
الأخطاء الشائعة في إعداد الأبحاث العلمية و طرق مكافحتـها
د. أمال بن بريح ، أستاذة محاضرة بكلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة ” لونيسي علي” ( البليدة 2)
(ينظر: كتاب أعمال ملتقى الأمانة العلمية، المنعقد بالجزائر العاصمة يوم 11/07/2017، ص 43)
Résumé :
La séance des méthodes est devenue une séance de toutes les spécialités vu son avantage au niveau des études et la recherche scientifique ; elle est unique, mais elle est appliqué différemment d’une séance a d’autre ; chaque spécialités prendra ses bases et règles de cette séance des méthodes.
La séance des méthodes est la base de toutes recherches scientifiques et surtout que ces recherches sont reconnues par leur organisation et précision, et les résultats obtenus ne se sont pas des coïncidences mais des résultats étudiés et ciblé et ce montre la crédibilité des résultats de la recherche scientifique.
Pour que la recherche scientifique soie organisée, il faut suivre des étapes précises lors de l’exécution, ses étapes sont des applications de la méthodologie dans le concept général, ce qui signifie toutes les moyens et règles tracés pour l’établissement de la recherche scientifique, ses étapes ce sont les mêmes pour toutes les sciences malgré la différence des sujets sachant que quelques spécialités présentent certaines critères uniques.
ملخص المداخلة:
البحث العلمي هو عمل منظم ومضبوط بتقنيات عديدة و مدروسة على الباحث احترامها. لكن و بحكم تدريسي لطلبة الدكتوراه و الماستر-2- فقد استخلصت وجود بعض الأخطاء الشائعة و المتداولة بينهم و التي أصبحت ـ و للأسف ـ كأنها من قواعد و أساسيات مناهج البحث العلمي.
لأجل هذا فقد لفت انتباهي موضوع هذا المؤتمر و ازددت حماسا للمشاركة فيه قصد محاولة توضيح وتصحيح هذه الأخطاء الموجودة ابتداء من سوء اختيار مواضيع الأبحاث العلمية إلى غاية نهاية إنجازها.
ولعل أهم هذه الأخطاء وأكثرها انتشارا ما يلي:
ـ عدم احترام العوامل الذاتية( المرتبطة بشخص الباحث) و الموضوعية( المتعلقة بطبيعة البحث) و المرتبطة بحسن اختيار موضوع البحث العلمي.
ـ عدم احترام التوازن الشكلي و الموضوعي لخطة البحث العلمي.
ـ عدم احترام مبدأ مرونة خطة البحث العلمي و تناسق العناصر المكونة لها.
ـ عدم التمكن من تقنيات إنجاز الأبحاث العلمية و المتعلقة خصوصا بوضع إشكالية مضبوطة للبحث تتناسب و تتناسق مع موضوعه.بحيث يكون كل جزء من الموضوع يمثل جزء من الإجابة عن تلك الإشكالية المطروحة في المقدمة، دون زيادة و لا نقصان. ( وهذا ما سميته بتقنية ضبط الإشكالية و شموليتها).
ـ بالإضافة إلى مبدأ انسجام العناوين الرئيسية مع الفرعية المنبثقة عنها. و مبدأ عدم الخروج عن موضوع البحث العلمي. و قواعد التهميش و الأمانة العلمية … و غيرها .
مقدمـة:
تخضع عملية إعداد البحث العلمي لمقتضيات نظامية و شكلية و تطبيقية، فضلا عن المتطلبات الجوهرية الموضوعية التي يعد الجهد الفكري محورها الأساسي، يتعلق بعضها بتنظيم الجهود الفكرية للحصول على النتائج بيسر و بأقصر طريق و أقل وقت، و البعض الآخر لتنظيم هذه النتائج المحصلة لتوظيفها عمليا لتبرز بدقـة و وضوح.
لكن وللأسف أصبحنا اليوم نفتقد لهذه الصفات في الأبحاث العلمية، إذ صارت هذه الأخيرة غير مطابقة لقواعد و تقنيات المنهجية العلمية السليمة.
بحيث شـاعت وسط الباحثيـن المبتدئين و كذا الطلبة المقبلين على إعداد مذكـراتهم و رسائلهم من أجل التخرج بعض الأخطاء التي تعتبر انتهاكا صارخا لمبادئ و أسس منهجية إعداد الأبحاث العلمية.
ومن الأخطاء الأكثر شيوعا هو اعتقاد الكثير من الباحثين المبتدئين أن البحث العلمي يبدأ الإعداد و التحضير لإنجازه منذ الشروع فيه، إلا أن الصحيح هو أن هناك عدة خطوات مهمة و معايير دقيقة على الباحث الالتزام بها قبل أن يختار أصلا عنوان مشروع بحثه.
