
تحدّيات القائمين بالاتصال في مجال الصحافة الرقميّة:
المواقع الإلكترونية اللبنانية نموذجاً
فيرونيك أبو غزالة،طالبة دكتوراه/الجامعة اللبنانية، لبنان
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية العدد 38 الصفحة 53.
ملخص:فرضت التطوّرات السريعة في مجال الصحافة الرقمية،ممارساتٍ مهنية جديدة على القائمين بالاتصال،وتحدّيات متنوّعة تحتاج إلى مهارات محدّدة لتجاوزها. وتنكبّ الدراسات العالمية اليوم على بحث هذه التحدّيات، وكيفية إشراك الصحافيين في الثورة الرقمية، و لا سيّما في طور إقفال العديد من الصحف،والإذاعات، ومحطّات التلفزيون أيضًا، بسبب نقص التمويل، والإعلانات التي باتت تميل أكثر فأكثر، إلى الصحافة الإلكترونية. وفي العالم العربي، يُرسم مشهد الإعلام الرقمي اليوم بنشوء المواقع الإلكترونية،وتطوّرها،وتنظيم عملها،و تطوير خبرات العاملين فيها. لذلك، سعينا بهذه الورقة البحثية، إلى معرفة أبرز تحدّيات القائمين بالاتصال، في الصحافة الرقمية، انطلاقاً من النموذج اللبناني. وذلك هو الخطوة الأساس،لتحديد سبل تطوير العمل الإعلامي الإلكتروني،تجاوزًا للعوائق،وتحسينًا لأداء المواقع المحلية،لتكون في مرتبة متقدّمة، مقارنة بالمواقع الإقليمية والدولية أيضًا.
الكلمات المفتاحية: صحافة رقمية، القائمون بالاتصال، تطور وسائل الإعلام.
مقدمة:
بتطوّر عالم التكنولوجيا السريع، تطوّرت أيضاً أدوات الصحافة، وتقنياتها، وأساليبها، كما حدث في العديد من الميادين الأخرى. وليست التكنولوجيا وحدها ما فرض هذا التطوّر، بل الجمهور أيضاً الذي واكب التغيّرات الحديثة، و نمت لديه ميول جديدة في القراءة، و استقاء المعلومات،و هذا ما أثّر مباشرة في الصحافة التي وجدت نفسها تنتقل شيئًا فشيئًا، من عالم السرد التقليدي، إلى العالم الرقمي الذي يحوي تحدّيات جديدة، وقوالب متنوّعة. ولم يعد هذا الانتقال جزءًا من التطوّر فحسب، بالضرورة هو للبقاء،و لا سيّما بعد ميل إيرادات الإعلان أكثر فأكثر، إلى العالم الرقمي.
وإذا كانت بعض المؤسسات الإعلامية “التقليدية”، محرجة في مواجهة التطوّر الرقمي، إذ اضطرت إلى كسر القوالب النمطية وتقديم المواد الإعلامية تقديمًا جديدًا جاذبًا للجمهور مستندًا إلى التقانات الحديثة،فالقائمون بالاتصال واجهوا تحدي الانتقال الرقمي. فالصحافي، لذلك، يخرج عن الدورة المعتادة في العمل الصحافي أي جمع المعلومات والكتابة ثم النشر، وقد بات مطلوباً منه أن يجمع في عمله مهارات الصحافة المكتوبة و الإذاعة و التلفزيون. و لما كانت الأدوات الرقمية تحوي وسائط متعدّدة، من نصّ، وفيديو، وصورة، وصوت، أصبحت مهمّة القائم بالاتصال تتجاوز ذلك أيضاً، لتشمل المهارات المختصّة بالعالم الرقمي فقط، مثل استخدام الكلمات المفتاح، و الكتابة بحسب معايير تحسين الموقع، في محرّكات البحث (SEO)[1]، و استخدام الواجهة الخلفية للموقع (Backend)، بكلّ ما يتطلّبه ذلك، من معرفة وإتقان للأساليب الجديدة، ومهارات معاملة الحاسوب، زيادةً على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
وهذا التحدّي الذي يواجهه القائمون بالاتصال، إشكالية مطروحة عالمياً، وتنكبّ الدراسات والأبحاث، اليوم،على تحديد أسس الانتقال، من الإعلام التقليدي، إلى الرقمي بسلاسة، على الصعوبات كلها. ينقل باحثون أستراليون في كتاب لهم صادر في العام 2011: “الصحافيين هم، حقًا، في أزمة ويعانون للمحافظة على أدائهم، ضمن الإعلام الرقمي، فالمطلوب منهم تعلّم حزمة ضخمة من التقانات الجديدة والأدوات، لكي يستطيعوا الاستمرار في عملهم”[2].و تصف الصحافية الأميركية لوري لينش، تحدّيات القائمون بالاتصال،في هذا المجال بـ”محو الأمية الإعلامية” (Media Literacy)، فكأنّهم يدخلون عالماً جديداً، حيث يجب أن يستخدموا أكثر من تقانة إعلامية لإعداد مادة واحدة. فالصحافي، زيادةً على المهارات التقليدية التي يجب أن يمتلكها، لا بدّ من أن يكون ملّماً بالحاسوب، وأحدث تقانات الإنترنت، والتصوير، والمونتاج، وجمع المادة، وتحميلها،ثم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي[3].
