
الانتقال إلى مناهج الجيل الثاني من التدريس بالكفاءات في الجزائر:ضرورة أم خيار
أ.بن كريمة بوحفص/المدرسة العليا للأساتذة،ورقلة،الجزائر
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الإنسانية والإجتماعية العدد 36 الصفحة 21.
ملخص:مر التعليم في الجزائر بعدة إصلاحات وتعديلات بغرض الوصول إلى تعليم يتماشى وخصوصيات المجتمع الجزائري من جهة، ومن جهة أخرى لمواكبة التطورات والتغيرات الحاصلة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وسيكون آخر ما سيعتمد مناهج الجيل الثاني من التدريس بالكفاءات.
وسنحاول في هاته الورقة البحثية قراءة مدى جودة محتوى هذه المناهج، معتمدين في ذلك على المنهج الوصفي التحليلي ومنهج تحليل المحتوى. بدءا بالوقوف على أهم دواعي اللجوء إلى هاته الإصلاحات مع إبراز أهم ما يميزها عن سابقتها، ثم الكشف عن الإستراتيجية المرتقبة لتطبيقها وذلك لضمان وفي أحسن الظروف نجاح الانتقال من النموذج البيداغوجي القديم (الجيل الأول من المقاربة بالكفاءات) إلى النموذج البيداغوجي الجديد (الجيل الثاني)، وأيضا الوقوف على أهم أوجه النقد الموجهة لها. وحتى تفي هاته الإصلاحات بالغرض المطلوب تم في الأخير تقديم بعض التوصيات.
الكلمات المفتاحية: التدريس بالكفاءات، مناهج الجيل الأول، مناهج الجيل الثاني.
مقدمة:
استجابة لما فرضه القرن العشرين من تحديات وتحولات في شتى مناحي الحياة سارعت جل الدول إلى مراجعة نظمها وبرامجها التربوية بدءا بتبني المقاربة بالأهداف، والتي كان من عيوبها ارتكازها الكلي على السلوكات القابلة للملاحظة والمتمفصلة عن بعضها البعــض لدرجة أصبح معها الفعل التعلمي غير ذي دلالة بالنسبة للمتعلم، كما يجد – المتعلم- نفسه وفي كثير من الأحيان عاجزا عن تسخير هذه المكتسبات المعرفية في مختلف مواقف الحياة الشخصية منها والمهنية التي تصادفه.لتظهر الحاجة من جديد إلى تحديث المناهج التعليمية وتعديلها بحيث تأخذ بعين الاعتبار القدرة على تحويل المعارف وتجسيدها في خدمة الفرد والمجتمع. وكانت النتيجة المنطقية لذلك أن اتجهت الممارسات البيداغوجية في جل أنحاء العالم شيئا فشيئا نحو المقاربة بالكفـــاءات والتي تعتبر بيداغوجيا الإدماج مرجعاً لها، كونها تقترح تعلماً اندماجياً غير مجزأ وذا معنى، يُبنى على ما هو أنفع وأفيَد بالنسبة للفرد والجماعة من خلال تمكين المتعلم من تجنيد مجموعة مندمجة مــــــن الموارد لحل وضعيات تتجاوز فضاء القسم، وبالتالي فهي تنتقل بالمتعلم من مجرد مستقبل للمعرفة إلى باحث عنها. ونتيجة لما تتميز به هذه المقاربة وعلى غرار باقي الدول سارعت الجزائر إلى تبنيها وتطبيقها ابتداء من السنة الدراسية 2003/2004، والتي صارت – الكفاءة – تطلق كمؤشر لما يتمتع به موظفو قطاع التربية عند تأديتهم لأعمالهم وممارساتهم لمهامهم بمستوى معين من الإتقان.
