
الحيلة السّياسيّة وبنيتها الجماليّة في المنجز السّرديّ العربيّ القديم
د. سامي بن عبد الملك.كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة بسوسة. تونس
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 39 الصفحة 31.
” رأسٌ لا حيلة فيه قَرعةٌ خيرٌ منه” رقائقُ الحُلَل في دقائِق الحِيَل، ص 25. الملخَّص:تدرس هذه الورقة شكلا سرديّا من أشكال السّرد العربيّ القديم هو “الحيلةُ” مرتبطةً بالمجال السياسيّ. والحيلة نسيج ثريّ بالدّلالات المشحونة بالطّاقة والفعل تكوِّن جوهرها وليست مجرّد مراوغة واستعمال للذّكاء. وهي–في ارتباطها بالسّياسة- فعل خطير له قدرة هائلة على التّحويل والتّحكّم في الأشياء والأفكار والمصائر. وهي بنية تتجلّى سرديّا في مستويين اثنين: مستوى الخطاب ومستوى السّلوك. فالسّياسيّ في مستوى الممارسة الكلاميّة خطير يتحوّل بها من مجرّد نشاط تلفّظيّ إلى حِيَلٍ خطابيّة تحقّق أهدافه. أمّا الحيلة السّلوكيّة فتعبّر عن ذكاء عمليّ للحَيّال إذ يبني أفعالا على غاية من التّنظيم تحكمها بنية متينة تَبرز في السّرد. ولا تخلو الحيلة من بعد جماليّ. فجماليّتها في الخطاب وفي السّلوك دقيقة ملتبسة، ذلك أنّ خيطا رفيعا يفصل بين “جماليّة” الحيلة و”قبحها” نظرا إلى الطّابع العمليّ الذي تتّسم به عموما. وهذا الجانب من البحث في حكاية “الحيلة” يقدّم صورة معنويّة وأخلاقيّة للسّياسيّ العربيّ ضاربة في التّاريخ نلاحظ الكثير من تجلّياتها اليوم.
الكلمات المفتاحيّة:
الحيلة، الحيّال، السّياسة، البنية، السّرد، الخطاب، الجماليّة، الصّورة.
تقديم:
يروم بحثنا دراسة موضوع “الحيلة” في مستوى بنيتها ومستوى جماليّتها. وسنعتمد مدوّنة تراثيّة لم تلق–على أهمّيتها- حظّها من الدّرس هي كتاب “رقائقُ الحُللِ في دَقائقِ الحِيلِ” لمؤلّف مجهول[1].
وقد خصّ المؤلّف كتابه بغرض واحد يدور عليه هو “الحيلة”، لكنّه جعله متعلّقا بالسّياسة (politique) والسّلطان (pouvoir) وهو ما يُدرجه – في نظرنا – ضمن جنس الآداب السّلطانيّة.
وقد اعتمدنا على الباب السّادس من المدوّنة المذكورة وعنوانه ” في حِيَل الخلَفَة والملوك والسّلاطين”[2]، وانطلقنا من نصوص في هذا الباب اخترناها نموذجا لتحليل الحيلة ودراستها بنيةً وجماليّة.
- مدخل: الحيلة بين المفهوم المعجمي والاصطلاحي والثقافي:
يمثّل المعجم ” مدار كلام العرب “. فهو إذن ” منظِّم لما يتحصّل للإنسان من خلال تجربته في الكون من مفردات دالّة إمّا بذاتها وإمّا مقترنة بغيرها “[3]. وبهذا المعنى يصبح تنظّر “الحيلة” في حقلها اللّغويّ ومجالها الاصطلاحيّ، وضبط معانيها في الفضاء الثّقافيّ العربيّ القديم، ضروريّا ومفيدا لأنّه يمكّننا من فهمها في نصوصها والكشف عن منطق اشتغالها.
في دراستنا لجذر (ح و ل) وقفنا على ثراء المادّة. وتبيّن لنا أنّه يمكن تقسيمها قسمين. القسم الأوّل يعود بالدّلالة إلى أصولها، والقسم الثّاني فيه دلالات أخرى وثيقة الصّلة بها. إنّ المعاني الأصول تفيد بأنّ “الحَوْلَ” هو تغيّر الشّيء لذلك فإنّ الرّجل إذا حَالَ واسْتَحَالَ وأحَالَ فقد تغيّر من الاستواء إلى العِوَج[4]. كما يفيد معنى ثانيا أصيلا هو الحجز[5]، وقد جاء في الآية “وَحِيلَ بَينَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ”[6]. و”الحَوْلَ” و”الحَيْل” يُفيدان أيضا معنى ثالثا هو القوّة، فأحَالَ الرّجلُ في ظهر دابّته يعني وثَب واستوى، وأحال عليه استضعَفَه، وأحال عليه الماءَ من الدّلو أفرغه، وأحال عليه بالسّوطِ أي أقبل يضربُه[7]. أمّا المعنى الرّابع فهو تَمامُ القوّةِ في الشّيء، إذ “حالَ الحَوْل: تمَّ، وأحاله الله علينا أي أتمَّه”[8].
إنّ المعاني الأصليّة في كلمة “الحَوْل” ( التغيّر والحجز والقوّة والتّمام )، هي نواةَ النّسيج الدّلاليّ الذي يجمع عشرة معان أخرى هي الرّفض والكثرة والزّجر والتّسييج والحيّز والمنع والإرادة والعدول والمستقبل والهيئة. وكلّ هذه المعاني -متعالقة بالمعاني الأصول- تتشابك في ما بينها وتتنافذ لبناء معنى كبير هو “الحيلة”.
أمّا لفظة “الحيلة” فقد قدّم المعجم تعريفات لمفهومها. جاء في “تاج العروس” : “الحِيلة هي الحِذق وجَودة النّظر والقدرة على دِقّة التّصرّف”[9]. وهي “الحذق في تدبير الأمور وهو تقلُّب الفِكْر حتى يهتديَ إلى المَقصود”[10]. وهي “من التّحوّل لأنّ بها يُتَحوَّل مِن حال إلى حال بِنوعِ تدبيرٍ ولطفٍ”[11]. وهي “ما يُتَوصّل به إلى حالة مّا في خِفيَة”[12]. وقد قدّم الجرجاني في كتابه “التّعريفات” تعريفا اصطلاحيّا جاء فيه “الحيلةُ اسمٌ مِن الاحتيال، وهي التي تُحوِّل المرءَ عمّا يكرهُه إلى ما يُحبّه”[13].
وفي قراءة سريعة لهذه التّعريفات يتبيّن لنا أنّ المعنى الرّابع -في رأينا- هو المعنى الذي تَحرّك نحو حقيقة الحيلة، وحُجَّتُنا في ذلك أنّه احتوى معنى الخَفاء والسَّتر وهو المعنى الجوهريّ في نظرنا، وقد كان مفقودا في المعاني أو التّعريفات السّابقة. فمعنى الخفاء والسّتر والحَجْب يحُول دون اكتشاف المعاني الأخرى التي استخلصناها وكشْف الحيلة. إنّه كامن في جميعها، فيُعطيها طبيعتَه السّحريّة غير المرئيّة وهو مُتعلّق بنيويّا بالأشياء التي يُخفيها، وبهذا فإنّ الخفاء يُشكّل في تقديرنا المعنى الخامس للنّواة الدّلاليّة ويحتلّ مركزها.
وللحيلة مرادفات أشهرها “مَكر” و”كَيد” و”خَدع” و”ختل” و”محل” و”خَبَّ” و”رَوغ”. وهي –رغم الفروقات الدّقيقة التي بينها- تشترك جميعها مع الحيلة في قيامها على ثابتين رئيسين: فعلٌ يُنجَز، وغايةٌ متخفّية يجري إليها. وعموما، يمكننا القول على سبيل الاستخلاص: إنّ الحيلة هي نسيج من الأفعال أو الأقوال خفيّة الدّلالات بحيث يَعمَى عنها من تتوجّه إليه وتروم تحقيق غاية بعينها. وينجرّ عن تحقيقها تغيير للحال، وفاعلُها هو الحيّال، وهو الحُوّل، وهو الماكر، وهو الخدّاع، وهو الخَبُّ…
ورغم أنّ بحثنا مركوز على تنظّر الحيلة في الفضاء الثّقافيّ العربيّ القديم فإنّه من المفيد الإشارة إلى وضعيّتها في الفضاء الثّقافيّ الأوروبيّ، فالثّقافات البشريّة على تنوّعها تشترك فيها لغة وممارسة وتصوّرا ومخيالا. وهذا ما يعطيها خاصّيّتها الكونيّة.
إنّ الأصل اللاّتينيّ للفظة “الحيلة” هو recusare) ( ويفيد الرّفض. أمّا المقابل اللّغويّ الفرنسيّ لها فهو كلمة (ruse) وهي مشتقّة من فعل (ruser) الذي كان يعني بحسب ما جاء في المعجم الإيتيمولوجيّ والتّاريخيّ للفرنسيّة[14] التّراجع (reculer)، والحَملُ على التّراجع faire reculer)). ثم اكتسبت في القرن الرّابع عشر معنى الخداع (tromper)، وصارت تعني في القرن السّادس عشر “الرَّوْغُ بغرض مُغالطة الكلاب”[15]. وهذا المعنى يكاد يطابق ما وجدناه في مادّة (خ د ع) ” إذا الضّبّ دخَل في وِجارِه مُلتويا (..) والثّعلب أخذ في الرَّوَغان”[16].
