
مفهوم السيادة النصفية للمخ و القدرات اللغوية للنصف الأيسر والأيمن من المخ
د.يمينة عطال/جامعة باتنة،الجزائر
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الإنسانية والإجتماعية العدد 37 الصفحة 9.
ملخص :من المصطلحات الشائعة التي ارتبطت بوظائف المخ مفهوم السيطرة المخية أو السيادة النصفية للمخ،ومن خلال دراسة تاريخ بداية البحث في وظائف المخ ونصفي الكرة المخية يتضح أن مفهوم السيطرة المخية أو السيادة النصفية للمخ يرجع إلى عالم الأعصاب جاكسون بفكرته عن الجانب القائد من الدماغ.
وقد أشار إلى هذا المفهوم أيضا عالم الأعصاب هيوغوليبمان (Hugo Liepman)، حيث أشار إلى سيطرة النصف الأيسر لدى معظم الأفراد، وبين أن النصف الأيسر من الدماغ هو الذي يسيطر على الحركات الإرادية واللغة والمنطق وبالتالي ظهر مصطلح السيادة النصفية للمخ.
ويمكننا القول ان أساس البحث في هذا المفهوم هو البحث في القدرات اللغوية للنصفين الكرويين للمخ ، فقد كان اهتمام الباحثين منصبا حول أي النصفين يضطلع بقدرات لغوية اكثر من الثاني ، أو بمعنى أخر أي النصفيين الكرويين للمخ له السيادة في الوظائف اللغوية المختلفة سواء الشفوية أو المكتوبة ، اللفظية أو غير اللفظية .
لذا يمكننا ان نقسم عناصر هذا المقال الى عنصريين أساسيين الأول حول مفهوم السيادة النصفية للمخ ومختلف التعاريف والمميزات هذا المصطلح.
والثاني حول القدرات اللغوية للنصفيين الكرويين للمخ ، أي ماهي وظائف كل نصف كرة مخية فيما يخص فهم واستقبال اللغة أو انتاجها بكل اشكالها واقسامها .
الكلمات المفتاحية : السيادة النصفية للمخ – النمط الأيسر – النمط الأيمن – النمط المتكامل – الوظائف اللغوية للنصف الأيسر – الوظائف اللغوية للنصف الأيمن.
مقدمة:
المخ أكبر معجزة لله في خلقه،حير ومازال يحير العلماء الى يومنا هذا، وفي العصور القديمة حيكت حوله الاساطير والخرافات وحاولوا سبر اغواره بشتى الطرق الوسائل حتى اللاإنسانية أحيانا.
ويعتبر المخ القائد بلا منازع فهو الذي يستقبل وينظم ويخطط وينفذ ويتحكم في كل الوظائف الحيوية الإنسانية وفي كل القدرات والسلوكيات الإنسانية .
إن الجهاز العصبي بأقسامه البسيطة والمعقدة، يقوم بإدارة حياتنا الجسمية والنفسية والاجتماعية، بتناسق وتكامل متناه، وسلامته هي أساس قدراتنا على استقبال واستيعاب المثيرات الداخلية أو الخارجية، والقدرة على التكيف والتفاعل مع العالم المحيط بنا.
ويقوم الجهاز العصبي بالسيطرة على أجهزة الجسم المختلفة، لضبط وتكييف وتنظيم العمليات الحيوية المختلفة الضرورية للحياة بانتظام، وينقسم الجهاز العصبي إلى قسمين أساسيين هما الجهاز العصبي المحيطي أو الطرفي والذي يحتوي على جميع الخلايا العصبية المنتشرة في الجسم عدا الدماغ والحبل الشوكي، وتتمثل وظيفته الأساسية بنقل المعلومات بين الجهاز العصبي المركزي وأعضاء الجسم المختلفة كالحواس والجلد والمعدة وغيرها.
أما الجهاز العصبي المركزي، فهو يتألف من الدماغ والحبل الشوكي وتشتمل على المراكز الدماغية التي تتحكم في التذكر والتفكير والأعمال الإرادية، وكذا الأفعال الانعكاسية.
أولا – مفهوم السيادة النصفية للمخ :
تعددت مسميات السيادة النصفية للمخ بتعدد واختلاف الأطر النظرية التي تناولتها منها: السيطرة الدماغية أو السيطرة المخية، أنماط التعلم والتفكير، أنماط معالجة المعلومات، التجنيب، الجانبية المخية، التخصص المخي… إلى غيرها من المرادفات.
ويعرفها سبرنجر، دوتش (Springer et Deutsch, 2003) : “تميز أحد النصفين الكرويين للدماغ بالتحكم في تصرفات الفرد”.
ويعرفها بول تورانس (1982P. Torance,) بأنها : “ميل الفرد إلى أن يعتمد على أحد نصفي المخ أكثر من الآخر في معالجة المعلومات الواردة إليه”. [1]
ويعرفها غبرس (1995) :”السيطرة الدماغية مفهوم يقصد به أن المراكز العصبية الموجودة في أحد النصفين أكثر نشاطا وتأثيرا في سلوك الفرد من المراكز العصبية الموجودة في النصف الآخر، وقد يسيطر أحد النصفين على سلوك الفرد”. [2]
أما الشقيرات (2005) فيفرق بين ما يسميه الجانبية وهي (Lateralisation) والسيطرة (Dominance) ويقول : “إن اللاتماثل في وظائف نصفي الدماغ يؤدي إلى مفهوم الجانبية والذي يعني أن وظيفة معينة تتمركز في جانب معين من نصف الدماغ، وهي تتأثر بعوامل بيئية ومحددات جينية، مثل: الجنس واليدوية، وهو مفهوم نسبي وليس مطلقا، أما السيطرة فتشير إلى الفروق بين نصفي الدماغ في التخصص الوظيفي… وعندما نقول أن اللغة متمركزة في النصف الأيسر فكأننا نقول أن هناك سيادة أو سيطرة للنصف الأيسر على الأيمن بالنسبة للغة”.[3]
أما برنار كادي (Bernard Cadet, 1998) فيستخدم مصطلح اللاتماثل المخي (L’asymétrie hémisphérique) ويقصد بها : “لدى الكائن البشري العادي أحد نصفي الكرة المخية يهيمن (يسيطر) وظيفيا على الآخر، وهذا يترجم بطريقة واضحة في الحياة اليومية بكون الشخص أيمن أو أيسر، والتفضيل اليدوي هو إحدى تأثيرات اللاتماثل المخي…”. [4]
رغم المحاولات العديدة للباحثين في شتى المجالات النفسية والنفسوعصبية والمعرفية، لتحديد مفهوم السيادة أو السيطرة المخية، إلا أنه يبقى بعض الغموض يكتنف هذا المفهوم، وذلك لعدم الاتفاق في تعريفه، و كذا تحديد خصائصه وتفسير كيفية استقراره لدى الفرد الواحد، لكن يمكننا أن نوجز أهم خصائص السيادة المخية من خلال التعريفات السابقة فيما يلي.