إشكالية البحث:
غير أنه بالرغم من مباشرة الإصلاحات على مستوى المنظومة التربوية بدءا من الموسم الدراسي2003 /2004 والمحاولات الجادة في تحسين جودة المخرجات، إلا أن الواقع الميداني أظهر عدم التناغم بين ما حددته السياسات التربوية المرسومة، وبين ما تعج به الحقائق الميدانية من تواضع في جودة التعليم والتعلم حيث لم ترق المناهج المدرسية الحالية إلى المستوى المطلوب، كما ثبت عدم وجود فروق واضحة في الممارسة البيداغوجية بين الطريقة الجديدة والطرق السابقة [1].
ليبدأ معها التخطيط لإصلاحات الجيل الثاني من التدريس بالكفاءات والذي شرع في تنفيذه مع الدخول المدرسي 2016/ 2017بدءا بالسنتين الأولى والثانية من الطور الابتدائي باعتبارهما الركيزة الرئيسة لبناء الهرم التربوي وكذلك السنة الأولى متوسط كمرحلة أولى، على أن يتواصل إلى غاية 2019 ويعمم على باقي المستويات والأطوار التعليمية. والتي ينتظر منها تحقيق النوعية في تحسين الأداء التربوي للمعلم من جهة، ومن جهة أخرى نقل المتعلم من مجرد مكتسب للمعارف عن طريق الحفظ والاسترجاع إلى ممارس ومفكر ومبدع، من خلال خلق بيئة تعليمية صحية تسمح بالتفاعل الايجابي بين المعلم والمتعلم.
ولسنا هنا بصدد الترويج للإصلاحات الجديدة، بقدر ما سنحاول توضيح الأرضية التي أدت إلى ميلاد المشروع الإصلاحي الأخير وذلك من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية: ما أهم دواعي الانتقال إلى مناهج الجيل الثاني ؟ وما أهم ما يميزها عن مناهج الجيل الأول ؟ ثم ما هي إستراتيجية الوصاية في تطبيق الإصلاحات ؟ وما أهم أوجه النقد الموجهة لها ؟ وأخيرا ما أهم التوصيات التي يمكن بها تفادي الوقوع في نفس الأخطاء السابقة ؟
التعريف اللغوي والاصطلاحي للمنهج :
أورد ابن منظور[2] تعريفه للمنهج من: أنهج الطريق، وضح واستبان، وصار نهجًا واضحًا بينًا، والمنهج عنده- بفتح الميم وكسرها- هو النهج والمنهاج؛ أي: الطريق الواضح والمستقيم.
أما من الناحية الاصطلاحية فقد تعددت تعاريف المنهج نذكر منها تعريف سعادة[3] الذي يرى بأنه “مركب من مجموعة من العناصر ترتبط مع بعضها البعض بشكل وظيفي ومتكامل،حددها تايلر في أربعة عناصر هي الأهداف والمحتوى والتدريس والتقويم”.
في حين يعرفه HAINAUT))[4] بأنه ” تخطيط للعمل البيداغوجي وأكثر اتساعا من المقرر التعليمي، فهو لا يتضمن فقط مقررات المواد، بل أيضا غايات التربية وأنشطة التعليم والتعلم، وكذلك الكيفية التي سيتم بها تقويم التعليم والتعلم”.
مناهج الجيل الأول:هي المناهج التربوية الجزائرية المعتمدة على المقاربة بالكفاءات والتي دخلت حيز التطبيق ابتداء من الموسم الدراسي 2003/2004.
مناهج الجيل الثاني:وهي مناهج تعتمد أيضا على المقاربة بالكفاءات ولكن بشكل متطور، والتي دخلت حيز التطبيق ابتداء من الموسم الدراسي 2016/2017.
دواعي اللجوء إلى إصلاح المناهج التربوية:
من المسلم به عالميا أن المناهج المدرسية تخضع دوريا إلى الإصلاح والتعديل وذلك:
– للضبط والتصحيح الظرفي الذي يعتبر أمرا عاديا في تسيير المناهج.
– للتحيين الذي يفرضه تقدم العلوم والتكنولوجيا وذلك قصد إدراج معارف جديدة أو مواد جديدة.
– التجدد والتوسع في المعارف نتيجة التطور العلمي والتكنولوجي.
– بروز حاجات جديدة في المجتمع، وتطلعات جديدة في مجال التربية.