و في البلدان العربية، التحدّيات هي نفسها، لا بل أكثر بروزاً، لسيطرة الإعلام التقليدي على المحتوى الصحافي، سواء ألصحف المكتوبة،أم الإذاعات،أم محطّات التلفزة، و لا سيّما الرسمية منها. لذا أردنا بهذه الورقة البحثية، طرح الإشكالية التالية: هل الانتقال من المؤسسات الإعلامية التقليدية، إلى العالم الرقمي سلس للقائمين بالاتصال في لبنان؟ وهل يملكون المعارف اللازمة، لينشطوا في هذا المجال الجديد والمتطوّر؟. في محاولة للجواب عن هذه الإشكالية، اعتمدنا على دراسة ميدانية تستهدف المواقع الإلكترونية اللبنانية، حيث وزّعنا استبيانًا، بين خمسين صحافيًا ناشطًا في هذه المواقع[4]. وقد انقسم الاستبيان إلى ثلاثة أجزاء رئيسة: المعلومات الخاصة بالقائم بالاتصال، القسم الخاص بالانتقال إلى العالم الرقم، القسم الثالث عن اختبار المعرفة الإلكترونية. وقد استهدفنا،بهذا الاستبيان،معرفة تحديات القائمين بالاتصال، قدر الإمكان، و هو ما يساعد على فهم حاجاتهم، لكي يكونوا أكثر اندماجًا بالعالم الرقمي.
أولاً: البيانات الوصفية الخاصة بالصحافيين المستطلعين:
وزّع الاستبيان بين صحافيين يعملون ضمن غرفة تحرير الأخبار، في المواقع الإلكترونية المبينة في الأعلى، وقد أتت الفئات العمرية موزّعة، على النحو التالي: 36.7٪ من المستطلعين أكبر من 32 سنة، و10٪ أقل من 25 سنة، في حين سجّلت، أيضاً، نسبة 20٪ للفئة العمرية التي تتقلّب بين 25 و 28 سنة، و33.3٪ للفئة المتقلبة بين 29و31 سنة. ويمكن ملاحظة سيطرة فئة الشباب في العشرينيات، على غرف التحرير الخاصة بالمواقع الإلكترونية المحلية.
أمّا في ما يخصّ سنوات الخبرة، فـ46.7٪ من المستطلعين كان لديهم خبرة تتقلّب بين 6 و8 سنوات و40٪ ذوو سنوات خبرة تتقلب بين3و5 سنوات، في حين سجّلت نسب منخفضة لأقلّ من سنتي خبرة (6.7٪) وأكثر من 9 سنوات خبرة (6.7٪). وذلك يظهر أنّ الصحافيين الشباب العاملين في المواقع، لم يتأخروا كثيرا قبل الدخول إلى العالم الرقمي، بعد تخرّجهم، و لا سيّما أنّ الفرص المتاحة فيه، هي أكثر وفرة، مقارنة بالمؤسسات الإعلامية التقليدية.
وكان لافتاً ،عند سؤال القائمين بالاتصال عن القسم الذي يعملون فيه ضمن الموقع الإلكتروني، أنّ 56.7٪ يعملون في أكثر من قسم وليس لديهم تخصّص معين، وذلك يظهر الحاجة إلى تعدّد المهامّ، ضمن العالم الرقميّ،بخلاف المهامّ المحدّدة أكثر في الإعلام التّقليديّ. أمّا القسم السياسيّ، فأتى في المرتبة الثانية (36.7٪)، ثم الأقسام الاجتماعيّ والاقتصاديّ والترفيهي (3.3٪).
ثانياً: الانتقال إلى العالم الرقمي:
إنّ الانتقال من الصحف، و الإذاعات، ومحطّات التلفزة، إلى المواقع الإلكترونية، بات أمراً متداولاً وشائعاً في لبنان.
