
التصور الإسلامي لعلاج معضلة السرقات العلمية
د. سمير أبيش جامعة محمد الصديق بن يحي جيجل
ينظر: كتاب أعمال ملتقى الأمانة العلمية، المنعقد بالجزائر العاصمة يوم 2017/07/11 ص97
ملخص:
يعد البحث العلمي من أهم الواجبات الملقاة على عاتق الجامعات من خلال الأقسام العلمية والمراكز البحثية والمختبرات التخصصية فيها، وذلك من أجل القيام بتأهيل الكوادر العلمية القادرة على النهوض بالمجتمع وتحقيق متطلبات واحتياجات التنمية والسياسات المنشودة، وهو ما يتطلب إعداد باحثين ذوي كفاءات وقدرات تؤهلهم للقيام بهذه البحوث العلمية.
غير أن هذه الجهود المبذولة من أجل تطوير أداء البحث العلمي كثيرا ما تصطدم بإحدى أكثر العقبات التي تنخر جسم البحث العلمي والجامعة عموما وتعمل على تثبيط الباحثين وتزرع لديهم الحيرة والشك ألا وهي ظاهرة السرقات العلمية التي أصبحت تنتشر بشكل كبير ويزداد نموها من يوم لآخر داخل الأوساط الجامعية متسببة في قتل الروح والإبداع والتنافس بين الباحثين وإصابتهم باليأس، وهو الأمر الذي يستلزم إيجاد حلول سريعة من شأنها الحد من الظاهرة ومواجهة انعكاساتها السلبية على البحث العلمي والمشتغلين به.
ومن بين أهم هذه الحلول نجد أن التصور الإسلامي بما يتميز به من منهجية متكاملة في التغيير ترتكز على التغيير الداخلي والبناء الذاتي للإنسان يقدّم نفسه كأحد الحلول التي من شأنها المساهمة في الوقاية من مخاطر السرقات العلمية، وهو ما حاولنا أن نبرزه من خلال هذه المداخلة وذلك بالإجابة على التساؤل: ما هي الحلول الناجعة التي قدمها الإسلام كرسالة سماوية خاتمة للشرائع السابقة لمعالجة مشكلة السرقات العلمية؟ وكيف يمكن أن نستفيد من هذه الحلول في مواجهة معضلة السرقات العلمية التي تعرفها الحياة العلمية في ظل الانفتاح على العالم الرقمي؟
مقدمة:
إن الدور الكبير الذي باتت تلعبه المعرفة العلمية النوعية الناتجة عن تلك الأبحاث الجادة والرصينة في مختلف المجالات العلمية في السيطرة على حياة الإنسان والتخطيط لها بأكبر قدر ممكن، جعل مختلف الدول والحكومات تعمل على مضاعفة حجم إنفاقها على التعليم وتمويل الأبحاث العلمية بما يسمح لها من توظيف نواتج هذه الأبحاث في التخطيط لسياساتها وخططها التنموية.
إن هذا الاهتمام المتزايد الذي يشهده البحث العلمي والمنشغلين به اجتماعيا واقتصاديا أدّى إلى تسلل بعض الأفراد الباحثين لهم عن تحقيق مكاسب من وراء ذلك، وهو ما سمح بظهور العديد من الممارسات والسلوكيات الغريبة عن أخلاق الممارسة العلمية أبرزها معضلة السرقات والانتحالات العلمية لأعمال وأفكار باحثين آخرين، ممّا جعل الشك والحيرة تنتاب الكثير من أولئك الباحثين الجادّين إزاء هذا الوضع الذي بات يطعن في مصداقية الجامعة ومنتجاتها، وهو ما صعّد من حدّة الدعوات داخل الحقل المعرفي بضرورة إعادة التأسيس لفعل أخلاقي يحكم وينظم الممارسة العلمية عموما والممارسة البحثية خصوصا، وذلك بغية مواجهة هذه الظاهرة التي تشهد لها استفحالا كبيرا خلال السنوات الأخيرة خاصة مع الانفتاح الكبير الذي يشهده العالم على الواقع الافتراضي والرقمي وسهولة الوصول إلى المعلومة وتعدد مصادرها وأشكالها وذلك كله في ظل غياب الوازع الأخلاقي الذي من شأنه الحيلولة أمام هذا الاستغلال السلبي لنواتج التكنولوجيا الحديثة.
ويقدم التصور الإسلامي اليوم نفسه كأحد الآليات العلاجية والوقائية التي من شأنها المساهمة في التخفيف من حدّة انتشار الظاهرة ومظاهرها، من خلال منهج ينطلق في تصوره من خصائص الشريعة الإسلامية ويرتكز على التغيير الداخلي في تعديل سلوك الفرد وتوجيهه وجعل هذا الفرد يعيش تحت تأثير المراقبة الذاتية لأفعاله وسلوكياته.
أولا- البحث العلمي، المفهوم والأهمية.
1- مفهوم البحث:
هو طريقة في التفكير وأسلوب للنظر إلى الوقائع، يصبح معها معنى المعطيات التي يتم جمعها واضحا في ذهن الباحث، وهي الخطة العامة للنشاطات التي ينشغل بها العلماء من أجل الحصول على المعرفة التي تبدأ بتصور الواقع ثم اختباره تجريبيا ([1])
2- مفهوم البحث العلمي:
– يعرفه (وتني) بأنه استقصاء دقيق يهدف إلى اكتشاف حقائق وقواعد عامة يمكن التحقق منها.
– ويعرفه (بولنسكي) بأنه استقصاء منظم يهدف إلى إضافة معارف يمكن توصيلها والتحقق من صحتها عن طريق الاختبار العلمي.
– أما أحمد بدر فيرى أن البحث العلمي هو الوسيلة الدراسية التي يمكن بواسطتها الوصول إلى حل لمشكلة محددة، وذلك عن طريق التقصّي الشامل والدقيق لجميع الشواهد والأدلة التي يمكن التحقق منها والتي تتصل بهذه المشكلة.
– في حين يرى(باكلي) بأنه البحث المنظم عن الحقيقة أو أنه البحث المنظم نحو زيادة وتنمية المعرفة.
– وأما (روميل) فيعرفه بأنه عملية فحص دقيق للكشف عن معلومات أو علامات أو علاقات جديدة لزيادة المعرفة المتاحة للناس أو التحقق منها.([2])
3- المعرفة العلمية:
إن الغرض الأساسي من البحث العلمي هو (الوصول إلى بناء المعرفة العلمية التي تشير إلى مجموعة عامة من القوانين والنظريات التي تعمل على توضيح الظواهر أو السلوكيات الهامة التي يتم الحصول عليها باستخدام الطرق العلمية).([3])
ويعرف عبد الباسط محمد الحسن المعرفة العلمية بأنها (عبارة عن مجموعة المعاني والتصورات والآراء والمعتقدات والحقائق التي تتكون لدى الإنسان نتيجة لمحاولته المتكررة لفهم الظواهر والأشياء المحيطة به، وأنها بهذا المعنى لا تقتصر على ظواهر من لون معين وإنما تتناول جميع ما يحيط بالإنسان وكل ما يتصل به).([4])
4- أهمية البحث العلمي: لم يعد ممكنا خلال هذا العصر الذي يشهد تطورا وتقدما كبيرا في مختلف ضروب المعرفة وتوسعها وانتشارها التفكير خارج سياقات المعرفة والبحث العلمي وذلك بما يمنحه هذا العلم للباحث في مشروعه العلمي أو بما يقدّمه للمجتمع والإنسانية من منتجات حضارية:
1/ أهمية البحث العلمي بالنسبة للباحث:
- يتيح البحث العلمي للباحث الاعتماد على نفسه في اكتساب المعلومة.
- يسمح للباحث بالإطلاع على مختلف المناهج واختيار الأفضل منه.
- يساعد الباحث على التعمق في الاختصاص .
- يجعل من الباحث شخصية مختلفة من حيث التفكير والسلوك والانضباط.
