
حوكمة المصالح المالية للجماعات المحلية كآلية لدعم التنمية المحلية المستدامة
في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة
أ.حنان سعيدي سياف/جامعة أم البواقي – أ. راشدي فاطمة/جامعة أم البواقي (الجزائر)
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 40 الصفحة 25.
ملخص:تزايد الاهتمام بموضوع التنمية المحلية في اقتصاديات معظم الدول، باعتبارها بديلا استراتيجيا هاما لمعالجة الخلل التنموي الذي تعاني منه البلدان النامية بشكل عام، لاسيما في ظل تغير طبيعة الدولة و ارتباط التنمية المحلية بشكل أساسي بالجماعات المحلية.
الجزائر كباقي دول العالم النامية تحد ديناميكية إدارتها المحلية بعض المشاكل، التي تبدأ مع تشكلها ناهيك عن مدى توفر الآليات الداعمة لعملية التنمية المحلية الذي يعد التمويل جزءا منها، إضافة إلى مدى القدرة على الاستغلال الأمثل للإمكانيات المتاحة.
وما يلاحظ على هياكل التمويل المحلية انخفاض حجم الموارد المالية الذاتية للجماعات المحلية و انحصارها في عدد محدود، وحتى تتمكن من تأدية دورها بكفاءة و فعالية فإنه من الواجب عليها إرساء مبادئ الحكم الراشد أو الحوكمة في تدعيم مواردها الذاتية المحلية، الأمر الذي يزيد من قدرتها على تحمل دورها في الوصول إلى تنمية محلية مستدامة.
الكلمات المفتاحية: الحوكمة، المصالح المالية، الجماعات المحلية، التنمية المحلية المستدامة.
مقدمة:
تزايد الاهتمام بموضوع التنمية المحلية في اقتصاديات معظم الدول، باعتبارها بديلا إستراتيجيا هاما لمعالجة الخلل التنموي الذي تعاني منه البلدان النامية بشكل عام، انطلاقا من كونها تعتبر أداة أساسية لتحقيق فرص الحياة الكريمة و خلق البدائل الاقتصادية التي تؤسس للرفاهية الاقتصادية، والذي لا يمكن تحققه إلا من خلال الاستغلال الأمثل لجميع الإمكانات البشرية والمادية المتاحة للوصول إلى تنمية محلية مستدامة، تفي باحتياجات الأجيال الحالية دون المساس بحاجيات الأجيال القادمة.
إلا أن ديناميكية الإدارة المحلية في الجزائر تحدوها بعض المشاكل التي تبدأ مع تشكلها ناهيك عن مدى توفر الآليات الداعمة لعملية التنمية المحلية، الذي يعد التمويل جزءا منها، بالإضافة إلى أن ما يلاحظ على هيكل التمويل المحلي هو انخفاض حجم الموارد المالية الذاتية للجماعات المحلية و انحصارها في عدد محدود.
وحتى تتمكن الجماعات المحلية من تأدية دورها بكفاءة و فعالية، فإنه من الضروري عليها البحث عن كيفية تدعيم الموارد الذاتية المحلية في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة وانهيار أسعار النفط وتراجع الموارد المالية الداخلية، انطلاقا من أنها تعتمد بالدرجة الأولى على التمويل المحلي لإحداث زيادات في مستويات التنمية المحلية .
وفي الواقع أن هناك عدة منطلقات لهذا التوجه: الحكم الراشد أو الحوكمة، تحقيق استغلال أفضل للموارد، مراعاة الخصوصية المحلية وتحقيق التوازن الجهوي.
– I الإجراءات المنهجية للدراســة:
نتولى معالجة هذا الموضوع وفقا للمكونات المنهجية التالية
- الإشكالية:
سنحاول من خلال هذه الورقة البحثية تشخيص واقع إرساء مبادئ الحوكمة في تمويل الجماعات المحلية في الجزائر للوصول إلى تنمية محلية مستدامة، ومن هنا تبرز إشكالية بحثنا في طرح التساؤل الرئيسي التالي:
- إلى أي مدى تساهم الحوكمة في تطوير المصالح المالية للجماعات المحلية للوصول إلى تنمية محلية مستدامة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة؟
- الأسئلة الفرعية:
انطلاقا من التساؤل المحوري، وبهدف تغطية الجوانب المختلفة للموضوع، ارتأينا طرح التساؤلات الفرعية التالية:
- ما المقصود بالحوكمة وما هي أهم آلياتها ومبادئ إرساءها؟
- ما طبيعة المصالح المالية للجماعات المحلية في الجزائر؟
- ما طبيعة العلاقة الترابطية بين حوكمة المصالح التمويلية والتنمية المحلية؟
- فرضيات الدراسة:
إن الإجابة على التساؤلات الفرعية وعلى التساؤل المحوري يقودنا بالضرورة إلى بناء فرضيات التالية:
- الفرضية الرئيسية:
إن التنمية المحلية المستدامة هي كفاءة وحكم راشد للهياكل التمويلية للجماعات المحلية.
- الفرضيات الفرعية:
- إن الحوكمة هي مجموعة من الضوابط والقواعد التي تنظم علاقة الإدارة بمختلف الجهات الداخلية والخارجية عن طريق مجموعة من الآليات والمبادئ المتعارف عليها.
- تقوم المصالح المالية في الجماعات المحلية الجزائر بتسيير الأموال العمومية والممتلكات، وفقا لما يقتضيه القانون الجزائري الخاص بهذه الجماعات وقوانين أخرى.
- تقوم الجماعات المحلية لاسيما المصالح المالية بالسهر الصارم على ترشيد النفقات العمومية وفقا لمجموعة من الضوابط والقواعد المعمول بها من أجل تنمية محلية معقولة.
- أهمية الدراسة:
يكتسب الموضوع أهميته في ضوء التحولات السياسية والاقتصادية التي صاحبت مفهوم الدولة الحديثة القائمة على سيادة القانون و الديمقراطية، فضلا عن تزايد الاهتمام بمعالجة قضايا ومعضلات التنمية المحلية، خاصة ما ارتبط بالهياكل
التمويلية التي يلحظ عليها انخفاض في حجم الموارد الذاتية للجماعات المحلية، والتي تستدعي ضرورة إرساء مبادئ الحوكمة لتدعيم مواردها الذاتية المحلية للوصول إلى تنمية محلية مستدامة.
- أهداف الدراسة:
يتحدد هدف الدراسة في بيان واقع تطبيق الحوكمة في تمويل الجماعات المحلية في الجزائر للوصول إلى تنمية محلية مستدامة، وذلك من خلال تحقيق الأهداف الفرعية التالية:
- مراجعة بعض أهم الدراسات التي تمكنا من رصدها ذات الصلة المباشرة بالموضوع.
- الوقوف على مفهوم الحوكمة، آلياتها و أهم مبادئ إرساءها.
- توضيح طبيعة الهياكل التمويلية للجماعات المحلية في الجزائر.
- تحليل العلاقة الترابطية بين حوكمة الهياكل التمويلية والتنمية المحلية المستدامة.
- منهجية الدراسة:
إن دراسة موضوع”حوكمة الهياكل التمويلية للجماعات المحلية لأجل تنمية محلية مستدامة “، بمختلف متغيراته ومحاولة الربط بين هذه المتغيرات يقودنا إلى استخدام المنهج الوصفي التحليلي، وذلك لاعتماده على وصف الظاهرة المراد دراستها واستخلاص أهم النتائج التي يمكن التوصل لها.
لتحليل الموضوع و الإجابة على التساؤلات الفرعية وبالتالي التساؤل الرئيسي، واختبار صحة الفرضية الموضوعة، نتناول هذه الورقة البحثية في العناصر الأساسية التالية:
أولا: آليات الحوكمة ومبادئ إرساءها؛
ثانيا: الهياكل التمويلية للجماعات المحلية في الجزائر؛
ثالثا: العلاقة الترابطية بين حوكمة الهياكل التمويلية و التنمية المحلية المستدامة.
II– التأصيل النظري للحوكمة والتنمية المحلية المستدامة:
سوف نعالج في هذا المحور الإطار المفاهيمي للدراسة من خلال بعض أهم الدراسات التي تمكنا من رصدها ذات الصلة المباشرة بالموضوع، بالإضافة إلى تناول أساسيات الحكم الراشد أو الحوكمة و علاقتها بتمويل الجماعات المحلية لأجل الوصول إلى تنمية محلية مستدامة كمفهوم جديد في التسيير المالي و الإداري للجماعات المحلية.
الدراسات السابقة في الموضوع:
إن المتتبع للأدبيات، يلحظ العديد من الدراسات التي تناولت موضوع التنمية المحلية، الحوكمة، تمويل التنمية المحلية، الجماعات المحلية، والتي كانت مثار اهتمام العديد من الباحثين والدارسين في هذا المجال، على المستويين النظري والتطبيقي.
نظرا لما تكمله الدراسات السابقة من أهمية بالغة بالنسبة لأي دراسة لاحقة، وبهدف الانطلاق من أهم النتائج المتوصل إليها، عمدنا إلى إدراج هذه الدراسات السابقة والتي ستكون المحدد الرئيسي لبعض متغيرات الدراسة.