و عليه ومن خلال هذه المداخلة سأحاول تسليط الضوء على أهم هذه الأخطاء المرتكبة من طرف الباحث سواء عن قصد أو عن غير قصد، مع محاولة إعطاء بعض الحلول المناسبة لها. وذلك من خلال خمس نقاط نوردها كالآتي:
أولا: عدم احترام العوامل الذاتية و الموضوعية المرتبطة بحسن اختيار موضوع البحث العلمي.
ثانيا: عدم احترام التوازن الشكلي و الموضوعي لخطة البحث العلمي.
ثالثا: عدم احترام مبدأ مرونة خطة البحث العلمي و تناسق العناصر المكونة لها.
رابعا: عدم التمكن من تقنيات إنجاز الأبحاث العلمية و المتعلقة خصوصا بوضع إشكالية مضبوطة للبحث تتناسب و تتناسق مع موضوعه.
خامسا: عدم احترام قواعد التهميش و علاقته بخيانة الأمانة العلمية.
أولا: عدم احترام العوامل الذاتية و الموضوعية المرتبطة بحسن اختيار موضوع البحث العلمي.
إن مرحلة اختيار موضوع البحث العلمي تخضع لعوامل ذاتية(مرتبطة بشخص الباحث) و أخرى موضوعية(متعلقة بطبيعة البحث). ذلك لأن حسن اختيار موضوع البحث العلمي يعتبر هو المحدد الرئيسي لمدى إمكانية السير فيه و إنجازه ، هذه المرحلة التي تعد أولى مراحل البحث العلمي، ومن أكثر ما يواجه الباحث من صعوبات في إعداد بحثه وهذا نظرا لتعدد واختلاف عوامل و مقاييس الاختيار.
و المشكلة التي أصبحت تواجه و تعرقل حسن إنجاز الأبحاث العلمية، والتي أصبحت اليوم من الأخطاء الشائعة وسط الباحثين المبتدئين و الطلبة الباحثين من أجل التخرج هي التسرع بل أحيانا التهور في اختيار موضوع البحث العلمي، مما يؤدي في الأخير إلى الوقوع في سوء الإختيار.
حيث يظن البعض منهم أن مرحلة اختيار الموضوع لا بد من تجاوزها في أقصر مدة ممكنة معتقدين أن ذلك هو ربح و استثمار للوقت.
لكن الصحيح هو أن مرحلة اختيار الموضوع هي مرحلة حساسة جدا على الباحث التريث فيها و إعطائها كل حقها من الوقت. فمثلها مثل قراءة سؤال الامتحان إذ من تعجل في قراءته فأكيد لن تكون إجابته سليمة و شاملة على عكس من تريث و تمعن فيه حتى يتسنى له فهمه جيدا، إذ كما يقال فهم السؤال نصف الجواب.
نفس الشيء بالنسبة لاختيار موضوع البحث العلمي، فمن أحسن اختياره مراعيا في ذلك كل العوامل الذاتية و الموضوعية المرتبطة به فإن ذلك حتما سينعكس على صورة بحثه في الأخير ولن يضطر لإعادة اختيار عنوان آخر و هو في وسط الطريق مما يكلفه وقتا ثمينا و جهدا وفيرا سيضيعهما لو اضطر فيما بعد لتغيير الموضوع نتيجة سوء الاختيار، أو يضطره لمواصلة بحثه بنفس العنوان المختار في الأول لكن دون رغبته أو وسط ظروف قاسية غير ملائمة تنعكس بالضرورة سلبا على عطاءاته و ابدعاته في إنجاز هذا البحث.
لهذا ينصح بالتريث و الدقة وعدم العجالة في هذه المرحلة وإعطائها وقتها المناسب دون التفكير في ضياع الوقت.
تفاديا لكل هذا وذاك و كعلاج لمثل هذه المشكلة أو الخطأ الشائع فإنه على الباحث أو الطالب إعطاء كل الوقت لنفسه حتى يحسن اختيار موضوع بحثه ، كما عليه احترام العوامل الذاتية المرتبطة بشخصه ، و الموضوعية التي تتحكم في عملية الاختيار وذلك كما يلي:
1) عوامل اختيار موضوع البحث العلمي المرتبطة بشخص الباحث.
تسود عملية اختيار موضوع البحث العلمي عدة عوامل و معايير ذاتية متصلة بنفسية وشخصية الباحث، تجعله يميل لاختيار موضوع ما دون الآخر، هذه المقاييس يمكن إجمالها في الآتي:
- معيار الرغبة النفسية و الذاتية للباحث:
إن عامل الرغبة النفسية و الذاتية لدى الباحث هو أول ما يشده للدراسة و التعمق بل والتخصص في ميدان معين، وإذا استطاع الباحث أن يحقق ميوله الذاتي نحو موضوع ما، فإن ذلك يخلق نوعا من الإنشداد النفسي و الوجداني بينه وبين موضوع بحثه، فلا يقع في مضيق الملل الذي يمثل أكبر عائق نفسي أمام الباحث، فيرهقه ويؤثر سلبا على عطائه العلمي.