ولا سيّما بعد إقفال العديد من المؤسسات الإعلاميّة،نذكر منها حديثاً صحيفة “السفير”، والأزمات المالية التي تشهدها العديد من المؤسسات الأخرى. وقد تبيّن في الاستبيان أنّ 36.7٪ من المستطلعين عملوا في مؤسسات غير إلكترونية من قبل،في حين عمل63.3٪ فقط، في المجال الإلكتروني، منذ بدء عملهم في الصحافة. وقد طلبنا إلى الصحافيين الذين انتقلوا من مؤسسة غير رقمية الى الموقع، أن يصفوا هذا الانتقال،و سلاسته، أو صعوبته. وقد أتت النسبة العالية لافتة، لأنّ 68.4٪ من المستطلعين واجهوا التّحدّيات خلال انتقالهم، و26.3٪ رأوا أنّه قليل السلاسة،و5.3٪ فقط وصفوه بالسلس.
والصعوبات التي يتطرق إليها الصحافيون،تتّضح في السؤال التالي عن امتلاكهم المعرفة الكافية للإعلام الإلكتروني، قبل بدء العمل فيه. فـ63.3٪ منهم كانت معرفتهم محدودة، و33.3٪ لم تكن لديهم أي معرفة لهذا العالم الجديد، في حين أجاب 3.3٪ فقط بأنّ لديهم معرفة كافية. أمّا مصدر المعرفة، فقد اقتصر أساسًا على البحث الشخصي، والتجربة الخاصة (96.7٪)، أمّا الدراسة الأكاديمية فقد سجّلت نسبة 3.3٪ فقط. وهذا ما يبيّن وجود عقبة رئيسة، فيما يرتبط بالمعارف والمهارات التي يكتسبها الصحافيون في الجامعة، والتي لا تواكب التطوّرات التكنولوجية،و هو ما يضطرهم إلى البحث، و التجريب، و حضور الندوات، وورش العمل لتحسين أدائهم، وإمكانية خوضهم معترك الإعلام الإلكتروني.
لكن هذه “الأمية” الإلكترونية،كما تصفها الصحافية الأميركية، لا تتوقف عند حدود الدراسة الجامعية. فهناك تحدٍّ آخر للصحافيين،هو التّدرّب على تقنيات الصحافة الرقمية، في مكان العمل، وقبل المباشرة بالمهامّ، لكي يكون الأداء مناسباً للموقع، لا مماثلاً لما كانوا يقومون به، من مهام تقليدية،في عملهم السابق. فعند سؤال المستطلعين عن تدريبهم على تقنيات الصحافة الرقمية، عند بدء العمل في الموقع، تبيّن أنّ 60٪ تدرّبوا تدرّبًا بسيطًا جداً فقط، و10٪ لم يتدرّبوا قط، في حين أنّ هناك 30٪ منهم حصلوا على التدريب المناسب. وذلك يمكن أن يكون عاملاً مؤثراً جداً في المجال الإلكتروني. فالضعف الأكاديمي لا يعوّض تعويضًا كافيًا،في مكان العمل، بل يمكن أن يستكمل الصحافي مسيرته الإلكترونية،بلا تدريب. ومن الأمور اللافتة، على مستوى تدريب الصحافيين، أنّ الفئة التي أجابت أكثر بأنّها لم تحظَ بالتدريب الكافي، قادمة من تخصّص الصحافة المكتوبة،مع الحاجة الماسة إلى ذلك، وهذا ما أظهره تحليل ” اختبار مرّبع كاي”، بوساطة برنامج SPSS.
وكان لافتاً أنّ الأشخاص الذين لم يتدرّبوا قط،انحصروا ضمن فئة عمرية معيّنة، وهي ما فوق 29 سنة. ذلك ينبّه إلى خلل لافت في هذا المجال، فكلّما تقدّم الصحافي في السنّ كان أكثر حاجة إلى التدريب، وتجاهل ذلك يمكن أن يحدّ من تطوّره في العمل.
أمّا الصحافيّون الذين تدرّبوا على التقنيات الجديدة، فقد واجه 64٪ منهم صعوبات بسيطة في التدريب، و28٪ رأوه صعباً جداً ، في حين كان سهلاً لـ8٪ فقط من المستطلعين. و لذلك يتبيّن أيضاً أن ّالتدريب إن كان ضمن مكان العمل؛ فليس سلساً للقائمين بالاتّصال، ويمكن أن يعود ذلك الىشخصيّة المدرِّب، و طريقة التدريب، و الفترة الزمنية، وغيرها من العوامل المؤثرة.