قصد الكشف عن نقاط القوة والضعف في أداء الجماعات المحلية و تأثير الموارد المحلية الذاتية في استقلالها، ومحاولة تحديد أهم الإصلاحات التي يجب القيام بها من أجل تجديد نظام تمويل التنمية المحلية، قام ( محمد خنفري،2011)[1] بدراسة لموضوع تمويل التنمية المحلية بأخذ الجزائر كدراسة حالة، و ذلك بالإجابة على الإشكالية التي تركزت حول فعالية نظام تمويل التنمية المحلية الحالي في الجزائر، ولأجل ذلك فقد استند إلى فرضيات ثلاث مفادها أن إصلاح الوسائل المالية لتمويل التنمية المحلية وكذا تجديد نوعية العلاقة بين الدولة والجماعات المحلية هما العنصران الأساسيان لتجديد جهاز تمويل التنمية المحلية.
خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج يتضح من خلالها تأكيد الفرضيات الموضوعة فيما يخص عدم فعالية جهاز تمويل التنمية المحلية الحالي، لأن الموارد الداخلية التي يوفرها للجماعات المحلية لا تمكنها من القيام بواجباتها التنموية، مما يستدعي ضرورة تدخل الدولة لدعمها في كل مرة ( المصادر الخارجية)، ومن هنا تبرز حتمية تجديد جهاز تمويل التنمية المحلية.
وقد أوصت الدراسة بمجموعة من التوصيات و الاقتراحات تخص الجوانب المختلفة لتفعيل جهاز تمويل التنمية المحلية، نورد منها الآتي:
- الالتزام بقواعد المحاسبة العمومية.
- وضع نظام لتعبئة الموارد المالية.
- إعادة تقييم الإيرادات الجبائية المحلية.
- الجباية الخضراء والمحافظة على البيئة.
بهدف ربط الحوكمة أو الحكم الراشد كمفهوم حديث بالميزانية العامة للدولة،قام ( زكرياء بله باسي، 2012)[2] بتحليل العلاقة بين المتغيرين من خلال دراسة تناول فيها موضوع الحوكمة، دوافع و أسباب ظهورها، مبادئها و أهم الأطراف الفاعلة فيها، ليصل إلى العلاقة بين الحوكمة والتنمية المحلية، التي خلص فيها إلى أن السياسة المالية تمثل مجالا هاما لتطبيق مبادئ الحوكمة والإدارة السليمة حتى يمكن تحقيق كفاءة تخصيص الموارد و تحقيق عدالة التوزيع والتنمية.
وفي نفس الإطار قاما ( محمد زيدان و محمد يعقوبي،2012)[3] بدراسة حاولا من خلالها تحديد درجة حوكمة الصفقات العمومية في الجزائر ومدى توافقها مع رهانات التنمية المحلية للمشاريع الاقتصادية الموضوعة من طرف الدولة، عن طريق تناولهما لمختلف الأحكام والقوانين التي تضبط منح وتقييم الصفقات العمومية بين المصالح العامة والمتعاملين المنفذين، وكذا درجة الرقابة المطبقة عليها في إطار قانون الصفقات العمومية الجزائرية، ومدى قدرتها عل تحقيق أهداف التنمية المحلية الموضوعة للمشاريع التنموية.
خلصت الدراسة إلى تأكيد صحة الفرضية الموضوعة القائلة بأن حوكمة الصفقات العمومية في الجزائر لا زالت تعاني من بعض النقص على مستوى القوانين الخاصة بها، وهو ما يؤكد انخفاض درجتها.
ومن أهم توصيات الدراسة، ضرورة العمل على ترقية الصفقات العمومية و تكثيف مجالات الدراسة الخاصة بها، باعتبارها عنصرا مهما من عناصر ترجمة السياسة التنموية للدولة. بالإضافة إلى تحديد الأشخاص الطبيعيين والمعنويين المعنيين بمنح الصفقات العمومية، تنفيذها والرقابة عليها من أجل الرفع من درجة حوكمتها وشفافيتها، وهو ما يساعد على زيادة فعاليتها في تحقيق أهداف برامج التنمية المحلية الموضوعة.
نظرا لأهمية الجماعات المحلية في اقتصاد كل دولة ودورها الحيوي في خدمة أفراد المجتمع، قام( بركات ربيعة و سعيدة دوباخ،2013)[4] سلط من خلالها الضوء على دور الجماعات المحلية في تحقيق التنمية المحلية في الجزائر، من خلال تناولهما ماهية الجماعات المحلية والتنمية المحلية، توضيح طبيعة مساهمة الجماعات المحلية في تحقيق التنمية المحلية في الجزائر و الوقوف على أهم المعوقات التي تحول دون قيامها بذلك.
جاءت نتائج الدراسة لتبين أنه رغم كل الإجراءات التي اتخذتها السلطات المركزية للارتقاء بدور الجماعات المحلية في الجزائر إلا أنها تعاني من عدة عراقيل مرتبطة بعلاقتها بالإدارة المركزية، علاقتها بالمواطن وبالأحزاب والجمعيات الأهلية. ولتجاوز هذه العراقيل اقترحت الدراسة ضرورة إعادة النظر في نظام الموارد المحلية بما يدعم برامج التنمية المحلية.
للإجابة على الإشكالية المتعلقة بكيفية إحداث تنمية محلية مستدامة، قام( عبد القادر غالم و موارد حطاب،2013)[5] بدراسة حاولا من خلالها البحث عن الكيفية التي يمكن عن طريقها الوصول إلى استدامة التنمية المحلية في ظل ميزانيات محلية تعاني عجزا ماليا وبشريا، و لأجل ذلك فقد استندا إلى فرضيات ركزت على أن كفاءة قادة الجماعات المحلية وتعاونهم مع المواطنين، وكذا تفعيل الموارد الجبائية وتكييفها مع اقتصاد السوق تؤدي إلى تنمية محلية مستدامة، وقد توصلت الدراسة إلى أن التنمية المحلية المنشودة مبنية على عاملين أساسين هما: الجانب البشري و المالي.
أما عن ما يميز دراستنا عن الدراسات السابقة فيتمثل في كونها حاولت أن تجمع بين مجموعة من المتغيرات تناولتها الدراسات المشار إليها سابقا و المتمثلة في الحوكمة و الهياكل التمويلية، الجماعات المحلية، و التنمية المحلية المستدامة في الجزائر، في محاولة للربط بين هذه المتغيرات للوصول إلى التنمية المحلية المنشودة واستدامتها انطلاقا من إرساء مبادئ
الحوكمة في الهياكل التمويلية للجماعات المحلية.
أولا/ آليات الحوكمة ومبادئ إرسائها:
لقد ظهرت الحوكمة نتيجة ظهور سلسلة من الأزمات المالية المختلفة التي حدثت في الكثير من المؤسسات العالمية، حيث اعتبر الاهتمام بها المخرج السريع والحل المتكامل لتلك الأزمات خاصة ما تعلق بالجانب التسيري والإداري لشؤون الدولة .[6]
- مفهوم الحوكمة
1.1.أسباب ظهور الحوكمة: يعود ظهور الحوكمة إلى ما يلي:[7]
أ-نظرية الوكالة:
تقوم علاقات الوكالة عندما يقوم شخص يدعى الموكل باستخدام شخص آخر يدعى الوكيل للقيام بأعمال معينة نيابة عنه. وترتكز الوكالة على أن كل من الوكيل والموكل شخص يتميز بالتصرف الرشيد، فالموكل يسعى إلى تحقيق دالة هدفه عن طريق مراقبة هدفه للتأكد من أن الوكيل يقوم بعمله في مستوى الرجل المعتاد، فحين أن الوكيل يستطيع بما لديه من معلومات تعظيم منفعته الخاصة. وعليه تستلزم علاقات الوكالة وجود نظام للحوافز والدافعية وقد ظهرت هذه العلاقات كرد فعل لكبر حجم المؤسسات، وفصل الملكية عن التسيير، أما الحوكمة فقد ظهرت بعد تعارض في المصالح بين الإدارة وأصحاب المصالح في المؤسسة من مساهمين ومستثمرين.
ب-الفضائح المالية:
لقد أدت الانهيارات المالية والفضائح بالمؤسسات العملاقة كشركة Enron للطاقة إلى كشف أن السبب لا يعود إلى معايير المحاسبة وإنما إلى سلوكيات معديها ، وبالتالي أصبح الاهتمام بقواعد الحوكمة ضرورة وحتمية حتى يمكن تفادي مثل تلك الأزمات والانهيارات مستقبلا، كما أصبحت الحوكمة تؤدي دورا فعالا في مختلف الإدارات من أجل التقليل من التجاوزات والتلاعبات في السجلات المحاسبة.
2.1.تعريف الحوكمة:
مع اشتداد قوة العولمة ودخول العديد من الدول في تكتلات منها الاتحاد الأوربي، قامت الدول الإفريقية بتبني قواعد الحوكمة في إدارته، حيث يجب أن يكون للمؤسسات الحق في الفصل بين سلطات رئيس المجلس وسلطات الرئيس التنفيذي.