وللحيلة في الأسطورة اليونانيّة مكانة كبرى تجسّدت في الآلهة “متيس” (Métis). فقد تزوّجها الإلاه “زيوس” (Zeus) ، وبالكاد حملت منه بـ”أثينا” (Athéna) التي ستصبح آلهة الحكمة والذّكاء، ابتلعها “زيوس” محتكرا بذلك الحيلة في أعماق بطنه. ونتيجة لذلك أضحى من المستحيل أن تُحبَك حيلةٌ في العالَم دون أن يعلم بها “زيوس”. وهكذا صار “زيوس” ملك الآلهة جميعها وسيّدها وكذلك “الإلاه ذو الحيلة”[17].
وتكتسب “متيس” في أدبيّاتهم أربع خصائص: “فهي تمثّل الحيلة في مواجهة القوّة، وهي المفاجأة تقع في وضعيّات غير متوقّعة، وهي دائما متعدّدة تملك القدرة على التّحوّل (métamorphose)، وهي الفعل المتنكّر تحت القناع، حيث يتضاعف الواقع والظّاهر ويتقابلان كشكلين متناقضين لِيَحدُث الوهمُ الخادع لدى الخصم”[18]. واستنادا إلى هذا التّصوّر أصبح كلّ كائن حيّ يتمتّع بهذه القدرات لـ”متيس” حيوانا أكان، أم نباتا، أم بشرا، مالكا لقوّة خاصّة ناعمة ضدّ القوّة العنيفة، هي “الحيلة”.
إنّ هذا المدخل في المعجم والمفهوم يسهّل علينا مقاربة “الحيلة” في نصوصها. ولعلّنا نجد الكثير من معانيه ممّا يحيل إلى الحيلة في بنيتها وجماليّتها.
- تحليل الحيلة إلى بنيتها
إنّ تتبُّعنا الحيلة في النّصوص جعلنا نقف على أنّ سلوك السّياسيّ الحَيّال فيه سياسة للحيلة في مستوييها الاثنين. وقد رأينا أن نستعمل كلمة “سياسة” لأنّها –عندنا- قاسم مشترك بين “الحيلة” و”السّياسة” -بمفهوم “السّلطة”- في حقليهما الدّلاليّين. لذلك سننطلق من دلالة معجميّة تمثّل لنا أرضيّة لغويّة ودلاليّة وهي أنّ “السّياسةَ هي الرّئاسة، وهي القيامُ على الأمر بما يُصلِحُه، وهي التّرويضُ والتّذليل”[19].
وهكذا فإنّ “سياسة” الحيلة من حيث هي سلوك، تسلك مسلكين وتعتمد سياستين هما سياسة الكلام وسياسة الأفعال أو ما أسمّيه الكلام الحَيّال والفعل الحيّال .
1.2. نماذج من الحيلة
في حيلة “الزّيارة الجريئة”[20]، توسّل الإسكندر -وهو يواجه جيش الفرس- بحيلة. فقَبل المواجهة واستعمال لغة السّلاح خاطب جنود الفُرس قائلا “يا معشر الفُرْس قد عَلمتم ما كتبنا لكم مِن الأمان، فمَن كان منكم معنا فليَعتَرك ناحيةً”[21]. وطلب ممّن التزم به اجتناب الحرب. يذكّر الاسكندر الجيش بالأمان في الوقت الذي وضعهم فيه ملكهم بمواجهة الموت، ويمنح المتمسّكين به فرصة الحياة. إنّ التّذكير بالأمان هو تذكير بالحياة في لحظات يخيّم فيها الموت ولكنّه أيضا توجيه لسلوكهم لأنّه يتضمّن تحضيضا لهم على مغادرة مواقعهم. فما هو الوقع الذي أحدثته كلماته فيهم؟
لقد “اتّهمت الفُرس بعضها بعضا وولّت منهزمة”. قامت الحركة السّرديّة على النّظام الذي تجلّى في فعل اصطفاف الجيش للقتال، والذي يدلُّ بدوره على انتظام ذهنيّ ونفسيّ عام. ولكن باستعمال هذه الكلمات في تلك اللّحظات الخاصّة يورّط الحيّالُ الجيشَ في نسيج كلماته حتّى يتمكّن من التّحوّل بهم من حال الاعتقاد إلى حال الفعل. أمّا الكلام الصّادق للاسكندر بخصوص كتاب الأمان فلم يكن قصده الحقيقيّ، بل كان القصد المتواري عنهم تفريق صفوفهم والحطّ من عزيمتهم.
إنّ فعل الحيلة حملته الكلماتُ لا الأشياء فقوّضت النّظام والانتظام، وحوّلتهما إلى فوضى في مستوى الذّهن والهيئة والتّشكّل، فاحتلّ التّنافرُ مكان الانسجام وحلّ التّفكّك محلّ الاصطفاف. لقد صدّق الضّحايا كلام الاسكندر عن الأمان لأنّهم كانوا في حال انتظار الموت فحُجبت عنهم نيّتُه وسُترت عنهم غايته وسلكوا السّلوك الذي وجّهتهم إليه كلماته. وعليه فإنّ سياسة الكلام من قِبل السّياسيّ الحيّال لها القدرة على تحويل طبيعة الشّخصيّات الجماعيّة، وكذلك تحويل هيئة تشكُّلهم، وتفتح مسلكا يؤدّي إلى النّصر.
أمّا في حيلة “حتّى لا يخالف اليمين”[22] فقد أخذ الاستدراج شكلا آخر مغايرا، إذ أقسم النّجاشيّ الذي قتل أبرهةُ ابنَ عمّه “لَيطأنَّ بلاده سهلَها وجبلها ويجزّ ناصيته ويهرق دمه”. إنّ فعل القتل الذي ارتكبه أبرهة وضعه في صورة القاتل الذي لابدّ من القصاص منه. ولا شكّ أنّ التّهديد بالموت هو أقصى درجات الخطر بالنّسبة إلى الشّخصيّة، ومنه تتأتّى حتميّة حلٍّ يحُلّ هذا التّهديد. وهذا يعني أن يكون حلاّ ناجعا بالضّرورة لأنّه لا مجال لفرصة أخرى للفعل، وأيّ خلل فيه سيؤدّي إلى الهلاك. من هذه الحال الحرجة فَتحتْ لأبرهة الفكرةُ “أنْ أخذ جِرابا وملأه من تراب السّهل والجبل وجَزّ ناصيتَه ضفيرا وفَصَد روحَه في قارورة” و”أنفذ الجميع إلى النّجاشي”[23].
إنّ الفكرة لابدّ مِن أن تكون أقوى من قوّة التّهديد، ومثلما أقنع قتلُ أرباطٍ النّجاشيَّ بقتل أبرهةَ، فلامَحالةَ من أن تكون الحيلة أكثر إقناعا له بالعدول عن قراره. وقد تمثّل الفعل في تشكيل علامات سيميائيّة لها في الواقع صفة الموجود بالفعل، وإكسائها دلالات رمزيّة لتُشكّل بدورها واقعا موجودا بالقوّة هو في الحقيقة صورة.
إنّ الهدف الذي كان يصبو إليه النّجاشيّ (قتل أبرهة بتلك الطّريقة) تحوّل هو نفسه إلى الفعل الذي أنجزه أبرهة، فحوَّله عن الانتقام باستدراجه إلى القناعة به صورةً أو كنايةً أقنعته بأنّ إرادته قد تحقّقت. لقد نفّذ أبرهة كلَّ ما أقسم النّجاشيّ أن يفعله، وتحصّل هذا على كل ما أراد من أبرهة دون حرب. إنّ الاستدراج هنا هو استدراجُ الإرادة إلى القناعة بصورتها والاقتناع بها. إنّه فنُّ تحويل أهداف الآخر العدوانيّة من واقع ممكِن بالعنف إلى صُور تُشبِع رغبتَه وتُشعره بالرّضى عن نفسه. إنّه فنُّ تحويل الخُطَط إلى خُطُوط.
وفي “التخلّص من الحراميّة”[24] نقف على مظهر آخر للحيلة. كان “عضد الدّولة” هو الحيّال، إذ بلغه “خبر قوم أكراد يقطعون الطّريق ويقيمون في جبال شاهقة لا يُقدر عليهم”[25]. يمثّل الأكراد خصما معارضا. وقد وصف السّرد حالهم وأفعالهم وحيلتهم في ثلاث جمل فعليّة تختزل الأحداث وموازين القوى. فالأكراد يكرّون مستعملين القوّة للإغارة على القوافل، ثم يفرّون إلى الجبال الشّاهقة حيث تصعب ملاحقتهم. وحِيال استراتيجيّة الكرّ والفرّ هذه كان لابدّ من الحيلة للقضاء عليهم، فاستعمل عضد الدّولة تاجرا “أعطاه بغلا عليه صندوقان فيهما حلوى قد سُمِّمت بالسمّ، وهي كثيرة الطِّيب”[26]. يتوقّع الحيّال أن يعترض الأكراد سبيل القافلة وهو ما حدث بالفعل.
و”لمّا فتحوا الصّناديق وجدوا الحلوى تفوح طِيبًا فدهشوا وحضروا جميعهم عليها فرأوا ما لَم يرَوْنَه قَطّ، فأمعنوا في الأكل”. إنّ هذه الجملة الظّرفيّة تلخّص الإثارة والحرمان والجوع والدّهشة والنّهم. فحالما فُتحت الصّناديق ظهرت هذه المشاعر بقوّة ” فأمعنوا في الأكل”. وبقدر إمعانهم في الأكل كان إمعان الحيلة فيهم.