وقد سألنا الصحافيين الذين تدرّبوا، عن كون التدريب أساساً لقبولهم في العمل، وإلزامياً للانتساب إلى الموقع الإلكتروني؛ فذلك يمكن أن يحفّز التعلّم، إلا أنّ النتيجة أظهرت أن ذلك لم يكن عاملاً مؤثراً في التوظيف، عند 56.7٪ من المستطلعين، أي نصف المستخدمين تقريباً ، في حين رأى43.3٪ أنّ التعلّم ضرورة لبدء العمل. وذلك يبيّن أنّ هنا كعوامل أخرى غير المهارة والتدريب،تحدّد قبول الصحافيين في العالم الرقمي. للبحث عن أبرز هذه العوامل، أجرينا تحليل “إختبار مرّبع كاي”، لربط التدريب الإلزامي بمختلف المتغيّرات، ليتبيّن أنّ هناك رابطًا لأهمية التدريب بهوية الموقع. ففي المواقع الحزبية (ليبانيز فورسيس وموقع الكتائب)، أتت النسبة 100٪، لعدم عدّ التدريب إلزامياً للقبول، وذلك يبين أنّ التوظيف في بعض المواقع، ليس مهنياً، بل هناك عوامل أخرى مؤثرة، كالانتماء الطائفي والحزبي. في حين تقلّ هذه النسبة على نحو لافت، في المواقع ذات النزعة الاحترافية،والتي تبغي الربح مثل موقع المؤسسة اللبنانية للإرسال.(66.7٪) رأوا أنّ التدريب كان الزامياً للتوظيف، وموقع (أمتيفي) حيث وصلت النسبة الى 100%.
وقد حاولنا ربط هذه المسألة بالاستراتيجية المعتمدة في الموقع الإلكتروني، أي بكون الصحافي مسؤولاً عن الكتابة أو التحميل أو كليهما. و ذلك كلّه يتطلّب مهارات،زيادةً على المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي. فإذا كان التدريب غير أساسي،لقبول الصحافي في بعض المواقع الإلكترونية، فمن البداهة ألا يوكل إليه مهام تتعدّى تلك التقليدية التي يقوم بها. لكن ما تبيّن من”تحليل مرّبع كاي”،أنّ الصحافي نفسه في المواقع الحزبية، يكتب، ويحمّل المواد الإعلامية، ويشارك فيها على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك ينطبق أيضًا على معظم المواقع الالكترونية. حتّى لو لم يُعَدَّ التدريب مُلْزِمًا للعمل في الموقع، فالصحافي يجد نفسه إزاء مهامّ تتطلّب مهارات عدّة لمعاملتها.
وما بيّنه هذا القسم من الاستبيان، أنّ هناك فقدانًا لإستراتيجية واضحة، لعمل الإعلام الإلكتروني في لبنان، في ما يتعلق بالتوظيف والتدريب ونقل المهارات. فلكلّ موقع طريقته الخاصة في معاملة هذا الموضوع،بحسب سياساته الخاصة وأهدافه. والصحافي يدخل إلى هذا العالم غير المنتظم بعد، وعليه أن يجاري التطوّرات السريعة، بمهارات محدودة، وتدريب غير كافٍ، في معظم الحالات. وذلك يثير تساؤلات بديهية عن النتائج المتوقعة، و أداء القائم بالاتصال المرتقب ،خلال هذه الظروف.
ثالثاً: اختبار المعارف الإلكترونية:
في القسم الثالث من الاستبيان، سعينا إلى الإضاءة على معارف القائمين بالاتصال الإلكترونية ، فذلك ضروريّ لتحديد تحدّياتهم المعرفية. وقد طرح عليهم سؤال عن طريقة اختيارهم للموضوعات التي سيعدّونها وينشروها على الموقع الإلكتروني،لتحديد مقدار معرفتهم بالتقانات الرقمية وأهمية العمل بالكلمات المفاتيح (Keywords) لتحسين الأداء على محرّكات البحث، وهو ما تطرقنا إليه سابقاً بـSEO، إلا أنّه تبيّن أنّ 3.3٪ فقط من المستطلعين، يعملون بحسب الكلمات المفاتيح،في حين يركّز 83.3٪ منهم على الأحداث الآنية فقط. وذلك يبرز تعويلهم على عامل السرعة الذي يمكن أن يستفيد منه الموقع، لمواجهة المواقع الأخرى، و لكن من غير أن يحقّق تقدماً لافتاً في محرّكات البحث، إذا لم تكن طريقة كتابة المادة الإعلامية وإعدادها ترتكز على تقانات التحسين المذكورة سابقًا. أمّا النسبة المتبقية من المستطلعين أي 13.5٪، فيعملون بحسب تعليمات إدارة التحرير فقط، لتحديد ما سينشرونه؛ فهذا يعني وجودهم في موقع غير مقرّر لصناعة المحتوى.
