة المغرب،مطبعة المعارف الجديدة،الرباط- المغرب، 2016.ط 1.
- محمد صالح، نغم.الحركات الإسلامية في المغرب العربي: المغرب، تونس، الجزائر،دار الجنان للنشر والتوزيع،عمان- الأردن، 2010.ط 1.
- Roy, Olivier. L’Echec de l’Islam Politique, Paris: Seuil, 1992.
- القصير،كمال.”جماعة العدل والإحسان: التحولات والإتجاهات الممكنة”.مركز الجزيرة للدراسات، 2014
- موسى نافع، بشير، وعبد المولى، عز الدين.”الحواس تقية. الظاهرة السلفية: التعددية التنظيمية والسياسات”.مركز الجزيرة للدراسات، 2014
- Kirdiş, Esen. “Between Movement and Party: Islamic Movements in Morocco and the Decision to Enter Party Politics.”Politics, Religion & Ideology. Issue 16. no.1 (2015), pp. 65-86.
- Pruzan Jorgensen, Julie E. “The Islamists Movements in Morocco: Main actors and regime responses.” Danish Institute for International Studies. Issue 5 (2010), pp. 4-26.
- Sakthivel, Vish. “Al Adl wal Ihsan, Inside Morocco’s Islamist Challenge.” The Washigton Institute for Near East Policy. Issue 135 (2014), pp. 1-58.
- المواقع الرسمية لجماعة العدل والإحسان:
http://www.aljamaa.net/ar/index/index.shtml
http://aljamaaonline.blogspot.com
- الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية:http://www.pjd.ma
- الموقع الرسمي لحركة التوحيد والإصلاح:http://www.alislah.ma
- الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين:
http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=تاريخ_جماعة_العدل_والإحسان
- موسوعة الجزيرة:
http://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2014/10/12/جماعة-العدل-والإحسان
http://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2014/11/11/حزب-العدالة-والتنمية-المغرب
http://www.aljazeera.net/programs/arab-present-situation/2015/8/27/ما-هي-وصفة-نجاح-العدالة-والتنمية-المغربي
- بن الشريف، خالد. أهم الحركات الإسلامية المتواجدة بالمغرب العربي،ساسة بوست،01/06/2015. https://www.sasapost.com/the-big-mouvement-islamique-in-maghreb
- جول،محمد زاهد.قراءة في جماعة العدل والإحسان المغربية،الجماعة نت،03/02/2015.
https://www.aljamaa.net/ar/2015/02/03/قراءة-في-جماعة-العدل والإحسان-المغربية
- ماكنيني، كايل. حوار مع نادية ياسين من جماعة العدل والإحسان بالمغرب،صدى،10/09/2008.
http://carnegieendowment.org/sada/?fa=22037
- المودني،سعيد. الصراع على الإسلام السياسي: المغرب نموذجا،إسلام مغربي،09/10/2012.
http://www.islammaghribi.com/جماعة-العدل-و-الإحسان/الصراع-على-الإسلام-السياسي-المغرب-نموذجاً
[1] نغممحمد صالح،الحركات الإسلامية في المغرب العربي: المغرب، تونس، الجزائر،دار الجنان للنشر والتوزيع،عمان- الأردن: 2010)، الطبعة الأولى (ص 149.
[2]سورة النحل، الآية90
[3]محمد زاهد جول،”قراءة في جماعة العدل و الإحسان المغربية”، الجماعة نت،2015/02/03
[4] خالد بن الشريف، “أهم الحركات الإسلامية المتواجدة بالمغرب العربي”، ساسة بوست،01/06/2015
[5]كايلماكنيني،”حوار مع نادية ياسين من جماعة العدل والإحسان بالمغرب”،صدى، 10/09/2008
[6]زاهد جول،”قراءة في جماعة العدل والإحسان المغربية”.
“[7]جماعة العدل والإحسان”،موسوعة الجزيرة،2014/10/12
“[8]جماعة العدل والإحسان”،موقع الجماعة.
[9]المرجع السابق.
“[10]عبد السلام ياسين من رؤى القومة إلى رؤى الديموقراطية”،أصداء المغرب،13/07/2011
“[11]تاريخ جماعة العدل والإحسان بالمغرب”،الموسوعةإخوان ويكي.
[12]ولد سنة 1928 الذي تصادف مع تاريخ تأسيس الإخوان المسلمين، وتوفي سنة 2012، والذي تصادف مع وصول الإخوان إلىالحكم .
[13]رفض لقب المرشد العام احتراما لروح مؤسس الحركة ولهيبته التي ظلت حاضرة رغم رحيله.
“[14]عبد السلام ياسين”،الجزيرة نت،15/02/2012
[15]تاريخ جماعة العدل والإحسان بالمغرب، الموسوعة.