- التعود على معالجة المواضيع بموضوعية ونزاهة ونظام في العمل.
- لتعود على أخلاقيات العلم والبحث العلمي.([5])
2/ أهمية البحث العلمي بالنسبة للمجتمع:
- المساعدة على فهم العالم الطبيعي: حيث يقول الدكتور محمد قاسم أن المسعى الإنساني من البحث العلمي هو (تفسير ما يحدث حولنا من ظواهر لفهم العالم الطبيعي)([6])، والتنبؤ بظواهره وتعديل المعلومات حولها وذلك كله قصد التحكم والسيطرة على الطبيعة وقوانينها التي سخرها الله لخدمة الإنسان ومن أجل التقليل من الكوارث التي تنجم عن الجهل بها.
- التحكم في مصادر القوة: يقول فرنسيس بيكون إن المعرفة قوة والبحث العلمي أحد أهم لوازم امتلاك هذه القوة، ولا أدلّ على ذلك من الشواهد الواقعية لهذا العصر، وكيف أن الدول التي استطاعت أن تمتلك ناصية المعرفة والبحث العلمي لصالح برامجها التنموية والاقتصادية، جعلها ذلك تتجنب إملاءات وتدخلات الدول الأخرى في اقتصادها ومناهجها التربوية عكس الدول الفقيرة من المعرفة العلمية التي وجدت نفسها في ظل الوظيفة الجديدة للمدرسة التي سطّرتها لها النظام العالمي الجديد لا تعدوا أن تكون عبارة عن أسواق استهلاكية لمنتجات الدول القوية وميادين لتجارب أبحاثها الطبية والعسكرية.
- الوصول إلى الحقائق وتحسين أسلوب الحياة: حيث أن الثقة بالعلم والبحث العلمي هي الوسيلة الحقيقية لوصول الفرد الإنساني إلى الحقائق وتحسين أسلوب الحياة وذلك من خلال إيمان الباحث بأهمية العلم في إيجاد حلول مناسبة للمشكلات التي تواجهه.
- حل المشكلات الاقتصادية والبيئية والصحية والتعليمية والاجتماعية والسياسية.
- التخطيط لمواجهة الصعوبات التي تواجه المجتمع.([7])
ثانيا- مؤسسة الجامعة وأخلاقيات البحث العلمي
أ- لماذا الاهتمام بالأخلاق في الجامعة ؟
في كلامه عن أخلاقيات البحث العلمي في العلوم الإنسانية يقول الدكتور على البارودي (إن العلاقة بين الأخلاق والبحث العلمي علاقة قديمة ووثيقة فكما أن الإنسان بطبعه يبحث عن الحقيقة فهو بفطرته كائن أخلاقي)[8]، وبالتالي يمكن القول إن الإنسان باحث أخلاقي، والجامعة بوصفها منظمة أخلاقية فهي تعنى بالبناء العلمي والأخلاقي للطلاب ومن غير المعقول أن تنجح الجامعة في تخريج الكوادر وإجراء البحوث من غير أن يكون سلوك أساتذتها وطلابها يتجه إلى السلوكيات الأخلاقية الحميدة والإيجابية لذلك نجد أن الاهتمام بالأخلاق داخل الحرم الجامعي يسهم في:
- تحسين العلاقة بين أفراد المجتمع الجامعي من خلال بناء هذه العلاقات على الشعور بالثقة.
- شيوع الشعور بالرضا الاجتماعي نحو الجامعة ومخرجاتها.
- أخلاقيات العمل بكفاءة تشعر الطلاب والأساتذة بالثقة بالنفس وهو ما يؤكّد عليه أكبر الباحثين كشارلين بير وباترشيا ليفي في (أن الاستقامة الخلقية للباحث تعدّ أمرا على جانب كبير من الأهمية، إذ تضمن أن تكون عملية البحث والنتائج التي يصل إليها الباحث جديرة بالثقة وصادقة في الآن معا).([9])
- الالتزام الأخلاقي بالجامعة يؤمنها ضد المخاطر بدرجة كبيرة.
- الالتزام بأخلاقيات العمل يدعم عدداً من البرامج الأخرى مثل( برامج الجودة الشاملة، برامج التخطيط الاستراتيجي، برنامج التنمية البشرية) وهي من بين أكثر البرامج التي تشدد عليها الجامعات اليوم والتي منها الجامعات الجزائرية.
- الالتزام بمواثيق أخلاقية صارمة يدفع المتعاملين إلى اللجوء في تعاملاتهم إلى الجهات الملتزمة أخلاقياً، فالممارسة الجيدة تطرد الممارسة السيئة من ساحة العمل.
- التمسك بالأخلاقيات في الجامعة يخلق بيئة مناسبة للعمل بروح الفريق مما يؤدى إلى زيادة الدافعية للتقدم والرقى في مجال البحث العلمي.
- حرص الكليات على وجود ميثاق أخلاقي بها هو دليل يسترشد به الجميع عند ظهور خلافات حول سلوك معين.([10])
ب- معضلة السرقات العلمية داخل البناء الجامعي:
بالرغم من التأكيد الشديد على المكانة الاجتماعية للجامعة والمشتغلين بالبحث العلمي داخل وخارج المحيط الجامعي، وهو ما يستوجب على الباحث امتلاك الخصائص والصفات التي تعبّر على هذه المكانة من خلال الاتصاف بالأمانة العلمية والموضوعية والكفاءة وعيرها، تجد الجامعة والبحث العلمي خصوصا اليوم نفسها في مواجهة مجموعة من المعضلات التي تعرقل المسار الحقيقي لوظيفة الجامعة وترهن مكانتها الاجتماعية، وتأتي في مقدمة هذه المعوقات معضلة السرقات العلمية.
1- مفهوم السرقة العلمية:
هي مصطلح يستخدم لوصف الباحث أو الطالب الذي يغش بانتحاله لأفكار أو معلومات من أناس آخرين ويزعم أنها من جهده الخاص.
وتتمثل السرقة العلمية حسب ما يذكره محمود عودة في (عملية تحوير الأفكار أو تعديل السياق أو التغيير في بعض المصطلحات اللغوية، ببساطة هي عملية غسيل للأبحاث).([11])
2- أنواع السرقات العلمية: لمعضلة السرقات العلمية داخل الأوساط الجامعية أنواع وأشكال كثيرة ولعل أكثرها شيوعا الأمثلة التالية:
– نقل معلومات من الانترنت ونشرها في مكان آخر دون تحري الاستشهاد السليم.
– استخدام صياغة من مواد منشورة(بما في ذلك المواد المنشورة على شبكة الانترنت) دون استخدام علامات الاقتباس أو ذكر المصدر.
– تسليم مقال قد تم نقله بأكمله أو جزء منه.
– إعادة صياغة أفكار أو معلومات من مواد منشورة أو مسموعة دون ذكر المصدر.
– نقل نفس الكلمة من نص كتبه شخص آخر.
– استخدام صورة أو رسم أو فكرة أو شكل أو صوت لشخص آخر دون استشهاد مناسب.
– شراء نص من شخص واستخدامه على أنه جهد شخصي.
– تقديم أفكار في نفس الشكل والترتيب كما هي معروضة في المصدر دون اقتباس.
– جعل شخص آخر يكتب بحثا من أجلك(طالب أو أستاذ) ثم تقديمه على أنه بحثك.([12])
أمّا القرار الوزاري رقم 933 المؤرخ في: 20 جويلية 2016 الصادر عن وزارة التعليم والبحث العلمي فيعتبر السرقة العلمية جميع الأشكال التالية:
– إقتباس كلي أو جزئي لأفكار أو معلومات أو نص أو فقرة أو مقطع من مقال منشور أو من كتب أو مجلات أو دراسات أو تقارير أو من مواقع إلكترونية أو إعادة صياغتها دون ذكر مصدرها أو أصحابها الأصليين.