إنّ أساس القوّة في هذه الحيلة البسيطة أنّها مَزجت الحلوى بالسّم والشّهيّ بالزّعاف وأخْفَت الثّاني في الأوّل في دلالة على إتقان السّياسيّ الحيّال للعبة الظّاهر والباطن وإدراكه لخطورتها. كما كشفت معرفة الحيّال بخصائص النّفس البشريّة ومواطن ضعفها، فوظّف الحرمان لتصعيد الشّهيّة التي كانت بمثابة الفخّ.وبتعبير لويس ماران (Louis Marin)“إنّ فخّ الشّهية يتمثّل في أن نقدّم للحيوان أو الإنسان الذي نريد الإيقاع به شيئا هو يحتاجه”[27]. ولاشكّ في أنّ الشّهيّة سلوك حيوانيّ في الإنسان لا يهدأ إلاّ بإشباع موضوع الرّغبة العنيفة التي تجعل الضّحيّة “عاجزا بقدرته ذاتها، وتسلِّمُه دون مقاومة إلى قوّة أقلّ منه بكثير”[28].
والآن بعد تحليل موجز لهذه النّماذج من نصوص الحيلة لنا أن نتساءل:
هل البنيةُ المكوّنة لهذه الحيل هي البنية المتحكّمة في كلّ باب “حِيَل الخَلفة والملوك والسّلاطين”؟ وهل يمكننا الكلام عن خصائص بنيويّة للحيلة ؟ وكيف تكتسب الحيلة جماليّتها الخاصّة بها؟
2.2.الحيلةُ بِنية
من خلال شرحنا للحيل التي اتّخذناها نموذجا بدت لنا الحيلة بنية. ونبيّن مكوّناتها البنيويّة مستعينين بهذا الجدول الذي استخلصناه من دراسة حيل هذا الباب جميعها[29]:
النّص | دوافع الحيلة | أهدافها |
الخنزير و الفيل | الشّعور بالخطر | تحويل الوضعيّة |
الوعد الغامض | مَنَعة الأمر | تقويض المنيع |
الرّجل المفقود | الوحدة ، الاتّفاق | بذر الشّكّ والارتياب |
معلومات خادعة | الوجود في وضع سلبيّ | تحويل الوضع السّلبيّ |
الإشاعة المغرضة | الحصول على فرصة كبيرة | إضعاف قدرات الآخر |
هبة بالإكراه | عدم تنفيذ رغبة | الإجبار على تنفيذها |
معاوية ينعى نفسه | حرص المنافس | إيقاع المنافس في الخطأ |
التّملّص من ميثاق | خطأ المنافس | استغلال الخطأ |
السّاعة الأخيرة | الخوف(من حيلة الآخر) | منْع تحويل الوضعية |
الحليب المسموم | الخوف | منْع تحويل الوضعيّة |
قتل دون شهود | الوجود في وضعية سلبيّة | إثناء المنافس عن موقفه |
استشارة | الخوف من ذيوع السّر | التّرهيب لضمان كتمانه |
استخدام الأموال العامة | الجهل | المعرفة + استغلالها |
القتل بحادث | الخوف | التّخلص من المنافس دون شبهة القتل |
مهمّة سرّية | الشّك + الحاجة إلى المساعدة | اليقين + إيهام الشّخصية بأهمّيتها |
الإفلات من قاتل | الدّفاع عن النّفس | الإيهام |
حقيقة مرض | الشّكّ | معرفة الحقيقة |
المأمون يضارب بالأسعار | حبّ الشّيء+ارتفاع قيمته | الحصول عليه + الاستنقاص من قيمته |
المعارض القوي | الشّك | اليقين |
العقاب الرّهيب | الخطأ | العقاب |
الحريق المتعمّد | الوجود في وضع سلبيّ | الإيهام |
الحرب الاقتصاديّة | مَنَعة الأمر | تقويض المنيع |
صديقان و ملك | الخوف (من التآمر) | التّأكّد من الوفاة |
السّيف المشؤوم | الخطأ | العقاب |
ثمر و نوى | الشّعور بالإهانة | ردّ الاعتبار |
الوليمة | مَنعة الأمر | تقويضه |
الحرب الأهليّة | الإصرار على الرّأي | العدول عن رأي |
أخذ السّلطة بطيبة نفس | ضعف المنافس | الاستحواذ على السّلطة |
الوثيقة المزيّفة | التّهديد | اكتساب الحجّة |
البستان المخفي | تهديد منافس + الخوف من الرّفض | التّخلّص من المنافس + التّرويض |
1.2.2. دوافع الحيلة: (les motivations)
لا تنشأ الحيلة من عدم. وإنّما هي واقعة ضمن نظام تخضع العلاقة فيه لمنطق السّبب والنّتيجة. وهي من ثمّ مرتبطة بدوافع تحثّ عليها وتنتجها. وهذه الدّوافع مصدرها ما في العلاقات الإنسانيّة من تفاعل ينتج عنه تضارب مصالح وتصارع أهداف عبّر عنه “ماكيافال” (Machiavel) بقوله ” إنّ الرّجال يؤذون الآخرين خوفا منهم أو كرها لهم” [30].
يجد السّياسيّ الحيّال نفسه في وضعية معيّنة تتّسم بالسّلبية والنّقص (manque) فتكون الدّافع الرّئيس للتّفكير والتّدبير وإنشاء الحيلة، في محاولة لتجاوز وضعه الحرج وتحويله وتغييره. والدّوافع تحكمها غالبا الضّرورةُ التي تُلجِىء إلى الحيلة وتفتح أبوابها. من هذا المنطلق يمكننا أن نعتبر الدّوافع مكوّنا رئيسا في بنية الحيلة.
وانطلاقا من الجدول أعلاه يمكننا أن نحدّد الدّوافع بصفة عامّة على أنّها حالة سلبيّة شعورا -كانت أو حدثا- تتّسم بالنّقص الشّديد. وهي في تقديرنا صنفان: دوافع ذاتيّة ودوافع موضوعيّة.
*الدّوافع الذّاتيّة مصدرها المباشر هو السّياسيّ الحيّال الذي استعملها إثر وقوع حدث مّا، يتولّد لديه شعور بالخوف، أو بالشّك، أو بالجهل، أو باهتزاز صورته، أو بالغضب من عدم تنفيذ رغبته. مثل هذه المشاعر تتّخذ لدى الحيّال خليفةً كان أو سلطانا أو ملكا أو أميرا أبعادا أكثر تعقيدا ممّا هي لدى الإنسان العاديّ، نظرا إلى ما يسكن شخصيّته من مركّبات السّلطة والقوة، فتتحوّل بسرعة من مجرّد تفاعلات عاطفيّة إلى طاقة مولّدة للفعل، أو لردّ الفعل، متجسّدا في الحيلة. وهذا يتجلّى على سبيل المثال في حيلة ” هبة بالإكراه” أو “ثمرة ونوى ” أو ” استخدام الأموال العامّة “.
والحيلة تعالج الحالة السلبيّة للشّعور في ذات اللّحظة التي تُسلَّط فيها على الآخر. فالشّك في أمر مّا يسبّب للسياسيّ الحيّال قلقا، فيسعى بالحيلة إلى ضبط سلوكه وإعادة توازنه من خلال الوصول إلى الحقيقة. لكن قد تبلغ مركّبات السّلطة والقوّة حدودا مَرَضيّة تصبح بمقتضاه الحيلة آلة جهنمية تتحايل على الموت من حيث تستحضره بالقوّة والكيفية التي تُرضي منشئها مثلما حدث في حيلة ” العقاب الرّهيب”.
*أما الدّوافع الموضوعيّة فهي متّصلة بالظّروف المحيطة بالسّياسي، الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة والعسكريّة. وهي على درجة من التّداخل والتّعقيد بحيث تستوجب من رجل السّياسة أن يكون رجل حيلة.
إنّ هذه الدّوافع غالبا ما تنتج عن سلوك (comportement) الطّرف المقابل. ونستطيع أن نتبيّن من الجدول جملة من هذه الدّوافع كالخوف من قوّةٍ منافسة، أو مَنَعة القوّة المنافسة، أو ضعف المنافس، أو الوجود في وضعيّة سلبيّة.
ولا يُمثّل الجدول أعلاه تصنيفا نهائيّا لدوافع الحيلة بصفة عامّة ولكنّه متّصل بالحيلة في علاقتها بالسّلطة والسّلطان[31]. ولنا أن نحصرها –على تعدّدها- في ما يلي: منعة أمر مّا على السّياسيّ الحيّال، الخوف من منازعته السّلطة، التعرّض إلى الغزو، الخوف من القتل، الشّكّ، جهل الحقيقة، والتّسلية.
إنّ هذه الدّوافع تمثّل المولّد الرّئيس عند السّياسيّ للحاجة إلى الحيلة قوّةً منقذة. وبما أنّ الحيلة متعلّقة بالدّوافع الحافزة على الفعل، وتجري إلى غايات وأهداف محدَّدة، فإنّها تعطي للفعل معناه مثلما تعطي للسّياسيّ، خالق الحيلة ومنشئها، فرصة التّحكم في أقداره وأقدار غيره. فما هي أهداف الحيلة؟
2.2.2.أهداف الحيلة: (les buts)
إنّ الحديث عن الأهداف، يعني أنّ الحيلة فعل غائيّ نابع من دوافع ومتّجه نحو هدف محدّد، يركّز عليه خيوطه ويوفّر الوسائل النّاجعة لإصابته. هذه الأهداف متّصلة اتّصالا وثيقا بالدّوافع. لذلك فهي إمّا أهداف ذاتيّة أو أهداف موضوعيّة لا تخلو في الحقيقة من الذّاتية. وهي لا تستمدّ معناها إلاّ من وجود الآخر. وهذا الآخر قد يكون إنسانا وقد يكون شعورا وقد يكون رغبة وقد يكون مدينة أو حصنا أو معدنا نفيسا… لكنّ الغالب هو الآخر شخصا في صورة المنافس.