و على هذا الأساس يمكن تعريف الحوكمة على أنها: ” أحد العناصر التي يتم الاعتماد عليها لوضع المبادئ الأخلاقية التي ترشد سلوكيات وأحداث المؤسسة”.
و تعرف أيضا وفقا لــــــ: )معهد التدقيق الداخلي IIA) “العمليات التي تتم من خلال الإجراءات المستخدمة من ممثل أصحاب المصالح من أجل توفير الإشراف على إدارة المخاطر ومراقبة مخاطر المؤسسات من أجل المحافظة على أصولها.”
ومن هنا يتضح أن الحوكمة هي عبارة عن القواعد والمبادئ والإجراءات التي يتم بموجبها ترشيد سلوك الإدارة من أجل الإشراف الجيد على مختلف العمليات الإدارية للمساهمة في الحفاظ على ممتلكات وأصول المؤسسة.[8]
3.1.خصائص الحوكمة وسماتها:
من خلال ما سبق، بعد استعراض المفاهيم المختلفة للحوكمة، يمكن التوصل إلى نتيجة هامة مفادها أن الإطار السياسي ونظم الحوكمة تعد من أهم الجوانب التي ينبغي التركيز عليها في الوقت الحالي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والتوازن المالي، والتقليل من حدة الفقر، الأمر الذي يتطلب معه ضرورة التعرف على خصائص الحوكمة أو السمات الرئيسية للحوكمة للوقوف على أهم سبل أو أساليب تحقيق تلك الخصائص، ويشير مفهوم الحوكمة إلى الخصائص.
و الجدول الموالي يبين خصائص الحوكمة وسبل تحقيقها أو الوصول إليها، والمتمثلة أساسا في:
- الشفافية.
- القدرة على التنبؤ.
- المصداقية.
- المساءلة.
- المشاركة.
الجدول رقم (01): خصائص الحوكمة وأساليب تحقيقها
خصائص الحوكمة | كيفية الوصول إلى جودة الحوكمة (سبل تحقيق تلك الخصائص( |
الشفافية | – سهولة إتاحة وتوفير المعلومات للمستثمرين، واستقلالية وسائل الإعلام. |
المصدر: زكرياء بله باسي،” تحليل العلاقة بين مفهوم الحوكمة و الميزانية العامة للدولة“، مرجع سابق، ص6.
4.1.أهداف الحوكمة
إن الممارسة الجيدة للحوكمة تساعد على جذب الاستثمارات ودعم الأداء الاقتصادي والقدرة على المنافسة في المدى الطويل، انطلاقا من كون الحوكمة عبارة عن نظام يوجه و يراقب الأداء المالي والإداري للمؤسسات[9]، ويتجسد الهدف المنشود من تبني مفهوم الحكم الراشد في الأهداف الفرعية التالية:[10]
– العدالة والشفافية في معاملات المؤسسات وحق المساءلة بما يسمح لكل ذي مصلحة مراجعة الإدارة، باعتبار أن الحوكمة تقف على محاربة الفساد ومواجهته.
– حماية حق المساهمين ومنع تضارب الأهداف، تنازع السلطات و تعظيم المصالح المتبادلة.
– ضمان مراجعة الأداء المالي وحسن استخدام الموارد المالية المتاحة من خلال تكامل نظم المحاسبة والمراجعة.
– مراعاة مصالح الهمل والعمال وتوزيع الصلاحيات والمسؤوليات بما يضمن تعزيز الرقابة والضبط الداخلي.
2.مبادئ وآليات الحوكمة
1.2.مبادئ الحوكمة والأطراف الفاعلة فيها
المقصود بمبادئ حوكمة المؤسسات القواعد والنظم والإجراءات التي تحقق أفضل حماية وتوازن بين مصالح مديري المؤسسة والمساهمين فيها، وأصحاب المصالح الأخرى المرتبطة بها، وهناك خمسة مبادئ أساسية لترسيخ قواعد الحوكمة وضعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية زائد المبدأ السادس والذي تم وضعه بعد مراجعة هذه المبادئ سنة 2004 تتعلق بــــ:[11]
- حقوق المساهمين: يتضمن هذا المبدأ مجموعة من الحقوق التي تضمن الملكية الآمنة للأسهم، والإفصاح التام عن المعلومات، وحقوق التصويت، والمشاركة في قرارات بيع أو تعديل أصول المؤسسة بما في ذلك عمليات الاندماج وإصدار أسهم جديدة.
ب-المعاملة المتكافئة للمساهمين: يجب أن يكفل إطار الحوكمة الرشيدة المعاملة المتكافئة لجميع المساهمين، ومن بينهم صغار المساهمين والأجانب منهم، كما ينبغي أن تتاح لكافة المساهمين فرصة الحصول على تعويض فعلي في حالة انتهاك حقوقهم.
ج-دور أصحاب المصالح في الحوكمة : يجب أن ينطوي إطار الحوكمة على الاعتراف بحقوق أصحاب المصلحة كما يوضحها القانون، وأن يعمل أيضا على تشجيع الاتصال بين المؤسسات وبين أصحاب المصالح في مجال خلق الثروة وفرص العمل وتحقيق الاستدامة للمشروعات القائمة على أسس مالية سليمة.
د- الإفصاح والشفافية: ينبغي أن يكفل إطار الحوكمة تحقيق الإفصاح الدقيق، وفي الوقت الملائم بشأن كافة المسائل المتصلة بتأسيس المؤسسة، ومن بينها الوضعية المالية والأداء والملكية وأسلوب ممارسة السلطة.
ه- مسؤوليات مجلس الإدارة: يجب أن يتيح إطار الحكم الراشد الخطوط الإرشادية الإستراتيجية لتوجيه المؤسسات، كما يجب أن يكفل المتابعة الفعالة للإدارة التنفيذية من قبل مجلس الإدارة، وأن تتم مساءلته من قبل المؤسسة والمساهمين
و-ضمان الأساس اللازم لتفعيل إطار الحوكمة: حيث ينص هذا المبدأ على ضرورة توفير الأسس اللازمة لتفعيل إطار الحوكمة من أجل رفع مستوى الشفافية وأن يتوافق هذا الهيكل مع الإطار القانوني ويحدد بدقة مسؤوليات الهيئات المختلفة المسؤولة عن الإشراف والرقابة.
2.2. آليات الحوكمة:
إن آليات الحوكمة تعكس الظروف الاقتصادية في البنية التي تتم فيها ممارسات الحوكمة، ويتم تقسيمها إلى آليات حوكمة داخلية وأخرى خارجية، سنتعرض لها بشكل مختصر وفق الآتي[12]
- الآليات الداخلية للحوكمة
تنصب الآليات الداخلية للحوكمة على أنشطة الإدارة والإجراءات اللازمة لتحقيق أهداف المؤسسة وهي وفق ما يلي
أ- الآليات القانونية: وهذه الآليات تهتم بالجانب القانوني وكيفية تطويره بما يتماشى مع تطوير أهداف المؤسسة.
ب-الآليات الرقابية: يمكن تصنيف الآليات الرقابة للحوكمة فيما يلي
لجنة المراجعة: لقد أدت الانهيارات المالية الكبرى إلى زيادة الاهتمام بوضع لجنة خاصة بالمراجعة، تقوم بالتنسيق بين المراجعة الداخلية والمراجعة الخارجية، كما تقوم لجنة المراجعة بحماية استقلال المراجع الخارجي ، نظرا للمطالبة بمراقبة نزاهة البيانات الخارجية ومراجعة أحكام إعداد التقارير المالية.
الرقابة الداخلية: تعتبر الرقابة الداخلية إحدى أهم الوسائل المساهمة في حوكمة الشركات، وهي إدراك مبسط للتنظيم وكل الأساليب والمقاييس والإحداثيات داخل المؤسسة لأجل تنشيط التحكم في المؤسسة.
المراجعة الداخلية :هي نشاط مستقل يساعد على تحقيق مقاربة نظامية ومنهجية لإدارة المخاطر والمراقبة وحوكمة الشركات وتقديم اقتراحات من أجل تقوية فعاليتها، فوظيفة المراجعة الداخلية هي رقابة الرقابة، وه تقوم على مفهوم الرقابة المفاجئة غير المتوقعة، وترتكز على تجانس وتناسق أنظمة الرقابة الداخلية.
فالمراجعين الداخلين يعتبرون جزء من آلية التغذية العكسية لخلية المراجعة، ويقومون بفحص مستويات وسائل الرقابة، كما يقوم المراجع بتحديد نوع المخاطر الممكنة لمعرفة متى تتم عملية المراجعة.