– اقتباس مقاطع من وثيقة دون وضعها بين شولتين ودون ذكر مصدرها وأصحابها الأصليين.
– استعمال معطيات خاصة دون تحديد مصدرها وأصحابها الأصليين.
– استعمال برهان أو استدلال معين دون ذكر مصدره أو أصحابه الأصليين.
– نشر نص أو مقال أو مطبوعة أو تقرير أنجز من طرف هيئة أو مؤسسة واعتباره عملا شخصيا.
– استعمال إنتاج فني معين أو إدراج خرائط أو صور أو منحنيات بيانية أو جداول إحصائية أو مخططات في نص أو مقال دون الإشارة إلى مصدرها وأصحابها الأصليين.
– الترجمة من إحدى اللغات بصفة كلية دون ذكر المترجم والمصدر.
– قيام الأستاذ من أي درجة بإدراج اسمه في بحث أو أي عمل دون المشاركة في إعداده.
– قيام الباحث الرئيسي بإدراج اسم باحث آخر لم يشارك في انجاز العمل بإذنه أو دون إذنه بغرض المساعدة على نشر العمل استنادا لسمعته العلمية.
– قيام الأستاذ من أي درجة بتكليف الطلبة أو أطراف أخرى بإنجاز أعمال علمية من أجل تبنيها في مشروع بحثي أو انجاز كتاب علمي أو مطبوعة يبداغوجية أو تقرير علمي.
– استعمال الأستاذ الباحث أو غيره أعمال الطلبة ومذكراتهم كمداخلات في الملتقيات الدولية والوطنية أو لنشر مقالات علمية بمجلات أو دوريات.
– إدراج أسماء خبراء ومحكّمين كأعضاء في اللجان العلمية للملتقيات الوطنية والدولية أو في المجلات والدوريات من أجل كسب المصداقية دون علم وموافقة وتعهد كتابي من قبل أصحابها أو دون مشاركتهم الفعلية في أعمالها.
ج- عوامل انتشار السرقات العلمية:
لقد كان لظهور وانتشار هذه الممارسات غير العلمية وغير الأخلاقية بين صفوف الطلبة والباحثين وعلى صفحات المجلات والدوريات وداخل المذكرات والرسائل الجامعية عوامل عديدة أهمها:
1- عدم الإلمام الكافي بأساليب البحث العلمي السليمة وطرق جمع البيانات من طرف الطلبة وحتّى بعض الأساتذة ممّا يجعلهم عرضة للوقوع في مزالق السرقات العلمية.
2- نتيجة لعدم إلمام الطلاب والباحثين بمصادر المعلومات الأصلية لمواضيع بحوثهم وفهارس المكتبات والمراجع والأبحاث والدراسات التي تناولت مواضيع هذه البحوث من قبل ممّا قد يضطرهم إلى الحصول عليها بطرق غير سوية.
3- الصعوبات التي تواجه بعض الباحثين والطلاب في مرحلة التدرج خاصة أثناء قيامهم بأبحاثهم، فإضافة إلى الصعوبات التي تتعلق بالمصادر اللاّزمة للبحث، يجد بعض الباحثين صعوبات تتعلق باختيار الميدان اللازم لإجراء الدراسة وصعوبات أخرى تتعلق باختيار أو بناء أدوات جمع البيانات، وصعوبات في تطبيق هذه الأدوات أثناء جمع البيانات، ليضاف إلى ذلك كله مشاكل الإشراف والتوجيه التي قد يعانيها بعض الطلبة([13])، خاصة إذا كان المشرف أستاذا جديدا وغير متمرس بعد في البحث العلمي، وهو ما قد يجعل من هؤلاء الطلاب والباحثين يواجهون هذه الصعوبات بالعمل على تبنى أعمال غيرهم ونسبتها لهم خاصة إذا كانوا بصدد التحضير لنيل شهادة معينة بآجال محددة.
4- مشكلة الزمن: إن البحث العلمي عملية شاقة تحتاج إلى إعمال مختلف عمليات العقل من تحليل وتركيب كما تحتاج إلى قراءة واسعة وجيدة خاصة حول موضوع البحث وهو ما يتطلب الحصول على وقت مناسب للقيام بعمل يكون عملا علميا مقبولا، فالأعمال العلمية الخالدة في تاريخ العلم كلها أعمال مكث فيها أصحابها مدة زمنية طويلة، فالذين يتكلمون مثلا عن أبرز جهد بشري بعد القرآن الكريم داخل الدراسات الإسلامية يتحدّثون عن صحيح البخاري الذي مكث فيه صاحبه أربعون عاما في جمعه وتنقيحه ومراجعته وستة عشرة عاما في كتابة شكله النهائي، ونفس الشيء بالنسبة لابن خلدون الذي مكث سنين وهو يؤلف مقدمته، غير أن الباحثين اليوم وخاصة خلال مراحل الدراسة هم ملزمون باحترام الآجال الزمنية التي تحددها لهم المؤسسة الجامعية ما يجعلهم في كثير من الأحيان يصارعون من أجل التغلب على مشكل الزمن حتّى يتمكنوا من تقديم أعمالهم في آجالها المحددة، وهو ما يجعل البعض من الطلاب يعمدون إلى استنساخ مذكرات بأكملها من جامعات أخرى أو من الانترنت كما أن البعض الآخر وهي الظاهرة الأكثر انتشارا خاصة في أقسام العلوم الاجتماعية يخترون لدراستهم متغيرين اثنين ثم يقومون باستنساخ المتغير الأول من مذكرة أو رسالة والآخر من رسالة أخرى وتقديمها على أنها أعمالهم، مستغلين في ذلك الضعف الموجود في برامج الكشف عن السرقات العلمية، ولا يختلف شأن الطلبة عن الأساتذة والباحثين الذين تظهروا عند بعضهم هذه الظاهرة خاصة في الأوراق التي يشاركون بها في الملتقيات والمؤتمرات ومختلف التظاهرات العلمية، والتي غالبا ما تكون محددة بآجال وتواريخ زمنية قصيرة مما يضطر الباحث في كثير من الأحيان إلى اللجوء إلى أساليب أخرى أشهرها انتحال أعمال الغير دون الإشارة إلى مصادرها.
5- التصورات والمفاهيم الخاطئة التي يحملها بعض الباحثين والطلاب عن البحث العلمي وأن البحث العلمي أو الرسالة العلمية مجرد تجميع لبيانات ومعلومات.
6- الفضاء الإعلامي والإلكتروني المفتوح: حيث أن توافر المعلومات والمعارف الإليكترونية بهذا الكم الهائل يغري كثيرا من الطلاب على استخدام هذه المعلومات وادعائهم لها، فاستخدام خاصية القص واللصق التي توفرها خدمة الانترنت تجعل من نقل المعلومات عملية سهلة خاصة مع الاعتقاد السائد عند البعض بأن المعلومات على شبكة الانترنت هي مجال مفتوح وعام أي أنها مجانية ومتاحة للجميع.([14])
7- ضعف الرقابة على الأعمال الفكرية وعدم التحكم في قاعدة المعطيات الخاصة بالبحث العلمي مما يسهل من عمليات الاختلاس والسرقات والانتحال.
8- عوامل ذاتية تتمثل في الكسل والخمول الفكري والبحثي الذي يميز بعض الطلاب والباحثين مما يجعلهم يبحثون عن أكثر الطرق سهولة في الحصول على المعلومات.
9- الترقيات والمنح البحثية والمناصب الإدارية: ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه أن تكون الترقية العلمية والمنح البحثية حوافز للأستاذ والباحث من أجل البحث والنشاط العلمي، أصبحت لدى الكثير من الأساتذة والباحثين إحدى أكثر عوامل الانتحال والسرقات العلمية وخاصة ما بات يعرف بالإدراج، فلكي يجمع الأستاذ أكبر عدد من شهادات المشاركة التي ستمنحه نقاطا من أجل الحصول على منحة أو ترقية جامعية أصبح الأساتذة يمارسون عملية الإدراج وهي( أكتب اسمي على ورقتك البحثية في جامعتك وأكتب اسمك في جامعتي) فتحوّل الهدف من البحث العلمي إلى جمع الشهادات والنقاط.