ويقدّم لنا الجدول أهدافا عديدة يسعى السّياسيّ بإنجازه فعل الحيلة إلى تحقيقها. ويمكننا -على كثرة أهداف الحيلة وتنوّعها- أن نحصر اتّجاه الفعل في ثلاثة أهداف كبرى هي:تحويل واقع، الحيلولة دون تحويل واقع، والحيلولة دون إحداث واقع مُوازٍ.
إنّ تحديد الهدف يتطلّب معرفة بخصائصه، وهو ما سيجعله واضحا. فتحاك الحيلة بحسب الأهداف التي ترمي إليها[32]. وتحتلّ الأهداف مكانة أساسية في بنية الحيلة، بل لا تكون حيلة دون هدف مثلما لا تكون دون دوافع. وهي تعبّر عن البنية العقليّة والنّفسيّة للسّياسيّ الحيّال في التّعامل مع الآخر: الآخر الإنسان، والآخر الشّعور، والآخر الشّيء. فالآخر هو موضوع الحيلة والسّياسيّ يتعامل معه على أنّه رهان، من خلاله يحافظ على وضعه الاجتماعيّ والسّياسيّ، رهان لابدّ أن يكسبه مهما كانت الوسائل. ذلك أنه “حين يتعلّق الأمر بالحُكم على أعمال الرّجال وخاصّة الأمراء منهم، فإنّنا لا نأخذ بعين الاعتبار الوسائل، وإنّما الغاية”[33].
3.2.2.عناصر الحيلة:
إنّ المقصود بعناصر الحيلة هو المجموع المتفاعل الذي يتعالق فيه نسيج الأفعال المُدبَّرَة والمحبوكة، بمكان مّا وتوقيت مّا.
- نسيج الأفعال: هو نواة الحيلة القائم على تفكُر وتدبُر لكيفيّة بناء منسجم يصبح قوّة فعّالة. وهو يبدأ نشاطا ذهنيا يتوسّل بالخيال في عمليّة تركيبيّة لأوضاع وملابسات وشخصيّات وتوقّعات، تسعى إلى خلق تناسق بحيث تبلغ من الإتقان حدّا لا تتيح معه للآخر أيّة فرصة للنّجاة. إنّها بمثابة اللّعبة الفكريّة التي تتطلّب من اللاّعب قدرا كبيرا من سعة الخيال، ليضمن النّجاح عند التّحوّل إلى مرحلة التّطبيق والإنجاز. وتجدر الإشارة إلى أنّه ليست كلّ الحيل ذات تركيبة معقّدة بل ثمّة حيل بسيطة لا تحتاج إلى جهد فكري[34].
- المكان: إنّ المكان بُعد لازم للأحداث. والحيلة من حيث هي بنية قائمة على الفعل، فإنّها وثيقة الاتّصال بالمكان، بل إنّ منها ما قام أساسا على توظيف المكان فاعلا مثلما ورد في حيلة “القتل بحادث” حيث حبس المنصور عمّه في بيت” بَنى أُسّه على حجارة الملح وأمر بغسله كل يوم مرّتين فذاب الأسّ وسقط البيت على عمّه فمات” [35]. وقد يكون المكان هو الغاية من الحيلة[36]. فالمكان سواء كان وسيلة لتحقيق الهدف أو هدفا في حدّ ذاته أو إطارا تجري فيه الأحداث، فهو عنصر مهمّ جدّا وفعّال في بنية الحيلة.
- الزّمن: لا يمكن أن تقع الحيلة خارج الزّمن. وقد تعاملت معه تعاملا مخصوصا تمثّل في انتظام الظّروف الملائمة التي تتيح التّوقيت المناسب للتّنفيذ، كما تعاملت معه على أساس السّرعة في التّنفيذ لتحقيق الغاية المنشودة.
4.2.2.العلاقة بين السّياسيّ الحيّال والضّحيّة:
تندرج هذه العلاقة عموما في إطار علاقة الفاعل بموضوع فعله. لكنّها هنا تتّخذ بعدا أكثر خصوصيّة. فهي تتّسم بالتّصادم من أجل المواقع أو المصالح والرّغبات. وهذا ما يُكسبها بعدا دراميا. فالحيّال -وهو يمارس فعل الحيلة- يتصوّر نفسه كائنا متعاليا. إنّه السّلطة، والخلافة، والملْك، وظلّ الله في الأرض. أمّا الآخر- فردا كان أو جمعا – فإنّه بالضّرورة كائن متناه. فتكون الحيلة رمزا لتأكيد التّميّز، ومِن ثمّ إقناع الآخر أو إيهامه بمحدوديّة إمكانيّاته وقصوره عن الفعل. ومن منطلق هذه العلاقة الهرميّة، يمارس السّياسيّ حيلته الشّديدة على الآخر الذي يتّخذ صورة الضّحية. وقد يصير “أضحية” حين يصبح المشهد طقوسيّا مثلما هو الحال في حيلة المعتضد[37].
إنّ السّياسيّ الحيّال كائن لا يستمدّ صورته المهيبة إلاّ من خلال علاقته بالآخر وفعله فيه. لذلك يَعتبر الآخر
حاجة لا يجب أن تنتهي، يمارس عليها بفعل حيلته بُعده المتعالي كوجود لا يقبل المنازعة في الزّمان والمكان والصّفة، فينزع عن نفسه عباءة الإنسان بطبيعتها المتناهية، ويخلع عليها هيبة الخالق، القاهر، المحيي، المميت. بينما يظلّ الآخر حقيرا مقهورا تحت طائلة الحيلة الشّديدة.
5.2.2.الأبعاد “السَّترتَجِيَّة” للحيلة السّياسيّة:
من خلال ما سبق تبيّن لنا أن الحيلة ليست فعلا اعتباطيّا وإنّما فعل قائم على منطق داخليّ ترتبط فيه الدّوافع بالوسائل والأهداف ارتباطا جدليّا في إطار علاقة بين الحيّال وموضوع الحيلة. ومن هنا تتّخذ بعدها “الاستراتيجي” .
إنّ كلمة(Stratagème) [38] تعني في المعجم الغربيّ “الحيلة الماهرة والمحبوكة جيّدا”. أمّا كلمة “استراتيجيا” [39](stratégie) فتعني مجموعة “الأفعال والمناورات المرتبطة فيما بينها لغاية تحقيق النّصر”.
وهاتان الكلمتان من حيث هما فعل تدبير وتخطيط قائمتان أساسا على ستر المنطق الدّاخليّ الذي يحكمهما عن الآخر وإغلاق قراءته وفهمه. وهكذا هي الحيلة.
من هنا تتّضح لنا العلاقة التّلازمية بين “الاستراتيجيا” والحيلة فعلا ودلالة، لقيامهما على جوهر واحد لا يكونان بدونه، هو السّتر والرّتَجُ[40] على الآخر مشاهدة وإبصارا وإدراكا وبصيرة. وتكتسب الحيلة بُعدها “السّترتجيّ” من منطلق اختيارها آلةً للفعل. فهي من حيث هي خيار “سترتجيّ” تتوفّر على إمكانيّات عديدة لتحقيق أهدافها. وهذه الإمكانيّات هي بدورها خيارات تمثّل نواة الطّاقة فيها وتفرضها طبيعة موضوع الحيلة الذي هو الآخرُ الخصمُ، وهي كذلك تعود إلى رؤية الحيّال للأوضاع وملابساتها واستشرافه لإمكانيّات الآخر العمليّة وردود فعله. وقد حاولنا أن نقفوَ آثار هذه “السّترتجيّات” العديدة من خلال الحيل المذكورة، وهذه أهمّها:
- “سترتجيّة” التّطميع وتقوم على معاملة الآخر الضّحيّة كما يعامَل الحيوان والطّريدة فتَنصب له فخّا يتكوّن ممّا يشتهيه ويحبّه فتتغلّب الرّغبة والشّهوة على العقل والبصيرة.
- “سترتجيّة” التّجويع ومنطقها الأساسي القضاء على الاكتفاء الغذائيّ الذي يمثّل قوّة ذاتيّة فينتشر الجوع وتُهَدَّد الحياة ويذعن الآخر الضّحيّة لمشيئة الحيّال.
- “سترتجيّة” التّغميض ومجالها الكلام إذ يعمد الحيّال إلى تخريج قوله في طبقتين طبقة تحمل معنى ظاهرا موجّها إلى إقناع الآخر الضّحيّة وكسب ثقته، وطبقة مستورة تحمل النيّة الحقيقيّة للحيّال فلا يرى الآخر الضّحيّة إلاّ النّصّ الظّاهر ولا يعقل إلاّ معناه فيقع في سوء فهمه الخاصّ للرّسالة قبل أن يقع في نسيج النّصّ الخفيّ.
- “سترتجيّة” التّمويه: ويعمد فيها الحيّال إلى خلق حقيقتين في مستوى الأحداث والمشهد السّردي: حقيقة مرئيّة بادية للعيان لكنّها مزيّفة، وأخرى محجوبة لا تدركها الأبصار لكنّها حقيقيّة. فلا يرى الذي وقع عليه الفعل إلا ما صُوِّر له، ولا يسلك إلاّ ما سُطّر له.
- “سترتجيّة” الاستدراج: ويتمثّل منطقها في أخذ الآخر الضّحيّة رويدا رويدا إلى الدّخول في مكان مّا على أنّه مجال آمن ومفتوح، أو السّلوك سلوكا مّا فيحمله على أن يَدْرج في نيّة الحيّال ثم يُغلق عليه.