ـ إن السيطرة أو السيادة المخية ظاهرة نسبية وليست مطلقة، أي قد يستخدم الفرد الواحد أنماطا متعددة لكن الغلبة لأحدها.
ـ إن السيادة المخية لأحد النصفين لا تعني أن النصف السائد هو الذي يقوم بكل النشاطات، والآخر غير المسيطر يبقى خاملا.
ـ إن السيطرة المخية لدى غالبية الناس تكون في النصف الأيسر، وتتضح من خلال الكتابة باليد اليمنى.
ـ تتأثر السيطرة المخية بعامل الوراثة، والخبرة، والجنس، واليد المفضلة.
ثانيا ـ النظريات المفسرة لأنماط السيادة المخية :
لقد تعددت الوجهات النظرية التي حاولت تفسير كيفية حدوث السيادة المخية، أو أنماط معالجة المعلومات الخاصة بكل نصف كروي، فنجد منحيين رئيسيين تمثلا في وجهة النظر البيولوجية، ووجهة النظر النفسية.
أ ـ الاتجاه البيولوجي :
ويمثله العديد من الباحثين المختصين في علم الأعصاب، والفيزيولوجيا، والطب النفسي العصبي، وبدوره يحتوي على عدة اتجاهات أو نظريات حاولت أن تفسر ظاهرة السيادة أو السيطرة المخية ومن هذه النظريات: النظرية التشريحية والنظرية الهرمونية والنظرية الإحصائية.
أ. 1. النظرية التشريحية :
لقد ركزت هذه النظرية على الفروق التشريحية الملاحظة على نصفي الكرة المخية، واختلاف هذه الفروق حسب نمط السيادة أو اليد المستخدمة في الكتابة، وتفترض أن الفروق التشريحية والبنائية بين النصفين الكرويين قد تفسر الفروق أو عدم التماثل الوظيفي بين نصفي الكرة المخية، ومن بين الفروق التشريحية المذكورة ما يلي:
ـ إن الشق الجانبي أو شق سيلفيوس يكون على العموم أطول في الجهة اليسرى.
ـ إن سطح القشرة الجدارية والصدغية الخلفية أكبر حجما في الجهة اليسرى، وكذا المنطقة المسماة المسطح الصدغي (Planum Temporale) التي لها دور في تكامل الجوانب الإدراكية والدلالية لأصوات الكلام، وهذه المنطقة وبالتحديد التي تقع فوق التلفيف الصدغي هي منطقة لغوية مهمة وتضم جزءا كبيرا من منطقة فرنيك ، وتكون أكبر حجما منذ الأسبوع 31 من الإخصاب وهذا التباين في البنية التشريحية بين النصف الأيمن والأيسر له علاقة بدرجة التجنيب الوظيفي للغة، ويلاحظ أن هذه الفروق تكون أحيانا صغيرة أو معكوسة لدى الأشاول (Les gauchers).
ـ هناك عدم تماثل تشريحي آخر يلاحظ على مستوى منطقة بروكا في الفص الجبهي، فمجموع التلافيف والشقوق (Plis) يكون أكثر انتشارا واتساعا في الجهة اليسرى.
ـ النصف الأيمن أكبر حجما وأثقل من النصف الأيسر والقطب (Pole) القفوي الأيسر أعرض ويتجه أكثر إلى الخلف من الأيمن، وهذا يلاحظ أيضا لدى الرضع.
ـ وقد وجد غور وآخرون (1980Gur et al,) أن المادة الرمادية نسبة إلى المادة البيضاء أكبر في النصف الأيسر، خاصة في المناطق الجبهية.
ـ وحديثا اكتشف أن الدوبامين يكون بكميات أكبر في بعض مناطق النصف الأيسر، بينما السيروتونين يكون بتركيز أكبر في بعض مناطق النصف الأيمن، وكذا بالنسبة لـGABA والأستيل كولين. [5]
ـ ويضيف الشقيرات :
* هناك لا تماثل في المهاد، فالنواة الخلفية الجانبية والتي ترسل إلى القشرة الجدارية تكون أكبر في النصف الأيسر، وكذلك النواة الركبية الوسطى والتي ترسل إلى القشرة السمعية الأولية، تكون أكبر في النصف الأيمن، ويكون المهاد الأيسر مسيطرا بالنسبة لوظائف اللغة.
* النصف الأيمن يمتد أماميا أكثر من النصف الأيسر في حين الأيسر يمتد خلفيا أكثر من الأيمن، والقرن الخلفي للبطينات الجانبية يميل أن يكون خمس مرات أطول في الأيمن منه في الأيسر، هذا وتتأثراللاتماثلات التشريحية بالجنس واليدوية.[6] ويضيف كوهن وآخرون (Cohen et al 1993)، إن التساؤل المطروح هو معرفة ما إذا كانت هذه اللاتماثلات التشريحية تفسر تجنيب اللغة، أو التفضيل اليدوي أو كلاهما، ومن الممكن أن تكون هذه اللاتماثلات لها علاقة مباشرة باللغة وبالأخص جانبها التعبيري (التنفيذي) والحركي، وذلك لأن أغلب الفروق التشريحية ظاهرة أكثر في المناطق التي لها دور في الفهم اللغوي، ويبقى التساؤل أيضا حول معنى منطقة أو باحة (aire) أكبر في جانب من آخر، وهل أكبر تعني بالضرورة أحسن وأفضل ؟[7]
أ. 2. النظرية الهرمونة :
ومن أشهرها شيوعا نظرية جيشوويندوجالابوردا (Geschwind et Galaburda, 1987)، والتي ترى أن هرمون الذكورة يلعب في المرحلة الجنينية دورا أساسيا في تحديد وتعديل التناظر المخي. [8]
وقد بينت بعض الأبحاث أن للهرمونات تأثير في نمو الدماغ، فهرمون التستستيرون يؤدي إلى نمو الجزء الأيمن من الدماغ بصورة متزايدة للجنين، ويظهر بأن له تأثيرا مزدوجا، فبينما ينمو دماغ الجنين في الرحم، تتحكم الهرمونات في طريقة تخطيط الشبكات العصبية لدماغ الجنين، بمعنى أنها تعمل على إيجاد هيكلية معينة للشبكات العصبية ثم تعود لتؤثر مرة أخرى في مرحلة لاحقة من النمو لتجعله أكثر نضجا وجاهزا للعمل. [9]