– ما تفرضه العولمة في المجال الاقتصادي[5].
وفي ذات المنحى أشارت نتائج الدراسة التشخيصية إلى أن أهم العوامل والمبررات الداعية إلى إعادة النظر في المناهج الحالية في الجزائر هي:
– تصميم المناهج السابقة في غياب الإطار المرجعي؛ حيث تم صدور كل من القانون التوجيهي للتربية الوطنية 08/04 والمرجعية العامة للمناهج المعدلة حسب القانون التوجيهي 2009، والدليل المنهجي لإعداد المناهج 2009 إلا بعد المباشرة في الإصلاحات.
– نقص في التنسيق بين الأطوار والمراحل، حيث تم إصدار مناهج الجيل الأول سنة بعد سنة مما جعلها تفتقد الانسجام والتماسك فيما بينها [6].
– مصادقة الجزائر في 2015 على برامج التنمية المستدامة للأمم المتحدة التي تلزم كل الدول المنخرطة بترقية التعليم مدى الحياة.
– الأخذ بمفهوم التربية المستمرة والمتجددة.
– تصليح الاختلالات وتدارك النقائص المسجلة خلال تجربة المنهاج الدراسي للجيل الأول من 2003 حتى 2015، والواردة في عمليات الاستشارة حول المنهاج (2013)، والتي كان من أهم توصياتها:
- المطالبة بنقل بعض المفاهيم إلى مستويات أعلى.
- وجود معارف تفوق مستوى التلاميذ.
- عدم التكفل بالبعد التكنولوجي.
- صعوبة إنجاز بعض النشاطات.
- الإشارة إلى بعض الاختلالات التي تتعلق بالأنشطة في الكتاب المدرسي.
- تعدد الكفاءات في السنة الواحدة.
- التوقيت غير ملائم لتنفيذ أنشطة المنهاج[7].
هذا بالنسبة للأسباب المعلنة، أما بالنسبة للأسباب الكامنة وراء تغيير المناهج فلها علاقة بالإملاءات الخارجية وبالمنظمات العالمية، التي تريد الهيمنة الكاملة على العالم العربي والإسلامي تحت ظل العولمة، باختراق المنظومة التعليمية لتلك البلدان باسم تطوير وتغيير المناهج التربوية .والتي تتزامن مع مخططهم العالمي الجديد الرامي إلى الاستحواذ على مناطق الثروة والحضارة والرأسمال الرمزي للشعوب. وتأتي على رأس هاته المنظمات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي تلعب دورا كبيرا في تغيير المناهج الداعية للأفكار الأصولية الإسلامية، بالإضافة إلى إبرازها لدور الحضارة الغربية في التقدم الإنساني.
مميزات الجيل الثاني من المناهج:
نظرا لاتصاف المناهج التربوية بالمرونة وعدم الجمود، فإننا نجد جل دول العالم تُخضعها دوريا إلى التعديل والتحسين وإعادة النظر. ولعل من أهم ما يميز منهاج الجيل الثاني هو:
– انسجامه مع القانون التوجيهي للتربية وبالتالي مع الغايات المحددة للنظام التربوي[8].
– اعتماد البنيوية الاجتماعية التي تضع في الصدارة الاستراتيجيات التي تمكن المتعلم من بناء معارفه ضمن العمل التشاركي.
– العمل على تكامل موضوع أو مفهوم من المفاهيم في عدة مواد قصد إحداث الانسجام الأفقي والعمودي بين المواد، وتناول المشاريع المتعددة المواد[9]، وتنمية الإدماج من خلال تحديد الكفاءات العرضية والقيم بدقة ضمن ما يسمى بتشاركية المواد بحيث تصبح المواد وحدة منسجمة ومتناغمة فيما بينها لتكوين ملمح تخرج التلميذ من أي مرحلة من مراحل المسار الدراسي.
كما اعتمد في بنائه على احترام المبادئ التالية:
- الشمولية: وذلك ببناء منهاج لكلّ مرحلة تعليمية.