- “سترتجيّة” الإشاعة: وعمادُها نشرُ الحيّال أخبارا خاطئة فيعتقد الآخر الضّحيّة في صحّتها فيغيّر سلوكه ويتصرّف على الشّاكلة التي يرومها الحيّال.
- “سترتجيّة” المدح (الإغراء): وتقوم خاصّة على مدح الآخر الضّحيّة بما ليس فيه وتضخيم ذاته والإعلاء من شأنه بذكر خصال لم يعرفها في نفسه من قبل حتّى يصدّق ذلك. فيقتنع بصورته الجديدة كشخص له قيمة كبيرة ويصبح رهين المادح وطوع أمره.
- “سترتجيّة” التّجسّس: وتتمثّل في تطويع الحيّال لشخص مّا ليصبح آلة جسّ وظيفتها تفحّص أخبار الخصم المعارض والبحث عنها ليعرف حقيقة نواياه.
- “سترتجيّة” التّزييف: وهي أن يعمد الحيّال إلى الحقيقة فيغيّرها بالزّيادة فيها أو النّقصان بحسب ما يهدف إليه ليؤثّر في المتلقّي.
- “سترتجيّة” التّعذيب: وموضوعها الأوحد الجسد، وتقوم على ممارسة أفعال عنيفة عليه ينتج عنها الألم الشّديد لامحالة. ولا تحقّق للآخر الضّحيّة الموت السّريع بل تدمّره ببطء.
- “سترتجيّة” التّبخيس: وهي التّقليل من قيمة الشّيء أو الشّخص قولا أو فعلا بطريقة استدلاليّة.
- “سترتجيّة” التّرهيب: وأساسها تخويف الآخر الضّحيّة وممارسة ضغط نفسيّ كبير عليه بحيث يشعر بالخطر على حياته فيغيّر سلوكه الأوّل إلى السّلوك الذي أراده له الحيّال.
- “سترتجيّة” الوقاية: وهي تتّخذ تدابير ضدّ خطر متوَقَّع قبل حدوثه، فتتّخذ الهجوم وسيلة للدّفاع.
- “سترتجيّة” فَرِّق تسُد وازرع الفوضى ترى بوضوح: وهي تستهدف الجسم المتماسك، فالآخر يكون جمعا متّحدا يستعصي معه العنف، فتعمل الحيلة على حلّ عُراه بخلق مصالح خاصّة متعدّدة تتضارب مع المصلحة العامّة الواحدة، فيحدث الوهن والضّعف ويتمكّن الحيّال من ضحيّته.
- “سترتجيّة” الصّبر والرَّبَص: وهي تقوم على مراقبة الحيّال للآخر عن كثب لمدّة طويلة دون أن يشعر به، إلى أن يحين الوقت المناسب للتخلّص منه فيكون الحيّال بمثابة الصّياد.
إنّ هذه الخيارات “السّترتجيّة” يحدّدها الحيّال انطلاقا من الباعث الذي يحثّه على الحيلة والهدف الذي يروم بلوغه. فاختيار “سترتجيّة” معيّنة، من بين أخرى عديدة، يدلّ على رؤية الحيّال لحاله وحال منافسه والكيفيّة التي يمكنه بها تحقيق الغَلَب عليه. وتبقى هذه الخيارات دالّة على شخصيّة السّياسيّ الحيّال بما لها وما عليها من ثقافة وعلم وأخلاق ومبادىء ومشاعر. وهذا يحيلنا إلى تنظّر جماليّة الحيلة من خلال البنية الذّهنيّة والنّفسيّة للسّياسيّ متعالقة بأسلوب الحيلة المتوخّاة ونتائجها.
- الأبعاد الجماليّة للحيلة
يرى مؤلّف الكتاب “أنّ الحيلة ثمرة العقل ومستخرَجة بقوانينه. وطرُقُه في استخراجها غوامض العلوم ومحاسن الفنون المختلفة الأصول والمنافع”[41]. يحيلنا هذا القول إلى علاقة الحيلة بـ”الفنّ” بما يدلّ عليه من حسن وجمال. وهي علاقة أكيدة وقويّة لغة ودلالة ومفهوما. فالفنّ هو “الحال، والضّرب من الشّيء، والتّزيين، والأمر العجب”[42]. وهو تعريف يتّسع إلى طرائق من القول والأفعال تتعدّد صورها وتختلط وتتلوّن إلى حدّ العدول بحيث تحدِث التّعجيب[43]. كما يحيل إلى معنى القصد والنّيّة المحكوم بتصوّر المُنشئ في كيفيّة تحصيل غايته وفي أيّ صورة يصوّرها. بل يرتبط عضويّا بالحيلة باعتبار أنّ من معاني مادة (ف ن ن) “الدّاهية” وهو الرّجل الحيّال والماكر والمخادع…
وهذه العلاقة ثابتة حتّى في الفضاء الثّقافيّ اللّاتينيّ، ذلك أنّ الحيلة هي “فنّ الإخفاء والخداع”[44]. وتتنافذ الحيلة في الدّلالة مع “الرّفق” الذي يقوم ضدّا لمعنى “العنف”. فلا شكّ إذن، أنّ الحيلة بمعنى الفنّ والجمال تقوم ضدّا لطريقة أخرى في الفعل هي “العنف”. وتعريفُ مفهوم مّا بضدّه طريقة ناجعةٌ تُلقي الضّوء على المعنيَيْن المتقابليْن وتقوم بدور تبئيريّ على المعنى المنشود. فماهو “العنف”؟
العنف لغةً ضدّ الرِّفْق[45] إذ “عنُف عَنفًا بالرّجل وعليه، لم يرفق به وعامَله بشدّة”. و”العنيف هو مَن لم يرفق في أمره وهو من لا رِفْق له بركوب الخيل”. فالعنف إذن، صفة للإنسان من خلال أفعاله وخطابه. فالعنيف هو الشّديد من القول بما يحمله من توبيخ وتعيِير ولَوم وتَقريع[46].
تبدو اللّغة حاسمة في حدّ العنف بجعله في علاقة ضدّيّة بالرّفق واللَّطافة[47] من حيث انعدامهما في جوهره أفعالا وأقوالا. فالعنيف من الرّجال والأقوال يحتلّ حيّز الضّدّ حِيال الرّفيق من الرّجال والأقوال. وتتأكّد لنا هذه العلاقة الضّديّة بين جوهر العنف وجوهر الرّفق في الفضاء العربيّ الإسلاميّ في الحديث الذي يجعل الرّفقَ زينة وحُسنا لكلّ شيء هو فيه، “فما كان الرّفقُ في شيءٍ إلاّ زَانَهُ”. وهو حكم قطعيّ وإطلاقيّ يُثمّن الرّفق ويعطيه صبغة جماليّة أخلاقيّة لأنّه حُسنُ انقياد لِما يؤدّي إلى الجميل[48].
إذن، وفق هذا التّصوّر تكون الحيلة جمالا وفنّا أو تقترب منهما بمقدار نبذها للعنف أو درجة ابتعادها عنه. وفي المقابل تنزع إلى “القبح” بمقدار تماهيها مع العنف[49].
فالقول إنّ الحيلة بديل من العنف يعني أنّها آلةٌ في تعاملها مع الآخر رفيقة به ليّنة معه أي ” تحتوي على قدر أقلّ من الإكراه” [50]. وهي في الآن نفسه توفّر على المتوسّل بها الجهد والمشاقّ مقارنة بخيار العنف. ولا تعوزنا في هذا الباب الحُجّة لذلك (حيلة السّاعة الأخيرة، التّملّص من ميثاق…. ).
وهكذا يمكننا أن نستنتج أنّ إبدال العنف بالحيلة يجعل منها خيارا استراتيجيّا مهمّا نقيضا للعنف، فتكتسب بذلك جماليّتها. تلك الجماليّة التي تتجلّى في التّضاد الجوهريّ بين قوّتين، قوّة عنيفة وقوّة رفيقة ناعمة تحقّق غايتها بحسن الانقياد ولِين الجانب ولطافة الفعل بكلّ فنّ ونجاعة. فهي بذلك تخالف طبيعة الحيّال نفسه الذي يتّخذ في المثل العربيّ صورة الذّئب فيجمع في صفته بين الحيلة والافتراس. فالمثل يجعل الرّجل الحيّال “أحْوَل مِن ذئب”[51]، ولكنّه يجمع بين طبيعة الحيلة وطبيعة الذّئب حين يُقرّر أنّ “مَن لمْ يَكُن ذئبا أكلتْهُ الذّئابُ”[52]. وبما أنّ الذّئب في التّواضع الاجتماعيّ يرمز إلى الشّرّ، فإنّ ذلك يترتّب عليه أنّ الحيلة بدورها فعل شرّير وسيلته المخالب والأنياب وغايته أكل الآخر وافتراسه. وذلك يسمح لنا بالقول إنّ الحيلة إذ تكون بديلا من العنف فتتخلّى عنه، تنزع عنها طبيعتها “الذّئبيّة” وتلبس لبوس الجمال. فتغدو من ثمّ مرادف “السِّلم و”السَّلَم” بما هما نقيضا الحرْب والحَرَب[53].