“[16]جماعة العدل والإحسان”،موسوعة الجزيرة، 12/10/2014
[17]تاريخ جماعة العدل والإحسان بالمغرب،الموسوعة.
[18]المرجع السابق.
[19]عرفت سلسلة المضايقات والحصارات التي تعرض لها الشيخ ياسين بمحنة الحصار.
[20] عبد الوهابالأفندي، الحركات الإسلامية: النشأة والمدلول وملابسات الواقع، في عبد الوهاب الأفندي ومجموعة مؤلفين،الحركات الإسلامية وآثرها في الاستقرار السياسي في العالم العربي، مركز الإمارات للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، أبوظبي-الإمارات العربية المتحدة، 2002، الطبعة الأولى،ص 45.
[21]من أهم الإسهامات الفكرية التي تدعم هذه المرحلة: حوار مع الفضلاء الديمقراطيين(1994)، رسالة إلى الطالب والطالبة(1995)، الشورى والديمقراطية (1996)، حوار الماضي والمستقبل(1997).
[22]جماعة العدل والإحسان،الموقع الرسمي للجماعة.
[23]زاهد جول،”قراءة في جماعة العدل والإحسان المغربية”.
“[24]جماعة العدل والإحسان تعلن تحولها لحزب سياسي بدون “خطوط حمراء””،أصداء المغرب، 08/01/2013
“[25]بناجح: هذه حقيقة اختفاء جماعة العدل والإحسان”، أصوات مغاربية، 23/10/2017
“[26]جماعة العدل والإحسان تعلن تحولها لحزب سياسي بدون “خطوط حمراء””.
3″[27]أسباب وراء التوقف المفاجئ للعدل والإحسان عن الخروج في مسيرات 20 فبراير”،أصداء المغرب، 20/12/2011
“[28]جماعة العدل والإحسان تقاطع الإنتخابات التشريعية القادمة”، أصداء المغرب، 11/10/2011
“[29]جماعة العدل والإحسان لن تنسحب من الشارعإلا بتغيير حقيقي”،أصداء المغرب، 18/03/2011
[30]Vish Sakthivel. “Al Adl wal Ihsan, Inside Morocco’s Islamist Challenge,” The Washington Institute for Near East Policy, Issue 135 (2014).
“[31]حوار في المنهاج السياسي عند الأستاذ عبد السلام ياسين،”ياسين نت، 07/05/2012
[32]عبد السلام سكية،”نعاني من الملكية… ونتمنى زوالها”،بوابة الشروق، 07/05/2013
[33]Sakthivel,V. Al Adl wal Ihsan, pp. 21-22.
[34]في كتاب الشورى والديمقراطية، عرف المرشد ياسين الديمقراطية بأنها نقيض الاستبداد، ورغم أنها تختلف مساقا عن الشورى، إلا أنها تشترك مع المطالب الإسلامية في كونها تؤسس للحريات الفردية، والتداول على السلطة، والتعددية.
[35] Esen Kirdiş. “Between Movement and Party: Islamic Movements in Morocco and the Decision to Enter Party Politics,” Politics, Religion & Ideology. Issue 16, no.1 (2015), pp.65-86.
[36]تقلد الخطيب مهام عدة، من أهمها رئيس البرلمان المغربي. مورست عليه طغوطات بحكم صلته بالإخوان المسلمين في ستينات القرن الماضي.
[37]حزب العدالة والتنمية المغربي،موسوعة الجزيرة.
[38]اختار حزب العدالة والتنميةإسم “العدالة والتنمية” انطلاقا من الشعار الذي رفعه خلال الحملة الإنتخابية لإستحقاقات 1997 وهو “من أجل نهضة شاملة: أصالة، عدالة، تنمية”.
علي أنوزلا، “أخونة “العدالة والتنمية” المغربي””، العربي الجديد، 2017/05/24[39]
[40]جاء هذا الوصف كذلك في خدمة أبحاث الكونغرس لسنة 2008 الذي وصف حزب العدالة والتنمية بالمعتدل.
“[41]الإخوان المسلمون في المغرب… حزب العدالة والتنمية”، بوابة الحركات الإسلامية، 28/05/2014
[42]تعريف الحزب،الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية.
[43]Julie E.Pruzan Jorgensen. “The Islamists Movements in Morocco: Main actors and regime responses,” Danish Institute for International Studies, Issue 5 (2010), p. 11.
“[44]بنكيران: لم نأتي لنحكم رغما عن الإرادة الملكية، وأقول للجماعة أنه لايجوز اللعب بالنار”،أصداء المغرب، 09/02/2012
[45]لم يستفد رئيس الحكومة فعليامن الصلاحيات التي أتاحها له دستور2011، إذ يستمر النظام في تفعيل صلاحياته.
[46]حسن الأشرف،”العدالة والتنمية: لن نغلق حانات الخمور والأولوية للشغل وللتعليم،”العربية.نت،29/11/2011