ويكمن الهدف الرئيسي في هذه النظرية في شرح الترابط القائم بين جنس الذكورة واليدوية اليسرى، باعتبار أن الذكور أكثر استخداما لليد اليسرى من الإناث، ومن ثم نجد أحن الذكور أكثر تفوقا في وظائف النصف الأيمن بما في ذلك المهارات البصرية المكانية، كما أنهم عادة ما يشغلون الوظائف التي تحتاج إلى مهارات هذا النصف مثل الهندسة والمهن الموسيقية، والوظائف الفنية الأخرى، بينما تتفوق الإناث أكثر في مهارات النصف الأيسر بما في ذلك المهارة اللغوية والمهارات اليدوية، وتفترض النظرية أن هرمون الذكورة يؤخر نضج بعض أجزاء النصف الأيسر، ونتيجة لذلك تنخفض المهارات اللغوية عند الأفراد الذين يستخدمون اليد اليسرى، وهو ما يفسر انتشار صعوبات القراءة لدى هؤلاء الأفراد، كما يسمح الهرمون بزيادة نمو النصف الأيمن مما يدعم من المهارات الأساسية الموجودة في هذا النصف للوظيفة الحركية أيضا، ومن ثم الميل لاستخدام اليد اليسرى في النشاط الحركي.[10]
أ. 3. النظرية الإحصائية :
وتفترض أن عددا معينا من الوظائف الدماغية يكون موزعا على غالبية المناطق الدماغية، إلا أن مناطق معينة تخدم وظيفة دماغية بصورة أكثر أهمية، ومناطق دماغية أخرى تساهم في هذه الوظائف، كما في الوظائف العقلية فكل منطقة تساهم بدرجات متفاوتة في كل وظيفة عقلية، مع أن لكل منطقة مساهمتها الأكثر فعالية في وظائف معينة أكثر من غيرها، وبهذا فإن الخلايا الدماغية تنظم نفسها لتقوم بالوظائف العقلية وفقا لطريقة تنظيمية إحصائية، أطلق عليه جون (1990) بالنظرية الإحصائية.[11]
ب ـ الاتجاه النفسي :
ويرتكز هذا الاتجاه على أنماط معالجة المعلومات لنصفي الكرة المخية، عند أدائها لمهام معرفية مختلفة من الانتباه إلى الإدراك لمعالجة معلومات لفظية أو غير لفظية، ومن هذه النظريات نجد :
ب. 1. نظرية النزعة الانتباهية :
ترتكز هذه النظرية على افتراض أن هناك نزعة انتباهية لكلا النصفين الكرويين نحو الجانب العكسي من المجال البصري تتسبب في أسبقية الجانب الأيسر في معالجة المعلومات اللفظية، وأسبقية للجانب الأيمن في معالجة المعلومات غير اللفظية.
ولقد وجد ما يؤيد هذه النظرية – جزئيا – في دراسة لـ :باريبو وآخرون (Baribeau et al, 1997)، عندما وجد أن سيطرة المجال البصري الأيمن أو الأيسر تتلاشى عندما يعرض على المفحوصين مهام متزامنة، وربما يعزى ذلك إلى أن النصف الكروي المعنى بمعالجة هذه المعلومات يكون محملا بعبء زائد، وعموما فإن هذه النظرية لم توضح كيفية تأثير العوامل الانتباهية في التخصص الوظيفي للنصفين الكرويين بالمخ، كما لم توضح عند أي حد تؤثر المهمة المتزامنة في النشاط وتصبح عبئا زائدا على النصف الكروي للمخ. [12]
ب. 2. النظرية البنائية :
وهي من أشهر النظريات التي حاولت تفسير أنماط معالجة المعلومات، أو السيطرة المخية، وهي ترى أن الوظائف العقلية المختلفة يتم تجنيبها إلى أحد نصفي المخ بسبب طبيعة البناء الخاص بالجهاز العصبي.
وتركز هذه النظرية على الفروق التشريحية بين نصفي المخ الموجودة منذ الميلاد كأساس لوجود فروق بينهما في الوظائف، وحسب هذه النظرية فإن الوظائف النفسية ربما تتموضع داخل أحد نصفي الدماغ ثم يتم تجنيبها، أي يختص بأدائها واحد من نصفي المخ. [13]
ب. 3. النظرية التكاملية للنصفين الكرويين بالمخ :
تفترض هذه النظرية أن هناك طبيعة تكاملية للنصفين الكرويين للمخ، وأنهما لا يعملان بمعزل عن بعضهما، بل يعملان كمنظومة فائقة التكامل خاصة عند تقديم نمطين مختلفين من المعلومات يوافق كل منها نصف كروي محدد، عندها يحدث توزيع لعبء التجهيز والمعالجة فيما بينهما.
ويبدو أن هذا الاتجاه التكاملي أقرب إلى الواقعية، ويتفق كل من كاسكي (Caskey, 1989)، جيوريت (Guerette, 1990)، بيرسون (Pearson,)earsonون (90لاتجاه التكاملي أقرب إلى الواقعية، و يتفق كل من كاسكي (جة فيما بينهما. فائقة التكامل خاصة عند تقديم نمطين مختلفين 1991)، بيلجر (Belger, 1993)، كويلتي (Quilty, 1999) مع هذا الاتجاه حيث وجدوا أن العين رغم سيطرتها على المجال البصري العكسي فإنها ترسل المعلومات – أيضا- بطريقة غير مباشرة إلى النصف الكروي الآخر ومن ثم تصل إلى كلا النصفين الكرويين وتعالج معالجة مختلفة تبعا لنمط أي منهما، ولذا فإن أغلب الأفراد ربما يستجيبون للمواقف بتكامل عمليات النصفين الكرويين معا اعتمادا على متغيرات المواقف المختلفة.
من خلال عرضنا لأهم النظريات المفسرة لأنماط السيادة النصفية أو أنماط التعلم والتفكير، يتضح لنا أن هذه النظريات لم تتفق على نظرة واقعية واضحة لكيفية حدوث هذه السيطرة المخية أو كيفية استقرارها على نمط واحد دون الآخر لدى الفرد الواحد.[14]
ومن هنا يمكن القول أنه لا يمكن الفصل بين وظائف النصفين الكرويين للمخ، رغم تخصص كل نصف في وظيفة محددة وطريقة معالجة مختلفة، إلا أن الحصيلة النهائية هي سلوك نفسي أو معرفي أو حركي على درجة عالية من الوضوح والتكامل، وهذا ما يدل على التكامل الوظيفي بين أقسام المخ المختلفة.
ثالثا. أنماط السيادة النصفية للمخ :
ويقصد بها استخدام أحد النصفين الكرويين الأيسر أو الأيمن أو كليهما معا في العمليات العقلية وتجهيز المعلومات أو السلوك.