وهذا البعد الجماليّ للحيلة هو الذي يجسّد المعنى الحقيقيّ للسّياسة بما هي “الرّئاسة، والقيام على الأمر بما يُصلحه، والتّرويض، والتّذليل” أي القيادة واللّطف والسّلاسة. ويبدو -تبعا لذلك- أنّ مؤلّف الكتاب قد رام هذا الوجه الجميل للحيلة. ونستشفّ ذلك من عنوانه “رقائق الحُلل في دقائق الحِيَل” حيث تفيد لفظتا “رقائق”[54] و”الحلل”[55] أنّ في تلك الحيل الدّقيقة رقّة ولطافة تحيلان إلى مظهر فنّي وجماليّ في “الحيلة” يمثّل أحد مظاهر خصوصيّتها. إنّ الحيلة الجميلة هي فنّ القوّة المسالمة وبلاغة كبرى، تقطع مع “سترتجيّة” العنف وقوّته وقبح صورته.
ومن هنا يمكننا القول إنّ الحيلة الجميلة هي الحيلة البليغة. ومن مظاهرها القدرة على التّحويل. وهو معنى نواتيّ فيها. فالتّحوّل الهادئ والسّلس من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام هو من صميم فعل الحيلة الجميلة. وهي تقوم به في مستوى اللّغة والكلام ومستوى الأفعال. في المستوى الأوّل تفعل في الرّغبات والعقول والأفكار بنسيج تحيكه من اللّغة. وفي المستوى الثّاني تنجز عملها بنسيج استعاريّ تحبكه من الأفعال والأشياء. ففي الخطاب تكون الحيلة الجميلة فنَّ حسن الكلام وإيقاع الأثر في نفس الآخر والحمل على الاعتقاد في ما تقوله. وقد تكون إغراء (séduction) وقد تكون تطويعا (manipulation)، فتُحوّل بذلك الآخر من رأي يحمله إلى الرّأي الذي تريد أن يعتقده. أمّا في الأفعال فإنّها تؤسِّس عالما فيه الكثير من الخيال يعدل عن تصوّر الآخر فيُفلِت من توقّعاته ولا يملك حلّ رموزه وتركيبته. فتُحوِّل تلك الحيلة بكثير من الذّكاء العمليّ تلك الأشياء إلى قوّة مباغِتة فعّالة بلا قتل ولا دماء.
ولعلّ كلام عمر بن الخطّاب خير معبّر عن جماليّة الحيلة إذ يقول ” إنّ هذا الأمرَ لا يَصْلُحُ له إلاّ اللّينُ في غَيْرِ ضُعْفٍ والقُوّةُ في غَيْر عُنْفٍ”[56]. فأصحاب الحيل الجميلة ” باعتبارهم يقدّمون الرّأي على شجاعة الشّجعان فمن الطّبيعيّ أن ينظروا بازدراء إلى الخشونة”.[57] ولنا في نموذج الحيلتين اللّتين درسنا، “الزّيارة الجريئة” و “حتّى لا يخالف اليمين”، خير مثال على جماليّة الحيلة.
إنّ الكلام على الأبعاد الجماليّة للحيلة يجعلنا نستحضر بالضّرورة صورتها القبيحة. وقد سبق أن ذكرنا أنّ الحيلة تكون “قبيحة” بقدر تماهيها مع العنف. فتبلغ بذلك وجهها الأكثر إثارة. فليست هي في علاقتها بالعنف الحجاب الذي يخفيه، أو الجسر الذي يعبر منه، وإنّما هما آلة واحدة لا يميّز بينهما إلاّ التّسمية. وهي إذ تتّحد به، يتّخذ العنف بعدا إبداعيا مخصوصا فيغيّر وسائل القتل الكلاسيكيّة كالسّيوف والرّماح الخ…. ويعوّضّها بوسائل أخرى تعطيه وجها آخر وترسم الموت بطريقة مبتكرة. وتصبح الحيلة هي فنّ العنف بل “فنّ القبح”.[58]
وبهذا المسلك تتحوّل الحيلة من آلة ” توفّر الجهد والمشاق على الإنسان”[59] و”على قدر أقلّ من الإكراه”[60]، إلى آلة تتحايل على الجسد الضّحية لتوفّر له أكثر ما يمكن من الجهد والمشاق بأكثر ما يمكن من الإكراه. وهكذا إذ تتحالف الحيلة مع العنف من منطلق وحدة الأهداف، تكتسب صورتها القبيحة بما تنسجه من أفعال بشعة يسيطر عليها القتل والدّم. وتعدل في المقابل عن جماليّتها البليغة.
ولكن إذا كانت هذه هي الحيلة بوجهيها الجميل والقبيح، فأيّة صورة يتجلّى فيها السّياسيّ العربيّ وهو يتوسّل بها طريقةً ونهجا؟
- صورة السّياسيّ العربيّ الحيّال:
في المدوّنة التي ندرس حيّالون تاريخيّون تدلّ عليهم أسماؤهم كما يدلّ عليهم وجودهم الفعلي في الزّمان والمكان[61]. لكنّ الغاية التي جرى إليها المؤلّف[62] تسمح لنا بالتّعامل معهم على أنّهم شخصيّات لغويّة فنستخلص من هذه النّصوص صورة (portrait)، يمكن أن تكون دالّة على السّياسيّ العربيّ.
والصّورة لغةً هي الشّكل والهيئة والحقيقة والصّفة[63]، وهي ألفاظ تحيل إلى الجانب المحسوس أو المادّيّ والجانب المعنويّ. ويعرّف “فونتانيي” (Fontanier) الصّورة بأنّها “الوصف المعنويّ والمادّيّ لكائنٍ حيّ، واقعيّ أو خياليّ”[64]. وقد تتبّعنا صورة هذا الحيّال المبدع وحاولنا استخراج عناصرها المكوّنة لها من خلال موضوع إبداعه، أي الحيلة. وسنقتصر في هذا المستوى على الجانب المعنويّ لأنّه هو الذي يتّصل مباشرة بالحيلة. أمّا الجانب الجسديّ هنا فلم يكن له حضور فيها[65]. وبهذا المفهوم لا تكون صورة السّياسيّ الحيّال هي الشّخصيّة على الحقيقة، وإنّما الخيوط الزّاردة لملامحها بحسب أفعالها من خلال الحيلة.
إنّ رجل السّياسة هو في المقام الأوّل رجل حيلة وحَذاقَة[66]. وهذه خصائص تتّصل بالبنية الذّهنيّة والنّفسيّة للشّخصية. فما هي الصّورة النّموذجيّة للسّياسيّ الحيّال من خلال المدوّنة التي اعتمدنا؟
يتجلّى السّياسيّ العربيّ الحيّال متعدّدا. لكنّ وراء هذا التّعدّد ثمّة ملامح عامة يمكننا حصرها في ما يلي: فهو حكيم عادل مثل علي بن أبي طالب، يعالج أمور النّاس برصانة، هدفه تحقيق العدالة، وهو ماكر كذئب ومراوغ كثعلب مثل معاوية، وهو محترس كثير الشّك كالمأمون، وهو قاس لا يرحم كالمعتضد. وقد تبيّن لنا من خلال دراسة الدّوافع والأهداف أنّ ما يهمّ السّياسيّ الحيّال هو تحقيق غايته. فهو رجل عمليّ تتّخذ الأفعال لديه قيمتها من نتائجها. فـ”معاوية” ينعى نفسه في سبيل أن يبثّ البلبلة بين أنصار عليّ، و”المنصور” يقتل عمّه، و”عثمان” يقتل المحاصَرين في الحِصن بعد أن وعدهم بالأمان، و”المعتضد” يعذّب أحد الجناة بطريقة شنيعة، و”النّعمان بن المنذر” يأمر العرب بنهب أطراف المدائن عقابا لصديقه كسرى، و”المأمون” يحتال على التّجار ليرخص الجوهر.
إنّ حيل هؤلاء السّاسة للوصول إلى أهدافهم لَتُبيّن بوضوح أنّ هذه الأهداف قد تحقّقت على حساب مبادئ وقيم فاضلة غُضّ الطّرف عنها لأنّها تمثّل حاجزا دون مصالحهم الشّخصية. فالقيم الأخلاقية كالوفاء والإيفاء بالوعود والمحافظة على القرابة الدّموية والصّداقة، لا يتردّد السّياسيّ الحيّال في التّخلّي عنها وممارسة نقيضها إذا ما تعارضت مع مصلحته الخاصّة. وفي هذا الصّدد نستحضر قول “ماكيافال”:” إذا كنتَ تريدُ دائما إظهار أنّك رجلُ خيرٍ بين آخرين كثيرين على النّقيض منك، فإنّ خسارتك أكيدة “[67].
فالسّياسيّ العربيّ –وربّما السّياسيّ عموما- ومن خلال تفحُّصنا طرقَ الحيل المتوخّاة في هذه الأخبار، رجل يتمتّع بالمرونة الأخلاقيّة، وبقدرة فائقة على التّحوّل بحسب الظّروف، بحيث يستطيع أن يتوسّل بالطّيبة إذا كانت لا تضرّه ويتوسّل بعكسها إذا كانت في ذلك منفعته. إنّ هذه الخصائص تسمح لنا بتقديم السّياسيّ العربيّ الحيّال في صورة شخصيّة ذو طبيعة مزدوجة “نصفها إنسانيّ ونصفها حيوانيّ”[68]. لذلك فهي صورة يصعب محاصرتها لأنّها مقدودة من الخفاء والتّجلّي، من الظّاهر والباطن. وهذه هي صفاتها، بقدر ما هي مصدر قوّتها.
ويبدو لنا من تقصّي الحِيل التي درسنا أنّ صورة السّياسيّ العربيّ من خلال حِيله التي يحيكها تغلب عليها القتامة. فهي –على عكس ما أوحى به عنوان الكتاب- لا تلبس لبوس الجمال من رقّة ولطافة، بل –غالبا- لبوس الغلظة والخشونة. وهي –في الحقيقة- صورة نموذجيّة متجذّرة في التّاريخ العربيّ الإسلاميّ القديم تمتدّ إلى العصر الحديث وتعيد إنتاج نفسها بقوّة هذه الأيّام[69].