10- ضعف الوازع الديني والأخلاقي: حيث أنه ليس هنالك من مبرر لسرقة أعمال الآخرين وانتحال أفكارهم وإلحاق الضرر المعنوي بهم غير الابتعاد عن جوهر الدين والأخلاق، خاصة في ظل مجتمع مسلم يحث كلّ الحث على الصدق والأمانة ورعاية وحفظ حقوق الآخرين قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)([15]) وقوله صلى الله عليه وسلم (من غشّنا فليس منا) وهذه الممارسات هي بلا شك من الغش المنهي عنه في الدين لما فيها من تضييع لحقوق الآخرين والكذب على الناس.
د- أماكن انتشار السرقات العلمية.
تنتشر السرقات العلمية في العديد من الأماكن والمجالات ولكن تختلف حدّتها من مكان لآخر وأهم هذه الأماكن:
1- الرسائل والمذكرات الجامعية: وهي أكثر المجالات والأماكن التي تشهد أنواعا مختلفة من السرقات والانتحال خاصة في مرحلة التدرج.
2- المجلات والدوريات وربما تكون أقل المجالات ذيوعا لهذه الممارسات، وقد يعوذ ذلك لما تتميز به من شروط وضوابط منهجية صارمة تحدّ من هذه المخالفات.
3- مواقع الانترنت من مدونات وموسوعات إلكترونية لسهولتها وعدم التحكم فيها وتغير معلوماتها باستمرار.
4- الكتب وهي الأخرى لا تمثل مجالا محببا لهذه الممارسات خاصة وأنها موجّهة في الغالب للجمهور الواسع، مما يرجّح من إمكانية اكتشاف السرقة الواقعة بها وقد تقع في يد الباحث الذي سرقت منه شخصيا.
5- الملتقيات والندوات ومختلف التظاهرات العلمية وهي أيضا من بين الأماكن والمجالات التي تشهد ذيوعا وانتشارا كبيرا لممارسات السرقات العلمية خاصة ما يتعلق بأحد أنواعها وهو الإدراج.
ثالثا- التصور الإسلامي لعلاج معضلة السرقات العلمية
ينطلق التصور الإسلامي في علاجه لمشكلات الفرد المسلم المعاصر من أن الأزمات الأخلاقية التي يعيشها المجتمع المسلم (الكسل، الخمول والتقاعس الفكري والعلمي والترف المعرفي ومزالق السرقات العلمية وغيرها) ترجع أبرز أسبابها وعواملها الداعية إليها، إلى حالة الانهيار الروحي والداخلي التي تصيب هذا المجتمع وإلى الحالة النفسية التي يمر بها والتي عطّلت فاعليته وحركيته الحضارية، وأن الحل الأنجع للخروج من هذه الوضعية المضطربة يكمن في إعادة ترميم هذه النفسية الحائرة والمنهارة وإعادة صياغتها وتشكيلها بما يمكّن من إعادة بعث الروح بداخلها حتّى تستعيد عافيتها ودورها في الحياة، وهو الترميم الذي لا يمكن أن يتم حسب مقومات التصور الإسلامي إلاّ( بالتغيير على مستوى السلوك الفردي بوصفه المحور الأساسي في معادلة الحضارة الإنسانية وحركة التاريخ)([16])وذلك رجوعا إلى قول الله تعالى﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾([17]) وهو السلوك الذي يبنى من خلال إعادة التأسيس للعالم الروحي داخل الفرد ليصل به إلى المرحلة التي سمّاها مالك بن نبي( بالمرحلة الروحية التي يكون فيها الفرد في المجتمع بأعلى درجات التوتر الإيجابي والعطاء الاجتماعي وهو ما يسمّى بالفاعلية التي يصيح معها الفرد أمة)، تلك المرحلة التي وصلها سيدنا إبراهيم عليه السلام كما أخبر الله بذلك قال تعالى﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾([18])، إذ أن بناء العالم الروحي للإنسان هو جوهر الفعالية الفردية التي تقود إلى فاعلية المجتمع، وهي مرحلة العطاء النموذجي التي تقوم على الإخلاص والمراقبة والمحاسبة والتوبة والتوكل على الله.([19])
والتصور الإسلامي يريد أن يصل من خلال هذا التغيير في باطن الإنسان إلى أن يصل به إلى ذلك الإيمان الصحيح الذي استطاع أن ينقل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من قبائل متناحرة وبتقاليد وعادات جاهلية بالية إلى مجتمع تسوده الفضيلة والأخلاق الحميدة وتمتزج عنده أعمال الباطن بأعمال الظاهر ويرتبط لديه عالم الغيب بعالم الشهادة، وهو الإيمان الذي عبّر عنه سيد قطب بقوله أنه( متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك، وأنه بمجرّد تحققه في عالم الشعور تتحرك لتحقق مدلولها في الخارج ولتترجم نفسها إلى حركة وعمل في عالم الواقع، ومنهج الإسلام الواضح في التربية على أساس تحويل الشعور الباطن بالعقيدة وآدابها إلى حركة سلوكية واقعية وتحويل هذه الحركة إلى عادة ثابتة أو قانون مع استحياء الدافع الشعوري الأول في كل حركة لتبقى حية متصلة بالينبوع الأصلي)([20])
فجوهر التصور الإسلامي في علاج معضلة السرقة العلمية هو التركيز على بناء الضمير الحي المستشعر لمراقبة الله والمندفع بأفعاله وسلوكياته نحو نيل مرضات الله، ولتحقيق هذا الضمير وضع الإسلام مجموعة من الأساليب التي من شأنها تنشئة الفرد المسلم على سلوك الأمانة وتحصينه من مزالق الوقوع في أوحال السرقات والانتهاكات لأعمال الغير نذكر منها:
(أ)- الترغيب في تحري خلق الصدق: وذلك من خلال:
1- جعل الله خلق الصدق صفة من صفاته الجليلة قال تعالى﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾([21]) وقال أيضا ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾([22]).
2- كما جعله الله سلوكا لأنبيائه ورسله فضّلهم به على باقي خلقه قال تعالى عن إسماعيل وإدريس عليهما السلام﴿ö وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)﴾([23])، وكان محمد صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام يدعى بالصادق الأمين وكان الأكابر من قومه يضعون ودائعهم أمانة عنده لثقتهم بأخلاقه.
3- عدّ الله خلق الصدق المنزلة الثانية فضلا بعد منزلة النبوة قال تعالى وَ﴿مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾([24]) ولذلك وصف سيدنا أبو بكر رضي الله عنه بالصديق لأنه كان خير رجل بعد النبيّين كما أخبر ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم.
4- كما جعله الله من صفات عباده المؤمنين قال تعالى﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾([25]) وحضّهم وأمرهم بالالتزام به سلوكا لهم قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾([26]).
5- وختم الله حثّ عباده على تحري خلق الصدق بأن جعله طريقهم إلى مرضاته ونيل جنّاته قال تعالى﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([27])، ولقد ذكر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن قال(هو صدقهم في الدنيا)[28]، وفي صحيح الإمام مسلم يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا) ([29])، ويقول المصطفى أيضا في مسند الإمام أحمد( أربع إذا كن فيك عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة في طهر) ([30])
(ب)- الترهيب من سلوك الكذب: فبعدما ألحّ الإسلام على أفراده تحرى خلق الصدق شدّد عليهم في الابتعاد عن الكذب وأوصافه في كل أقوالهم وأفعالهم، والتي منها هذا السلوك المنافي للأخلاق الحميدة، والذي يعدّه نوعا من أنواع الكذب المذموم والسلوك الممقوت لما فيه من نصب واحتيال وتدليس على الآخرين وتعمّد إخفاء الحقائق بعدم ردّها إلى أصحابها، ومن أجل تنشئة أفراده على الابتعاد عن هذا السلوك القبيح واجتنابه عمد الإسلام إلى جملة من الأساليب نذكر منها:
1- نفى الإسلام الإيمان عن أولئك الذين يتصفون بهذا السلوك القبيح قال تعالى﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ ([31])، كما نفى عنهم أيضا الهداية لدينه قال تعالى﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾.([32])
2- كما بيّن الإسلام أن الكذب سبب لشقائهم في الدّنيا وخسرانهم في الدار الآخرة قال صلى الله عليه وسلم(عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا) ([33])، وبيّن لنا القرآن الكريم أنه كان سببا في هلاك الأمم السابقة قال تعالى﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ ([34]).