- الآليات الخارجية للحوكمة:
تتمثل الآليات الخارجية للحوكمة في الرقابة التي يمارسها أصحاب المصالح ونوجزها فيما يلي:
أ-المراجعة الخارجية: تؤدي المراجعة الخارجية دورا هاما في المساعدة في تحسين نوعية الكشوفات المالية، فهي تمثل حجر الزاوية لحوكمة جيدة للمؤسسات المملوكة للدولة، فالمراجع الخارجي يساهم في تحقيق المساءلة والنزاهة وتحسين العمليات فيها، وعليه فالمراجعة الخارجية تعزز مسؤوليات الحوكمة في الإشراف، بما يفيد في اكتشاف ومنع الفساد الإداري والمالي، كما تعتبر المراجعة الخارجية تعتبر مورد هام لتعزيز ودعم لجنة المراجعة .و رغم الاختلاف بين المراجعة الداخلية والخارجية إلا أنهما متكاملتان، حيث تعتمد الثانية على الأولى بدرجة كبيرة لمساعدتها على معرفة مدى الجودة
من عدمها للرقابة الداخلية.
ب- القوانين والتشريعات:
لقد أثرت بعض التشريعات على الفاعلين الأساسيين في عملية الحوكمة، وعلى سبيل الذكر نجد أن إصدار قانون sambanes- oscly Act في سنة 2002، وهو يعتبر قانونا فعالا فيما يخص الحوكمة يقوم على تقوية إشراف لجنة المراجعة على عملية إعداد التقارير المالية، وتحديد طرق فعالة للاتصال بين المراجع الخارجي ولجنة المراجعة، فهذا كله له تأثير كبير للحد من حالات الفساد المالي والإداري.
3.2. محددات الحوكمة:
هناك اتفاق على أن التطبيق الجيد للحوكمة من عدمه يتوقف على مدى تواف ومستوى جودة مجموعتين من المحددات: المحددات الخارجية وتلك الداخلية، ونوجزها في الآتي:[13]
أ- المحددات الخارجية: وتشير إلى المناخ العام للاستثمار في الدولة، والذي يشمل على سبيل المثال: القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي (مثل قوانين سوق المال والشركات وتنظيم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية والإفلاس(، وكفاءة القطاع المالي )البنوك وسوق المال( في توفير التمويل اللازم للمشروعات، ودرجة تنافسية أسواق السلع وعناصر الإنتاج، وكفاءة الأجهزة والهيئات الرقابية (هيئة سوق المال والبورصة( في إحكام الرقابة على الشركات، وذلك فضلا عن بعض المؤسسات ذاتية التنظيم التي تضمن عمل الأسواق بكفاءة، مثل المراجعين والمحاسبين والمحامين والشركات العاملة في سوق الأوراق المالية وغيرها (،وترجع أهمية المحددات الخارجية إلى أن وجودها يضمن تنفيذ القوانين والقواعد التي تضمن حسن إدارة الشركة، والتي تقلل من التعارض بين العائد الاجتماعي والعائد الخاص.
ب – المحددات الداخلية: وتشير إلى القواعد والأسس التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات وتوزيع السلطات داخل الشركة بين الجمعية العامة ومجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين، والتي يؤدى توافرها من ناحية وتطبيقها من ناحية أخرى إلى تقليل التعارض بين مصالح هذه الأطراف الثلاثة.
ثانيا/ المصالح المالية للجماعات المحلية:
- الجماعات المحلية:
يشير الكثير من الباحثين في مجال الجماعات المحلية (نظام الحكم المحلي ) إلى أنه يؤكد ويوضح مبدأ السيادة الشعبية بمفهومها الحديث ، كما يعتبر أن الجماعات المحلية خير تطبيق لما يسمى بمبدأ الديمقراطية الذي يستلزم مشاركة المواطنين أو ممثليهم في مشاكلهم وتطلعاتهم ، وهذا ما أخذت به الجزائر غداة استقلالها .
في الواقع أن عدد البلديات التي اصطنعتها السلطة الاستعمارية 1535 بلدية لم يكن لها أي تجانس يحتم تسييرها وسجلت انخفاضا شديدا في مواردها من جهة ، مما عجل من أخذ تدابير التي تفرضها الاعتبارات العملية والاهتمام بحسن تسييرها ومشاركتها في المهام الاقتصادية ، الاجتماعية من جهة أخرى، تم تقليصها إلى 676 بلدية بموجب الأمر رقم 63-421 المؤرخ في 28 أكتوبر 1963 لتصبح 704 بلدية سنة 1977 حيث تم النظر في الإصلاحات للجماعات المحلية (البلدية والولاية) ، والتي جسدت بالأمر رقم 67-24 المؤرخ في 18 جانفي 1967 والذي أظهر أهمية الجماعات المحلية من خلال صلاحيتها ومساهمتها في التنمية العامة للاقتصاد ومسؤوليتها في الميدان الاجتماعي والثقافي وعلى ذلك الأساس تصبح الجماعات المحلية تعبر عن سيادة الدولة في إقليمها ، وفي سنة 1984 قررت الدولة إعادة تنظيم الإقليم لكثير من الاعتبارات ، وأصبحت 48 ولاية و1551بلدية (قانون 84-09).[14]
1.1.مفهوم الجماعات المحلية:
تعبر الجماعات المحلية في الجزائر عن الإدارة المحلية التي تقوم على اللامركزية الإدارية الإقليمية، وترتكز على خليتين أساسيتين هما، البلدية و الولاية، لذلك فتعريف الجماعات المحلية مرتبط بتحديد تعريف لكل من البلدية والولاية كما يلي:[15]
– البلدية:”هي الجماعة الإقليمية الأساسية، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتحدث بموجب قانون، ولها إقليم واسم ومركز ويديرها مجلس منتخب هو المجلس الشعبي البلدي وهيئة تنفيذية “.
– الولاية :”هي جماعة عمومية إقليمية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتشكل مقاطعة إدارية وتنشأ بقانون”.
2.1.خصائص الجماعات المحلية:
تتميز الجماعات المحلية بجملة من الخصائص، نذكر من أهمها الاستقلال الإداري والمالي، وهي كما يلي[16]
- الاستقلالية الإدارية:
وهي من أهم المميزات التي تنتج بشكل عادي من الاعتراف بالشخصية المعنوية، وهو ما أكدته المادة الأولى من القانون البلدي في الجزائر، فالاستقلال الإداري يعني أن تنشأ أجهزة تتمتع بكل السلطات اللازمة بحيث يتم توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية والهيئات المحلية المستقلة، وذلك وفقا لنظام رقابي يعتمد من طرف السلطات المركزية للدولة. وتتمتع هذه الاستقلالية بعدة مزايا نذكر منها:
– تخيف العبء عن الإدارة المركزية نظرا لكثرة وتعدد وظائفها.
– تجنب التباطؤ وتحقيق الإسراع في إصدار القرارات المتعلقة بالمصالح المحلية.
– تفهم أكثر وتكفل أحسن برغبات وحاجات المواطنين من الإدارة المركزية.
– تحقيق مبدأ الديمقراطية عن طريق المشاركة المباشرة للمواطن في تسيير شؤونه العمومية المحلية.
ب- الاستقلالية المالیة للجماعات المحلیة:
إن تمتع الجماعات المحلية بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري يوجب الاعتراف لها بخاصية الاستقلال المالي أو الذمة المالية المستقلة، وهذا يعني توفير موارد مالية خاصة للجماعة المحلية تمكنها من أداء الاختصاصات الموكلة إليها، وإشباع حاجات المواطنين في نطاق عملها، وتمتعها بحق التملك للأموال الخاصة، وينص قانون البلدية في الجزائر بأن “يقوم المجلس الشعبي باسم البلدية وتحت مراقبة المجلس بجميع الأعمال الخاصة بالمحافظة على الأموال والحقوق التي تتكون منها ثروة البلدية”.
بالإضافة إلى ذلك فإن الاستقلالية المالية للجماعات المحلية تسمح لها بإدارة ميزانيتها بحرية في حدود ما تمليه عليها السياسة الاقتصادية للدولة، حتى لا يكون لذلك تأثير على مجرى نمو النشاط الاقتصادي، غير أن الاستقلالية الممنوحة للجماعات المحلية ليست لها هذه الصفة من جهة حدود الميزانية، ومن جهة المراقبة التي تقوم بها السلطات المركزية.
3.1.وظائف الجماعات المحلية:
ترجع الأسباب الداعية للاعتماد على الإدارة المحلية في تسيير شؤون البلاد إلى عدة اعتبارات، ويمكن حصر أهمها فيما يلي:[17]
- اتساع مهام الدولة، التي كانت تتمثل في السابق في إحلال الأمن والعدالة والدفاع لتتطور فتشمل الجوانب الاقتصادية، الثقافية و الاجتماعية، هذا التعدد في المهام فرض ضرورة إنشاء هياكل لمساعدة الدولة تتمثل في الإدارة المحلية.
- التفاوت بين الأقاليم في الدولة الواحدة، والذي يظهر جليا بالنسبة للجزائر في التفاوت من حيث تعداد و اكتظاظهم الذي تعاني منه المدن الساحلية.
هذا الاختلاف بين منطقة وأخرى، إضافة إلى الاختلال حتى داخل الإقليم الواحد، إلى جانب العجز المالي، فرض ضرورة الاستعانة بالجماعات المحلية لتسيير شؤون الإقليم، لأنه لا يمكن تصور إمكانية تسيير كل الأقاليم مركزيا.