وقد حدد كل من رينولد زوتورانسوروبانزر (1979Reynolds,Torance, &Rubenzer,)، وصلاح مراد (1982)، ولفينجر (1984 Wolfinger,)، ساند وكارن (1985 Sund, &carn,)، وظائف النصفين الكرويين للمخ وأنماط السيادة النصفية كما يلي :
أ. النمط الأيسر :
ويقصد به استخدام وظائف النصف الكروي الأيسر وسيطرته على العمليات العقلية التي تشمل المواد اللفظية والمنطقية والتحليلية، وقد حددها تورانس فيما يلي : الاستجابة للمثيرات اللفظية، التعامل مع المعلومات بطريقة لفظية، استخدام اللغة في التذكر وفهم الحقائق، الاعتماد على الألفاظ لفهم المعاني، التفكير المنطقي، النظام والتخطيط لحل المشكلات، التفكير التحليلي، التعامل مع مشكلة واحدة في وقت واحد، النقد والتحليل في القراءة والسمع، التجريب في خطوات منظمة، كبت العواطف والشعور، إعطاء المعلومات بطريقة لفظية، فهم الحقائق الواضحة. [15]
ب. النمط الأيمن :
يعني استخدام وظائف النصف الكروي الأيمن التي تشتمل المواد غير اللفظية والمصورة والمركبة والوجدانية، وقد حددها تورانس كما يلي :
إن التعامل مع المثيرات المصورة والمتحركة إعطاء معلومات عن طريق التمثيل الحركي، الاستجابة للمثيرات الوجدانية، استخدام الخيال في التذكر، فهم الحقائق الجديدة وغير المحددة، الابتكار في حل المشكلات، التعامل مع عدة مشكلات في وقت واحد، عدم الثبات في التجريب والتعلم والتفكير، المبادأة والتفكير المجرد، حب التغيير، استعمال الاستعارة والتناظر، فهم الحقائق الجديدة وغير المحددة.[16]
ج. النمط المتكامل :
ويعني التساوي في استخدام النصفين الأيسر والأيمن، وهذا يعني أن أصحاب هذا النمط يمتازون بالخصائص والقدرات التي توجد لدى الأفراد من مستخدمي النمط الأيمن والأيسر.
كما أوضح عكاشة (1982) أن النصف الأيسر والمسيطر لدى غالبية الناس، يعرف بالنصف المسيطر في الفهم اللغوي، والصيغ الvfلغوية اللازمة لعملية الاتصال وعمليات التفكير المعتمدة على الرموز اللفظية، في حين يهتم النصف الأيمن بالقدرات اللغوية البسيطة، كالتعرف على الكلمات الشائعة، وفهم اللغة في حدود معينة، فهو لا يملك القدرة على صياغة الكلام، ولا يستطيع التعبير عن نفسه بلغة مركبة، وفي نفس الوقت يشتمل النصف الأيمن على إدراك وتذكر نماذج الاستجابات البصرية والسمعية والمكانية كما في حالة إدراك وتذكر الوجوه أو الأنغام أو علاقة الأشياء ببعضها البعض في الفراغ، مع ملاحظة أنها ليست وظائف مطلقة للنصف الأيمن، فيمكن للنصف الأيسر في حدود معينة أن يفعل ذلك.[17]
شكل رقم (1) : وظائف النصفين الكرويين للمخ.
وتشير الدراسات والأبحاث التي أجراها سبيريوجازانيجا وليفي (1964) على المرضى مشطوري المخ، أن النصف الأيسر للمخ له السيادة في التعامل مع اللغة وتكوين المفاهيم، وتجهيز المواد المستخدمة في تسلسل وتحليل التفاصيل والتصنيف، والتعامل مع المجردات، وهذه القدرات تشكل الأساس الضروري للكتابة والتحدث والحساب
وحل المشكلات المنطقية.[18]
شكل رقم (2) : وظائف النصف الأيسر من المخ.
أما النصف الأيمن للمخ فله السيادة على وظيفة تكامل المعلومات عبر الزمن، كما في الأدب والموسيقى، كما له السيادة على عملية الإدراك والتعامل مع المسائل المصورة عن طريق الرسم أو الإيماءة، وتصور العلاقات القائمة في المكان، كترتيب المكعبات في تصميمات معينة، ورسم صور للأشياء ذات الأبعاد الثلاثة، والتعرف على الوجوه والأشكال، وتحويل التفاصيل إلى كليات، كما تبين أيضا أن له السيادة على تجهيز المعلومات الانفعالية وإحداث تعبيرات الوجه الانفعالية، كما له دور في الهلوسة والأحلام. [19]
كما يؤكد ذلك وينتر ووينتر (1996)، بأن النصف الأيمن للدماغ هو الذي يبادر إلى التعامل مع الأمور غير المألوفة نوعا ما، فإذا صارت مألوفة انتقلت إلى النصف الأيسر للدماغ، حيث أن الخبرة السابقة هي التي تحدد أي جانب من جوانب الدماغ سيقوم بأداء المهمة. [20]
وبذلك نجد أن كلا من النصفين يمكن أن يقوما بمعالجة المعلومات اللفظية وغير اللفظية على قدم المساواة، حيث أنهما متشابهان تماما بالنسبة للمستويات الدنيا لمعالجة المعلومات، ولا يظهر التخصص الوظيفي إلا في حالات خاصة، مثل المستويات العليا، من الإبداع أو حالات النشاط النفسي الأكثر تعقيدا، أو لدى العلماء ذوي التخصصات المتعددة.[21]
كما توصلت العديد من الدراسات أن هناك مرونة في نصفي الدماغ في معالجة المهام، وأن الوظائف ليست منعزلة بوضوح ولكنها متداخلة ومشتركة في مناطق متعددة في النصفين الكرويين للمخ.
رابعا .القدرات اللغوية للنصف الأيسر والأيمن للمخ :
لا يخفى على أحد أن أول من اكتشف المناطق المسؤولة عن فهم وإنتاج اللغة هما العالمان بول بروكا (1865)، وكارل فرنيك والمسماة باسمهما أهم منطقتين تتدخل في النشاط اللغوي.
وبنفس الطريقة جاء ديجرين (Dejrine, 1849 – 1917) وبين أن اضطرابات القراءة والكتابة راجعة إلى إصابات في النصف الكروي الأيسر على مستوى الجزء الخلفي للتلفيف الجداري والتلفيف الزاوي، والتلفيف فوق الهامشي (gyrus supra marginal)[22].
ويصنف أدامس وفيكتور (Adams et Victor, 1993) المناطق العصبية المسؤولة عن اللغة إلى منطقتان استقباليتان، ومنطقة واحدة تنفيذية.
أ. المنطقتان الاستقباليتان :
متقاربتان تشريحيا، فالأولى خاصة بإدراك الكلام المنطوق وتقع في المنطقة الصدغية الخلفية العليا (وهي المنطقة الخلفية لمنطقة 22 من خارطة برودمان)، وتلفيف هاشل (Le gyrus de Haschel) وهو المنطقة 41 و 42، أما المنطقة الثانية فهي مختصة باللغة المكتوبة وتشمل التلفيفة الزاوية (Circonvolution angulaire) (وهي المنطقة 39) في الفص الجداري الخلفي، والتلفيف العلوي الجانبي (gyrus supra-marginal) (وهو المنطقة 40)، والمنطقة الصدغية السفلى (المنطقة 37) التي تربط بين المناطق السمعية والبصرية اللغوية.