وقد بيّن تحليل “اختبار كاي”، أنّ للعمر دورًا أساسيًا،في تحديد معالجة الصحافي للموضوعات التي سيعمل عليها، وينشرها. فالصحافيون الذين تقلّ أعمارهم عن 25 عاماً، هم الأكثر استخداماً للكلمات المفاتيح، وكلّما زاد السنّ مال الصحافي أكثر إلى الأخبار السريعة، أو تعليمات إدارة التحرير. وذلك يمكن أن يبيّن وعي الصحافيين الشباب لأهمية التقانات الجديدة وانفتاحهم اللافت على التكنولوجيا، وهذا أمر يمكن استثماره لتحقيق أفضل النتائج، تحسينًا لأداء الموقع والمواد المنشورة.
وتكملة للسؤال السابق، سعينا إلى تحديد مقدار معرفة الصحافيين بتقانات تحسين محركات البحث وأسس الكتابة الإلكترونية التي تحقّق هذا الهدف، إلا أنّ نصف الصحافيين، لديهم معرفة بسيطة جداً لهذا الموضوع، و10٪ ليس لديهم أي معرفة قط، وهذه النسبة مرتفعة جداً،وتدلّل على خلل معرفي كبير. فإذا عدنا إلى المراجع العالمية، وما تعمل عليه المواقع الإلكترونية المتقدّمة، لا يمكن للصحافي ألا يتمكّن من هذه المهارات الأساسية، للعمل في الصحافة الرقمية. يقول جوليان سامبلز المدير المسؤول عن تطوير قاعدة الجمهور، في موقع صحيفة The Telegraphالبريطانية الإلكتروني:”الـSEO يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من الكتابة الإلكترونية لأي مادة كانت. وكلّ صحافي سيعمل في موقع إلكتروني يجب أن يتدرّب على هذه التقانات، بمساعدة خبراء في تحسين محرّكات البحث، ليستطيع بعد ذلك العمل وحده وتحقيق نتائج ممتازة”. وفي هذه الصحيفة، هذه المهمّة من الأدوار الموكلة إلى الصحافيين أنفسهم،لا إلى الفريق التقني، فالصحافي يجب أن يكون مسؤولاً عن مادته بتفاصيلها كلّها، وهذه هي أسس الصحافة الرقمية العصرية[5].
لكن ننبّه في هذا السياق إلى أنّ “تحليل مربّع كاي” أظهر أنّ هناك علاقة لمعرفة الـSEOبهوية الموقع. فكلّما نزع إلى الاحتراف مثل موقع المؤسسة اللبنانية للإرسال وموقع محطّة الأمتيفي، كان القائمون بالاتصال أكثر انخراطاً في هذا المجال. وفي المواقع الأخرى لا تولى أهمية كبرى لهذا الموضوع، وهذا ما يجعلها في مستوى الأداء نفسه من غير أي تحسّن أو تطوّر. لذا يتبيّن ممّا تقدّم، أن ليس كلّ صحافي يعمل في موقع إلكتروني، على دراية كافية، بل ترتبط المهارات بالمكان الذي يعمل فيه. و إن أراد الصحافي تحسين قدراته، يحتاج إلى الانتقال إلى موقع إلكتروني ذي أداء أفضل، ليؤثر ذلك فيه شخصياً.
بعد التطرّق إلى تقنية الـSEO التي تُعَدُّ من أبرز أركان العمل الالكتروني، سعينا إلى الإضاءة على مسائل أخرى مرتبطة أيضاً بأداء الموقع، وجودة المواد الإعلامية المنشورة و مقدار معرفة الصحافيين لها وإتقانها. فقد طرح على المستطلَعين سؤال عن أسلوب الكتابة وقراءته: أسهلة هي أي القراءة أم متوسطة الصعوبة أم صعبة جدًا؟.وقد أتت النسبة الأعلى (53.3٪) في المستوى المتوسط، ولكن هناك نسبة جيدة من القائمين بالاتصال يميلون إلى الأسلوب السهل (40٪)، في حين أتت النسبة منخفضة، لمن يعتمد الأسلوب الصعب (6.7٪). وذلك يظهر تبدّلاً في أسلوب كتابة الصحافيين، وإن تكامل الأسلوب و اعتماد تقانات تحسين محركات البحث، يمكن توقّع نتائج أفضل على مستوى الأداء.