– تجسيد الديمقراطية على المستوى المحلي، وهذا عن طريق انتخاب المجالس الشعبية البلدية والولائية، لمساعدة السلطة المركزية في تمرير قراراتها وتنفيذ خططها.
2.عرض وتحليل الهياكل التمويلية للجماعات المحلية في الجزائر:
– الجماعات المحلية نظام :و يجدر بنا أن نعرف النظام “système”، الذي هو عبارة عن مجموعة من العناصر.
تؤثر وتتأثر فيما بينها، حيث أن التكامل بين عناصر النظام تمكن من الكشف على جميع الاختلالات والانحرافات وإعادة النظر لتصحيح الخلل بما يسمى بالتغذية العكسية (Feed – back) ، ولهذا النظام فروع فهناك النظام الفرعي لتسيير الموارد البشرية والنظام الفرعي لاتخاذ القرارات إلى جانب ذلك النظام الفرعي المالي، ولا تحقق الإدارة المحلية مبتغاها إلا من خلال نجاح هيكلها التمويلي المحلي والذي يعمق فلسفة هذا النظام ، ولن تتحقق التنمية المحلية بالصورة المطلوبة إلا إذا توافر هيكل للتمويل المحلي ينطوي على موارد مالية محلية وتقل فيه إعانة الدولة إلى أقل درجة ممكنة.
1.2.التمويل المحلي:
يعتبر التمويل المحلي من الضروريات اللازمة والأساسية لقيام التنمية المحلية، حيث تتطلب هذه الأخيرة تعبئة أكبر قدر ممكن من الموارد المالية المحلية.
يعرف التمويل المحلي: “بأنه كل الموارد المالية المتاحة والتي يمكن توفيرها من مصادر مختلفة لتمويل التنمية المحلية بالصورة التي تحقق أكبر معدلات لتلك التنمية عبر الزمن، وتعظم استقلالية المحليات عن الحكومة المركزية في تحقيق التنمية المحلية المنشودة”.[18]
ولتنمية الموارد المالية فإنه يجب توسيع سلطات الوحدات المحلية في الحصول على إيراداتها الذاتية، وأن يكون لكل منها موازنة مستقلة، يتم إعدادها على المستوى المحلي، بحيث يتم ترشيد الإنفاق العام، وتطوير القدرات الفنية والإدارية للعاملين، وإعداد الدراسات الفنية والاقتصادية وتهيئة المناخ المناسب للاستثمار، وتنظيم الجهود الذاتية الخاصة بالأفراد والقطاع الخاص، ودعم اللامركزية المالية من خلال توسيع صلاحيات الوحدات المحلية في فرض الضرائب والرسوم في إطار ضوابط مركزية.
2.2.أهداف التمويل المحلي:
يرتبط التمويل المحلي بفلسفة الإدارة المحلية و أهدافها، لأن الإدارة المحلية لها أهداف سياسية، اجتماعية، إدارية واقتصادية، والتمويل المحلي له هو الأخر دور فعال في دعم هذه الأهداف و تأصيل أسسها، ويمكن توضيح هذا الدور في النقاط الأساسية التالية:[19]
-التمويل المحلي و أهداف الإدارة المحلية السياسية:
يعمل التمويل المحلي على إيقاظ روح المسؤولية السياسية و تعميق الديمقراطية عن طريق تأكيد المسؤولية المالية لمواطني الوحدات المحلية، أعضاء كانوا في السلطات المحلية أو في المجتمعات المحلية.
– التمويل المحلي و أهداف الإدارة المحلية الاجتماعية:
إن إسهام الأفراد في مالية المجلس المحلي عامل أساسي في دعم العلاقات الاجتماعية بينهم وتحقيق ترابطهم الفعال عن
طريق المشاركة في الأعباء المالية و الاستفادة من مزايا المشاركة شأنهم في ذلك شأن الأعضاء في شركة يسهمون في رأسمالها ويستفيدون من عائد استثمار هذا المال ذلك أن هؤلاء الشركاء تنشأ بينهم بالضرورة علاقات اجتماعية قوية.
– التمويل المحلي و أهداف الإدارة المحلية الإدارية و الاقتصادية:
تعمل الإدارة المحلية على تأكيد رقابة المواطنين على الخدمات المحلية باعتبارهم المستفيد الأول من هذه الخدمات، فبالنسبة للخدمات التي تؤدي في مقابل أثمان يوفر جهاز الثمن فاعلية هذه الرقابة، حيث بقوم المواطنون بتقديم الخدمة من خلال مقارنة مستواها بمقدار ما يدفعون في مقابلها من ثمن، أما في حالة الخدمات الأخرى التي لا يدفع في مقابلها ثمن مثل خدمات الصحة العامة و التعليم، تحل الضريبة المحلية محل جهاز الثمن، فيقيس المواطنون مستوى الخدمات بمقدار ما سيسهمون به في صورة ضرائب ورسوم و هذه الخاصية تنتفي في حالة عدم وجود موارد محلية ذاتية، الأمر الذي يتطلب ضرورة توفير المزيد من الموارد المالية المحلية خاصة بتزايد الاتجاه نحو اللامركزية الإدارية في إطار تلاحم أهداف التنمية المحلية مع أهداف التنمية الوطنية الشاملة.
3.2.مصادر التمويل المحلي:
تواجه الوحدات المحلية في تحقيق برامج التنمية المحلية على مستوى وحداتها مشكلة التمويل، وضعف الموارد المالية المحلية المخصصة لأغراض التنمية، وبذلك يصعب على هذه الوحدات تنفيذ كافة أو بعض البرامج التنموية الضرورية لسكان الوحدات المحلية. إن هذه المشكلة تخص الاستقلال الفعلي والحقيقي للوحدات المحلية في الحصول على الموارد المالية حيث تتقيد حريتها برقابة السلطة المركزية في فرض الضرائب والرسوم المحلية وعلى الاقتراض، كما تتقيد كذلك حريتها بالرقابة على ميزانيتها، وعلى أوجه الصرف الخاص بإيراداتها المختلفة، غير أن عدم كفاية الموارد المالية المحلية لا يعود فقط إلى القيود التي تمارسها السلطة المركزية وإنما يعود كذلك إلى صغر حجم الوحدات المحلية التي لا يمكنها الحصول على الموارد الذاتية الكافية، وذلك لوجود علاقة قوية بين مساحة الوحدة المحلية ومواردها المالية، حيث أن القدرة التمويلية غالبا ما تتناسب عكسيا مع كبر الوحدات المحلية وكثافتها السكانية ودرجة تقدمها الحضاري، ولتنمية الموارد المالية المحلية يجب مراعاة ما يلي:[20]
– تحقيق اللامركزية في الإنفاق وترشيد الإنفاق العام.
– تطوير القدرات الفنية والاقتصادية للمشروعات وإعداد الدراسات الفنية.
– التخلص من المخزونات الراكدة أو إفادة وحدات محلية أخرى بها.
– تهيئة المناخ المناسب للاستثمار.
– تشجيع وتنظيم الجهود الذاتية الخاصة بالأفراد ورجال الأعمال وإسناد بعض الخدمات إلى شركات خاصة والتنسيق بين المؤسسات والبنوك المتخصصة.
– الاهتمام بالسياحة كمصدر للتمويل الذاتي.
– تفعيل آليات المشاركة الشعبية في المشروعات والوحدات المحلية.
تنقسم موارد تمويل الإدارة المحلية إلى قسمين رئيسيين: هما الموارد المحلية الذاتية والموارد المحلية الخارجية.
- الموارد الذاتية: هي تلك الناتجة عن الضرائب والرسوم المحلية الأصلية والمضافة على الضرائب والرسوم القومية إضافة إلى الموارد الخاصة والناتجة عن تشغيل واستثمار المرافق المحلية المختلفة، ومن أهم هذه الموارد الذاتية نذكر
- الضريبة المحلية: هي كل فريضة مالية تتقاضاها الهيئات المحلية على سبيل الإلزام في نطاق الوحدة الإدارية التي تمثلها دون مقابل معين بقصد تحقيق منفعة عامة.
- الرسوم المحلية: يتم تحصيل الرسوم المحلية مقابل خدمات تؤديها الإدارة المحلية للمواطنين حيث تعود بالنفع والفائدة على دافعي هذه الرسوم، وتشكل حصيلة هذه الرسوم موارد عامة للإدارات المحلية.
للوحدات المحلية حق تحصيل نوعين من الرسوم: رسوم محلية عامة وهي رسوم تفرض بقوانين وقرارات وزارية وليست محلية، ورسوم ذات طابع محلي وتفرض بقرارات محلية يصدرها المجلس الشعبي المحلي ويوافق عليها مجلس الوزراء.
– إيرادات الأملاك العامة للهيئات المحلية: سواء أكانت ناتجة عن تأجير المرافق العامة المحلية أو تشغيلها أو إدارتها مباشرة لقاء أثمان محدودة تعود على المجالس المحلية لدى البنوك أو المقدمة لبعض الهيئات المحلية كقروض.
ب- الموارد الخارجية: فهي الناتجة عن المساعدات المالية التي تقدمها الدولة لوحداتها المحلية لدعم ميزانياتها إضافة إلى القروض والهبات والتبرعات.