و الإنشداد الوجداني نحو موضوع البحث يعتبر دافع أساسي لإكمال البحث بصورة جيدة، وهو الذي من شأنه أن يذلل الصعاب و يجعل الإرهاق الجسدي والمادي مجرد متعة تجعل الباحث ينجز بحثه و كأنه يمارس هواية له ([1]).
ب) الإستعدادات الشخصية للباحث:
من العوام ولمقاييس الذاتية التي تتطلبها عملية حسن اختيار موضوع البحث العلمي هو معيار مدى توفر القدرات والاستعدادات الذاتية لدى الباحث و التي يجب عليه احترامها و مراعاتها بعناية و جدية سواء من طرفه أو من طرف الأستاذ المشرف و مؤسسات التكوين العالي و البحث العلمي العامة و الخاصة ـ في حالة المذكرات و الرسائل الجامعية ـ وذلك من أجل ضمان السير الحسن و الانطلاقة المنطقية و الموضوعية لإعداد البحوث العلمية ([2]).
وعلى العموم يمكن تلخيص هذه الاستعدادات في الآتي:
ـ القدرات العقلية للباحث :
وهي القدرات و المكنات العقلية التي تمكن الباحث من قدرة التعمق و الفهم والتحليل و الاستنتاج و ربط الأفكار ومقارنتها. وهي أمور تتفاوت من باحث لآخر حسب سعة الاطلاع و كثرة القراءة و التفكير و التأمل في شتى الوثائق و المصادر المتعلقة بالموضوع، بالإضافة إلى أن سنوات الدراسة المتخصصة التي تؤهله لإعداد البحث العلمي.
ـ القدرات الجسمانية للباحث:
على الباحث أن يراعي قدراته الجسمانية في اختياره لموضوع بحثه حتى لا يرهق نفسه بتحميلها أكثر مما تطيق . بحيث عليه اختيار ما يتناسب و حالته الصحية إذا ما كان مثلا مريضا أو معاقا، وذلك بالابتعاد عن بعض المواضيع التي تستدعي كثرة التنقلات و المقابلات.
ـ القدرات الاقتصادية للباحث:
وهي الحالة المالية و الاجتماعية للباحث و التي يجب مراعاتها أثناء اختيار الموضوع، إذ هناك بحوث تتطلب مصاريف كثيرة قد تفوق القدرات المالية للباحث.كالمواضيع التي تتطلب التنقل إلى الخارج و اقتناء المراجع و تصويرها أو شرائها.مما يؤثر سلبا على البحث العلمي بأن يكون ناقصا وغير مستوفيا لمتطلباته اللازمة.
ـ الاستعدادات و القدرات اللغوية:
تتحكم مدى قدرات و استعدادات الباحث اللغوية في اختيار موضوع البحث العلمي، حيث هناك موضوعات تتطلب الدراسات المقارنة، مما يستوجب على الباحث أن يجيد العديد من اللغات الأجنبية،حتى يتمكن من الترجمة الصحيحة للموضوعات المكتوبة بهته اللغات.
ت) معيار التخصص العلمي و المهني للباحث: من المعايير التي تحترمها مؤسسات التعليم العالي و يراعيها الباحث أثناء اختيار موضوع البحث معيار التخصص العلمي فهذا المعيار لا يمكن النزول عنه أو التغاضي عنه، إذ يصعب على الباحث الذي زاول دراسته في فرع معين أن يختار موضوعا لا يدخل ضمن تخصصه.
كذلك عامل التخصص المهني هو مؤثر ذاتي وأساسي في اختيار الموضوع، فمن الأفضل على الباحث الذي زاول دراسته في فرع من فروع المعرفة مرتبط بمهنته أن يختار موضوع ضمن اختصاصه المهني، حتى يسهل عليه عملية البحث و يدعم الجانب العملي لموضوع بحثه.
2) العوامل و المعايير الموضوعية لاختيار موضوع البحث العلمي.
بالإضافة إلى العوامل الذاتية المذكورة سابقا، هناك مجموعة من المعايير الموضوعية التي تتوقف عليها عملية اختيار موضوع البحث العلمي و التي سنجمل أهمها فيما يلي:
- الوقت المتاح لإنجاز الأبحاث العلمية:
تلعب المدة الزمنية المحددة لإنجاز البحث العلمي دورا مهما في اختيار نوعية موضوعه, لذلك على الباحث أن يراعي الوقت المتاح له رسميا من طرف الجهات المختصة بذلك حتى لا يقع فيما بعد في سراع مع الوقت مما يؤثر سلبا على مواهبه.وحتى يستطيع إعداد بحثه في الوقت المنوح له ، و تتجنب مخاطر الإخلال بسبب عامل الوقت المحدد([3]).