- الانسجام: من خلال شرح العلاقات بين مختلف مكونات مناهج السنوات وفي جميع الأطوار والميادين لمعالجة تفكك مناهج الجيل القديم، كما فصلت الكفاءات العرضية ضمانا للانسجام الأفقي للمناهج.
- القابلية للتطبيق: وتتم بالتكفّل بعملية التكيف مع شروط التنفيذ.
- المقروئية: وتعني توخي البساطة والوضوح والدقّة.
- الوجاهة: وذلك لتوخي التطابق بين أهداف التكوين التي تحملها المناهج والحاجات التربوية .[10]
وقد تم الاعتماد في هيكلة المنهاج بحلته الجديدة على أربعة محاور هي:
1) المحور المعرفي: ويتضمن المصفوفة المفاهيمية والتنظيم المنطقي للمعارف مع تقديم منسجم مع خصوصيات المادة والمفاهيم المهيكلة للمادة.
2) المحور البيداغوجي: وتتضمن البنائية والبنائية الاجتماعية والوضعية التعلمية والوضعية الاندماجية وكذا التقييم.
3) المحور النسقي: لضمان تقارب وتلاقي المناهج في وحدة شاملة وتصور شامل وتنازلي للمناهج وانسجام أفقي وعمودي للمناهج.
4) المحور القيمي: وتضمن قيَم الهوية والانتماء للعروبة والأمازيغية في إطار جغرافي وزمني محدود وكذا القيم الاجتماعية والثقافية والقيم الكونية.
وعند استقرائنا لأهم المحاور نستشف النظرة الشمولية لمنهـاج الإصلاحات وطابعه التنازلي، كونه ينتظر منه التكامل والترابط والتسلسل بين المواد، وتحقيقه الانسجام الأفقي والعمودي، مع توحيد شكله ومصطلحاته انطلاقا من ملمح التخرج الشامل للمرحلة ثم للطور ثم للسنة. زيادة على ذلك توحيد محاور الدراسة في كل المواد واللغات بما سيسمح برفع نسبة استيعاب المتعلمين وعدم تشتتهم بين عدة محاور عند الانتقال من مادة إلى أخرى. مع توخي المرحلية والتدريج في التنفيذ تفاديا للأخطاء ومعالجتها في حينها، وأيضا بزيادة حجم النصوص الجزائرية في البرامج الدراسية.
وعند الحديث عن الإستراتيجية المتعلقة بالمعلم والمتعلم من منظور مناهج الجيل الثاني فإن ما نستشفه من خطابات الوصاية والمرجعيات المعتمدة تأكيدها على المشاركة الفعالة للمتعلم وتحكمه في المعارف الوثيقة الصلة بواقعه وتوظيفها. أما بالنسبة للمعلم فينتظر منه الانتقال من دور المسيطر على العملية التعليمية إلى دور الموجِّه والمقوِّم والمنشِّط والمنظِّم والمسهِّل لها، معتمدا في تحقيق ذلك على طرائق بيداغوجية وتعليمية تتمركز حول المتعلّم أكثر مما تتمركز حول المضامين، وأن يضع نفسه دائما في منطق تعلّمي أو تكويني بدلا من منطق تعليمي أو تلقيني، على أن يعطي الأسبقية للممارسة الميدانية للتعليم والتعلم.
أما بالنسبة لإشكالية القيــم فإن السياسة المنتهجة في الإصلاح التربوي ترتكز على ضرورة نقل القيم الاجتماعية والدينية والوطنية والروحية والأخلاقية والسلوكية الموجودة في المجتمع الجزائري من خلال العمليات التعليمية إلى المتعلم، وذلك استنادا إلى (القانون التوجيهي للتربية، 2008)[11] الذي ينطوي على مهام المدرسة والقيم الروحية والمواطنة من خلال تأكيده على الشخصية الجزائرية وتعزيز وحدة الأمّة عن طريق ترقية القيم المتعلّقة بالثلاثية: الإسلام، العروبة والأمازيغية، ومدعمة بالتكوين على المواطنة والتفتّح على الحركات العالمية والاندماج فيها.