- الإعانات الحكومية: و هي غالبا ما تتضمن شروطا تقيد حرية واستقلال المجالس المحلية إذ أنها توجب في كثير من الأحيان خضوع الإدارة المحلية عند إنفاقها الإعانات الحكومية إلى رقابة مالية من الهيئات المركزية.
– القروض: تستعمل القروض في تمويل المشروعات الاستثمارية التي تنشأ على مستوى المحليات وتعجز موارد الميزانية على تغطية نفقاتها، ولا يجوز عادة للمجالس المحلية على مستوى المحليات أن تلجأ إلى عقد قروض دون إذن من الحكومة. وهذا النوع عادة ما يكون بفائدة بسيطة ومدة القرض تعتمد على طبيعة المشروع المراد إنفاق قيمة القرض عليه.
– التبرعات و الهبات: تعتبر موردا من موارد المجالس المحلية وتتكون حصيلتها مما يتبرع به المواطنون إما مباشرة إلى المجالس المحلية أو بشكل غير مباشر للمساهمة في تمويل المشاريع التي تقوم بها، وكذلك قد تكون نتيجة وصية تركها احد المواطنين بعد وفاته في حالة انعدام الورثة أو هبة يقدمها أحد المغتربين لتخليد اسمه في بلده. وتنقسم هذه التبرعات إلى قسمين تبرعات مقيدة بشرط عدم قبولها إلا بموافقة السلطات المركزية، وتبرعات أجنبية لا يمكن قبولها إلا بموافقة رئيس الجمهورية سواء أكانت من هيئات أو أشخاص أجانب.
تشكل هذه الموارد المالية الذاتية والخارجية للمحليات مصادر التمويل المحلي الموجه لتحقيق معدلات متزايدة في التنمية المحلية لتحقيق مستوى أفضل من المعيشة لأفراد الوحدات المحلية، وهذه الموارد المالية المحلية الذاتية والخارجية تختلف من دولة لأخرى حسب النظام المحلي المتبع لكل دولة.[21]
ثالثا/العلاقة الترابطية بين حوكمة الهياكل التمويلية والتنمية المحلية المستدامة:
إن ديناميكية الإدارة المحلية في الجزائر تحدوها بعض المشاكل التي تبدأ مع تشكلها ناهيك عن مدى توفر الآليات الداعمة لعملية التنمية المحلية، الذي يعد التمويل جزءا منها، نضف إلى أن ما يلاحظ على هيكل التمويل المحلي هو انخفاض حجم الموارد المالية الذاتية للجماعات المحلية و انحصارها في عدد محدود. وحتى تتمكن الجماعات المحلية من تأدية دورها بكفاءة و فعالية، فإنه من الضروري عليها البحث عن كيفية تدعيم الموارد الذاتية المحلية، انطلاقا من أنها تعتمد بالدرجة الأولى على التمويل المحلي لإحداث زيادات في مستويات التنمية المحلية والوصول إلى تنمية شاملة مستدامة.
وفي الواقع أن هناك عدة منطلقات لهذا التوجه: الحكم الراشد أو الحوكمة، تحقيق استغلال أفضل للموارد، مراعاة الخصوصية المحلية وتحقيق التوازن الجهوي.
1.الحوكمة والتنمية المحلية:
حتى تتمكن الجماعات المحلية من تأدية دورها بكفاءة و فعالية فإنه من الواجب عليها إرساء مبادئ الحكم الراشد أو الحوكمة في تدعيم مواردها الذاتية المحلية، الأمر الذي يزبد من قدرتها على تحمل دورها في الوصول إلى تنمية محلية مستدامة.
- التنمية المحلية:
لقد ظهر مفهوم التنمية المحلية بعد ازدياد الاهتمام بالمجتمعات المحلية لكونها الوسيلة التي يمكن من خلالها تحقيق التنمية الشاملة.
- مفهوم التنمية المحلية: تعددت التعاريف المتعلقة بالتنمية المحلية، نورد منها الاتي:[22]
التنمية المحلية:” هي مفهوم حديث لأسلوب العمل الاجتماعي والاقتصادي في مناطق محددة يقوم على أسس و قواعد
من مناهج العلوم الاجتماعية و الاقتصادية، وهذا الأسلوب يقوم على إحداث تغيير حضاري في طريقة التفكير والعمل
والحياة عن طريق إثارة وعي البيئة المحلية”.
وهي أيضا:” العملية التي يمكن بواسطتها تحقيق التعاون الفعال بين جهود المواطنين وجهود السلطات العمومية( الدولة) للارتفاع بمستويات الجماعات والوحدات المحلية اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا وحضاريا من منظرو تحسين نوعية الحياة في منظومة شاملة ومتكاملة”.
من خلال التعاريف السابقة يمكن القول أن التنمية المحلية، هي مفهوم يركز على الاهتمام بتحسين الظروف الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية للجماعات المحلية وتحقيق تكامل هذه الجماعات في إطار حياة الأمة ومساعدتها التامة
في التقدم القومي.
- معايير التنمية المحلية وأبعادها:
إن الجماعات المحلية مجبرة على مراعاة جوانب ثلاثة متعلقة بالجوانب الاقتصادية، الاجتماعية و البيئية، حتى تعود بالنفع العام على أفراد المجتمع، ويمكن تلخيص هذه معايير الأبعاد الثلاثة في الجدول التالي:
الجدول رقم (02): أبعاد التنمية المحلية ومعاييرها
أبعاد التنمية المحلية | المعايير الخاصة بكل بعد |
البعد الاقتصادي | -تزويد الكيانات المحلية بعوائد مالية. |
المصدر: غريبي أحمد،”أبعاد التنمية المحلية وتحدياتها في الجزائر”، مجلة البحوث والدراسات العلمية، جامعة المدية، العدد الرابع، أكتوبر2010، ص10.
2.1.الحوكمة المحلية:
– عناصر الحوكمة المحلية :
يبين الإعلان الذي صدرَ عن مؤتمر الاتّحاد الدولي لإدارة المدن، المنعقد في ديسمبر1996 بصوفيا، عناصر الحوكمة المحلية
– نقل مسؤولية الأنشطة العامة من المستويات العليا ) الحكومة( إلى المستويات الدنيا ) البلديات(، بموجب تشريعات ملائمة؛
– اللامركزية المالية، مع موارد كافية تسمح للبلديات بالقيام بأنشطتها؛
– مشاركة حقيقية للمواطن في صنعِ القرارات المحلية ) على مستوى البلديات(؛
-توفير الظروف الملائمة لخوصصة الاقتصاد المحلي.
– خصائص الحوكمة المحلية:
استناداً للعناصر السابقة ، يمكن حصر خصائص الحوكمة المحلية ومقوماتها كما يلي
-المشاركة: تعني بذلك توفير الظروف والآليات المناسبة لإشراك المواطنين المحليين(أفراد، جماعات) في عمليات صنع
القرارات المحلية بشكل مباشر عن طريق المجالس المنتخبة أو غير مباشر عن طريق منح الثقة وقبول القرارات المحلية من جانب المواطنين.
- المساءلة: يقصد بها خضوع صانعي القرار على المستوى المحلي لمساءلة المواطنين و الأطراف الأخرى ذات الصلة دون تمييز، ومعناه أنهم يخضعون لما يسمى ” المساءلة المزدوجة”، التي تتضمن الموائمة بين مساءلتهم أمام الناخبين من جهة، و أمام المستويات الحكومية من جهة أخرى. ويلعب أعضاء المجلس التشريعي دورا مهما في تفعيل المساءلة، لما يتمتعون به من صلاحيات في الأنظمة الديمقراطية، كما يمكن للأحزاب أن تلعب دورا إيجابيا في مساءلة منتخبيها لتقوية امتداداتها القاعدية.
- الشرعية: تعني قبول المواطنين لسلطة أصحاب القرار الذين يمارسونها ضمن إطار قواعد و عمليات و إجراءات مقبولة، وأن تستند إلى حكم القانون و العدالة، بتوفير فرص متساوية لجميع أفراد المجتمع.
- الشفافية: تعني التدفق الحر للمعلومات و سهولة الحصول عليها لكل الأطراف المعنية في المجتمع المحلي دون تمييز، وإذا كانت المحاسبة والمساءلة أحد أهم أسس الحوكمة، فإنّ الشفافية لا تقل أهمية، وهذا من شأنه توفير الفرصة للحكم على مدى فعالية السلطات المحلية، كما يعزز قدرة المواطن المحلي على المشاركة، كما يسهل عملية المساءلة.
- الاستجابة: تعني سعي الأجهزة المحلية لخدمة كافة الأطراف المعنية، والاستجابة لمطالبها و خاصة الفقراء، وترتبط الاستجابة بدرجة المساءلة التي تستند بدورها إلى الشفافية.
- الكفاءة والفعالية: نعني بذلك قدرة الجماعات المحلية على تحويل الموارد المحلية إلى برامج و مشاريع تلبي احتياجات المواطنين المحليين، وتعظم الاستفادة من الموارد المتاحة.