- مدى توافر المادة العلمية المتعلقة بموضوع البحث:
أكثر ما على الباحث مراعاته في اختيار موضوع بحثه هو عامل و معيار توفر الوثائق العلمية المتعلقة بالموضوع.خاصة البحوث العلمية التي تنجز من أجل الحصول على درجات علمية، كدرجة الماجستير أو الدكتوراه ، حيث يشترط لإنجازها أن يعتمد الباحث على العديد من المراجع و المصادر, هذه الأخيرة التي تؤثر أيضا في القيمة العلمية للبحث و تؤكد عنصر الثقة في نتائج البحث، فالباحث الذي لا يستطيع أن يستوعب جميع حقائق الموضوع ولا يتشكل لديه ما يسمى بنظام التحليل ([4]).
- معيار الدرجة العلمية المحصل عليها بعد إنجاز البحث:
إن طبيعة الدرجة العلمية المتوخاة من إعداد البحث العلمي بدورها تتحكم في طبيعة موضوع البحث. حيث يجبر الباحث على اختيار موضوع دون آخر وذلك بما يتناسب والدرجة العلمية التي يصبوا للحصول عليها أكانت رسالة دكتوراه أم ماجستير أم لأجل ترقية في الوظيفة وغيرها،إذا كان الباحث موظفا.بحيث يظهر الاختلاف من حيث درجة التعقيد والتشعب من الناحية الموضوعية، أيضا من خلال عدد الصفحات من الناحية الشكلية.
- معيار القيمة العلمية لموضوع البحث العلمي:
على الباحث أن يراعي في اختياره لموضوع بحثه أن يكون مبتكرا، يمكن من كشف حقائق جديدة أو أنه على الأقل يدعم المعلومات السابقة لتصبح أكثر نقاءا ووضوحا، وذلك باثراء وتنقيح وإعادة تجميع المعلومات، ولهذا فإنه يمكن إعادة تناول البحوث التي سبق دراستها ، لأن البحث العلمي لا يكون دوما بحثا جديدا، إذ يستطيع الباحث أن يعيد النظر في أعمال من سبقوه بشرط أن يظهر جهده الشخصي فيه و التحليل و النقد البناء له، ويظهر ذلك من خلال الأسلوب و المنهجية والنتائج المتحصل عليها في الأخير.
ثانيا: عدم احترام التوازن الشكلي و الموضوعي لخطة البحث العلمي.
إن من الأخطاء الشائعة التي أصبحنا اليوم نجدها في جل الأبحاث المقدمة من طرف طلبتنا ـ للأسف ـ هو عدم إعارة الاهتمام والاعتبار لشيء في غاية الأهمية ، والذي يعتبر من أساسيات و أدبيات المنهجية العلمية السليمة ، ألا وهو ” التوازن الشكلي و الموضوعي لخطة البحث العلمي”.
علما أن المقصود بالتوازن الشكلي لخطة البحث هو ضرورة تحقيق التقابل و التوازن بين التقسيمات الأساسية و الفرعية و الجزئية أفقيا و عموديا، كأن يتساوى و يتوازن عدد أبواب الأقسام و الأجزاء، و كذا عدد فصول الأبواب، وعدد مباحث الفصول، وعدد مطالب البحوث…وهكذا.
لكن وللأسف ما يجدر ذكره هنا هو أنه شاع بين الأساتذة و الباحثين تفضيل بل في بعض الأحيان فرض الخطة الثنائية مهما كان موضوع البحث العلمي، والمقصود هنا هو أن تكون تقسيمات الخطة دائما ثنائية، بمعنى بابان و فصلان و مبحثان و مطلبان… إلخ ،لدرجة أن الباحث أو الطالب يضيع وقتا كبيرا ووقتا ثمينا في محاولة تحقيق الخطة الثنائية على حساب موضوع البحث وهذا غير صحيح و غير مطابق لأساسيات المنهجية العلمية ، فالأصح و المنطقي هو أن موضوع البحث هو الذي يفرض تقسيمات الخطة إذا ما كانت ثنائية أم ثلاثية أم غيرهما وليس العكس.
أما التوازن من الناحية الموضوعية للخطة فهو يعني أن تكون عدد الصفحات لكل قالب من القوالب المستعملة متساوية أو على متقاربة فيما بينها، فإذا قسم الموضوع إلى فصلين مثلا، فيجب أن تكون عدد الصفحات المخصصة لكل فصل متساوية أو متقاربة مع الفصول الأخرى، ولهذا يجب منذ البداية وقبل الانطلاق في عملية الكتابة مراعاة ذلك و هذا بالنظر إلى ما يمكن أن يحتويه كل عنصر من عناصر البحث من معلومات و بالتالي ما يمكن يخصص له من صفحات.