أما بخصوص عملية التقويــم فمن المنتظر أن تركز على المنتوج والمسار معا، وأن تنصب على مدى تحقق الكفاءات بغية تطوير وتعديل الأداء والممارسات، مع الحرص كل الحرص على ألا يقتصر على الجانب المعرفي، بل يشمل تقويم التعلمات جميع جوانب شخصية المتعلم (معارف، مهارات، سلوكات، مواقف).
وفي هذا الصدد تلخص عباد[12] أهم ما يميز مناهج الجيل الأول عن مناهج الجيل الثاني حسب ما هو وارد في الجدول الموالي:
الجدول (01) يوضح أوجه المقارنة بين الجيلين (الأول والثاني)
عناصر المقارنة | مناهج الجيل الأول (السارية المفعول) | مناهج الجيل الثاني |
تصور المنهاج | تصور لمناهج بترتيب زمني (سنة بعد سنة) | تصور شامل وتنازلي للمناهج يضمن الانسجام الأفقي والعمودي |
ملمح التخرج | تم التعبير عنه بشكل غايات لكل مادة وتكفل ببعض القيم المعزولة وغير المخطط لها | تهدف إلى تحقيق غاية شاملة ومشتركة بين كل المواد تتضمن قيما ذات علاقة بالحياة الاجتماعية والمهنية |
النموذج التربوي | بنائي لكفاءات ذات طابع معرفي | اعتماد البنيوية الاجتماعية التي تضع في الصدارة الاستراتيجيات التي تمكن المتعلم من بناء معارفه ضمن العمل التشاركي |
هيكلة المادة | تهيكلت على أساس مفاهيم أساسية منظمة في مجالات | تهيكلت على أساس مفاهيم منتقاة حسب قدرتها الإدماجية ومنظمة في ميادين |
المقاربة البيداغوجية | المقاربة بالكفاءات التي تستدعي جملة من القدرات المعرفية | المقاربة بالكفاءات التي تعرف بالقدرة على حل وضعيات مشكلة ذات دلالة |
مستوى تناول المفاهيم | حسب النضج العقلي للمتعلم ومكتسباته القبلية | على أساس الصعوبات التي تطرح عند ممارستها |
إستراتيجية الوصاية في تطبيق الإصلاحات:
لمواكبة هذه الإصلاحات كانت إستراتيجية الانتقال إلى مناهج الجيل الثاني مرتكزة على:
– استغلال الرصيد التاريخي لعدّة تجارب دولية في إصلاح المنظومات التربوية.
– اعتماد برنامج تكويني طويل المدى لصالح مؤطري العمليات التربوية حول المناهج والنظريات التربوية الجديدة، مع رصد العراقيل التي تواجهها في الواقع الميداني،تشرف على تكوينهم اللجنة الوطنية للمناهج التربوية ومجموعاتها المتخصصة. كما وضعت ذات اللجنة منذ بداية سنة 2015 مخطّطا وطنيا للتكوين في ثلاث مراحل موجَّها للمفتّشين المكلّفين بتبليغ هذه المضامين التكوينية على مستوى الولايات، والذي يهدف إلى استفادة كلّ المدرّسين والإداريين المعنيّين بمقاصد التحوير البيداغوجي للتكوين قبل الدخول المدرسي 2017/2016، على أن تمنح الأولوية لمدرسي الطور الأول الابتدائي (السنة 1 والسنة 2)، وكذا الطور الأوّل المتوسّط (السنة الأولى) ورؤساء المؤسّسات الابتدائية والمتوسطة.
– بلوغ نصاب 36 أسبوعا من التدريس بدلا من 32 أسبوعا، خصصت أربعة منها للتقويم التحصيلي.
– الاستناد إلى المرجعيات التي بني عليها المنهاج. أولها القانون التوجيهي للتربية الذي صدر في جانفي 2008 وهو مشتق من الدستور، والمرجعية الثانية هي المرجع العام لبناء المناهج والمحدد للضوابط العامة، أما المرجعية الثالثة فهي الدليل المنهجي لبناء المناهج.