3- وجعل الله الكذب من صفات المنافقين التي يتصفون بها قال تعالى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ ([35])وهو أيضا من صفات الكافرين قال تعالى ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ﴾([36]) وقال أيضا﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾([37]).
4- وتوعّد الله هؤلاء الذين يمارسون سلوك الكذب والخديعة والنصب والاحتيال بالويل الشديد قال تعالى﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾([38]) وباسوداد وجوههم يوم القيامة قال تعالى﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾([39])
وإن الالتزام المؤمن بسلوك الصدق يؤدي به إلى صلاح باطنه، لأنه من صدق في أعماله الظاهرة صدق باطنه وزكت نفسه، ومن استوت سريرته مع علانيته فهذا هو الصدق([40])، كما أن الالتزام بسلوك الصدق يجعل الإنسان يستقيم في حياته كلها فإذا كان صادقا في إيمانه وعبادته ومع أهله وجيرانه ومجتمعه أصبحت حياته في أمن وأمان ورخاء وإذا تخلى الإنسان عن الصدق اضطربت أحواله وانتشرت الفوضى والعبث والضياع وعدم الاستقرار.([41])
(ج)- التوكيد الشديد في الحث على التثبت والتحري في نقل الأخبار:
إذ يخاطب القرآن الكريم أفراد المجتمع محذرا إياهم من مغبة الوقوع في التسرع في إطلاق الأحكام على الناس وتناقل الإشاعة دون التثبت من مصدرها الأصلي قال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾([42])وفي قراءة الإمام حمزة الزيات قال(فتثبتوا)([43]) وهو الخطاب الذي يسعى القرآن من ورائه إلى تربية أفراد المجتمع على خلق الصدق في نقل الأخبار والمعلومات، ما من شأنه أن يزرع الثقة بين أفراد المجتمع ويحفظ لهم مختلف الحقوق الفكرية وغيرها ويجعلهم يفكرون ويبدعون لإدراكهم بأن أعمالهم وأفكارهم في الحفظ والصون ولن يسرقها منهم أحد، وهي من أكثر الآثار السلبية الناتجة اليوم عن معضلة انتشار السرقات العلمية وانتحال أعمال الغير، حيث أن الكثير من الباحثين يجدون أنفسهم عاجزين عن التفكير والإبداع بأعمال علمية لهاجس الخوف الذي يعتريهم من السطو على أعمالهم وأفكارهم، وهو ما لمسناه لدي كثير من الباحثين والأساتذة الجامعيين عند المناقشة معهم حول ذلك.
(د)- أوجب الإسلام على عبادة كفالة حقوق الآخرين
حيث أنه إضافة إلى ما ذكرناه من حث الإسلام أفراده على التثبت والتحري في نقل وتناقل الأخبار والمعلومات أوجب الله على عباده عدم التعرض لحقوق الآخرين على اختلاف أشكالها وأنواعها قال تعالى ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾([44]) ولقد أنزلت الآية في حق أولئك الذين يطففون في الميزان ويأكلون أموال الناس وذلك لحرصهم الشديد على جمع الأموال وتحقيق المكاسب الدنيوية والباحث والطالب الذي يمارس السرقة والانتحال لأعمال الغير لا يخرج عن هذا السبب الذي حرّم الله به التطفيف في الميزان، وإن كانت التجارة والمال الذي يأخذ المطفف يلحق ضررا ماديا بصاحب السلعة أو المال فإن السرقة العلمية تلحق ضررا معنويا كبيرا بصاحب العمل أو الفكرة الأصلي وقد يتعدّى ذلك حتى إلى الضرر المادي من خلال العوائد المادية لهذا العمل.
(ه)- تنشئة أفراد المجتمع على خلق الأمانة: ومن بين أهم الأساليب التي سعى الإسلام من خلالها إلى تنشئة أفراده على خلق الأمانة:
1- دعوتهم إلى وجوب أداء أمانات الناس وحفظها ورعايتها قال تعالى﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾([45]) وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم( أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)([46]) والأمانة التي وردت في الحديث عامة في حقوق الله عز وجل على عباده في جميع العبادات من صلاة وزكاة وحج وصوم وجميع الأعمال الصالحة وكذلك حقوق العباد من مبيعات وودائع ومعاملات فالإنسان مؤتمن على هذه الحقوق فيجب تأديتها)([47])
2- ومن أجل التوكيد الشديد على الأخذ بخلق الأمانة كرر القرآن الكريم كلمة الأمانة أكثر من أربعين مرة حتّى ينشأ المسلم على قيمها وفضائلها.
3- عدّ القرآن الكريم خلق الأمانة صفة من صفات الملائكة المقربين التي جعلت الله يستأمنهم على وحيه وتبليغ كلامه ويجعلهم رسلا لأنبيائه قال تعالى مخبرا عن جبريل عليه السلام﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾([48]).
4- وكما جعلها الله صفة لملائكته المقربين فقد جعلها أيضا من صفات أنبيائه ورسله المرسلين قال تعالى على لسان نبيه هود عليه السلام في رسالته إلى قومه﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)﴾([49])
5- جعل الله خلق أداء الأمانة من صفات عباده المؤمنين التي ينالون بها أعلى درجات الجنة، إذ أنه عندما عرّج إلى ذكر صفات فلاح المؤمنين في الدنيا في سورة المؤمنين ذكر أن من بين صفات فلاحهم أداء الأمانة قال تعالى﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) ﴾([50])، ولقد كان سيد الخلق أجمعين من أكثر أوصافه قبل الإسلام الصادق الأمين لما كان يتميز به من خلق الأمانة بين أهله، وهو الخلق الذي أهله أن ينال شرف أعظم رسالة ربانية إلى بني البشر قاطبة.
(و)- التحذير من خيانة الأمانة
فكما رغّب الإسلام عباده إلى نهج خلق الأمانة حذّرهم من الوقوع في مزالق سلوك الخيانة قال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾([51])وبين لهم المصائب التي قد تلحقهم جرّاء نهج هذا السلوك القبيح وذلك من خلال:
1- بين القرآن بغض الله وكرهه لأولئك الذين يتصفون بسلوك الخيانة قال تعالى ﴿ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾([52])
2- جعل الله ورسوله الخيانة صفة من صفات المنافقين والكافرين التي يتميزون بها عن المؤمنين قال تعالى﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾([53]) وقال صلى الله عليه وسلم( آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان)([54])
3- كما نفى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على المتصف بسلوك الخيانة أصول الإيمان والهداية قال تعالى﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾([55])وقال صلى الله عليه وسلم( لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له)([56])وقال صلى الله عليه وسلم أيضا( لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ ولا يجتمع الصدق والكذب جميعا ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعا)([57])
7- يعلّم الإسلام أفراده إلتزام أسلوب الدقة في الحديث قال تعالى﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾([58]) وهو في ذلك يزرع فيهم خلق التقيد بالنقل الصحيح والسليم عن الذين يأخذون عنهم.