شكل رقم ( 3 ) : المناطق اللغوية حسب تصنيف فارنيكي – جاشويند
ب. المناطق التنفيذية :
وتتعلق بالجانب الحركي للكلام، وتقع في التلفيف (أو الفص) الجبهي السفلي الخلفي (المناطق 47، 45، 44) وهناك نتائج حديثة تبين تدخل المناطق الحركية والقبل حركية وبعض المناطق في الفص القفوي.
ويضيف لوفبري (Lofebvre, 2007) تقسيما أكثر وضوحا للمناطق التي تنشط أثناء مهمات لغوية كما يلي:
- المنطقة القفوية فوق المخططة اليسرى : (La région occipitale extrastriée gauche ) ويفترض بترسون (Peterson 1990) أن هذه المنطقة مختصة في ما يسمى بالمعجم الهجائي (le lexique orthographique).
- المناطق الحركية للغة : فالكلام يتطلب حركات محددة في الجهاز الكلامي المسؤول عن إصدار الأصوات اللازمة للكلام، إن هذه الوظيفة تنشط نطاقا واسعا من البنيات العصبية الحركية والقبل حركية للنصف المخي الأيسر، بما فيها التلفيف قبل المركزي (gyrus précentrale)، المنطقة الحركية الإضافية، المنطقة الأمامية من القشرة الجزيرية ( Insula)، المخيخ الأيمن، والبنيات تحت القشرية.
- منطقة بروكا : ودور هذه المنطقة معروف في برمجة التتابعات النطقية للكلام، ويبدو أن هذه المنطقة تنشط أيضا في مهمات لا تتطلب بالضرورة إنتاج لفظي، مثل ما يسمى بالمهمات ما وراء اللسانية (métalinguistique)، التي تقود الشخص إلى المعرفة التحليلية لبنية المثير اللساني، وكذلك أثبت حديثا أن هذه المنطقة تسمح بانتقاء وتفعيل المعلومة اللفظية في الذاكرة العاملة.
- منطقة فرنيك : وهي المنطقة الخلفية والوسطى للتلافيف الصدغية العليا والوسطى اليسرى، وتنشط في مهمات فهم اللغة الشفوية ويبدو أن المناطق المقابلة لها في النصف الكروي الأيمن تنشط بشكل أقل وضوحا، هذا ما يدل على دورها الثانوي في مهمات فهم اللغة الشفوية.
- التلفيف الزاوي الأيسر : منذ 1891 أسند ديجرين للتلفيف الزاوي الأيسر مهمة معجم النماذج البصرية للحروف، في إطار نموذجه للقراءة، والنتائج الحديثة التي توصلت إليها الدراسات النفسوعصبية المستخدمة لتقنية التصوير العصبي الوظيفي أكدت ما ذهب إليه ديجرين.
هذا ما خلصت إليه الدراسات العصبية والتشريحية للجهاز العصبي، والدراسات النفسوعصبية، خاصة التي أجريت على المرضى المصابين في إحدى هذه المناطق (مرضى الحبسة بأنواعها)، مما سمح بتحديد أكثر لدور هذه المناطق في استقبال أو إنتاج اللغة بأشكالها المنطوقة أو المكتوبة.
وإن الأبحاث التي أجريت حول الصعوبات الناتجة عن إصابات عصبية أحادية، تبين أن مراقبة التعبير اللفظي مرتبط بالنصف الأيسر لدى 95 % من الأشخاص الأيامن، وهذه النتيجة قد برهنت بطرق تجريبية أخرى. وهذا النوع من التخصص النصفي لا يكون على شكل الكل أو اللاشيء، والصحيح أن النصف الأيسر مسيطر في العديد من جوانب إدراك اللغة والمعالجة اللفظية، لكن في هذه الحالات تفوقه هو مسألة درجة أكثر منها عملية تخصص في الكل أو اللاشيء.
ومن خلال دراسات كل من زيدال (EranZaidel, 1983 – 1985) وسبرنجر، دوتش (Springer et Deutsch, 1981) وأيضا أعمال كريستين شيرلو (Christine Chiarllo, 1988)، تطور الاهتمام حول القدرات اللغوية لكلا نصفي الكرة المخية، وخاصة النصف التابع وهو عادة النصف الأيمن، ففي حين يقترح بعض الباحثين أن النصف الأيمن يلعب دورا صغيرا في معالجة اللغة، يذهب البعض الآخر أنه يلعب دورا رئيسيا ومهما.
فقد اتجهت دراسات كل من بيمان وآخرون (Beeman et al, 1998) وتلمان وآخرون (C. Telman et al, 2005)، وجوانات وآخرون (Joanetteet al, 1990)، وزيدال وآخرون (Zaidal et al 2002)، إلى أن النصف الأيمن يمتلك قدرات عروضية (prosodique) ، وفوق لسانية (paralinguistique) ، وبرغماتية (pragmatique) في إنتاج وإدراك اللغة، هذا النصف الكروي يشترك أيضا في نشاطات الاتصال الاجتماعي، وفهم الاستعارة والأمثال، والسخرية. [23]
ويضيف برتولوتي تقسيما يوضح فيه وظائف كل نصف كرة مخية في المعالجة اللغوية كما يلي :
أ. على مستوى الإنتاج اللغوي :
يقترح لوفي وتريفرتان (1977) أن النصفان الكرويان للمخ يتحكمان في الكلام، لكن بعمليات مختلفة، فالنصف الأيسر يتحكم في الكلام عن طريق تجميع الفونيمات (بطريقة تحليلية) بينما النصف الأيمن يتحكم في الكلام ككل (بطريقة كلية).
فالنصف الأيمن يكون بهذا مسؤولا عن التعبير الشفوي الآلي العفوي (مثل سرد أحداث اليوم أو الأسبوع، أو قصص وحكايات الأطفال) وكذلك فهو يشترك بشكل فعال في إنتاج العروض، والعديد من الدراسات التي أجريت على مرضى مصابين في نصفهم الأيمن، بينت أن كلامهم كان دون لحن، ودون تشديد وجد رتيب، ويتميز بغياب الانفعال، وفي حين أن النصف الأيسر هو المسؤول عن البرمجة الحركية للكلام، فإن النصف الأيمن يكون مكملا ويضبط العروض والجوانب البراغماتية للتعبير الكلامي.
ب. على مستوى إدراك الكلام :
النصف الأيمن يعالج بطريقة هامة استقبال اللغة، فهو يتخصص في فهم العروض، كما أثبتت العديد من الدراسات أن إصابة النصف الأيمن تؤدي إلى عدم القدرة على الحكم على نغمة صوت المتكلمين.