– توفير الكتاب المدرسي بدفتر شروط محدد، مع احتكار طبعه على جهات دون أخرى.
النقد الموجه إلى مناهج الجيل الثاني:
على غرار الإصلاحات السابقة شهد الوسط التربوي نقاشا وجدلا حول هاته الإصلاحات، وتباينت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض. تحولت من كونها مسألة تعليمية تربوية لها ارتباط بسياسات وخطط التنمية إلى قضية سياسية فكرية، كانت البوادر الأولى لهذا الجدل تتعلق بالحجم الساعي. وإلا كيف يفسر التناقض بين الخطابات المؤكدة على إدراج التحسينات دون المساس بجوهر المنظومة التربوية وببنية المواد وحجمها الساعي في الوقت الذي تم فيه إعطاء مادة اللغة الفرنسية مكانة مهمة وأهمية قصوى ضمن البرنامج الجديد خاصة في الطور المتوسط، حيث تمت معادلة حجمها الساعي لمادتي اللغة العربية والرياضيات، كما قدر حجمها الساعي بمجموع ما خصص لمواد الهوية الوطنية الأربع وهي التربية الإسلامية، التربية المدنية، التاريخ والجغرافيا، إضافة إلى ذلك عدم خضوع حجمها الساعي للتقليص الكبير الذي خضعت له كل من مادة اللغة الانجليزية واللغة العربية والرياضيات. ليتعزز بهذا الطرح القائل بالاعتماد على خبراء أجانب لتحضير المناهج، وذلك للتمكين لثقافتهم وأيديولوجيتهم والسعي لتمرير وصفة جديدة لا علاقة لها بقيم المجتمع، وهو ما عبر عنه (بوكبشة، 2013، ص 26)[13] بهيمنة العقل الغربي على النخبة المفكرة والمخططة أو المشرفة على الإصلاح. ولعل ما يصدق على هذه الوضعية تأثير العامل الاستعماري وحالة القابلية للاستعمار التي لم تتحرر منها المجتمعات المتخلفة أو حالة تقليد المقلوب للغالب.
كما أنه كيف يمكن تبرير المفارقة بين ما أشارت إليه الاستشارة الميدانية (2013)[14] المطابقة لأهداف القانون التوجيهي للتربية الداعي إلى ضرورة التكفل بالبعد العلمي والتكنولوجي وبين تقزيم الحجم الساعي الذي خضعت له هاته المادتين اللتين تعدان أساس العلوم. كما أنه تجب الإجابة عن التساؤلات المرتبطة بضمانات تفادي الوقوع في الأخطاء المرتكبة عند إنجاز الجيل الأول، على غرار بناء المنهاج سنة بسنة، والنقص في التنسيق الأفقي والعمودي للمناهج، وكيفية تجسيد الكفاءات العرضية والقيم والسلوكيات، وتفادي التركيز على الكفاءات المتعلقة بالمادة ومعارفها.
ثم إن إقامة الحجج بصعوبة القيام بتجريب المناهج قبل تعميمها (نظرا للاستعجال) وإجراء التصحيحات الأولية ما هي إلا حجج للتهيئة من الآن لتقبل إصلاحات مستقبلية[15].
والسؤال الذي يفرض نفسه أيضا، ماذا يمكن أن يتغير؟ إذا كان غالبية المؤلفين والمشرفين على إعداد المناهج والكتب المدرسية الجديدة هم أنفسهم من أعدوا وأشرفوا على إعداد المناهج والكتب القديمة.