وعليـه فعلى البـاحث مراعـاة و احترام تـوازن الخطـة من الناحيتيـن الشكلية و الموضوعية حتى يتسنى وصف بحثه بأنه بحث علمي.
إذ أن عملية هيكلة و تقسيم موضوع البحث العلمي، هي مرحلة حتمية و جوهرية للباحث من أجل إعداد بحثه، مثلها مثل حتمية عملية وضع تصاميم البناء و العمران لإتمام إقامة البنايات
إن تقسيم و تبويب موضوع البحث العلمي يعني و يتضمن تحديد المشكلة أو الفكرة الأساسية و الكلية لموضوع البحث تحديدا جامعا و مانعا ، وإعطائها عنوانا رئيسيا، ثم تحديد مدخل الموضوع في صورة مقدمة البحث، والقيام بتفتيت وتقسيم و ترتيب الفكرة أو الموضوع الأساسي و الرئيسي في مشكلات وموضوعات فرعية و جزئية و خاصة، ثم تقسيم الأفكار الفرعية و الجزئية و الخاصـة إلى موضوعـات و مشكـلات أقل فرعية و جزئيـة و خصوصية… وهكذا، وذلك على أسس و معايير منطقية و منهجية دقيقة وواضحة، بحيث يشكل التقسيـم و التبويب هيكـلة و بناء البحث الكامل، ثم القيام بإعطـائها عناوين جزئيـة و فرعية في نطاق قوالب و صور منهجية و معلومة.
ذلك أن تقسيمات البحث الأساسية و الثانوية هي في الحقيقة أفكاره الأساسية الرئيسية و الجزئية كاملة. واستعمال أحد مصطلحات التقسيم :قسم ، باب، فصل ، مبحث ، مطلب…إلخ يجب أن يتناسب مع طول البحث. وتؤخذ بعين الاعتبار في كتابة البحث العلمي([5]).
ثالثا: عدم احترام مبدأ مرونة خطة البحث العلمي و تناسق العناصر المكونة لها.
لن يكون بحثا علميا جيدا، ذلك الذي يتم فيه الانتقال إلى أفكار أساسية جديدة غير ملموسة، دون انعكاس ذلك على تقسيماته، وليس جيدا من ناحية ثانية أي بحث تكثر فيه التقسيمات الجزئية، بحيث تفكك الفكرة الواحدة إلى عناصرها الأولية .
فعملية تقسيم وتبويب البحث العلمي، والتي تتضمن تقسيمات الموضوع الأساسية و الكلية و العامة والفرعية و الجزئية والخاصة، على أسس و معايير علمية و دقيقة، هي عملية حتمية و حيوية لإعداد البحث العلمي ، حيث يقوم الباحث على هدى الخطة و التقسيم و المرسوم بإعداد بحثه خطوة خطوة و مرحلة مرحلة.في حركات و تنقلات متناسقة و متكاملة حتى يصل إلى النتيجة العلمية المقصود كشفها و تفسيرها في نهاية البحث.
علما أن هناك مجموعة من الشروط و الإرشادات لابد على الباحث أن يتبعها و يحترمها لإقامة و تحقيق خطة تقسيم و تبويب البحث بصورة سليمة و ناجحة، ومن هذه الشروط مايلي:
1) يجب الاعتماد الكلي على المنطق و الموضوعية و المنهجية السليمة في التقسيم و التبويب المؤسس والمقبول لموضوع البحث. ويكون ذلك بالتعمق و الشمول في قراءة و تأمل كافة جوانب و أجزاء الموضوع بصورة جيدة.وبضرورة الإطلاع والاستفادة من خطط وتقسيمات الأبحاث العلمية الممتازة و الناجحة التي سبقت.
2) لابد على الباحث أن ينطلق في تقسيمه للموضوع من مشكلة البحث أو الفكرة العامة له، فتكون كل عناصر الخطة عبارة عن مشكلات فرعية تشكل في مجموعها المشكلة الأساسية للبحث، وإذا التزم الباحث بهذا الشرط يكون قد ضمن لنفسه عدم الخروج عن موضوع بحثه.
3) حتمية الأخذ في الحسبان الموضوعات و العناصر المستحدثة ، المتوقعة و غير المتوقعة و المتعلقة بموضوع البحث. لذا لابد من احترام مبدأ مرونة خطة و تقسيم البحث.