8- كما يعلم الإسلام عباده التوكّل على الله قال تعالى﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) ﴾([59]) وذلك في قضائهم لحوائجهم وينهاهم عن سلك الطرق غير المشروعة في ذلك ويبين لهم أن الرزق كله من الله ويأمرهم بالابتعاد عن الدنيا وشهواتها وأن يجعلوا جميع أعمالهم موصولة بالدار الآخرة وأن كل صغيرة يفعلونها في الدنيا سيحاسبون عيها يوم القيامة قال تعالى ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ ([60]).
(ز)- الحث على الصبر في طلب العلم:
لقد حثّ الإسلام عباده في آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة على طلب العلم وبيّن لهم مكانة طالب العلم والساعي عليه عند الله قال تعالى ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾([61]) وقال أيضا ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾([62]) وجعل الله أجر طالب العلم كأجر المجاهد في سبيل الله وبيّن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه من سلك طريق يلتمس فيه علما سهّل الله له طريقا إلى الجنة، ولقد بين الإسلام أن هذه المنزلة العالية والدرجة الرفيعة لا ينالها طالب العلم إلاّ إذا توفرت فيه خصال الصدق والأمانة والإخلاص لله عز وجل وإلا ّكان عمله باطلا لا حضّ له منه إلا ما يناله في هذه الدنيا من مدح الناس والترقيات التي ينالها أمّا في الآخرة فسيكون من الخاسرين، قال تعالى﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾([63])
رابعا- الأمانة العلمية في تاريخ الحضارة الإسلامية
لقد شهدت الحضارة الإسلامية بفضل التزام علمائها بذلك المنهج الرباني الذي رسمه لها القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم جوا علميا كانت تسوده روح الأمانة العلمية والثقة المتبادلة بين العلماء وطلبة العلم في تحصيل مختلف المعارف واستطاع هؤلاء الطلبة والعلماء أن يتنزّهوا بفضل هذا المنهجي الرباني من مختلف الممارسات السلبية وأن يتمكنوا من الإبداع والبراعة في مختلف العلوم الدينية واللغوية والتجريبية وأن تقدّم الحضارة الإسلامية للعالم مجموعة ناصحة من الباحثين الجادين الذين ساهمت أعمالهم في بلورة الفكر والحضارة المعاصرة من خلال أبحاثهم ونظرياتهم في علوم البصريات والهندسة والفلسفة والجبر والفلك والطب والكيمياء وصناعة الأدوية وعلم العمران البشري وغيرها.
وينقل لنا الدكتور راغب السرجاني الباحث في التاريخ الإسلامي صورا عجيبة لخلق الأمانة العلمية التي كانت سائدة عند العلماء المسلمين والتي يقول عنها أنها كانت منهج هؤلاء العلماء في كل علومهم، سواء كان علمًا شرعيًّا أو حياتيًّا إذ كانوا حريصين أشد الحرص على تحري الدقة والأمانة العلمية فيما ينقلونه عن غيرهم، حتى ولو كان النقل عن مجهولين، وكان ذلك واضحًا في كل كتبهم وتصانيفهم، ومن هذا مثلاً ما يقوله ابن الأثير في مقدمة كتابه (الكامل)، بعد أن يذكر السبب الذي من أجله كان كتابه هذا “ولا أقولُ إني أتيتُ على جميع الحوادث المتعلّقة بالتاريخ؛ فإنَّ من هو بالموصل لابد أن يشذَّ عنه ما هو بأقصى الشرق والغرب، ولكن أقول: إنني قد جمعت في كتابي هذا ما لم يجتمع في كتاب واحد، ومن تأمَّله علم صحَّة ذلك. فابتدأت بالتاريخ الكبير الذي صنّفه الإمام أبو جعفر الطبري؛ إذ هو الكتاب المعوّل عند الكافة عليه، والمرجوعُ عند الاختلاف إليه، فأخذت ما فيه من جميع تراجمه، لم أُخلّ بترجمة واحدة منها، وقد ذكر هو في أكثر الحوادث روايات ذوات عدد، كلّ رواية منها مثل التي قبلها أو أقل منها، وربّما زاد الشيء أليسير أو نقصه، فقصدتُ أتمّ الروايات، فنقلتها وأضفت إليها من غيرها ما ليس فيها، وأودعت كل شيء مكانه، فجاء جميع ما في تلك الحادثة على اختلاف طرقها سياقًا واحدًا على ما تراه، فلمّا فرغتُ منه وأخذتُ غيره من التواريخ المشهورة فطالعتها وأضفت منها إلى ما نقلته من تاريخ الطبري ما ليس فيه، ووضعتُ كلّ شيء منها موضعه.. ” وترى المقريزي في مقدمة كتابه (المواعظ والاعتبار) يذكر أنه سلك في كتابه هذا ثلاثة أنحاء، وهي: “النقل من الكتب المصنفة في العلوم، والرواية عمن أدركت من شيخه العلم وجِلَّة الناس، والمشاهدة لما عاينته ورأيته. فأما النقل من دواوين العلماء التي صنفوها في أنواع العلوم؛ فإني أعزو كل نقلٍ إلى الكتاب الذي نقلته منه؛ لأخلص من عهدته، وأبرأ من جريرته، فكثيرًا ممن ضمني وإياه العصر، واشتمل علينا المصر صار لقلة إشرافه على العلوم وقصور باعه في معرفة علوم التاريخ، وجهل مقالات الناس، يهجم بالإنكار على ما لا يعرفه، ولو أنصف لعلم أن العجز من قبله وليس ما تضمنه هذا الكتاب من العلم الذي يقطع عليه، ولا يحتاج في الشريعة إليه، وحسب العالم أنْ يعلم ما قيل في ذلك ويقف عليه، وأما الرواية عمن أدركت من الجِلَّة والمشايخ؛ فإني في الغالب والأكثر أصرح باسم من حدّثني إلا أن لا يحتاج إلى تعيينه، أو أكون قد أنسيته، وقلّ ما يتفق مثل ذلك، وأمّا ما شاهدته؛ فإني أرجو أن أكون – ولله الحمد – غير متهم ولا ظنين” وأبو كامل المصري من علماء القرن الثالث الهجري، والذي كان يُلقب بأستاذ الجبر، وقد صنف فيه كتابه المعروف بـ (الكامل بالجبر) فقد ذكر في هذا الكتاب أيضًا أنه إنما هو تكملة لما وصل إليه أستاذه محمد بن موسى الخوارزمي عن الجبر والمقابلة!! وأما أبناء موسى بن شاكر فقد كان لهم مع الأمانة العلمية شأنًا عجيبًا، فتراهم في أشهر كتبهم، وهو “الحيل”، يوضحون ما ليس من عملهم، وما قد يخفى على كثير من أمتهم فيقولون: ” فكل ما وصفْنا في كتابنا فإنه من عَمَلنا، إلا معرفة المحيط من القطر؛ فإنه من عمل أرشميدس، وإلا معرفة وضع مقدارين بين مقدارين لتتوالى على نسبة واحدة؛ فإنه من عمل مانا لاوس” !! وهذا عالم يشهد على أبيه وأعجب من ذلك أن ترى العالم المسلم يشهد على أبيه؛ التزامًا بنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم!! فقد ذكر ابن حبان أن علي بن المديني سُئِل عن أبيه فقال: اسألوا غيري. فقالوا: سألناك. فأطرق، ثم رفع رأسه وقال: هذا هو الدين، أبي ضعيف!! دفعته الأمانة العلمية إلى أن يعترف بالحق، فيُضعِّف أباه؛ حتى لا يُؤخذ عنه ما قد يُسيء إلى العلم، أو إلى الدين بصفة عامة.([64])
ومن أجل ضمان الأمانة العلمية اخترع العلماء المسلمون علم الأسانيد وكان كل واحد منهم يضمّن كتبه جميع الأسانيد التي أخذ عنها علمه وهي من المنهجيات العجيبة التي تختص بها الحضارة الإسلامية ولا يعرف لها مثيل عند غيرها وبها ظل العلم محفوظا موثوقا لعشرات القرون متواترا جيلا بعد جيل إلى زماننا هذا، ولقد كان هؤلاء العلماء يشددون أيّما تشديد على هذا العلم ويحذّرون من التساهل فيه، فالإمام عبد الله بن المبارك كان يقول في ذلك( الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)( [65]).