ولما كانت طرق قابلية المسح، لها أهمية كبيرة في طريقة عمل الصحافيين الإلكترونيين، ولها دور أساس في جذب القارئ، ودفعه إلى القراءة (قوائم النقاط، قوائم الأرقام، العناوين الفرعية، اختلاف اللون والأحجام في الكتابة)، فقد سألنا المستطلعين عن مدى استخدامهم لها، وتبيّن أنّ 20٪ منهم يستخدمونها في موادهم كلّها، في حين أنّ40٪ يلجأون إليها من وقت إلى آخر،من غير أن يكون ذلك جزءاً أساسياً من مادتهم الإعلامية، و40٪ لا يستخدمونها أبداً. وذلك يبيّن أهمية تكامل أسلوب الكتابة وطريقة تنظيم النصّ لتسهيل القراءة والتخفيف معدلّات الارتداد (Bounce Rate) التي تظهر الجلسات التي غادر فيها المستخدم الموقع الإلكتروني من صفحة الدخول من غير التفاعل مع الموقع.
20٪ من المستطلعين فقط، لهم دور في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وهم يشاركون مادتهم مباشرة على الـ”سوشيل ميديا”، ويراقبون تأثيراتها.و نسبة الصحافيين غير الناشطين هي الأعلى في هذا المجال (43.3٪)، في حين أن36.7٪ من الصحافيين كان لهم دور محدود فيه. وقد لوحظ من”تحليل مرّبع كاي” أنّ النسبة الأعلى من القائمين بالاتصال، غير المشاركين في مواقع التواصل الاجتماعي، هم في الفئة العمرية فوق 32 سنة. فكلّما انخفض عمر الصحافي، كان أكثر انخراطاً في هذا المجال، ولذلك يمكن التعويل على الطاقة الشبابية فيه ، والعمل على تطويرها، ليكون الصحافيون أكثر مهارة في استخدام الـ”سوشيل ميديا”، و هذا ما يؤثر إيجاباً في أداء الموقع الإلكتروني.
وهناك مسألتان أخريان ركّزنا عليهما في الاستبيان. وقد ارتبطت المسألة الأولى باستخدام الصور في المادة الإعلامية التي يعدّها القائم بالاتصال ومصدرها. فتبيّن أنّ 63٪ من الصحافيين يعتمدون على صور الوكالات أو الصور الجاهزة (Stock photos) التي تتيحها العديد من المواقع العالمية وتتكرّر على أكثر من منصّة. و21٪ من المستطلعين يعتمدون على الصور التي يلتقطها المصوّر الخاص بالموقع بكاميرا احترافية، في حين سجلّت نسبة منخفضة (16٪) للصحافيين الذين يصورون بأنفسهم. علماً أنّ التصوير بات من مهارات الصحافي الإلكتروني المطلوبة، و إن لم يكن محترفًا، لأن الصورة باتت تعبّر على الموقع أكثر من الكلمة، والمستخدم يحتاج إلى رؤية مجموعة من الصور، لا واحدة فقط، فمن المهمّ جداً أن يبذل الصحافي الجهد، لاستكمال مادته بصور خاصة. و الميل الصحافي العالمي اليوم ينصبّ على تدريب الصحافيين على استخدام هاتفهم الذكي الذي يملكونه لتحقيق هذه المهمّة، فهم يحملون بين أيديهم كاميرا ذات جودة عالية، ولا تعرّضهم للخطر إن وجدوا في مكان نزاع، ولا يمكنهم التقاط الصور فقط،بل المشاركة فيها مباشرة على الموقع الإلكتروني،أو مواقع التواصل الاجتماعي، من غير الحاجة إلى الانتظار ،كما هو الحال في الكاميرا الاحترافية. و ينبّه الباحث الإعلامي الأسترالي دانيال بالمر في هذا السياق، إلى أنّ الموبايل غيّر عالم الصحافة كلّه، وقلب المعايير، و لا سيما أنّه أظهر صحافة المواطن أو Citizen Journalism، إذ يمكن لأي شخص أن يكون صحافياً، ويراسل من المكان الذي يوجد فيه. فكيف يكون حال الصحافي الذي يملك هاتفاً ذكياً، ولا يستغله استغلالًا كافيًا،لإعداد مادة رقمية متكاملة تجذب المستخدم؟ ولا سيما أنّه يطلب صوراً حقيقية حتّى لو كانت عفوية وغير منمّقة كما في الصور الاحترافية[6].