خاتمة
يُعلي مؤلّف “رقائق الحلل في دقائق الحيل” من شأن الحيلة بصفة عامّة. وبما أنّ كتابه في “الآداب السّلطانيّة”، فقد أعطى قيمة كبرى للحيلة المتعلّقة بالسّلطة والسّلطان، حتّى إنّه –في رأينا- مثّل خطابا تعليميّا يعلّم أصناف الحيل وقيمة الحيلة في ممارسة الحُكم للأمير الذي أهدى إليه الكتاب ومن خلاله معشر السّاسة.
لكنّه –رغم ذلك- ينبّه السّياسيَّ –ممثّلا في الأمير- إلى طبيعته البشريّة ومحدوديّة قوّته مهما بلغ من القدرة على حبك الحيل والإبداع فيها. فلئن كانت الحيلة طاقة فعّالة وذات طبيعة إلهيّة، فقد جعلها المؤلّف خاضعة لقانون النّسبيّة من ثلاثة وجوه:
– الوجه الأوّل أنّ الحيلة “ثمرة العقل ومستخرجة بقوانينه “[70]. والعقل قوّة خاضعة لاحتمالات الخطأ.
– الوجه الثّاني: أنّ الحيلة هي ثمرة عقل في صدام مع ثمرة عقل آخر، وهذه العلاقة التّنافسيّة تجعل النّتائج غير مضمونة.
– الوجه الثّالث: أنّ الحيلة بما هي أفعال تقع في سياق بشريّ ومكانيّ وزمانيّ. وهذا السّياق عرضة لأحوال طارئة قد تغيّر مجرى الأحداث[71] وتُربك البناء الدّاخلي للحيلة، فلا تستقيم.
إنّ كلّ هذه المعطيات تجعل من الحيلة قوّة قابلة للفشل ولا تمنح الحيّال كلّ اليقين[72]. فالحيلة على قوّتها وفعاليّتها تظلّ مظروفة بنسبيّة العالم البشريّ مكانا وزمانا وإنسانا. وهذه النّسبيّة تُسيّج الحيلة –مهما كانت شدّتها وفعاليّتها وجماليّتها- في حدود. فحدودها متأتّية من حدود هذا العالم الذي لا حول ولا قوّة له، بل الحَول والقوّة لخالقه ومبدعه. لذلك صدّر المؤلّف كتابه بالحيل الإلاهيّة التي سمّاها حِكما[73] في دلالة على الفرق بين الإلاه الحقيقيّ “خير الماكرين” وصاحب “الكيْد المتين”، والسّياسيّ ذلك الإنسان المتألّه بفعل الحيلة التي يمارسها. إنّ حدود الحيلة ببعدها البشريّ –لأنّ الحيلة لم تُنسب إلى الله في القرآن- يقابلها لا تناهي المكر الإلاهيّ في البنية والفعاليّة والجماليّة.[74]
والذي نخلص إليه –في نهاية بحثنا- أنّ الحيلة ليست مفهوما بسيطا ومعناها شائع وبديهي، بل هي مثلما بيّنّا مفهوم مركّب وخطير لما يحتويه من دلالات تمثّل خزّان طاقة هائلة للفعل والتّفكير والتّخطيط. وهي من حيث بنيتها نسيج يحكمه منطق داخليّ بين مكوّناته قائم على الفعل والتّفاعل والتّناسق والعلاقات العلّيّة فتنطلق من دوافع لتنتهي إلى أهداف. فرجل السّياسة في مستوى الخطاب خطير يحوّله من مجرّد نشاط تلفّظيّ إلى فعل مُنجِز يُحقّق ما يحقّقه الفعل المحض. لكنّ ذلك يظلّ مشروطا بقدرته الذّاتيّة وكفاءته اللّغويّة على استعمال كلماته في نسيجٍ مُحبَك يحمل نيّتَه مخفيّةً على المتلقّي فيؤثّر فيه. وتحقّق الحيلة في هذا المستوى جانبا كبيرا من جماليّتها تنهض به العبارة وهي تُزرَد مع أخواتها في سياق لغويّ ودلاليّ وتأويليّ يمكّنها من الانطلاء على المتقبّل والعبور.
أمّا الحيلة السّلوكيّة فتعبّر عن قدرة السّياسيّ على أن يبني من الأشياء المتنافرة عوالم مراوِغة للبصر موهِمة للبصيرة فيُعالق بعضَها ببعض لتستقرّ في النّهاية حيلة شديدة. وهي أفعال على غاية من التّرتيب والنّظم والانتظام تحكمها بنية متينة. ولا تكون الحيلة في هذا المستوى جميلة إلاّ بنبذها للعنف وإبداله بالسّلاسة واللّطافة والرّقّة.
ويبقى “القبح” ذلك الضّد اللّدود للجمال صفة متواترة جدّا في الحيلة بقدر نهجها سلوك العنف والخشونة مع الآخر. وهذان البعدان –الجمال والقبح- ينعكسان بالضّرورة على صورة السّياسي العربيّ الحيّال.
قائمة المصادر والمراجع
- المصدر
رقائق الحلل في دقائق الحيل: (مؤلّف مجهول)، تحقيق رونيه خوام. دار السّاقي، لبنان. 1988.
- المراجع العربيّة:
– الجرجاني ( الشّريف): كتاب التّعريفات. مكتبة لبنان، بيروت. 1985.
– الخويي (أبو يعقوب يوسف): فرائد الخرائد في الأمثال. تحقيق عبد الرّزّاق حسين، دار النّفائس، الأردن.
الطّبعة الأولى، 2000.
-الزّبيدي (محمد مرتضى): معجم تاج العروس في جواهر القاموس. سلسلة التّراث العربي، الكويت. 1993.
-الطّرطوشي (أبوبكر محمّد): سراج الملوك. تحقيق محمّد فتحي أبو بكر. الدّار المصريّة اللّبنانيّة، الطّبعة الأولى،
1994.
-عبد الباقي (محمّد فؤاد): المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. دار إحياء التّراث العربي، بيروت. د ت.
– القرآن الكريم
-ابن مراد (إبراهيم): في النّظريّة المعجميّة العربيّة، مجلّة المعجميّة، جمعيّة المعجميّة العربيّة، تونس، عدد7،
- المراجع الأجنبيّة:
– Dictionnaire étymologique et historique du français. Larousse
– Grand Robert de la Langue Française : T 8, 2ème éditions. Paris,
1989
– Fontanier (Pierre) : Les figures du discours. Flammarion, paris, 1977. – Machiavel (Nicolas) : Le Prince. Cérès éditions, Tunisie, 1994.
– Marin (Louis) : Le récit est un piège. éditions de Minuit, Paris,
– Vignaux (Georges) : Les jeux des ruses. éditions du Seuil, 2001.
1- مؤلّف مجهول: رقائقُ الحُلل في دقائق الحِيل، تحقيق رنيه خوام، دار السّاقي، 1988.
[2]– رقائق الحلل في دقائق الحيل: ص 97.
[3]– إبراهيم بن مراد: ” في النّظريّة المعجميّة العربيّة” مجلّة المعجميّة، جمعيّة المعجميّة العربيّة، تونس، عدد7 ، 1991 ، ص 10 .
4- الزّبيدي : تاج العروس: مادّة (ح و ل)، ج 28، ص365.
[5]– نفسه.
[6] – نفسه: ص 372 . ينظر القرآن، سورة سبأ، الآية 54.
[7]– نفسه: ص 385 .
[8]– نفسه: ص 365 .
[9]– نفسه: ص 368.
[10]– نفسه: ص 368.
[11]– نفسه: ص 369.
[12]– نفسه
[13]– الشّريف الجرجاني : “التّعريفات” ، مكتبة لبنان ، بيروت ، 1985 ، ص100 .
[14]– Paris, Larousse.1994. p 679. Dictionnaire étymologique et historique du français.
[15]– « Faire des détours pour mettre les chiens en défaut ».ibid : p 680. جاء في في تاج العروس: راغَ الرّجلُ والثّعلبُ رَوْغًا ورَوَغَانًا أي مالَ وحادَ عن الشّيء. وقال الرّاغب أصل معنى الرَّوْغِ المَيلُ في جانب ليَخدَعَ مَن خلفَه. والرَّوَّاغُ الثّعلبُ ، ويقال أخَذتَنِي بالرُّوَيْغَةِ أي بالحِيلَة. ورَاغَ الصَّيْدُ ذهَبَ هَهُنا وهَهُنا. نلاحظ ارتباط كلمة “الرّوغ” بالحيوان الهارب ممّن يلاحقه ليصيدَه وسلوكه مسلكا متعرّجا ومائلا غير مستقيم يخدع به مَن يجري خلفَهُ رجلا كان أو حيوانا آخر. فكلمة “الرَّوْغ” متعالقة بالحيوان وبالصّيد وبالحيلة وبالخداع وبالعدول عن المُتوَقَّع. ينظر تاج العروس: مادة (ر و غ)، ج22، ص 488.
[16]– تاج العروس: مادة (خ د ع)، ج 20، ص ص 487، 493.
[17]– Georges Vignaux : Les jeux des Ruses. Editions du Seuil, 2001. p p 8-10.
[18]– Georges Vignaux : Les jeux des Ruses. op.cit : p p 9-10.