كما اخترع العلماء المسلمون من أجل حماية العلم من الغش والتدليس والدخلاء علم الجرح والتعديل وهو العلم الذي برع فيه علماء كالإمام الذهبي والسيوطي وغيرهم، حيث كانوا يقومون فيه بالنظر في سلوك الرجال أو العلماء وتقصى عدالتهم ونزاهتهم وصدقهم، وكانوا يسقطون الأهلية العلمية على من ثبت لديهم عدم نزاهته في نقل الأخبار أو في أخلاقه أو حتّى في حفظه ولا يعتدّون تبعا لذلك بما ينقله من علم ويعدّونه من قبيل الضعيف الذي يجب الاحتياط من علمه، أمّا إذا تبيّن لهم فحش أهليته بسبب كثرة النقائص الذي تعتريه فإنهم لا يعتدّون بعلمه كلية ويصفونه بالمتروك.
إضافة إلى علم الإسناد وعلم الجرح والتعديل الذي كان العلماء المسلمون يحفظون به المعرفة العلمية من السرقة كانوا ينشّؤون ويربون أنفسهم على ثقافة ساهمت بشكل كبير في ابتعادهم عن السرقات العلمية وهي ثقافة لا أدري أو ثقافة لا أعلم تأسيا منهم في ذلك بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يذكر الدكتور راغب السرجاني(وما أبلغ الدرس الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يجيب أحيانًا على بعض الأسئلة بقوله: “لا أدري”، مع كونه أعلم الخلق، وسيد البشر، وخير الرسل، يروي جبير بن مطعم رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا أَدْرِي فَلَمَّا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام قَالَ: “يَا جِبْرِيلُ، أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟” قَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي عز وجل. فَانْطَلَقَ جِبْرِيلُ عليه السلام، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ سَأَلْتَنِي: أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عز وجل أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ فَقَالَ: أَسْوَاقُهَا[66]، وليس هذا هو الموقف الوحيد في حياته صلى الله عليه وسلم؛ فقد سُئِل عن أهل الكهف، وسُئِل عن الساعة، وكذلك عن الرُّوح، وسُئِل عن ذي القرنين، ولم يُجب عن كل ذلك حتى نزل عليه الوحي بالإجابة، وهو في ذلك غير ناظرٍ ولا عابئٍ بما كان يقوله المشركون حين يتأخّر الوحي بها!! وقد وعى الصحابة رضي الله عنهم الدرس، وتعلموا منه صلى الله عليه وسلم كلمة “لا أعلم”، وصارت لهم منهجًا في الحياة وعن الهيثم بن جميل قال: “شَهِدْتُ مالكًا سُئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري وسُئِل عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل: هي مسألة خفيفة سهلة، فغضب وقال: ليس في العلم شيء خفيف، وهذا ابن النفيس شيخ الطب في زمانه، ومكتشف الدورة الدموية الصغرى، تقدم إليه أحد المرضى، وسأله عن علاج لورمٍ في يده، فلمّا فحصه قال في تواضع: ” أعرف صفة الورم، وأتفهَّم أسبابه، ولكنني لا أعرف له علاجًا؛ فالتمسه عند غيري” وروى الخطيب البغدادي في تاريخه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ” العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسُنَّة ماضية، ولا أدري.([67])
بهذا المنهج السديد المبني على الفطرة السليمة التي تنادي بها الشريعة الإسلامية استطاعت الحضارة الإسلامية أن تسجّل حضورها في تاريخ الفكر الإنساني وترسم لها أروع اللوحات من الإبداع والإتقان العلمي الذي ما زال راسخا إلى اليوم كدليل على أصالة منهج التصور الإسلامي في حماية المعرفة العلمية من مزالق معضلة السرقات العلمية وتوفير الجو والمناخ الفكري المناسب للحياة العلمية.
الخاتمة
إن الممارسة العلمية هي ممارسة أخلاقية بالأساس وسلوك الباحث العلمي لا يمكنه أن ينفصل عن سلوكه الأخلاقي الذي يعمل على توجيه وترشيد أفعاله وسلوكياته.
ومن هذا المنطلق يقدم التصور الإسلامي المبني على مصادر الشريعة الإسلامية السمحة نفسه كأحد أنجع الحلول القادرة على مجابهة هذه المعضلة التي باتت تؤرق الجامعة والبحث العلمي ومختلف الفعاليات المهتمة بذلك وذلك من خلال منهجه الرباني الذي يستهدف التغير الداخلي في الإنسان والعمل على تعديل سلوكه بما يتوافق والفطرة الأخلاقية للإنسان وجعله يتفاعل في حياته الاجتماعية والعلمية من خلال استشعار المراقبة الذاتية والاسترشاد بمنهج الله.
ويتحقق ذلك حسب خصائص التصور الإسلامي بواسطة بناء الفرد المسلم وتنشئته على خلق الأمانة والصدق وأداء الواجبات والتوكل على الله وإدراك حقوق الآخرين وترك الكذب والخيانة والتواكل والتعدي على حقوق الآخرين وهي القيم التي من شأن الفرد في حال اكتسابها أن يتنزّه على سرقة أعمال الآخرين أو التعرض إليها.
ويقدم لنا تاريخ الحضارة الإسلامية صورة مشرفة من الإبداع العلمي والفكري الذي استطاعت أن تحققه هذه الحضارة في ضل منهج التصور الإسلامي الذي كان يحكم الحياة العلمية، وكيف استطاع أن يحمي المعرفة العلمية من هذه المعضلة المؤرقة ويمنح للباحثين والعلماء جوا تسوده الثقة والأمان والاحترام المتبادل والاعتراف الصريح بـأعمال الغير التي بذلوها دون أي حرج.
مراجع الدراسة
– القرآن الكريم
1- أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن ج6، تحقيق هشام سمير البخاري.عالم الكتب، الرياض، 2003
2- الأسدي سعيد جاسم ، أخلاقيات البحث العلمي في العلوم الإنسانية والتربوية والاجتماعية، ط2، مؤسسة وارث الثقافية، العراق، 2008.
3- باتشيرجي أنول، بحوث العلوم الاجتماعية المبادئ والمناهج والممارسات، ترجمة خالد بن ناصر آل حيّان، ط2، دار اليازوري للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2015.
4- البارودي رشا على ، أخلاقيات البحث العلمي في العلوم الإنسانية، مجلة جامعة الخرطوم، 2004.
5- محمد سالم بن جمعان، أخلاقيات البحث العلمي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، تاريخ الزيارة 30/06/2017 الساعة 23:04 http://hust.edu.oak.arvixe.com/media/
6- الحسن عبد الباسط محمد، أصول البحث الاجتماعي، ط11، مكتبة وهبة، القاهرة، 1990.
7- الخير محمد السيد ، فتح السميع المجيب من قراءة الإمام حمزة بن حبيب، ج2، دار السداد للطباعة، الخرطوم، 2005.
8- الداودي قرواز، فلسفة التغيير الاجتماعي عند مالك بن نبي، مجلة العلوم الاجتماعية، العدد 19، ديسمبر 2014، جامعة سطيف.
9- شارلين هس بير وباترشيا ليفي، البحوث الكيفية في العلوم الاجتماعية، ترجمة هناء الجوهري، المركز القومي للترجمة، القاهرة.
10- صوفان ممدوح عبد المومن، دليل أخلاقيات البحث العلمي، جامعة المنصورة، مصر، 2012.
11- عبد المومن على معمر مناهج البحث في العلوم الاجتماعية، منشورات جامعة السابع أبريل، لبيا، 2008.