ج. على مستوى التعرف على الكلمات المكتوبة :
إن العديد من الدراسات تفترض أن كلا النصفين الأيمن والأيسر يمتلكان استراتيجيات مختلفة في فك ترميز الكلمات، فاستراتيجية فك الترميز الخاصة بالنصف الأيمن تكون متزامنة (Parallèle) للكلمة ككل، بينما النصف الأيسر تكون متتابعة حرفا بحرف.
ويخلص بارتولوتي إلى أن معالجة اللغة ناتجة عن نشاط مشترك للمناطق التشريحية المتجاورة، هذه الأخيرة تشتمل على نظام وظيفي يعمل بالموازاة مع أنظمة أخرى مختلفة، هذه الأنظمة يمكن أن تكون موزعة بشكل مختلف في النصفين الكرويين للمخ، اللذان يتبادلان المعلومات عن طريق ألياف الجسم الجاسئ ومساهمة كل نصف كرة مخية في المعالجة الخاصة، ترتبط بعدة عوامل.
ويضيف واطشتاينبادور أنه من المحتمل بسبب الطبيعة الفيزيائية للكلام، المتكون من أصوات ملفوظة بشكل متتابع والتي من المستحيل أن تلفظ جملة واحدة، كانت معالجة اللغة التي استقرت مع نمو المخ في النصف الأيسر، الذي هو النصف الوحيد القادر على الاستجابة لمتطلبات المعالجة التحليلية الذي يفرضه هذا النوع من التعبير، فالنصف الأيسر يواصل العمل الذي بدأته الأذن الداخلية، ويضع في الذاكرة الوحدات الصوتية المكونة للغة، لكي يستطيع الفرد فيما بعد التعرف على الكلمات، ويتعلق الأمر هنا بعملية تحليلية في معالجة المعلومات.[24]
وفيما يخص اللغة الشفوية النصف الأيمن ليس له دخل في الكلام، فهو لا يستطيع تسمية الأشياء، لكن يستطيع المزاوجة بين الصور مبينا بذلك أنه تعرف عليها.
ولدى الأطفال الذين يعانون من إصابة في النصف الأيسر بدرجة كبيرة، أو استؤصل نهائيا، يكتسب النصف الأيمن قدرات لغوية، لكن تبقى جد بدائية وبسيطة، فلغته لا تصل أبدا إلى مستوى الخطاب القصدي، وتبقى هناك ردة فعل انفعالية جد فقيرة، وفي الغالب نمطية، مع ترديد لنفس الكلمات، ويوجد في هذه الحالات قدرات إعادة تنظيم عصبي جزئية للوظائف اللغوية في النصف الأيمن.
لكن لوحظ أن هذه القدرة تنخفض بشكل سريع مع التقدم في السن لتصبح معدومة إذا كانت الإصابة بعد سن 14 سنة.
وفي حالة تحويل اللغة إلى النصف الأيمن فالمناطق العصبية تغير جزئيا من خصائصها، وعصبونات المناطق الجدارية الصدغية اليمنى، التي في العادة تكون مسؤولة على التعرف المكاني، تصبح مهيأة للقيام بوظيفة لغوية بسيطة.
ويضيف كامبروفارستيشال في حين أن النصف الأيمن يهيمن على معالجة الرسوم والصور والإدراك (في ثلاثة أبعاد)، فهو لا يعطي في حالة اللغة المكتوبة إلا معلومات متعلقة بضبط استقامة الكتابة على الورقة، لكن الذي يتدخل في التعرف على شكل واتجاه الحروف هو النصف الأيسر.
يشارك النصف الأيمن في تذكر الذكريات ويسهل تحقيق المعنى للعناصر المقروءة بعدة طرق، فهو يتدخل في حالة استدخالها في السياق المعجمي (المفرداتي) النحوي، والدلالي، ويسمح بإدراك التباين في إيقاع الجملة، ويثري الفهم عن طريق الأخذ بعين الاعتبار السياق الجمالي والوجداني للنص.
أما بالنسبة لعناصر اللغة المكتوبة الهامة وهي الفونولوجيا والدلالة والعروض، فدور كل نصف كرة مخية يختلف حسب نوع المعالجة كما يلي :
ج. 1. بالنسبة للفونولوجيا :
تكون حصريا معالجة من طرف النصف الأيسر، ومن الضروري للوصول إلى التحليل الفونولوجي للكلمة المكتوبة، تحقيق تحويل للرمز البصري (المكتوب) إلى تمثيلاته الفونولوجية الموافقة، هذا التحويل للحروف إلى فونيمات يسمى التحويل الحرف – فونيمي (grapho-phonémique) والمعالجة في النصف الأيسر تكون مبكرة وسريعة عند التعرف على الكلمات، وحتى أنها تكون آلية.
أما في النصف الأيمن تكون غير مباشرة من الكلمة المكتوبة إلى معناها، دون المرور إلى بنك الترميز الفونولوجي المعتاد، وانطلاقا من نتائج بحث زيدالوبيترز (Zaidel et Peters, 1981)، يقترحان أن النصف الأيمن يحقق قراءة تصويرية (idiographique)، فهو يتعرف على الكلمة كصورة (une icone) ويمر بهذا مباشرة من الإملاء (والخط) إلى معنى الكلمة.
ج. 2. بالنسبة للدلالة :
يقترح العديد من الدراسات، أن كلا النصفان يتدخلان في ذلك، فالنصف الأيسر قادر على تنشيط عدد كبير من المعلومات ذات علاقات دلالية مختلفة، لكن هذا التنشيط ينخفض مع الوقت، وعلى العكس ففي النصف الأيمن التنشيط الدلالي يكون بطيئا جدا، ويدوم مدة زمنية أطول، والنصفان يصلان إلى معنى الكلمات عن طريق ميكانيزمات مختلفة كميا وكيفيا، وهذه الاختلافات تسجل على مستوى ميكانيزم الترميز (codage) وسرعة الوصول إلى المعلومة الدلالية، فالنصف الأيمن يقوم بترميز كثير الأخطاء (codage grossier)، ويكون بهذا أكثر حساسية للعلاقات الدلالية بين الكلمات.
أما النصف الأيسر يحقق ترميزا أكثر دقة ويصل إلى معنى الكلمة بسرعة أكبر.
ج. 3. بالنسبة للعروض :
هناك العديد من الفرضيات التي طرحت حول دور كل نصف كرة مخية في معالجة العروض.
الأولى : وظيفية بحتة، ميزت بين العروض الوجداني والعروض اللساني، وهذا التمييز يفترض أن النصف الأيمن هو المكلف بشكل خاص بإدراك العروض الوجداني، في حين أن بعض المناطق من النصف الأيسر تكون حاسمة في إدراك العروض اللساني.