- يجب أن يكون التقسيم والتبويب تحليليا و دالا، وليس مجرد تجميعا لموضوعـات و عناوين فارغة، فلابـد أن يذكر التبويـب في موضوعاته و عناوينه الأساسيـة و الفرعية و الجزئية و العامة و الخاصة وفرضيات و أفكار ذات دلالات وإيحاءات علمية. كما يجب تحاشي التكرار و التداخل و الاختلاط بين مضامين و محتويـات العناصـر و الموضوعـات والعناوين الأساسية و الفرعيـة و الجزئيـة و العامة و الخاصة أثناء تقسيم وتبويب البحث.
- يجب أن تكون كل عناصر الخطة مترابطة فيما بينها، بحيث إذا حذفنا أحد العناصر يظهر الخلل بوضوح في البحث، وهذا ما يميز خطة البحث العلمي عن المؤلفات الحرة التي تظهر في شكل كتب ومجلات وغيرها، إذ في هذه الأخيرة لا يكون الترابط كبيرا بين عناصرها لأنها في الغالب تحتوي على موضوعات مستقلة عن بعضها إلا من ناحية كونها مادة واحدة ،أما في البحوث العلمية فالأمر يختلف فالباحث يتناول موضوعا واحد هو نقطة صغيرة في مادة محاولا التعمق إلى أبعد مدى ولذلك تكون خطة بحثة شديدة الترابط في أجزائها.
- يجب أن تكون العناوين المكونة لخطة البحث واضحة و كاملة في بنائها، بحيث لا تستند في بنائها إلى العنوان الذي تنطوي تحته. كما يجب عند صياغة عنوان معين أن تكون كل العناوين الجزئية التي تدخل في إطاره تعبر عن ذلك العنوان، وإذا ما ظهر عنوان مطلب مثلا لا يتناسب مع عنوان المبحث، فلا بد من حذفه، وإدخاله في جزء آخر من الخطة أو توسيع عنوان المبحث لكي يكون مستغرقا فعلا لكل المطالب التي تدخل ضمنه([6]).
رابعا: عدم التمكن من تقنيات إنجاز الأبحاث العلمية و المتعلقة خصوصا بوضع إشكالية مضبوطة للبحث تتناسب و تتناسق مع موضوعه.
هناك عدة تقنيات يتميز بها إنجاز البحث العلمي من أهمها وضع إشكالية دقيقة تتناسب مع موضوع بحيث يكون كل جزء من الموضوع يمثل جزء من الإجابة عن تلك الإشكالية المطروحة في المقدمة، دون زيادة و لا نقصان. ( وهذا ما سميته بتقنية ضبط الإشكالية و شموليتها).
وللأسف فإن هته التقنية أصبح نادرا التحكم فيها بإتقان بحيث أصبحت مشكلة البحث توضع من أجل الوضع و فقط و كأنها خطوة لابد منها و انتهى الأمر، بل أكثر من ذلك نجد بعض الأبحاث يحول فيها عنوان البحث إلى سؤال دون بذل أي جهد وتكون بذلك الإشكالية قد وضعت .
لكن الصحيح هو أن مشكلة البحث العلمي تخضع لعدة أسس و معايير تحدد على أساسها ،إذ أن معايير اختيار مشكلة البحث هي نفسها معايير اختيار الموضوع التي تم ذكرها أعلاه . ذلك لأن البحث العلمي ما هو إلا إجابة عن مشكلة ما.
لكن وبعد اختيار المشكلة يجب على الباحث أن يراعي دائما عدم الخروج عن إطارها، لا بالزيادة ولا بالنقصان ، بحيث تكون كل المعلومات التي حصل عليها تتصل بمشكلة البحث ، ولأجل هذا لابد من اتباع بعض الأسس في تحديد مشكلة البحث ، نجملها في الآتي:
- يجب أن تصاغ مشكلة البحث في صورة واضحة ودقيقة .وذلك بتجنب استعمال بعض المصطلحات الفضفاضة التي يمكن تأويل معناها.
- يجب ألا تكون مشكلة البحث عامة و لا غامضة من جهة، ومن جهة أخرى لا تكون ضيقة ومحدودة، بحيث تجعل مضمون البحث يفوق حدود الإجابة عليها. مما يؤثر على القيمة العلمية للبحث. لذلك على الباحث الماهر أن يصل إلى التوفيق بين التوسيع و التضييق في المشكلة،لأن التضييق الزائد شأنه شأن المعالجة العريضة و الموسعة للموضوعات,
- يجب وضع حدود للمشكلة الموضوعة، بحيث تحذف كل الجوانب التي لا يتضمنها البحث.إذ على الباحث وفي كل مراحل وأجزاء بحثه عليه أن يراعي عدم الخروج عن حدود محاولة الإجابة عن المشكلة المطرحة سابقا.بحيث يفترض أن كل المناقشات التي ستدور في البحث تتمحور حول إيجاد حل لهذه المشكلة.