12- العجوري، على الأمن الأخلاقي(دراسة قرآنية موضوعية)، رسالة ماجستير غير منشورة في التفسير وعلوم القرآن، كلية أصول الدين، الجامعة الإسلامية بغزة، 2009.
13- عزام حرية محمد، منهجيات التغير والإصلاح في ضوء سورة النساء، ماجستير في التفسير وعلوم القرآن، الجامعة الإسلامية بغزة، 2015.
14- عمادة التقويم والجودة، سلسلة دعم التعلم والتعليم في الجامعة، السرقات العلمية ما هي ؟ وكيف أتجنبها؟، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، 1443ه.
15- عودة محمود، البحث الاجتماعي في سياق الخصخصة والتكيف الهيكلي، ضمن كتاب مؤتمر أخلاقيات البحث العلمي الاجتماعي، 16-18/10 1995، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، القاهرة.
16- قطب سيد، في ظلال القرآن، ج4، ط17، دار الشروق، بيروت، 1412ه
17- محمد قاسم محمد، المدخل إلى مناهج البحث العلمي، دار النهضة العربية، بيروت، 1999.
18- محمود نور، المنهج القرآني في تزكية الأنفس، رسالة ماجستير في التفسير وعلوم القرآن، الجامعة الإسلامية غزة، 1012.
19- عبد الكريم مقيدش، مذكرة في أحكام التجويد برواية ورش عن نافع من طريق الأزرق، مكتبة إقرأ، قسنطينة، 2008.
20- السرجاني راغب ، الأمانة العلمية من أخلاق العلماء، بتاريخ 28/05/2017 الساعة 01:54 http://islamstory.com
21- وزارة التعليم والبحث العلمي القرار الوزاري رقم 933 المؤرخ في: 20 جويلية 2016.
[1]– على معمر عبد المومن، مناهج البحث في العلوم الاجتماعية، منشورات جامعة السابع أبريل، لبيا، 2008، ص74.
[2]– نفس المرجع، 76.
[3]– باتشيرجي أنول، بحوث العلوم الاجتماعية المبادئ والمناهج والممارسات، ترجمة خالد بن ناصر آل حيّان، ط2، دار اليازوري للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2015، ص 17.
[4]– عبد الباسط محمد الحسن، أصول البحث الاجتماعي، ط11، مكتبة وهبة، القاهرة، 1990، ص 18.
[5]– ممدوح عبد المومن صوفان، دليل أخلاقيات البحث العلمي، جامعة المنصورة، مصر، 2012، ص6.
[6]– محمد محمد قاسم، المدخل إلى مناهج البحث العلمي، دار النهضة العربية، بيروت، 1999، ص 13.
– على معمر عبد المومن، مرجع سابق، ص 78[7]
2- رشا على البارودي، أخلاقيات البحث العلمي في العلوم الإنسانية، مجلة جامعة الخرطوم، 2004، ص1.
– شارلين هس بير وباترشيا ليفي، البحوث الكيفية في العلوم الاجتماعية، ترجمة هناء الجوهري، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ص163.[9]
[10]– محمد سالم بن جمعان، أخلاقيات البحث العلمي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، ص 4 تاريخ الزيارة 30/06/2017 الساعة 23:04 http://hust.edu.oak.arvixe.com/media/
[11]– محمود عودة، البحث الاجتماعي في سياق الخصخصة والتكيف الهيكلي، ضمن كتاب مؤتمر أخلاقيات البحث العلمي الاجتماعي، 16-18/10 1995، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، القاهرة، ص138
[12] – عمادة التقويم والجودة، سلسلة دعم التعلم والتعليم في الجامعة، السرقات العلمية ما هي ؟ وكيف أتجنبها؟، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، 1443ه، ص10.
[13] – سعيد جاسم الأسدي، أخلاقيات البحث العلمي في العلوم الإنسانية والتربوية والاجتماعية، ط2، مؤسسة وارث الثقافية، العراق، 2008، ص 18.
[14] – عمادة التقويم والجودة، مرجع سابق، ص13.
[15] – سورة التوبة الآية 119.
[16] – قرواز الداودي، فلسفة التغيير الاجتماعي عند مالك بن نبي، مجلة العلوم الاجتماعية، العدد 19، ديسمبر 2014، جامعة سطيف، ص 27.
[17] – سورة الرعد الآية 11
[18] – سورة النحل الآية 120
[19] – قرواز الداودي، مرجع سابق، ص 29.
[20] – سيد قطب، في ظلال القرآن، ج4، ط17، دار الشروق، بيروت، 1412ه، ص2525.
[21] – سورة آل عمران، الاية 95.
[22] – سورة النساء، الآية 122.
[23] – سورة مريم، الآية 51،52،53 و54.
[24] – سورة النساء، الآية 69.
[25] – سورة الحجرات، الآية 15.
[26] – سورة التوبة، الآية 119.
[27] – سورة المائدة الآية 119-120.
8– أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن ج6، تحقيق هشام سمير البخاري.عالم الكتب، الرياض، 2003، ص379.
[29] – صحيح مسلم، برقم 103- 2607، كتاب البر والصلة والآداب، باب قبح الكذب وحسن الصدق، ص1361.
[30] – رواه أجمد في المسند برقم 6652، ص 6/210. أنظر على العجوري، الأمن الأخلاقي( دراسة قرآنية موضوعية)، رسالة ماجستير غير منشورة في التفسير وعلوم القرآن، كلية أصول الدين، الجامعة الإسلامية بغزة، 2009، ص 19.
[31] – سورة النحل، الآية 105
[32] – سورة غافر، الأية 28.
[33] – رواه مسلم.
[34] – سورة الأنعام، الآية 11.
[35] – سورة البقرة، الآية 9، 8، 10.
[36] سورة الزمر، الآية رقم 33.
[37] سورة الزمر، الآية رقم 59.
[38] – سورة الجاثية، الآية 7.
[39]– سورة الزمر، الآية رقم 60.
[40] – محمود نور، المنهج القرآني في تزكية الأنفس، رسالة ماجستير في التفسير وعلوم القرآن، الجامعة الإسلامية غزة، 1012، ص84.
[41] – العجرودي، مرجع سابق، ص25.
[42] – سورة الحجرات، الآية 6.
2- محمد السيد الخير، فتح السميع المجيب من قراءة الإمام حمزة بن حبيب، ج2، دار السداد للطباعة، الخرطوم، 2005، ص198.
[44] – سورة الشعراء، الآية 183.
[45] – سورة النساء، الآية58.
[46]– رواه الترمذي في سننه (1/238) والحاكم في مُستدركه (2/46)
[47] – حرية محمد عزام، منهجيات التغير والإصلاح في ضوء سورة النساء، ماجستير في التفسير وعلوم القرآن، الجامعة الإسلامية بغزة، 2015، ص 126.
[48] – سورة الشعراء، الآية 192.
[49] – سورة الأعراف، الآية 68.
[50] – سورة المؤمنون، الآية 1-10.
[51] – سورة الأنفال، الآية28.
[52] – سورة النساء، الآية 107
[53] – سورة الحج، الآية 38.
[54]– رواه البخاري (33) ومسلم (59)
[55] – سورة يوسف، الآية52.
[56] – رواه الطبراني
[58] – سورة الحجرات، الآية 14.
10– سورة آل عمران ، الآية 159-160.
[60] – سورة الزلزلة، الاية8.
[61] – الزمر، الآية 9
[62]– سورة المجادلة، الآية 11.
[63] – سورة الشورى، الآية20.
[64] – راغب السرجاني، الأمانة العلمية من أخلاق العلماء، بتاريخ 28/05/2017 الساعة 01:54 http://islamstory.com
1– ىعبد الكريم مقيدش، مذكرة في أحكام التجويد برواية ورش عن نافع من طريق الأزرق، مكتبة إقرأ، قسنطينة، 2008، ص10.
2- رواه أحمد ( 16302 ) وصححه الألباني في ” صحيح الترغيب ” ( 325 )