أمّا المسألة الثّانية فترتبط بالفيديوهات، فمن المعروف أنّ الإعلام الإلكتروني اليوم يستند استنادًا كبيرًا إلى مقاطع الفيديو خصوصاً التي تصوّر تصويرًا مباشرًا ضمن الحدث ثم تنقل على الموقع أو مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنّ نتائج الاستبيان بيّنت أنّ الصحافيين في المواقع الإلكترونية اللبنانية،لا يُولُون هذا الموضوع الاهتمام اللازم، فـ25٪ منهم فقط يصوّرون فيديوهات،خلال وجودهم على أرض الحدث، ويكون ذلك باستخدام هاتفهم الذكي. في حين يعتمد الصحافيون الآخرون على الصور الجاهزة أو التي ترد من الوكالات. وهذا أيضاً يدل على خلل في فهم العمل الإلكتروني، وما يحتاج إليه لكي يكون ناجحاً، فالفيديو من أساسيات النشر الرقمي، وتجاهله يعني إسقاط عنصر فاعل جداً في تنشيط الموقع.
وفي نهاية الاستبيان، طُرِحَ على الصحافيين السؤال الأخير عن طريقة تقويم رئاسة التحرير، أو الهيئة الموكلة بذلك،المواد الإعلامية التي ينشرونها، و عن اعتماد ذلك على عدد المشاهدات، والتفاعلات مع المادة. وقد أجاب 46.7٪ من المستطلعين بأنّ التقويم يكون وفق معايير أخرى غير التي ذكرت،في حين أن هناك 16.7٪ منهم أجابوا بأنّه ليس هناك تقويم قط للمواد التي ينشرونها. أي أنّ 36.7٪ من الصحافيين المستطلعين يُقَوَّمُون تقويمًا حقًّا، ولكن هذه النسبة منخفضةٌ،باعتبار أنّ المواقع الإلكترونية لا يمكن أن تحرز مراتب متقدّمة، وتحسّن أدائها، إن لم تُقَوِّم الموادّ المنشورة بالتَّحقُّقِ من إثارتها انتباه المستخدمين واهتمامهم. وقد لوحظ -أيضاً -من “تحليل مربّع كاي”، أنّ المواقع التي لا يكون فيها تقويم للمواد المنشورة، هي ذات ميول حزبية في الأغلب، ويكون ذلك لأنّها تحاكي مجموعة محدودة جداً من الأفراد، ولا تسعى إلى تحقيق مستوى احترافي. في حين كانت نسبة التقويم وفق معايير المشاهدات والتفاعلات عالية (100٪)، في المواقع التي تتوخى الربح،وتسعى إلى احتراف العمل الإلكتروني مثل موقع المؤسسة اللبنانية للإرسال وموقع أمتيفي.
خاتمة:
إنّ المشهد الإعلامي الإلكتروني في لبنان، لديه اتجاهات إيجابية،استنادا إلى كلّ ما تقدّم، بوفرة المواقع الإلكترونية،ولاسيّما في المجال الإخباري، أو بحصولها على هامش جيّد من الحريات، ومساحة للعمل بلا قيود لافتة، و إنما هناك عوائق بنيوية يمكن أن تمنع تطوّر هذا المشهد، وذلك يرتبط،خصوصاً، بالقائم بالاتصال الذي يجد نفسه في عالم متغيّر ومتبدّل، من غير توجيهات واضحة إلى أسس العمل في هذا الميدان الجديد.
فالمهارات التي يكتسبها الصحافيون في الجامعة،لا تكفي لخوض معترك الإعلام الإلكتروني، وهم يحتاجون إلى بناء تجربتهم المهنية الخاصة، ولكن ذلك سيرتبط بهوية الموقع الإلكتروني الذي يعملون فيه. فالمهارات المتقدّمة لا تتوفّر إلا في عدد محدود جداً، من المواقع المحلية التي تتبع مؤسسات إعلامية كبرى. أمّا المواقع ذات التأثير المحدود، أو ذات الميول الحزبية، فهي لا تتيح التدريب اللازم للقائم بالاتصال، لكي يكون حَقًّا صحافياً إلكترونياً. وهذه الصعوبات التي يواجهها الصحافي لها تأثير مباشر في أدائه، ومدى قدرته على التفاعل مع المتلّقي الذي أصبح أكثر تطلُّبًا، ومعرفة لأبرز أساليب النقل الإعلامي.