وعليه، وبالنظر إلى الجدل الذي يثار حول تخلف مناهج التعليم الجزائرية وعجزها عن ملاحقة التطورات العلمية المتسارعة، ومع أنه اتجاه يدفع نحو إحداث تغييرات حقيقية في مضامين مناهج العلوم التطبيقية وأساليب عرضها، إلا أن هذا العامل لا يصح اعتباره مسوغا لإحداث تغييرات جذرية وأساسية في مناهج التربية الإسلامية والعلوم الإنسانية كاللغة العربية، التاريخ، الجغرافيا، الدراسات الاجتماعية لأن معارف هذه المواد معارف تتميز بثبات نسبي ولا تحمل سمة التسارع التي تحملها مناهج العلوم التطبيقية، وعليه فإن التغيير هنا لا يكون إلا في أسلوب العرض ومنهجية توصيل هذه المعارف فحسب[16].
خاتمة:
وبعد دخول الإصلاحات حيز التنفيذ والاطلاع على جميع المناهج والكتب المدرسية وبعيدا عن التجاذبات والأخذ والرد، حريٌّ بنا أن نعترف بأن هشاشة ولا جودة مخرجات مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا هي من هشاشة فكرنا ومناهجنا التربوية، ناهيك عن عدم الالتزام بل وبابتعادنا شيئا فشيئا عن القيم الإسلامية والآداب العامة.
غير أنه يمكننا أن نتساءل عن مبررات اعتماد التغيير الشامل بدلا من التغيير الجزئي للمناهج المدرسية، وعن المنهجية المعتمدة من الوصاية وبعض فاعلي القطاع لتنفيذ ما تم إدراجه واعتماده من برامج ومناهج وإطلاق كتب جديدة. أم أن هذه الإصلاحات ما هي إلا تغيير للمصطلحات على غرار سابقاتها. أو أنها تسعى لتمرير وصفة جديدة تحت غطاء إصلاح المنظومة التعليمية ؟ مما سيرهن مرة أخرى مستقبل الأجيال الحالية والمستقبلية؛ أم هو استجابة للمتطلبات الاجتماعية الجديدة، وضرورة للنهوض بمستوى المنظومة التربوية في بلادنا.
توصيات البحث:
بعد استقراء محتوى مناهج الجيل الثاني، نتيقن أنها لم تسلم من الارتجالية ولن تسلم من القصور. وعليه وحتى تحقق الإصلاحات أهدافها والطموحات المرجوة منها ينبغي إخضاعها لمجموعة من التدابير والاستراتجيات أهمها:
– التكوين والتدريب الجدي للمدرسين على الكفاءات المهنية والبيداغوجية التي يحتاج إليها ليتكفل بالتجديد البيداغوجي لهاته المقاربة.
– سد العجز في تأمين أبنية مدرسية ملائمة من حيث المساحة والقاعات المجهزة بالأثاث المدرسي الذي ينبغي جعله أكثر حركية لتكوين فضاءات عمل مكيفة مع طبيعة النشاطات.
– تأمين الأجهزة والوسائل التربوية الضرورية وجميع الاحتياجات من كتب مدرسية، ووثائق وسندات تربوية.
– إحداث وتجهيز المكتبات في المدارس ودعمها بالمراجع العلمية والأدبية.
– تفعيل جهاز المتابعة بغرض التعرّف على المشكلات الناجمة جراء تطبيق الهيكلية التعليمية والمناهج الجديدة، مع تقديم تغذية راجعة سريعة وتحديد مستلزماتها وصولا إلى اقتراح الحلول الملائمة.
– إلزامية تعميم التربية التحضيرية لضمان التجانس في مستوى التلاميذ قبل دخول المدرسة.
– التشخيص الدقيق للأزمة التربوية، مع إشراك جميع الشركاء والفاعلين في متابعة وتقويم الإصلاحات.
قائمة المراجع:
–1 الاستشارة الميدانية حول التقييم المرحلي للتعليم الإلزامي (مقترحات حسب الصيغة الواردة في تقارير الندوات الجهوية) ، الجزائر، أفريل 2013.
–2 اللجنة الوطنية للمناهج، الإطار المرجعي لإعادة كتابة المناهج، الجزائر،2009 .
–3 اللجنة الوطنية للمناهج، الدليل المنهجي لإعداد المناهج، وزارة التربية الوطنية، الجزائر، 2009.