[19]– الزّبيدي : “تاج العروس” : مادة (س و س). ج 16 ، ص 155 . ونلاحظ أنّ هذه المادة تبدأ بعلاقة الجذر بالسّلوك ، فقد جاء فيها:”السّوس
الطبيعة والأصل والخلق والسجيّة”. و نلاحظ هنا أنّنا نستعمل كلمة سياسة بمعنى كيفيّة التّعامل القائم على الفعل اللّطيف المروّض الذي يحوّل
جموح الكلمات والأشياء فتنقاد إليه طيّعة في غير عنف فيترأّسها ويمسك زمامها وبذلك يسيطر على الآخر الواقف حياله . ونختلف بذلك مع
بعض الدّارسين الذين استعملوا كلمة “سياسة” بمعنى “الاستراتيجيا”.
[20]– رقائق الحلل في دقائق الحيل:”الزّيارة الجريئة”، ص 129.
[21]– نفسه: ص 129 .
[22]– رقائق الحلل: ص 153.
[23]– نفسه:ص 154.
[24]– رقائق الحلل: ص 149
[25]– نفسه.
[26]– رقائق الحِيل، ص 149.
[27]-« Le piège de l’appétit est celui dans lequel on présente à l’animal ou à l’homme que l’on
veut prendre une chose dont il a besoin ». Louis Marin : Le récit est un piège, les éditions de minuit, Paris, 1972 , p 13.
[28]– « ..le rend impuissant par sa puissance même et le livre sans défense à une puissance bien moindre ». Louis Marin : Le récit est un piège. op.cit. p13.
[29]– تمتدّ نصوص الحيل السياسيّة في هذا الباب من ص 97 إلى ص 162.
[30]– « ..les hommes nuisent aux autres par crainte ou par haine ».
Nicolas Machiavel: Le Prince. Cérès éditions. Tunisie, 1994 . p 40.
[31]– وهو نتيجة ما استخلصناه من النّصوص في تقصّي ما يُلجىء السّياسيّ إلى الحيلة.
[32]– فنجد حيلة لها هدف واحد تتّجه إليه مباشرة، فيتلقّى فعلها وعبقريّتها، وهو الغالب في النّماذج المذكورة أعلاه. وحيلة لها هدفان مزدوجان بحيث يصبح تحقيق الهدف الأوّل سببا لتحقيق الهدف الثّاني. ونجد حيلة لها هدفان مزدوجان يتحقّقان في نفس اللّحظة. وحيلة يكون فيها الهدف المقصود منها غير الهدف الذي تحقّق في النّهاية. ينظر رقائق الحلل: استخدام الأموال العامّة ، ص 110، القتل بحادث ، ص 111 ، والإفلاتُ مِن قاتل ص 112.
[33]– « Quand il s’agit de juger les actions des hommes, et spécialement des princes (..) on ne
considère pas les moyens, mais la fin ». Machiavel : op. cit. p 81.
[34]– رقائق الحلل في دقائق الحيل: المعارض القوي، ص 114.
[35]– نفسه: “القتل بحادث” ص 111.
[36]– نفسه: “معلومات خادعة ” ص 105.
[37]– ” أخذ شخصا قد جنى جنايةً فجعل بَلبَلة المِنفاخ في دُبره وما زال ينفخ فيه حتّى انتفخ وتبطّط جسمه ومات “. رقائق الحلل: ص 118.
[38]– Dictionnaire Le Grand Robert de la langue française :Paris, 1989,2éme édition. Tome 8,
p 976.
[39]-. Dictionnaire Le Grand Robert de la langue française:op.cit.p 977
[40]– لاحظنا تقاربا صوتيّا و دلاليّا للكلمتين متّحدتين من كلمة استراتيجيا (المركّبة أيضا من كلمتين) .ينظر اللّسان مادة (س ت ر) و (ر ت ج).
و لذلك نقترح لفظة جديدة نولّدها مركّبة من الفعلين العربيّين هي “سترتجيّة”، نقترحها ترجمة لكلمة (stratégie) بدلا من التّرجمة الحرفيّة
المستعملة “استراتيجيا”.
[41]– رقائق الحلل: ص 23.
[42]– الزّبيدي: تاج العروس، مادّة (ف ن ن)، ج 35، ص 515.
[43]– لقد استوحينا هذه الدّلالة من المادّة الواردة في (ف ن ن):”.. الأفنون: من الغصن الملتفّ، والدّاهية. والتّفنين: التّخليط وهو في الثّوب طرائق ليست
من جنسه. وفنّن رأيه لوّنه ولم يثبت على رأي واحد. وأفانين الكلام أساليبه وطرقه” .
[44]– « Art de dissimuler, de tromper ».
Dictionnaire Le Grand Robert de la langue française. op.cit. Tome 8. p 949.
[45]– تاج العروس: مادّة (ع ن ف)، ج 24 ، ص 184.
[46]– نفسه: ص 186.
[47]– تاج العروس، مادّة (ر ف ق)، ج 25 ، ص 346 .
[48]– تاج العروس، مادّة (ر ف ق)، ج 25 ، ص 346.
[49]– وقفنا في مدوّنة بحثنا هذا على تنوّع العلاقة بين الحيلة والعنف. فهي تكون بديلا منه وهي تخفي العنف، وهي تمهّد للعنف، وهي أخيرا تمهّد
للعنف وتخفيه في آن واحد.
[50]– رقائق الحلل: مقدّمة المحقّق. ص 7.
[51]– أبو يعقوب يوسف الخويي :”فرائد الخرائد في الأمثال” .تحقيق عبد الرزّاق حسين، دار النّفائس، الأردن. ط 1، 2000. ص 183 .
[52]– نفسه: ص 531 .
[53]– تاج العروس: مادّة (س ل م)، ج 32 ، ص370 .
[54]– بما تتضمّنه من معان أخرى دائرة في فلكها مثل “اللّطافة” و”الزّينة” و”الحُسن” و”اللّين” و”السّهولة” و”الفتنة”. تاج العروس: مادّة (ر ق ق)،
ج 25، ص 361.
[55]– “الحلّة هي الثّوب الجيّد الفخم.” وتتعلّق بها متصوّرات جماليّة أخرى هي الوشي والحِبَر والخِزّ والقزّ والقوهيّ والمرويّ والحرير. تاج العروس: مادّة
(ح ل ل)، ج 28، ص 322.
[56]– أبو بكر محمّد الطّرطوشي: “سراج الملوك”. تحقيق محمّد فتحي أبو بكر، الدّار المصريّة اللّبنانيّة، ط 1، 1994. ج 1، ص 258.
[57]– رقائق الحلل: مقدّمة المحقّق. ص 9
[58]– نفسه:قتل مُبتَكر، ص 117 . وتمثّل حيل المعتضد نموذجا مثيرا لذلك.
[59]– نفسه: ص 6
[60]– نفسه: ص 7.
[61]– لسنا حِيال حيّالٍ مِن نمط البطل الأدبيّ مثلما هو الحال بالنّسبة إلى أبي الفتح الإسكندريّ في مقامات الهمذاني.
[62]– رقائق الحلل: مقدّمة المؤلّف، ص ص14، 15. وهي تخصيص مُؤلَّفه للحيلة في ذاتها بجمعه لنصوصها، وليس للحيّالين أنفسهم.
[63]– تاج العروس: مادّة (ص و ر) ج 12، ص 357 .
[64]– Fontanier ( Pierre) : Les Figures du Discours , Flammarion ,Paris ,1977. p 428.
[65]– الجانب الجسديّ للصّورة حاضر في حيل أخرى كالكدية في المقامات والتي كان فيها أبو الفتح الاسكندريّ البطلَ الحيّال.
[66]– تاج العروس: مادة (ح ذ ق )، ج 25، ص 145.
[67]– « si tu veux toujours faire profession d’homme de bien parmi tant d’autres qui sont le contraire, ta perte est certaine ». Machiavel (Nicolas) : Le Prince. op.cit. p 70.
[68] – ibid : p 79.
[69] – نقصد بذلك ما شهده جزء من العالم العربي أثناء ما اصطلح عليه بـ”الرّبيع العربي”. فالثّورات الشّعبيّة التي اندلعت –بقطع النّظر عن محرّكاتها
والشّبهات التي تحوم حول بعضها- شهدت ومازالت إلى اليوم – بدرجات متفاوتة- عنفا قويّا يقف وراءه سياسيّون من الدّاخل والخارج، عرب
وغير عرب، لدوافع مختلفة وأهداف تختلف وتتّفق في آن واحد.
[70]– رقائق الحلل في دقائق الحيل: ص 23.
[71]– Louis Marin : Le récit est un piège .op.cit. p 12.
[72]– ibid : p 13.
[73]– رقائق الحلل: الباب الثّالث “في حكم الله ولطفه وحسن تدبيره بعباده”. ص 27.
[74]– وردت كلمة ” مكر ” في القرآن بمختلف استعمالاتها الصّرفيّة والنّحويّة ثلاثا وأربعين مرّة ( 43 ). ووردت كلمة “كيد” خمسا وثلاثين مرّة
(35) . ينظر القرآن الكريم : سورة الأنفال الآية 30/ الزخرف الآية 79/القلم الآية 45/آل عمران الآية 54/الأعراف الآية 99/الرّعد الآية
42/النّمل الآية 50. أمّا كلمة “الحيلة” فوردت مرّة واحدة.قال تعالى :”… المُستَضْعَفينَ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ والوِلْدَانِ لاَ يَسْتطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ
يَهْتَدُونَ سَبِيلاَ”. سورة النّساء الآية 98. ينظر: محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار إحياء التّراث العربي، بيروت، لبنان، (د ت) . ص ص 642 – 671.