- الرؤية الإستراتيجية: يجب أن يتمتع صانعوا القرارات المحلية برؤية استراتيجية حول الحوكمة وعلاقتها بالتنمية البشرية، بمعنى توفر رؤية بعيدة المدى تركز على تحليل الظروف البيئية والاستفادة من الفرص المتاحة، والتحضير لمواجهة التّحديات.
وتجدرُ الإشارة أنّ هذه الخصائص تعتبرُ كمؤشرات للحكم على مدى الاقتراب أو الابتعاد من الحوكمة، رغمَ وجود اختلاف حولها من طرف المنظمات الدولية المهتمة بها.[23]
- أهداف الحوكمة المحلية:
على ضوء الأطراف المشاركة في الحوكمة المحلية، يُمكنُ تصور هدفين أساسيين من هذه الحوكمة، وهي كما يلي
- الهدف الاقتصادي: يتمثّل في كفاءة تقديم الخدمات على المستوى المحلي. ويتمّ تحسين هذه الكفاءة، عن طريق تخفيض تدفقات مختلف الموارد المحلية المتاحة، ضمن إطار الصلاحيات المحددة للبلديات و الولايات من طرف السلطة المركزية للدولة، وضمن إطار تحقيق الهدف الاقتصادي، يمكنُ ملاحظة ما يلي:[24]
– رقابة الحكومة على الجماعات المحلية: نظرا لاستفادة الأجهزة المحلية من موازنات عامة، فإن الحكومة تكون مطالبة بممارسة رقابة قانونية على إنفاق البلديات و الولايات وهو ما يتطلّبُ إصدار تشريعات ملائمة لذلك، ووضع ضوابط
على فرض الضرائب و الرسوم على المستوى المحلي.
ويتمّ النظر للمساءلة المحلية والمشاركة الشعبية ضمن سياق أهداف الحكومة، لرفع قيمة ونوعية الخدمات المقدمة للمواطنين.
-يلعب القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني دوراً مهماً في زيادة قدرة المواطن على الاختيار.
– تلعبُ أشكال المشاركة المختلفة دورا في صنع السياسات والقرارات المحلية.
ب-الهدف السياسي: ضمن إطار تحقيق هذا الهدف تلعب الهيئات المحلية دورا أساسيا في التعبير عن المصالح المحلية، كما تلعب دورا مهما في صنع السياسات المحلية كجزء من الكيان الكلي وهو الدولة، وينظر للهيئات باعتبارها مشاركة للحكومة في مسؤولية تقديم الخدمات، ويمكن تحديد أهم ملامح هذا الهدف كما يلي:
- تمارس الجماعات المحلية قدرا من المسؤولية في تحصيل الإيرادات المالية عن طريق مصالح مختصة.
- تكون مساءلة الحكومة للجماعات المحلية عبر مستويين شعبي وقانوني مؤسساتي، حيث يرتبط بالمستوى الأول المواطن المحلي، الذي يعكس المصالح الجماعية للمجتمع المحلي، و تستخدم آلية التشاور مع المواطن من خلال منظمات المجتمع المدني، التي تمثل أهم الفاعلين في عملية صنع السياسات المحلية.
- يمكن اللجوء لاستطلاعات الرأي والاستفتاء لمعرفة اختيار ممثلي الشعب.
- تساهم الشفافية المرتفعة لعمل الجماعات المحلية في دعم الأنشطة التي تقوم بها.
- تمثل المساءلة والشفافية والعدالة، عوامل هامة في المساعدة على توفير موارد مالية إضافية.
- التنمية المحلية المستدامة:
إن التسيير الرشيد و التحكم في النفقات و البحث عن موارد مالية جديدة هي مقومات أساسية لإخراج الجماعات المحلية من الوضعية الحالية و الوصول بها إلى بر الأمان، هذا الطموح لن يتحقق إلا إذا قامت كل الجهات بالمساهمة في التحضير الجيد لكل متطلبات وشروط التنمية المحلية، معتمدين على ما توفر من إمكانيات مادية و قدرات ذاتية.
و الحل إلى ذلك يكون من خلال الإجابة على التساؤل الرئيسي التالي: من أين سينطلق رؤساء المجالس المحلية للوصول إلى تنمية شاملة و مستدامة؟.
إن التنمية المحلية كما سبق و أشرنا إليها في الأصل هي حركة شعبية واعية و مخططة تهدف إلى رفع مستوى معيشة السكان المحليين في منظومة متكاملة مع السياسات العامة للحكومة المركزية، و حتى تتمكن الجماعات المحلية من الوصول إلى تحقيق هذه التنمية في ظل الموارد المالية المحلية المحدودة فهي مطالبة بحسن إدارتها و الحكم الراشد لها، والذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تطبيق مبادئ الحوكمة والالتزام بها، ولكن التساؤل الأخر الذي يمكن طرحه، أي المستويات هي الأكثر ارتباطا بتجسيد مفهوم التنمية المحلية المستدامة في الجماعات المحلية؟ هل هي البلديات أم الولايات؟ و عليه يتبين أن هناك ضروريات يجب مراعاتها و المتمثلة فيما يلي:
-تمكين السكان المحليين و ممثليهم من الحصول على كافة المعلومات بشفافية بما يحقق لهم اتخاذ القرارات المتعلقة بالتخطيط المحلي بطريقة صحيحة خاصة فيما يتعلق بالميزانيات السابقة و الحسابات الجارية و غيرها من المستندات و عقود الصفقات…
– إشراك المواطنين المحليين في عملية التخطيط و عرض الأفكار مما يساهم في جودة تقديم الخدمة. [25]
– حضور ومشاركة أعضاء المجالس المنتخبة في الندوات و المحاضرات التي تلقى في الجامعة و مراكز البحث لتلقي الدعم الفني، المخطط التالي يوضح لنا مدى تفاعل عناصر التنمية المحلية فيما بينهم.
الشكل رقم(01): مخطط توضيحي لتفاعل عناصر التنمية المحلية المستدامة
المصدر: عبد القادر غالم، موارد حطاب، مرجع سابق، ص 4.
بناء على ما تقدم نرى بأن التنمية المحلية المستدامة مرتبطة أكثر بمدى كفاءة قادة البلديات، و بالتالي نكون قد اجبنا ولو شيء قليل على التساؤل الذي طرحنا والذي تمحور حول أي المستويات أكثر ارتباطا بالتنمية المحلية المستدامة وهو أنه ولإحداث تنمية محلية شاملة يجب الاعتماد على قادة البلديات ومشاركة الجميع لأنهم هم الأقدر على معرفة الواقع المحلي.
التنمية المحلية المستدامة= كفاءة الجماعات المحلية في تسيير الموارد المالية المحلية = الحكم الراشد أو حوكمة الهياكل التمويلية للجماعات المحلية.
خاتمة:
مما سبق ومن خلال تناولنا لموضوع حوكمة الهياكل التمويلية للجماعات المحلية لأجل تنمية مستدامة مع التركيز على الجزائر كنموذج، بمختلف عناصره الأساسية التي بدأنها بالحوكمة وأهم المفاهيم المرتبطة بها، لننتقل إلى الهياكل التمويلية المحلية كمفهوم مرتبط بالجماعات المحلية في الجزائر، لنصل إلى الحكم على طبيعة العلاقة الترابطية التي تجمع بين حوكمة الهياكل التمويلية والتنمية المحلية المستدامة كهدف منشودة من الجماعات المحلية كمستوى جزئي و الدولة على مستوى عام أو كلي.
توصلنا إلى أن التنمية المحلية المستدامة مبنية على عاملين أساسين وهما:
- العامل الأول: الهياكل أو الموارد التمويلية المحلية.
- العامل الثاني: الجماعات أو الأجهزة المحلية.
وبين العاملين نجد عامل أو رابط وسيط، يتمثل في إدارة الحكم الراشد أو الحوكمة كمفهوم حديث و جديد في التسيير الإداري و المالي للمؤسسات، والذي يمكن الجماعات المحلية من خلالها تبنيه و إرساء مبادئها في بلوغ الهدف المنشود والمتمثل في الوصول إلى تحقيق تنمية محلية مستدامة شاملة، تفي باحتياجات الأجيال الحالية دون المساس بحق الأجيال القادمة وتغطي المجالات الأساسية مجتمعة، وكل هذا في ظل ضعف الهياكل التمويلية و محدودية ديناميكية الإدارة المحلية الجزائرية.
وعليه فحوكمة هذه الهياكل التمويلية للجماعات المحلية تعتبر الآلية الداعمة لها للوصول إلى مستويات التنمية المحلية الشاملة والمستدامة، والتي تجسدها البلديات باعتبارها أكثر ارتباطا بالواقع و المجتمع المحلي من الولايات.
قائمة المصادر والمراجع :
- أولا/ قائمة المراجع باللغة العربية:
- محمد خنفري، “تمويل التنمية المحلية في الجزائر واقع و آفاق”، أطروحة دكتوراه في العلوم الاقتصادية، فرع التحليل الاقتصادي، جامعة الجزائر 3، 2011.