- بعد اختيار الباحث لموضوع بحثه وتحديد مشكلة له، وبعد التعمق فيه، قد تظهر له إشكاليات أخرى تحتاج إلى معالجة ، وهذا الأمر منطقي ، فنظرة الباحث لموضوع البحث في بدايته تختلف عن نظرته له بعد الدراسة الطويلة، وفي هذه الحالة قد يغير الباحث صياغة المشكلة فيوسعها أو يضيقها ، أو يعيد النظر فيها من الأساس إذا ما رأى أن مشكلة أخرى هي الجديرة بالدراسة.
خامسا: عدم احترام قواعد التهميش و علاقته بخيانة الأمانة العلمية.
آخر نقطة لمداخلتي هته اخترت أن أخصصها لنقطة بالرغم من بساطتها إلا أنها لا تقل أهمية عن بقي النقاط المشار إليها أعلاه، ألا و هي “عملية التهميش”، إذ خلال إعداد البحث يعتمد الباحث على مصادر متنوعة لذا وجب الاعتراف لمؤلفيها بفضلهم الكبير في إنجاز البحث وهذا الاعتراف يظهرا من خلال التهميش.
فالكثير من الباحثين المبتدئين و كذا الطلبة لا يعيرن اهتماما لهته النقطة، فمنهم من يهمش بطريقة عشوائية ، وهناك من يهمش من دون منهجية و هناك من لا يهمش أ صلا، متناسين بذلك أنهم بذلك يتعدون على حق كبير اسمه “الأمانة العلمية”.
وكمحاولة للحد من هذه الظاهرة فعلى الباحث إتباع خطوات معينة في عملية التهميش و الالتزام بها حتى يتفادى سوء التهميش ومنه الوقوع في الخيانة العلمية .و من هذه القواعد و المبادئ نتناول أهمها في اللآتي:
- عدم الإكثار من الاقتباس: فكثرته تذيب شخصية الباحث وكثرة الهوامش في الصفحة الوحدة تحاصر فكر الباحث، فلا يجد لنفسه مسلكا يبرز من خلاله شخصيته العلمية،كما أن كثرة الاقتباس تخل بالتسلسل في الأفكار وفي نوعية اللغة المستعملة ،وبالتالي تخل بالأسلوب العلمي للباحث ،وذلك ناتج عن اختلاف أساليب المؤلفين الذين اقتبس الباحث آراءهم.
- توجد بعض الأفكار والمفاهيم الشائعة ترددها كل المصادر فلا داعي لان ينسبها الباحث إلى مصدر معين، وعدم الإشارة في الهامش إلى تلك الأفكار و المفاهيم لا يعني أنها تنسب إلى الباحث، لأن من يطالع مصادر أخرى في الموضوع نفسه يجد هذه المفاهيم تتكرر ولا يعرف بالضبط مصدرها الأصلي، فيدرك أنها أصبحت في حكم المباح لا يحتكرها أحد.
- هناك حالات يستحب فيها الاقتباس، كاستشهاد الباحث برأي مؤلف ما، وفي البحوث القانونية يستحب الاقتباس الحرفي للنصوص القانونية والأحكام والقرارات القضائية غير أنه في هذه الأخيرة يذكر الباحث منطوق القرار فقط بدون حيثيات إذا كان الاستشهاد بمحتوى القرار أو الحكم، أما إذا ركز الباحث انتقاده على صحة أو خطا القرار فلابد من ذكر أسباب صدور القرار لمعرفة العيب الذي اشتمل عليه من حيث التسبيب .
- في حالة الاقتباس الحرفي لا يجوز للباحث تحريف الكلام أو تغييره، إلا انه قد تكون هناك أخطاء في النص المقتبس ترجع للطبع أو لصاحب النص نفسه، فهنا لابد من تصحيحها بشرط أن يضع الباحث كلامه الخاص الذي يتوسط النص بين إشارتين أو بين مطتين، وذلك لأن الباحث وإن كان غير مسؤول عن أخطاء الآخرين إلا أنه مسؤول عن الكتابة، فلا يجوز له الوقوع في الأخطاء نفسها التي وقع فيها الآخرون([7]).
- عن طريقة الاقتباس، إذا كان الاقتباس حرفيا فإنه يوضع بين قوسين،وإذا كان طويلا وأراد الباحث حذف البعض منه فإنه يشير إلى الكلام المحذوف بثلاث نقاط أفقية ،ويستحسن الاقتصار على حالة الضرورة فقط في الاقتباس الحرفي، فأسلوب المؤلف ولغته قد تغري الباحث بأن يحاول اقتباس النص حرفيا ، ولكن هذا ليس بمبرر، وهو دليل ضعف أسلوب الباحث ، ولهذا يجب عليه أن يحاول اقتباس الأفكار فقط وصياغتها بأسلوبه الخاص.