لذلك هناك حاجة ماسة إلى العمل على مسائل عدّة، ترتبط بمهارات القائمين بالاتصال في المجال الإلكتروني:
– تطوير منهج الدراسة الجامعي، ليحصل الصحافي على المعارف اللازمة التي تخوّله في الأقلّ الانطلاق في هذا العالم الذي يتطوّر تطورًا متسارعًا، وعدم حصر المواد المرتبطة بالإعلام الإلكتروني، في المجال النظري،بل تَعَدِّيها إلى التطبيقي.
– تنظيم ورش عمل وطنية للصحافيين بمعاونة وزارة الإعلام واستقدام خبراء دوليين في الإعلام الإلكتروني. ومن البرامج التي يمكن تفعيلها في لبنان ما تقوم بها شبكة “أريج – إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية” حيث تنظّم ورش العمل الدورية بمعاونة خبراء في عالم “الديجيتال”،لتطوير مهارات الصحافيين، كي يستفيدوا من التكنولوجيا الجديدة،تطويرًا لطريقة عملهم، وتقديمًا لموادّ مبتكرة لها تأثير في المستخدم،أكبر من الموادّ ذات القوالب التقليدية او النمطية.
-إتاحة التدريب المعمّق في المواقع الإلكترونية كلّها، فترة زمنية تحدَّد بحسب مهارات الصحافي، فإدارات المواقع ستحقّق منافع كثيرة من هذا التدريب،و سيكون لديها طاقم عمل ماهر ومتقن لاستخدام التكنولوجيا الجديدة. أمّا تجاهل أهمية التدريب، فيُصَيِّر الموقع الإلكتروني وسيلة إعلامية تقليدية، لكن تنشر موادَّها على الانترنت.
– تقويم القائم بالاتصال تقويمًا مستمرًا،وفق المعايير العالمية الموضوعة للصحافة الرقمية، فذلك يساعده كثيراً على تطوير أدائه وتحسين مهاراته.
– أخيراً، من المهمّ أن يدرك الصحافي نفسه أنّ الانتقال إلى العالم الرقمي ليس خطوة سهلة وهي تشمل العديد من التحدّيات والعوائق لكنّها في الوقت نفسه كما ذكرنا في المقدّمة “ضرورة للبقاء”. وفي تطور التكنولوجيا السريع، لا يمكن تعلّم الأساسيات والتوقف عند حدود ذلك، فالصحافة الرقمية اليوم تفرض تطويراً شخصيًّا شبه يومي بالمطالعة والبحث.
قائمة المراجع :
المراجع الأجنبية :
- Barbara Alysen, Mandy Oakham, Roger Patching & Gail Sedorkin, Reporting in a multimedia world, Sydney: Allen and Unwin, 2011.
- Lorrie Lynch, Exploring journalism and the media, South-Western Cengage learning, 2013.
- Jeff Kaye & Stephen Quinn, Funding journalism in the digital age, New York: Peter Lang Publishing.
- Gerard Goggin & Larissa Hjorth, The Routledge companion to mobile media, London: Routledge.
[1]SEOهي اختصار تعبير “Search Engine Optimization” الّذي يدلّ على تقنيات تحسين ظهور الموقع الإلكتروني في نتائج محركات البحث، وذلك بدراسة كيفية عمل محرّكات البحث، والعوامل المؤثرة في ترتيب النتائج.
[2]Barbara Alysen, Mandy Oakham, Roger Patching & Gail Sedorkin, Reporting in a multimedia world, Allen and Unwin,Sydney, 2011, p.6
[3] Lorrie Lynch, Exploring journalism and the media, South-Western Cengage learning, 2013, p.28
4 المواقع الإلكترونية التي شملتها الورقة البحثية هي التالية:
– النشرة:www.elnashra.com
– ليبانون 24: www.lebanon24.com
– ليبانونفايلز: www.lebanonfiles.com
– موقع المؤسسة اللبنانية للإرسال: www.lbcgroup.tv
– موقع محطّة المنار: www.almanar.com.lb
– موقع ليبانيزفورسيس: www.lebanese-forces.com
– موقع محطّة الجديد: www.aljadeed.tv
– موقع محطّة أمتيفي: www.mtv.com.lb
– موقع تياردوتأورغ: www.tayyar.org
– موقع ليبانونديبايت: www.lebanondebate.com
– موقع صحيفة الأخبار: www.al-akhbar.com
– موقع صحيفة الجمهورية: www.aljoumhouria.com
– موقع حزب الكتائب:www.kataeb.org
[5] Jeff Kaye & Stephen Quinn, Funding journalism in the digital age, Peter Lang Publishing, New York, p.43
[6]Gerard Goggin & Larissa Hjorth, The Routledge companion to mobile media, London, Routledge, p. 245