وقد تم إثبات أن الاختلافات بين نصفي الكرة المخية يكون وفقا للعلامات العروضية المعالجة، فهي تفترض أن العلامات العروضية السمعية (la prosodie acoustique) (مثل : التواتر الأساسي (FO)، المدة، الشدة) تعالج بطريقة مسيطرة في النصف الأيمن، بينما العلامات العروضية اللسانية (مثل : التراكيب Syntaxe) تعالج مسيطرة في النصف الأيسر.[25]
وقد دعمت نتائج هذه الفرضية دراسة شتيروف وزملاءه (Shtyrov et al, 2005) حيث أوضحوا أن نفس الصوت يعالج من طرف النصف الأيمن عندما يوضع في سياق غير لساني (مثلا : ضمن ضجيج)، ومن طرف النصف الأيسر عندما يوضع في سياق لساني (مثلا : ضمن كلمة). هذه النتائج تعارض بشكل جزئي فرضية أن النصفين متخصصان في معالجة علامات سمعية مختلفة.
الثانية : تفترض أن التخصص النصفي يختلف وفقا للسلم الزمني للرموز السمعية ويسمى (AST)(Asymmetric Sampling hypothèse) وتقترح أن النصف الأيمن يكون حاسما في استخلاص المعلومة في نوافذ استدخال زمني طويل (150 – 250 ميلي ثانية، لها علاقة بالمعالجة الكلية)، بينما النصف الأيسر يكون حاسما في استخلاص المعلومة في نوافذ استدخال زمني أقل (20 – 50 ميلي ثانية، لها علاقة بالمعالجة المحلية).
هذه الفرضية الأخيرة دعمتها جزئيا بعض دراسات الإصابات العصبية، والتصوير العصبي الوظيفي (IRM.F)، فقد أثبتت أن المريض ذو نصف أيمن مصاب غير قادر على معالجة عروض جملة ككل، في حين باحثين آخرين أوضحوا أن العلامات المحلية مثل النغم (le tons) تعالج من طرف النصف الأيسر، أما النغمية الكلية (l’Intonation global) تعالج من طرف النصف الأيمن.[26]
إذن، هناك العديد من الفرضيات التي حاولت أن تبين دور نصفي الكرة المخية في معالجة العروض، وهيمنة كل واحد منها في عناصر واشكال اللغة، لكنها لم تصل إلى اتفاق حول ذلك، وهذا ما يقودنا إلى القول أن هذه الخاصية جد معقدة و تدخل النصفان الكرويان فيها أكثر تعقيدا.
وخلاصة ما قيل فيما سبق أن هناك العديد من الدراسات العصبية والنفسو- عصبية التي حاولت أن تبين سيطرة نصف كرة مخية على الآخر في مهمات لغوية عديدة، من التعرف البسيط على الحروف أو الكلمات المعروضة بصريا أو سمعيا، إلى استعمال الخصائص اللغوية الأكثر تعقيدا كالخصائص الفونولوجية و العروضية الدلالية للخطاب، وحتى الجوانب غير اللسانية.
كما يمكن أن نلخص دور نصفي الكرة المخية في المعالجة اللغوية سواء للغة الشفوية أو المكتوبة، بأن كل نصف كرة مخية يتدخل في معالجة عناصر المعلومة اللغوية سواء الشفوية أو المكتوبة حسب طبيعة الترميز أو فك الترميز الذي تتطلبه المهمة، فإذا كانت المعلومة اللغوية تتطلب ترميزا أو فك ترميز متتابع وآني كانت السيطرة للنصف الأيسر، وإذا كانت المعلومة اللغوية تتطلب فك ترميز متزامن وكلي، كانت السيطرة للنصف الأيمن، وهذا لا يعني بطبيعة الحال، أن سيطرة أحدها يلغي أو يعطل عمل الآخر، فالسيطرة هنا ليست بمنطق الكل أو اللاشيء ففي حين يكون النصف المسيطر هو الفعال في أداء مهمة ما، يقوم النصف التابع ببعض المهمات التي تسهل وتساعد وتكمل عمله، بإنتاج أو فهم معلومة لغوية.
قائمة المراجع :
1 – الحازمي، هناء بنت محمد سليمان (2006). فاعلية استخدام برنامج مقترح في تنمية نمط تعلم النصف الكروي الأيمن للدماغ لدى طالبات العلوم بالمرحلة المتوسطة بالمدينة المنورة، رسالة ماجستير مودعة بكلية التربية والعلوم الإنسانية، جامعة طيبة، السعودية.
2 – الشقيرات ، محمد عبد الرحمن ( 2005 ) . مقدمة في علم النفس العصبي . ط1 ، الأردن ، دار الشروق للنشر والتوزيع.
3- العلي، مريم عبد الله (1995). دراسة مقارنة بين المتفوقات عقليا والعاديات في أنماط التعلم والتفكير لدى عينة من طالبات المرحلة الثانوية بدولة قطر. ملخص الدراسة منشور في الموقع. http://www.ed-uni.net/ed/ 17/10/2011.
4–الغوطي ، عاطف عبد العزيز ( 2007 ) . العمليات الرياضية الفاعلة في جانبي الدماغ عند طلبة الصف التاسع بغزة ، ماجستير مودعة بكلية التربية قسم المناهج وطرق التدريس / الرياضيات .الجامعة الإسلامية . غزة .
5- سلام، صفية محمد أحمد (1991). أثر استخدام الأنشطة البحثية في تدريس العلوم على أنماط التعلم والتفكير لتلاميذ المدرسة الابتدائية، مجلة البحث في التربية وعلم النفس جامعة المنيا، العدد الثالث، المجلد الرابع.
6-عبد القوي، سامي (2004). علاقة أفضلية اليد بالوظائف المعرفية، دراسة نيوروسيكولوجية مقارنة لدى عينة من طلبة الجامعة. مجلة شبكة العلوم النفسية العربية. العدد 3 جويلية، أوت، سبتمبر.
7- عبد الواحد، سليمان يوسف إبراهيم (2007). المخ وصعوبات التعلم – رؤية في إطار علم النفس العصبي المعرفي، ط 1، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية.
8- عكاشة، محمود فتحي (1986). وظائف النصفين الكرويين وعلاقتها بالأداء على بعض اختبارات الذكاء والتفكير، مجلة كلية التربية بالمنصورة، العدد السابع، الجزء الرابع.
9-مراد، صلاح أحمد وآخرون (1982). أنماط التعلم والتفكير لطلاب الجامعة وعلاقتها بالتخصص الدراسي، مجلة كلية التربية (جامعة المنصورة)، العدد الخامس، الجزء (1).
10- معمرية، بشير (2009). علاقة المخ بالتحكم في السلوك الإنساني، بحوث ودراسات متخصصة في علم النفس (الجزء الخامس)، ط 1، مصر، المكتبة العصرية للنشر والتوزيع.