- في الحالتين، الاقتباس الحرفي واقتباس الفكرة يجب الإشارة إلى المصدر المعتمد في ذلك، وعدم الإشارة إلى المصدر الهامش يعتبر تعديا على أفكار الغير ويسميه البعض بالسرقة الأدبية، فهو يخل بسمة الأمانة العلمية التي يتحلى بها الباحث، ولكن قد يصل الباحث إلى نتائج أو أفكار معينة فيكتبها في بحثه على أنها نتاج ذهنه ويكتشف فيما بعد هناك من وصل إلى نفس النتائج وهنا لا بأس من الإشارة في الهامش إلى المصدر من أجل تدعيم رأيه، مع ذكر عبارة “أنظر في هذا الرأي”([8]).
7) يجب على الباحث الالتزام بالقواعد المنهجية والأطر العلمية و القانونية و الأخلاقية لاستخدام الوثائق و مصادر المعلومات المتاحة بما تقتضيه الموضوعية و الأمانة العلمية لأي بحث علمي و ذلك بتوثيق المصادر في الهامش،
والتوثيق هنا يقصد به إسناد الأفكار والمفاهيم إلى مصدرها الأصلية، وهذه العملية تختلف باختلاف نوع المصدر المستخدم، وكذالك تختلف في حالة تكرار المصدر.
الخاتـــمة:
كخاتمة لمداخلتي هته أقول: أن البحث العلمي هو عمل منظم بقواعد و أسس على الباحث الالتزام بها و الابتعاد كل البعد عن الأخطاء التي أصبحت اليوم شائعة في أبحاثنا العلمية.
ولتحقيق ذلك لابد من التقيد و الالتزام بمقتضيات علم المنهجية، هذا العلم الذي يعد أساس كل بحث علمي, خاصة وأن هذا الأخير يمتاز بأنه علم منظم و مضبوط، فالنتائج المتحصل عليها بموجبه ليست وليدة مصادفات بل هي نتائج مدروسة و مقصودة، وهذا ما يضفي على البحث العلمي عامل الثقة في نتائجه.
ولكي يكون البحث العلمي علم منظم و مضبوط, لابد من إتباع مراحل معينة لإنجازه, والتي تعني كل الطرق و الأدوات والأساليب المسطرة لإعداد البحث العلمي.
و عليه فقد حان الوقت الآن، وأكثر من أي وقت مضى لنبحث من أجل البحث بجدية و إتقان، و ليس من أجل الحصول على رتبة معينة أو تحصيل شهادة مرغوبة، متجاهلين بذلك مبادئ و أساسيات البحث العلمي.
قائمة المراجع:
- د/ إدريس فاضلي : الوجيز في المنهجية و البحث العلمي ، سلسلة القانون الصادرة عن جامعة الجزائر ، كلية الحقوق ، 2002.
- د/ الصيرفي محمد عبد الفتاح ، البحث العلمي ـ الدليل التطبيقي للباحثين ـ الطبعة الأولى، دار وائل للنشر، عمان ـ الأردن، 2002.
- د/ بوفحص عبد الكريم ، دليل الطالب لإعداد وإخراج البحث العلمي، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر، 2006.
- د/ شميشم رشيد: مناهج العلوم القانونية ، دار الخلدونية، الجزائر، 2006.
- د/ عوابدي عمار: مناهج البحث العلمي و تطبيقاتها في ميدان العلوم القانونية و الإدارية، الطبعة الثانية، ديوان المطوعات الجامعية، الجزائر ، 1983.
- د/ مراح علي : منهجية التفكير القانوني، ( نظريا و عمليا) ، الطبعة الثانية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر، 2005.
[1] ـ د/ إدريس فاضلي : الوجيز في المنهجية و البحث العلمي ، سلسلة القانون الصادرة عن جامعة الجزائر ، كلية الحقوق ، 2002.
[2] ـ د/ الصيرفي محمد عبد الفتاح ، البحث العلمي ـ الدليل التطبيقي للباحثين ـ الطبعة الأولى، دار وائل للنشر، عمان ـ الأردن، 2002.
[3] ـ د/ عبد الكريم بوفحص ، دليل الطالب لإعداد وإخراج البحث العلمي، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر، 2006 ، ص32 .
[4]ـ د/ عمار عوابدي : مناهج البحث العلمي و تطبيقاتها في ميدان العلوم القانونية و الادارية، الطبعة الثانية، ديوان المطوعات الجامعية ، الجزائر ، 1983، ص 52.
[5] ـ د/ علي مراح : منهجية التفكير القانوني، ( نظريا و عمليا) ، الطبعة الثانية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر، 2005, ص123 .
[6] ـ د/ رشيد شميشم : المرجع السابق، ص89.
[7] ـ د/ فاضلي إدريس: المرجع السابق، ص92 وما بعدها .
[8] ـ د/ رشيد شميشم : المرجع السابق، 103.