- زكرياء بله باسي،” تحليل العلاقة بين مفهوم الحوكمة و الميزانية العامة للدولة“، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الثاني حول متطلبات إرساء مبادئ الحوكمة في إدارة الميزانية العامة للدولة، جامعة البويرة، 30/31 أكتوبر 2012.
- محمد زيدان، محمد يعقوبي،” حوكمة الصفقات العمومية في التشريع الجزائري ورهانات التنمية المحلية”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الثاني حول متطلبات إرساء مبادئ الحوكمة في إدارة الميزانية العامة للدولة، جامعة البويرة، 30/31 أكتوبر 2012.
- ربيعة بركات، دوباخ سعيدة،” دور الجماعات المحلية في تحقيق التنمية في الجزائر”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الأول حول أثر التهرب الضريبي على التنمية المحلية في الجزائر، المركز الجامعي تمنراست، 29/30 جانفي 2013.
- عبد القادر غالم، موارد حطاب،” التنمية المحلية المستدامة مربوطة بالبحث عن مصادر تمويلية جديدة مكملة للجباية المحلية”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الأول حول أثر التهرب الضريبي على التنمية المحلية في الجزائر، جامعة تامنغست، 29/30 جانفي 2013.
- مصطفى طويطي ، خيرة مجدوب،”إرساء مبادئ الحوكمة للوقاية من الفساد الإداري والمالي”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الثاني حول متطلبات إرساء مبادئ الحوكمة في إدارة الميزانية العامة للدولة، جامعة البويرة، 30/31 أكتوبر 2012.
- حميدة أوكيل، سعاد شدري معمر،” تأثير تطبيق آليات الحوكمة في دعم حوكمة الميزانية العامة”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الثاني حول متطلبات إرساء مبادئ الحوكمة في إدارة الميزانية العامة للدولة، جامعة البويرة، 30/31 أكتوبر 2012.
- رابح بلقاسم، عبد الرزاق حميدي،” حوكمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة- مع الإشارة لحالة الجزائر”.
- حسين يرقي، عمر علي عبد الصمد،” واقع حوكمة المؤسسات في الجزائر وسبل تفعيلها.
- خليل عبد القادر، محمد مداحي،” رقابة ميزانية الجماعات المحلية كمدخل لتحسين الحوكمة”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الثاني حول متطلبات إرساء مبادئ الحوكمة في إدارة الميزانية العامة للدولة، جامعة البويرة، 30/31 أكتوبر 2012.
- محمد حاجي،” التمويل المحلي وإشكالية العجز في ميزانية البلدية”، ص03.
- ناجي عبد النور،” دور الإدارة المحلية في تقديم الخدمات العامة”، متاح على الموقع الإلكتروني: http://bouhania.com/news.php?action=view&id=53 10/06/2017 /21:02:14
- لخضر مرغاد،” الإيرادات العامة للجماعات المحلية في الجزائر”، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة محمد خيضر بسكرة، العدد السابع، فيفري2005.
- الزين منصوري،” آليات و إستراتيجيات تنمية الموارد المالية المحلية في الجزائر”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الأول حول أثر التهرب الضريبي على التنمية المحلية في الجزائر، جامعة تامنغست، 29/30 جانفي 2013.
- حياة بن اسماعيل، وسيلة السبتي،” التمويل المحلي للتنمية المحلية: نماذج من اقتصاديات الدول النامية”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الدولي حول سياسات التمويل وأثرها على الاقتصاديات و المؤسسات- دراسة حالة الجزائر والدول النامية،21/22 نوفمبر2006، جامعة محمد خيضر بسكرة.
- أحمد ضيف، محمد شتوح،” تمويل التنمية المحلية : الأسس و المنطلقات”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الأول حول أثر التهرب الضريبي على التنمية المحلية في الجزائر، جامعة تامنغست، 29/30 جانفي 2013.
- ربيعة بركات، دوباخ سعيدة،” دور الجماعات المحلية في تحقيق التنمية في الجزائر”، ص4.
- ثانيا/ قائمة المراجع باللغة الفرنسية:
- Hélène Poloisc، “Convenance d’entreprise pour tous، dirigeant، administrateurs et investisseurs”، collection HEC، Paris،
[1] محمد خنفري، “تمويل التنمية المحلية في الجزائر واقع و آفاق”، أطروحة دكتوراه في العلوم الاقتصادية، فرع التحليل الاقتصادي، جامعة الجزائر 3، 2011.
[2] زكرياء بله باسي،” تحليل العلاقة بين مفهوم الحوكمة و الميزانية العامة للدولة“، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الثاني حول متطلبات إرساء مبادئ الحوكمة في إدارة الميزانية العامة للدولة، جامعة البويرة، 30/31 أكتوبر 2012.
[3] محمد زيدان، محمد يعقوبي،” حوكمة الصفقات العمومية في التشريع الجزائري ورهانات التنمية المحلية”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الثاني حول متطلبات إرساء مبادئ الحوكمة في إدارة الميزانية العامة للدولة، جامعة البويرة، 30/31 أكتوبر 2012.
[4] ربيعة بركات، دوباخ سعيدة،” دور الجماعات المحلية في تحقيق التنمية في الجزائر”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الأول حول أثر التهرب الضريبي على التنمية المحلية في الجزائر، المركز الجامعي تمنراست، 29/30 جانفي 2013.
[5] عبد القادر غالم، موارد حطاب،” التنمية المحلية المستدامة مربوطة بالبحث عن مصادر تمويلية جديدة مكملة للجباية المحلية”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الأول حول أثر التهرب الضريبي على التنمية المحلية في الجزائر، جامعة تامنغست، 29/30 جانفي 2013.
[6] مصطفى طويطي ، خيرة مجدوب،”إرساء مبادئ الحوكمة للوقاية من الفساد الإداري والمالي”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الثاني حول متطلبات إرساء مبادئ الحوكمة في إدارة الميزانية العامة للدولة، جامعة البويرة، 30/31 أكتوبر 2012، ص2.
[7] حميدة أوكيل، سعاد شدري معمر،” تأثير تطبيق آليات الحوكمة في دعم حوكمة الميزانية العامة”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الثاني حول متطلبات إرساء مبادئ الحوكمة في إدارة الميزانية العامة للدولة، جامعة البويرة، 30/31 أكتوبر 2012، ص2.
[8]حميدة أوكيل، مرجع سابق، ص 3.
[9] Hélène Poloisc، “Convenance d’entreprise pour tous، dirigeant، administrateurs et investisseurs”، collection HEC، Paris، 2006، p09.
[10] رابح بلقاسم، عبد الرزاق حميدي،” حوكمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة- مع الإشارة لحالة الجزائر”،ص 11.
[11] حسين يرقي، عمر علي عبد الصمد،” واقع حوكمة المؤسسات في الجزائر وسبل تفعيلها”، ص6.
[12] حميدة أوكيل، سعاد شدري معمر، مرجع سابق، ص4.
[13] خليل عبد القادر، محمد مداحي،” رقابة ميزانية الجماعات المحلية كمدخل لتحسين الحوكمة”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الثاني حول متطلبات إرساء مبادئ الحوكمة في إدارة الميزانية العامة للدولة، جامعة البويرة، 30/31 أكتوبر 2012، ص5.
[14] محمد حاجي،” التمويل المحلي وإشكالية العجز في ميزانية البلدية”، ص03.
[15] ناجي عبد النور،” دور الإدارة المحلية في تقديم الخدمات العامة”، متاح على الموقع الإلكتروني:
http://bouhania.com/news.php?action=view&id=53 10/06/2017 /21:02:14
[16] لخضر مرغاد،” الإيرادات العامة للجماعات المحلية في الجزائر”، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة محمد خيضر بسكرة، العدد السابع، فيفري2005، ص3.
[17] الزين منصوري،” آليات و إستراتيجيات تنمية الموارد المالية المحلية في الجزائر”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الأول حول أثر التهرب الضريبي على التنمية المحلية في الجزائر، جامعة تامنغست، 29/30 جانفي 2013،ص 4.
[18] حياة بن اسماعيل، وسيلة السبتي،” التمويل المحلي للتنمية المحلية: نماذج من إقتصاديات الدول النامية”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الدولي حول سياسات التمويل وأثرها على الإقتصاديات و المؤسسات- دراسة حالة الجزائر والدول النامية،21/22 نوفمبر2006، جامعة محمد خيضر بسكرة، ص2.
[19] أحمد ضيف، محمد شتوح،” تمويل التنمية المحلية : الأسس و المنطلقات”، ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الوطني الأول حول أثر التهرب الضريبي على التنمية المحلية في الجزائر، جامعة تامنغست، 29/30 جانفي 2013، ص3.
[20] حياة بن اسماعيل، وسيلة السبتي، مرجع سابق، ص3.
[21] المرجع السابق، ص 5-6.
[22] ربيعة بركات، دوباخ سعيدة،” دور الجماعات المحلية في تحقيق التنمية في الجزائر”، ص4.
[23] خليل عبد القادر، محمد مداحي، مرجع سابق، ص8.
[24] المرجع نفسه ص9.
[25] عبد القادر غالم، موارد حطاب، مرجع سابق، ص 3.