–4اللجنة الوطنية للمناهج، مقياس تكوين المكوّنين على مناهج الجيل الثاني، الجزائر، 2015.
–5النشرة الرسمية للتربية الوطنية، القانون التوجيهي للتربية رقم 08–04 المؤرّخ في 23 جانفي بالجزائر، 2008.
-6ابن منظور، لسان العرب ، دار صادر، الطبعة الثالثة، بيروت،1994.
-7 بوكبشة جمعية، تحديث المناهج التعليمية ضمن عملية الإصلاح التربوي، الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، العدد 10 جوان، 2013.
8- براح عبد العزيز، تقديم هيكلة وثيقة منهاج الجيل الثاني، ملتقى 05أفريل باتنة، 2015.
-9 دبلة عبد العالي وآخرون، المناهج التربوية العربية بين متطلبات التطوير ومطالبات التغيير، دفاتر مخبر المسألة التربوية في الجزائر في ظل التحديات الراهنة جامعة محمد خيضر ، بسكرة2015 .
-10لوصيف عبد الله، مناهج الجيل الثاني من التصميم إلى التنفيذ، ملتقى باتنة، 2015.
-11سعادة جودت أحمد، المنهج المدرسي المعاصر، دار الفكر، الطبعة الثانية، عمان، الأردن2004 .
-12 عباد مليكة، تطور المناهج الدراسية، المجموعة المتخصصة اللجنة الوطنية للمناهج، ملتقى باتنة 05 أفريل 2015.
13- HAINAUT, LOUIS, Des fins aux objectifs de l´éducation, Labor Bruxelles et Fernand, Paris, 1983.
[1]. الاستشارة الميدانية حول التقييم المرحلي للتعليم الإلزامي (مقترحات حسب الصيغة الواردة في تقارير الندوات الجهوية) ، الجزائر، أفريل 2013.
[2]. ابن منظور، لسان العرب ، دار صادر، الطبعة الثالثة، بيروت، 1994.
[3]. سعادة، جودت أحمد، المنهج المدرسي المعاصر، دار الفكر، الطبعة الثانية، عمان، الأردن،،2004 ص 55.
[4] HAINAUT, LOUIS, Des fins aux objectifs de l´éducation, Labor Bruxelles et Fernand, Paris, 1983 .
[5]. اللجنة الوطنية للمناهج، الإطار المرجعي لإعادة كتابة المناهج، الجزائر،2009 .
[6]. لوصيف عبد الله، مناهج الجيل الثاني من التصميم إلى التنفيذ، ملتقى باتنة، 2015.
[7]. اللجنة الوطنية للمناهج، مقياس تكوين المكوّنين على مناهج الجيل الثاني، الجزائر، 2015، ص 6.
. لوصيف عبد الله: المرجع السابق.[8]
[9]. براح عبد العزيز، تقديم هيكلة وثيقة منهاج الجيل الثاني، ملتقى 05أفريل باتنة، 2015.
[10]. اللجنة الوطنية للمناهج، الدليل المنهجي لإعداد المناهج، وزارة التربية الوطنية، الجزائر، 2009.
[11]. النشرة الرسمية للتربية الوطنية، القانون التوجيهي للتربية رقم 08-04 المؤرّخ في 23 جانفي بالجزائر، 2008، ص8 .
[12]. عباد مليكة، تطور المناهج الدراسية، المجموعة المتخصصة اللجنة الوطنية للمناهج، ملتقى باتنة 05 أفريل 2015.
[13]. بوكبشة جمعية، تحديث المناهج التعليمية ضمن عملية الإصلاح التربوي، الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، العدد 10 جوان 2013، ص 21-26 .
[14]. الاستشارة الميدانية: المرجع السابق.
[15]. اللجنة الوطنية للمناهج: المرجع السابق.
[16]. دبلة عبد العالي وآخرون، المناهج التربوية العربية بين متطلبات التطوير ومطالبات التغيير، دفاتر مخبر المسألة التربوية في الجزائر في ظل التحديات الراهنة جامعة محمد خيضر ،بسكرة2015 ،.