11- Cadet, bernard (1998).Psychologie cognitive, IN PRESS édition,Paris.
12- Cohen ,henri (1993). Neuropsychologie expérimentale et clinique (processus , spécialisation, dysfonctionnement ) , Gaetan Morin éditeur , Canada.
13- Lefebvre, laurent( 2007). La réorganisation fonctionnelle des aires cérébrales du langage et de l’organisation véseiospaciale( influence de régulation environnement – ales lors d’un entrainement non verbale, études en IRMF) , doctorat présentée à la faculté de psychologie et des sciences de l’éducation , Académie universitaire Wallonie-Bruxelles.
14- Perron-bartollotti, Mercele( 2012). Spécialisation hémisphérique et cartographie du langage chez le sujet sain et le patient épileptique : effet des variables inter et intra individuelles / évaluation comportementale , neuropsychologique et neurophysiologique ( IRMF). Doctorat présenté à l’université de Grenoble.
15- Pozner, howard et Battisonrobbin( 1979). L’asymétrie cérébrale et la langue des signes : études cliniques et expérimentales. In Langage , 13 eme année , n° 56 , 58-77. http://www.persée.fr 29/09/2012.
16- wettstain-badour ,ghislaine ( 2005). Apport des neurosciences et pédagogie du langage ecrit .www.forumpourlafrance.org/…/ETUDE_2005_Neuro. 18/07/2011.
[1]معمرية، بشير (2009). علاقة المخ بالتحكم في السلوك الإنساني، بحوث ودراسات متخصصة في علم النفس (الجزء الخامس)، ط 1، مصر، المكتبة العصرية للنشر والتوزيع. ص 99
[2]الحازمي، هناء بنت محمد سليمان (2006). فاعلية استخدام برنامج مقترح في تنمية نمط تعلم النصف الكروي الأيمن للدماغ لدى طالبات العلوم بالمرحلة المتوسطة بالمدينة المنورة، رسالة ماجستير مودعة بكلية التربية والعلوم الإنسانية، جامعة طيبة، السعودية. ص 19
[3]الشقيرات ، محمد عبد الرحمن ( 2005 ) . مقدمة في علم النفس العصبي . ط1 ، الأردن ، دار الشروق للنشر والتوزيع.ص 110-111 .
[4]– Cadet, bernard (1998).Psychologie cognitive, IN PRESS édition,Parisp 198
[5]– Cohen ,henri (1993). Neuropsychologie expérimentale et clinique (processus , spécialisation, dysfonctionnement ) , Gaetan Morin éditeur , Canada.p11-13
[6]لشقيرات ، محمد عبد الرحمن ( 2005 )، مرجع سابق ، ص 112 .
[7]Cohen ,henri (1993).opcit , p 13
[8]عبد القوي، سامي (2004). علاقة أفضلية اليد بالوظائف المعرفية، دراسة نيوروسيكولوجية مقارنة لدى عينة من طلبة الجامعة. مجلة شبكة العلوم النفسية العربية. العدد 3 جويلية، أوت، سبتمبر.ص 24
[9]الغوطي ، عاطف عبد العزيز ( 2007 ) . العمليات الرياضية الفاعلة في جانبي الدماغ عند طلبة الصف التاسع بغزة ، ماجستير مودعة بكلية التربية قسم المناهج وطرق التدريس / الرياضيات .الجامعة الإسلامية . غزة . ص 27 .
عبد القوي، سامي (2004). مرجع سابق ن ص 24[10]
الحازمي، هناء بنت محمد سليمان (2006). مرجع سابق ، ص19 . [11]
[12]عبد الواحد، سليمان يوسف إبراهيم (2007). المخ وصعوبات التعلم – رؤية في إطار علم النفس العصبي المعرفي، ط 1، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية. ص 25 .
[13]عبد الواحد، سليمان يوسف إبراهيم (2007).نفس المرجع ، ص 25 .
[14]عبد الواحد، سليمان يوسف إبراهيم (2007).نفس المرجع ، ص 25 .
[15]سلام، صفية محمد أحمد (1991). أثر استخدام الأنشطة البحثية في تدريس العلوم على أنماط التعلم والتفكير لتلاميذ المدرسة الابتدائية، مجلة البحث في التربية وعلم النفس جامعة المنيا، العدد الثالث، المجلد الرابع.ص 156 .
[16]مراد، صلاح أحمد وآخرون (1982). أنماط التعلم والتفكير لطلاب الجامعة وعلاقتها بالتخصص الدراسي، مجلة كلية التربية (جامعة المنصورة)، العدد الخامس، الجزء (1). ص 12.
[17]مراد، صلاح أحمد وآخرون (1982). نفس المرجع ، ص 12
[18]معمرية، بشير (2009). علاقة المخ بالتحكم في السلوك الإنساني، بحوث ودراسات متخصصة في علم النفس (الجزء الخامس)، ط 1، مصر، المكتبة العصرية للنشر والتوزيع. ص 100 –101 .
[19]معمرية، بشير (2009). مرجع سابق ، ص 101 .
[20]الحازمي، هناء بنت محمد سليمان (2006). مرجع سابق ، ص19 .
[21]العلي، مريم عبد الله (1995). دراسة مقارنة بين المتفوقات عقليا والعاديات في أنماط التعلم والتفكير لدى عينة من طالبات المرحلة الثانوية بدولة قطر. ملخص الدراسة منشور في الموقع. http://www.ed-uni.net/ed/ 17/10/2011. ص 137
[22]Perron-bartollotti, Mercele( 2012). Spécialisation hémisphérique et cartographie du langage chez le sujet sain et le patient épileptique : effet des variables inter et intra individuelles / évaluation comportementale , neuropsychologique et neurophysiologique ( IRMF). Doctorat présenté à l’université de Grenoble. P 12
[23]Perron-bartollotti, Mercele( 2012). Spécialisation hémisphérique et cartographie du langage chez le sujet sain et le patient épileptique : effet des variables inter et intra individuelles / évaluation comportementale , neuropsychologique et neurophysiologique ( IRMF). Doctorat présenté à l’université de Grenoble. P 19
[24]– wettstain-badour ,ghislaine ( 2005). Apport des neurosciences et pédagogie du langage ecrit .www.forumpourlafrance.org/…/ETUDE_2005_Neuro. 18/07/2011 p 9-10
[25]Perron-bartollotti, Mercele( 2012). Spécialisation hémisphérique et cartographie du langage chez le sujet sain et le patient épileptique : effet des variables inter et intra individuelles / évaluation comportementale , neuropsychologique et neurophysiologique ( IRMF). Doctorat présenté à l’université de Grenoble. P 28-30
[26]Perron-bartollotti, Mercele( 2012). Op cit. P 28 – 30